العد الخاص الجديد لرجل المستحيل قاهر الاسود......
والذى وقعت احداثه بعد انتهاء عدد المواجهة ومع بداية تولى ادهم صبرى مهمةتدريب الكوادر الجديدة وقبل احداث العملية الاخيرة (المدرب) التي اختفى بعدها......
العدد كان من المفترض نزوله فة معرض الكتاب السابق ولكن لقرار المؤسسة العربية الحديثة تقرر تأجيله للمعرض القادم
واليكم الفصل الاول والثانى من العدد....
1- حياة جديدة .
" صباح الخير"
التفت ذلك الشاب , طويل القامة عريض المنكبين قصير الشعر , إلى الخلف , وتطلع قليلا إلى ذلك الشاب النحيل الذى يرتدى منظارا طبيا , والذي بدا مرتبكا , ثم قال :
- صباح الخير .
تنحنح النحيل بارتباك , مغمغما :
- معذرة على تطفلي , فقد رأيتك بمفردك , وأنا لا أعرف أحدا هنا و ..
لم يجد ما يقوله , فتلعثم , فارتسمت ابتسامة هادئة على شفتي الشاب , وقال :
- لا عليك .. كلنا هذا الرجل .
ومد يده نحوه , مستطردا :
- النقيب ( حاتم الشريف ) .. مكافحة الإرهاب .
صافحه النحيل بارتباك , قائلا :
- ( مروان درويش ) .. طبيب نفسي .
قال ( حاتم ) مبتسما :
- تشرفنا .
وصمت لحظة , ثم أشار إلى الجميع , قائلا :
- إذن فقد جاءتك الدعوة مثلنا .
عدّل ( مروان ) منظاره الطبي , مغمغما :
- هذا صحيح .
وتردد لحظة , قبل أن يغمغم :
- رغم أنني لست أدرى كيف عرفوا بى , ولماذا أنا بالذات .
غمغم ( حاتم ) بهدوء :
- إنهم لا يختارون سوى أفضل العناصر الموجودة .
حدق ( مروان ) فى وجهه لحظات , ثم غمغم :
- حقا ؟
أومأ برأسه إيجابا فى صمت , وتطلع مرة أخرى إلى من حوله ..
كان هناك فى تلك القاعة ما يقرب من العشرين شخصا ..
شباب وفتيات فى مثل سنه تقريبا ..
وكان من الواضح , أنهم مزيج من العسكريين والمدنيين و ..
" الرجاء من الجميع , دخول القاعة ( أ ) "
قطعت العبارة الهادئة أفكار ( حاتم ) , فدارت عيناه فى المكان , حتى توقفتا عند القاعة المنشودة , فغمغم :
- ها هي ذي .
سأله ( مروان ) وهو يسير بجواره نحو القاعة :
- ألديك فكرة عما سيحدث الآن ؟
غمغم ( حاتم ) :
- كل شيء سيتضح بعد قليل .
دلف الاثنان إلى القاعة , التي كانت أكثر اتساعا من القاعة الأولى , وتراصت بداخلها مقاعد أنيقة , فاتخذ الاثنان مقعدين متجاورين , ومال( مروان ) على أذن ( حاتم ) هامسا :
- يبدو أنهم سيعرضون علينا فيلما ما .
تطلع ( حاتم ) إلى شاشة العرض الكبيرة فى صمت , فى نفس اللحظة التى بدأت فيها أضواء القاعة فى الخفوت تدريجيا , حتى أظلمت القاعة تماما ..وهنا بدأ العرض .. كان فيلما عن رحلة الجهاز عبر نصف قرن من الزمن , من بداية التكوين , والمبنى القديم , ثم الجديد , ونبذه عن أقسام الجهاز الداخلية , وعرضا لبعض العمليات ..
وبأنفاس مبهورة , تابع الجميع الفيلم , وقلوبهم تخفق من فرط الحماس , وتمتم ( مروان ) بانبهار :
- ياإلهى !! .. لقد كنت أقرأ فى صباي عن جهاز مخابراتنا , ,إلا أنني لم أكن أتوقع أنه بهذه الروعة .
لم يعلق ( حاتم ) على قوله , وهو يتابع الفيلم بدوره , بانفعال شديد , وقلبه يخفق بقوة ..
وفى أعماقه شعر بحماس شديد , لأنه ينتمي الآن إليه ..
وانتهى الفيلم , وبدأت أضواء القاعة تشتعل تدريجيا , فقال ( مروان ) بإنبهار :
- يا للروعة !!
" صباح الخير "
حاول الجميع تحديد مصدر الصوت , إلا أنهم فشلوا , وعاد الصوت الهادئ يقول من مكان ما :
- مرحبا بكم فى ( المخابرات العامة المصرية ) .
شعروا بالحماس يدب فى أوصالهم , وصمت الصوت لحظة , ثم استطرد قائلا :
- لابد أنكم لاحظتم أن نصفكم على الأقل ليسوا عسكريين .. وهذا منطقي .. فكل جهاز مخابرات فى العالم , يضم العديد من الخبراء فى كافة المجالات .. بينكم ضابط الشرطة والصاعقة ومكافحة الإرهاب .. وبينكم أيضا مهندس الكمبيوتر والطبيب البشرى والنفسي .وتابع بهدوء :
- من اليوم , سيبدأ كل منكم حياة جديدة , تختلف عن حياته السابقة تماما .. لن تتغير أسمائكم بالطبع , ولكن وظائفكم لن تعد كما كانت .. أنتم الآن تعملون لحساب ( المخابرات العامة المصرية )، وأنتم تعرفون بالطبع أن السرية مطلوبة بشدة فى مجالنا .
مرة أخرى عاد الصوت يصمت لبضعة لحظات , قبل أن يعود قائلا :
- أعلم جيدا أن لدى كل منكم عشرات الأسئلة , لذا فأنا مستعد لسماعها والإجابة عليها .
تساءل أحد الشباب بحذر :
- لماذا نحن بالذات ؟
أجابه الصوت بهدوء :
- لأننا نبحث عن أفضل العنصر فى كل المجالات .
تساءل آخر :
- والمفترض أننا الأفضل .. أليس كذلك ؟
قال الصوت بنفس اللهجة الهادئة :
- أنتم الدفعة الأولى من أفضل العناصر .
غمغمت إحدى الفتيات :
- هناك غيرنا إذن .
قال بهدوء :
- بالتأكيد .
سأله ( مروان ) بارتباك :
- وكيف تم الحكم على أننا الأفضل ؟
قال الصوت بغموض :
- لنا وسائلنا الخاصة .
تساءلت إحدى الفتيات بحذر :
- وما هذه الوسائل الخاصة ؟
أجابها بهدوء :
- المعرفة بقدر الحاجة فقط .. تذكروا هذه القاعدة جيدا .
قال ( حاتم ) بغتة :
- هل لنا فى معرفة مع من نتحدث بالضبط ؟
ساد التوتر القاعة بغتة مع سؤال ( حاتم ) المباغت . وحدق فيه ( مروان ) بدهشة مذعورة, وسادت فترة من الصمت المشوب بالتوتر , حتى ظن ( حاتم ) أنه أخطأ فى السؤال , إلا أن الصوت عاد يقول بهدوء :
- ورؤيته أيضا .
ومع نهاية قوله , بدأت شاشة العرض الكبيرة , ترتفع إلى الأعلى ببطء , وتعلقت عيون الجميع بها فى لهفة وانفعال , وخفقت قلوبهم فى شدة وهم يحدقون فى ذلك الرجل , الذى ظهر من وراء الشاشة وتقدم إلى الأمام فى هدوء ..
كان رجلا طويل القامة عريض المنكبين أشيب الفودين , على نحو زاد من وسامته , وإن بدا وجهه شاحبا قليلا ..
وفى هدوء شديد , وبابتسامة كبيرة , قال الرجل :
- تسعدني رؤيتكم وجها لوجه .. أنا رئيسكم الجديد .. العميد ( أدهم ) .
واستطرد قائلا :
- ( أدهم صبري ) .
وعادت قلوبهم تخفق ..
بمنتهى القوة .
***
تعالت طرقات خافتة على باب حجرة (قدري) خبير التزييف والتزوير في حجرته داخل إدارة المخابرات العامة المصرية فهب من مقعده بصعوبة بجسده الضخم نحو الباب وهو يلقي نظرة على ساعة يده هاتفا :
لاشك انه (شريف) . خبير الكمبيوتر الأول في الجهاز . من غيره يمكن أن يأتي في موعده بهذه الدقة ؟
قالها ثم فتح الباب فطالعه وجه (شريف) وهو يبتسم مرتبكا قائلا:
هل تأخرت يا سيدي ؟ أنت تعلم أن ال ...
قاطعه (قدري) بابتسامة واسعة وهو يحيط كتفيه بذراعه المكتنزة :
- تأخرت ؟ أنت أول من أراه يلتزم بمواعده بهذه الدقة .
ابتسم (شريف) في خجل وقال وهو يدلف إلى داخل الحجرة :
أشكرك يا سيدي . هذه شهادة عظيمة منك سأفخر بها ما حييت .
أغلق (قدري ) الباب ثم أسرع مهرولا إلى مكتبه , اتخذ مجلسه هناك وأشار إلى (شريف) بالجلوس , شبك أصابع يديه ثم قال وهو يتفحص في عيني( شريف) بإمعان :
هل أنت متيقن من اختيارك يا (شريف) ؟
أجابه (شريف) بحماس شديد :
نعم يا سيدي , تمام التيقن ...
أومأ (قدري) برأسه متفهما ثم حرك يديه وتململ في مقعده بصعوبة قائلا :
أهم ما يجب عليك أن تعرفه في هذه المهنة هو أنها تتطلب الدقة في الملاحظة و الصبر والنفس الطويل.
استمع إليه (شريف) باهتمام شديد وقدري يضيف :
ومن خلال معرفتي بك , أظن أنك لا تفتقر إلى هات الصفات على الإطلاق بل على العكس تتفوق فيها إلى درجة مدهشة . كما انك تتميز بشيء هام للغاية .
صمت قليلا قبل أن يضيف وهو يتطلع إلى (شريف) :
تتميز بعمل هو بمثابة العصا السحرية التي تحكم كل شيء في هذا الزمن .
ثم أشار بسبابته نحو (شريف) وقال في حسم :
أنك خبير كمبيوتر فذ .
احمرت وجنتا (شريف) بشدة وقال مرتبكا :
لست أدري كيف أشكرك يا سيدي , إن ...
قاطعه (قدري) قائلا في حزم :
الدرس الأول الذي عليك أن تتعلمه هو : لا مجال للمبالغة والمجاملة في العمل .
أومأ (شريف) برأسه إيجابا في خجل و(قدري) يضيف :
- وأنا عندما قلت أنك خبير كمبيوتر فذ فانا كنت أعني ما أقول . فكل التقارير في الإدارة تؤكد كلامي هذا , وتعتبرك خبير الكمبيوتر الأول في الجهاز .
قالها ثم أدخل يديه إلى دولاب مكتبه وأخرج منه أسطوانة كمبيوتر وبطاقة صغيرة ونهض من كرسيه الواسع و (شريف) يتابعه بعينيه بترقب و (قدري) يضيف :والقاعدة الثانية , أن لا مجال لإضاعة الوقت .
قالها ثم مد يده ل (شريف) وناوله أسطوانة الكمبيوتر مع البطاقة فتناولها الأخير و(قدري) يضيف :
الدرس الثاني هو أن تمحص في كل حرف تجده في تلك الأسطوانة و تحاول تقليد تلك البطاقة التي لديك .
نهض (شريف) من جلسته و (قدري ) يضيف وهو يشير إلى مكان في ركن الحجرة :
ستجد جهاز حاسوب هناك من أحسن طراز وبجانبه كل الأدوات التي ستحتاجها في عملك .
ثم أضاف بصرامة مفاجأة :
هيا أيها الضابط , لقد بدأ الدرس الثاني .
أجابه (شريف) بحماس شديد وهو ينهض من مقعده :
حاضر يا أستاذ .
قالها واتجه إلى ركن الحجرة ليبدأ عمله وشبح ابتسامة يبدوا على شفتي (قدري) ...
شبح ابتسامة تحولت إلى ابتسامة كبيرة...
* * *
" مبارك الوظيفة الجديدة . "
نطقتها ( منى ) برقة , فارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي ( أدهم ) , وغمغم :
- أشكرك يا عزيزتي .
تأملنه لحظات فى صمت , قبل أن تسأله :
- كيف كان يومك ؟
غمغم :
- جيد .. لقد بدأنا فترة الإعداد للمتدربين الجدد , ويمكنني القول : أن معظمهم يبشر بمستقبل مبهر .
مرة أخرى , تأملته فى صمت , قبل أن تهمس :
- الأمر لا يروق لك .. أليس كذلك ؟
زفر فى حرارة , مغمغما :
- ولما لا يروق لى ؟ ..أنا الآن رئيس قطاع التدريب والإعداد , فلم تظنين المنصب لا يروق لى ؟
ابتسمت فى رقة , هامسة :
- لأنني أعرفك جيدا يا ( أدهم ) .. ربما أكثر مما تعرف نفسك .
نظر فى عينيها مباشرة , فتوردت وجنتيها بحمرة الخجل , وهى تستطرد :
- أعرف أنك لم تخلق لمثل هذا العمل يا ( أدهم ) .. مكانك الحقيقي هناك ..فى ساحة القتال ..حيث تقاتل من أجل ما قاتلت من أجلها طيلة حياتك .. ( مصر ) .
غاص فى عينيها السوداويين الجميلتين , فى حين تابعت هي بنفس الهمس :
- كل ما حدث , أنك انتقلت إلى موقع أخر , تخدم به ( مصر ) بطريقة أخرى ... فمثلما أخذت أنت فرصتك فى شبابك , ووجدت من يقودك , ينبغي عليك رد الجميل ل ( مصر ) , بالأخذ بيد كل من يمكنه خدمتها , وإعطاؤه الفرصة .
سادت لحظات من الصمت , وكلاهما يغوص ى عيني الأخر , قبل أن يهمس ( أدهم ) بحب :
- أنت رائعة يا ( منى ) .
غمغمت بخجل مديرة دفة الحديث :
- ألا توجد أخبار جديدة عن ... ( سونيا ) وابنك ؟
أدرك محاولتها للفرار من حديثه , فتظاهر بأنه لم يفعل , وعاد يزفر بحرارة , مغمغما :
- للأسف لا ..الأمريكيون رفضوا إخبارنا أية أخبار بخصوصها , أو بخصوص التحقيقات معها .. وفى الواقع , لست أهتم أبدا بتلك التحقيقات , أو ب ( سونيا ) نفسها .. كل ما أريده هو ابني .. ابني فقط .
نطق كلمتيه الأخيرتين بصوت متهدج , فشعرت بقلبها يكاد ينفطر من أجله , فهمست :
- ستجده بإذن الله يا ( أدهم ) .. أنا واثقة من ذلك .
مرة أخرى غاص فى عينيها للحظات قبل أن يمسك يديها فى رقة فشعرت بإرتجافة خفيفة فى جسدها فى حين همس هو :
- ( منى ) .. ألم يحن الوقت بعد ؟
سألته بصوت خافت :
- لماذا بالضبط ؟
أجابها هامسا :
- للأمر الذي تأجل أكثر من اللازم .. زواجنا .
تخضب وجهها بحمرة الخجل , وتمتمت :
- ( أدهم ) ل ..
قاطعها برقة :
- لا يوجد عذر هذه المرة يا ( منى ) .. أنا الآن فى وظيفة بعيدة تماما عن المخاطر , والعالم شبه مستقر الآن , لذا فلا داعى مطلقا للخوف أو القلق من شيء .
انخفض صوتها أكثر وهى تقول :
- ألا يبدو لك القرار متسرعا يا ( أدهم ) ؟
قال بحنان :
- متسرعا ؟ .. لو كان الأمر بيدي , لتزوجتك منذ لقاؤنا الأول يا حبيبتي .
اغرورقت عيناها بدموع الفرحة , وهى تهمس :
- ألن تندم على قرارك هذا ؟
ابتسم , وهمس بحب :
- صدقيني يا ( منى ) ..سأندم أشد الندم لو لم أتزوج ألإنسانه التي لم ولن يخفق قلبي لسواها .
ونظر فى عينيها مباشرة , مستطردا :
- على الأقل , يمكننا البدء بخطبة بسيطة .
وسألها هامسا :
- ما رأيك يا حبيبتي ؟
شعرت بقلبها يثب فى صدرها من فرط السعادة , فهمست :
- موافقة .
وتنهد ( أدهم ) فى ارتياح ..
فالآن ..
الآن فقط , يمكنه اعتبار هذه مرحلة أخرى مختلفة من حياته ...
وحياة جديدة يبدأها من الآن ..
الآن قط .
* * *
2- الذئاب .
" أخيرًا "
نطقها الرئيس الأمريكي بارتياح شديد , وهو يسترخى فى مقعده , داخل حجره مكتبه بالبيت الأبيض , فارتسمت ابتسامة كبيرة على شفتي وزيرة خارجيته السمراء , وهى تقول بارتياح مماثل :
- لست أصدق أنه منذ أقل من شهر واحد , كنا فى حرب شرسة مع شيطانة.... من حسن حظنا أن الأمور انتهت على ما يرام .
قال الرئيس وهو يسترخى فى مقعده أكثر :
- لصالحنا كالعادة .
ثم سألها :
- ما أخر الأخبار فى ( العراق ) ؟
مطت شفتيها , مغمغمة :
- كالعادة .. لقد فقدنا بضعة جنود أخرين , ولقي ما يقرب من الثلاثين من العراقيين مصرعهم .
ابتسم قائلاً :
- لا تقولي لي أنك متأثرة بهذا ؟
هزت رأسها نفيُا , مجبية :
- بالطبع لا .. ولكنني سئمت الأمر .. اليوم مثل أمس مثل غدًا .. لا جديد .
نظر إليها فى خبث , قائلًا :
- وما الجديد بالنسبة لك ؟ .. حرب جديدة ؟
تألقت عيناها على نحو مخيف , وهى تقول :
- ولم لا ؟
قال بخبث :
- ( سوريا ) مثلُا ؟ .. أم ( إيران ) ؟
ارتسمت ابتسامة شرسة على شفتيها , وهى تقول :
- لو كان الأمر بيدي لفعلت هذا بلا تردد .
عاد يسترخى فى مقعده , وهو يقول :
- ليس الآن يا عزيزتي .. نحن لم نتخلص بعد من مشاكلنا فى ( أفغانستان ) و ( العراق ) .
وصمت بضع لحظات , ثم استطرد قائلاً :
- لن يكون الأمر سهلًا هذه المرة .. ( إيران ) خصم شرس لا يستهان به .. خاصة وأنهم على مشارف العصر النووى .. أما ( سوريا ) , فلن يكون الأمر سهلًا معها مثل ( العراق ) .. العرب لن يظلوا صامتين هذه المرة .
أطلقت ضحكة ساخرة , قائلة باستهانة :- أتظن حقًا أنهم قادرون على الوقوف أمامنا ؟
عقد حاجبيه مغمغمًا :
- فى حالة إتحادهم سويًا.
قالت بصرامة :
- ومن سيمحنهم الفرصة لفعل هذا ؟
وعادت عيناها تتألقان فى شراسة وهى تستطرد قائلة :
- انظر ما يفعله أصدقائنا الإسرائيليون الآن فى ( إسرائيل ) بمساعدتنا .. الإيقاع بين ( فتح ) و ( حماس ) خطة عبقرية لتصفية الفلسطينيين ,دون أن نظهر نحن أو أصدقائنا الإسرائيليين فى الأحداث ..هم يقتلون بعضهم البعض , ونحن نجنى المكاسب فى النهاية , وبدون أن نبذل أدنى جهد .. هذه هي البراعة حقًا .
ونظرت إليه مباشرة مضيفة :
- هكذا ينبغي أن تكون إستراتجيتنا الجديدة مع هؤلاء العرب .. بث روح الكراهية والبغض بينهم .. ولا بأس من إثارة بعض الفتن الطائفية من وقت إلى الأخر , خاصة فى ( مصر ) .
تتطلع إليها الرئيس لبضع لحظات برهبة , قبل أن يطلق ضحكة متوترة , مغمغمًا :
- أحيانًا تثير أفكارك ذعري يا عزيزتي .
قالت مبتسمة :
- ولكنها فى النهاية تروق لك .. أليس كذلك ؟
التقت نظراتهما لعدة ثوان , فبل أن يجيب :
- بالتأكيد .
ألقت نظرة على ساعة يدها , ثم نهضت من مقعدها قائلة :
- سأغادر الآن .. لدى لقاء مع نظيري النرويجي بعد نصف الساعة .
غمغم :- لا بأس .. أراك لاحقًا .
ظل جامدًا فى مكانه لثلاث دقائق بعد مغادرتها , يفكر فى حديثها , قبل أن يقطع أفكاره , انبعاث صوت سكرتير مكتبه من جهاز الاتصال , قائلاً :
- سيدي الرئيس .. السيد مدير المخابرات وصل .
قال الرئيس بصرامة وهو يعتدل فى مقعده :
- دعه يدخل .
دلف مدير المخابرات المركزية الأمريكية إلى داخل المكتب , قائلاً :
- صباح الخير يا سيدي .
أشار إليه الرئيس بالجلوس , قائلًا :
- اجلس يا جنرال .
أطاعه الرجل على الفور , وسادت فترة من الصمت , قبل أن يشبك الرئيس أصابع يديه فوق المكتب , ويقول :
- كيف تسير الأمور مع سجينينا يا جنرال ؟
أجابه بسرعة , وكأنه ينتظر هذا السؤال بالذات :
- كل شيء على ما يرام يا سيدي .. كل منهما فى زنزانة منفردة , مزودة بوسائل أمن لا حصر لها , على نحو يستحيل معه أن تقترب نملة منهما , دون أن يتم رصدها .
تمتم الرئيس :
- عظيم .
ثم سأله باهتمام :
- هل تعتقد أنهما سيتعاونان معنا ؟
أجابه المدير بهدوء :
- لست اعتقد أن لديهما الخيار يا سيادة الرئيس , فهما في قبضتنا بالفعل , ونحن من نتحكم فى مصائرها .
أشار الرئيس بسبابته قائلا :
- توخى كل الحذر معها , فهما شخصان خطيران جدا .. ولا تنسى أنهما السبب في استقالة سلفك من منصبه , بعد أن توالت إخفاقاته في سبيل الإيقاع يهما .
لم يخبره المدير أن استقالة مدير المخابرات السابق , كانت استقالة تسبب فيها هو ومستشارته ووزير دفاعه أثناء صراعهم ضد الزعيمة الغامضة التي اتضح أنها هي نفسها ( سونيا جراهام ) , إلا أن هذا لم يمنع مدير المخابرات من أن يقول معقبا :
- اطمئن يا سيادة الرئيس , لقد قرأت كل شيء عنهما وعن صراع الإدارة معهما .. كما قرأت ملفيهما بالكامل ما جعلني أجد الوسيلة المثلي لإرغام احدهما على أن يتعاون معنا .
سأله الرئيس في اهتمام :
- أية وسيلة هذه ؟
أجابه المدير في ثقة :
- معلوماتنا تقول : أن لـ (سونيا جراهام ) ابن أنجبته من رجل المخابرات المصري ( أدهم صبري ) منذ سنوات , حينما كان هذا الأخير فاقدا لذاكرته , هذا الابن استطاعت أن تهرب به بعد أن استعاد ( أدهم صبري ) ذاكرته وأدرك حقيقة ما فعلته معه .
عقد الرئيس حاجبيه متسائلًا :
- وما صلة هذا بما نحن يصدده ؟
أجابه المدير بسرعة :
- صلة وثيقة يا سيادة الرئيس .. سنواجه ( سونيا جراهام ) بهذا الأمر, ونقنعها بأننا كشفنا مكان ابنها هذا , ونخيرها ما بين أن تتعاون معنا في مقابل أن نترك ولدها وشانه , أو ترفض فنتخلص نحن منه , أو نعيده إلى والده.. ولا أظنها ستقبل أمرًا مثل هذا أبدًا يا سيادة الرئيس .. لذا , فلن يكون أمامها إلا أن تتعاون معنا .
تطلع إليه الرئيس لحظات قبل أن يقول في حذر :
- هل تعني أننا سنخدعها ونخبرها أننا نعرف مكان ولدها في حين أن الحقيقة غير ذلك ؟
أجابه المدير بخبث :
- ومن سيخبرها بذلك يا سيادة الرئيس ؟
تطلع الرئيس إليه مرة أخرى في صمت , وقال له في حذر ليس له ما يبرره :
- دعنا نفترض أن خدعتنا هذه قد انطلت عليها , هل تظن أن امرأة مثلها يمكن أن تنصاع لتهديداتنا بهذه البساطة ؟ .. لقد أثبتت أنها امرأة شرسة لا تعرف الرحمة , ولا يمكن إخضاعها بسهولة , ولاشك انك تعرف هذا جيدا .
أجابه المدير بسرعة :
- هي أولًا وقبل كل شيء امرأة يا سيادة الرئيس , ولاشك أن مشاعر الأم بداخلها ستتغلب على كل المشاعر الأخرى لديها , فتتخلى عن الكثير من قسوتها وحذرها في سبيل ابنها , مما سيجعلها تبتلع الخدعة دون أن تدري .
صمت الرئيس وقتًا أطول هذه المرة وهو يفكر فيما قاله مدير مخابراته ..
هل يمكن حقًا أن تقع امرأة رهيبة مثل ( سونيا جراهام ) في خدعة مثل هذه , بهذه البساطة ؟
هل يمكن حقًا لامرأة واجهت أقوى دولة في العالم , وكادت تسيطر عليها بالفعل , لولا تدخل المخابرات المصرية , أن تستسلم وتذعن لهم ؟
ظلت هذه التساؤلات في عقله دون جواب , وزرعت العديد من الشكوك في ذهنه حول هذا الأمر , إلا أن هذا لم يمنعه من أن ينهض واقفًا و يلتفت إلى مدير المخابرات قائلا :
- فليكن .. نفذ خطتك هذه .. ولكن أحذر جيدًا , وتأكد انك تتعامل مع أفعى سامة .. أفعى يمكن أن تلدغك في أي وقت .
نهض المدير من مقعده بدوره , وصافح الرئيس قائلًا في حماس :
- اطمئن يا سيادة الرئيس .. سنتخذ كل الاحتياطيات اللازمة .
قالها وانصرف من مكتب الرئيس , تاركًا هذا الأخير يتساءل في أعماقه :
ترى , هل ستنجح هذه الخطة مع أشرس امرأة عرفها في حياته ؟! ..
هل ؟! ..
وبقي سؤاله معلقا في فضاء الحجرة ..
دون جواب .
***
" لست أصدق أن هذا يحدث حقًا "
همست بها ( منى ) بسعادة , وخاتم الخطبة الأنيق يتألق فى يدها , فارتسمت ابتسامة حانية على شفتي ( أدهم ) , ومد يده التي تتألق بخاتم أخر, لتحتضن يدها الرقيقة فى رقة , وعادت هي تهمس :
- هذا أسعد يوم فى حياتي كلها يا ( أدهم ) .
همس بحب : لن تتصوري كم ظللت أحلم بهذا اليوم يا ( منى ) .
وانخفض صوته أكثر , وهو يضيف :
- ما رأيك بان نقيم حفل الزفاف الشهر القادم ؟
تخضب وجهها بحمرة الخجل , وهمست :
- بهذه السرعة ؟
همس :- لو كان الأمر بيدي , لأقمته الآن .
وعلى مقربة منهما , انهمرت دموع والدة ( منى ) فى سعادة وهى تهتف :
- يا إلهى !! .. أخيرًا .. لم أكن أظن أنني سأعيش حتى هذا اليوم .
غالب والد ( منى ) دموعه , وربت على كتف زوجته بحنان , مغمغمًا:
- من إذن الذي سيحمل أبناؤها على يديه ؟
ارتجف جسدها فى انفعال , وهتفت من وسط دموعها :
- يا إلهى !! .. إنني أتحرق شوقًا لهذا اليوم .
قال بحنان :- سيأتي بإذن الله يا حبيبتي .. بإذن الله سيأتي .
وفى نفس تلك اللحظة , كانت دموع ( قدري ) تنهمر بغزارة من فرط السعادة , وهو يهتف ::
- حمدُا لله ..لم أكن أتصور أن أعيش لهذا اليوم الذي يشهد خطبة أعز أصدقائي .. حمدًا لله الذي منحنى الفرصة لفعل هذا .
ابتسم ( شريف ) وربت على كتفه قائلًا :
- أطال الله فى عمرك يا سيدي .
جففت ( ريهام ) دموعها , قائلة :
- ألن نصافح العروسين ؟
اتجه الثلاثة نحو العروسين , وصافحاهما ( شريف ) بحرارة قائلاً :- مبارك.
قالت ( منى ) مبتسمة :
- أشكرك يا ( شريف ) .
هتفت ( ريهام ) وهى تصافحهما , ثم تحتضن ( منى ) بحرارة :
- يا إلهى !! .. هذا أسعد يوم فى حياتي كلها
احتضن ( أدهم ) ( قدري ) , وربت على كتفه قائلًا بمرح :
- هل عيناي تخدعاني أم أن وزنك قل حقًا بعد كل هذه الدموع التي تذرفها منذ بداية الحفل ؟
ضحك ( قدري ) وارتج جسده الضخم , وهو يحتضن ( أدهم ) هاتفًا من وسط دموعه :
- لم تفقد بعد روحك المرحة يا صديقي العزيز .
ابتسم ( أدهم ) قائلًا بنفس لهجته المرحة :
- سأفقدها إذا فقدت أنت أطنان الشحوم هذه .
أطلق ( قدرى ) ضحكة أخرى , أرتج لها جسده مرة أخرى , فابتسم ( أدهم ) وربت على كتفه بحرارة قائلًا :
- يسعدني وجودك حقًا يا صديقي .
ارتفع رنين جرس الباب فى هذه اللحظة , فغمغم والد ( منى ) :
- عجبًا ! .. من يأتي لزيارتنا الآن ؟
قالها , وهو يتجه بالفعل ليفتح الباب , ولم يكد بفتح , ويقع بصره على ذلك الرجل الأنيق الوقور , حتى هتف :
- ألست أنت .. ؟!
ارتسمت ابتسامة رصينة على شفتي الرجل , وهو يقول :
- بلى .. إنه أنا .
التفت الجميع إلى مصدر الصوت , وهتف ( أدهم ) بسعادة :
- ( أحمد ) !!
واندفع نحو شقيقه الوحيد , وأحتضنه بحرارة هاتفًا :
- لم أكن أتوقع مجيئك خاصة وأنا أعلم أنك غارق فى العمل حتى أذنك .
قال الدكتور ( أحمد ) وهو يغالب دموعه :
- وأفوت خطبة شقيقي الوحيد ؟ .. لو كانوا يخيروني ما بين جائزة ( نوبل ) وخطبة شقيقي الوحيد , لاخترت الثانية بلا لحظة تردد واحدة .
قال ( أدهم ) بتأثر :
- لا تتصور مدى سعادتي لرؤيتك يا ( أحمد ) .
قال الدكتور ( أحمد ) بمرح مغالبًا دموعه :
- ليس مثل فرحتك بعروسك بالطبع .
التفت ( أدهم ) نحو ( منى ) , ومنحها نظرة حب , فتخضب وجهها بحمرة الخجل , وخفضت عينيها , ثم اتجه إليها الدكتور ( أحمد ) , وصافحها بحرارة , قائلًا :
- مبارك يا ( منى ) .. لا تتصوري مدى سعادتي عندما بلغني الخبر .. هذا أسعد خبر سمعته منذ مدة طويلة للغاية .
عاد جرس الباب يرن مرة أخرى , فهتف ( شريف ) :
- سأفتح أنا .
واتجه نحو الباب فى حماس , وفتحه , ولم يكد بصره يقع على الطارق , حتى اتسعت عيناه فى دهشة وهتف بانفعال :
- سيادة المدير ؟؟
التفت الجميع إلى المدير , الذي غمغم مبتسمًا :
- هل وصلت متأخرًا ؟
هتف ( أدهم ) بحرارة :
- مطلقًا يا سيدي .. مطلقًا .
وصافحه بحرارة قائلًا :
- وجودك يسعدنا ويشرفنا يا سيدي .
قال المدير مبتسمًا :
- أنتما بمثابة أشقائي الصغار يا ( أدهم ) .. ولو لم أشاركهم فرحتهما , من أشارك إذن ؟
وأضاف بمرح :
- كما أن المرء لا يحضر كل يوم خطبة ( رجل المستحيل ) .
أطلقت ( ريهام ) ضحكة صافية , قائلة :
- صدقت يا سيدي .
دارت عينا ( أدهم ) فى وجوه الجميع , قبل أن يقول بتأثر صادق :
- صدقوني .. هذا أسعد يوم فى حياتي .. اليوم أقترن بالمخلوقة الوحيدة التي خفق لها قلبي .
انهمرت دموع السعادة من عيون ( منى ) ووالدتها و( ريهام ) , وارتج جسد ( قدرى ) الضخم , ودموعه تنهمر بغزارة , وبذل الدكتور ( أحمد ) جهدًا كبيرًا لمنع دموعه من الانهمار , فى حين استطرد ( أدهم ) قائلًا, بنفس اللهجة الصادقة المتأثرة :
- اليوم , كل أصدقائي وأحبابي يشاركوني فرحتي ..لا أدرى حقًا كيف أشكركم على السعادة التي منحتموني إياها ..
حفظكم الله ( سبحانه وتعالى ) وأدامكم لي .
هتف ( شريف ) , وهو يجاهد بدوره ليمنع دموعه من الانهمار :
- ماذا بكم ؟ .. هل سنقضى الليلة فى البكاء ؟ .. أين الحلويات والمشروبات ؟
جففت ( منى ) دموعها , وهتفت بمرح :
- يبدو أن تأثيرك بدأ ينطبع على ( شريف ) يا ( قدرى ) .. أخشى بعد شهر من الآن أن يصبح لدينا اثنان ( قدرى ) .
ضحك الجميع على عبارتها , ولم تمر بضع ثوان , حتى كانوا يتناولون الحلويات والمشروبات , وضحكاتهم المرحة تنطلق طوال الوقت .. أما ( أدهم ) , فقد عاد يدير عينيه بين الجميع مرة أخرى ..
كان يعيش بالفعل أسعد لحظات حياته ..
كل أحبابه بجواره الآن ..
كلهم عدا واحدًا فقط ..
ابنه ..
ولم يكد يتذكره , حتى شعر بقبضة باردة تعتصر قليه , وبسؤال واحد يتردد فى ذهنه ..
ترى أين هو الآن ؟! ..
أين ؟!! .