كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصـــــــــــــــل الســــــــــــــــــــــادس
بعد مضي يومين، وصلت أليكس إلى مكتبها و هي تشعر كأنما
قوة ساحقة تسيرها. فطالما أنها اختارت موافقتها للزواج منه ، فقد تحرك بيرس بما يسمونه ، في ظروف أخرى ، سرعة تستحق الاطراء و الثناء. إلا إنها اعتبرتها سرعة غير لائقة، و استاءت لان اندفاعه حملها معه.
منتديات ليلاس
سكبت لنفسها فنجانا من القهوة و وقفت تحدق غلى الخارج عبر النافذة، محاولة أن تخفي شعورها بأن كل شيء يخرج كثيرا عن نطاق سيطرتها. و تساءلت عما يخبئ لها اليوم من صدمات. فقد اصر بيرس في الأمس على أن يذهب معها إلى المستشفى و يلتقي أهلها، و ساءها أنه قد توافق معهما على الفور، لكن رغم شعور الغضب الذي خالجها ، لم تستطع إلا أن تعجب بالطريقة التي سيطر فيها على الوضع، و وجدت نفسها تعطيه تقديرها الذي ضنت به عليه.
و قد أذعن لرغبة والدها حتى عندما اسهب في اقتراحاته بأن يهتم بالأعمال. و كانت موافقته تلك مبنية على ان مديرا سيعين للاشراف على الشركة إلى ان يشفى ستيفن و يصبح قادرا على مزاولة اعماله. كما و ان نتائج التقرير المصنفة من قبل فريق إدارة بيرس لطرق التنظيم و تحسين الإنتاج لا يمكن تطبيقها دون موافقة والدها الكاملة عليها، الأمر الذي ، كان من الطبيعي، أن حصل عليه اضافة إلى احترام ستيفن بتراكوس الكامل.
الامر الوحيد الذي كان ليفسد المناسبة، هو اصرار والدها أنه لا بد من أن بيرس مغرم جدا بابنته ليكون بهذا الكرم و اللطف. و هو واقع لم يحاول الشاب أن ينكره، إنما عمل على تأكيد ذلك. و عندما افترقا أخيرا، بقيت مع الواقع المرير أنه كسبهما، و بغم إنها كانت تدرك ان ذلك خطة لتنهي اي قلق قد يخامرهما فإنها شعرت بإستياء مرير نحوه.
اطلقت تنهيدة عميقة و جلست إلى طاولة مكتبها و مدت يدها على البريد، و دهشت عندما وجدت المغلف الأول يحمل اسمها، فضت الظرف و هي متجهمة ثم فتحت الوقة الوحيدة التي يحويها. كانت الصفحة تحوي بضع كلمات فقط، لكنها كانت كافية لتجعلها تتقد غضبا. كانت الرسالة من بيرس، تحدد اليوم و الساعة و المكان لزفافهما. كانت تلك الكلمات بحد ذاتها بسيطة عدا انه ارسلها عبر مذكرة! و في الواقع كان لديه الوقاحة لأن يحول عملا سيغير حياتها إلى نوع صغير من الإعمال...
غضبت كثيرا لدرجة أنها اخذت ترتجف، كانت على وشك ان تمسك الهاتف لكي تتصل به في الفندق حيث يقيم، و تقول له بعضا مما تفكر به عندما سمعت رنين الهاتف في مكتب والدها. تملكتها الحيرة ، لأن كل الاتصالات كانت تحول إليها خلال الاسابيع القليلة الماضية. و كانت على وشك النهوض لتذهب و تجيب عندما توقف الرنين و سمعت صوتا مكتوما لأحدهم يتكلم.
و فيما هي تعبر الغرفة لتتحرى من هناك كان لديها حس داخلي لمن قد تجده. لذا عندما فتحت الباب الذي يوصل المكتبين، لم تفاجأ برؤية بيرس جالسا على كرسي والدها، يجيب بهدوء في محادثة هاتفية. عندما رآها، أشار لها كي تجلس. لكن، تلك الاشارة عملت على اثارة غضبها أكثر، فتجاهلته، و اختارت أن ترميه بنظرة لا تستطيع ان تظهر له سوى نصف ما تشعر به.
لم يستعجل بيرس نفسه، فقد أمضى نحو خمس دقائق قبل أن يضع سماعة الهاتف مكانها و يدير وجهه نحوها. في الوقت الذي كانت مستعدة فيه للانفجار.
فقالت متحدية بغضب بارد: "ماذا تفعل أنت هنا؟ كيف تجرأت و اعتقدت انه بإمكانك ببساطة الدخول إلى مكتب والدي و الاستيلاء عليه؟"
اسند بيرس نفسه إلى ظهر الكرسي الجلدي و اخذ يتأملها بسخرية، ثم قال: "لمعلوماتك ، يا حبيبتي، لا اعتقد اني استطيع القيام بأي شيء، اعرف. لكن عندما ذهبت لرؤية ستيفن الليلة الماضية ، اقترح علي أن استعمل مكتبه لكي اعمل على تنفيذ الخطط التي رسمتها، فوافقت."
اوقف تقدمها فجأة، لذا لم تنبس اليكس بأية كلمات أخرى كانت قد اعدتها، و وجهت غضبها عبر طريق آخر، فأجابته بشكل لاذع و مباشر جدا: "لماذا لم ابلغ بذلك؟ اعتقد الآن طالما أنت المسؤول، لا أهمية لي هنا! ان كنت تجد صعوبة في إخباري ذلك وجها لوجه، عندها فأقل ما يمكنك القيام به هو أن ترسل لي مذكرة!"
عند ذلك رفع بيرس حاجبيه بإدراك مفاجئ، ثم مرر احد اصابعه بتأمل على جانب أنفه و تأوه: "آه."
كان ذلك الصوت كافيا ليجعلها تدرك انها خسرت المعركة و لم تكسبها. أطلقت صوتا يائسا من حنجرتها و استدارت لتبتعد قائلة: "لا أحب أن اعامل و كأني فكرة لعينة خطرت على البال متأخرة!"
اجابها، دون أن يحاول اخفاء مرحه: "بما انك الشخص الرئيسي فإنك لست كذلك. على أية حال ، لقد كان لدي انطباع ، و اخبريني ان كنت على خطأ، بأنك تريدين كل شيء ان يبقى ضمن طابع العمل."
انه دائما يقلب الاوضاع باستعماله كلماتها ضدها! لامت نفسها، و استدارت نحوه من جديد و قالت: "تهتم كثيرا بما أريده يا بيرس مارتينو، و بالنسبة للمحافظة على الطابع العملي بكل شيء، كيف تفسر وضعك حين كنت بالأمس تبذل مجهودا كبيرا لتتظاهر بأنك مغرم بي؟ كلانا يعرف إنها كذبة، رغم أنه علي ان اعترف بانها لا تنطبق على نظام خداعك."
لم يرفع بيرس نظره عنها فيما هي تتقدم و قال: "لقد صدقها والديكو ذلك كان الهدف من العمل، أو انك كنت تفضلين لو اخبرتهم الحقيقة المرة على إخبارهم كذبة مقبولة؟"
فصرخت قائلة: "حتى أنت لا تملك الحس السيئ لدرجة ان تخبرهم انك تريدني مقابل الخدمات التي تقدمها."
نهض على قدميه في لحظة، وكانت كل خطوة نحوها تطفح بغضب واضح مكبوت، قال: "انك تدفعين بحسن طالعك نحو الطامة البكرى، أليس كذلك، يا أليكس؟ ماذا تحاولين أن تجعليني افعل؟ أن اغضب كثيرا لدرجة ان أتزوجك بالقوة! و هكذا تتمكنين دائما من الزعم بإنه لم يكن لديك خيار؟ هل هذا ما تريدين أن يحصل فعلا؟"
اضطربت أليكس من جراء موجات الغضب الجامح القادمة نحوها، و أخذت تحدق به بعينين عاصفتين و قلبها يخفق خوفا، فلم يسبق لها أن رأته غاضبا هكذا من قبل، و عرفت انها هي الملامة. لقد حان الوقت لتقوم بتراجع لبق، لذا اعترفت بصوت أجش قائلة: "لا."
قال: "إذا من الأفضل أن تراقبيني يا حبيبتي، و تتعلمي أين تتوقفي، اني مستعد لأن اعطيك مهلة معينة، لكن ان تدفعيني كثيرا فهذا يعني ان عليك تحمل العواقب." ثم استدار مبتعدا عنها، و التقط شيئا ما من على طاولة المكتب و مد يده ليعطيه لها، قائلا: "هذه لك."
استجمعت أليكس رباطة جأشها المهتزة بقوة و تقدمت نحوه ، و استلت الظرف من يده بسرعة، و كأنه أفعى مستعدة لأن تلدغ. كان بداخل الظرف بطاقات شراء لبعض المتاجر المعروفة جدا، فرفعت نظرها بسرعة إليه مستفسرة.
قال مقترحا بهدوء: "ستحتاجين لجهاز عروس، لذا فمن الأفضل ان تأخذي عطلة بعد الظهر و تذهبي للتبضع."
ثم وجه انتباهه إلى الأوراق التي على طاولة المكتب و كأنما المسألة قد اقفلت الآن.
ان كان سيلزم حدوده، إذا فهي ستفعل ذلك، لربما يكون قد اشتراها، لكنها لن تجاريه في ذلك! فأشارت أليكس قائلة بتهذيب: "لست بحاجة لأن تشتري لي ملابسي يا بيرس. لدي اجر كاف خاص بي، و اضافة لذلك ، فإني لست بحاجة لأي ملابس جديدة."
هز رأسه و قال: "أتعرفين؟ سيكون تغييرا جميلا ان فعلت مرة واحدة ما يقال لك. على أية حال ، يمكنني أن ألاحظ انك مصممة على أن تتشاجري معي على اي شيئ، أليس كذلك؟ لكن لسوء الحظ أنا مصمم ايضا كما أنت. و لا يهمني كم من الملابس لديك يا أليكس، فحسب خبرتي تستطيع المرأة دائما أن تجد مكانا في خزانتها للمزيد، تماما كما ستفعلين."
كانت معركة ارادات، و كانت ارادته هي الأقوى في هذا الوقت، لذا قالت له بتحد و بشيء يشبه كثيرا الاندفاع: "ان كان الأمر يعني لك هذا القدر فإني مندهشة لما لا تصر على القدوم معي." سخافة اندفاعها تلك جعلتها تتوقف فجأة و قد ادركت أنها تتيح له لأن يجعلها تتصرف بشكل مخالف تماما لطباعها.
إلا ان بيرس، من ناحية ثانية ، كان مثالا للهدوء الواثق و السيطرة فقال: "صدقيني، لكنت فعلت ، لو اني لم اكن منشغلا جدا بإنقاذ شركة والدك من الافلاس."
اضطربت داخليا من تذكير لم تكن في الحقيقة بحاجة إليه كانت في قرارة نفسها تعرفانها يجب ان تكون ممتنة، لكنه جعلها غاضبة جدا طوال الوقت لدرجة ان ذلك الشعوريطغى على أي شعور آخر. عاودتها العقلانية لذا قررت ان هناك اكثر من طريقة واحدة لحث هرة على الإسراع، و لمزج المجازات، فقد يصر ان يقودها إلى النبع لكنه لا يستطيع ارغامها على الشرب، لذا ، فإن هي اخذت البطاقات، لا يعني انها تنوي ان تنصاع إلى أمره. فقالت: "سمعا و طاعة يا سيدي."
و على أية حال، بدلا من أن تثير كلماتها تلك غضبه بدا انها أعادت إليه حسه الساخر، لأنه نظر إليها بمرح ظاهر قائلا: "سأكون منزعجا جدا لايجاد أي شخص قليل الشأن مثل العبد المذعن، و عندما يصل بي الأمر للتفكير بذلك أجد إني لا أريدك إلا كما أنت، و ليس بطريقة مختلفة، فذلك يجعل كل مناورة تبدو و كأنها مغامرة."
تجهمت أليكس و هي تنظر إليه، و قالت: "كيف يمكن أن يكون ذلك فيما أنت قد...؟" و و خفتت الكلمات و شعرت بدفق رقيق من الدماء يغزو وجنتيها.
أكمل عنها بصوت ناعم قائلا: "حصلت عليك؟ صحيح، لكنك كنت تحبينني حينها، و أنت لا تفعلين الآن."
قالت له بحدة: "لا اعتقد اني استطعت أن احبك يوما." ثم سارت نحو الباب.
إتكأ بيرس على طاولة مكتبه و لف ذراعيه فوق بعضهما البعض و قال لها: "لو أنك لم تفعلي، لما استطعت ان تكرهيني هكذا و لهذه الفترة الطويلة. لكن من قال انه حيثما ينتهي الحب يبدا الكره؟ أنت لم تنسيني يوما، تماما مثلي أنا... فتلك الشعلة ما زالت موجودة بيننا ، مهما تكن رغبتك في أن لا تكون موجودة."
حدجته أليكس بنظرة عاصفة فيما هي تقبض بإحكام على مسكة الباب و قالت له: "إنني سعيد لسماع ذلك." ثم نظر إلى ساعته و اضاف: "عليك ان تذهبي الآن، و لا تتصوري انك تستطيعين الافلات بمجرد الاختفاء بعد ظهر اليوم و التظاهر فقط بأنك تتسوقين. فسوف أمر بك عند الساعة الثامنة لاصطحبك إلى العشاء، و اتوقع ان أرى نتائج ما قمت به بعد الظهر. هل هذا واضح؟"
انتابها للحظة شعور مزعج بأنه يستطيع قراءة افكارها، و ابتسامته الرقيقة الساخرة اكدت ذلك. اصيبت بإحباط، فردت عليه بطيش و هي تبتسم متمتمة بعذوبة: "و كأني سأفعل شيئا كهذا." فضحك.
ردد فيما هي تخرج من الباب قائلا: "احم، كأنما! صيد ممتع." و فكرت أليكس لو أنها تملك بندقية لعرفت تماما اي حيوان ترغب في اطلاق النار عليه. ثم، عكس رغبتها، اظهرت تلك الفكرة ابتسامة على شفتيها، مما جعلها فعليا مبتسمة فيما هي تلتقط حقيبتها و تتجه لتخبر روث أنها لن تعود اليوم.
كانت سكرتيرتها يقظة لتقول: "حسنا، انك بالتأكيد تبدين أكثر ابتهاجا." فرمتها أليكس بتكشيرة ساخرة.
قالت لها: "الأشياء الصغيرة تسر العقول الصغيرة. عندما تنتهين من هذه الرسائل يا روث ، ربما من الأفضل أن تقدمي خدماتك إلى السيد مارتينو، إنه سيستخدممكتب والدي خلال الأيام القليلة المقبلة." و كانت على وشك الذهاب عندما خطر لها شيئ آخر ، فأصافت: "آه، و إن طلب أحدهم مقابلتي فمن الأفضل أن تحوليه له أيضا. اراك غدا."
حالما اصبحت خارجا في الشارع، أخرجت البطاقات و أخذت تنقر بتأمل عليها بظفر إبهامها. كانت ردة فعلها الغاضبة الأولى التي تملكتها هي أن تمزقها. لكن الآن خطرت لها فكرة أفضل، ان كان بيرس يريدها أن تنفق ماله، فإنها ستفعل، و لأول مرة في حياتها لن تزعج نفسها بالتحقق من ثمن اي شيء تشتريه.
كانت تعتمد دائما على قاعدة لها عندما تشتري، ان تبقي مقياس المتانة و قيمة المال في فكرها دائما، معتبرة أنه من الحماقة الإنفاق فقط لأنها تملك المال. لذا فإن موجة من الندم خالجتها عندما رأت مجموعة العلب التي وضعت في سيارة الأجرة بعد زيارتها لأول متجر، ثم وبخت نفسها بقسوة، لأن الشفقة لن تفيدها بشيء ضد رجل قوي الإرادة مثل بيرس ، عليها ان تبرهن له انها ليست مجرد انتصار سهل، و الفرص للقيام بذلك قد اثبتت انها قليلة و متباعدة.
رغم ذلك عندما ذهبت إلى المنزل اخيرا ، و رأت نتيجة جهودها منتشرة حولها و قد تكدست فوق كل كرسي و ملت كل سجادة غرفة الجلوس تقريبا، تساءلت ان كانت قد بالغت بما فعلته... ثم قررت ماذا تفعل، انها لا تستطيع ارجاعها، و لذا عليها ان تواجه ذلك بتحد ، و مع تلك الفكرة اخذت تفتح العلب و تضع محتوياتها هنا و هناك. شعرت بعد ذلك انها بحاجة لشيء ينعشها فأعدت لنفسها بعض الشاي و الخبز المحمص.
و مع توقع وصول بيرس عند الساعة الثامنة، اسرعت أليكس لتستحم و تغسل شعرها، فيما كانت تجففه و هي جالسة إلى طاولة الزينة و قد غمرها شعور بالصفاء، و قبل الموعد المحدد بساعة ، دق جرس الباب الأمامي. ذهبت لترى من الطارق و هي ترتدي معطفا طويلا حتى كاحلها أزرق اللون، مما اضفى عمقا على عينيها الرماديتين.
بدا بيرس وسيما و رائعا في بذلته الأنيقة الصنع، نظر إليها للحظة صامتا قبل أن يعلق بجفاء قائلا: "هل هذا يعني انك جاهزة للذهاب أو ان جهاز التدفئة المركزية قد تعطل؟"
حاولت أليكس أن تعيد الاستقرار لخفقان قلبها المضطرب بجنون من نفوذه القوي، هزت رأسها و تراجعت إلى الوراء لتفسح له المجال للدخول. سارعت في الإجابة عليه رغم انها حاولت ان تبقي ما ورد في فكرها قائلة: "لا هذا و لا ذاك. هذا المعطف واحد من المشتريات التي اردت رؤيتها." و مشت أمامه نحو الصالة رغم احساسها بوجوده وراءها و كأنه يحاول ان يمسك بها.
تابعت سيرها نحو منتصف الغرفة حيث توقفت لتواجهه.
نظر إلى المكان و قد رسم على شفتيه ابتسامة، فيما وضع يديه في جيبي بنطاله. رفع نظره نحوها و قال: "هل كنت تأملين أن تفلسي المصرف؟ ان كان الأمر كذلك سأخبرك ان تصرفك هذا لن يؤثر فيه."
قالت: "على العكس، طالما انك لم تضع حدا، ظننت أن علي ان اقحم نفسي و أجهزها من الرأس حتى أخمص القدمين." و بحركة منها لتظهر له حجم ما اشترته، بسطت ذراعيها و أشارت حيث وضعت باقي الثياب، و أضافت قائلة: "كل شيء تراه قد اشتريته على حسابك." و سمعت بهدوء بيرس و هو يلتقط انفاسه.
بدا عليه التوتر الشديد، الأمر الذي جعلها تقرر فجأة انها قد تمادت كثيرا. بلعت ريقها بصعوبة و حدقت به لترى الإحمرار يعلو وجنتيه. اخرج يديه بهدوء من جيبيه و وقف منتصبا.
قال بنبرة غريبة و هو يخطو نحوها: "اعتقد انك ادرجت نفسك ضمن هذه المشتريات؟"
عرفت أنها قللت من قدره كليا. كانت تنوي ان يكون الأمر بمثابة صفعة على الوجه، لكنه ضاع بتهور دون التفكير بكل العواقب الممكنة، و وقفت ثائرة لمواجهة الهجوم. لم تشأ أن تلوذ بالفرار و هي تجر ذيل الخيبة.
نظرة بيرس المتمعنة جعلت خديها تتقدان احمرارا و قد بذلت جهدا لتحافظ على هدوئها بدلا من ان تنفجر غضبا.
فقد رمت قفاز التحدي ليلتقطه هو. شعرت بالقرف عندما عرفت انها جلبت ذلك لنفسها نتيجة تهورها و عليها ان تبقى حتى ترى النهاية المرة.
أمرها بصوت أجش قائلا: "استديري!"
نظرت إليه أليكس غير مصدقة و قد شهقت مرتعبة و قالت: "لا، لست جادا فيما تقول؟"
بدت ابتسامة بيرس مثل لسعة الأفعى عندما قال: "ألم تكوني جادة؟ قلت انك اشتريت كل شيء استطيع رؤيته، حتى انك اتعبت نفسك بنثرها هنا و هناك حتى اتفحصها."
حاولت أليكس ان تضحك يائسة و قالت محتجة: "لكن الأمر كله كان مزحة!"
قال بيرس متحديا بطريقة ساخرة: "حقا؟ حسنا. اني لا اراك تمزحين يا أليكس و انا كذلك. اردت رؤيتي مهانا لكني تخطيت "مزحتك" الصغيرة. و الآن حان دوري، عليك أن تتقبلي ذلك يا عزيزتي، هناك طاولة محجوزة الساعة الثامنة و النصف و لا أريد ان أذهب متأخرا."
استدارت أليكس مطأطأة رأسها لتخفي دموعها الحارة و قد شعرت بالإذلال. كان المفترض ان تكون هي من يتفرس النظر لكن الأمور آلت إلى النتيجة الخطأ. نظرت حولها طلبا للهرب. لم تكن غرفة النوم بعيدة جدا، لكنها شكت في ان تصل إليها، لأن بيرس كان في منتصف الطريق بينها و بين الباب.
نظر في عينيها المليئتين بالدموع و قال: "ايتها الغبية الحمقاء. ألم تتعلمي بعد انه لا يجدر بك نفعا التلاعب معي؟ هيا اذهبي... و يمكنك ان تنسي موعد العشاء، لقد قفدت شهيتي، الساحة لك يا أليكس ، اترك لك أمر قيادتها. اتمنى ان يكون النصر يستحق هذه المعركة."
عضت أليكس بقوة على شفتها فيما هي تراقبه و هو يستدير ليغادر الغرفة ، و بعد دقيقة سمعت صفقة الباب الأمامي. شعرت و كأنها حمقاء و حدقت في مشهد إذلالها. كان محقا، أرادت ان تشعره بالخزي لكنها هي من شعرت بأنها رخيصة. كانت الثياب تعيد إليها نظرتها بسخرية فتمنت لو انها لم ترها.
غمرها شعورا بإزدراء النفس، فذهبت لتأخذ دوشا علها ترتاح، لكنها كانت تعرف ان غسل تلك الذكرى من عقلها يتطلب أكثر من ذلك. و هكذا بقيت طوال الليل تدور و تتقلب على فراشها و لم تستطع أن تنام جيدا. و قررت خلال إحدى تلك الساعات التي مضت عليها دون أن تستطيع النوم بأن عليها الاعتذار، و ان كانت معظم الكلمات قد يعلق في حنجرتها.
لذا لم يكن من المدهش اطلاقا انها استغرقت في النوم صباحا، و طالما ان ذلك حصل ، قررت بأنه لا داعي للعجلة لقد تأخرت على موعد العمل، لذا فإن قليلا من التأخر الزائد لن يشكل اي فرق ، استغلت الوقت لترغم نفسها على تناول بعض الخبز المحمص، و للاعتناء بمظهرها. و بما أنها كانت تريد أن تبدو هادئة و مسيطرة على نفسها، لجأت إلى استعمال المكياج لتخفي الارهاق الذي نتج عن عدم قدرتها على النوم خلال الليل، و اختارت ان ترتدي بذلة ذات لون رمادي فاتح مع بلوزة حمراء اللون. و أخيرا، اتجهت إلى المدينة و هي تشعر و كانها امرأة مدانة.
رغم كل جهودها التي بذلتها، لم تكن مهيأة لرؤية العيون تتحول إليها بعدما ساد الصمت عندما دخلت إلى القاعة التي كانت تضج بالحركة الغريبة. لماذا كان كل واحد يبتسم ابتسامة عريضة؟ سارت إلى ردهة الاستقبال في مكتبها و رأت روث، التي كانت تنتظر وصولها بفارغ الصبر كما كان واضحا.
ابتسمت ابتسامة عريضة و امسكت بصحيفة، وضعتها سكرتيرتها فرق رزمة من الرسائل، فقالت لها السكرتيرة: "انك بالتأكيد تعرفين كيف تكتمين سرا، يا أليكس! ما من احد منا توقع ذلك و لا حتى من خلال طريقة تصرفاتك، تهانينا. اتمنى لكما كل السعادة."
و فيما هي تنقب بتعجب بين رزمة الرسائل، نظرت أليكس إلى سكرتيرتها بإرتباك و سألتها: "عم تتكلمين؟"
اجابتها روث، و هي تمد لها صحيفتها: "الزفاف، الاعلان عنه موجود في كل الصحف، الاتعرفين ذلك؟ ربما ان السيد مارتينو اراد ان يجعل ذلك مفاجأة."
لقد فهمت الأمر أخيرا. رسمت أليكس ابتسامة و اخذت الصحيفة و قالت بشكل موجز: "لقد توقعت هذا." و ألقت نظرة على كل رسالة من الرسائل مرة ثانية، و أخذت تمتص شفتيها. كانت كل تلك الرسائل، عدا القليل منها، من اشخاص رفضوا مساعدتها قبل بضعة ايام فقط. أما الآن و مع وصول بيرس ، فإنهم لم يستطيعوا الاتصال بالسرعة المطلوبة. كان من الصعب ان لا تشعر بالمرارة، و لم يسهل الامر اطلاقا دخولها مكتب والدها و مواجهة بيرس.
رفع نظره عن الوثيقة التي كان يطلع عليها، ثم اخفضه ببطء نحو طاولة المكتب فيما تقدمت هي نحوه. و سألها: "ماذا يمكنني ان أفعل لك، يا أليكس؟" و هو يكاد لا يخفي نفاذ صبره.طكان اسلوبا كافيا لتتراجع على الفور. لكنها سيطرت على اعصابها لتطلق سؤالها النقدي اللاذع قائلة: "لماذا لم تخبرني بشان اعلان موعد الزفاف؟"
تنهد بيرس ثم نظر إليها نظرة متفحصة و قال: "ربما لأني لم أرغب في مناظرة معك، لكن يبدو و كاني سأحظى بواحدة على أية حال، أليس كذلك؟"
"لم آت إلى هنا للشجار، يا بيرس. أتيت لاعتذر."
استطاعت، على الأقل، أن تقول تلك الكلمات دون أن تخنقها.
اجابها بسخرية رقيقة: "انه شيء جديد الآن!" و على الفور شعرت ان حرارتها ارتفعت.
سألته بشكل لاذع: "هل تقبل هذا الاعتذار أم لا؟"
قال: "عجيب كيف انه يبدو و كأنه اعلان عن حرب."
"ذلك لأنك دائما تقول شيئا يثير جنوني! لو انك تصمت لخمس دقائق، فقط يمكنني ان أقول كلماتي و امشي!"
و لدهشتها العظيمة ، ضحك ثم قال: "سوف تصبحين في السلك الدبلوماسي، حسنا، إليك المنبر، يا آنسة بتراكوس."
كافحت لتبقي صوتها معتدلا، ثم قالت: "أدركت ان ما فعلته الليلة الماضية كان سيئا، اني آسفة."
ساد الصمت لثوان قليلة قبل ان يجيبها قائلا: "هل هذا كل ما في الأمر؟ حسنا ، قبلت الاعتذار." و مد يده نحو الوثيقة من جديد.
افترت شفتي أليكس عن تنهيدة صغيرة و سألته بتعجب: "أهذا كل ما يمكنك قوله؟"
بدا بيرس مستمتعا ببرودة، حيث سألها: "ربما كنت تتوقعين شيئا آخر؟"
أصرت على اسنانها بشكل يمكن سماعه بوضوح، و قالت بإزدراء: "اعتقدت انك انت نفسك قد تريد الاعتذار."
هجره كل اللهو، و قال لها بفظاظة: "لماذا؟ لني هزمتك في لعبتك؟ ربما كنت لأفعلذلك لو اني فكرت انك لا تحاولين شيئا في اللحظة التي ادير بها ظهري. لكن فيما أنت هنا، هناك بعض الاشياء التي يجب عليك معرفتها. من الأفضل ان تجلسي."
كان مذلا! بدا انه يعتقد ان باستطاعته ان يقول كل ما يريده، ومن ثم يتوقع منها ان تجلس لتتحادث نعه بارتياح! فقالت: "شكرا، لكني افضل ان اقف."
لم يرفع بيرس صوته عندما قال: "اجلسي يا أليكس، أو اني سأذهب إليك و اجعلك تفعلين ذلك."
بعد الليلة الماضية، قررت ان التعقل هو افضل جزء من الشجاعة و بسرعة جلست في المقعد المقابل له.
ابتسم لها ثانية ، و استوى في جلسته و وضع ساقا فوق الأخرى، ثم قال: "مرتاحة؟ سأحاول ان لا استبقيك طويلا فأنا اعرف ان وقتك ثمين. سيسرك ان تعرفي بإننا سنذهب في شهر عسل قصير بعد الزفاف، لذا فمن الأفضل ان تجهزي نفسك للرحيل. كما بإمكانك ايضا ، ان تخطري دائرة الموظفين لتضع اعلانا عن وظيفتك ، بهذه الطريقة نكون مستعدين لإجراء المقابلة حالما نعود."
كانت أليكس مذهولة جدا لدرجة أنها لم تستطع ان تنبس بكلمة لدقيقة أو دقيقتين، ثم تدفقت الكلمات فقالت: "ماذا تعني، بأن اعلن عن وظيفتي؟ لقد عملت بجد كثيرا لأصل إلى هنا، و أكون غبية ان سلمت وظيفتي لك أو لأي كان!"
فقال لها: "على الرغم من ذلك فإن وظيفتك ستبقى شاغرة." و حدجها بنظرة صارمة ثم أضاف: "ستكونين زوجتي، يا أليكس. لا يمكنك أن تتصوري فعليا بإنه يمكنك البقاء هنا عندما أذهب أنا إلى المنزل. فبالرغم من اني أملك بيوت في معظم عواصم العالم، إلا ان منزلي هو في الولايات المتحدة، و كذلك زوجتي. أنت ستعيشين هناك معي."
قالت بتحد: "و ماذا عن مستقبلي المهني؟"
اجابها بيرس بدون اهتمام: "اخشى ان ذلك لم يعد له اهمية كبيرة، هل يهمك ذلك فعلا؟ أتذكرين انك اخبرتني ذات مرة ان ليس في نيتك بأن تكوني زوجة عاملة."
كانت كلمات غير ضرورية، لإعادة تذكيرها بسذاجتها.
فقالت: "كان ذلك في الماضي، ان مستقبلي المهني اصبح مهما بالنسبة لي الآن ، يا بيرس."
اجابها: "لن يكون كذلك عندما يصبح لك عائلة خاصة بك أو هل أنك نسيت أن زواجنا سيكون زواجا حقيقيا، يا حبيبتي؟"
ردت عليه قائلة: "يفترض ان يكون الزواج الحقيقي مشاركة! و المفترض ان يكون هناك احترام متبادل و نحن لا نملك أيا منهما، فخياري الوحيد هو ان أفعل تماما ما تقوله، أليس كذلك؟"
اجابها بيرس ببرودة: "هل سمعت المثل القائل، من يدفع ثمن انغماسه في اللهو يتحمل العواقب؟ و حتى الآن، كان كل العطاء من جانبي."
جفلت أليكس و قالت بصوت منخفض: "فهمت، أنك تعرف حقا كيف تحمل شخصا على كرهك، أليس كذلك يا بيرس؟ اعتقد ان شهر العسل هذا هو حيث سأسدد أول دفعة."
قال لها بهدوء: "ما من أحد منا يستطيع ان يهرب من قدره ، يا أليكس."
فهزت رأسها و قالت بحدة: "تتكلم و كأننا لا نملك أية سيطرة على حياتنا، و كأن ليس لدينا عقل نفكر به، لن اسلم بمعتقداتك."
علق بيرس قائلا بسخرية: "ربما انك لا تصدقين بذلك، بقدر ما أرغب، و أنا حقيقة لا أملك متسع من الوقت لمناقشة النقاط الفلسفية الأفضل معك. ان فريق عملي سيصل اليوم و لدينا الكثير من العمل لننجزه قبل الزفاف. و أنت يجب ان تهتمي بإخلاء مكتبك ايضا."
قررت أليكس الانصراف دون أن تقول شيئا، فالجدال كان عقيما و أي شيء قد تقوله سوف يتجاهله على أية حال.
نهضت و عادت إلى مكتبها، المكتب الذي لن يكون لها لفترة طويلة بعد. سارت إلى النافذة ، و نظرت بعينين عاصفتين إلى منظر لندن الرائع فشعرت و كأنها تسلب السيطرة على أمرها، و كأنها بعد وقت ليس بطويل ، لن يبقى هناك شيء من أليكس بتراكوس التي عرفتها، كل ما استطاعت القيام به هو أخذ عهد على نفسها بألا تستسلم دون قتال، و تتأكد بأن اي نصر يحرزه بيرس سيكون نصرا فارغا.
************************************
يتبع...[/COLOR]
|