كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصـــــــــــــــل الثالــــــــــــــــــث
ارتدت أليكس ثيابها صبيحة اليوم التالي بعناية زائدة. فلقاؤها هذا مع بيرس سيكون امتحانا لإرادة كل منهما، و تقضي مصلحتها أن تظهر واثقة بنفسها تماما. لذا اختارت لنفسها ثوبا اسود اللون زينته بدبوس مرصع بالألماس على الياقة، كانت قد ورثته عن جدتها ، و جعلته متكاملا بوضع اقراط ماسية في اذنيها و سلسلة ذهبية بسيطة حول عنقها.
تقدمت نحو المرآة و نظرت فيها لترى مدى الأثر الذي قد يتركه ظهورها امامه . كانت مسحة الزينة التي وضعتها متقنة و خفيفة و كانها لم تضع شيئا، و رضيت عن نفسها.
منتديات ليلاس
إنها تبدو امرأة اعمال تسيطر على حياتها تماما. لقد عملت بجد لكسب عيشها و كسب الاحترام الذي تتلقاه الآن. و لم تكن لتتخلى عن ذلك بسهولة.
كان الوصول إلى المكتب امرا مرهقا دائما، لكن اليوم سبب آخر زاد من ذلك. كان الوصول متأخرة آخر شيء تريده أليكس فهي تعرف كم من الصعب تعويض الوقت الضائع. و إبقاء بيرس منتظرا لم يكن جزء من خطتها، إنما ارادت أن تريه أن بإمكانها المحافظة على برودة اعصابها تحت الضغوط . و لحسن الحظ كانت الأمور تسير لصالحها.
و سرعان ما استقلت المصعد من موقف السيارات السفلي ليوصلها إلى مكتبها في الطابق الأعلى. عرجت أليكس على سكرتيرتها المنكبة على عملها بجد قائلة لها: "طاب صباحك يا روث."
نظرت إليها المرأة بابتسامة و قالت: "طاب صباحك يا أليكس، كيف حال والدك؟"
أجابت أليكس و هي تنقر بأظافر اصابعها المطلية بلون زهري على سطح طاولة المكتب اللامعة قائلة: "بخير، اسمعي ، من الأفضل أن تغادري مكانك الآن. سيأتي أحدهم لزيارتي عند الساعة العاشرة ، لذا أريدك أن تخلي المكان لي."
تناولت روث المفكرة و قالت: "هناك فقط موعد مع السيد جونسون من الاتحاد مدون هنا لفترة قبل الظهر."
قطبت أليكس جبينها فالاتحاد كان يسبب لها آلاما منذ ايام ، و كانت تبعدهم عنها حتى تصلها بعض الأخبار المؤكدة لذا قالت: "حسن، لن يعجبه هذا، لكن ما باليد حيلة، حاولي أن تجدي له موعدا في فترة بعد الظهر ، لكن إن لم تفلحي، اخبريه... اخبريه بأننا سنحدد له موعدا آخر لأن النور قد يلوح في نهاية النفق."
انتصبت اذنا روث التي كانت قلقة على وظيفتها كأي شخص آخر و سألتها: "هل هناك بصيص نور؟"
لاكت أليكس شفتيها و قالت باقتضاب: "كل هذا يعتمد على لقائي مع بيرس مارتينو."
تساءلت سكرتيرتها بتلهف واضح: "تعنين السيد مارتينو نفسه الذي يعمل في تجارة السفن؟"
لسوء الحظ لم يكن هذا الكلام مدعاة فرح بالنسبة لأليكس التي أكدت لها ذلك.
تنططت روث في مقعدها و قالت: "تعرفين ، للمرة الأولى اشعر حقا بأن أمورنا قد تتحول ، و على اية حال ، لقد فعل العجائب بذلك الأسطول، أليس كذلك؟ محولا الخسارة إلى ربح بأسرع مما تتصورين."
تمتمت أليكس باكتئاب قائلة: "أجل، قد يكون ذلك صحيحا، لكن افضل أن لا تنشري هذا الخبر حتى نعرف طبيعة الاتفاق ، فإن بيرس مارتينو لا يفعل شيئا دون مقابل أبدا."
قالت روث بفضول: "تبدين و كأنك تعرفينه."
استجمعت أليكس قواها لتضبط نفسها، و قالت لها: "لقد سبق و التقينا. سأكون في مكتب والدي ان احتجتني."
سارت إلى مكتبها ، حيث ألقت بحقيبتها على طاولة المكتب قبل أن تدخل مكتب والدها عبر الباب الذي يصل بين المكتبين. بدا المكتب دون وجوده على كرسيه المتحرك ، كأنما الحياة قد هجرته. و لم تستطع بأية طريقة ، أن تتخيل أنه لن يعود إلى هنا. و كان على ستيفن بتراكوس فوق ذلك ، و إن كان ما يقوله الاطباء صحيحا، ان يحدث تغييرا سريعا في نمط حياته إن كان يرغب في البقاء حيا مدة أطول .
اتجهت إلى خلف طاولة المكتب ، و مررت يدها فوق جلد الكرسي الناعم، ثم و ببطء القت بنفسها على مقعدها الوثير.
و قد غمرها احساس انها قد بذلت كل ما في وسعها. كانت الكرسي كبيرة جدا عليها، انها بحاجة لستيفن بتراكوس آخر يملأها ، و جعلتها معرفة ذلك تشعر بالتعب. لقد حلت محل والدها لأن الجميع توقعوا ذلك منها، حتى هي نفسها. و الآن ها هم يتوقعون منها القيام بالعجائب.
دارت في الكرسي حتى أصبح بإمكانها ان تسرح بنظرها عبر النافذة. كانت تعرف انها نجحت بما قامت به، لكن ذلك كان على الصعيد الاعلاني للاعمال، فلم تكن الإدارة امر تهدف للحصول عليه. و مع ذلك فقد بذلت كل ما في وسعها، و كانت تشك في أن أحداغيرها يعرف حجم الديون التي تراكمت على والدها، الأمر الذي اظهر لها رجلا يتحلى بفسحة من الاحتيال لم تكن تعرف انها موجودة من قبل.
و رغم ذلك فقد ادركت من خلال اللقاءات مع المدراء الآخرين، أن الجميع ليسوا غافلين عن ذلك الأمر مثلها، و جعلها توسع الشركة بشكل متطرف و حجم فوائد المدفوعات الذي تم عبر قروض ضخمة من المصرف و نظم لبدء مشاريع جديدة، تشعر بالغثيان، بدا أن المال يتدفق إلى خارج الشركة لا إلى داخلها، مما جعل الأمر يبدو ككابوس. لا عجب ان عانى والدها من نوبة قلبية. فما كانت الشركة بحاجة إليه هو حفنة كبيرة من السيولة و يد قوية لتكبح الفرامل.
تنهدت بصوت عال. و كان من سخرية الأقدار المريرةأن الشخص الوحيد الذي يملك الحل هو زوجها السابق ، و لم تكن ترغب في إقامة علاقة عمل معه لأنها كانت تعرف في أعماق نفسها أن الثمن سيكون باهظا ، ففي المرة السابقة كان جدها هو من عانى. ربما أن الأمر لم يكن ذا قيمةكبيرة ، لكن اسطول السفن التجارية العائد لعائلة بتراكوس كان مصدر فخرا له ، و فقدانه قد قتله ، ليس مباشرة ، انما على المدى الطويل.
رغم أن نظراتها كانت ما تزال على العالم الخارجي ، إلا ان منظرا آخر انعكس على أفكارها. اسطول السفن التجارية لعائلة بتراكوس، فقبل خمس سنوات لم تكن تعرف بوجوده حتى، لكنه أمر لن تستطيع نسيانه اطلاقا ، كما أنها لن تنسى ذلك اليوم الذي سمعت عنه لأول مرة من بين شفتي بيرس مارتينو...
رفعت أليكس رأسها عند سماعها صوت فتح الباب و اغلاقه، و قد تبع ذلك نبرات زوجها الخافتة و المميزة ، فنظرت بعينين مروعتين إلى الساعة و دهشت عندما رأت أن عقاربها تشير إلى ما بعد السابعة مساءا. لقد مر الوقت و هي تجلس على الكرسي قرب النافذة سجينة في عالم النسيان حيث كانت احاسيسها مخدرة بالسعادة.
غادرت ، كما أملى عليها كبريائها ، لأنها أدركت أن عليها أن تواجهه مرة أخرى. لقد قتل حبها له. و استغلها دون أن يفكر بمشاعرها. و هي تريد أن تعرف السبب فإنها تستحق أن تعرف الحقيقة مهما كانت مؤلمة.
أحست أليكس بتشنج عضلاتها و هي تنهض على قدميها فقد كان جسمها كله و كأنه قطعة صلب مؤلمة، و شعرت بالبرد رغم أنها كانت مرتدية سروالا من الجينز و كنزة.
عرفت أن احساسها ذلك كان ردة فعل و تمنت ان لا تخونها ملامحها عندما ترى بيرس. كان يعرف أنه قد جرحها ، لأنه تعمد أن يفعل ذلك.
مواجهته من جديد الآن لن تكون أمرا سهلا، و لعلها اصعب شيء قامت به في حياتها. كان باستطاعة الغضب فقط أن يمدها بالقوة التي تحتاجها.
كانت الشقة كبيرة، لكن كل ما كانت تعرفه فيها هو غرفة الطعام و غرفة النوم. كانت تتوق إلى معرفة أقسامها ، لكنها هذا الصباح لم تشعر برغبة في ذلك!
و فيما هي واقفة في الردهة ، نظرت بسرعة من حولها. كان هناك إلى يسارها باب مفتوح جزئيا و الضوء يظهر من خلاله ، ففكرت ان كان بيرس موجودا في أي مكان ، فعليها أن تبدأ بحثها عنه هناك.
وجدت أليكس نفسها في حجرة جلوس واسعة حديثة التصميم.
و كانت الستائر المخملية تغطي الجزء الأكبر من أحد الجدران، مما يعني على الأرجح أن نافذة تغطي ذلك الجزء. و كان هناك ارائك و كراسي ذات اذرع جميلة جدا حول مناضد منخفضة، و كان السجاد يخفي حتى أثقل وقع أقدام عليه، كما أن طلاء الجدران كان مبتكرا. كانت لتجدها في أي وقت آخر غرفة مذهلة جدا، لكنها الآن كانت متوترة جدا للاستمتاع بأي شيء سطحي كهذا. كانت هناك مدفأة في الجهة المقابلة، و رغم أنها لم تكن مشتعلة اتجهت نحوها ، بخطوات هادئة، و كأنما اقترابها من المدفأة يدفئ اصابعها الباردة كالثلج.
جعلتها قرقعة الثلج على الزجاج تدير رأسها بسرعة. لقد كان بيرس واقفا إلى جانب منضدة يراقبها بعينين غائمتين.
"أتودين تناول عصير الليمون قبل العشاء؟"
كان سؤاله ذلك كصفعة على الوجه. كيف بإمكانه أن يكون هادئا هكذا بعد ما حدث هذا الصباح؟ فازداد غضبها و اجابته و هي تصر على اسنانها: "لا، شكرا."
و أخذت تراقبه و هو يتقدم نحوها بخطوات متمهلة.
رأت شفتيه و قد قلبهما بسخرية عندما اصبح في نطاق الدائرة الضوئية التي بانت من المصباح المضاء إلى جانب الأريكة. ثم قال لها: "أرى انك تلبسين ملابس الحداد."
نظرت أليكس إلى ملابسها ، و لاحظت لأول مرة انها سوداء.
لم تكن تتعمد ذلك فقد كانت ملائمة تماما. تنحنحت قليلا و قالت بصوت أجش: "شيء ما مات اليوم يا بيرس، و مازلت لا أعرف لماذا."
اقترب بيرس أكثر، و ألقد بإحدى ذراعيه على رف المدفأة و قال: "اخبرتني السيدة رانسوم انك أمضيت النهار في غرفتك."
وجدت أليكس نفسها تكاد لا تحتمل اقترابه منها، و رغم ذلك أجبرت نفسها على أن لا تقوم بأية حركة لتبتعد عنه كي لا يعتقد أنها تهرب منه. قالت له: "اني اطلب منك أن تخبرني لماذا فعلت هذا؟ ماذا عنيت بما قلته عن جدي؟"
وقف للحظة يحدق بها ، ثم هز كتفيه بال مبالاة و قال لها برقة: "أنا و انت، يا عزيزتي أليكس ، تجري في عروقنا دماء يونانية. و بالنسبة إلينا القسم لا يؤخذ باستخفاف. و إني انفذ وعدا قطعته. أما متى ظهر يانيس بتروكس في الصورة فيسرني جدا أن اخبرك بالأمر عندما أرى ان الآوان قد حان لذلك."
تجاهله جعلها تشعر بالغثيان. و أصرت قائلة بغضب: "أريد ان أعرف الآن."
جالت عيناه الزرقاوان في شخصها المتصلب بتعجرف متكاسل. و اجابها: "بعد العشاء."
"أوه كم أكرهك!" خرجت تلك الكلمات من بين شفتيها كتنهيدة عميقة، فضغطت عليهما بقوة كي لا تتمكن اية كلمات أخرى الافلات من بينهما.
على اية حال لو أنها صرخت لبدا مستمتعا ، تماما كما يبدو الآن. اجابها: "حقا؟ البارحة فقط كنت تحبينني."
شهقت لتلك القساوة المتعمدة، و حدقت في عينيه فيما حدثت عملية قتل في قلبها. و سألته: "لماذا لم تتحداني عندما التقينا ان كان وعدك هذا مهم جدا؟"
اجابها: "ألم تجدي جوابا لذلك لوحدك؟ كان لديك النهار كله لأني كنت بحاجة لك لتكوني زوجتي، فدون ذلك ، كان بإمكانك ان تفري سالمة."
شعرت و كأن قلبها يعتصر بقوة. كان يمزقها ، تاركا اياها دون اي شيء. لا شيء سوى كبرياء عنيف، جعلها ترفع ذقنها قليلا و قالت له: "ما زال بإمكاني القيام بذلك الآن، أم تقول بأني سجينتك؟"
ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة فاترة و اجابها مؤكدا بسهولة: "بإمكانك الذهاب ساعة تشائين. لست بحاجة لك كرهينة. كل ما كنت بحاجة إليه هو أن تصبحي زوجتي، و أنت كذلك الآن، أليس كذلك؟"
شعرت أليكس أن لونها قد شحب و سألته: "اتقول لي أن كل ما جرى بيننا فعلته فقط لتتم الزواج؟"
رفع أحد حاجبيه بازدراء، و اجابها: "ايمكن أن تكوني حمقاء لدرجة أن تتصوري أني قد أترك أي مهرب؟ فتنفيذ الوعد كان يعتمد على ذلك."
كادت تختنق تقريبا من شدة الغثيان الذي ازداد فجأة و هزت رأسها غير مصدقة ما تسمعه، و قالت له: "كيف حدث اني كنت حمقاء لدرجة اني اعتقدت اني احبك؟"
غطت جفناه العينين الزرقاوين فيما هو يمد يده ليمرر اصابعه على وجنتيها. و سألها: "أأنت متأكدة تماما انك لا تحبينني الآن؟"
سرقت قساوة قلبه انفاسها. لقد أخبرها للتو انه تزوجها لأنه مجبرا على ذلكو ليس لأنه كان يريد ذلك، و الآن ها هو يريد ان يثبت أنها ما تزال طوع بنانه متى أراد ذلك.
فصرخت بوجهه قائلة: "لا تجرؤ على لمسي."
و فجأة ظهرت في عينيه نظرة غريبة لم تعهدها بهما.
و قال لها موضحا بصوت أجش: "لا تتحديني أبدا ، يا أليكس، فهذا أسوأ شيء قد تقومين به." و أمسك بها فيما كانت تحاول الفرار و أعادها ، و هي تحاول المقاومة فيما ثبت ذراعيها بذراعيه ، و دفع رأسها بيد ثبتها باحكام في شعرها. و مرت لحظة التقت فيها عيونهما، عيناها تظهران الإشمئزاز و عيناه تحملان تلك النظرة الغريبة التي لم تستطع تفسيرها.
و عندما اطلق بيرس سراحها اخيرا بدت عيناها متسعتين في وجهها المتقد ، فيما كانت عيناه تلمعان بإشعاع لدرجة الانبهار.
قال لها: "ليس الأمر سهلا، أليس كذلك؟"
ما كان ليختار طريقة أفضل ، ان كان يريدها أن تشعر بالازدراء، لذا قالت له: "لم أكن اعتقد قط اني استطيع احتقار اي انسان كما احتقرك. و اني لا اشعر سوى بالكره لشخص قد يفعل ما فعلته انت بي اليوم." استدارت قبل ان يستوقفها صوته قائلا: "إلى اين أنت ذاهبة؟"
رمته بنظرة مليئة بالإشمئزاز ، و اجابته: "سأعود إلى غرفتي حتى تصبح مستعدا للتكلم معي."
كان التوتر الذي يبدو من صوته مرعبا عندما قال لها: "إن كنت تريدين معرفة الوقائع، عليك أن تنضمي إلي خلال العشاء. انني اصر على ذلك."
استدارت أليكس عائدة ، و قد كبتت أعتراضها و هي تعرف أن عليها معرفة كل شيئ رغم أنها لا تريد رؤيته ثانية.
جلست على الطرف الآخر من الأريكة لتبتعد عنه قدر ما تستطيع ، و أجبرت نفسها لتنظر في وجهه قائلة: "حسنا، ان كان ذلك ما تستمتع به، سآخذ ذلك العصير الآن." لقد كانت بحاجة ماسة له.
اجابها بيرس بإيجاز: "لم أقل اني استمتع بذلك." فيما كان متجها ليسكب لها كوبا من العصير ، ثم عاد حاملا بيده عصيرها المفضل.
ساد الصمت و لم يكن في نيتها القيام بمحاولة فتح محادثة لطيفة. فهذا لم يعد شهر عسل، و هي العروس الخجولة، اما حرب إنهاك، و هي لن تتصرف على غير هذا النحو ، لذا شعرت بالارتياح عندما قرع الباب و دخلت السيدة رانسوم لتخبرهما ان العشاء جاهز. كانت مجرد فكرة الطعام بالنسبة لأليكس مثيرة للغثيان، لذا حاولت استجماع كل رباطة جأشها لتتمكن من أن تأخذ مكانها إلى الطاولة، لكنها بعد ذلك لم تحاول أن تأكل الطعام الذي وضه امامها ، و لا حتى لتتظاهر انها فعلت ذلك.
تأملها بيرس عبر الطاولة ، و لم يعجبه مظهرها الهادئ الصامت.
و بعد لحظة قال لها مشجعا و هو يشير للحساء: "ان هذا لذيذ جدا، عليك أن تتذوقيه."
تحدت عيناها عينيه و هي تسأل بغطرسة: "هل هذا أمر؟"
فبدا التوتر على فمه و سألها قائلا: "هل تنوين ان تميتي نفسك جوعا؟"
"بسببك انت؟ ابدا!"
فابتسم ابتسامة متجهمة لذلك، و قال لها: "لذا تناولي بعض الحساء ، يا أليكس. فكما اخبرتني السيدة رانسوم فأنت لم تتناولي شيئا من الطعام طوال النهار." كان هناك حدة في صوت بيرس ممزوجة ، من بين أشياء عدة، باهتمام لا يحتمل، حين قال: "هل علي أن اذهب إليك و أطعمك؟"
لجأت أليكس إلى السخرية فأجابته: "ما الأمر؟ اتخشى أن ينعكس الأمر سلبا عليك ان مت؟"
استوى بيرس في جلسته على كرسيه، و نظر إليها بتجهم قائلا: "اني لا أخشى شيئا. اني افعل فقط ما يجب ان أقوم به. ليس في نيتي اطلاقا ان أجعلك تمرضين."
استعدت أليكس لمجابهته، و أجابته بشكل لاذع: "إذا، من الأفضل أن تغرب عن نظري أو تدعني أرحل، لأن مجرد رؤيتك تشعرني بالغثيان."
ابتسم و أجابها: "لا تقلقي، ليس في نيتي أن اطيل رفقتنا معا. حالما أحصل على ما أتيت من أجله. لن تريني ثانية اطلاقا."
شعرت أليكس ان عضلات وجهها تتصلب ، فصرخت قائلة: "اتمنى لو اني لم ارك قط." في الوقت الذي دخلت فيه مدبرة المنزل إلى الغرفة. فكان عليه أن ينتظر حتى تزيل السيدة رانسوم اطباق الحساء عن الطاولة و تضع مكانها طبق الطعام الأساسي كي يجيبها.
و عندما اصبحا بمفردهما من جديد ، هز بيرس كتفيه العريضتين بلامبالاة و قال لها: "لطالما كان علينا أن نلتقي، يا أليكس. هناك أمور لابد أن تحدث."
كادت تضحك ، يريدها الآن أن تصدق أن للاقدار دور بما حدث! لكنها اجابته: "اني لا أصدق هكذا أمورا خرافية. لقد خططت لكل شيء حتى التفاصيل الدقيقة ، و لم تترك شيئا للصدفة. يا لهذا التكبر! اخبرني، ماذا كنت لتفعل لو اني كنت مخطوبة و على وشك الزواج؟"
"لكنت حاولت جاهدا ان أفسخ خطوبتك، بالطبع."
صدقته، فرجل فعل ما فعله بيرس ما كان ليعيقه اي ارتباط موجود. و مهما يكن الأمر الذي يعتقد أن عائلتها قد فعلته، فإنه خطير بما يكفي ليقوم بأي تصرف ، مهما كان مخادعا. فقالت: "اعتقد أنك كنت لتفعل ذلك، و ليس عندي ما أشعر به تجاهك سوى الاحتقار."
"طالما انك افصحت عما في نفسك، و ربما احدا منا لا يستمتع بهذه الوجبة على ما يبدو ، يمكننا ان ننتقل إلى غرفة المكتبة."
غار قلبها، لكنها نهضت بسرعة و لحقت به عبر الممر.
اضاء النور و حثها على الدخول. كانت غرفة ترسل الارتياح في النفس مزدانة برفوف من الكتب، في إحدى جوانبها طاولة مكتب قديمة، و مجموعة من الكراسي حول مدفأة وهمية اخرى. و كان إلى جانبها مكان خصص للكؤوس و الميداليات و الصور. كانت يد بيرس على ظهرها تحثها على الوصول إلى هناك. و مد يده إلى أحد الرفوف المميزة، من حيث احضر صورة داخل اطار و ناولها إياها قائلا: "هل تعرفين أحدا منهما؟"
تجهمت ثم نظرت بسرعة إلى الصورة القديمة. حيث يقف رجلان يرتديان بذلتين سوداوين كتفا إلى كتف، و كأنما قزمان امام السفن التي تظهر خلفهما. لم تتعرف إلى اي منهما في البداية، لكن شيء ما في وجه أحد الرجلين الصارمين جعلها تتمعن في الصورة ثانية.
فصرخت بتعجب: "إنه جدي!"
"وجدي ، جورج اندرياس."
"اندرياس؟ لكنه اسم يوناني، و اسمك هو مارتينو."
"جداي كانا يونانيين لكنهما غادرا اليونان بعد الحرب و هاجرا إلى امريكا ، حيث تزوجت ابنتهما، أمي ، رجلا أميركيا ، لورنس مارتينو ، و أنا ولدت هنا." و كان بيرس ما يزال يشير باصبعه إلى الرجل الآخر ، قبل أن يحركه نحو خلفية الصورة ليضيف قائلا: "و هذا اسطول اندرياس."
و في غمرة ارتباكها ، نسيت ان تتصرف بغضب فقالت له: "انني لا أفهم. اتقول ان جدينا كانا يعرفان بعضهما البعض؟"
ضحك ضحكة قصيرة و اجابها: "اقول انهما كانا أفضل عدوين ، و ليثبت ذلك ، سرق يانيس بتراكوس الاسطول من جدي."
شهقت أليكس قائلة: "سرقه؟" ثم دفعت بالصورة إليه ، وأضافت: "لا تكن سخيفا! جدي لا يمكلك أية سفن."
كانت الابتسامة المستمتعة التي ظهرت على شفتي بيرس مقيتة، فيما قال: "اؤكد لك أنه يملك بضع سفن ترسو مهترئة في مسفن في شمال افريقيا ، و هي كل ما تبقى من مجموعة سفن بتراكوس التجارية. سفن كانت ذات يوم تحمل اسم اندرياس. كان يانيس بتراكوس يرغب دائما بالحصول على هذه السفن، فقد كانت تشكل اسطولا ممتازا، كان امتلاكها يعني الثروة، النفوذ و الخول ضمن طبقات المجتمع الراقية، كان هناك ثلاثة اشياء يتوق للحصول عليها، و اختار ان يحققها بالزواج من ابنة المالك. لأن تلك الاشياء ستكون جزءا من ثروتها ، لكنها كانت مخطوبة و لن تنظر إليه. كانت تلك المرأة جدتي، و حصل جدي على السفن عندما تزوجا. و منذ ذلك اليوم و صاعدا ، كرههما بتراكوس و أقسم ان يحطم جدي و السفن بأية طريقة قد تمنكه من ذلك، ما لم يستطع الحصول عليه، بحيث ان لا يحصل عليه احد سواه و وجد الطريقة المثلى ، بعد الحرب ، حيث اظهر اوراقا ، مزيفة بالطبع، تثبت ان جدي كان يتعاون مع العدو. و بكرم كبير عرض على جدي مخرجا لهذه الورطة ، ان وقع اوراقا بالتخلي عن السفن ، تختفي الاوراق، و ان لم يفعل فإن العائلة بأكملها ستقتل."
و أضاف: "بالطبع ذلك لم يكن صحيحا ، لكن لم يكن هناك طريقة لإثباته، بينما يانيس بتراكوس كان علاقة بالسوق السوداء ، و كان لديه طرق للحصول على ما كان يريده. و هكذا ، حصل أخيرا على السفن. لأن جدي كان يحب عائلته، فقد كل شيء، لكنه أخذ عهدا على نفسه انه سيستعيد سفنه يوما ما. اتى إلى اميركا و بدأ حياة جديدة ، و جمع ثروة جديدة. لكنه لم ينس قط رؤيته الطريقة التي كان الاسطول يترك فيها ليصبح شيئا فشيئا خرابا، حطم فؤاده. عرض ان يشتريه عدة مرات ، لكن بتراكوس رفض، و عندما لم يعد بحاجة لاستعمالها ، ترك السفن تهترئ بكل بساطة."
و تابع قائلا: "عندما مات جدي، جعلني اقسم عهدا له بأن افعل ما عجز عن فعله. و رفض بتراكوس ان يبيعني، لذا لم اجد مبررا لأستمر في ضرب رأسي في الحائط، فبحثت عن طريقة أخرى و وجدتك أنت المفتاح، يا أليكس. اريد سفن بتراكوس التجارية و انت من سيحضرها لي!"
رنين جهاز الاتصال الداخلي الحاد جعل أليكس تجفل و تعود من ذكرياتها المؤلمة من جديد فدارت على كرسيها لتجيب: "نعم، يا روث؟"
"السيد مارتينو هنا، يا آنسة بتراكوس."
خفق قلبها بشكل مثير للغثيان، و قالت لها: "دعيه يدخل من فضلك، يا روث." علمت أن عليها ان تطلب احضار قهوة ايضا.
لكن لم يكن في نيتها ابقاءه وقتا كافيا ليتمكن من تناولها.
بالكاد استطاعت ان تمرر يدها فوق شعرها و تتأكد من أن أزرار سترتها كانت مقفلة بشكل جيد قبل أن يدخل إلى الغرفة.
كان يبدو هذا الصباح مثال رجل الاعمال الناجح ، حيث كانت بذلته الايطالية الرمادية اللون تناسب قامته الطويلة تماما ، كان يبتسم بتهكم كبير فيما كان يعبر الغرفة نحوها.
قال لها برقة: "صباح الخير يا أليكس." و مد لها يده، فارغمها على ان تصر على اسنانها ة تمد له يدها، التي ابتلعتها يده الكبيرة، مما جعلها تشعر انها ستبتلعها هي ايضا. و نتيجة لذلك سحبت يدها بعيدا على نحو مفاجئ مما جعل وجنتيها تتقدان احمرارا.
قالت له ببرودة: "سيد مارتينو." و هي تضغط اصابعها بقوة على ظهر طاولة المكتب لتوقف نزعتها للاضطراب.
كانت لمسته كتيار كهربائي اطلق الكهرباء في ذراعها. ثم تابعت: "كما ترى ، لقد تركت لك موعدا مفتوحا، لكن اكون ممتنة ان لم تهدر كثيرا من وقتي القيم، فلدي اشخاص آخرين علي رؤيتهم."
اتخذ لنفسه مقعدا مقابلا لها، متجاهلا اصول اللياقة، و قال لها: "اجلسي. يا أليكس ، و توقفي عن محاولة إعطائي انطباعا عن اهميتك، كلانا نعرف انك لا تتوقعين استقبال احد سواي. لقد قابلت كل من كان من المتوقع ان يمد يد المساعدة ، و لم تفلحي."
شعرت أليكس باضطراب في داخلها. هل عليه ان يفرك لها انفها بهذا الأمر؟ كان معرفة أنها فشلت أمرا، لكن سماع ذلك منه كان أمرا آخر. و دون ضرورة لذلك قالت له: "لم اطلب منك المجيء اطلاقا."
سألها: "كيف حال والدك؟" تجهمت عند سماعها سؤاله.
اجابته بشكل قاطع: "أتهتم حقا للأمر؟ ان لم يكن كذلك ، افضل ان لا تتعب شفتيك بالسؤال."
تصلب وجهه و اجابها: "مهما يكن ما تعلمته في غضون خمس سنوات ، فإن اصول اللياقة لم يكن من ضمنه. انك تعضين اليد التي تطعمك ، يا أليكس. من الأفضل ان انصحك بان تتذكري بأني لست مجبرا على مساعدتك ، يمكنني النهوض و المغادرة ساعة أشاء."
استحقت التأنيب، و تنهدت بعمق. فرغم كل الكره كان عليها أن تتملق له. و استطاعت أخيرا أن تقول له و هي تصر على اسنانها: "اني آسفة."
بدا أنه استساغ ذلك، إذ قال بسخرية: "هل أعتبر اعتذراك هذا انك تريدينني أن ابقى؟"
أجابته بصوت مخنوق: "نعم."
فقلب شفتيه و قال لها: "إذا ، هل لي ان اقترح بأن تطلبي بعض القهوة؟ أنا انك ستحتاجينها."
لم تجبه إذ أنها لم تثق بقدرتها على ذلك، الأمر الذي أحس به و الذي جعله يستسيغ الأمر أكثر، فاكتفت بان مدت يدها نحو الهاتف و طلبت القهوة. ثم استوت في مقعدها و تنهدت بعمق مرات عديدة مرغمة نفسها على الاسترخاء.
تركته يتمكن من التأثير بها، مما كان يجعلها دائما عرضة للأذى. كان عليها أن تريه أنها لم تعد شخصا يسهل التغلب عليه.
قالت بصوت أفضل حالا: "أشرت الليلة الماضية إلى انك قد تكون قادرا على مسادتنا. فما الذي يدور في رأسك بالضبط؟"
وضع بيرس ساقا فوق الأخرى، ثم قال: "كما فهمت فإن شركة بتراكوس الإعلانية ترزح تحت حمل ثقيل من الديون. و لكي يتم انقاذها فإنها ليست بحاجة إلى مبالغ كبيرة من السيولة فقط، و إنما هي بحاجة إلى تقييم جذري للطريقة التي تجري بها الأعمال. بإختصار ، بعد أن تنتهي من قضية الديون، أنت بحاجة إلى أن تقلصي الاعمال إلى حجم يمكن إدارته بشكل أسهل أليس كذلك؟"
اجابته: "انك تعرف أن الأمر كذلك، لكن، على أية حال ، عليك أن تدرك اني لا استطيع الموافقة على أي نوع من تبنيك الأمور دون موافقة والدي."
رفع أحد حاجبيه. و سألها: "و ما الذي يجعلك تعتقدين إني أريد أن اتبني اعمالك."
"لا تحاول خداعي. هذه هي الطريقة التي تعمل بها، و الجميع يعرف ذلك. انك تشتري من الناس ، تقسم الأعما إلى أعمال صغيرة و تجني ربحا هائلا."
قال لها بهدوء: "هل هذا نقد؟ غريب، لم اسمع أحدا غيرك قط يتذمر. اني أتعامل بالعدل و الانصاف ، فالناس يأخذون قيمة شركاتهم في السوق و بعد ذلك تقع علي كل المخاطرة. على أية حال ، ليس هذا نوع الإتفاق الذي أقدمه لك." عند ذلك وجدت أليكس اعصابها متوترة جدا. لدرجة أنها لم تكن قادرة على البقاء ساكنة في مقعدها.
أضاف بيرس برقة: "ما أرمي إليه، يا عزيزتي أليكس، هو اني على استعداد لتغطية كافة الديون. كما و أني مستعد لأن امد الشركة بمبلغ كاف من السيولة لتبدأ العمل من جديد.
حدقت أليكس به ثم قالت: "كيف؟ قلت لتوك أن لا رغبة لديك في تبني الأعمال. و أنك لست مجنونا لدرجة أن تعطي المال دون أي مقابل."
"انك محقة تماما. اني لست مجنونا. كما ترين، ما اقدمه هو عبارة عن هبة أكثر منها قرض، و اني بالتأكيد اتوقع أن أنال شيئا مقابل ذلك."
قالت بغباء: "هدية؟" و ببطء اتكأت أليكس على ظهر مقعدها و كانت عيناها الواسعتين الرماديتين تحدقان في عينيه. ابتلعت ريقها بصعوبة و سألته: "ما هي شورطك؟ افترض ان لديك بعضا منها؟"
احنى رأسه تسليما بصحة كلامها. و اجابها: "بكل يقين. الشروط هي أن أسلمك الكميات المطلوبة من المال، و أعين فريق إداري لمراجعة أعمال الشركة في اليوم الذي تصبحين فيه ، أنت يا عزيزتي أليكس، زوجتي."
*******************************
|