كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الأول
نزلت اليكس بتراكوس من سيارة الأجرة بانتباه ، و أخذت لحظة كانت بحاجة ماسة لها كي تشد كتفيها قبل أن تبدأ رحلتها في صعود السلالم إلى باب الفندق المتلألئ بالأضواء. كان هناك حفل راقص ، و رغم أنها كانت تتطلع لذلك بشوق في مناسبة أخرى ، إلا أن الليلة لم تكن مهيأة للمرح ، كانت تعبة جدا. لقد كان يوما مميزا طويلا و غير مثمر بعد سيل من الأيام الطويلة غير المثمرة ، و لو أنها لم تكن مضطرة للمحافظة على ما تتطلبه المظاهر من أنها قد حضرت حفلة الإحسان الباهرة هذه ، لكانت بقيت في المنزل.
منتديات ليلاس
ساعدها واحد من الخدم على خلع معطفها ، أخذت نفسا عميقا قبل أن تتجه إلى غرفة الرقص بشخصها الطويل النحيل الذي يمكن أن يكون قد خرج للتو من صفحات إحدى مجلات الأزياء. منتديات ليلاس مع ذلك ، و رغم أن ثوب السهرة الذي كانت ترتديه من تصميم سان لوران ، و حذاءها من صنع إيطالي يدوي و مجوهراتها من مصنوعات كارتييه ، كانت أليكس تعرف أن أيامهم معدودة ما لم تستطع أن تجد الدعم المالي الذي تحتاجه أعمال العائلة بشدة ، فإن كل شيء سيذهب. و ليس سبب ذلك أنها قد تكون تضحية بارزة بغيضة ، فهي لم تكن متيمة بالموضة الراقية و الطبقة التي تدل عليها. لا ، إنما الأمر المحزن هو أن ممتلكات العائلة كلها إن جمعت لن تكفي إلا إلى تسديد القليل من جبل الديون.
توقفت لبرهة بعد مدخل الغرفة مباشرة ، و القت نظرة عامة على الغرفة المكتظة ، و لم تفاجأ حين عرفت العديد من الوجوه المتواجدة هناك. إنها في الواقع ، قد أمضت ساعات طويلة خلال الأسابيع القليلة الماضية تتحدث إليهم. الآن أولئك الذين شهدوا وصولها سارعوا إلى الإبتعاد ، و سارعوا أيضا إلى نشر أخبار الضيق المالي الذي تمر به عائلتها بأصوات منخفضة.
جعلها ذلك تشد على شفتيها اللتين أظهرتا مدى الضيق المرتسم على وجهها الرقيق ، الأمر الذي كان ملائما مع رقتها. منتديات ليلاس سمة أظهرتها قصة شعرها الحديثة ، فقد كانت قصة شعرها الأشقر ، تناسبها تماما. و سارت إلى داخل الغرفة بكل ما أستطاعت جمعه من هدوء.
و فيما هي متجهة لتحضر لنفسها كوب عصير ، ردت على تحيات أولئك الذين ما زالوا يتمتعون بشجاعة كافية لأن تلتقي عيونهم بعينيها ، و هم يبتسمون ابتسامة متهكمة باهتة. آوه ، لقد كان كل شيء مختلفا قبل ستة شهور ، مختلف جدا. الآن لقد إنهار المظهر الكاذب و عليها أن تتعامل مع ما ترتب على تصرفات والدها غير الحكيمة. مع ذلك مهما اعتقد هؤلاء الناس ،redroses309 فإنها لن تجعل أبدا التصرفات السيئة تزعجها هنا.
"لا تتظاهري بالدهشة لهذه الدرجة." كان ذلك صوت تردد من جانبها بسخرية ، و أضاف: "إنها لعادة قديمة للفئران أن تغادر السفينة الغارقة بعد إصطدامها بالصخور."
تلك اللهجة الرنانة المنخفضة هزت أعصابها ، و شعرت أليكس للحظة واحدة بالغثيان ، إن الغرفة تدور من حولها.
ثم تجمد الدم في عروقها و أشتدت عضلاتها ، و بدا أنها بذلت كل ذرة من قوتها لتدير رأسها كي تواجه صاحب الصوت ، لأنها عرفت من سترى.
أجابته بسرعة: "مفسحة المجال للنسور كي تنقض و تلتقط الهيكل البالي." و قد أدهشها كم بدا صوتها ثابتا ، فيما رؤية الرجل الذي قدم بهدوء تام ليقفبجانبها جعل قلبها يخفق بشكل مغث. و أضافت: "لماذا لدي شعور أن قول أمر غريب رؤيتك هنا ، بالكاد يكون ملائما؟ فقد سمعت إن القرش يمكنه أن يشم رائحة الدماء عن بعد أميال كثيرة."
دون أن تأبه إن كانت قد مزجت بين استعارات أم لا. فقد كان هناك سؤال واحد يدور في رأسها: ماذا يفعل هنا؟
ابتسم بيرس مارتينو ، إبتسامة كسولة طويلة ، قائلا:
"لقد أصبح عندك مخالب ، يا أليكس ، الأمر الذي لا يثير دهشتي ، لكنك كما القطة الصغيرة تماما ، عليك بعد أن تتعلمي متى يجب أن تنبشي أظافرك."
لسعتها تلك اللهجة الساخرة ، و ذكرتها كم كانت ضعيفة ذات يوم. مع ذلك فإن تلك الأيام مضت منذ زمن طويل ، و قد أرتفع جدار غليظ للحماية. فقالت: "في ما يختص بي ، إن ذلك يحدث دائما في كل آوان يا مارتينو!" سمحت لنقمتها أن تظهر ، راغبة أن تصفعه على الفور.
رفع أحد حاجبيه السوداوين ، و نصحها قائلا ببرودة:
"هل تستقبلين دائما صديقا ببنادق لامعة؟ أعترف أن لها قيمة البدع ، لكن قد يكوم من الحكمة أكثر أن تضعي سلاحك جانبا ، يا أليكس. فالعدو لا يرتدي هذه الأيام قبعة سوداء. redroses309 رغم كل ما تعرفينه ، يمكن أن تطلقي النار على حليف."
قالت: "حليف!" خرجت الكلمة بإشمئزاز كبير. ثم أضافت بعنف: "لم تكن كذلك قط ، و لن تستطيع أن تكون كذلك. إنك العدو يا بيبرس ، و كونك كذلك ، ليس عندي لك شيء سوى الإزدراء." كان عليها أن تعرف أنه قد يقول شيئا كهذا.
بدا لها أنه لم يعد يتذكر كل ما كان ، و أن ما طبع في ذاكرته أقتصر على أشياء محددة ، فيما كان كل شيء مطبوعا بوضوح في ذاكرتها. قالت له: "أخشى أن عليك أن تعذرني الآن. فكما ترى لقد أصبحت حسنة التمييز في أختيار أصدقائي هذه الأيام." و مع تلك العبارة استدارت بحدة و سارت بعيدا عنه و ساقيها تكاد أن تنهار تحتها مع كل خطوة.
لم تكن لديها فكرة واضحة إلى أي مكان تتجه ، إنما استمرت في السير حتى وجدت نفسها أخيرا في غرفة الإنتظار حيث لا مخرج آخر منها. و توقفت حينها ، حيث اكتشفت أن كل أوصالها ترتجف. لم كان عليه أن يكون هنا؟ ألم يكفه ما فعله؟ إنها تكرهه ، تكرهه بقدر ما أحبته في يوم من الأيام ، بمشاعر عميقة لا تعرف الحدود.
أحنت أليكس رأسها ، و شعرت بمعدتها تعتصر ، ما زال بيرس مارتينو يملك كل شيء. ما زالت لديه تلك النظرة التي تجعل قلب المرأة يخفق بجنون. ذات مرة ، جعلت تلك النظرات قلبها يطير. حيث لم تكن محصنة تجاه الشعر الأسود الكثيف اللامع ، و لا تجاه العينين الثاقبتين الزرقاوين ، و لا تجاه الوجنتين المظللتين بالغموض اللتين تحيطان بذلك الفم الجميل ، كانت أناقته و ثقته بنفسه تشعان و كأنها منارة ، فتشدانها ، كما العديد من الفراشات الأخرى ، للرقص ضمن نطاق حرارتها الخطرة و تألقها. كان يشربها الشراب و يطعمها الطعام ، و يعاملها بطريقة أكدت لقلبها الغارق في حبه أنه يحبها هو أيضا.
شعرت بالمرارة و كأنها قرح على لسانها ، و دون وعي منها ضغطت بشدة على الكوب الذي ما يزال في يدها. لقد حول ذلك الحب إلى كراهية باكاذيبه. لأن ذلك كله كان كذبا! كل شيء ، من البداية حتى النهاية! و قاطع تحطم الكوب ذكرياتها الغاضبة ، و قد أتبع ذلك على الفور صرخة رقيقة من الألم انطلقت منها. سقط الكوب المكسور من يدها ، و حدقت بإنشداه نحو الدماء التي سالت بسرعة على راحة يدها.
عندها فقط لاحظت أنها لم تكن في الغرفة لوحدها.
"هل جرحت نفسك؟ دعيني أرى." لا بد أن بيرس تبعها ، و تقدم نحوها الآن بسرعة و أمسك بيدها و تفحصها قبل أن تتاح لها الفرصة أن تسحبها بعيدا.
أرتعدت أليكس ، حيث وجدت نفسها فجأة تحدق في رأسه المنحني. أعادت إليها تموجات شعره الأسود الكثيف ذكريات ، إعتقدت أنها دفنت بأمان. شهقت بحدة ، فقط لتقذف احاسيسها برائحة عطره النافذة منه. ثم ، و كأنما لزيادة الإهانة إلى الأذى ، أرسلت لمسته في ذراعها شيئا يشبه صدمة كهربائية ، أرعبتها ردة فعلها هذه الغير متوقعة و غير المرغوب بها كليا ، فتجمدت مرتبكة ، و عقلها يصرخ في صمت لا!
"سوف تعيشين."
كلمات بيرس سلختها من صدمتها ، و تأخيره البسيط في رفع نظره أتاح لها فرصة كافية لتعيد السيطرة على تعابير وجهها ، كي لا تظهر مدى تأثرها.
قال: "إنه أكبر من خدش بقليل. و يبدو نظيفا." نظر إليها
أضاف: "ماذا كنت تتخيلين الكوب ، عنقي؟"
بذلت كل جهدها ، لكنها لم تستطع أن تحتمل تلك النظرة ، و بسرعة أبعدت عينيها عن نظرات السخرية الظاهرة في هاتين الفجوتين الزرقاوين. و وقعت نظرات عينيها على يدها ، و اكتشفت أنه قد ضمدها بمديله. كان هناك آثار دماء على المنديل الأبيض النقي. دماؤها. دائما هناك آثار لدمائها عندما يدخل بيرس حياتها! أبدت إمارات الإمتعاض ، و تبخرت لحظة الوعي تلك مع رياح الذكريات الكئيبة القاسية.
قالت له ببرودة: "إن كان هناك رجل يستحق قطع عنقه ، فهو أنت."
كانت ردة فعل بيرس الوحيدة الضحك بإستهتار ، و أجابها: "كثيرات حاولن ذلك ، و ما من واحدة نجحت."
ابتسمت أليكس إبتسامة باهتة لغروره الواضح و قالت: "غرور كهذا لا بد أن يتحطم. أتمنى فقط أن أكون موجودة لأشهد ذلك."
للحظة ، ومض في عينيه وميض غريب قد يكون ندما ، لكنه إختفى قبل أن تستطيع إثبات ذلك. و رد عليها قائلا: "ذلك إرث نتوارثه ، ألا تعتقدين أن هذا هو أساس صنع المأساة اليونانية التقليدية؟ حيث أن الزوجات الحاقدات يخططن لأسقاط أزواجهن. هل سترقصين على ضريحي ، يا أليكس؟"
كان يعبث معها ، لكنها رفضت أن تلعب لعبته فردت عليه بسرعة: "زوجتك السابقة!" و عندها اعتصر قلبها بحدة ، حتى هي نفسها لم تستطع أن تدرك ما هية المشاعر التي عصفت بها في تلك اللحظة.
أحنى بيرس رأسه مسلما بذلك بسخرية و كأنه لم يكن يتوقع أي جواب آخر و قال لها: "تقولين ذلك بخفة ظاهرة."
رفعت ذقنها على الفور ، و تلألأت عيناها ، فيما قالت: "كان أسعد يوم في حياتي!"
إن كانت تأمل أن تجرحه ، فإن هدفها ضل سبيله بشكل واضح. ذكرها قائلا بعذوبة: "غريب ، أذكر أنك قلت هذا يوم زفافنا."
اضطرارها للاعتراف كيف بإمكانه أن يجعلها تنفعل حتى في هذا الوقت ، جعلها غاضبة بشكل جنوني من نفسها كما منه ، لاستذكارها كل تلك الأوقات السيئة بوضوح تام.
أجابته: "لم أكن أعرف حينها أي سافل أنت."
كل تعابير المرح غابت عن وجهه فجأة. و قال: "كان يجب أن يحصل ما حصل ، عليك أن تتفهمي ذلك."
غامت عيناها الرماديتان بعواطف متأججة ، و كان بإمكانه أن يقرأ فيهما مدى كراهيتها له ، و قالت: "لن أفهم ذلك إطلاقا ، و لن أصفح عنك أبدا. سأكرهك حتى آخر يوم في حياتي!.
اتسعت فتحتا أنفه عندما أخذ نفسا عميقا و قال: "أبدا ، هو وقت طويل ، قد يصبح لديك يومها سبب لتشكريني."
تطلب الأمر منها بذل كل ذرة من السيطرة على نفسها لتمنعها من الوثب عليه و تمزيقه إربا. و إنها في اللحظة التي ستفقد بها السيطرة على نفسها ، سيفوز هو و ذلك أمر عليها تحاشيه مهما كلف ذلك ، لذا أجابته بعفوية: "علام؟! ألقتلك جدي؟".
لا بد أن شوكتها غرزت في نقطة رقيقة ، لأن بيرس تقدم بخطوة غاضبة نحوها ، ثم سيطر على نفسه بجهد واضح ، و قال لها برباطة جأش: "لا تلقي اللوم علي بذلك يا أليكس. redroses309 لقد كان رجلا عجوزا ، أقر بذلك ، لكنه عاش لسنوات عدة بعد أن التقيته لآخر مرة."
إرتجفت شفتيها ، من الغضب و الحزن معا فضغطت عليهما ثم أجابته: "ربما كان الأمر كذلك لكنك عجلت بموته بأخذك كل شيء غال على قلبه."
تصلب بكبرياء غاضب ، و تقززت عيناه الزرقاوان و كأنهما فقدتا الحياة تقريبا. و أجابها: "لم آخذ شيئا لم يكن لي بحكم الحق ، و عوضا عن ذلك تركتك له."
ضحكت أليكس بتكلف. لقد ترك جسدا. جسد إمرأة محطمة! قالت له: "إنك لص ، و قاتل ، و أنا أحتقرك."
بدا وجهه و كأنه قطعة اقتطعت من حجر ، و أصبحت هادئة جدا في ما قال: "ضعي الإحتقار جانبا ، لكني ما زلت أملك شيئا تريدينه."
أجابته: "أقطع يدي قبل أن تمتد لقبول أي شيء منك يا بيرس مارتينو!"
عادت الإبتسامة لترتسم على شفتيه لكنها كانت باردة و قاسية ، و قال: "أنت دائما مأساوية جدا. لقد نسيت أية مخلوقة عاطفية أنت."
لديه الوقاحة فقط ليذكرها بإستجابتها المطلقة له ، إستجابة استغلها من أجل مصلحته الشخصية ، لقد كانت غبية حينها ، لكن ذلك لن يحصل ثانية. قالت له بإيجاز بليغ: "إنك على حق ، لدي شيء علي أن أشكرك لأجله ، تعليمي درسا قيما ، درسا لن أنساه أبدا."
قال برقة: "إن كنت استاذا جيدا ، فأنت كنت تلميذة راغبة بالتعلم بشدة." متعمدا عدم فهم ما رمت إليه ، ثم أضاف: "يبدو أن ذلك قد أفادك ، أيضا ، إذ أنك تبدين أكثر جمالا مما أذكر."
صرت أليكس على أسنانها بغضب. الواقع أنه تزوج من فتاة بريئة. و كان أمرا وجدت صعوبة في التأقلم معه، بالنظر لم تبعه. اعتصرت معدتها لإنعدام إحساسه إذ عمل على تذكيرها بذلك الآن ، فقالت: "أتمنى أن لا تتوقع مني أن أشكرك على ثنائك. لأنه بصراحة تامة ، سيخنقني لفظ تلك الكلمات."
رقصت عيناه ، و قال: "ذلك لن يفي بالغرض أبدا. ربما علي التوقف قبل أن تصابي بسكتة قلبية ، لكني لا أستطيع مقاومة ذلك. تعجبني قصة شعرك هكذا ، إنها تجعلك تبدين أنيقة و حساسة في آن معا. عمل رائع. متى قصصته؟"
أجابته: "في الواقع ، قصصته لأول مرة منذ خمس سنوات!" و تركته يستنتج ما يريد من وراء ذلك.
لم يكن بيرس بطيء الفهم قط ، و قد فهم الآن ما قصدته على الفور. فقال لها: "آه ، مع كل ما هو قديم ، و أهلا بكل جديد... كنت معجبا جدا بشعرك الطويل الأسود ، كنت أحلم في غمر أصابعي و الأمساك به."
كاذت أن تختنق حينها ، لأنها كانت تقريبا تحلم الأحلام ذاتها عنه ، حتى بعد أن إنتهى الزواج بفترة طويلة. كانت الذكرى الآن تبدو كقطعة جليد حول قلبها. فقالت: "ذلك هو السبب الذي جعلني أقصه تماما." و أضافت محاولة أن تعيده إلى حقيقة قدره: "لم أرد أن يبقى شيء يذكرني بك."
لف بيرس ذراعيه ، و تأملها بتهكم قائلا: "و مع ذلك لم تنسِ ، على ما يبدو. ألهذا السبب أنت وحيدة هنا الليلة؟"
شهقت بحدة. ليس هناك من رجل آخر مثل بيرس يطرح أسئلة بفوارق دقيقة في المعنى لا تكاد تدرك من قبل الآخرين. أجابته: "يمكنك أن تحرر نفسك من فكرة أن لك أية صلة في حياتي الآن. إني هنا لوحدي لأن والدي مريض ، و على الأرجح أنك تعرف ذلك جيدا. لكنا أتينا كعائلة مجتمعة ، لكن عوضا عن ذلك أتيت بمفردي. هل يرضي ذلك فضولك؟"
أجابها: "ليس تماما. هل جميع الرجال في إنكلترا عميان؟ ألم يكن هناك أحد ما غيره ليرافقك؟"
أتخذت وضع المقاتل ، و سألته: "ماذا تريد أن تعرف بالضبط يا بيرس ، حالة حياتي العاطفية؟"
أجابها: "نظرا لحالتك المتوقدة ، أستطيع القول أنك لم تحصلي على فرصة واحدة ، أو أن أسلوبه سيء جدا فتركك محبطة."
سألته: "كيف تجرؤ؟"
"أيعني ذلك أنني مخطئ أم أنني على صواب؟"
أجابته بغضب: "ذلك يعني أن وقاحتك ثقيلة ، و ليس في نيتي الإجابة عن سؤال شخصي كهذا."
ضحك ثم قال لها: "أعتقد أنك فعلت هذا للتو. منتديات ليلاس على أي حال ، إن لم يكن الرجال قد شغلوا وقتك ، فماذا كنت تفعلين طوال السنوات الخمس الماضية؟"
أجابته: "يسعدني القول أني كنت أتقدم بشكل رائع بدونك."
أجابها موافقا: "هذا ما أراه." و بقليل من الصعوبة ثمن ملابسها و مجوهراتها ثم أضاف ساخرا: "إنك تعيشين فوق ما هو متاح لك. من دفع ثمنها جميعها ، والدك؟"
أتقدت إحمرارا من جديد ، و أجابته بحدة: "غير صحيح. إني أكسب المال لأدفع ثمن ملابسي ، و ذلك من خلال العمل بجد. و مجوهراتي هي هدية ذكرى مولدي الواحد و العشرون ، و لا أظنك ، تظنّ علي بذلك!"
قال بتهكم: "تتكلمين و كأنك لبوة تدافع عن أشبالها."
أجابته: "لم لا؟ ربما إنك تستمتع بضرب الناس فيما هم في الحضيض و لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ، أما أنا فلا ، و في الحقيقة ، أني لا أحب حتى مصادقة أناس هكذا. لذا إن كنت لا تمانع..." إبتسمت إبتسامة باردة ، و كادت أن تمر من أمامه ، إلا أن يده أمتدت لتمسك بيدها و تؤخر مغادرتها.
"ليس بهذه السرعة. ما زال علينا التحدث."
حاولت أن تبعده عنها ، لكنه قاوم ذلك دون بذل أي جهد ، و كل ما استطاعت القيام به هو أن ترمقه بنظرة قاسية قاتلة بفتور: "بقدر ما يعنيني الأمر ، لقد قلنا أكثر مما ينبغي."
هز بيرس رأسه قائلا: "يا عزيزتي ، لم نبدأبالحديث بعد. لكنك محقة. ليس هذا هو الوقت أو المكان المناسبين. سأكون في مكتبك صباح الغد عند الساعة العاشرة."
"يمكنك أن تأتي ، لكنني لن أراك فلدي مواعيد طوال اليوم و كذلك في المستقبل المنظور."
أفلت معصمها ، لكن فقط ليرفع يده ليمسك بذقنها ، ليرغمها على التحديق به قائلا: "تفرغي لذلك! و إن لم يكن هذا تحذيرا كافيا ، توقفي عن التفكير بنفسك و إبدأي التفكير بشأن موظفيك بدلا من ذلك. قد تكون هذه ربما فرصتك الأخيرة في إنقاذ وظائفهم. إن الأمر على عاتقك يا أليكس. هل يمكن تحمل نتائج كبريائك؟" و استمر تحديق عينيه في عينيها للحظة أطول ، مطلقا سراحها من بعدها و هو يعدها بقوله: "حتى نهار الغد." و غادر الغرفة بإيماءة من رأسه.
راقبت قامته المديده و كتفيه العريضتين و هو يمشي مبتعدا ، فيما كانت تغلي من شدة الغضب الهادر. كم تمنت أن تقول له أغرب عن وجهي ، لكن كلماته أوقفتها ، حيث كانت متأكدة من أن كلماته قد تمنعها. لقد عرف أيضا أنها سوف تراه في الغد ، من أجل الوظائف العديدة التي كانت تحاول بصعوبة إنقاذها ، لكن دون أن يحالفها النجاح. طعم الفشل كان شيئا كريها يجب أن تبتلعه الآن. ها هو بيرس يلمح أنه قد يكون مستعدا لفعل شيء ما ، و بالرغم من أنها تكرهه ، كانت تعرف أنه لا يمكنها أن تصده.
غادرت الحفلة باكرا ، لكنها لم تذهب مباشرة إلى المنزل ، بل استقلت سيارة أجرة إلى مستشفى لندن حيث كان ستيفن بتراكوس ما زال في غرفة العناية الفائقة. فقد عانى منذ ثلاثة أسابيع مضت من نوبة قلبية حادة ، و قد سبقتها نوبة أقل حدة. كان بقاؤه على قيد الحياة أشبه بأعجوبة. كانت حياته معلقة في الميزان عندما أكتشفت حالة شؤون دار النشر المحفوفة بالمخاطر. فيما كان الأطباء يكسبون ببطء معركة بقاء والدها على قيد الحياة ، كانت هي ما تزال تحاول إنقاذ شركته.
تطلعت أمها التي كانت تحيك الصوف بصنارتها نحوها ، عندما دخلت أليكس إلى الغرفة. و قد رسمت المرأة الضعيفة ذات الوجه الشاحب الصغير إبتسامة مرحبة عند رؤية ابنتها قائلة: "مرحبا ، يا عزيزتي ، هل أمضيت وقتا طيبا؟"
أنحنت أليكس لتطبع قبلة على الخد الناعم. كانت إميلي بتراكوس إمرأة من النوع الذي تضفي طبيعتها الحلوة حماية من حولها ، و ليس أكثر من الحماية التي تقدمها فعلا لعائلتها ، و أصبح أمرا غريزيا لديها و قبل مرض والدها بزمن طويل ، أن تحمي أمها من الجانب القاسي جدا في الحياة. و سبب ذلك هو الفوضى التي تكافح بيأس لتسويها الآن. لكن رغم أن والدتها كانت تشتبه بالتأكيد أن هناك شيء ما ، و طالما أن والدها لم يخبر زوجته بشيء ، إذا فإنها لا تستطيع أن تقول شيئا لها أيضا. الأمر الذي جعل أليكس الآن ترسم على وجهها إبتسامة فرحة.
أجابتها: "آوه ، أنت تعرفين كيف تجري هذه الحفلات. كان سبب إقامتها وجيها. كيف حال والدي؟"
تنهدت أمها مجيبة: "إنه نائم الآن ، لكنه كان متعبا جدا قبل ذلك. أتمنى لو أنه يخبرنا ما الأمر." و أخذت تلوك شفتها بإهتمام ، و دون أن تدري أكدت شكوك ابنتها.
عانقتها أليكس ، قائلة : " حاولي أن لا تقلقي ، يا اماه ، أنت تعرفين كم يكره والدي أن يكون مريضا خاصة عندما يبعده المرض عن أعماله. على أية حال ، إني اسيطر على الأمور مؤقتا ، و اعتقد أني قد أحمل إليه أخبارا جميلة في القريب العاجل." و توسلت في قرارة نفسها آملة أن يكون ذلك صحيحا.
قالت إميلي بتراكوس و هي تبتسم : "انك قوية يا أليكس. و لا أحد يعلم ماذا كنت لأفعل من دونك." ثم زالت إبتسامتها ليحل محلها التجهم و هي تضيف : "لكنك تبدين متعبة يا عزيزتي ، ألا تنامين؟"
كان النوم أمرا نادرا هذه الأيام ، و حتى حين كانت تغفو قليلا كانت أحلامها مزعجة، إلا إنها ما كانت لتعترف بتلك الأمور. لذا قالت : "إنني بخير ، كل ما في الأمر ان اليوم كان يوما مرهقا، أنوي أن أذهب إلى الفراش مباشرة عندما أصل إلى المنزل. لا تنسي أن تنامي أنت أيضا يا أمي. أنت تعرفين أن رؤيتك قلقة ستحزن والدي كثيرا."
أجابتها: "أنت تجعلينني أبدو كدواء!"
ضحكت أليكس برقة، و قالت: "أنك كذلك ، و أفضل دواء يمكنه الحصول عليه." تظاهرت بالتثاؤب، نظرت إلى ساعتها ، و اضافت ، قبل أن تقبل أمها مرة أخرى و تغادر : "من الأفضل أن أذهب . سوف أمر عليكما غدا. قبلي والدي عني و أخبريه أن لا يقلق."
كانت شقتها تقع قرب النهر في تشيلسي. كانت شقة صغيرة إلا إنها كانت تناسبها تماما ، استأجرتها قبل زواجها القصير جدا. و لأنها رفضت أن تقبل أي مساعده مالية من مطلقها ، كانت سعيدة بالعودة إليها لتضمد جروحها. دخلت و هي تتنهد بارتياح، و لم تشعر بالأمان إلا بعد أن اقفلت المزلاج. بيرس هو من جعلها تشعر هكذا، و كأن عليها أن تهرب، و أن تستمر في الهروب. سارت نحو غرفة الجلوس ، ألقت بمعطفها على الأريكة و سارت لتسكب لنفسها شرابا منعشا. كان حضوره صدمة بالنسبة إليها، فهي لم تتوقع أن تراه ثانية بعد الطلاق. ثم فكرت و قد قلبت شفتيها ، بعد كل ما جرى ، لماذا عاد و قد أخذ كل ما أراده؟
لقد صدقت يوما أنها تجسد تلك الكلمات الثلاث العاطفية لكنها لم تكن سوى اداة. فقد اعد خططه كجنرال في الجيش، خطط لكل شيئ. فكانت كل الكلمات الرقيقة و نظرات الحب التي تبادلاها مجرد تصميم لهدف واحد. ليخفي وراءه هدفه الحقيقي.
لم تعرف أحدا في حياتها قط قد يستطيع التظاهر على هذا النحو. لقد أحبته و صدقت أنه يحبها، لكن ذلك ما كان يفترض أن تعتقده. كانت سذاجتها كسوط لروحها المعذبة.
كانت في الواحدة و العشرين من عمرها صغيرة بالنسبة إلى عمره البالغ التاسعة و العشرين و الواسع الخبرة، و لولا ذلك ما كان ليتأكد أنها ستقع في حبه فقد كان يعرف ما يكفي عن النساء ليستطيع أن يجعل ذلك الأمر ممكنا بشكل واضح.
أخذت أليكس ترتجففتقوقعت على كرسي ذات ذراعين ، كان بيرس محقا بشأن حياتها العاطفية ، فقد كانت خالية فعلا. و هل هناك أي عجب في ذلك؟ فما قاسته على يديه جعلها تخشى النار كأي أنسان مذنب.
لن تؤمن أي رجل على سعادتها ثانية. لديها بعض الأصدقاء من الرجال و الذين خرجت برفقتهم أحيانا، لكن رغم أنها كانت تعرف أن بعضهم كان يرغب في توثيق العلاقة أكثر، إلا إنها كانت دائما منتبهة لإبقاء مسافة بينها و بينهم.
توقف أصدقاؤها عن سؤالها عن سبب تغيرها بعد عودتها من امريكا عندما تمنعت عن الإجابة، و رغم ذلك استمروا في محاولة إيجاد زوج لها . لكنها في أحسن الأحوال كانت محاولة فاترة ، و احترموا رغبتها الخفية بعدم البوح عن خصوصياتها.
أغمضت عينيها. فقد كان إيقاف الأسئلة أمر سهل، لكن إيقاف الذكريات كان أمرا آخر. كانت المشاهد ترواد ذاكرتها الواحد تلو الآخر ، لكن رغم إنها كانت تطاردها ، تنام حينا و تستيقظ احيانا خلال السنوات الخمس الماضية، ثم أخذت تطول الفترة بينها ، حتى لم تفكر به منذ فترة طويلة ، لكن الليلة عاد كل شيئ بقوة.
كان بيرس ذكي جدا ليجعلها تعتقد ما ارادت أن تصدقه ، أنه يحبها. إلا إنه لم يفعل ، لقد بدا لها ذلك واضحا في ساعة قصيرة واحدة. لقد لعب دوره ببراعة فائقة، حتى أنها لم تكتشف ، إلا صباح اليوم الذي تلا زفافهما ، إن الرجل الذي تزوجته ليس سوى دجال.
و التقت أخيرا، في اليوم الذي كان يفترض أن يكون بداية حياتهما معا ، بيرس مارتينو الحقيقي...
*************************
يتبع...
|