كاتب الموضوع :
Jάωђάrά49
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
بسم الله الرحمان الرحيم
:
:
:
:
:
ولاحول ولاقوة إلا بالله
:
:
:
:
:
:
الجُزْءُ الثَّلاَثُونَ
:
:
:
:
:
بَـــعْـــدَ َالْـــحَــآدِثِ
فــِـ مُسْتَشْفَىآـــ القَرْيَةََ ـِـــي
حضر للمستشفى كل من مليكة وفاطمة وعبير
سعيد وعثمان
أما سليمان الذي بقي قرب والده ذو الحالة المتدهورة
وعبد الصمد لم يستطع ترك المزرعة
بينما هند فضلت البقاء لاستقبالهم في البيت
واستغلت الوضع لتخبر امها بما جرى على الهاتف
وهم ذارعون لرواق المستشفىآ
فما كانت ابدا سقطتها تلك سهلة
كان كل منهم متخبطاً
في قلق ...وانقباض شديد في الصدور
يرفقه انزعاج جسماني وارتعاش
فالأم وعبير تكاد تفنى بخوفها على فلدة كبدها
وفاطمة تبتلع حسرتها
فوريث كان سيجيئ ليحظى من نور الوجود بشيء
قدر له الوفاة
القلق يخيم على الجميع
يرخي ظلال الهم على الوجوه
جثمت عبير في مكانها تحرك رجلها بعصبية
متكئة هي على الحائط
ولاتقدر سوى على توجيه نظرات ناقمة لعثمان
القابع معكوف الظهر جالسا لايزيح عيونه من باب غرفة العمليات
فغصبا عنها
تدري انه يسبب لاختها الكثير من الحزن
وانسان في جحوده لايوجد
كانت تقضم اظفر ابهامها من كثرة شكوكها
اقترب منها سعيد يمسك بيديها ويحاول تهدئتها
بوضع راحة يد منه دافئة على شعرها
ليشعرها بالامان والطمئنينة:
- ستكون بخير فلا داعي لعصبيتك إدعي لها ...
ان اعصابها تُدَمَّرُ والحزن كئيب
رصين لايهزل
بل يجتهد الحزن في قلوبهم الى تدييق الامل ونوره
- كيف تريد يا سعيد ان اهدئ انها اختي ..الوحيدة..
وجهت نظرة أخرى لعثمان
واستند سعيد قرب عبير يلاحظ نظراتها
- ألن تصارحيني ..؟..ما الامر؟
التقت بنظرته وملامحهما في قمة الجدية:
- لست ادري ...ما يمكنني قوله .. اني لست مطمئنة للوضع لاغير...
سعيد وما احترفه قلبه من حب في عبيرته
وما نسخه من تعابير ملامحها في جميع الاحيان
يوجعه شيء ما
ان تكون فتاته ولديها اسرار
تكبر على يديه يوما بعد يوم
وتنغرس في جسده كالبياريق المرفرفة
ورغم الامر هذا الا انه يعتبرها كيانه الذي صاغه وكونه
يريدها ان تعترف بالخفايا بين تشعبات عقلها
وان تتحدى الحدود وتعيش معه على صفحة ناصعة البياض
لكن لايوجد في الكون امر مستوٍ تماما
وكامل من جميع الجهات
ولكل انسان اسرار ولو كانت بسيطة فهو يدرك حجمها
الذي قد تصبح عليه ما ان تصبح في مشاركة الاخر
وعبير ووعدها لاختها
وحياة اختها ككل ليس من شانها التدخل فيها
عُثْمَآنُـــــ
تَرَاهُ جَامدَ الملامح لايتكلم مع أحد لايعير لدموع الاخرين اهمية
ليس لانه عديم الشفقة بل لانه
لايوافقهم على تلك الدموع العقيمة
اين مكانه من كل هذا؟
يشعر انه يوشك على نهاية لقصته
ابتدعها بيده ونحتها بكبرياءه
الذي اقتلع طعم وحلاوة الحياة من جسده وروحه
من حياته ككل
فبعد ان وجدها وتاكد انها سقطت على الدرج
وبعد ان لمح نظرتها المتوسلة لأمها
ونفورها منه
ازداد همه ازداد واحتدم عليه قفص العذاب
يهشم أضلعه من الألم ويفتت كلس عظامه
انه محاط بالغم من كل جانب
يستعيد بالله منه
لكن وفي فترة انتظار جواب لسؤاله
يتعايش مع هذه الدماء التي تسري اشواكا في عروقه
أغلب الوقت يرجع بالزمن لبضع الوقت
كيف قمعها وبوحشية لارأفة ولارحمة فيها
كيف فكر انها ستبقى على حالها دائما تحت الضغط
فالضغط ذاك
كان ان يسبب لشخص اخر الموت في حينه
أهلك صبرها وخرب نفسيتها
مهما كانت تبقى بشرا ولديها مشاعر
لما لايرحم نفسه
فهي نفسه
هي وجدانه
هي تقبع في دواخل واعمق قياس في داخله
عمق يشعره بالتعب والارهاق فهي طاقته
هي من ملكته وملكت مَوْرِدَ سَعَادَتِهِ
عصر مجموعة اصابعه بعضها ببعض
كيف استطاع معاقبة يمامته؟؟؟
لانها فقط
تشعل نفسه مشاعر وهاجة
لانها فقط
العذاب والوجدان والنار
وأنه هو السنى العسجدي الذي شق اناملهما
وترك كسرا كبيرا بين جوانحيهما
اقتربت عبير من امها
وجلست قربها تربط ذراعيهما
وهي تشعر بالراحة
لان امها تكتم الحزن وراء ابتسامتها المتعبة:
- ستكون بخير باذن الله يا عبير... اليس كذلك؟
عبير بشجن مغلف بقوة ومزخرفة بابتسامة اخرى
واصابعها تلتف على ذراع امها
لتزرع في صدرها الامان:
- باذن الرحمان يا امي فلا تحملي هما انها قوية ....
دنت فاطمة
من المكان الذي يجلس فيه ابنها عثمان
ونطقت وهي تربت على كتفه:
- يا بني من اين لك هذا الحظ التعس؟؟ آآآآآآآه... لست ادري من اين اصابتك تلك العين ....
نهض عثمان فقد ضاقت به الى اقصى حد
وكأنه يتمنى ان يدفن نفسه
أو أن يرى نفسه أمامه
فيقتلها ويذيقها من القساوة التي يتجرع ندامتها
عندما لاحظ ان الدكتورة تخرج من الغرفة اقترب يسألها:
- كيف هي دكتورة...كيف حالها؟
تحدثت الدكتورة بصوت واثق
وهي تنظر الى البقية الذين انظموا لسماع الاخبار:
- بخير ...الطفل أسقط لكنها بخير والحمد لله انها لاتعاني سوى من بضعة ردود خفيفة على جسدها ..عن اذنكم..
سألها عثمان بلهفة مرة اخرى يتبع ممشاها:
- هل يمكنني ان اعرف متى ستخرج وهل يمكن لنا الدخول اليها؟
الدكتورة وهي تعدل نظارتيها على طول الرجل الضخم:
- ستخرج غذا لكن لا انصحكم بالدخول اليها الان... لانها لاتزال تحت خدر العملية فقد كانت دقيقة...
تحدثت فاطمة تقول:
- والان يمنعوننا من رؤيتها على اي حال ...سعيد بني سخن السيارة علينا العودة..
نظرت عبير ومليكة شزرا اليها فردت مليكة:
- سابقى هنا مع ابنتي اذهبي انت...
ردت فاطمة
كما لو انها تدافع عن نفسها أو تجد المبرر لذلك:
- لما تنظرين الي يا مليكة بتلك الطريقة ...كما لو كنت انا السبب في اجهاض ابنتك.. اليست هي من لم تكن محترسة كفاية على نفسها...؟
نطق عثمان بفظاظة وصوت يكسر الآذان:
- امي... كفاك والله ما نعانيه يكفينا لم يتهمك أحد ...ارجوك سعيد خذها وانا سابقى هنا...
اكفهرت فاطمة وخرجت مسرعة
فتكلم سعيد وهو يتبع امه بنظرته ومن ثم يلتفت الى زوجته :
- عبير ...هل ستاتين؟
حركت عبير راسها :
- لا سابقى معهم هنا اذهب انت ..
انحنى على راسها وعلى راس عمته يلثمهما ويهمس:
- ساذهب اليها اذن وان شاء الله تخرج ثريا بالف خير إذا سُمِحَ لكما بالدخول ابلغا لها سلامي وتمنياتي بالشفاء...
كانت عبير تموت لكي تجعل عثمان يتحدث
فمن ملامحه تستطيع ان تقرأ حزنا وشيء مختلفا كالندم
تريد ان تتأكد ان كان هو من تسبب لها في الحادث
لكنها ستكون فظة معه وليس لها دخل بينهما
رغم كونها أختها
هذا التناقض تركها تبقى بعيدة عن الامر برمته
وتنتظر مع امها علهم يخبرونهم باستفاقتها
*************************
بـــــــَـــعـــــْــــــدَ يَـــــوْمـــــَيــــْنـــــِ
خرجت عبير من السيارة
ومدت يدها لثريا لتخرج وراءها هي الاخرى
فتسندها
وها هي العودة الى قصر السجناء الاغنياء
المترفين في هموم الحب
والمتلفين من وحشة كبره وفراغه
تلقت ثريا يد اختها الباردة نوعا ما
وارتقت معها السلالم
ليس هناك تعب قوي أكثر منه نفسي
وبصدرها عجاج صراخ لايخرس
وكبت يفوق الاحتمال
إذن فهذا هو الحب ليس سوى عذاب لايتجزء
كلمة قوية كالصخر
موردة من كل الجوانب
وملأى بالاشواك السامة المألمة
وكيف ومن سينتشلها من همها؟؟
دعت الله وتوقفت في افكارها على حل وَآحِدْ
وستنتهي القصة الى الابد وتعيش هي على ذكراها
فما نفع الجرح الطري اذا لم يوجد له ترياق
كان سيكون ابنها الترياق
في ايام العذاب معه التي كانت لتصبر عليها
والان انقسمت الاقدار ليسير كل منهما وفق ما حدده
اصعدوها الى غرفتها
وساعدتها عبير على دخولها سريرها
بينما أمها كانت تجلس قربها وتقبل راسها وتقول:
- حبيبتي جعلها الله لكي من مغفرة الذنوب ...آه الحمد لله على كل حال...
ابتسمت ثريا لأمها تعبر بذلك على تجاوبها
لكن في قلبها في اعماقها
تعاني معاناة كبيرة من جراء الفقد بكل انواعه
- لا يا أمي انا ...بخير أحتاج للنوم ..قليلا
ردت الام وكلها اهتمام :
- لا بنيتي...ستأكلين وبعد ذلك تنامين...لكن فقط ارتاحي ساذهب لاحضر لك شيء
عبير التي كانت تتفرغ صبراً
لرؤية امها خارج الغرفة في تلك اللحظة
واندفعت تجلس قرب اختها التي
تحركت بتعب لتريح ظهرها على المخدة:
- ثريا لست بغبية والان بالذات ستخبرين عن سبب سقوطك...هل دفعك ؟
التفت ثريا على عبير بنظرة معاتبة
ولايخلو صدرها من زخات الجمر إيلاما:
- عبير إن بعد الظن إثم ...لم يكن له دخل في سقوطي ....بل اصابتني اغماءة غريبة واستسلمت لها للأسف...لم استطع ان اتشبت بشيء ..أو اجلس حتى...
رمقتها عبير بحسرة وامتدت يدها الى يد اختها
وهمست بحنان:
- هل انت حزينة ....
ارتفعت عيون ثريا اليها والابتسامة على شفاهها:
- لاتدرين كم حزنت لكن.. الحمد لله ...أعلم شيء ان كل شيء سينتهي ....فلن تتحملي همومي بعد اليوم
فغرت عبير بعدم استوعاب:
- هلاَّ جُدْتِ علي بسردٍ سهل لكي افهم ما تعنينه...
اغلقت ثريا عيونها
وخرجت التنهيدة محملة من أوساخ الحياة
بكل الهموم والاحزان:
- ليس الجيد ان اتكلم الان ...اريد الراحة...على فكرة جدي كيف حاله ...احس انني قصرت معه علي زيارته في المساء اليوم حسنا...؟
هزت عبير أكتافها:
- بالطبع ليس هنالك من مانع لكن على الاقل ارتاحي فالإجهاض يسرق من المرأة نصفها.. فحاولي الراحة....
سمعت الاثنتان طرقا وحمحمة خفيفة انثوية بحتة:
- السلام عليكم ...ايمكنني الدخول؟
قالت ثريا تبتسم هي وعبير:
- أهلا وسهلا بالعروس ..اقتربي يا هند...
جلست هند تقبل وجنتها:
- آسفة ان ازعجتكما لكني كنت مصرة على رؤيتك يا ثريا ...الحمد لله على خروجك سالمة..
اومئت ثريا براسها:
- الحمد لله...ياه والله امر منفر ان تكوني عروسا جديدة وترين مشاكلنا هته اتمنى الا يؤثر عليك الوضع....
قالت هند مبتسمة تربت على كتف ثريا:
- لا بالعكس بخير ...والحمد لله على سلامتك...وان شاء الله "ستعوض"
كلمة انغرست في جميع مسام ثريا إبراً
وبألم
تعويض عن الذي راح ليس أمرا جديدا
تقال ككلمة تدل على استمرارية الحياة
لكن للواقعة وقع عميق بكل المقاييس في روحها
وبالخصوص وان ثريا تدري كل الدراية
أنه عوض من نفس الشخص مستحيل
أن يكون...
بعد أن اندمجت الفتيات بالكلام
عن هذا وذاك وأمور غريبة وامور تتعلق بالحياة عامة
وابتعدن كليا عن العلاقات بازواجهن
فكانما كل منهن تعاني نفس التذبذب في حياتها
وتخاف قلب المواجعـــــِ
إلا عبير
التي تدري انها ترفض الكلام عن نجاح علاقتها بزوجها
أمام اختها لكي لاتزيد من تأزيم الأثر في نفسية ثريا
فــــِـــ اَلْــــمَــــســَـــآءِـــــي
للآن لم يصعد الى الجناح
ليس لأنه لم يرد
بل أكثر ما يتمناه في حياته
هو مواساتها ومسح الحزن من عيونها
لكن كيف وهو من تسبب في سقوط الطفل
فلو لم يكن قاسيا
جاحدا
لما حصل ما حصل لكنه يقبل قضاء الله
ما لايقبله أن يذهب ويعتذر كيف ستتقبل ذلك؟؟
قد تعذبه اكثر من عذابه الحالي
ففضل البقاء في صالة الرجال وحيدا يحاكي
الموجات المتتالية من الذكريات
بشكل مد وجزر لاينتهـــيـــــِ
سمع صوت امه في الرواق تحدث الخادمة والتفت
يعلم أن لها دخولا الى الصالة لامحالة
فجأة ظهرت أمامه ونظرت له باستغراب:
- بني يا قرة عيني لما أنت هنا...؟
احساس الام غلب عليها فاقفلت الباب واقتربت من ابنها لتجلس قربه
- ما الامر بني ...هل لاتزال متأثرا ...أعلم الامر صعب لكن ستعوض ..بإذن الله ستعوض...
ابتسم ليلطف الجو:
- محقة امي سنعوض ..هذا ما اتمناه حقا
سألته أمه من اهتمامها :
- لما لاتصعد الى زوجتك لم المح طيفك فوق ؟
تحرك عثمان في مكانه:
- سافعل ان شاء الله فقط بعد أن تكون قد ارتاحت ونامت بشكل جيد...
رفعت أكتافها وربتت على ركبته:
- كما تشاء ساكون في المطبخ وبعد ذلك ساصعد الى جدك ...ولاتنسى زيارته ايضا..مسكين الله الشافي الله العافي
وتركته لتخرج
فيضل هو سجين افكاره ومشاعره
المتضرمة والمحترقة
فــــِــي اَلْـــمـَــسَـــآءِ
استطاعت أن تنهض من سريرها
فهي تعرف انها قوية وتستطيع ذلك
وكم حزنها عميق
بحيث أنه لم يستطع عيادتها أو السؤال عنها
لما سيفعل ذلك ؟؟
فإن فعله سيلومها وليست بحملٍ لإتهاماته
خرجت من الحمام وهي منتعشة ومرتاحة
ارتدت قميصا في اللون الاسود طويل الى الاقدام
مع حجاب ابيض
رغم بياض وجهها فقد عكس المناطق المتعبة فيه
بشكل كبير
وفكرة انها ستعود من عداد المطلقين
تستحوذ افكارهآ
خرجت ثريا من الجناح
واقتربت من الدرابزين تسند نفسها لتصعد الى جدها
ولتراه وتكون بقربه فلا احد يدري متى قد يتوفاه الله
بعد أن وصلت الى الطابق
ارتطمت نظرتها بالخارج من الغرفة
كان زوجها
عُثْمَآنـُ
للحظة ظلت عيونهما متشابكة
كانت في قمة ارتباكها والجرح بسببه يزداد عمقا ووجعا
اما هو وهو يرى وجهها الذي عهده نضراً
يعكس الان ذبولا
فذهبت نداوة ثريا
وانطفئت ثريا وضَمُرَتْ
بحيث اختفى بريق الحياة من عيونها
واستوطنتهما الغربة
اقترب منها وهي تحاول تجاوزه بجمود:
- ثريا لما لست في الفراش ...عليك ان ترتاحي ؟
لم تنظر اليه حتى وأجابت:
- أنا بخير ولست بحاجة.. لسؤالك او اهتمامك
"أمر مناقض لضمئ قلبها"
تجاهل جوابها يقول:
- هل اتيتي لرؤية .. جدنا؟
تجاهلت اجابته والتفتت لتكمل طريقها
لكنها وجدت نفسها بين يديه القاسيتين الدافئتين
والألم يطل من عيونه
- عثمان لسنا اطفالا فلتدعني...
تنهد بياس وهو لايقدر على عبور الغلاف الذي اغتلفت به:
- هل استشعر من برودك انك تلومينني لانني السبب في الحادث؟
انسلت بلطف او تعب من يديه
واغرورقت عيونها دمعا
وهي تريح يدها على ازرار قميصه
ومن ثُمَّ انزلقت اصابعها الى دقنه:
- لست انت السبب بل كلها انا ...(ابتسمت غصبا عن المها)... ماعاد هناك شيء يدعوني للتظاهر ...آسفة أنا لانني كنت سببا في دمار حياتك فلم اتقصد ذلك ...أنا فعلا أحببتك لو تدري...وأحبك... انا لا استحقك
فاتمنى ان تغفرلي عثمان فكونك تحملتني شيء لايطاق أَعْلَمُ ...لكن اتمنى ان تعلم انك ستظل بالنسبة لي دائما شيء كبيرا رغم قسوتك ...
انحنت على يده تقبلها
وابتعدت تتركه في دوامة
يحاول ان يمسك الامور بين يديه بدل انفلاتها هكذا
لم يزحزح نظره منها
وكلماتها تصدح بروحه...وقبلتها تتغلغل بل وتغلغل يده منه
فما عادت ملكه
الى ان دخلت الى غرفة جده
وهو يفكر بان هناك شيء يشير الى......
لكن صوت سعيد من الاسفل
يعلن عن انتظاره مع عبد الصمد
وسليمان للذهاب الى الصلاة
نزل الدرج مسرعا رغم رغبته القوية في البقاء
وانتظار خروجها وفك كل هته العقد
لانه يتمنى ان يجد الخلاص من عقد العادات والتقاليد حلاًّ ومخرجاً
بعد خروج ثريا من عند الجد
وجدت دموعها تزحف على خدودها
ترى جدها الرجل المغوار في العائلة
ينهار وقد انهار
فبالكاد يستعيد الوجود بينهم فنصفه غائب ونصف منه حاضر
فانهت وداعها معه عله يسامحها
بعد نزولها الى جناحها
وجدت عبير هناك تنتظرها
كانت ترتب لها ملابسها في الدولاب
- عبير ...دعك من ذلك سوف ارحل على اية حال...
صدمت عبير والتفتت بسرعة الى اختها:
- ترحلين ولكن...ثريا هل انت بخير؟
قالت ثريا باختصار:
- اتمنى ان تخبري الجميع باني اريد التحدث معهم ...اقصد فاطمة وامي وانت وعثمان...(رفعت ثريا يدها تمنع عبير من الكلام) اسمحي لي يا عبير لاتتدخلي افعلي يا اختي ما اطلبه منك ...
حسنا وهذه هي النهاية
ماعاد هناك مستقبل ولا حلم منه
لم يترك في علاقتها بحبيبها سوى اشلاء من الماضي
انقطعت منها بوجع
نزلت عبير وكلها هائمة على وجهها
استطاعت بالكاد ان تخبر امها وحماتها برغبة ثريا في محادثتهما
وطلبت من الخادمة ان هي رأت عثمان
ان تطلب منه ان يصعد بدوره
فـــــــــــِــــــــي الجَـــــنـَـــآحِ
بقيت تذرع الغرفة رغم تعبها جيئة وذهابا
وتوقفت على الكثير من الافكار التي مرت بعقلها
فمثلا الم تقسم على الانتقام منه
فوجدت ان الانتقام شرس عليها وعليه ففقد ابنهما ليس بالهين
وقد كان قضاء من الله وقدره
والان تحس بان ما سيحافظ لها على بعض الكرامة
هو اخبارهم بالحقيقة
والطلاق أخيراً
سمعت خطواتهن في الجناح
فبقيت واقفة في مكانها الى ان دخلن
قالت امها بتساؤل:
- ثريا ...ما الشيء الذي تريدين ان تخبرينا به بنيتي
وتبعتها فاطمة :
- هل هو بهذه الاهمية ؟
همست ثريا بهدوء لايعكس ما بداخلها
- اجلسا اولا....(جلست امامهما بدورها على احدى الكراسي)
انا اردت ان اعترف لكم بسر...اتمنى ان تسمعانني الى النهاية....زواجي من عثمان سينتهي... اريد الطلاق...ارجوك حماتي دعيني اكمل ...السبب انه تحملني اكثر مما يقدر واحترمني اكثر مما استحق فقط لانني انتمي لعائلته...لايمكنني ان احمله فوق طاقته ...فلو كنت غريبة عن العائلة لكان طلقني منذ زمان ....من هته الناحية نحن متفقان...
قالت فاطمة وهي تنهض من مكانها:
- هل اثرت بك السقطة يا ثريا... ما هذا الحديث يا ربي؟
نطقت عبير الواقفة:
- امي ارجوك اجلسي واستمعي لها فلا اظنها تهذي
نظرت عبير الى اختها وتلقت منها نظرة امتنان
ثريا تحاول باكثر وثوق من نفسها:
- زوجي يا امي لايحبني... السبب انني كنت فاقدة لعذريتي قبل الزواج بسبب حادث....وهذا هو السبب ...عثمان كان انبل رجل وحاول ان يستر على الامر لكني لا اتحمل ان اراه يتعذب معي وهو يُــ...يُرَغِّمُ على نفسه العيش معي كنت ساصمت وكان سيصمت لو عاش الطفل لكن لاشيء يربطنا بعد الان....
سمع كلامها الاخير فقد دخل الغرفة
وكأنه خنجر يغرس بيدها في قلبه بسم دعاف اسود سريع الانتشار
تهدلت نظرته على وجهها عيونها المتعبة العاتبة على الحبيب
شيء يفوق مقدرتها على النسيان ما دفعها الى الاعتراف
تريد التخلص من السجن والسجان
انها الزنبقة الطاهرة وبسببه
ارتخت تويجاتها وبهتت من طراوتها
وارتسمت عليها خطوط عميقة سوداء
الم يكن هو من ذرها كذرات الملح
هي من كانت مجموعة الجسد العقل الروح والقلب
أَصبحت أجزاءً الوانها مُختنقة مِن الأسَىآ
يراها وكانه يراها لاول مرة امرأة
انفرادية في تفكيرها
ونجحت في قطعه من الحلقوم لكن بأرق طريقة
لم يستطع مع هذا الوجع في قلبه
بل في كامل صدره ان يتكلم او ينظر الى الوجوه الاخرى
ولم يستطع حتى ان يبعد نظرته منها
لما لم تخبرهم بانه كان يعذبها؟؟؟؟
سؤاله هذا زاد من عشقه لها
صدمت والدة ثريا مليكة من كلام ابنتها
فوجدت في تلك اللحظة عبير قربها تضمها لكي لاتنهار
فقد عانت وتعاني ماخرا من صدمات متتالية
اما فاطمة
فقد اكفهرت وملامحها
اظلمت ونهضت من مكانها والتقت نظرتها بابنها
- عثمان أحلف لي يا بني أن...أن ما نطقت به تلك المرأة صحيح
لم يستطع ان ينطق يريد ان ينكر
لايرضى لحبيبته ان تهان ولانفسه حتى
لكن صمته اشعل ماتبقى
- عثمان اليوم ستطلقها... فلا يوجد بيننا منافقات خادعات ناكرات للجميل...كيف استطعتَ أن تخفي عني أنا أمك يا عثمان...أمرا كهذا؟؟
نهضت مليكة تصرخ وهي في قمة اضطرابها:
- فاطمة اصمتي والا قطعت لسانك ...إبنتي أشرف من كل البنات فلا يطالها لسانك اتسمعين...
قالت فاطمة بثقة وقبح:
- بعيدا عن ابني اتسمعين ايضا ..لانها لن تبقى دقيقة واحدة في منزل واحد مع ابني ... انظري ثريا من جهة جيد انك اعترفتي لاني لن اترك ابني يتعذب بامر مخجل كهذا حتى لو كان حادث ما حصل فلايمكننا ان ...
لم ترد ان تصل بكلامها الى مس شرف الفتاة
فخرجت تنادي عثمان ليتبعها
نظرت ثريا اليه وهي تقترب من امها
والألم كان يصعر بفؤاديهما وسط هته الدوامة
طئطئ راسه ليخرج وراء امه
واشعر ثريا هذا بخفة لانها ستتحرر
لكنه ادمى قلبها
وشرخ كل ما فيها ليتسرب الالم من كل جسدها
دنت من امها:
- امي ...كل شيء حدث بسرعة... ولا احد اعطاني الوقت ..ظننت انه سيتفهم وضعي لكنه...لكنه بالكاد تحمل وجهي يا امي من شكه...
ركعت قربها تضع راسها على ركبها
- انا حزينة فلا تتخلي عني ...
ربتت مليكة على راس ابنتها
وهي تمسح بيدها الاخرى دموعها
عبير لم تستطع سوى ان تضع راسها على كتف امها
العطوف
لتغرق في بكاء مرير هي الاخرى
فــــــــــــِــــــي الصَّـــالـــَةِ السّــُُفْــــلِـــيـَّـــةِ
وبعد اغلاق فاطمة الباب
لاحظت شرود ابنها فهزته من ذراعه
حتى التقى بنظرتها:
- ما الذي فعلته يا عثمان تدري ان الزواج منها كان حرام...زواج باطل
في أعـــــماق نفسه المعذبة
تنهد مختنقا بالعبر
ليت امه تستوعب ولو القليل لانه بصراحة سيجن مما يحدث
وكيف له ان يكذب كلامها
ما الشيء الذي سيمحي الشكوك التي حاكتها ثريا حولها الان
يشعر ان قلبه ممزق
جلس خائرا
يزرع كم اصابعه في خصلات شعره
اصرت أمه:
- الن تخبرني الان لما اخفيت عني امرا كهذا يا عثمان؟
قال عثمان بصوت هادئ :
- امي ...حصل كل شيء بسرعة وليس هناك ما يشرح...
فاطمة بنفاذ صبر:
- سوف تتصل بالعادل لياتي الى هنا ...سوف تطلقها لترحل في حالها لايمكن ان تبقى...في بيت واحد معك.
نظر الى امه بتعب ودهشة
وكانها تطلب سلخ روحه من جسده
فيبدو له امرا مستحيلا
وفي لحظة فكر انها ثريا
وانها تحبه رغم كل ما ارتكبه في حقها
وتركت لصورته لديهم افضل شكل
بينما هي اعطت نفسها مقدارا ضئيلا
الان يدري انه هو من لايستحقها
لانها اطهر واخلص صفاء في الروح من اي شخص عرفه في حياته
- حسنا امي ....كما تشائين اتصلي انتي او ابي به وارجوك لاتشهري بالامر ليبقى بيننا ...فمهما..كانت هي..من دمنا...
حركت فاطمة راسها لتخرج من الصالة وتتركه
يمسح على وجهه بتنهيدة
متحشرجة
تتعرج وكأنما وضعت في طريقها احجار مألمة ومسننة
فـــِ جَنَاِح سُلَيْمَانُ ـــــي
بعد ان اخبرته فاطمة بكل ما كانت تكبته من كلام قالته ثريا
ومن كلام يصدر عن عصبيتها
وتشنج نفسيتها
كان سليمان هائما يفكر
فاطمة وهي تذرع الغرفة من جانب لاخر:
- لامفر من ذلك سيتطلقان فلا احد منهما متشبة بالاخر
نطق سليمان برزانة:
- ومن اخبرك؟؟ ... لابد من انهما يعزان بعضهما
رفعت فاطمة يدها بعصبية:
- خرافات.. سيتطلقان لا ارضى لابني ان يضل حبيسا للشكوك والاسى معها فليذهب كل منهما لحال سبيله وهذا الافضل
- ساحدثه يا فاطمة واعرف منه ما ....
قالت فاطمة مقاطعة:
- ابدا ابنك تحدثَ مَعِي وهو متاكد ...و بنفسه من طلب حضور العادل فارجوك دع الامور تسري بسهولة
وقف سليمان كالتائه:
- لكنها من دمنا انها ابنة العزيزة اختي كيف....
- لاتدخل الدماء في الموضوع لم يتفاهما ...فلن نجبرهما على البقاء مع بعضهما البعض...واتمنى الا نُعلم الجد بشيء فقد يتأزم
تنهد سليمان :
- طبعا والا زادت حالته سوءا...ساذهب لرؤيته ...لاحول ولاقوة الا بالله...بدل ان تساندينهما وتقفي بجانبهما تايدين الفراق اليس هذا صعبا...
- لا أأيد أحدا انا اجد ان ما توصلا اليه هو الحل الصواب ...ومن قال انها لم تتعمد السقوط حتى تفقد الطفل ...لكي تسهل عليهما الامور
تنهد سليمان فقد تاه في التفكير
واخد يستغفر الله في نفسه
وماداما قد فضلا ان يفترقا وشعرا بالراحة في ذلك فليس عليه ان يجبرهما على العودة لبعضهما
فـــِــ جَـــنَــــآحِ عُــثْـــمَــآنُ وَثُـــرَيـَّــآ ــــــــي
كانت في كامل ملابسها
تتسلل من زجاج الشرفة أواخر خيوط الغروب
وتسدل اهدابها على جسد ثريا الواقف
ملتفا في تنورة من الجينز واسعة مزمومة عند الخصر وطويلة
مع قميص راق صنعه في الزمردي
تتدلى منه احجار راقية جميلة في الاخضر كلون الجاد
واثقنت الحجاب على راسها ملتفا على حناياه
تخلت عن النقاب فلن تلبسه بعد اليوم
لم يعد هنالك من يحكمها في لبسه
رتبت ملابسها في الحقيبة
ومدت لها عبير حقيبة صغيرة تحتوي مجوهراتها
الخاصة بها فأي شيء اشتراه عثمان تنوي تركه
- اختي انت تحبينه ....
اجابت ثريا بتلقائية:
- من..؟
جلست عبير على طرف السرير
- عثمان ...لما تتخلين عنه انا لو خيروني في ترك سعيد او البقاء بقربه لبقيت حتى لو آلمني ذلك فحبه يساعدني على البقاء....
قالت ثريا بشجن:
- تلك انت عصفورتي الصغيرة عبير ...لكن انا يا حياتي أمري مختلف الشك يخرب الحياة....وانت الحمد لله وماشاء الله ليس لديك مشاكل والجيد انك لن تفرطي فيه مهما حدث ...جيد...كيف حال امي ...؟
قضمت عبير اضفرها:
- تناولت مهدئا ونامت ...
قالت ثريا وهي تقفل الحقيبة :
- بعد ان ننتهي من الطلاق
علي السلام عليها فسفري بعيد الى فرنسا
لدي صديقة في باريس ساتصل بكما من عندها...وسابدأ في الكتابة الشيء الوحيد الذي استطيع فعله دون ان يتحكموا في حجابي هناك...
قالت عبير باحساس مرير:
- ساشتاق اليك فلم نفترق قط بعادك سيكون رهيبا على نفسي ...
ردت ثريا تمسك يديها :
- وانا ايضا لكن هناك مسنجر وهناك هاتف...فلا تكبري الامر
- ليتني امتلك مثل برودة اعصابك يا ثريا الصراحة اتمنى من كل قلبي ان تجدي الشخص المناسب في حياتك الذي يعوضك عن ما آلمك
اجابت ثريا في نفسها
لو كان يحمل ملامح عثمان وروحه ودفئه
لو كان هو نفسه مع بعض التعديل ينفي من ترصفاته التوجيع
فلربما قد تقبل به
لكن انه الوحيد من كان سيدها وسيد قلبها وجسدها
وهكذا سيبقىآآ
قالت عبير تنهض من السرير:
- سانزل لأرى ان اتى سعيد ...سادعك ..هل تريدين ان ابقى تبدين مرهقة انك فعلا مجنونة ...كنتِ استطعت الانتظار فوجهك يظهر تعبا شديدا...
قالت ثريا تبتسم فوق المها:
- اذهبي انا بخير... يا الله لاتعاملوني وكانما ساشنق بعد قليل ههه..
- حسنا ..
بعد خروج عبير
مسحت ثريا دمعاتها الفارة
وتنفست بعمق مع الارهاق الذي تشعر به
اقتربت من المنضدة وامسكت هاتفها لتجري الاتصال لتتاكد من حجز مكان لها على الطائرة
وبعدها اقفلت الهاتف تضعه لتجذب من المجر جوازها
وهي تتفحصه بقيت على تلك الوضعية
فخطوات حفظتها عن ظهر قلب بل رشمت
في روحها سعادة في عدة اوقات
تتقدم في الجناح
شعرت به يدخل ويرمي سترته على السرير
ولم ترفع عينها اليه
اقترب عثمان منها من المكان الذي تقف فيه جامدة
- ما الذي جعلك تفعلين ذلك؟
نظرت اليه بالكاد وقالت بهدوء وكلها ارتجاف ونبضها يكاد يثقب صدرها:
- لأجلك...لأنك تعبت مني ومعي ...وانا لست ناقمة عليك فانا بالعكس اشكرك
أمسك كتفها وادارها اليه
ونظر الى وجهها المتعب والمرهق
وانحنى تسبقه انفاسه الدافئة لتلفح جبينها وبعدها تترسى عليه قبلة
وبعدها نظر الى وجهها
الذي لاقاه منه نظرتها الغريبة:
- تدركين انني ..مهما حاولت لن انساك...
ابتسمت بوجع لاعترافه الصادق:
- غريبة ولا انا ...ولاتنسى انه لأمر صعب بما انك ابن خالي ..لايجب ان ننقم على بعضنا...لا انا ولا انت...
غشته غمامة الحزن وهو ينظر اليها:
- هكذا ...أحسن لك...سترتاحين مني...
ارادت ان تتكلم لكنها اختنقت في العبارة
فاطرقت بعيدا عنه براسها
لتتحرك وتضع الجواز على الحقيبة
شعرت بدوخة وجلست ترتاح فقد انهكت جسدها
وهو يحتاج للراحة
لكنها فضلت ان ترتاح روحيا قبلها جسديا
قال وهو يطفئ ضوء الاباجورة ويشعله:
- العادل ...سيصل بعد لحظات ....هل لديك اية شروط اية طلبات...؟
نظرت اليه بابتسامة جميلة
رغم حزنها فما ان تنظر اليه تحس انها تود منحه اجمل ما فيها:
- لا ...ههه..لست استحق اي شيء ..فقد حصلت على اكثر من ذلك لست في محل لفرض اية شروط ..اريد طلاقا سهلا ..اتنازل فيه عن كل الاشياء مهما كانت تافهة...
تحرك ليخرج من الغرفة وهو يقول:
- امرك ...ماتريدينه يا ثريا سيحقق...
خرج من الغرفة
لم يحاول أن يبقيها
بدون اهتمام تركها فلم يستطع ضمها لآخر مرة
ألا توجد في قاموس حياته كلمة شكر واحدة عن الحب العاضف الذي هدرته عليه
شذب منها الشرايين المحيطة بقلبها
بل وفلق قلبها وهاهو يهاجر بأكبر مكان فيه
ذلك القلب الذي وجد فيه الموطن الدافي
بينما هي وجدت في قلبه المنفى
بـــــــــ حضور ـــــــ العادل ــــعد
جلس الطرفان حول المائدة
والعائلة لايخفى عليها هذا الحدث المألم
الذي اخدت تتوزع فيه نظرات الشفقة ومنها نظرات الاحتقار
وقد شعر كل من عثمان وثريا بانهما يقادان الى ساحة الإعدام
مضت هي على الورقة وبيد واثقة
نظرت اليها بغرابة وكانها ليست يدها
وعثمان الذي كاد ينفجر في اخر لحظة
لسبب فقط انه يريدها ان ترتاح منه ومن قهره
الذي بات يكرهه في نفسه
فضل الامضاء دون المحاربة
وان لايكون انانيا
بحيث يحصل عليها ويعبث بمشاعرها وكانها لاتشعر
ظن ان حياتهما مرتبطة الى الابد اللانهاية
لكنه مخطئ
بعد امضاءه خرج من القاعة كليا
وتبعته ثريا بحيث هو خرج من الباب وهي صعدت الى جناحها فتبعتها
عبير لكي تبقى معها تخاف عليها من الانهيار
لكنها صدمت من برودها وجمودها
اخدت حقيبتها وودعت اهل البيت بشيء من التحفظ وخرجت
من القصر
لتصدم بوجوده في احدى السيارات يدخن
ليست في وضع لتحاكمه
التقت بنظرته
نظرته تشكي هموما كبيرة
ينظر اليها الان تحررت منه واصبحت حرة كالحمامة تفرد جناحيها
حتى انها تخلصت من النقاب وكم حرقه هذا في قلبه
خافت ان تخونها دموعها من وقوفها لملاقات نظرته
لذلك جرت حقيبتها التي لم تستطع ان تضعها في خلف السيارة
بسبب تعبها
الى ان حضرت عبير وسعيد
سعيد الذي التزم الصمت بينما الاختان تصعدان الى المقاعد الخلفية
وهو يدخل خلف المقود ليسوق
وقد بقي الزوجين مع ثريا الى ان ركبت طائرتها المتوجهة الى باريس
ولم يستطع سعيد غير ان ينظم الى زوجته المحبطة
يتفهمها وهو ويهدئها
- هيا يا عبير دموعك غالية عندي فاذا تحبيني فعلا... كفاك بكاء
انكمشت على قميصه:
- لا استطيع سوى...سوى ان ابكي ....فلا تطلب مني المستحيل
عــُـــــــثــــْــمــــَــآنُ
يمشي كالتائه في الحقول
فضلَ أن يشعل ناراً قريبة ويجلس قربهآ
ان يبتعد عن البيت فبات يكتم على انفاسه
فك كل ازرار قميصه هو من تعود على النظام
يشعر بصخرة تثقل على صدره بألم
يريد اخراجهآ أن يتنفس لكنه لايستطيع
لآيــَـسْـــتَـــطـِــيــــــعْ
****************************
بــَـــعـْــــدَ يَــــوْمـَــيْــــنِ
وكانت الصدمة الكبرىآ
ففي أولىآ ساعات الفجر توفي الجد رمز العائلة المناضل
أو ظلها الكبير
انتقل الى رحمة ربه
وخلف وراءه تزلزلاً كبيرا في نفوسهم
رغم الصبر ترك بهم اهتزازا قوي واضطراب شديداً
غير ان الحزن كان متأصلا بكل جدوره في قلوبهم
صعب اقتلاعه
هو من كان دو منزلة رفيعة وعالية
وبدأت التحضيرات للجنازة
ومليكة وسليمان إبنا الجد يتحركان بشكل آلي
فالصدمة لم تكن قوية بكثر ما كانت لاتصدق
وكانهما سيستيقظان في يوم ما على وجوده
لكنه ذهب من دون رجعة
وماتركه..... ذكرى عظيمة لاتمحىآ من العقول أبد الأبد
حضروا للجنازة
واستقبلوا العزاء الذي سيدوم لمدة ثلاثة ايام
وفي هته الفترة كانت عبير قمة في الحذر
فوقوف امها بهذا الشكل يشعرها بالريبة
تخطت صدمة ثريا والان فقدانها لابيها
فعبير تشك في ان امها قادرة هي على الصمود طويلا لذلك ترافقها
من خوفها عليها كظل لها
فاطمة ما كان يهمها كثيرا رغم موت الجد
هو ابنها عثمان
فهي اكتشفت مع سليمان ان الطلاق اثر به كثيرا
حتى انها كادت تفنى من خوفها عليه
فلم يعد الى المنزل منذ الطلاق وهو خارج القصر
تائه في كبر الاراضي
وبذلك كلفت سعيد ان يبحث عليه مع عبد الصمد
وجداه بسرعة لكن الاخوان تفهما عزلته وفضلا تركه
ولم يخبرا امهما على مكانه
لكي لاتزعج الهدوء الذي يرغب في الانطمار بعمقه
واليوم طلبت منهما ان يخبراه بموت جده ليحضر الجنازة
بعد خروج الاخوان ووصولهما بالسيارة الى وسط الاراضي توقفت السيارة ليخرج الاخوان
عبد الصمد بتعب :
- سعيد ...اني اراه ...انه هناك..
التفت سعيد الى المكان الذي يجلس فيه عثمان
سارحا في نظره
يداري جراحه ويكبت وجعه
والمساميرة التي تنكس حاله
- لقد رأيته ...حسنا فلنذهب اليه..
باقترابهما من المكان الذي يقبع فيه عثمان متكئا على شجرة
متفرعة الفروع
نظر هذا الاخير الى اخويه القادمين فاعتدل في جلسته
سعيد يلقي التحية:
- السلام عليكم...عثمان عليك ان تاتي معنا..
تأفف عثمان:
- لما ...؟ اخبرتكما اني لا اود الذهاب للقصر الان ....عندما ساكون في مزاج جيد سآتي الى هناك بطيب خاطر
تكلم عبد الصمد وهو يتامل حال اخيه
بلحيته النامية واهماله الواضح:
- عليك ان تاتي فجدي توفي ....لقد مات في الساعة الاولى من الفجر ....
نظر عثمان بصدمة الى اخويه يستجدي تفسيرا اوضح
لكنه فهم :
- مات ...( أظاف بعثرة اخرى لخصلات شعره المشعت ) لاحول ولاقوة الا بالله....إنا لله ...وإنا اليه راجعون
قال سعيد يشرح:
- لقنه والدنا الشهادة والحمد لله مات دون أن يُعذِّب أو يُعَذَّبَ
نهض عثمان يصلح ازراره ويقفلها على بعضها
ويتلفت حوله وبعدها قال يتقدمهما:
- هيا فلنذهب ...
تبعه اخواه وهو يسرع الخطى
لكن عبد الصمد لمح هاتف اخاه في مكان وجوده ملقاً:
- عثمان...هذا لك...كنت ستنساه هنا
قال عثمان باضطراب:
- اجل اشكرك..
ركب عثمان في الخلف بينما قاد سعيد
وعبد الصمد جلس عن يمينه يشغل المذياع على القرآن
*********************
فــــــ باريس ـــــي
بإحدى الدور العالية
تقع شقة صديقة ثريا التي عرضت عليها بنفسها
أن تقيم فيها معها
بما ان صديقتها تلك تدرس الطب
فهي لاتعود سوى متأخرة للبيت
وهذا يترك لها البيت تتعايش مع وحدتها فيه
وبما انها بدأت تفكر جديا بالكتابة
فضلت ان تبحث عن فكرة تمحور حولها القصة
في غرفة نومها حومت حولها الكتب بالترتيب
وحطت مذكرة وقلما مقلما بشكل جيد
وبدأت رحلة استكشافها في المطالعة
إنها بعد أن تركت القصر شعرت بوجع أكبر
يثقب فيها حتى العمق
يبحث فيها على مكان يستوطنه ليخلد الى الابد
ولايزال الاجهاض يعود عليها بالتعب والدوار
لكن ما لايزال رافضا الاندمال هو فراقها الموجع عن عثمان
فهي الان تشتاق اليه الى قسوته حتىآ
لكن الامور صارت على هذا النحو واذا وافق على الطلاق بتلك السرعة
فلأنه تمنى ان لايراها في حياته
رن هاتف الشقة الذي منحته لاختها لتطمئن عليها
ورفعت السماعة تجيب:
- السلام عليكم من معي...؟
ردت عبير بصوت مختنق:
- انها انا عبير ....ثريا ...اتصلت بك لان جدي توفي ...هذا الفجر
بدت الصدمة على ملامح ثريا وتقلص تنفسها:
- يا الله ....اللهم جلل عليه الرحمات...كيف... حال امي ..؟
اجابت عبير تصغي الى الضجيج قربها:
- انها تبدوا بخير لكني لا افقدها من نظري ...كيف حالك انت؟
تنهدت ثريا بتعب وابتسمت من دون سعادة:
- بخير ...الحمد لله على كل حال ...ارجوك اخبري امي انني حزنت فعلا لموت جدي يا الله لا اصدق أنه ... رحل ...إنا لله وإنا اليه راجعون... المهم ...اهتمي بها وابعثي بسلامي لها فساتصل بها في وقت آخر
وعامت ثريا في بحر افكارها المترامية
كيف ياترى يشعر عثمان الان ماهي ردة فعله اتجاه موت الجد؟
لم تبكي عليه لان دموعها جفت
الوجع قابع بين جوانحها ويسري في شرايينها يأذيها
لكنها تصبر على ما قدره ربها لها
******************
بـــــــعــــــد ثلاثة أيـــــــآم
فـــِــــــ مـَــــــــــدْرِيــــــــــدْ ـــــــي
اَلْــــــحَــــــآلِــــــمَــــه
في مطعم مغربي راقٍــ
وضعت فيه زرابي رائعة مزركشة ومخدات قمة في الاناقة مع سدادر
منحدرة
وموائد خشبية انيقة ومزخرفة
الهام كانت خجلى
لان عصام طلب منها ومن امه واخته أن يأخذهم الى هذا المطعم الفاخر
وكانت توشك على الرفض عندما جاء رفض
أخته سابقا
ففضلت ألا ترفض دعوته
فليس جيدا في حقه
كان العشاء عبارة عن لحم في قضبان رقيقة مشوي ومتبل
مع الشاي الذي لايفارق الجلسة ابدا
وقد كانت سعيدة وهي ترى السعادة مطلة من عيون مريم
وابنها هادئ ويبدو عليه الانشراح هو الاخر
لكن لاينفي هذا أنها لاتفكر بنسرين
عهدتها منذ تعرفت اليها انها صاحبة
أكبر قدر وفير من النشاط
والان هي تبدو لها قمة في الشرد والتيه
فأين ياترى اصبحت في افكارها وهي هائمة طيلة الوقت
حتى ان عصام لاحظ ذلك
وإلهام تخشى من ان تكون هي السبب في شرودها
ذآك
أخرجها من أفكارها المتضاربة
عصام بقوله:
- كيف ترين المطعم هنا....؟
سبقتها ابتسامة خجلة
ونبضها تزعزع حتى سكب سائلا يرخوا في ركبها:
- في الواقع ...هنا أجده رائعا ....ولكن..
كان عصام باسطا ذراعيه اليمنى وراء رأس والدته
والاخرى في الجهة اليسرى منه:
- ولكن ماذا..؟
أكملت وهي تتنفس بعمق:
- أجدهم يغالون في الترف ...أجل لايمكنني أن انكر انهم جمعوا الثقافة قدر المستطاع هنا ...لكن...
حرك عصام راسه مبتسما:
- تجدين المكان للمترفين في الغنى فقط اليس كذلك ...هو فعلا التكلفة لعشاء واحد تقدر بالكثير لكنها لاتغلى عليـ...عليكم
غمرها بلطفه وانحنت ترتشف من كأس الشاي
قالت مريم:
- افضل الكسكس ..واو عندما ياتي بي بني في يوم الجمعة الى هنا ...تجدينه مليئاً بالمغاربة عادة رائعة...والطعام لذيذ
أومئت إلهام برأسها
- انت محقة...
ابتسمت ورغم الكلام معهما
والبعثرة التي يعاني منها قلبها في حضور عصام القريب هذا
إلا انها لاتستطيع أن تنسى نسرين من رأسها
[فــــــِ شقة عِصَآمُ ـــــي]
كآنت نسرين رآفضة للخروج مع أخيها إلى العشاء
سبب قوي
أنها فضلت البقاء في البيت وحدهآ تنتظر زوجها
فكرت أن كلام إلهام واقع لآيمكن الفرار منه
ما الضرر الكبير الذي سينجم عن اختبار زوجها
كما يقال الحب يعلو عن جميع الخطايا
ارتدت حجابا برتقاليا
بشكل عشوائي
ورمت على جسدها قميصا طويلا فضفاضا أخضر فاتح
وجلست تنظر لإنعكاسها البائس في المرآة
الخوف موجود هو سبب لهفتها لوقف الموضوع
او وقف سيل الشكوك في قلبها عن تعذيبها
سمعت المفتاح في قفل الشقة
بقيت في مكانها
بل تحركت الى حافة السرير بشكل تهم بالوقوف
لكنها بقيت جالسة
لم تستطع سوى ان تضم اصابعها اليها تسندها على دقنها
وجسدها يميل الى الامام والخلف
باضطراب
سمعت صوت دييغو يناديها في الرواق
- نسرين ...ميا أمور ....
إنه في المطبخ
فلم يجدها
إنه في غرفة الجلوس
فلم يجدها
وهاهو لايفصله سوى بضع خطواتعن الغرفة
فنهضت تتنفس ما استطاعت من الهواء
كما لو انه على وشك النفاذ
وهي تكاد تصبح مريضة بمرض الربو لديق تنفسها
دخل يقول مبتسما يرمي الحقيبة على السرير
ويفك ربطة عنقه
وبعدها يقترب من المنضدة يفك الازرار الجميلة والساعة:
- أنت هنا..؟ ظننتك في المطبخ ....ما بال المنزل فارغاً؟
قالت بابتسامتها المرحة ترفع عن اكتافه العريضة السترة:
- ذهبوا الى المطعم ...ورفضت الذهاب معهم
ابتسم بخبث وضمها من خصرها وقال بتضرم:
- لما ترتدين الحجاب هذا...؟ ليس وقت الصلاة الان الست مصيبا؟
ابتسمت واستدارت اليه تزيل عن عنقه
ربطة العنق:
- كيف ابدوا به....؟
نظر اليها بعدم فهم :
- جميلة هذا دون نقاش ...
قاطعته نسرين بمرح:
- سأقوم بلبس الحجاب دوما....
انتبهت لردة فعله وقد لاحظت الصعقة على وجهه:
- هل ستديمين ارتداءه....أعني حتى في خروجك...؟
قالت تقترب منه وتنظر في عينيه مباشرة:
- طبعا ...أنا أولا وأخيرا مسلمة لما لا أكمل اسلامي بحجابي ....وأشياء أخرى...؟
شهدت تغيرا على وجهه
ظلاما يكتسي ملامحه :
- منذ وصول تلك الفتاة إلهام الى هنا وأنت مختلفة....لايمكنني ان لا اقبل ....فانت حرة حياتي...
مرر اصابعه على ذقنها ووجهها ويشعر بالغرابة وهي تحجب شعرها عنه:
- لكن هل انت متأكدة من قرارك ...ولاتتسرعين ...؟
حركت راسها وابتسامتها لاتفارقها:
- ابدا احببته وسألبسه...انه جميل اليس كذلك...؟
نظرت الى نفسها في المرآة
وهي ترنوا لزوجها من المرآة في صمت تتفحص ردود فعله بدقة
تحدث بشيء كان لخمس ايام او اكثر:
- هلا سألتك عصفورتي ...انت بخير اليس كذلك؟
التفتت اليه :
- أجل لكن لما..؟
اقترب منها يجدبها من خصرها ويقبلها على خدها
لكنها ما ان اراد احتواء شفاهها حتى ابتعدت:
- ههه ما الذي يصيبك...؟
قال ميغيل بصرامة ونفاذ صبر:
- انت ما الذي يجري لك لما لا يسمح لي بتقبيلك الست زوجتي....لا أنسى انك رفضت النوم معي منذ يومين فهلا تفضلت بشرح مفصل للسبب...
ارتعدت من الداخل
ورفعت يدا مرتجفة الى خدودها الحمراء :
- أعلم...
- وما تفسيرك هل مثلا ..ما عدت مهتمة بي او تعانين من امر ما..؟
قالت له بصراحة مطلقة:
- ميغيل ..أتحبني ....؟
نظر اليها باستغراب ومن ثم قال ينصاع لها:
- هه ...حسنا ساجاريك ..أجل سيدتي انا اعشقك ...(اقترب منها يضع جبهته على جبهتها يهمس)...والعشق اعمق من الحب إنه مقام حب متقدم..ويجسد إفراط رهيــــبا في المحبة..إنه يعمي المرأ عن كل شيء ...سوى عن محبوبته (منحها قبلة رقيقة على خدها وغلبتها على اثرها الابتسامة)
وتلك الحقيقة تسري في جميع أجزاء بدني ..وقواي وروحي..وتجري مجرى الدم في عروقي ولحمي..لأزيدك ...يغمر يا معذبتي جميع مفاصلي ومتصل بوجودي...وليس بي متسع لسواه...فهل هذا يكفيك..؟
أصابتها نشوة الحب بالحيرة
كلامه اسكتها واصمت صوت الشك بداخلها
ولم تجد في يوم صنوانا لميغيل في كلامه المعسول
لكن الحيرة اكتسحتها ما الذي تخسره إن اخبرته بما يجول في خاطرها
- أعرف انك تحبني ... لكن يظل هناك امر
تنهد وقال:
- ما هو..؟
قالت مستغلة الوضع وتتكلم بدلال وهي تتعلق بعنقه:
- إن كنت تحبني كما تقول وأكثر ...فأسلم إذاً واتبث لي حبك...
شعرت به يتشنج تحت يدها حتى انه ابتعد عنها شبه ثائر:
- هلا أخبرتني من عرض عليك مثل هذه المقايضة...أنت تشكين بحبي لدرجة أنك تضعيني في فوهة البركان اليس كذلك....؟
زمهرت نسرين واحتقن الدم في وجنتيها وأذنيها
وتلظت بنيران كلامه الغاضب:
- ميغيل ...ماذا ان اختبرتك بهذا...
- اشعر بالاهانة يا نسرين لانني احبك... واتبتث لك هذا مراًراً وتكراًراً ولحد اليوم لاتصدقين....لكن لا أتعجب من ان تكون إلهام هي من أفتى عليك مثل هذا الامر فانت لست نسرين التي اعرفها....
وكأنها لطمة من صفيح محموم نزل على خدها الناعم وقلبها:
- لا دخل لأحد في الامر الذي قلته ...ماذا ان برهنت لي عن حبك بدخولك الاسلام ...شيء سهل للغاية...لاتعقيد ..أم انك فقط تماطل لان لانية لك بدخول ديني ...أعرف اناسا تحب وتفعل المستحيل من اجل من تحب ليس بالكلام فقط...
لمحت النار تصعر من عيونه:
- وأنا أكرر لك انك فعلا خيبت املي لانك تشكين بحبي لك لدرجة كهته فإن اسلمت ليس لانني احبك بل لاني مقتنع وانا لست مقتنعا لحد الان ...
قالت بهدوء مطرقة برأسها:
- ماذا ستفعل الان ...وأنا لازلت مصرة...هل ستبرهن لي عن محبتك أم انك لست مستعدا لدخول دين غير دينك ..وتتبت لي بذلك أنك لاتعشقني سوى بالكلام...واعلم إذا قبلت بي فعليك القبول بديني ايضا...
اقترب منها من دون ان يلمسها:
- آسف لكنك أنت من جنيت علينا هذا ...واعلمي ان عنادك سيؤدي بك للألم فقط لي ولك ...سأذهب الى أن تستعيدي وعيك كليا
نظرت اليه بين رموشها وهي متألمة
تعاني اليوم من طوائح الحياة
رأته يجمع بعض الحاجيات في حقيبة صغيرة
وقالت:
- انت لاتحبني اليس كذلك ؟؟ ...حياتي معك كانت بالنسبة لك ضرب من الحذق حيث كنت تستمتع به فيَّ....إعلم انني في كامل قواي العقلية...ومادمت لاتريد ان تسلم فقط لتبرهن عن حبك الحقيقي لي فهذا برهان كاف لي بقيمتي المتدنية عندك...
كلامها أثر به وأوجعه لكنه تجاهلها واحكم قبضة الحقيبة
ليخرج من الغرفة
لقد شرخ قلبها النقي البريئ الذي لاينطوي
من بساطته
لاعن سوء نية ولا عن اي اذىً
خرجت تنظر اليه حيث خرج مغلقا الباب بقوة وراءه
وتاركا اياها في زوبعتها الغريبة الموجعة
التي سحقتها ولم تستطع تجاوزها
من دون الوقوف عندها
فتسير دموعها دافعة بعضها بعضا ولاتنسى نفسها من الشهقات
العليلة
كان كما لو كان ينتظر الوقت
حيث يَتَبَثَّرُ ومن ثُمَّ يُبْثَقُ بكل ما فيه من قوة لذلكِ
لقد اقتحمها وقلَّبها وبعثر ترتيبها ليخرج تاركا وراءه
انسانة تعاني من الجرح الكثير
بعد أن وصل الثلاثة الى الطابق فوق
وابتساماتهم ونشوتهم من سعادة السهرة تسري في ارواحهم
فتح عصام الباب ودخل ليضيئ النور في المدخل:
- نسرين...ميغيل هل من احد هنا..؟
قالت الهام تبتسم:
- ساذهب الى غرفتي بعد اذنك...
اومئ عصام واخفض نظره منها ليلتفت الى امه:
- اتريدين ان آخدك الى غرفتك يا احلى ام..؟
ضحكت مريم بانفعال:
- لا عزيزي ساذهب وحدي...
بقي عصام وحيدا ينتظر ان يلتم الجميع فقد اعتادوا السهر
الى منتصف الليل
عندما سمع صوت نحيب آتيا من غرفة الجلوس
عندها اضاء النور ورآى اخته تبكي قرب النافذة بشهقات عالية:
- نسرين....
رمى المفاتيح على المائدة وبسرعة الريح اصبح قريبا منها
يتفحصها:
- ما الامر صغيرتي ..هل انت بخير...؟
نظرت اليه اخته والدموع تغشى عيونها وشفاهها كلها ارتجافات كالاطفال :
- تركني ميغيل وذهب ...لايريد.. ان يدخل الاسلام لاجلي ..فهو لايحبني ... اخي..آآآه...
ارتمت في حضنه بقوة
وتقبل ذلك
وفي تلك اللحظة لمح مريم امه ووراءها الهام
فاشار بيده اليهما ان يذهبا وينتظرا
- هيا يا نسرين ...سيعود ...هههه... هذه اول مرة تتخاصمان والخصام يولد الشوق والحب بتجدد لو تعلمين..لاتفقدي الامل ...
ردت تشهق:
- أه ..أنا لم اقل له شيء يأذيه لكنه يرفض ان يبرهن لي عن حبه بإسلامه...هل اخطئت أن طلبت منه ذلك؟
رمقها عصام بفضول وبعدها قال:
- وضعته تحت اختبار اهذا ما فهمته..؟
- اجل...لكنه لايريد ...لايوافق على دخول الاسلام من اجلي إذاً هو يتلاعب بمشاعري ..وفي يوم سيميل لبنات بلده ودينه فيتركني...لا اريد سوى ان يبقى قربي...
قال عصام بجدية:
- انظري يا نسرين...دعيه يفكر أعرف مكانه لن يرحل من البلد ....لكنه يحبك هذا اعلمه ...واتركيه قليلا ليبقى وحيدا مع افكاره واصبري فإذا تغلب عليه الحب سيأتي اليك يا نسرينتي ...حسنا...
مسح باصابعه عيونها
- هيا اذهبي لغسل عيونك المتورمة وضعي عليها بعض الثلج اذا اردت الا تصبحي كالبهلوان غذا...
ضحكت ونهضت بعد ان قبلته على خذه
وذخلت غرفتها لترتاح
فكلام اخيها زرع في جوفها الامل بدل الخوف والمرض
بعد ان اجتمع عصام بعد ذلك مع امه والهام
اخبرهما بالقصة
واحمرت خدود الهام من الحرج
لم ترد التسبب بكل هته الامور
وانتظرت ان يلومها عصام في اية لحظة
لكنها توضح لها ان نسرين كانت متكتمة ولم تخبرهم
استوقفها صوت عصام:
- أنسة إلهام ...أتمنى ان تبقي لتشاركيني في فلم للرسوم المتحركة ...من تلك التي تعشقها نسرين...
حركت راسها ايجابا
وندمت ليتها تفكر قبل ان تجيب
سمعت والدته تقول:
- سأذهب لأنام في غرفة نسرين هته الليلة لكي لا اتركها وحيدة
- حسنا امي وهدئيها من فضلك
بعد خروج مريم من الغرفة تتمنى لهما ليلة سعيدة
انتاب الهام هاجس انه لمن الممكن ان يكون عصام ذكيا
لدرجة ان يعرف افكار اخته عن ظهر قلب
ويعلم ان ما فعلته الليلة لم يكن من وحيها
- آنسة الهام ما الذي تفضلين التفرج عليه ...سندريلا مثلا اوالاميرة النائمة
قالت إلهام بتلعثم:
- ما ..ما تراه مناسبا..
- للعلم فقط سيكون باللغة الاسبانية ...لا عليك ساكون مترجما ناجحا..ان شاء الله
جلس في مكان بعيد عنها
وبدات هي الاخرى تتفرج على الفيلم السينمائي
لكن لسبب ما نهضت ووقفت في محل المتهم
والخوف يكاد يشلها
- سيد عصام...
نظر اليها عصام بطريقة جعلت قلبها يخلع
- نعم هل من أمر...؟
قالت تضم ذراعيها حولها في موضع دفاع:
- أنا من تسبب في فراق نسرين وزوجها...لكن والله ما كان قصدي إلا شريفاً
لم تبدوا على وجهه اية صدمة
بل بالعكس ابتسم وطلب منها:
- اجلسي من فضلك فسأبدوا كما لو كنت القاضي وانت المتهم..
فعلت كما طلب منها
بخجل :
- انا فعلا يا سيدي آسفة فلو علمت ان امرا كهذا سيحصل لكنت ابتلعت لساني...
اجابها دون ان ينظر اليها:
- سلامتك يا انسة...لا تقولي شيء لربما رأيت الامر صحيحا هكذا... فقمت به لا الومك فلقد وصلت لشيء كنت اخاف ان اصله...لكي لا افقد اختي هته ايضا....لكني متاكد من انها لن تقدم على فعل متهور....وهنا ساعرف ان كان ميغيل يعشقها ام لا ....آسف من اللفظ لم اقصد ان احرجك لكن لدينا هنا الكلام عن هته الامور امر عادي....
- ايعني هذا حضرتك لست غاضبا من تصرفي...؟
قال يبتسم دون ان ينظر سوى الى مكان قريب منها
- لست احملك ادنى مسؤولية ...انظري لقد فاتتنا بداية الفيلم...سأعيده من البدأ واشرح لك ...أم تراك نعسانة؟
ضحكت :
- ههه لا ....يمكنني ان ابقى لكن اذا شعرت بالنوم يداهمني فساخبرك
قال وهو يتحكم في الفيلم من آلة التحكم:
- جيد سارجع الفيلم الى بدايته
اخرجت تنهيدة من صدرها تنم عن راحتها المطلقة
فلكم الاعتراف بالخطئ والصراحة امر رائع
ومريح اكثر مما يُتصور
لكنها فعلا تدعوا الله في نفسها ومن أعماق قلبها
أن يفرج كرب نسرين ويعود زوجها اليها
يتبع ...................
|