المنتدى :
الارشيف
الام الحنون
جناح الأم بيلمّ
يروى أنه كان في أحد القرى معّاز ( من يرعى الماعز ) مات عن زوجة وثلاثة ابناء
فإختلف هؤلاء على إقتسام الأرث فحكّموا بينهم واحداً من شيوخ القرية إشتهر بسداد
رأيه فقال لهم ما هي التركة
فقالوا : بيت وقطيع من الماعز وعصا وجراب (كيس يضع فيه المعّاز إحتياجاته ) وثلاثة كلاب
فقال الشيخ تقطعوا لي وعداً بأن تلتزموا بقسمتي ؟
فقالوا : لك عهدنا ووعدنا
فقال : البيت للأم والعصا للإبن الأكبر والجراب للإبن الأوسط وقطيع الماعز للإبن الأصغر ولكل إبن كلب
فنهض الإبن الأصغر حالاً وأخرج قطيع الماعز مع أحد الكلاب إلى حيث ظن أن أخوته لن يرياه في ما بعد
ثم قال الإبن الأكبر : ما دام لم يبقى لي هنا ما اعتاش به فسأذهب إلى مكان آخر في طلب الرزق وحمل عصاه ونادى كلبه ومضى
وقام الأوسط فعلق الجراب على كتفه ونادى كلبه ومضى في سبيله أيضا
ً
فقالت الأم في سرها وأنا سأذهب كذلك في طلب الرزق فم يبقى لي ما اعتاش به وأوصدت باب بيتها وتوجهت إلى قرية مجاورة فمرت بحقل يحصد الفلاحون فيه القمح
فطلبت عملاً فقال لها رب العمل : إشتغلي معنا في جمع أغمار القمح ونطيك من كل غمر شميلة (رزمة ) لك والمثل يقول :
"شميله عا شميله بتشبع العيله "
فتنهّدت وقالت له : انا إمرأة مقطوعة لا عائلة لي
فقال الرجال : لكن آباءنا يقولون
" اللي بيحسن فعالو كل الناس عيالو "
وبعد عمل عشرة أيام جمعت المرأة أجرتها من القمح وحملتها إلى المطحنة فطحنتها
وتوجهت بالطحين إلى بيتها قائلة : أتفقد بيتي وأتسقط اخبار ابنائي
وعندما وصلت إلى بيتها فوجئت بوجود الكلاب الثلاثة ترقد أمام البيت وقد أعياها الجوع
والعطش لكنها ما إن أحست بمجيء المرأة حتى هبّت ترحب بها وترقص حولها وتلوح بأذنابها
فبكت المرأة بكاءً مراً وقالت : أيمكن أن تكون هذه الكلاب أكثر وفاءً من أولادي الثلاثة ؟؟!!!
فأخذت المرأة من الطحين وعجنته ووضعت بعض منه أمام الكلاب وقالت :
هؤلاء هم عيالي لن أبرح بيتي بعد اليوم ولن أترك الكلاب حتى ينفذ ما عندي من الطحين
وقبل أن تغيب الشمس إذا بولدها الأكبر قد أقبل وقبل يد والدته وطلب رضاها وقال:
سافرت في طلب الرزق وإنتهيت إلى مسجد فكان الشيخ يتحدث أن الإسكندر المقدوني
عندما حاصر أحد المدن سمح للأهالي بالخروج من أبواب المدينة وأن يحمل كل شخص
منهم ما إستطاع من الأشياء الثمينة عنده وإذا برجل يخرج حاملاً أمه العجوز المريضة
على ظهره فساله الإسكندر عن هذا فقال : لم أجد شيء اثمن من أمي العجوز
فأضاف الإبن الأكبر عندما سمعت هذا ندمت على ما بدر مني وريعت للعيش بقربك
ولم يكمل كلامه حتى دخل الإبن الأوسط فقبل يد امه وطلب رضاها وقال خرجت في طلب الرزق فأعياني الجوع فوجدت إمرأة تبيع خبزاً فقلت لها بكم الرغيف فقالت :
بالحمد والثناء على الله فقلت لها إذن هاتي عشرة ارغفة وهكذا كان ثم مشيت وقلت لا بد ان اعرف قصة هذه المرأة فرجعت وسألتها فقالت إن أحد أولادها مريض وقد نذرت أن توزع الخبز يومياً لوجه الله حتى يمنّ الله بالشفاء عليه
وأضاف الإبن الأوسط لما سمعت هذا تذكرت حنان الأم فلمت نفسي على ما فرّطت في حق أمي
ولما إنتهى من قصته وصل الإبن الأصغر ودخل وإرتمى في أحضان أمه وقال : مشيت بقطيع الماعز من مكان إلى مكان وفي الجبال والوديان فتركني الكلب في منتصف الطريق فامسيت وحدي وإذا برجل شيخ يناديني قائلاً : كيف تتجرأ على المرور في هذا المكان بقطيع ماعز ليلاً ولا كلب معك ولا رفيق لوقت الضيق
فقلت كان معي كلب فتركني واخبرته بقصتي وكيف تركت أخوتي حتى لايقاسموني ما قسمه الله لي
فقال : يا سبحان الله الكلب إستفقد ورجع يتفقد أمك وأخويك وانت تتركهم غرباء
فقلت له إنصحني
فقال يا بني إليك ثلاث نصائح :
" أمك ولا يهمك "
" أهلك ولا تهلك "
ونصيحتي الثالثة : إذا أنت توجعت تقول آخ فكيف ستقول آخ إذا ما عندك أخ
قال الشاب عندما سمعت نصائح الشيخ إنتبهت وأدركت مبلغ حماقتي وقفلت راجعاً بقطيع الماعز لتكون لنا جميعاً ونعيش معاً ولا يفرق بيننا سوى الموت
فقامت المرأة وشكرت الله وباركت أبناءها وقالت ليذهب أحدكم الآن ويستدعي الشيخ الذي قسم لنا التركة فيما بيننا
وعندما حضر الشيخ سألوه عن سر تقسيمه التركة بهذا الشكل فقال :
العصا للإبن الأكبر ليرعى أخويه ويكون مسموع الكلمة موفور الكرامة
والجراب للإبن الأوسط ليتولى شؤون المنزل وتأمين إحتياجاته
وقطيع المعزى للإبن الأصغر بين الأخوة توجب عليه أن يرعى ومنه مداخيل المنزل
والبيت للأم حتى إذا تفرق الأبناء وبقيت الأم في البيت لابد أن يعودوا ويجتمعوا في ظل
جناحيها لأن المثل بيقول
" جناح الأم بيلم ّ "
أسأل الله تعالى أن نكون
ممن يبّرّ والديه في حياتهما وبعد مماتهما
.
__,_._,___
منقول ..
|