لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > الروايات العالمية > أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-10-09, 01:49 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
افتراضي

 

الفصل الخامس
1

أعلم أن هناك شيئا مفقودا ً في قصتي هذه . فحتى الآن لم أذكر شيئا عن السيدة دين كالثروب ، وكذلك عن رجل الدين كاليب دين كالثروب .
والشيء الغريب أن رجل الدين هذا وزوجته كانا ذوي شخصيتين مختلفتين تماماً .
كان دين كالثروب أكثر من رأيتهم زهداً في الحياة الدنيوية على الإطلاق . وكانت حياته كلها تدور في نطاق كتبه ودراسته وعلمه الغزير بالتاريخ الديني . ولكن على النقيض من هذا ، كانت زوجته إنسانة اجتماعية بشكل مبالغ فيه . إنني ربما أغفلت ذكرها لأنني كنت أخشاها بعض الشيء . لقد كانت امرأة ذات شخصية متميزة ، وذات علم غزير . لم تبد لي مناسبة لأن تكون زوجة لرجل الدين – ولكنني عندما فكرت في الأمر قليلاً ، سألت نفسي ما الذي أعرفه أنا عن زوجات رجال الدين ؟
فالإنسانة الوحيدة التي كنت أعرفها وكانت لزوج رجل الدين , كانت السيدة عادية لا يميزها شيء ، وكانت في غاية الإخلاص لزوجها الذي كان ضخم الحجم قوي الشكيمة ، له طريقة ساحرة في اجتذاب الآخرين إليه .
وقد كانت متشددة الفكر بحيث لا يمكن للمرء أن يكمل محادثة معها .
وغير هذا منت أستمد رؤيتي لزوجات رجال الدين من تلك الصورة الهزلية التي كانت تصورهن نسوة فضوليات يدسسن أنوفهن في كل شيء , ويتلفظن بالتفاهات . إلا أنني أشك أن هذه الصورة حقيقية .
فالسيدة دين كالثروب لم تدس أنفها يوماً في اي شيء , إلا أنه كانت لديها قدرة فير قابلة للتفسير على الإحاطة بكل الأمور علماً , وسرعان ما اكتشفت أن كل من في القرية يخشونها . مع إنها لم تكن تتدخل فيما لا يعنيها ولم تكن كذلك تسدي النصح لأي كائن من كان , ومع ذلك كانت بالنسبة لهؤلاء الذين يخشونها سيفاً مسلطاً على رقابهم .
لم أر في حياتي امرأة لا تبالي بالطبيعة حولها مثل هذه المرأة . في الأيام التي يكون الطقس فيها حاراً , كانت ترتدي تنورة من الصوف , أما في الأيام التي تهطل فيها الأمطار كنت أراها تسير شاردة الذهن وهي ترتدي ثوباً قطنياً أو قميصاً خفيفاً زاهي الألوان . لقد كان لها وجه نحيف يشبه وجوه كلاب الجري هاوند وكان لها أسلوب في الكلام مبالغاً في الصراحة .
في ذلك اليوم الذي أتت فيه ميجان لتناول الغداء معنا , قابلتني السيدة دين كالثروب في الشارع الرئيسي وأوقفتني لتتحدث معي , ولقد شعرت بالدهشة كالعادة لأن طريقة مشي السيدة دين كالثروب كانت أقرب إلى الركض منها إلى السير , وكانت دائماً ما تثبت عينيها على الأفق البعيد فتشعر وكأنها تسعى لهدف على بعد الميل ونصف الميل .
قالت : " أوه , سيد بيرتون ! "
قالتها بانتصار وكأنما نجحت في حل أحجية عويصة , قلت لها إنني بالفعل السيد بيرتون , فتوقفت السيدة دين كالثروب وهي تنظر إلى الأفق البعيد , وكانت تتظاهر بأنها تنظر إلى .
" والآن ما الذي كنت أريدك بشأنه ؟ "
لم يكن باستطاعتي مساعدتها , فوقفت وهي متجهمة ومرتبكة للغاية . قالت : " إنه لشيء بغيض . "
قلت لها وأنا مذهول : " إني آسف لهذا . "
صاحت السيدة دين كالثروب : " آه , إنني أرى هذه القصة شيئاً بغيضاً , ما هذه القصة التي أحضرتها إلى البلدة, أعني قصة الخطابات هذه ؟ تلك الخطابات مجهولة الهوية ؟"
قلت لها : " لم أحضرها , لقد كانت موجودة قبل حضوري . "
قالت لي وفي صوتها نبرة اتهام : " لم يتلق أي أحد خطاباً قبل حضورك . "
قلت لها : " بلا , لقد كان بالفعل هناك من تلقى مثل هذه الخطابات يا سيدة دين كالثروب , لقد كانت المشكلة موجودة منذ فترة . "
قالت السيدة دين كالثروب : " يا إلهي , إن هذا لا يروق لي . "
وظلت واقفة تشخص بنظرها ثم قالت : " لا أستطيع إلا أن أشعر بأن هذا الأمر كله سيء . إننا لسنا معتادين على هذا , لسنا معتادين على الأحقاد والضغائن , وكل أنواع الخطايا الصغيرة تلك . ولكنني لا أستطيع أن أفكر في شخص ما يمكنه أن يأتي بمثل هذا العمل ـ كلا , لا أستطيع . وهذا ما يزعجني ويسبب لي الضيق , لأنني كما تعلم ينبغي لي أن اعرف . "
وهنا تحولت عيناها عن الأفق البعيد وتركزت على عيني وكانت هاتين العينين قلقتين قلقاً طفولياً .
" إنني دائماً ما أعرف , فلطالما ظننت أن هذه هي مهمتي في الحياة , إن كاليب بارع في إلقاء المواعظ وإسداء النصح وهذا هو دور رجل الدين , ولكن إذا ما كان هناك شيء يسمى الزواج من رجل دين فستكون مهمة الزوجة هي أن تعرف ما يفكر به الناس حتى وإن كانت لا تستطيع فعل شيء إزاء هذا الأمر , ولكنني لا توجد لدي أدنى فكرة عمن يكون قد ... "
قطعت حديثها لفترة ثم قالت : " هناك بعض الخطابات السخيفة الأخرى . "
" هل تلقيت أي رسائل من هذا النوع ؟ "
كنت أشعر ببعض الحرج عندما سألتها هذا السؤال , إلا أنها أجابت بكل تلقائية وعيناها متسعتان : " نعم , إثنتان منها , بل ثلاث , لكنني نسيت ما كان مكتوباً فيها بالظبط . ولكنه شيء سخيف عن علاقة كاليب بإحدى المدرسات , كما أذكر أنه شيء في غاية العبث , لكن كاليب هو أزهد الناس في النساء , ولم يكن يوماً لديه الرغبة فيهن . من حسن حظه أن أصبح رجل دين . "
قلت لها : " هذا صحيح تماماً . "
قالت : " لقد كان كاليب غارقاً دائماً في طلب العلم . "
لم أجد في نفسي الصلاحية لكي أرد على هذا النقد , وعلى أي حال مضت السيدة كالثروب في التحدث تارة عن زوجها , وتارة أخرى عن تلك الخطابات , حتى أنها أصابتني بالارتباك .
" الغريب في الأمر هو أن هناك العديد من الأمور التي يمكن أن تفصح عنها هذه الرسائل , إلا أنها لا تفعل هذا , وهذا هو الأمر المحير . "
قلت لها بضيق : " لا أعتقد أن هذه الرسائل تركت حداً للتهذيب والأخلاق ولم تتجاوزه . "
قالت : " ولكن كتّاب هذه الرسائل يبدو أنهم لا يعرفون شيئاً . إن أي شيء يذكرونه لا يمت للحقيقة بصلة على الإطلاق . "
" ماذا تعنين ؟ "
ومن جديد تلاقت عيناها الغامضتين بعيني وقالت : " إن هذه البلدة متخمة بالفساد الخلقي , وكل شيء آخر , كل الأسرار تتواجد في هذه البلدة . لماذا لا يكتب مرسل هذه الخطابات عنها ؟ "
توقفت للحظة عن الحديث ثم سألتني : " ماذا كان فحوى رسالتك ؟ "
" لقد زعموا بأن أختي ليست أختي في الحقيقة . "
سألتني السيدة دين كالثروب دون أدنى حرج : " وهل هي أختك بالفعل ؟ "
" بالتأكيد جوانا هي أختي . "
أومأت السيدة دين كالثروب برأسها وقالت : " هذا هو ما أعنيه , وإنني لأجرؤ على القول بأن هناك أموراً أخرى أيضاً ــــ "
ثم أخذت تحدق إلي بعينيها الضافيتين الشاردتين , وفجأة أحسست بأنني أفهم لماذا يخشى كل سكان لايمستوك السيدة دين كالثروب .
دفي حياة كل منا مواقف وأشياء خفية نريد ألا يكتشفها أحد . ولقد شعرت بأن السيدة دين كالثروب تعلم هذه الأشياء الخفية .
وللمرة الأولى في حياتي شعرت بالسرور عندما سمعت صوت إيمي جريفيث يشق السكون قائلاً : " مرحباً يا مود , إنني سعيدة لأنني قابلتك . كنت أريد أن أقترح عليك تأخير موعد المزاد , صباح الخير يا سيد بيرتون . "
ثم أكملت قائلة : " علي أن أذهب إلى محل البقال وأوصيهم بإعداد طلب لي , ثم سأذهب إلى المعهد مباشرة , إذا كان هذا يناسبك . "

قالت السيدة دين كالثروب : " حسناً , حسناً , هذا يناسبني تماماً . "
وذهبت إيمي جريفيث إلى محلات (( إنترناشونال ستورز )) .
قالت السيدة دين كالثروب : " يا لها من مسكينة . "
أصابتني دهشة عظيمة , إذ لم أكن أعرف لماذا تشفق هي على إيمي جريفيث .
إلا أنها تابعت قائلة : " كما تعلم يا سيد بيرتون أنني أخشى أن ـــ "
" هل تعنين هذه الخطابات ؟ "
" نعم , كما ترى , إنها تعني ــ لابد أنها تعني ـــ "
صمتت في حيرة لبعض الوقت وزاغت عيناها . ثم قالت بلهجة من حل لغزاً : " الكراهية العمياء ... نعم الكراهية العمياء . ولكن حتى الرجل الأعمى قد يطعن في القلب عن طريق الصدفة البحتة ... وماذا سيحدث بعد يا سيد بيرتون ؟ "
ولقد كان لنا أن نعلم هذا قبل انقضاء يوم آخر ."
2
لقد كانت بارتريدج هي من حملت لنا خبر الكارثة . وبارتريدج تحب الكوارث . ودائماً ما كان أنفها يختلج في نشوة عندما تكون حاملة لأية أخبار سيئة .
فقد دخلت غرفة جوانا وأنفها آخذ في الاختلاج , وعيناها تلمعان , وشفتاها ممطوطتان تتصنعان الحزن . قالت وهي تزيح ستائر الغرفة : " هناك أخبار مفزعة هذا الصباح يا آنستي . "
وكانت جوانا تمتلك تلك العادة في أن تستغرق دقيقة أو دقيقتين لكي تستعيد وعيها بعد أن تستيقظ في الصباح . ولهذا فكل ما قالته هو : " أوه . " ثم تقلبت في فراشها دون أدنى اهتمام .
وضعت بارتريدج قدح شاي الصباح بجوارها , ثم بدأت تتحدث من جديد قائلة : " أخبار رهيبة , صدمة لم أستطع أن أصدقها حين سمعتها في البداية . "
قال جوانا وهي تجاهد لتستعيد وعيها : " أية أخبار مفزعة تلك ؟ "
قالت بارتريدج : " السيدة سيمنجتون المسكينة . "
ثم صمتت للحظة بشكل درامي ثم أردفت : " ماتت . "
ثم انتفضت جوانا في فراشها قائلة : " ماتت ؟ "
" نعم يا آنسة جوانا , لقد حدث هذا البارحة بعد الظهيرة , وأسوأ ما في الأمر أنها انتحرت . "
" يا إلهي ! مستحيل يا بارتريدج . "
كانت جوانا مصدومة للغاية , فالسيدة سيمنجتون لم تكن من نوعية الفتيات التي تصيبهم المآسي .
" نعم يا آنسة . لقد تعمدت قتل نفسها . ولكن هذا لم يكن ليحدث لو لم يكن هناك ما يدفعها لاقتراف ذلك . يا لها من مسكينة . "
قالت جوانا : " يدفعها شيء ما ؟ "
فأومأت بارتريدج برأسها موافقة وقالت : " هذا صحيح يا آنستي , بسبب واحد من تلك الخطابات البغيضة . "
" وماذا جاء في هذا الخطاب ؟ "
ولكن هذا ما عجزت بارتريدج عن معرفته وهو الأمر الذي جعل بارتريدج في غاية الأسف .
قالت جوانا : " إنها تصرفات دنيئة , ولكن مع هذا لا أفهم ما الذي في هذه الخطابات يمكنه أن يجعل المرء يقتل نفسه ؟ "
أخذت بارتريدج نفساً عميقاً ثم قالت : " قد تفعل فقط إذا ما كانت حقيقية . "
قالت جوانا : " يا إلهي . "
تناولت جوانا قدح الشاي بعد أن غادرت بارتريدج الغرفة ـ ثم ارتدت معطفها وأتت إلي لكي تبلغني هذه الأخبار .
أخذت أتفكر فيما قاله أوين جريفيث . لقد قال إن عاجلاً أو آجلاً ستنطلق الرصاصة ولا ندري من ستصيب . ويبدو أنها أصابت السيدة سيمنجتون . إنها لم تكن تبدو من طراز هؤلاء النساء اللاتي يحملن أسراراً خفية في ماضيهن ... لقد كان إحساسي صحيحاً , لقد كنت أرى وراء شراستها الشديدة تلك امرأة هشة ضعيفة . لقد كانت من طراز النسوة الضعيفات اللاتي يعتمدن على الآخرين واللاتي ينهرن بسهولة .
وكزتني جوانا بذراعها وسألتني عما أظنه بشأن هذا الأمر .
فكررت لها ما قاله أوين جريفيث , فقالت : " بالطبع , لابد أنه يعرف كل شيء على الموضوع . فهذا الرجل يعرف كل شيء . "
قلت : " إنه بارع . "
قالت جوانا : " بل هو متغطرس , متغطرس للغاية . "
ثم صمتت لدقيقة أو اثنتين وقالت : " يا له من أمر فظيع لزوجها ولابنتها . ترى ما هو شعور ميجان الآن ؟ "
لم يكن لدي أدنى فكرة , وأعلنت لها ذلك بصراحة , لقد كان من العجيب أنه لا يستطيع أحد أن يخمن ما تشعر به ميجان الآن أو بماذا تفكر .
أومأت جوانا برأسها قائلة : " لا يستطيع أحد أن يعرف ماذا يدور بخلد تلك الطفلة ربيبة الجنيات . "
ثم صمتت للحظة وقالت : " هل تعتقد ـ إذا ما كنت توافق على هذا ـ أنها قد تحب أن تأتي وتمكث معنا ليوم أو يومين ؟ لقد تلقت هذه الفتاة صدمة شديدة . "
قلت لها موافقاً : " يمكننا أن نقترح عليها هذا . "
قالت جوانا : " أعتقد أن الأولاد سيكونون بخير , فلديهم مربية الأطفال تلك . ولكن أعتقد أن تلك المرأة يمكنها أن تقود ميجان إلى الجنون . "
فكرت أن هذا محتمل للغاية , فقد كان يمكنني أن أتخيل تلك المرأة وهي تستمر بالتفوه بتلك التفاهات , ولا تنفك تعرض عليها احتساء المزيد من أقداح الشاي . إنها مخلوقة طيبة السريرة ولكنني لا أظنها مناسبة لإنسانة حساسة كميجان .
لقد كنت أفكر بالفعل بأن تبتعد ميجان عن منزلها في هذه الفترة العصيبة . ولقد سعدت عندما علمت أن جوانا تفكر في نفس الشيء بشكل عفوي دون إيعاز مني . وبعدما انتهينا من تناول الإفطار ذهبنا إلى بيت آل سيمنجتون .
وكن منزعجين بعض الشيء , فقد كان قدومنا يبدو تطفلاً شديداً . ولكن لحسن الحظ قابلنا أوين جريفيث وهو خارج من بوابة القصر . وقد بدا قلقاً ومنشغلاً .
إلا أنه حياني بشيء من الحرارة وقال : " مرحباً يا بيرتون , إنني مسرور لرؤيتك. إن ما كنت أخشى أن يقع عاجلاً أو آجلاً قد وقع بالفعل . إنه لأمر لعين . "
قالت جوانا بصوت لا تستخدمه إلا عندما تتحدث مع إحدى عماتنا الصم : " صباح الخير دكتور جريفيث . "
فوجئ جريفيث وكست وجهه الحمرة وقال : " أو ـ صباح الخير يا آنسة بيرتون . "
قالت جوانا : " لقد ظننت أنك ربما لم تلاحظ وجودي . "
ازداد وجه جريفيث احمراراً , وكاد يذوب خجلاً . قال : " إنني في غاية الأسف , لقد كنت منشغلاً بأمر ما , فلم أنتبه . "
إلا أن جوانا تابعت كلامها دون رحمة وشفقة : " مع أنني في ذات حجم البشر الأسوياء ويمكن لأي أحد أن ينتبه لوجودي . "
انتحيت بها جانباً وقلت لها : " على رسلك أينها الشرسة . "
تابعت حديثي مع جريفيث قائلاً : " لقد كنت وأختي نتساءل يا جريفيث إذا ما كانت فكرة جيدة أن تمكث الفتاة معنا ليوم أو يومين . ما رأيك ؟ إنني لا أريد أن أدس أنفي في الموضوع ـ ولكن لابد أن الموقف عصيب للغاية على تلك الطفلة المسكينة, فماذا تظن رأي سيمنجتون في الأمر ؟ "
أخذ جريفيث يقلب الفكرة في رأسه لدقيقة أو اثنتين , ثم قال في النهاية : " أعتقد أن هذه الفكرة ممتازة , فهي فتاة عصبية , تقلبة المزاج , وسوف يكون من مصلحتنا أن تبتعد تماماً عن هذا الأمر . صحيح أن الآنسة هولاند تفعل العجائب مع الأولاد والسيد سيمنجتون نفسه , ولكن هذا يكفينا . فالسيد سيمنجتون مفطور القلب ـ مشتت التفكير . "
سألته بتردد : " هل كانت المسألة انتحاراً ؟ "
أومأ جريفيث برأسه قائلاً : " نعم بالفعل , لا يوجد احتمال في أن يكون الأمر حادثة . لقد كتبت رسالة قبل أن تموت قالت فيها : " لا يمكنني أن أستمر . " لابد أن البريد وصل في الظهيرة بالبارحة . لقد كان المظروف على الأرض بالقرب من مقعدها بينما كان الخطاب نفسه مكوراً ومرمياً في المدفأة . "
" ماذا كان ـــ "
ثم توقفت عن الكلام وأنا منزعج من نفسي .
ثم اعتذرت قائلاً : " أستميحك عذراً . "
ابتسم جريفيث ابتسامة خاطفة وحزينة وقال : " لا تخجل من سؤالك , لابد وأن يقرأ الخطاب في أثناء سير التحقيقات . إن هذا الأمر حتمي مع أنه فظيع . لقد كانت واحدة من تلك الرسائل التي تعرفها ـ بذات الأسلوب البذيء . ولقد كان الاتهام هذه المرة بأن الصبي الأصغر كولين ليس من صلب سيمنجتون . "
سألته وأنا أكاد لا أصدق : " وهل تظن هذا صحيحاً ؟ "
هز جريفيث كتفيه وقال : " لا أستطيع أن أقطع برأي في هذا الأمر . إنني أعيش في هذه البلدة منذ خمس سنوات فقط , ولم أعرف عن الزوجين سيمنجتون سوى أنهما زوجين سعيدين في حياتهما الزوجية ومخلصان لعلاقتهما ولأطفالهما . صحيح أن ذلك الولد لا يشبه والديه تماماً ـ فهو ذو شعر أحمر لامع ـ لكن الأطفال غالباً ما يشبهون أجدادهم وجداتهم . "
" لعل عدم التشابه هذا قد يكون هو ما أدى إلى هذه الشائعات , إنه اتهام شرير ولا يستند إلى دليل . "
" إنه من المحتمل جداً لأن أصحاب هذه الأقلام المسمومة لا يكونون ذوي معرفة كبيرة بهؤلاء الناس , لأنهم يتحركون بدافع حقد أعمى . "
قال جوانا : " ولكن يبدو أن هذا الاتهام قد نكأ جرحاً غائراً , وإلا لم تكن لتقتل نفسها , أليس كذلك ؟ "
قال جريفيث في تشكك : " أشك في هذا , لقد كانت السيدة سيمنجتون تعاني من بعض المتاعب الصحية لبعض الوقت , ولقد كانت تمر بنوبات عصبية وهستيرية , لقد كنت أعالجها من حالتها العصبية المظطربة تلك . من المحتمل أن الصدمة التي نتجت عن تلقيها هذه الرسالة قد وضعتها في تلك الحالة مرة أخرى , وأصابتها بنوبة فزع دفعتها للانتحار , ولعلها خشيت ألا يصدقها زوجها إذا ما أنكرت هذه القصة , أو لعله اعتراها شعور بالخزي والاشمئزاز مما جعلها تتخذ هذا القرار غير المتزن . "
قالت جوانا : " إذن فهو انتحار ناتج عن حالة عقلية مضطربة ؟ "
قال جريفيث : " بالضبط , وأعتقد أنه سيقابل ذلك بتفهم كبير أثناء التحقيقات . "
قالت جوانا : " هذا صحيح . "
كان هناك شيء في نبرة صوتها جعل جريفيث يقول بصوت غاضب : " نعم سوف تلقى تفهماً , ألا تتفقين معي يا آنسة بيرتون . "
قالت جوانا : " بل أتفق معك تماماً , وكنت لأفعل نفس الشيء لو كنت مكانك . "
نظر لها أوين بشك , ثم سار مبتعداً عنا , ودلفت أنا وجوانا إلى داخل المنزل . كان باب المنزل مفتوحاً , ولقد رأينا أن ندخل مباشرة بدلاً من قرع الجرس , خاصة وقد سمعنا صوت إلسي هولاند يدوي من داخل المنزل . كانت تخاطب السيد سيمنجتون الذي كان يجلس على أحد المقاعد , وكان في حالة إعياء شديدة . قالت له : " إنك لم تتناول طعام الإفطار , وكذلك لم تأكل شيئاً من الليلة الماضية , ناهيك عن الصدمة التي تلقيتها . إنك بهذا الشكل سوف تضر صحتك , وأنت في هذه المرحلة تحتاج لكل قواك . هذا ما قاله الطبيب قبل أن ينصرف . "
قال سيمنجتون بصوت لا حياة فيه : " إنك عطوفة للغاية يا آنسة هولاند , لكن ـــ "
قالت الآنسة هولاند : " إليك قدح الشاي هذا . " قالتها وهي تدفع إليه القدح بحزم .
كنت أفضل شخصياً أن تعطيه بعض الصودا أو العصائر . فقد بدا بحاجة إليها بالفعل , إلا أنه تناول منها الشاي وقال وهو ينظر إليها : " لا أستطيع شكرك بما يكفي يا آنسة هولاند , إنك إنسانة رائعة . "
فاحمر وجه الفتاة خجلاً وبدت مسرورة لهذا الإطراء . ثم قالت : " ولطيف منك أن تقول هذا يا سيد سيمنجتون , ولكن عليك أن تدعني أفعل ما بوسعي لأساعدك . ولا تقلق بشأن الأولاد ـ إنني سوف أعتني بهم , ولقد استطعت أن أسيطر على الخدم وأهدأ من روعهم , وإذا كان بإمكاني أن أفعل أي شيء يمكنني فعله كأن أكتب خطاباً لأحد ما , أو أن أتصل بأحد ما , فرجاء لا تتردد في طلب ذلك مني . "
كرر السيد سيمنجتون : " إنك عطوفة للغاية . "
وبينما كانت إلسي هولاند تستدير لتمضي إلى شأنها , لمحتنا فهرعت إلينا في بهو المنزل , وقالت بصوت هامس : " أليس هذا أمراً فظيعاً ؟ "
وبينما كنت أنظر إليها : " خطر لي أنها فتاة لطيفة للغاية ؛ فهي عطوفة , وذات كفاءة , وعملية جداً في وقت الأزمات . كانت عيناها الواسعتان الزرقاوان تحيط بهما هالتان ورديتان مما يدل على أنها رقيقة القلب للغاية لكي تذرف الدمع لوفاة مستخدمتها .
قالت لها جوانا : " هل يمكننا أن نحادثك قليلاً , فنحن لا نريد أن نزعج السيد سيمنجتون . "
أومأت إلسي هولاند برأسها وقادتنا نحو غرفة الطعام في الجانب الآخر من البهو , وقالت : " لقد كان أمراً فوق احتماله , يا لها من صدمة . من كان يظن أن شيئاً مثل هذا قد يحدث ؟ ولكنني الآن أدرك بالطبع أنها أحياناً كانت غريبة الأطوار . أحياناً كانت تنتابها نوبات عصبية , وكانت تبكي بشكل غريب . كنت أظن أنها مريضة , رغم أن الدكتور جريفيث كان يؤكد دائماً أنها سليمة ولا شيء بها . ولكنها كانت عدوانية وسريعة الغضب وأحياناً لم نكن نستطيع التعامل معها . "
قالت جوانا : " لقد أتينا اليوم لكي نسأل إذا كان من الممكن أن نصطحب ميجان لكي تمكث معنا لأيام قليلة ـ إذا كانت هي تريد هذا . "
قالت في شيء من الدهشة : " ميجان ؟ لا أدري . إن هذا لطف منكما , ولكنها فتاة غريبة الأطوار , ولا أحد يمكنه أن يعلم بماذا تفكر أو بماذا تشعر . "
قالت جوانا بغموض : " إننا نعتقد أننا بهذا نقدم بعض المساعدة . "
" بالتأكيد , إنكما بهذا سوف تساعدانني كثيراً . فإنني أعتني بالوالدين , فهما الآن مع الطاهية وكذلك السيد سيمنجتون المسكين ـ إنه بالفعل بحاجة للرعاية كأي أحد آخر , وهناك العديد من الأشياء الأخرى علي القيام بها . وإنني بالقطع ليس لدي أي وقت لأعتني بميجان . أعتقد أنها في الطابق العلوي في غرفة الأطفال القديمة التي في أعلى المنزل . لا أدري إذا ــ "
نظرت لي جوانا بسرعة , فهرعت إلى الغرفة في الطابق العلوي .
كانت غرفة الأطفال القديمة في أعلى المنزل . فتحت الباب ودلفت , كانت الغرفة التي تحتها تطل على الحديقة ولم تكن ستائرها قد أسدلت بعد . أما الغرفة التي كانت تطل على الطريق فقد كانت ستائرها مسدلة .
رأيت ميجان من خلال ضوء الغرفة الخافت . كانت تجلس على أريكة في مقابل الجدار , وذكري مشهدها هذا بالحيوانات المذعورة التي تختبئ من مفترسيها . لقد كانت في غاية الخوف .
ناديتها قائلاً : " ميجان . "
تقدمت إليها ودون وعي مني اكتسب صوتي نبرة من يهدئ حيواناً مذعوراً . ولقد شعرت بأنني أمد لها يدي بجزرة أو بقطعة سكر . أخذت تحدق إلي دون أن تتحرك قيد أنملة , أو يتغير الترتيب الذي كان مرتسماً على وجهها .
قلت لها مرة أخرى : " ميجان , لقد أتيت أنا وجوانا لنسألك إذا كنت تحبين أن تأتي معنا لتقضي معنا أياماً قليلة . "
قالت بصوت خاو من وراء الضوء الخافت : " أمكث معكما ؟ في منزلكما ؟ "
" نعم . "
" أتعني أنكما سوف تأخذاني من هنا ؟ "
" نعم يا عزيزتي . "
فجأة بدأت ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها , لقد كانت ترتعب بقوة وبشكل مرعب .
" نعم , خذاني من هنا أرجوكما,إنه لشيء فظيع أن أبقى هنا وأشعر بأنني شريرة. "
تقدمت لها فأمسَكَت بكم معطفي وتشبثت به بقوة , واستطردت : " إنني جبانة وحقيرة , لم أكن أعرف أنني جبانة إلى هذا الحد . "
قلت لها :" لا عليك يا طفلتي العزيزة . إن الأمور مختلطة بعض الشيء , هيا بنا ."
" هل يمكننا أن نذهب الآن ؟ دون أن نمكث هنا لدقيقة ؟ "
" أعتقد أنك عليك أن تحزمي بعض أغراضك . "
" أية أغراض ؟ لماذا ؟ "
" يا طفلتي العزيزة , إننا سنوفر لك فراشاً وحماماً وأشياء أخرى , ولكنني لا أستطيع أن أعيرك فرشاة أسناني مثلاً . "
ضحكت ضحكة خفيفة مرهقة وقالت : " فهمت , أعتقد أنني حمقاء بعض الشيء اليوم : لا تبال بي . سوف أذهب لكي أحزم بعض الأغراض . وأنت ـ أنت لن تذهب ؟ سوف تنتظرني ؟ "
" سوف أنتظرك على الباب . "
" أشكرك . أشكرك شكراً جزيلاً , أنا آسفة للغاية . ولكنك تعرف أن الوضع يكون خطيراً عندما تموت أمك . "
قلت لها : " أنا أعرف . "
وربت على كتفها بعطف , فنظرت لي بامتنان ثم توارت في غرفة النوم . وذهبت أنا نازلاً الدرج وقلت لإلسي هولاند : " لقد قابلت ميجان , وستأتي معنا . "
قالت إلسي هولاند : " هذا شيء طيب , إن هذا سوف ينسيها حزنها , إنها لفتاة عصبية كما تعلم , إنها صعبة المراس . إنني سوف أرتاح جداً عندما أخرجها من دائرة الأشياء التي يجب أن أقلق بشأنها. وهذا لطف منك أنت أيضاً يا آنسة بيرتون. أرجو ألا تسبب لك إزعاجاً . يا إلهي , إن جرس الهاتف يدق , لابد أن أرد عليه . إن السيد سيمنجتون لا يستطيع أن يرد عليه . "
قالتها وأسرعت تغادر الغرفة , فقالت جوانا : " يا لها من ملاك متفانٍ . "
قلت لها : " إنك تسخرين منها , مع أنها فتاة لطيفة و عطوفة , وتؤدي عملها بكفاءة إلى حد ما . "
" إلى حد ما , وهي تعرف هذا . "
قلت لها : " هذا لا يليق بك يا جوانا . "
" أعني لماذا لا تستطيع الفتاة أن تُعنى بنفسها . "
" فعلاً . "
قالت جوانا : " إنني لا أطيق هؤلاء الناس الذين يختالون بأنفسهم , فهذا يثير طباعي السيئة . كيف وجدت ميجان . "
" وجدتها في غرفة مظلمة جالسة على أريكة كظبي شارد . "
" يا للطفلة المسكينة , هل رحبت بالفكرة ؟ "
" لقد كانت تتوق لذلك بشدة . "
وسمعنا صوت ميجان , وهي تدحرج حقيبتها في طريقها إلينا , فذهبت إليها وأخذت منها الحقيبة . وقالت جوانا : " هيا , فلدي أقداح شاي كثيرة علي أن أتناولها . "
ذهبنا إلى السيارة , وضايقني أنه تعين على جوانا أن تدخل الحقيبة بنفسها في السيارة . لقد كنت أستطيع في هذا الوقت أن أمشي بعكاز واحد , إلا أنني لم أكن أستطيع القيام بأي حركات رياضية .
قلت لميجان : " هيا ادخلي السيارة . "
استقللنا السيارة , فأدارت جوانا المحرك , ومضينا في طريقنا . وصلنا إلى ليتل فيرز وجلسنا في غرفة الرسم .
تهاوت ميجان على مقعدها وانفجرت باكية . أخذت تنتحب بشكل طفولي ـ غادرت الغرفة طلباً للراحة . وأعتقد أن جوانا وقفت هناك عاجزة عن فعل شيء .
ثم سمعت ميجان تقول بصوت مخنوق : " أنا آسفة لأنني أفعل هذا , هذا يبدو تصرفاً أحمق . "
قالت جوانا : " لا , لا عليك , إليك منديل آخر . "
أعتقد أنها قامت بالتصرف السليم . دلفت الغرفة وقدمت لميجان كوباً من العصير .
" ما هذا ؟ "
قلت لها : " بعض العصير الطازج . "
قالت ميجان وقد جفت دموعها بسرعة : " حقاً ؟ أشكرك بشدة . "
ارتشفت ميجان شرابها باستمتاع , ثم أشرق وجهها بابتسامة , ثم أعادت رأسها إلى أسفل وازدرت شرابها حتى الثمالة . ثم قالت : " إنه لذيذ , هل يمكنني أن أحصل على كوب آخر . "
قلت لها : " لا . "
" لماذا ؟ "
" حتى لا تفقدي شهيتك للطعام . "
" يا إلهي . "
ثم حولت ميجان اهتمامها إلى جوانا قائلة : " إنني في غاية الأسف لأنني أحدثت هذه الضوضاء , عندما أخذت أبكي وأنتحب بهذا الشكل . ولا أدري لماذا , لقد كان هذا سخيفاً جداً خاصة أنني في غاية السعادة لوجودي هنا . "
قالت جوانا : " هذا صحيح , نحن في غاية السرور لأنك معنا . "
" لا يمكن أن تكونا سعداء لوجودي . إنه عطفكما ورقتكما , ولكنني ممتنة لكما . "
قالت جوانا : " لا أريدك أن تتفوهي بهذه الكلمات , إن هذا يحرجني للغاية . إنني صادقة للغاية عندما أقول إننا سعداء لوجودك معنا . فأنا وجيري قد تحدثنا في كل الموضوعات الممكنة , ولا يمكننا أن نجد أي شيء آخ يمكننا أن نقوله لبعضنا البعض . "
قلت : " ولكن الآن , سوف نستطيع أن نتحدث عن جونريل وريجان وأشياء من هذا القبيل . "
تهللت أسارير ميجان وقالت : " لقد كنت أفكر في هذا الأمر , أعتقد أنني أعرف لماذا . إن هذا لأن والدهما المسن البغيض هذا كان يريدهما دائماً أن يتملقاه . فعندما يضطر المرء لأن يقول دائماً شكراً , وهذا عطف منك , فسوف ينتهي به الأمر لأن يصبح غريب الأطوار وفاسد الأخلاق , لأنه سوف يتوق لأن يكون سريراً على سبيل التغيير ـ وعندما ينال الفرصة , سوف يتمادى في الأمر ويغالي فيه . إن العجوز لير كان بغيضاً للغاية , أليس كذلك ؟ إنه يستحق ذلك الازدراء الذي عاملته به كورديليا . "
قلت : " أرى أننا سوف نحظى بمناقشات شقية عن شكسبير . "
قالت جوانا : " أرى أنكما سوف تكثران من التحذلق .
فإنني دائماً ما أرى شكسبير في غاية الملل , حيث هذه الفصول المسرحية الطويلة التي يكون فيها الجميع مخمورين ويحاولون أن يبدوا مضحكين . "
قالت لميجان : " كيف حالك الآن ؟ "
" بخير شكراً لك . "
" ألا تشعرين بالدوار , ألا ترين اثنين من جوانا , أو أي شيء من هذا القبيل . "
" كلا , كل ما هنالك هو أنني أشعر بأنني أريد أن أتحدث كثيراً . "
قلت لها : " ستكونين بخير يا صغيرتي , والآن عليك الذهاب لتأخذي قسطاً من الراحة . "
صحبتها جوانا للطابق العلوي لتخرج الأشياء من حقيبتها . وأتت بارتريدج وقد بدت متكدرة , وقالت أنها لم تصنع إلا موبين من الكاسترد فقط من أجل الغداء , ولا تدري ما العمل .

يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 22-10-09, 08:54 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149500
المشاركات: 102
الجنس أنثى
معدل التقييم: كازارا عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدAjman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كازارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
افتراضي

 

بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه

 
 

 

عرض البوم صور كازارا  
قديم 24-10-09, 09:30 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2007
العضوية: 43230
المشاركات: 265
الجنس أنثى
معدل التقييم: الهيفاء عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدTunisia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الهيفاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
افتراضي

 

سلمت يداك وشكرا على المجهود... لكن أين البقية ؟ نحن في الانتظار...

 
 

 

عرض البوم صور الهيفاء  
قديم 26-10-09, 06:16 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
Icon Mod 44

 

الفصل السادس
1

بدأ التحقيق بعد الحادث بثلاثة أيام . لقد تم كل شيء على شكل لائق قدر الإمكان , إلا أن الحضور كان كبيراً , وكما لاحظت جوانا كان هناك العديد من النسوة .
تم تحديد الوقت الذي توفيت فيه السيدة سيمنجتون وقد كان بين الثالثة والرابعة ظهراً , لقد كانت بمفردها في المنزل ؛ فقد كان السيد سيمنجتون في مكتبه , وكانت الخادمات في إجازة , وإلسي هولاند والأطفال في الخارج . وميجان كانت في نزهة على الدراجة .
لابد أن الخطاب وصل في بريد بعد الظهيرة , ولابد أن السيدة سيمنجتون أخرجته من الصندوق , وقرأته ـ ثم لابد وأنها في ثورة غضبها ذهبت إلى خزانة المطبخ وأخرجت منها بعض السيانيد الذي كان ملفوفاً هناك لكي يوضع في شبكة صيد الدبابير , ثم أذابت بعض الماء في تجرعته بعد أن كتبت هذه الكلمات الأخيرة " لا أستطيع أن أستمر . "
وأدلى أوين جريفيث بشهادته الطبية , وشدد على وجهة نظره التي أوضحها لنا بخصوص الحالة العصبية للسيدة سيمنجتون وضعف قدرتها على التحمل . كان المحقق لطيفاً وحكيماً , فقد تحدث بمرارة عن إدانته لهؤلاء الذين يكتبون هذه الأشياء الحقيرة , الرسائل المجهولة . وقال أياً كان كاتب هذه الرسائل الشريرة الكاذبة فهو مسئول أخلاقياً عن جريمة القتل . وقد تمنى أن تكشف الشرطة المجرم سريعاً وتتخذ الإجراءات اللازمة ضده أو ضدها , فعمل قذر كهذا تفوح منه رائحة الحقد الأعمى يستحق أقسى عقوبة يفرضها القانون . وبناء على توجيهاته , نطق القضاة بالحكم النهائي , ألا وهو , انتحار أثناء جنون مؤقت .
لقد بذل المحقق ما بوسعه , وكذلك أوين جريفيث أيضاً , ولكنني سمعت فيما بعد من نساء القرية نفس الهمسات الكريهة والتي بدأت ~أعرفها جيداً . " لا دخان بلا نار . هذا رأيي ! لابد أن هناك شيئاً , وإلا ما كات لتقدم على هذه الفعلة ... "
كرهت لايمستوك وحدودها الضيقة ونساءها النمامات الهامسات .
2
من الصعب تذكر الأشياء بترتيبها الزمني الصحيح . بالطبع , كانت زيارة المفتش ناش ثاني أهم المعالم . ولكني أعتقد بعد ذلك أننا تلقينا زيارات من أشخاص مختلفين بالقرية , وكانت كل زيارة مهمة في حد ذاتها , وقد ألقت بعض الضوء على على بعض الشخصيات وصفاتهم .
جاءت إيمي جريفيث في الصباح بعد الاستجواب , كانت تبدو كعادتها وافرة الصحة والنشاط ونجحت كعادتها أيضاً في مضايقتي على الفور . وبما أن ميجان وجوانا كانتا بالخارج فقد قمت أنا بواجبات الضيافة .
قالت الآنسة جريفيث : " صباح الخير , ل4قد سمعت أنكما تستضيفان ميجان هنا ."
" أجل . "
" هذا تصرف كريم من جانبكم , أنا متأكدة من ذلك , ولكن أخشى أن يسبب لكم بعض الإزعاج . وقد جئت لأقول إنه بإمكانها المجيء إلينا إذا كنتما تريدان ذلك . يمكنني القول بأنه بوسعي جعلها مفيدة في البيت . "
نظرت إلى إيمي جريفيث باستياء شديد . ثم قلت : " يا لعطفك الشديد , ولكننا سعداء بوجودها . إنها تقضي وقتاً طيباً هنا معنا . "
" لا يمكنني القول بأن تلك الطفة مغرمة بالتسكع , وأظنها لا تستطيع فعل شيء سوى ذلك , فهي ذات ذكاء محدود للغاية . "
قلت : " أعتقد أنها فتاة غاية في الذكاء . "
حدقت إلي جريفيث بقسوة , ثم غلقت قائلة : " لأول مرة أسمع شخصاً يقول هذا عنها . فعندما تتحدث إليها تنظر إليك كما لو أنها لا تفهم ما تقوله . "
قلت : " ربما كانت لا تهتم بما يقال , وهذا كل ما في الأمر . "
قالت إيمي جريفيث : " إذا كان الأمر كذلك , فهي تتسم بالوقاحة . "
قلت : " ربما , ولكنها ليست ذات ذكاء محدود . "
أعلنت الآنسة جريفيث بحدة : : إنها شاردة الذهن غافلة , على أفضل تقدير إن ما تحتاج إليه ميجان هو العمل الجاد ـ شيء يجعلها تهتم بالحياة . لا تتصور مدى الفارق الذي يشكله هذا بالنسبة لفتاة . إنني أعرف الكثير عن الفتيات . حتى أنه ليدهشك مدى الاختلاف الذي يحدثه كون الفتاة عضواً في فريق الكشافة . إن ميجان أكبر من أن تقضي وقتها في التسكع والبطالة . "
قلت : " إن من الصعب عليها فعل أي شيء الآن , فيبدو أن السيدة سيمنجتون كانت تعتبرها في الثانية عشر من عمرها . "
تنهدت الآنسة جريفيث بحنق : " أعرف , ولم أكن أطيق موقفها ذاك . لقد رحلت الآن , لذا لا أريد قول المزيد , ولكنها كانت مثالاً لما أطلق عليه ربة منزل ليست ذكية , لا تهتم إلا بلعب الورق والقيل والقال والاهتمام بشؤون أطفالها ـ حتى الأطفال كانت الفتاة تعتني بهم . أخشى أنني لم أكن معجبة بالسيدة سيمنجتون , على الرغم من ذلك فلم أشك بالحقيقة أبداً . "
قلت محتداً : " الحقيقة ؟ "
احمر وجه الآنسة جريفيث , وقالت : " لقد أسفت بشدة على ديك سيمنجتون لنشر كل تلك الأشياء في الاستجواب , لقد كان ذلك شيئاً فظيعاً بالنسبة له . "
" ولكنك بالتأكيد سمعته يقول أن ما ورد بالخطاب لا أساس له من الصحة على الإطلاق ـ لقد كان متأكداً من ذلك تماماً . "
" لقد قال ذلك بالطبع , وهذا صحيح , فالرجل لابد أن يدافع عن زوجته , هذا ما كان ليفعله ديك . "
لقد عرفت ديك سيمنجتون منذ وقت طويل . "
اندهشت بعض الشيء .
قلت : " حقاً ! لقد علمت من أخيك أنه اشترى هذه العيادة منذ بضع سنوات قليلة . "
" أوه ,نعم , ولكن ديك سيمنجتون قد اعتاد على المجيء والإقامة عندنا في الشمال. لقد عرفته منذ سنوات . "
إن النساء يتوصلن إلى نتائج لا يتوصل إليها الرجال . إلا أن النعومة المفاجئة التي طرأت على إيمي جريفيث جعلت ـ على حد وصف خادمتنا العجوز ـ بعض الأفكار تدور في رأسي .
نظرت إلى إيمي بفضول , بينما واصلت هي حديثها بنفس النبرة الناعمة : " أعرف ديك حق المعرفة ... إنه رجل يعتز بكبريائه ومتحفظ جداً , ولكنه مع ذلك غيور جداً . "
قلت متعمداً : " وهذا يفسر سبب خشية السيدة سيمنجتون من أن تريه الرسالة أو أن تخبره بما ورد فيها . فلعلعا كانت تخشى ألا يصدق إنكارها لما ورد بها , وذلك بسبب غيرته . "
نظرت إلي الآنسة جريفيث نظرة تنم عن الحنق والاحتقار .
" يا إلهي , أتعتقد أن امرأة يمكن أن تقدم على ابتلاع سيانيد البوتاسيوم بسبب اتنهام كاذب . "
" يبدو أن المحقق اعتقد أن ذلك ممكن . كما أن أخاك أيضاً ـــ "
قاطعتني إيمي : " أنتم معرش الرجال تفكرون بنفس الطريقة . فكلكم تريدون المحافظة على الآداب العامة . ولكنني لا أصدق هذا الشخف , فإن تلقت امرأة بريئة رسالة حقيرة من مجهول,فإنها تضحك أو تلقيها في سلة المهملات.وهذا ما فعلته ــ" توقفت فجأة , ثم أنهت كلامها قائلة : " ما كنت لأفعله . "
ولكنني لاحظت مقاطعتها هذه , كنت متأكداً تقريباً من أنها كانت بصدد قول : " فعلته . "
قررت أن أنقل المعركة إلى ساحة العدو .
قلت ضاحكاً : " إذن , هل تلقيت أنت أيضاً واحدة من هذه الرسائل ؟ " . كانت إيمي جريفيث من النساء اللواتي يحتقرن الكذب . صمتت لبرهة ـ واحمر وجهها , ثم قالت : " نعم , ولكنني لم أدعها تقلقني . "
سألتها بتعاطف : " أكاذيب بذيئة ؟ "
" بالطبع , فهذه الأشياء بذيئة دائماً . إنها هذيان شخص مخبول . لقد قرأت كلمات قليلة منها , فأدركت فحواها فألقيتها في سلة المهملات بلا تردد . "
" ألم تفكري في إبلاغ الشرطة . "
" كلا , فكثرة الكلام تزيد المشاكل سوءاً ـ هذا هو ما فكرت فيه عندئذ . "
ألح علي هاجس أن أقول لها : " ا دخان بدون نار ! " ولكني منعت نفسي , ولكي أتجنب هذا الإغراء غيرت مجرى الحديث إلى ميجان . فسألتها : " ألديك فكرة عن وضع ميجان المالي ؟ إنه ليس نوعاً من الفضول , وإنما أريد أن أعرف إذا ما كان يتحتم عليها العمل لكسب قوتها . "
" لا أعتقد أنه يتحتم عليها بمعنى الكلمة , فقد تركت لها جدتها لأبيها مصدراً صغيراً للدخل على ما أظن , وعلى أي حال , فإن ديك سيمنجتون كان يوفر لها السكن ويتكفل بها حتى لو لم تترك لها أمها شيئاً . غير أنها مسألة مبدأ . "
" أي مبدأ ؟ "
" العمل يا سيد بيرتون , فليس هناك شيء أهم من العمل بالنسبة للرجل والمرأة . فالكسل ذنب لا يغتفر . "
قلت : " لقد فصل السيد إدوارد جيري , الذي أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد , من جامعة أكسفورد بسبب كسله الفظيع . كما أن الدوق ويلنتجون ـ على حد علمي ـ كان كسولاً وغير مهتم بكتبه . ثم , ألم يخطر ببالك يا آنسة جريفيث أنك لم تكوني لتستطيعي استقلال القطار إلى لندن لو أن جورج ستيفنسون كان قد خرج مع أقرانه من الشباب للعمل بدلاً من التسكع في مطبخ أمه شاعراً بالملل حتى انتبه عقله الكسول إلى الحركة الرتيبة لغطاء غلاية الشاي ؟ "
لم تقل إيمي شيئاً سوى أن تنهدت بحنق .
فقلت معضداً فكرتي : " إنها نظريتي الخاصة . إذ أرى أننا ندين للكسل ـ سواءً كان اختيارياً أو جبرياً ـ بمعظم ابتكاراتنا وإنجازاتنا العظيمة . فالعقل البشري يفضل أن يتغذى على أفكار الآخرين دون بذل جهد يذكر , ولكن إذا حرم من تلك الرفاهية , فسوف يبدأ التفكير لنفسه ـ وتذكري أن مثل هذا التفكير الخلاق وربما يؤدي إلى نتائج قيمة . "
واصلت حديثي قبل أن تتاح لإيمي فرصة لإطلاق تنهيدة حانقة أخرى : " فضلاً عن ذلك , فإن الكسل به جانب فني . "
نهضت وأخذت من على مكتبي صورة طالما لازمتني , إنها صورتي الصينية المفضلة , وهي تصور رجلاً عجوزاً جالساً تحت شجرة يلعب تشبيك الخيوط بأطراف أصابع يديه .
قلت : " كانت في المعرض الصيني وقد أعجبتني , اسمحي لي بأن أريك إياها . إنها تدعى " رجل عجوز يستمتع بالكسل . "
لم تعجب إيمي بصورتي الجميلة , فقالت : " أوه , حسناً , إننا جميعاً نعرف طباع الصينيين . "
سألتها : " ألا تروق لك ؟ "
" بصراحة كلا , فأنا لا أهتم بالفن كثيراً , كما أن طريقة تفكيرك يا سيد بيرتون لا تختلف عن طريقة تفكير معظم الرجال . فأنتم تكرهون عمل المرأة ــــ ومنافستها لكم ــــ "
أصابتني الدهشة , فهاأنذا قد أصبحت عدواً للحركة النسائية . استمرت إيمي في دفاعها وقد احمرت وجنتاها .
" إنه لا تروق لك فكرة خروج المرأة من لميدان العمل , تماماً كوالدي . فقد كنت مهتمة بدراسة الطب ولكنهما لم يكونا مهتمين بدفع مصاريف الدراسة , ومع ذلك فقد كانا مستعدين لدفعها لأوين . لقد كان بإمكاني أن أصبح طبيبة أفضل من أخي ."
قلت : " أنا آسف لما حدث معك , فلابد أنه كان شيئاً قاسياً عليك . فحينما يريد المرء فعل شيء ــ "
واصلت كلامها بسرعة : " أوه , لقد تغلبت على هذا الآن , لفدي إرادة شديدة لا تقهر , وحياتي مشحونة بالأنشطة المختلفة . إنني واحدة من أسعد الناس في لايمستوك , ولدي الكثير لأفعله . ولكنني أسعى لهدم الفكرة البالية القائلة بأن مكان المرأة هو بيتها . "
قلت : " آسف إن كنت قد آلمتك . وهذه لم تكن وجهة نظري حقاً , وأنا لا أتصور أن ميجان يمكن أن تصبح ربة منزل تقليدية . "
" كلا , إنها طفلى مسكينة , ولكنني أخشى لا تصلح لأي شيء . " هدأت إيمي وعادت لتتكلم بطريقتها المعتادة مرة أخرى قائلة : " إن أباها , كما تعرف ـــ "
توقفت , فقلت مغتاظاً : " لا أعرف , فالجميع هنا يقولون (( إن أباها )) ثم يخفضون أصواتهم , ثم لا شيء . ماذا فعل ذلك الرجل ؟ ألا يزال حياً ؟ "
" في الحقيقة , لا أعرف , وأخشى أنه غامض بالنسبة لي شخصياً , ولكنه كان بلا ريب سيئاً . أعتقد أنه من أرباب السجون , وشخصية غريبة الأطوار إلى حد كبير , لذلك لن أُدهش إذا كانت ميجان مختلفة بعض الشيء . "
قلت : " إن ميجان في كامل قواها العقلية , وكما قلت من قبل , فإنني أعتبرها فتاة ذكية . وأختي تعتبرها كذلك أيضاً , إن جوانا تحبها كثيراً . "
قالت إيمي : " أخشى أن أختك تجد الحياة مملة هنا بالتأكيد . "
ما أن قالتها , حتى عرفت شيئاً آخر , إن إيمي جريفيث تكره أختي , فلقد بدا ذلك واضحاً في نبرة صوتها .
" لقد تساءلنا جميعاً كيف يمكنكما العيش هنا في هذه البقعة النائية . "
لقد أجبت عن هذا السؤال سابقاً .
صمتُّ لبرهة ثم أضفت قائلاً : " إنها أوامر الأطباء , أن أذهب إلى مكان هادئ جداً لا يحدث فيه شيء مزعج . ولكن هذا لا ينطبق على لايمستوك في الوقت الراهن ."
" كلا , كلا , أنت محق . "
بدت قلقة ثم نهضت وهي تهم بالمغادرة , وقالت عندئذ : " يجب وضع حد لكل هذه الوحشية ! فنحن لا نستطيع استمرار تحمل هذا الوضع . "
" ألا تفعل الشرطة شيئاً ؟ "
" من المفترض أن يفعلوا , ولكنني أعتقد أنه يجب أن نتعامل مع هذه السخافات بأنفسنا . "
" إننا لا نمتلك ما يملكونه من أسلحة . "
" هراء ! ربما كنا أكثر منهم حنكة وذكاء . ولا ينقصنا سوى القليل من العزيمة . "
ثم ودعتني بسرعة وذهبت . وعندما عادت جوانا وميجان قدمت صورتي الصينية لميجان , فتهللت أساريرها وقالت : " إنها رائعة , أليس كذلك ؟ "
" هذا هو رأيي . "
قطبت جبينها بالطريقة التي أعرفها جيداً .
" ولكنه أمر صعب حقاً , أليس كذلك ؟ "
" أن يكون الأمر كسولاً ؟ "
" لا , ليس أن يكون كسولاً ـ بل أن يستمتع به , لابد أنه عجوز جداً ــ "
توقفت عن الكلام , فقلت : " إنه رجل عجوز بالفعل . "
" لا أقصد أن يكون عجوزاً بهذا المعنى . بل أقصد أن يكون عجوزاً بـ ... "
قلت : " تقصدين أن على المرء أن يرقى إلى درجة عالية من التحضر حتى تظهر له الأمور على هذا النحو ـ إنها وجهة نظر معقدة ؟ أعتقد أنه يجب أن تكملي تعليمك يا ميجان عن طريق قراءة مائة قصيدة مترجمة عن الصينية . "
3
قابلت سيمنجون في وقت متأخر من اليوم .
سألته : " هل تمانع في أن تبقى ميجان معنا لبعض الوقت ؟ إن جوانا سعيدة بها ـ فهي تشعر بالوحدة أحياناً لعدم وجود أحد من أصدقاءها . "
" أوه ـ من ـ ميجان ؟ أوه , هذا كرم بالغ منك . "
كرهت سيمنجتون منذ ذلك الحين كراهية لم أتمكن من التغلب عليها . فقد بدا واضحاً أنه نسي كل شيء يمت بصلة لميجان . لم أكن لأبالي بو أنه كره الفتاة ـ فالرجل أحياناً يغار من أطفال الرجل السابق ـ بيد أنه لم يكن يكرهها , بل إنه لم يكن يلاحظ وجودها من الأساس . فمثل سيمنجتون وميجان مثل رجل لا يهتم بالكلاب وكان هناك كلب بمنزله , فلا ينتبه لوجوده إلا عندما يصطدم به فيوبخه , وأحياناً يربت عليه شذراً عندما يأتي ويتمسح به . لقد ضايقتني اللامبالاة التي أبداها سيمنجتون تجاه ابنة زوجته .
قلت : " ما خططك بشأنها ؟ "
بدا وكأنه فوجئ بسؤالي , فقال : " بشأن ميجان ؟ حسناً , سوف تعيش كما كانت في المنزل . أقصد بالطبع , أنه منزلها . "
كانت جدتي التي أحببتها كثيراً , تغني أغاني قديمة على الجيتار الخاص بها . وأذكر أن نهاية إحدى هذه الأغاني كانت كالتالي :
(( أوه يا عزيزتي , أن لست هنا
ليس لي مكان أو بيت ,
لم يعد لي مأوى , في البحر أو على الشط ,
فمكاني الوحيد في قلبك . ))
ظللت أرددها وأنا في طريق المنزل .
4
جاءت إيميلي بارتون بعد أنم انتهينا من تناول الشاي مباشرة . كانت تريد الحديث عن الحديقة , فأخذنا نتحدث ونحن نتجول هناك لمدة نصف ساعة تقريباً . ثم عدنا أدراجنا إلى المنزل .
وعندئذ أخفضت صوتها , وتمتمت قائلة : " أتمنى ألا تكون هذه الطفلة ـ مستاءة من هذا الحدث المروع . "
" أتقصدين موت أمها ؟ "
" نعم , بالطبع , ولكني في الحقيقة قصدت الإساءة المختلفة عنه . "
اعتراني الفضول , فأردت أن أعرف ردة فعل الآنسة بارتون .
" ما رأيك في تلك الإساءات ؟ أكانت حقيقية ؟ "
" كلا , كلا , بالتأكيد لم يكن بها شيء من الحقيقة . فأنا متأكدة تماماً أن السيدة سيمنجتون لم تكن ـ لم أعني أنه لم يكن."احمر وجه الآنسة بارتون ورتبكت ــــ " أقصد أن تلك الإساءات ليست حقيقية على الإطلاق ـ على الرغم من أنها قد تكون بمثابة حكم . "
قلت محدقاً إليها : " حكم ؟ "
ازداد احمرار وجه إيميلي بارتون وارتعشت شفتاها .
" لا أستطيع منع نفسي من الشعور بأن هذه الخطابات المروعة , وكل الحزن والألم الذي سببته , ربما يتم إرسالها لغرض ما . "
قلت مقطباً جبيني : " لقد أرسلت لغرض ما بكل تأكيد . "
" كلا , كلا يا سيد بيرتون , لقد أسأت فهمي . إنني لا أتحدث عن هذا المخلوق الضال الذي كتبها ـ فلابد أنه شخص منبوذ تماماً . وإنما أعني أن الله قد ابتلانا بها ليوقظ ضميرنا وينبهنا إلى أخطائنا ."
قلت : " إن الله لا يجبر الإنسان على فعل الشر , فالإنسان هو الذي يوعز إلينا بالشرور . "
" ما لا أستطيع فهمه أبداً هو ما الذي يدفع أي إنسان إلى فعل شيء كهذا ؟ "
هززت كتفي قائلاً : " عقلية مريضة . "
" يبدو أنه إنسان تعيس جداً . "
" لا يبدو لي أنه تعيس , وإنما هو ملعون , وأنا لست نادماً على هذا الوصف , بل أعنيه تماماً . "
اختفت الحمرة عن وجنتا الآنسة بارتون وأصبحتا شاحبتين .
" ولكن لماذا يا سيد بيرتون , لماذا؟أية سعادة يحصل عليها المرء من شيء كهذا؟ "
" لا أستطيع أنا ولا أنتي فهم ذلك , وهذا من فضل الله علينا . "
أخفضت إيميلي بارتون صوتها قائلة : " يقولون أنها السيدة كليت ـ ولكنني لا أستطيع تصديق هذا . "
هززت رأسي , بينما واصلت حديثها مهتاجة : " لم يحدث شيئ كهذا من قبل , على أن أذكر أنه قد كان مجتمعاً صغيراً يعيش في سعادة . ترى ماذا كانت أمي العزيزة لتقوله عما يحدث الآن ؟ حسناً , إنني أحمد الله لأنها ماتت قبل أن ترى مثل هذه الأشياء . "
من خلال ما عرفته عن السيدة بارتون الراحلة فإنها كانت صلبة بما فيه الكفاية لتحمل أي شيء , بل وربما كانت لتستمتع بهذا الحديث المثير .
واصلت إيميلي حديثها : " إنها تحزنني كثيراً . "
" ألم ـ ألم تتلق رسالة من هذه الرسائل المجهولة ؟ "
احمر وجهها وقالت : " أوه , لا ـ أوه , لا , حقاً . أوه ! هذا الشيء كان ليصيبني بالرعب . "
اعتذرت بسرعة , ولكنها غادرت مستاءة .
دخلت إلى المنزل ,كانت جوانا تقف في حجرة الرسم بجوار النار التي أشعلتها للتو, حيث كان الجو بارداً الليلة .
" جيري ! لقد وجدت هذا في صندوق الخطابات , مرسلاً باليد . حيث تقول بداية الخطاب : " أنت أيتها الساقطة . "
" ماذا بها أيضاً غير ذلك ؟ "
" قطبت جوانا جبينها قائلة : " نفس السخافات السابقة . "
ألقتها في النار , فقفزت قفزة سرعت آلمت ظهري والتقطتها قبل أن تلمسها النار .
قلت : " كلا , قد نحتاج إليها . "
" نحتاج إليها ؟ "
" لتقديمها للشرطة . "
5
في صباح اليوم التالي جاء المفتش ناش لرؤيتي . منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها أعجبت به , فقد كان نموذجاً مثالياً لرجل الشرطة , كان طويل القامة , ذا مظهر عسكري , وعيناه تنمان عن الذكاء والفطنة .
قال : " صباح الخير يا سيد بيرتون , أعتقد أنك تعرف سبب مجيئي إليك . "
" نعم , أعتقد أنها مسألة الرسائل . "
أومأ برأسه قائلاً : " أظن أنك تلقيت واحدة منها . "
" نعم , بعد وصولنا هنا مباشرة . "
" ما فحواها بالضبط ؟ "
فكرت قليلاً ثم ذكرت له كلمات الرسالة بأكبر قدر ممكن من الدقة .
استمع مفتش الشرطة بوجه خال من التعبيرات , وعندما أنهيت كلامي قال : " إذن لم تحتفظوا بالرسالة سيد بيرتون ؟ "
" آسف , لم نفعل.فقد كنت أظنه مجرد نوعاً من النكاية في وافدين جدد في القرية. "
أحنى مفتش الشرطة رأسه متفكراً . ثم قال في اقتضاب : " يا للأسف . "
قلت : " ومع ذلك فقد تلقت أختي واحدة في الأمس . وأنقذتها بصعوبة بعدما ألقتها في النار . "
" شكراً لك يا سيد بيرتون , فقد كان هذا جميلاً منك . "
ذهبت إلى مكتبي وفتحت الدرج الذي وضعتها فيه , فقد فكرت أنه ليس من المناسب أن تراها بارتريدج.أخذتها وأعطيتها لناش.فنظر إليها بسرعة , قم نظر إلي وقال: "
هل لها نفس مظهر الرسالة السابقة ؟ "
" أعتقد ذلك , إن لم تخني الذاكرة . "
" نفس الفارق بين المظروف ونص الرسالة . "
قلت : " نعم , فقد كان المظروف مطبوعاً على آلة كاتبة , أما الرسالة نفسها فقد كانت عبارة عن كلمات مأخوذة من كتاب وملصقة على ورقة بيضاء . "
أومأ ناش ووضعها في محفظته , ثم قال : " إنني أتساءل يا سيد بيرتون إن كنت تمانع في مرافقتي إلى قسم الشرطة ؟ حيث نستطيع هناك التحاور مع أفراد آخرين ونوفر على أنفسنا الكثير من الوقت والتداخل . "
قلت : " بالطبع , هل يمكن أن آتي الآن ؟ "
" إن لم يكن لديك مانع . "
كانت سيارة الشرطة تنتظر أمام الباب , فاستقللنا السيارة متوجهين نحو قسم الشرطة .
قلت : " أتظن أنك ستصل إلى نتيجة بخصوص هذه المشكلة ؟ "
أومأ ناش بثقة واضحة .
" أوه , نعم , سوف نصل إلى الفاعل بسهولة . إنها مسألة وقت وروتين , فهذه القضايا تسير ببطء , ولكن حلها أمر مؤكد . إنها مسألة تضييق الاحتمالات . "
قلت : " أتعني التركيز على أسماء بعينها واستثناء الأخرى ؟ "
" نعم , بالإضافة إلى بعض المهام الروتينية . "
" أتقصد مراقبة صناديق البريد , وفحص الآلات الكاتبة , والبصمات , وما إلى ذلك ؟ "
ابتسم قائلاً : " تماماً , كما تقول . "
في قسم الشرطة وجدنا سيمنجتون وجريفيث هناك وعرفني ناش على رجل ذي ذقن بارز وطويل يرتدي ملابس مدنية , وقال لي إنه المفتش جريفز .
شرح ناش قائلاً : " لقد جاء المفتش جريفز من لندن لمساعدتنا . إنه خبير في الرسائل مجهولة المصادر . "
ابتسم المفتش جريفز ابتسامة كئيبة . فتراءى لي على الفور أن الحياة التي يمضيها صاحبها في اقتفاء أثر كاتبي الرسائل المجهولة لابد وأن تصيبه بالاكتئاب . ومع ذلك فقد أظهر المفتش جريفز حماساً به مسحة من الكآبة .
قال بصوت عميق حزين أشبه بكلب بوليسي محبط : " إن هذه القضايا متشابهة إلى حد كبير . فقد تدهش من مدى تشابه كلمات وصياغة هذه الرسائل . "
قال ناش : " لقد قابلنا قضية مشابهة قبل سنتين وساعدنا المفتش حينئذ . "
رأيت بعض الرسائل على الطاولة أمام جريفز , لابد وأنه كان يتفحصها .
قال ناش : " من الصعب الحصول على رسائل من هذا النوعية , وذلك لأن الناس إما يحرقونها أو أنهم لا يعترفون بتلقيها من الأساس. فالناس هنا ـ كما رأيت بنفسك ـ أغبياء, ويخشون التعامل مع الشرطة , فهم متخلفون إلى حد كبير . "
قال جريفز : " غير أننا تلقينا عدداً من هذه الرسائل يكفي لبدأ التحري وكشف الجاني . " في تلك الأثناء أخرج ناش من جيبه الرسالة التي أعطيته إياها وسلمها لجريفز .
ألقى الأخير نظرة سريعة عليها , ثم وضعها بجانب الرسائل الأخرى وقال في سعادة ورضى : " رائع جداً ـ رائع جداً . "
لم أكن أظن أن هذه الرسائل البذيئة قد تبث السعادة في نفس أحد , غير أنه يبدو أن للخبراء وجهة نظر خاصة في هذا الصدد .
قال المفتش جريفز : " أعتقد أننا حصلنا على عدد كاف من الرسائل للبدء في العمل , وسوف أطلب منكم أيها السادة , إذا تلقيتم المزيد منها , أن تبلغونا على الفور ؛ وكذلك إذا سمعتم أن أحداً تلقى رسالة مجهولة المصدر ـ وبخاصة أنت , أيها الطبيب بين مرضاك , فابذلوا ما بوسعكم لإقناعه بالمجيء إلينا وإبلاغنا عنها . لدينا ـ " قلب الرسائل بأطراف أصابعه , مستطرداً : " واحدة للسيد سيمنجتون تلقاها منذ شهرين , وواحدة للسيد جريفيث , وواحدة للآنسة " جينش " , وأخرى لجينيفر كلارك , النادلة بمطعم " ثري كراونز " , والرسالة التي تلقتها السيدة سيمنجتون , وأخيراً تلك التي تسلمتها الآنسة بيرتون . أوه , نعم , ورسالة بعثها لنا مدير البنك . "
قلت : " إنها مجموعة تمثل جميع الشرائح . "
" ولا تختلف عن القضايا المماثلة ! فهي شديدة الشبه بتلك الرسائل التي كانت تكتبها تلك المرأة المخبولة , كما أنها صورة طبق الأصل من تلك الرسائل التي واجهناها في نوثرمبلاند ـ والتي كتبتها إحدى الطالبات بالمدرسة . بوسعي أن أعلن لكم أيها السادة أنني أود رؤية شيء مختلف . "
قلت متمتماً : " لا جديد تحت الشمس . "
" بالضبط يا سيدي . ولو كنت تعمل في نفس مهنتنا لتبين لك صدق هذه المقولة . "
تنهد ناش قائلاً : " نعم , بالفعل . "
سأل سيمنجتون : " هل توصلتم إلى رأي محدد بشأن كاتب هذه الرسائل ؟ "
" هناك أوجه شبه مشتركة بين كل هذه الرسائل . وسوف أوضحها لكم أيها السادة لعلها توحي لكم بشيء يساعدنا . إن نص الرسائل يتألف من كلمات مصنوعة من أحرف منفصلة قطعت من كتاب مطبوع , إنه كتاب قديم وأظنه طبع عام 1830 . ومن الواضح أن هذا النهج قد اتُبع لتجنب خطر التعرف على الكاتب من خلال خط يده والذي يعتبر أمراً في غاية السهولة . كما يعرف الجميع الآن .... وما يسمى استخدام اليد الخفية في الكتابة أصبح أمراً غير ذي جدوى إن واجهه خبير محنك . وليس هناك بصمات على الرسائل , كما أن المظاريف لها أشكال مختلفة , وقد تعامل معها رجال البريد , والمرسل إليهم , وهناك رسائل أخرى عليها بصمات غير واضحة , ولكن لا يجمعها شيء واحد , مما يشير إلى أن الراسل كان حريصاً على أن يرتدي قفازات , وقد تمت كتابة العناوين على المظاريف بآلة كاتبة مهترئة من طراز وندسور 7 بها حرفا الألف والتاء خارجان على الخط المستقيم . وقد أُرسل معظمها من البريد المحلي أو وضعت باليد في صندوق الرسائل المنزلي . وقد كتبتها امرأة , وأنا أعتقد أنها امرأة في متوسط العمر أو أكبر ,وربما كانت غير متزوجة,على الرغم من أني غير متأكد. "
استمعنا بإنصات لدقيقة أو اثنتين دون أن نقاطعه , ثم قلت : " إنك تراهن على الآلة الكاتبة , أليس كذلك ؟ فلابد أنه من السهل الوصول إليها في قرية صغيرة كهذه . "
هز المفتش جريفز رأسه بحزن وقال : " إنك مخطئ في هذا يا سيدي . "
قال مراقب الشرطة ناش : " الآلة الكاتبة , للأسف , يسهل الوصول إليها . فهي آلة قديمة من مكتب السيد سيمنجتون , وقد تبرع بها لصالح جمعية المرأة , وأعتقد أنه من السهل الوصول إليها , حيث يذهب الكثير من السيدات هنا إلى الجمعية . "
" ألا تستطيع تحديد شيء معين من اللمسة الفنية , كما تطلقون عليها ؟ "
أومأ جريفز مرة أخرى .
" نعم , هذا ممكن بالطبع ـ غير أن المظاريف قد طُبعت كلها بواسطة شخص يستخدم إصبعاً واحداً . "
هو إذن شخص غير بارع في استخدام الآلة الكاتبة ؟ "
" كلا , أنا لا أعني ذلك . بل أعني أنه شخص يجيد استخدام الآلة الكاتبة ولكنه لا يريدنا أن نتعرف على حقيقته . "
" أياً كان كاتب هذه الأشياء فلابد أنه ماكر . "
قال جريفز : " إنها يا سيدي تستخدم كل الحيل الممكنة . "
قلت : " لم أكن أظن أن هؤلاء النسوة القرويات لديهن هذه العقول . "
سعل جريفز , قائلاً : " أخشى أنني لم أكن واضحاً , ولكن هذه الرسائل كتبت على يد امرأة مثقفة . "
" ماذا ؟ أتعني أنها " ليدي " ؟ "
خرجت مني الكلمة عفوياً . فلم أستخدم هذه الكلمة منذ سنوات . ولكنها الآن جاءت على شفتي تلقائياً , بعد مضي أيام طوال منذ أن عرفتها , منذ أن كانت جدتي تقول بصوت تفوح منه رائحة العجرفة التلقائية : " بالطبع إنها ليست ليدي يا عزيزي . "
فهم ناش ما أقصده على الفور , فقد كانت كلمة ليدي لا تزال تعني شيئاً له .
قال : " ليس بالضرورة أن تكون ليدي , ولكنها بالتأكيد ليست امرأة قروية . فمعظمهن أميات هنا لا يستطعن هجاء الكلمات , وقطعاً لا يستطعن التعبير بطلاقة . "
لذت بالصمت بعدما صدمت بهذه التعقيدات . إذ إن المجتمع هنا صغير للغاية . وقد تخيلت في اللاوعي أن كاتبة الرسائل هي السيدة كليت وأضرابها من النساء , فهي امرأة ماكرة .
صاغ سيمنجتون أفكاري بكلمات , حيث قال بحدة : " ولكن هذا يضيق نطاق البحث إلى ست أو اثنتي عشر امرأة على الأكثر ! "
" هذا صحيح . "
" لا أصدق ! "
عندئذ قال سيمنجتون بصوت تكسوه المرارة , وكأنه يخرج الكلمات بصعوبة : " لقد سمعت ما ذكرته في الاستجواب . وإذا ما كنت تعتقد أن تلك الشهادة كانت بناء على رغبة مني لحماية ذكرى زوجتي , فإنني أود أن أكرر الآن أنني مقتنع تمام الاقتناع بأن كل ما ورد في الرسالة التي تسلمتها زوجتي كان محض افتراءات . لقد كانت زوجتي حساسة ورقيقة للغاية , وربما يمكنكم اعتبارها عصبية . ومثل هذه الرسالة من شأنها أن تسبب لها صدمة نفسية عنيفة , بالإضافة إلى أنها كانت معتلة الصحة . "
رد جريفز على الفور : " هذا صحيح إلى حد كبير يا سيدي , فهذه الرسائل لا تشير إلى أن كاتبها واثق من معلوماته . إنها مجرد اتهامات عمياء . ولم يكن هناك ابتزاز . ولا يبدو أن بها أي تحيز ديني ــ كما يحدث في بعض الأحيان . إنها فقط مليئة بالجنس والبغضاء ! وهذا يعطينا مؤشراً جيداً للتعرف على الكاتب . "
نهض سيمنجتون , وقال بشفتين مرتعشتين : " أتمنى أن تجد الشيطانة التي كتبت هذه الرسائل اللعينة سريعاً . لقد قتلت زوجتي كما لو أنها غرست سكيناً في قلبها . " صمت قليلاً ثم أضاف : " إنني أتساءل , ما شعورها الآن ؟ " . خرج تاركاً السؤال بدون إجابة.
سألت : " ما شعورها الآن يا جريفيث ؟ " وبدا لي أن الإجابة في نطاق اختصاصه .
" الله أعلم . ومن جانب آخر , فقد تكون مستمتعة بقوتها . فلابد أن موت السيدة سيمنجتون قد أشبع جنونها . "
قلت برعشة خفيفة : " لا أتمنى ذلك . لأنها إن كانت كذلك , فسوف ــ "
ترددت فيما أنهى ناش عبارتي قائلاً : " فسوف تحاول مرة أخرى ؟ إن هذا ما نتمنى حدوثه يا سيد بيرتون . وتذكر أن الضمآن يذهب إلى البئر كثيراً . "
صحت قائلاً : " سوف تكون مجنونة إن واصلت عملها هذا . "
قال جريفز : " سوف تواصل . فهذا النوع دائماً ما يفعل . إنه شيء يجري في دمائهم ولا يستطيعون التخلص منه . "
هززت رأسي وأنما أرتعد . ثم سألتهم إن كانوا يحتاجون إلي في شيء آخر , فقد كنت أريد الخروج في الهواء , حيث بدا الجو هنا مفعماً بالشر .
قال ناش : " لا يوجد لدينا المزيد يا سيد بيرتون كل ما عليك هو أن تبقي عينيك مفتوحتين , وتبذل ما بوسعك للدعاية ـ كأن تحث الجميع على إبلاغنا بأي رسالة يتلقونها من هذا النوع . "
أومأت برأسي قائلاً : " أعتقد أنه ما من أحد هنا إلا وتلقى رسالة من هذا النوع . "
قال جريفز : " هل تعرف أحداً , على وجه التحديد , لم يتلق رسالة ؟ "
" يا له من سؤال غريب ! فليس من المتوقع أن يبوح كل السكان بأسرارهم . "
" كلا , كلا يا سيد بيرتون , إنني لم أقصد ذلك , فقط أردت أن أتساءل إن كنت تعرف أي شخص وتثق تماماً أنه لم يتلق رسالة مجهولة ؟ "
ترددت ثم قلت : " حسناً , أعرف إلى حد ما . "
ثم ذكرت له الحوار الذي دار بيني وبين إيميلي بارتون وما قالته لي .
تلقى جريفز المعلومة بوجه جامد خال من التعبير , ثم قال : " حسناً , قد يأتي هذا بفائدة. سوف أسجله . "
خرجت في شمس ما بعد الظهيرة مع أوين جريفيث . وما أن وطأت الشارع حتى صحت بأعلى صوتي : " ما هذا المكان الذي جئت إليه من أجل الاسترخاء والاستمتاع بدفء الشمس والاستشفاء ؟ إنه مكان مليء بالسموم الفتاكة , على الرغم من أنه يبدو ظاهرياً مكاناً آمناً وجميلاً كجنة على الأرض . "
قال جريفيث بطريقة جافة : " حتى أفضل الأماكن بها شياطين . "
" أخلصت إلى شيء يا جريفيث ؟ هل خرجت منهم بأي فكرة عن الموضوع . "
" لا أدري , فالشرطة لديها أساليبها الخاصة . حيث يبدون صرحاء معك , ولكنهم لا يخبرونك بشيء . "
" نعم , إن ناش شرطي لطيف . "
" كما أنه قدير كذلك . "
قلت بنبرة اتهام : " إن كان هناك معتوه في البلدة , فيجب أن تعرفه . "
هز جريفيث رأسه , وبدا محبطاً , ولكنه كان أكثر من ذلك ـ لقد كان قلقاً . فتساءلت إن كان لديه فكرة من نوع ما .
أخذنا نسير عبر الشارع الرئيسي , ثم توقفت عند باب وكلاء العقارات .
" أعتقد أن الدفعة الثانية من الإيجار قد حان وقتها . لقد فكرت في دفعها , ثم الرحيل مباشرة أنا وجوانا . "
قال أوين : " لا تفعل . "
" لم لا ؟ "
لم يجب لكنه قال ببطء بعد دقيقة أو دقيقتين : " على كل ـــ أعتقد أنك محق . فلم تعد لايمستوك مكاناً صحياً . بل ربما كانت ضارة عليك أنت وأختك . "
قلت : " لا شيء يضر جوانا , فهي صلبة , ولكنني أنا الضعيف . فهذه الأحداث تؤثر على حالتي بشدة . "
قال أوين : " تؤثر على حالتك ؟ "
دفعت باب الوكلاء ففتحته نصف فتحة .
قلت : " ولكنني لن أذهب . فالفضول أقوى عندي من الألم . إنني أريد معرفة الحل . "
دلفت إلى الداخل .
نهضت امرأة كانت تكتب على الآلة الكاتبة , وتقدمت نحوي . كان شعرها متجعداً وابتسامتها متكلفة , ولكنني وجدتها أكثر ذكاء من تلك الفتاة ذات النظارات والتي كانت تتمايل في المكتب الخارجي .
بعد دقيقة خطر ببالي شيء مألوف فقلت : " إنها الآنسة جينش , التي أصبحت فيما بعد كاتبة لدى سيمنجتون . " ثم علقت على هذه الحقيقة قائلاً : " لقد كنت تعملين بمكتب " جالبرث سيمنجتون . " أليس كذلك . "
" بلى , بلى , حقاً . ولكنني كنت أعتقد أنه من الأفضل أن أترك ذلك المكان . فهذه وظيفة جيدة ,وإن كان مرتبها ليس كبيراً.ولكن هناك أشياء أهم من المال , أليس كذلك؟ "
قلت : " بلا شك . "
تنهدت الآنسة : " تلك الرسائل الرهيبة , لقد تلقيت واحدة منها , تتحدث عني وأنا وسيمنجتون ـ أوه , لقد كانت فظيعة , وكل ما بها كان مرعباً . لقد عرفت واجبي وأخذتها إلى الشرطة , على الرغم من أنها لم تكن لطيفة أبداً , أليس كذلك ؟ "
" بلى , بلى , إنها رسائل وقحة . "
" ولكنهم شكروني وقالوا إنني فعلت الصواب . ولكنني شعرت بعد ذلك بأنه من المؤكد أن الناس في البلدة كانوا يتحدثون عني ــ ولابد أنهم كانوا يفعلون , وإلا من أين حصل كاتب الرسالة على الفكرة ؟ يجب علي تجنب الشائعات , على الرغم من أنه لم هناك أي شيء بيني وبين السيد سيمنجتون . "
شعرت بالحرج الشديد .
" بلى , بلى , بالطبع لم يكن بينك وبينه شيئ . "
" ولكن عقول الناس مليئة بالشر , نعم إنها عقول شريرة . "
على الرغم من المحاولات المضنية , إلا أن عيني التقت بعينيها واكتشفت شيئاً فظيعاً .
فقد كانت الآنسة جينش مستمتعة بما حدث .
ها قد وجدت اليوم شخصاً يتفاعل بسعادة مع الرسائل المجهولة . لقد كان مفتش الشرطة جريفز حماساً مهيناً . أما استمتاع الآنسة جينش فقد تراءى لي موحياً بشيء وكريهاً في الوقت ذاته .
ولمعت فكرة في ذهني المشوش .
هل الآنسة جينش هي من يكتب الرسائل ؟

يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 15-11-09, 11:58 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
A0aa585061 الفصل السابع

 

والله آآآآآآآآسف على التأخير . وانشاء الله ما راح أتأخر عليكم مرة ثانية ...

الفصل السابع
1
عدت إلى البيت فوجدت السيدة دين كالثروب جالسة تتحدث مع جوانا . بدت لي كئيبة ومريضة . قالت : " لقد كانت هذه صدمة مروعة لي يا سيد بيرتون , مسكينة , مسكينة . "
قلت : " نعم , إنه لشيء مروع أن تفكري في يقوده أحدهم إلى الإنتحار . "
" أوه , أتقصد السيدة سيمنجتون ؟ "
" ألا ترين أنت ذلك ؟ "
هزت السيد كالثروب رأسها قائلة : " بالطبع إن المرء ليأسف عليها , ولكن ذلك كان سيحدث على أية حال , أليس كذلك ؟ "
قالت جوانا بجفاء : " سيحدث ؟ "
التفتت دين كالثروب إلى جوانا .
" أوه , أعتقد ذلك يا عزيزتي . إذا كان اانتحار وسيلة لهروبك من المشاكل فلا يهم كثيراً نوعية المشكلة التي أدت إلى ذلك . فلو أنها واجهت صدمة كبيرة , لارتكبت نفس الفعلة . إذن فالمهم أنها كانت من هذه النوعية من النساء اللاتي يبغضهن الجميع , فقد كانت أنانية وغبية ومتشبثة بالحياة . يخيل لمن يراها أنها ليست من النوع الذي يحزن الإنسان من أجله ـ ولكنني بدأت أدرك كم كنت لا أعرف الكثير عن الآخرين . "
قلت معلقاً : " ولكنني ما زلت أشعر بالفضول لمعرغة من تقصدين بقولك (( مسكينة )) . "
أخذت تحدق إلي ثم قالت : " إنها المرأة التي تكتب الرسائل بالطبع . "
قلت بجفاء : " لا أعتقد أن مثل هذه المرأة تستحق أي تعاطف . "
مالت السيدة دين كالثروب للأمام . ووضعت يدها على كبتها قائلة : " لكن ألا تفهم ـ ألا تشعر ؟ استخدم خيالك . فكر في مدى الإحباط والتعاسة التي يعاني منها قطعاً كل من يكتب هذه الأشياء . كم هي وحيدة ومنعزلة عن الآخرين ! تتجرع السموم واحداً تلو الآخر ولا تجد متنفساً لها إلا بهذه الطريقة . لذا فإنني أشعر بتأنيب الضمير , لأن في هذه البلدة من يعيش في كل هذه التعاسة , ولا أعرف عنه شيئاً كان لابد أن أعرفه . يمكنك تغيير مجرى الأحداث , لا أفعل ذلك أبداً . ولكن الشعور بالتعاسة أشبه بذراع متعفنة , انتفخت وأسود لونها . ولو أحدثت فيها ثقباً وتركت السم يتدفق لتخلص من كل سمومها دون أن يصيبها بأذى . نعم , إنها مسكينة , مسكينة . "
نهضت وهمت بالمغادرة .
لم أكن متفقاً معها في الرأي . فلم أستطع أن أكن أي نوع من التعاطف مع كاتب رسائلنا المجهولة أياً كان ما به , ولكنني سألت بفضول : " سيدة كالثرب , ألديك أية فكرة عن هوية كاتبة الرسائل ؟ "
نظرت إلي بعينيها الصغيرتين المرتبكتين قائلة : " حسناً , أستطيع أن أخمن . لكنني قد أكون مخطئة , أليس كذلك ؟ "
وفيما كانت عند الباب مستعدة للخروج , استدارت لتسأل : " أخبرني , لماذا لم تتزوج إلى الآن يا سيد بيرتون ؟ "
لو أن شخصاً آخر هو من طرح هذا السؤال لقلت أنه وقح . ولكنك تشعر بأن الفكرة قد طرأت فجأة على ذهنها وأنا أرادت حقاً أن تعرف .
قلت مستجمعاً قواي : " هل يمكن القول أنني لم أقابل المرأة المناسبة ؟ "
قالت السيدة كالثروب : " يمكننا قول ذلك , ولكنها ليست بالإجابة السديدة , لأنه من الواضح أن الكثير من الرجال تزوجوا من نساء غير مناسبات ؟ "
في هذه المرة غادرت بالفعل .
قالت جوانا : " إنني أظن أنها مجنونة حقاً , ولكنني أحبها , إن الناس في القرية هنا يخشونها . "
" وهكذا أنا , إلى حد ما . "
" ألأنك لا تستطيع توقع تصرفاتها ؟ "
" نعم , بالإضافة إلى تخميناتها الغريبة . "
قالت جوانا ببطء : " هل تعتقد أن كاتب هذه الرسائل تعيس حقاً ؟ "
" لا أعرف ما الذي تفكر فيه أو تشعر به هذه الشيطانة اللعينة . فهذا لا يعنيني شيئاً . ولكن ضحاياها هم الذين آسف عليهم . "
بدا لي غريباً الآن أن تحليلنا لعقلية صاحب القلم المسموم أهمل أوضح الجوانب . فقد تصورت جريفيث أنه ربما تكون مبتهجة , بيسنما تخيلتها أنا نادمة ـ مذعورة مما جنت يداها . أما السيدة كالثروب فترى أنها تشعر بمعاناة شديدة .
غير أن رد الفعل الحتمي والواضح الذي نفكر فيه ـ أو بالأحرى لم أفكر أنا فيه ـ هو الخوف .
فبعد موت السيدة سيمنجتون , انتقلت الرسائل من فئة إلى أخرى . لا أعرف الموقف القانوني بالضبط ـ وإن كنت أعتقد أن سيمنجتون يعرف , ولكن من الواضح أنه مع موت شخص بفعل أحد هذه الرسائل , فقد أصبح موقف كاتبة الرسائل أكثر خطورة . فما لا شك فيه أنه إذا ما تم اكتشاف هوية كاتبة الرسائل المجهولة فلن يؤخذ الأمر على أنه مجرد هزل . وقد نشطت الشرطة وتم استدعاء خبير من سكوتلانديارد . وعلى هذا أصبح من الضروري على كاتبة الرسائل المجهولة أن تظل مجهولة .
ومع التسليم بأن الخوف هو الرد الأساسي , فإن ثمة أشياء قد تترتب عليه . ومع أنني أجهل ماهية هذه الأشياء , إلا أنني واثق من أنها ستحدث .
2
نزلت أنا وجوانا لتناول الإفطار في وقت متأخر من صباح اليوم التالي , وذلك التأخير لا يتناسب مع عادات سكان لايمستوك . فقد كانت الساعة التاسعة صباحاً , وحينما كنا في لندن كانت جوانا في تلك الساعة تفتح عينيها بالكاد , بينما أكون أنا لا أزال غارقاً في النوم . ومع ذلك فحينما قالت بارتريدج : " موعد الإفطار في الساعة الثامنة والنصف , أم التاسعة ؟ " لم أقو أنا ولا جوانا على اقتراح تأخيره ساعة أخرى .
وقد شعرت بالضيق حينما رأيت إيمي تتحدث مع مجان عند عتبة الباب .
وكعادتها أطلقت للسانها العنان عند رؤيتنا .
" مرحباً أيها الكسالى ! لقد استيقظت منذ ساعات . "
لقد كان هذا بالطبع شأنها وحدها . فعلى الطبيب أن يتناول إفطاره مبكراً , وعلى الأخت الوفية أن تصب له الشاي , أو القهوة . ولكن لا عذر لها في المجيء وإزعاج الجيران النائمين , فالتاسعة والنصف ليست بالموعد المناسب للزيارات الصباحية .
عادت ميجان إلى غرفة الطعام لإكمال إفطارها الذي ـ حسبما أعتقد ـ قطعته عليها إيمي .
قالت إيمي جريفيث : " من المناسب ألا أدخل . " ـ على الرغم من أنني لا أدري ما الذي يجعل إجبار الناس على المجيء والتحدث معهم على عتبة الباب أكثر ميزة من التحدث معهم داخل البيت . واصلت حديثها : " لقد أردت فقط أن أطلب من الآنسة بيرتون إذا كان لديها أية خضروات فائضة أن ترسلها إلى جمعية (( رد ستول )) على الطريق الرئيسي . إن كان الأمر كذلك , فسأبلغ أوين ليأخذها بسيارته . "
قلت : " لقد استيقظتِ مبكراً , وتتجولين مبكراً . "
قالت أيمي : " البركة في البكور كما يقولون . كما أن فرصتي أكبر في إيجاد الاس في هذا اليوم . سوف أذهب إلى السيد باي , ثم إلى برينتون عصر اليوم . "
قلت : " إن نشاطك يشعرني بأنني متعب جداً . " وفي تلك اللحظة دق جرس الهاتف فعدت للردهة للرد عليه , تاركاً جوانا تتمتم بشك على البازلاء والفاصوليا الفرنسية مظهرة جهلها بخضروات الحديقة .
قلت في الهاتف : " مرحباً . "
جاءني صوت مرتبك .
على الطرف الآخر من الخط كان هناك من يلتقط أنفاسه بارتباك ثم سمعت صوتاً أنثوياً يبدو عليه التشكك : " أوه ! "
قلت مرة أخرى مشجعاً : " مرحباً . "
قال الصوت مرة أخرى : " أوه ! " ثم تساءلت بارتباك : " هل هذا ـ أقصد ـ هل هذا منزل ليتل فيرز ؟ "
" نعم , هو ليتل فيرز . "
" أوه . " بدا لي أن هذه الكلمة لابد أن تأتي في افتتاحية كل جملة . تساءل الصوت بحذر : " أيمكنني محادثة الآنسة بارتريدج لدقيقة واحدة فقط ؟ "
قلت : " بكل تأكيد , أقول لها من ؟ "
" أوه , قل لها آجنس وودل . "
" آجنس وودل ؟ "
" نعم . "
مقاوماً إغراء أن أقول : " دونالد دك يتحدث معك . " وضعت سماعة الهاتف وصحت منادياً على بارتريدج في الطابق الثاني حيث كنت أسمع تحركاتها في الطابق الثاني .
" بارتريدج ! بارتريدج ! "
ظهرت بارتريدج أعلى السلم وبيدها ممسحة طويلة وفي عينيها نظرة تقول : " ما الأمر الآن ؟ " ؛ تلك النظرة التي تطل من خلف أسلوبها المهذب .
"نعم , سيدي . "
" آجنس وودل تريد الحديث معك على الهاتف . "
" معذرة يا سيدي . "
رفعت صوتي قائلاً : " آجنس وودل . "
" آجنس وودل ـ ماذا تريد الآن ؟ "
متخلية عن هدوئها , ألقت بارتريدج الممسحة وهرولت على السلم , حتى أن رداءها كان يُسمع له صوت لشدة اهتياجها .
ولكي لا أتطفل عليها عدت إلى غرفة الطعام , حيث وجدت ميجان تتناول إفطارها بنهم . وعلى العكس من إيمي جريفيث فلم تكن ميجان تبدي " وجهاً صبوحاً مشرقاً" , حتى أنها ردت علي تحية الصباح بتجهم , ثم تناولت طعامها في صمت .
فتحت جريدة الصباح وبعد دقيقتين أو ثلاثة دخلت جوانا وهي تبدو مشتتةً بعض الشيء .
قالت : " ووه ! لقد تعبت . أعتقد أنني كشفت عن جهلي التام بزراعة الخضراوات . ألا توجد فاصوليا في هذا الوقت من العام ؟ "
قالت ميجان : " في أغسطس . "
قالت جوانا : " حسناً , إن المرء يتطسع في لندن أكلها في أي وقت . "
قلت : " إنها معلبة , يا جميلتي الحمقاء , وجاءت لنا مجمدة على سفن من أقصى البلاد . "
سألت جوانا : " مثل العاج والأبنوس والطواويس ؟ "
ثم قالت متفكرة : " لكم أحب أن يكون لدي طواويس . "
قالت ميجان : " أما أن فأحب أن يكون لدي قرد . "
قالت جوانا وهي تقشر برتقالة : " إنني أتساءل كيف يكون شعوري لو كنت مثل إيمي جريفيث المفعمة بالصحة والحيوية والاستمتاع بالحياة . أتعتقدون أنها شعرت من قبل بالتعب , أو الاكتئاب ـ أو الحزن ؟ "
قلت إنني متأكدة من أن إيمي جريفيث لم تحزن يوماً , ولحقت بميجان عند الشرفة .
بينما أنا واقف أدخن غليوني سمعت بارتريدج تدخل حجرة الطعام قادمة من الردهة وسمعتها تقول بتجهم : " أمكن أن أتحدث معك لدقيقة يا سيدتي ؟ "
تمنيت ألا تبدي بارتريدج ملحوظة بأن إيميلي بارتون ستتضايق منا إذا فعلنا كذا وكذا .
واصلت بارتريدج حديثها : " يجب أن أعتذر يا سيدتي عن اتصال أحدهم بي هنا . أقصد أن الفتاة الصغيرة كان ينبغي أن تنتهج سلوكاً أفضل , فأنا لم أعتد على استخدام الهاتف ولم أسمح لإحدى صديقاتي بالاتصال بي هنا . وأنا آسفة جداً أن تصادف وتلقى سيدتي المكالمة . " قالت جوانا مهدئة إياها : " لماذا ؟ لا بأس بذلك إطلاقاً , لماذا ينبغي على صديقاتك ألا يتصلون بك إذا أرادوا محادثتك ؟ "
شعرت بأن وجه بارتريدج ـ وإن كنت لا أراه ـ قد أصبح أكثر صرامة وهي تقول : " إن مثل تلك الفعلة لم تحدث إطلاقاً في هذا البيت . ولم تكن الآنسة إيميلي بارتون لتسمح بذلك أبداً . وكما قلت فإنني آسفة على حدوثه , ولكن آجنس وودل التي فعلت هذه الفعلة كانت قلقة وهي صغيرة جداً أيضاً ولا تعرف السلوكيات اللائقة في بيوت السادة . "
قلت بيني وبين نفسي سعيداً : " هذه ضربة يا جوانا . "
واصلت بارتريدج : " إن المتصلة تدعى آجنس , يا سيدتي , وقد اعتادت على العمل هنا تحت إشرافي . كانت تبلغ 16 عاماً عندئذٍ , وقد جاءت إلى هنا من الملجأ مباشرة . ولأنه لم يكن لديها بيت , أو أم , أو أي من الأقارب يقدم لها النصيحة , فقد اعتادت اللجوء إلي لأقدم إليها النصائح . "
قالت جوانا : " ثم ماذا ؟ " قد كان واضح أن هناك المزيد من الكلام .
" لذا فإنني أتشجع لأسألك ما إذا كان من الممكن أن تسمحي لآجنس بأن تأتي إلى هنا وتتناول الشاي معي بعد الظهر في المطبخ . فاليوم هو عطلتنا , وكما ترين فهناك شيء يقلقها تريد استشارتي فيه , ولم أكن لأجرؤ على طلب شيء كهذا في الأحوال العادية ."
قالت جوانا مرتبكة : " ولكن لماذا ينبغي ألا يأتي أي أحد لتناول الشاي معك ؟ "
انتصبت بارتريدج عندئذٍ , هذا ما قالته جوانا فيما بعد , وبدت متحفزة وهي ترد قائلة : " لم نعتد على ذلك في هذا البيت يا سيدتي , فلم تسمح السيدة بارتون أبداً بقدوم زوار إلى المطبخ , فيما عدا يوم إجازتنا , وفي ذلك الوقت كانيُسمح لنا بقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء بدلاً من الخروج , ولكن بخلاف ذلك , في الأيام العادية , لم يكن يُسمح باستقبال أي زوار . وتحافظ الآنسة إيميلي على هذه القواعد القديمة . "
إن جوانا متلطفة جداً مع الخدم ومعظمهم يحبونها ولكنها لم تستطع إذابة الجليد بينها وبين بارتريدج .
قلتُ عندما ذهبت بارتريدج وانصممت لجوانا بالخارج : " لا فائدة يا عزيزتي , فإن عاطفتك ولينك لم يقابلا بالتقدير . فالقواعد القديمة المتكلفة تتناسب مع بارتريدج ولابد من اتباع السلوكيات اللائقة في بيوت السادة . "
" لم أسمع عن مثل هذه الغطرسة من قبل , كيف لا يسمحون لهم برؤية أصدقائهم ؟ حسناً يا جيري , ولكنهم لا يمكن أن يحبوا معاملتهم كالعبيد . "
قلت : " من الواضح أنهم يجبون هذه المعاملة , على الأقل بارتريدج . "
" لا يمكنني تخيل سبب بغضها لي , بينما معظم الناس يحبونني . "
" ربما تبغضك لأنك ربة منزل غير قديرة , فأنت لا تمررين يديك على الأرفف لتعرفي إن كان بها بقايا أتربة عالقة كما أنك لا تنظرين تحت السجاد , ولا تسألين عما حدث لبقايا كعكة الشيكولاتة , ولا تطلبين أبداً كريم الخبز اللذيذ . "
قالت جوانا : " أوه ! "
ثم استطردت بحزن : " لقد فشلت في كل شيء اليوم , فقد احتقرتني إيميلي جريفيث لجهلي بمملكة الخضروات , وازدرتني بارتريدج لمعاملتي لها بإنسانية . يجب أن أذهب الآن إلى الحديقة وآكل الدود . "
قلت : " إن ميجان هناك بالفعل . "
كانت ميجان تتجول هناك منذ بضع دقائق , وهي الآن تقف بلا هدف وسط العشب مثل طائر متأمل ينتظر طعامه .
غير أنها جاءت إلينا وقالت بعصبية : " أعتقد أنني يجب أن أعود إلى المنزل اليوم . "
قلت مستاءً : " ماذا ؟ "
واصلت كلامها بوجه تكسوه الحمرة , ولكنها كانت تتحدث بعزم وتصميم : " لقد كنتم في غاية الكرم معي وأعتقد أنني كنت مصدر إزعاج لكما , لكنني استمتعت برفقتكما كثيراً , وعلي أن أغادر الآن , لأنه منزلي على أية حال ولا يستطيع المرء أن يبتعد عن منزله للأبد , لذا أعتقد أنني سأغادر هذا الصباح . "
حاولت أنا وجوانا إثناءها عن رأيها , ولكنها كانت مصرة , وأخيراً أخرجت جوانا السيارة وصعدت ميجان للطابق العلوي,وهطت بعد بضع دقائق وهي تحمل متعلقاتها .
كانت بارتريدج الشخص الوحيد الذي بدا سعيداً , فقد كانت ترسم ابتسامة على وجهها المتجهم , حيث إنها لم تحب ميجان أبداً .
كنت أقف في وسط العشب عندما عادت جوانا .
سألتني إذا كنت أعتقد أنني ساعة شمسية .
" لماذا ؟ "
" لأنك تقف مثل تمثال الحديقة , غير أننا لا نستطيع أن نضع عليك المؤشر الذي يحدد الساعات الشمسية . لقد كنت متعكر المزاج . "
" إنني في حالة مزاجية سيئة . فقد استيقظنا على صوت إيمي جريفيث . " تمتمت جوانا : " يا إلهي ! أكان علي أن أتحدث عن تلك الخضروات ! " . وأضفت : " ثم غادرتنا ميجان , وقد كنت أنوي التريض بصحبتها حتى ليج بوتر . "
قالت جوانا : أعتقد أنك كنت ستأخذ معك طوقاً وحبلاً . "
" لماذا ؟ "
كررت جوانا جملتها بصووت مرتفع بينما استدارت نحو ركن المنزل متجهة إلى حديقة المطبخ : " لقد قلت : ( أعتقد أنك ستأخذ معك حبلاً وطوقاً ؟ ) لقد فقد السيد كلبه , وهذا ما يضايقك . "
3
يجب أن أعترف بأنني تضايقت من الطريقة التي غادرتنا بها ميجان . ربما ملت منا فجأة . فعلى كل حال , لم تكن حياتنا مسلية لفتاة في مثل سنها . أما في منزلها فهناك طفلان وإلسي هولاند .
سمعت وقع خطوات جوانا فتحركت بسرعة حتى لا تمطرني بمزيد من تعليقاتها الوقحة عن الساعة الشمسية .
جاء أوين جريفيث بسيارته قبل الغداء بوقت قصير , وقد كان البستاني في انتظاره بخضروات الحديقة .
وبينما كان آدمز العجوز يضع الخضرات في السيارة , دعوت أوين للدخول معي إلى البيت لتناول بعض العصير . ولم يكن مقرراً أن يبقى معنا إلى الغداء .
وعندما دخلت بالشراب وجدت جوانا قد نصبت شباكها .
لم يكن هناك أي مؤشرات للعداء حتى الآن . فقد كانت متكومة في ركن الأريكة وهي تطرح على أوين أسئلة عن عمله ؛ ما إذا كان يحب عمله كممارس عام , وما إذا كان يحب التخصص في ناحية معينة . وقد كانت ترى مهنة الطب واحدة من أروع الأشياء في العالم .
يمكنك أن تقول عنها ما تشاء , ولكن جوانا مستمعة رائعة . وبعد استماعها للكثير ممن يدّعون العبقرية والذين يخبرونها بمدى التجاهل الذي يلقونه وعدم تقدير عبقريتهم , فإن استماعها لأوين جريفيث أمر في غاية اليسر . ولم يمض الكثير من الوقت حتى كان أوين يخبرها ببعض التفاعلات والأمراض الغامضة مستخدماً تلك المصطلحات الطبية التي لا يمكن لأحد أن يفهمها إلا إذا كان طبيباً .
كانت جوانا تتظاهر بالذكاء والاهتمام البالغ .
شعرت للحظة بتأنيب الضمير . فلم يكن يجدر بجوانا أن تتلاعب بأوين جريفيث ذلك الرجل الطيب .
إن النساء ماكرات حقاً ...
ثم أخذت أدقق النظر إلى الجزءالجانبي من وجه أوين جريفيث , ورأيت لحيته الطويلة وشفتيه المتجهمتين , فشككت في قدرة جوانا على نَيْل مرادها . وعلى أية حال ينبغي على الرجل ألا يجعل نفسه دمية في يد امرأة تتلاعب به كيفما تشاء . وإن فعل فليحتمل العواقب .
وعندئذٍ قالت جوانا : " غير رأيك يا سيد جريفيث وابق معنا إلى الغداء . " , فاحمر وجه جريفيث , وقال إنه كان يتمنى ذلك إلا أن أخته تنتظر عودتها .
قالت جوانا بسرعة : " سوف نتصل بها ونشرح لها الأمر . " , ثم خرجت إلى الردهة ونفذت ما قالت .
أعتقد أن جريفيث كان مضطرباً بعض الشيء , وخطر ببالي أن كان يخشى أخته .
عادت جوانا مبتسمة وقالت أن الأمور على ما يرام .
ومكث معنا أوين جريفيث حتى موعد الغداء , وبدا لي أنه مستمتع . تحدثنا عن الكتب وعن السياسة وألاعيبها , كما تحدثنا عن الموسيقى والرسم وفن العمارة الحديثة .
لم نتحدث مطلقاً عن لايمستوك أو الرسائل المجهولة , أو انتحار السيدة سيمنجتون .
وأحسب أن أوين جريفيث كان سعيداً بحديثنا ؛ فقد أشرق وجهه الأسود الحزين , وكشف عن عقلية المشوقة .
عندما غادر قلت لجوانا : " إنه رجل طيب ولا يستحق منك التلاعب . "
قالت جوانا : " هذا ما تقوله أنت ! فأنتم معشر الرجال تشدون أزر بعضكم البعض ! "
" لماذا تحاولين الإيقاع به يا جوانا ؟ أهو كبرياؤك المجروح ؟ "
قالت أختي : " ربما . "
4
كان من المقرر اليوم أن نذهب عصر اليوم لتناول الشاي مع إيميلي بارتون في غرفتها التي تقيم بها في القرية . ذهبنا سيراً على الأقدام , وذلك لأنني شعرت بالقوة الكافية لصعود التل في طريق عودتنا .
ولابد أننا أخطأنا في تقدير الوقت اللازم لقطع الطريق فوصلنا مبكراً , وقد فتحت لنا الباب امرأة طويلة قاسية الملامح وأخبرتنا أن الآنسة إيميلي بارتون لم تعد بعد .
" ولكني أعرف أنها تنتظركما , لذا تفضلا بالدخول وانتظراها من فضلكما . "
كان من الواضح أن هذه المرأة هي المخلصة فلورنسا .
تبعناها صاعدين الدرج حتى فتحت لنا باباً وأدخلتنا في غرفة جلوس مريحة جداً , وإن بدت مكتظة بالأثاث إلى حد ما . وشككت أن بعض هذا الأثاث أتى من ليتل فيرز .
كان من الواضح أن المرأة فخورة بحجرتها . فقالت : " إنها غرفة جميلة , أليس كذلك ؟ "
قالت جوانا بحماس : " جميلة جداً . "
" أعمل على راحتها قدر الإمكان , وإن كنت لا أست\يع خدمتها كما ينبغي . فقد كان ينبغي أن تكون في منزلها , فهذا ما يليق بها , لا أن تعيش في حجرتين . "
كانت فلورنسا تنظر إلي أنا وجوانا نظرة تنم عن التوبيخ . فشعرت أن هذا ليس يوم حظنا , فقد تعرضت جوانا للتقريع على يد كل من إيمي جريفيث وبارتريدج , وها نحن نتعرض للتقريع من فلورنسا سليطة اللسان .
أضافت قائلة : " لقد عملت هناك مديرة للمنزل لمدة خمسة عشر عاماً . "
قالت جوانا وهي تشعر بالقهر : " حسناً , لقد ارتضت الآنسة بارتون ترك المنزل , وتركته تحت تصرف وكلاء العقار . "
قالت فلورنسا : " لقد أجبِرَت على ذلك , وهي تعيش حياة مقتصدة وحريصة , ومع ذلك لم تتركها الحكومة وشأنها ! فكان عليها أن تدفع الكثير من الضرائب . "
هززت أسي بحزن .
قالت فلورنسا : " لقد كان هناك الكثير من الأموال في أيام السيدة العجوز , ثم مات الجميع واحدة بعد الأخرى , آه يا عزيزاتي المساكين . وقد كانت الآنسة إيميلي تمرضهن واحدة بعد الأخرى . وقد أفنت زهرة شبابها وهي صابرة دون أن تتذمر أو تشكو . ولكن ذلك أثر عليها , ولم يقتصر الأمر على هذا وحسب , بل كان ينقصها القلاقل والأزمات المالية أيضاً لتضاعف أحزانها ! فلم تعد الأسهم تدر عليها عوائد كالعادة , ولكن لماذا لم تعد تدر عوائد ؟ أريد أن أعرف . كان عليهم أن يخجلوا من أنفسهم وهم يخدعون سيدة مثلها لم يعد ذهنها قادراً على التعامل مع الأرقام ولا تستطيع مسايرة حيلهم . "
قلت : " ولكن الجميع تعرضوا لهذه المشاكل . " , ولكت فلورنسا لم تلن أو تهدأ .
" لا بأس بذلك لمن لديهم القدرة على الاعتناء بأنفسهم , أما بالنسبة لها هي فالأمرمختلف . إنها تحتاج إلى رعاية , وما دامت معي ففلن أسمح لأحد بأن يقتلها أو يضايقها بأي كل من الأشكال . إنني مستعدة لفعل أي شيء من أجل الآنسة إيميلي . "
وحدقت إلينا لبضع لحظات حتى تتأكد من أننا فهمنا المقصود من هذه العبارة , ثم تركتنا فلورنسا القاسية وأغلقت الباب وراءها بحرص .
تساءلت جوانا : " ألا تشعر بأنك مصاص دماء يا جيري ؟ لأن هذا ما أشعر به . ما هذا الذي يحدث لنا ؟ "
قلت : " يبدو أننا لا نحظى بالقبول , فقد ملّت منا ميجان , ووبختك بارتريدج , وهاهي المخلصة فلورنسا توبخنا نحن الاثنان . "
تمتمت جوانا : " إنني أتساءل , لماذا غادرتنا ميجان ؟ "
" لابد أنها شعرت بالملل في صحبتنا . "
" لا أعتقد ذلك على الإطلاق . هل تعتقد أن إيمي جريفيث أخبرتها بشيء كان السبب في رحيلها ؟"
" تقصدين هذا الصباح , عندما كانتا تتحدثان عند عتبة الباب ؟ "
" نعم , لم تبقيا معاً لفترة طويلة , بالطبع , ولكن ـــ "
قاطعتها مكملاً جملتها : " ولكن وطأة تلك المرأة قوية ربما ـــ "
فُتح الباب ودخلت الآنسة إيميلي بارتون . كان وجهها محمراً بعض الشيء , وبدت مرهقة ومتقطعة الأنفاس لحد ما . كانت عيناها الزرقاوان تلمعان .
حيتنا بطريقة توحي بشرودها الذهني .
" أوه , يا أعزائي , آسفة لتأخيري . فقد كنت أقوم بجولة تسوقية في البلدة , ولم يرق لي الكعك في مخبز البلو روز , حيث بدا أنه غير طازج , لذا ذهبت إلى مخبز السيدة ليجون . إنني أحب دئماً شراء الكعك في نهاية جولتي التسوقية حتى أحصل عليه طازجاً بعد خروجه من الفرن مباشرة , بدلاً من شراء كعك اليوم السابق . ولكنني مستاءة من ترككما تنتظران ـ إن هذا الأمر لا يغتفر حقاً ـ "
قاطعتها جوانا قائلة : " إنه خطأنا نحن يا سيدة بارتون . فقد جئنا سيراً على الأقدام وأصبح جيري يقفز بسرعة الآن , لذا وصلنا قبل موعدنا . "
" كلا , لا تقولي هذا يا عزيزتي , فالمرء لا يمل أبداً من الصحبة الجميلة . "
ربتت السيدة العجوز على كتف جوانا بحنان .
تهللت أسارير جوانا ؛ فأخيراً بدا أنها أحرزت نجاحاً . ثم شملتني إيميلي بارتون بابتسامتها , ولكن بمسحة من التحفظ , تماماً كما يقترب المرء من نمر ضمن للحظة أنه لن يؤذيه .
" كم هو لطيف منك يا سيد بيرتون أن تحضر مناسبة نسائية مثل تناول الشاي . "
أعتقد أن إيميلي بارتون لديها صورة ذهنية عن الرجال تظهرهم كأناس يتناولون الكحوليات ويدخنون السجائر , وفي أوقات الاستراحة يخرجون لإغواء فتيات القرية وتكوين علاقات غرامية مع النساء المتزوجات .
عندما قلت ذلك لجوانا لاحقاً , ردت بأن إيميلي بارتون ربما كانت تفكر باللاوعي أن يقابلها رجل من هذه النوعية , ولكن ـ من أسفها ـ لم يحدث ذلك أبداً .
في هذه الأثناء كانت الآنسة إيميلي بارتون تضع أمامي أنا وجوانا مناضد صغيرة , وتضع عليها بعضاً من منافض السجائر بحذر , وبعد دقيقة فُتح الباب ودلفت فلورنسا حاملة صينية شاي عليها أكواب فاخرة خمنت أن إيميلي بارتون قد أحضرتها معها . كان الشاي صينياً ولذيذاً وكانت هناك شطائر رقيقة من الخبز والزبدة وبعض الكعك .
كانت فلورنسا متهللة الأسارير الآن , ونظرت إلى إيميلي كما تنظر الأم إلى طفلها الحبيب وهو يستمتع بدُمى حفلة الشاي .
أكلت أنا وجوانا أكثر مما كنا نريد , حيث كانت مضيفتنا تظغط علينا بإلحاح لتناول المزيد . كان من الواضح أن السيدة الصغيرة مستمتعة بحفلة الشاي التي أعدتها , وأدركت أنني وجوانا نُعتبر بالنسبة لإيميلي بارتون مغامرة كبرى , شخصين من عالم لندن الغامض والمعقد .
وبالطبع تطرق حديثنا إلى الأوضاع المحلية . تحدثت الآنسة بيرتون عن الطبيب جريفيث بحماس وعن شخصيته اللطيفة وعن مهاراتهكبيب . وكذلك السيد سيمنجتون , إنه محام بارع جداً وساعد السيدة بيرتون على استرداد بعض المال من ضرائب الدخل التي لولاه ما كانت لتعرف عنها شيئاً . كما أنه لطيف جداً مع أطفاله ويكرس نفسه لهم ولزوجته ـ قاطعت نفسها قائلة : " إنها مسكينة السيدة سيمنجتون , إنه لأم فظيع أن يُترك هؤلاء الأطفال أيتام الأم . ربما لم تكن أماً قوية قط ـ كما أن صحتها كانت معتلة مؤخراً . لابد أنها كانت نوبة عصبية . لقد قرأت عن مثل هذه الأشياء في الجرائد , حيث لا يشعر المرء بما يصدر منه من أفعال في مثل هذه الظروف . ولابد أنها لم تكن تعرف ما تفعل وإلا لتذكرت السيد سيمنجتون وأطفالها . "
قالت جوانا : " لابد أن تلك الرسالة المجهولة قد صدمتها صدمة عنيفة . "
احمر وجه السيدة بارتون , وقالت بنبرة من التوبيخ في صوتها : " أعتقد أنه لا يجدر بنا الخوض في هذا الموضوع غير اللطيف , أليس كذلك ؟ أعرف أن هناك رسائل , ولكننا لن نتحدث عنها , فهي أشياء مثيرة للاشمئزاز . لذا أعتقد أنه من الأفضل تجاهلها . "
حسناً , ربما كانت السيدة إيميلي بارتون قادرة على تجاهلها , ولكن بالنسبة لمعظم الناس لم يكن هذا بالأمر السهل . ومع ذلك فقد غيرت مجرى الحديث وتحدثنا عن إيمي جريفيث .
قالت إيميلي بارتون : " يا لها من فتاة رائعة , رائعة جداً . إن حيويتها وقدرتها التنظيمية كبيرة حقاً . كما أنها لطيفة مع الفتيات أيضاً , وهي عملية للغاية وعصرية في جميع المجالات . إنها تدير هذا المكان حقاً , بالإضافة إلى تكريسها حياتها لأخيها . إنه لأمر رائع أن ترى هذا الإخلاص بين أخ وأخته . "
سألت جوانا : " ألا يشعر بأنها تتحكم في حياته إلى حد ما ؟ "
حدقت إليها إيميلي بارتون بشيء من الفزع . وقالت لها بنبرة تنم عن التوبيخ : " لقد ضحت بالكثير من أجله . "
رأيت عيني جوانا تشيران بعلامات السخرية . فسارعت بتغيير دفة الحديث إلى السيد باي .
كانت إيميلي بارتون مرتبكة بعض الشيء عندما تحدثنا عن السيد باي .
فكل ما قالته عنه , وكررته بنبرة تشكك , أنه لطيف جداً ـ نعم لطيف جداً , وأنه طيب وكريم أيضاً . وأنه أحياناً يأتيه زوار غرباء جداً , ولكن هذا طبيعياً لأنه كان يسافر كثيراً .
اتفقنا معها على أن السفر لا يعمل على توسيع أفق المرء فحسب , بل إنه أيضاً يؤدي إلى تكوين معارف غريبة .
قالت إيميلي بارتون بحزن : " لكم تمنيت الخروج في رحلة بحرية . فأنا أقرأ الكثير عن هذه الرحلات في الصحف وهي تبدو جذابة . "
سألتها جوانا : " لِم لا تخرجين في رحلة كهذه ؟ "
يبدو أن محاولة تحويل هذا الحلم إلى حقيقة قد دق جرس الإنذار عند إيميلي بارتون , فقالت : " أوه , لا , لا , هذا مستحيل . "
" ولكن لماذا ؟ إنها رخيصة جداً . "
" أوه , ليست التكلفة وحسب هي السبب , ولكنني لا أحب السفر وحدي , فهذا يبدو لي وضعاً شاذاً جداً , أليس كذلك ؟ "
قالت جوانا : " كلا . "
نظرت إليها الآنسة إيميلي بتشكك .
" ولا أعرف كيف أتعامل مع أمتعتي ـ والوقوف على أرصفة الموانئ الأجنبية ـ وكل تلك العملات المختلفة ـ "
بدا لي أن عدداً من القبعات لا يحصى قد ظهرت أمام السيدة الصغيرة الخائفة , فأسرعت جوانا بتهدئتها عن طريق سؤالها عن مهرجان الحدائق ومعرض المشغولات اليدوية . وقد قادنا هذا تلقائياً إلى السيدة دين كالثروب .
بدت مسحة خفيفة من التشنج على وجه السيدة إيميلي بارتون .
قالت : " إنها امرأة غريبة حقاً يا عزيزتي , وخاصة تلك الأشياء التي تقولها أحياناً . "
سألتها عن هذه الأشياء .
" أوه , لا أعرف بالضبط , إنها أشياء غير متوقعة تماماً . والطريقة التي تنظر إليك بها , كما لو كنت ليس موجوداً هناك بل شخصاً آخر ـ إنني أعبر عن ذلك بطريقة سيئة ولكن من الصعب توصيل الانطباع الذي أقصده . ثم إنها لن , حسناً , لن تتدخل أبداً . فهناك الكثير من القضايا التي تستطيع زوجة رجل الدين تقديم النصح بشأنها . ويمكنهم تقويم الناس وجعلهم يصلحون حياتهم . ولأن الناس يصغون إليها , فأنا متأكدة من أنهم سيهابونها . ولكنها تصر على الانعزال والابتعاد , ولديها تلك العادة الغريبة بالشعور بالأسف على أناس لا يستحقون أي أسف على الإطلاق . "
تبادلت نظرة سريعة مع جوانا , قائلاً : " هذا مثير حقاً . "
" ومع ذلك فهي امرأة كريمة النسب , فهي سليلة أسرة فارواي من بيلباث , وهي أسرة عريقة ولكن تلك الأسر العريقة تكون غريبة الأطوار أحياناً , ولكنها تكرس حياتها لزوجها , ذلك الرجل الحاد الذكاء ـ والذي أخشى أنه ضيع هذا الذكاء في تلك البلدة . إنه رجل طيب ونقي , ولكني دائماً أجد عباراته اللاتينية مربكة . "
قلت بحماس موجهاً كلامي لجوانا : " اسمعي , اسمعي . "
قالت جوانا : " لقد تلقى جيري تعليمه في مدرسة عامة مرتفعة التكاليف , لذا فإنه لا يفهم اللاتينية . "
وقد جعل هذا إيميلي بارتون تتطرق إلى موضوع جديد . قالت : " إن مديرة المدرسة هنا شابة كريهة جداً . أخشى أنها شيوعية حتى النخاع . " , وقد أخفضت صوتها عند نطق كلمة " شيوعية " . وأثناء صعودنا التل في طريق عودتنا , قالت لي جوانا : " إنها امرأة لطيفة . "
5
على العشاء في تلك الليلة , قالت جوانا لبارتريدج إنها تتمنى أن تكون حفلة الشاي التي أ4قامتها قد نجحت .
احمر وجه بارتريدج وزادت صلابتها .
" شكراً لك يا سيدتي , ولكن آجنس وودل لن تحضر على أية حال . "
" أوه , آسفة . "
قالت بارتريدج : " إن الأمر لم يكن يهمني من الأساس . "
كانت مستاءة إلى الحد الذي جعلها تتنازل وتفضي لنا بضيقها .
" لم أكن أنا التي فكرت في طلبها ! بل هي التي اتصلت وقالت أن هناك شيئاً يقلقها , وطلبت المجيء إلى هنا , على أساس أنه يوم إجازتها . وقلت لها أنني لا أوافق إذا سمحت أنت بذلك , وقد سمحت لي . وبعد ذلك لم أسمع أو أرى منها شيئاً ! ولم تكلف نفسها وتعتذر عن عدم المجيء , وإن كنت أتمنى أن أتلقى منها رسالة اعتذار صباح الغد . إن هؤلاء الفتيات لا يعرفن حدودهن وليست لديهن فكرة عن السلوكيات اللائقة . "
حاولت جوانا تضميد مشاعر بارتريدج الجريحة .
" ربما داهمتها بعض النتاعب الصحية , ألم تتصلي بها لتستكشفي الأمر ؟ "
انتصبت بارتريدج مرة أخرى .
" كلا , لم أفعل يا سيدتي . إن كانت آجنس تحب التصرف بوقاحة فهذا من شأنها , ولكنني سأوبخها عندما نتقابل . "
خرجت بارتريدج من الغرفة وهي لا تزال متصلبة الملامح وضحكنا أنا وجوانا .
قلت : " ربما كانت إحدى حالات " عمود نصائح العمة نانسي ( إن مشاعر خطيبي باردة جداً تجاهي , ما الذي ينبغي علي فعله حيال هذا الأمر ؟ ) ومع فشل العمة نانسي , كان عليها اللجوء إلى بارتريدج لطلب النصيحة , بيْد أنه تم حل المشكلة وأتوقع في هذه اللحظة أن آجنس وخطيبها يتنزهان معاً وهم في غاية السعادة . "
ضحكت جوانا وقالت إنها توقعت الأمر نفسه .
بدأنا نتحدث عن الرسائل المجهولة وتساءلنا عما يمكن أن يكون قد توصل إليه ناش وجريفز الكئيب : " لقد مضى أسبوع بالتمام منذ أن انتحرت السيدة سيمنجتون . ولابد أنهم قد توصلا إلى شيء ما الآن . بصمات الأصابع أو خط اليد أو شيء ما . "
أجبتها وأنا شارد الذهن , ففي عقلي الباطن كان هناك شيء لا يريحني وآخذ في التنامي , وكان يرتبط على نحو ما بعبارة " أسبوع التمام " التي استخدمتها جوانا .
أجرؤ على القول أنه كان يتوجب علي التوصل إلى هذه الحقيقة مسبقاً .فربما كان عقلي متشككاً بالفعل .
على أية حال فإن الخميرة تعمل الآن , والقلق آخذ في التزايد , حتى بلغ مبلغه .
لاحظت جوانا فجأة أنني لم أكن أنصت إليها .
" ما الخطب يا جيري ؟ "
لم أرد عليها لأن ذهني كان مشغولاً بترتيب الأشياء . انتحار السيدة سيمنجتون ... وجودها بمفردها عصر ذلك اليوم ... بمفردها في المنزل , وذلك لأن الخادمات كن في يوم إجازتهن .. منذ أسبوع بالتمام .
" جيري , ماذا ـ "
قاطعتها : " جوانا , إن الخادمات يأخذن عطلات مرة واحدة في الأسبوع , أليس كذلك ؟ "
قالت جوانا : " نعم ويتناوبن أيام الأحد , ما الذي ــ "
" لا عليك بأيام الأحد , هل يخرجن في نفس اليوم طوال الأسبوع ؟ "
" نعم , هذا هو المعتاد . "
كانت جوانا تتحدث إلي بفضول , فلم يلتقط عقلها الخيط الذي التقطته أنا .
وقفت وقمت بدق الجرس , فجاءت بارتريدج .
قلت : " أخبريني عن آجنس وودل هذه , هل تعمل خادمة ؟ "
" نعم يا سيدي , في بيت السيدة سيمنجتون , أو حرى بي الآن أن أقول بيت السيد سيمنجتون . "
أخذت نفساً عميقاً ونظرت إلى الساعة . فوجدتها تشير إل العاشرة والنصف .
" هل تعتقدين أنها عادت إلى المنزل الآن ؟ "
كانت بارتريدج تنظر إلى باستهجان .
" أجل سيدي , إن الخادمات يجب أن يكنَّ هناك قبل العاشرة . إنهن يتبعن التقاليد القديمة . "
قلت : " سوف أجري مكالمة هاتفية . "
خرجت إلى الردهة وتبعتني جوانا وبارتريدج . كانت بارتريدج مغتاظة جداً , بينما كانت جوانا متحيرة , فقالت بينما كنت أطلب الرقم : " ماذا تفعل يا جيري ؟ "
" أود التأكد من الفتاة قد عادت بسلام . "
تنهدت بارتريدج , مجرد تنهيدة لا أكثر . ولكنني لا أبالي إطلاقاً بتنهيدت بارتريدج .
ردت إلسي هولاند على الهاتف .
قلت : " آسف على الاتصال . معك جيري بيرتون . هل ـ أجاءت ـ خادمتكم آجنس إلى البيت ؟ " لم أشعر بالحماقة إلا بعدما قلت ما قلت . لأنه إذا ما كانت الفتاة في البيت ولم يمسها سوء , فكيف سأبرر اتصالي وسؤالي عنها .
كان من الأفضل أن أدع جوانا تطرح هذا السؤال , وإن كان هذا أيضاً يحتاج لمبرر . لقد تنبأت بموجة جديدة من النميمة في لايمستوك تدور حولي أنا وآجنس وودل المجهولة .
بدت إلسي هولاند مندهشة .
" آجنس ! أوه بالتأكيد غنها هنا الآن . "
شعرت بالحماقة و ولكنني واصلت : " هلا تأكدت من وجودها يا آنسة هولاند ؟ "
هناك شيء لابد من قوله عن كياسة المربيات , إنهن معتادات على فعل ما يؤمن به دون أن يسألن عن السبب ! وضعت إلسي السماعة وذهبت طائعة .
بعد دقيقتين سمعت صوتها .
" هل لا تزال على الخط يا سيد بيرتون ؟ "
" نعم . "
" لم تصل آجنس بعد , وقد تأكدت من ذلك . "
عرفت عندئذٍ أن حدسي كان في محله . سمعت ضوضاء على الطرف الآخر من الخط , ثم تحدث إلي السيد سيمنجتون نفسه : " مرحباً سيد بيرتون و ما الخطب ؟ "
" لم ترجع خادمتك آجنس بعد ؟ "
" كلا , لقد تأكدت الآنسة هولاند تواً من ذلك . ما الخطب ؟ لم يقع لها حادث , أليس كذلك ؟ "
" لا , ليس حادثاً . "
" أتعني بأن لديك سبباً للاعتقاد بأن ثمة شيئاً قد حدث للفتاة ؟ "
قلت متجهماً : " لن أندهش إن حدث لها شيء . "

يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأصبع المتحركة, اغاثا كريستي, على شكل ورد
facebook




جديد مواضيع قسم أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t120042.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 16-03-10 11:46 AM
ط§ظ„ ظٹظپظˆط­ ط§ط³طھط·ط§ط¹ ظƒظ†طھ ط­ط¸ظ‘ط±طھ This thread Refback 04-02-10 08:10 PM


الساعة الآن 10:45 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية