المنتدى :
الارشيف
لا تنخدع بمن يُظهر لك الود
يقول ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر :
كان لنا أصدقاء و إخوان أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، و ترك شروط الصداقة و الأخوة عجائب ، فأخذت أعتب ، ثم إنتبهت لنفسي ، فقلت : و ما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا فللعتاب لا للصفاء ، فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرت فرأيت الناس بين معارف و أصدقاء في الظاهر وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم ، إنما ينبغي أن تنقلهم من ديوان الأخوة ، إلى ديوان الصداقة الظاهرة .
فإن لم يصلحوا لها نقلتهم إلى جملة المعارف ، و عاملتهم معاملة المعارف ، و من الغلط أن تعاتبهم .
فقد قال يحيى بن معاذ : [ بئس الأخ ! أخ تحتاج أن تقول له أذكرني في دعائك ].
وجمهور الناس اليوم معارف ، و يندر فيهم صديق في الظاهر ، فأما الأخوة و المصافات فذاك شيء نُسِخ ، فلا يُطمع فيه .
و ما أرى الإنسان تصفو له أخوة من النسب و لا ولده و لا زوجته ، فدع الطمع في الصفا ، و خُذ عن الكل جانباً ، و عاملهم معاملة الغرباء ، و إياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود ، فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره ، و ربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك .
وقد قال الفضيل بن عياض : [ إذا أردت أن تُصادق صديقاً فأغضبه ، فإن رأيته كما ينبغي فصادقه ].
وهذا اليوم مخاطرة ، لأنك إذا أغضبت أحداً صار عدواً في الحال .
والسبب في نسخ حكم الصفا ، أن السلف كان همتهم الآخرة و حدها ، فصفت نياتهم في الأخوة و المخالطة ، فكانت ديناً لا دنيا . و الآن فقد إستولى حُب الدنيا على القلوب ، فإن رأيت متملقاً في باب الدين فأخبره تملقه ..
.....................
إذا المـرء لا يرعـاك إلا تكلـفـــــــــاً
فدعـه ولا تكثـر عليـه التأسـفـــــــــــــا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحــة
وفي القلب صبر للحبيب ولـو جفــــــــــا
فما كل مـن تهـواه يهـواك قلبـــــــه
ولا كل من صافيته لـك قـد صفـــــــــــــا
إذا لم يكـن صفـو الـوداد طبيعــــــــة
فلا خير فـي خـل يجـيء تكلفــــــــــــــــا
ولا خير فـي خـل يخـون خليلــــــــــه
ويلقـاه مـن بعـد المـودة بالجفــــــــــــــا
وينكـر عيشـاً قـد تقـادم عـهــــــــــده
ويظهر سراً كان بالأمس فـي خفـــــــــــا
وأخيراً:
(ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله إنقطع وانفصل)
|