بسم الله الرحمن الرحيم
.
الفصل الــــــــــثانـــــــي
~~~~~~~~~
~ آهاتٌ موجوعة ~
**********************
و لَرُبَ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِها الفَتى ذَرعًا و عِنَدَ اللهِ مِنها المَخْرَجُ
الرياض
شركة تجارية ضخمة
الدور الثالث
50: 5عصراً
~ شاب في الثامنة و العشرين من عمره ~
: ايه .. ايه فهمت .. يوصــ .. يوصل إن شاء الله .. مع السلامه ..
أغلق جهازه و التفت إلى الرجل الذي يقف خلفه مؤكدًا : فادي مثل ما بلغتك المستندات كلها
توصلها ليد نواف .. الحين ينتظرك أسفل ..
أومأ فادي برأسه في صمت و استدار متجهاً إلى المصعد و لم تمر دقيقه حتى هتف : ....... أووووبس ..
تراجع للخلف بسرعة و هو ينظر للجسد الذي اصطدم به , نحيل , متوسط الطول ذو وجه طويل و عينان واسعتان و أنف مدبب , قال معتذرا بلهجته السورية : سوري استاز فارس ..
تحدث إليه فارس على عجل سائلاً : وين عزام ؟؟ ..
التفت فادي إلى الوراء ثم قال : من لحزات كان هون ,أكيد بتلائيه في المكتب ..
تحرك فارس بسرعة باتجاه مكتب عزام , لم يطرق الباب بل فتحه في توتر ..
التفت عزام إلى الباب هاتفًا في دهشة : فارس!!! ..
أغلق فارس الباب خلفه و ألقى بجسده على أول مقعد صادفه و هو يقول : مصيبه ..
قطب عزام حاجبيه قائلاً بتوجس : خير .. !! ..
هتف فارس بغضب : جدي قوم الدنيا و الظاهر انها ما راح تقعد ..
تنهد عزام و هو ينهض من خلف مكتبه قائلاً : تركي السبب صح .. ؟؟ ..
قال فارس بحنق وهو يتابعه بنظره : هو في غيره المشاكل كلها تجي من تحت راسه , و حضرته و لا عليه ..
جلس عزام في هدوء على المقعد المقابل و هو يقول : جدي قدّم الاجتماع لباكر و إن شاء الله بنحل كل الإشكالات ..
ضرب فارس على فخذه وهو يقول بغضب : أنا بس اللي مجنني موقف جدي , واش قصده بالضبط ؟؟
ليه يبيه يتزوج ؟؟؟ ..
ابتسم عزام قائلا : انت احسبها يالذكي , لو تم زواجه من عروب راح يقر عندنا بالرياض , يعني لجل يربطه ..
رد فارس بغيض: واش هالتخلف ؟؟ ..
نظر إليه عزام معاتباً : فارس ..
استطرد فارس في عصبية : يعني يبيه يتزوج لجل يضمن وجوده , غباء هو ولا..
قاطعه عزام باستنكار حازم : فارس , عيب عليك , ذا جدك , ولعلمك جدي حاط عنده كم مبلغ لتركي و ما راح يآخذهم إلا اذا تزوج ..
قال فارس بسخرية : اللي يقول تركي محتاج , و بعدين موب تركي اللي تعقله حرمه ..
ضحك عزام في خفة فالتفت إليه فارس في غضب هاتفًا : ايه انت اضحك , منت شايف جدي رافض أي مشروع حتى يتم زواج "متيريك" ..
سأله عزام : ليش حارق رزك !! يا رجال راتبك ويجيك لحدك كل شهر واش تبي أكثر؟؟ ..
رفع فارس صوته هاتفًا : أبي أبدأ في مشروعيييييييييييي ..
نهض عزام و قال في سخريه : أقول , غني يا ليييل ما اطولك ..
صاح فارس بحنق : واش قصدك ..؟؟ ..
هز عزام كتفيه قائلا بهدوء وهو يعود لخلف مكتبه : قصدي واضح , جدي ما يبى يبدأ في أي مشروع جديد إلا اذا ضمن رجعة تركي ..
تساءل فارس ومشاعر الغيض تتملكه أكثر فأكثر : ليه هو ملاك وحنّا شياطين , مو كلنا لنا خبرات و مؤهلات .
ابتسم عزام وقال وهو يلتقط بعض الأوراق من سطح المكتب : ايه كلنا , بس مو مثل تركي , هذا الفطنه تجري ف دمه مثل ما يقول جدي ..
كتم فارس غيظه و أشاح ببصره للجهة الأخرى متأوها بقهر , نظر إليه عزام قائلا بلهجة المتفهم قبل أن يعود لعمله : فارس , هونها وتهون ..
اتسعت عينا فارس فجأة و التفت إلى عزام في حده هاتفا : عزاام!! ..
انشغل عزام بترتيب بعض الأوراق مغمغما : همم ؟؟ ..
تساءل فارس في حذر وهو يتأمله بتمعن : طيب , لو , لو تركي فسخ الخطوبة ؟؟؟.. ..
رفع عزام بصره إليه بحدة , صمت لحظة و كأنه يرتب أفكاره ثم قال : و الله , أنا ما أستبعد هالشي أبد ..
هتف فارس في دهشة : يعني حتى انت ملاحظ انه مو معطي الموضوع أهميه ؟؟
هز عزام رأسه موافقًا : و فيه غيرنا كثير , زد على ذا ان عمي مشاري هو اللي فرض عروب على تركي , يعني مو تركي اللي اختارها ..
تمتم فارس : ايه , بس .. بس عمي مشاري ما بيسكت ..
همّ عزام بالحديث و لكن رنين هاتفه المحمول استوقفه فنظر إلى شاشة جهازه و ابتسم ابتسامة واسعة وهو يرد بصوت ممطوط : ألوووووووووو ..
.............. : السلااااااام عليكم ..
جلس عزام على مقعده قائلا بصوت مرح وابتسامة ترحيب ترتسم على محياه : و عليكم السلام و رحمة الله , هلاااااااااااا والله ..
نظر إليه فارس في فضول و عزام يتابع بسخرية : خييييييييييير , أكيد وراك شي ..
وصله صراخ المتحدث هاتفا : و الترااااااب في وجهك يالمعفن ..
ضحك عزام في مرح قائلا وهو ينظر لفارس : من أولها تراااب , الله يستر من تاليها ..
هز فارس رأسه في ضجر و قال بلهجة شبه واثقة : مروان ..
قهقه عزام موافقةً لحديثه فنهض فارس تاركا له المكتب عالما أن النقاش قد وصل لنهايته ..
تعالى صوت مروان مقاطعا قهقهته : أنا مو قايلك تعال المباراه أمس؟؟ .. هاه ؟؟ ..
مسح عزام على رأسه قائلا باعتذار : إلا و الله يا نيمو قلتلي , بس ضغط العمل نساني ..
هتف مروان : يعلك تنسى اسمك يالدب ..
رفع عزام حاجبيه رادا بسخرية : الله أعلم من الدب ..
: أقووووووووووول , اخلص و قلي متى بتجي ؟؟ ..
طرق عزام بإصبعه على المكتب وهو يتأمل أوراقه متسائلا : الحين قلي , انت ما وراك إلا اللعب يالجربوع؟؟..
هتف مروان بحنق : زعزوووع , طم فمك لا أجي أهفّك بالسماعه و أطلعلك قرموع ..
ضحك عزام مؤكدا : كل قرموع في راسي بخليه أربعه في ملعب راسك ..
صاح مروان : يووووووووووووووووووه , زعزع , بطل ذي الحركات , ترفع ضغط اللي ما ينرفع و.....
قاطعه صوت أنثوي حاد أتى من خلفه و التقطته أذن عزام يهتف: نــــــــــــــــــــــــيــــــــــمووووووووووو ..
تبعه شهقة مروان المذعورة قبل أن يقول بعجل : يا لبقر بـــــعــــــور تناديني , سلاااام ..
لم يكد ينهي حديثه حتى تعالى الصوت المتقطع معلنا انتهاء المكالمة , نظر عزام إلى هاتفه و هز رأسه قائلا بلهجة المتشفي : انت ما يعرفلك إلا عروب ..
.
.
و في الخارج
: فــــــــــــــارس ..
التفت فارس خلفه نحو صاحب الصوت المرح قائلا : نـــعم ..
اقترب منه الشاب الطويل , متوسط الجسم , قمحي البشرة ، ملامحه تدل على الرزانة ، قال حالما توقف أمامه : أبو العطور , اشتريت البارحه عطر فضيع , شم ..
ورفع كفه أمام فارس الذي احتقن وجهه قبل أن ينفجر صارخا بحنق : كم مـــــــره قلتلك أنا مــا أشـــــــــم , ما عندي حاسة شم , ما تــــــفهم ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!! ..
ثم اندفع مبتعدًا نحو سيارته , زوى الشاب ما بين حاجبيه متسائلا : و ليش كل هالعصبيه ؟؟ يا خي نسيت , لكن الشرهه موب عليك يا ولد عمي , الشرهه علي أنا ..
: يـاســر ..
ابتسم ياسر حين رأى لأكبر أبناء عمومته المتوجه نحوه وقال : هلا بفيصل , و اشبه أخوك طايره شيطانيه ؟؟..
ربت فيصل على كتفه قائلا بتنهيدة : و هو في غير تركي , تعال و اسمع ..
ابتسم ياسر ثم قال : قبل ..
وتابع وهو يرفع كفه نحو أنف فيصل : قلي واش رايك ف هالعطر ؟؟
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جدة
منزل حسن
00 : 8 مساءً
تأوهت في ألم ثم فتحت عينيها في صعوبة وهي تبتلع ريقها ثم رفعت رأسها عن الوسادة ببطء وهي تهمس : هديل ؟؟ ..
لم تلتقط عيناها شيئاً , الظلام يحيط بها من كل جانب عادت ووضعت رأسها على الوسادة وهي تغلق عينيها في ضعف ..
فجأة !! ..
تراءى طيفه أمامها , بوجهه الدائري الأسمر و عينيه الحادتين المبتسمتين , شهقت هاتفة وهي تهب من مكانها فزعة : جـــــــااااااسم ..
.
.
رائحة البحر , أعادت السكون إلى نفسه , أغمض عينيه و ملأ صدره بالهواء المنعش قبل أن يزفره في حرارة وهو يتذكر والده طويل القامة , ضخم الجثة ، يلمع الخبث في ملامحه العريضة .و يقشعرّ الجسد من نظراته الغريبة ..
همس مخاطبا نفسه بألم : آآآآخ .. لمتى يا أبويه ..لمتى بتظل على هذا الحال ..
غاب عقله في غياهب الذكرى ..
قبل سنوات طوال ..
منذ أن أدرك معاني الحياة كان صراخ والده و ظلمه هو ما يملاً أركان المنزل .. بل .. هو ما يملاً حياتهم ..
كم تعبت والدته المتوفاة و هي تطلب منه المال علّها تنفق على أطفالهم , و كم كان يعذبها حتى يعطيها ما تطلب , كم عانت و كم تعذبت لتحصل على لقمة عيش لهم ثم لها , لتكسو أجسادهم ثم تكسو نفسها ..
لا زال يذكر تلك الدموع , و لا زال يذكر تلك الأيام الجريحة ..
كبُر حتى تخرج من المرحلة الثانوية و أجبره والده حينها أن يأتي ليساعده في عمله و يترك الدراسة , رغم أن حلمه كان أن يصبح مهندسًا , كجاسم تمامًا , و لكنه رضي بالأمر الواقع ..
ترك الدارسة وأصبح ينفق مرتبه الذي لم يأكله والده ..
ينفقه على أمه المسكينة و شقيقته التي لم تتزوج , على المنزل , الكهرباء , الماء , الهاتف , الطعام و كل شيء ..
و هكذا استمرت حياته إلى هذا اليوم و
""""""
أخيتي أخيتي كفختها بنعلتي
إن كان لي من نشبة في البيت فهي نشبتي
يا علّة ناشبة في حلقي أو بلعومتي
فكلها شيطانة تنط منها شوشتي
""""""""
تردد صدى الأنشودة في الأجواء فهز رأسه كأنه ينفض سيل الذكرى ثم أدخل يده في جيبه و أمسك بهاتفه الذي أخذ في الرنين : ألو ..
أتاه صوت شقيقته الملتاع : رائد , هاه بشرني كيفه جاسم ؟؟ ..
قبض على كفه بحنق و حاول أن يحافظ على هدوءه وهو يقول : الحمد لله بخير ..
وصله بكاؤها الحار وهي ترجوه : رائد , الله يخليك علمني بكل شي ..
اشتدت عضلات وجهه قبل أن يصرخ بعصبية : أقلك بخير , و بعدين احترمي نفسك , كلها يومين و تسيرين في ذمة رجال ثاني ..
و أغلق السماعة في غضب ..
.
.
نظرت رهف إلى سماعة الهاتف في رعب قبل أن تشهق في ألم و دموعها تتساقط بغزارة , وضعت كفها على شفتيها و همست : ليش يا رائد .. ليش ؟؟
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الرياض
فيلا أبو ياسر
30 : 8 مساءً
انشغلت بتلوين لوحتها الموضوعة على الدعامة الخشبية و شعرها الأسود الحريري يتدلى على طول ظهرها نزولاً إلى خصرها , عيناها النجلاوان معلقتان بحركة الفرشاة في تركيز تام و شفتاها تلمعان بمرطب خمري ساحر , توقفت عن التلوين ثم تراجعت إلى الخلف قليلاً , نظرت إلى لوحتها بتمعن و كأنها تتأكد من شيء ما , قطع تأملها صوت طرقات الباب فالتفت إليه من خلف لوحتها فتحرك معها شعرها الأسود الحريري وهو تقول : تفضل ..
دلفت إلى الحجرة و هي تحمل على شفتيها ابتسامة كبيرة وهي تهتف : أهلييييييين عرّووبتي ..
ابتسمت عَروب في نعومة : أهلين و سهلين ..
طبعت ربى قبلة على خد عروب وهي تسألها : اشلونك يا قمر ..
هتفت عروب في مرح : تماااااااام ..
رفعت ربى حاجبيها متسائلة : إلا .. عمتي و عبير متى بيرجعون من الطايف؟؟..
ابتسمت عروب وهي تعود إلى تأمل لوحتها مجيبة : على الأسبوع الجاي إن شاء الله , ما قلتيلي , و ش مناسبة هالزياره ؟؟..
استلقت ربى على سرير عروب الوثير قائلة : أبد , زهقت من بيتنا و جيتكم ..
ضحكت عروب وهي تكمل عملها : مالت عليك يالخبله , يعني مو حباً في أحد ؟؟ ..
قالت ربى بخبث : إلا و الله حباً في بعض الناس ..
سألتها عروب : و اللي هم ؟؟ ..
جلست ربى بسرعة قائلة بحماس : يقولون , يقولون , يقولون , موب أكيد ترى هاه ..
قالت عروب بنفاد صبر : رورو , اخلصي ..
ابتسمت ربى بخبث : يقولوووووووون , اسمه تركي ..
التفت عروب إليها بسرعة و سألت في لهفه : جاا ؟؟ ..
ضحكت ربى وقالت : لا يا ابعدي , باكر إن شاء الله بيوصل ..
تركت عروب كل ما في يدها و جلست أمام ربى تسألها باهتمام : من علمك ؟؟ ..
هزت ربى كتفيها ببساطه قائلة بمرح : سر المهنه ..
هتفت عروب في رجاء : روروووووووو , بالله من علمك ؟؟ ..
صاحت ربى : نوااااااااااااااااااااااااف ..
وضعت عروب يديها على جانبي رأسها هاتفة : خلااااااااااص , سمعت , واش قال بعد ؟؟ ..
: باكر إن شاء الله جدي ما بيخليه حتى يتم العقد ..
رفعت عروب يدها إلى قلبها في خوف فابتسمت ربى بخبث قائلة : يعني يا قلبي اجهزي احتمال باكر ملكتك ..
استلقت عروب هي الأخرى على السرير و قالت في صوت حالم : تتوقعين ؟؟ ..
ضحكت ربى وقالت مؤكدة : مو أتوقع , لا , أكيد..
زفرت عروب في حرارة فنظرت إليها ربى ساخرة وهي تقول بدعابة : خير , هذا كله شوق ..
قالت عروب في قلق : لا و الله مو ذي المسأله .. بس ..
حثتها ربى : بس ايش ؟؟ ..
نهضت عروب في صمت وعادت إلى لوحتها وهي تجمع شعرها الطويل على كتفها الأيمن هامسة : خايفه ..
رفعت ربى حاجبيها في دهشة متسائلة : من ايش ؟؟!!!!! ..
أغلقت عروب عينيها ثم هزت رأسها وهي تقول : أشياء كثير , ثلاث سنوات ما شفته ولا ....., شفت جوري و السبب مرة عمي الله يهديها ..
غمّمت ربى بحنق : الخبله ذيك سواياها معروفه , المفروض ما تشغلين عقلك بنذله مثلها , انتي بتتزوجينه هو ما بتتزوجينها هي ..
التفت إليها عروب شارحة : ربى , افهميني , ما أعرف شي عنهم , عن حياتهم , حتى جوري عمري ما كلمتها بالتلفون , ما أدري .. أحس .. أحس العلاقات بينهم غريبه ..
تناولت ربى مبرد الأظافر من حقيبتها و انشغلت ببرد أظفارها وهي تقول : أقول , الحين مو وقت هالكلام و الوسوسه الزايده , خلاص معاد في وقت للتراجع ..
توترت عروب أكثر فتأففت وهي تلقي بنفسها على المقعد الوثير و أخذت تبكي بحرقة .
رمت ربى المبرد من يدها بهلع و ركضت إليها هاتفة : عرووب , عروب حياتيييي ..
تابعت محاولو تهدئتها : عروووووب معقوله زعلتي , و الله ما كان قصدي ..
شهقت عروب في ألم : ر .. ر .. ربى أنـ , أنا خايفه , خايفه , حاسه انه في شي كبير بيسير ..
انقبض قلب ربى , هي أيضاً تخشى من ذلك , عضت على شفتها بحنق و ضمت عروب إلى صدرها ..
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جدة
المستشفى
00 : 9 مساءً
أمام حجرة جاسم..
ألقى رائد بجسده المنهك على المقعد ووضع كفه على عينيه في إرهاق و هو يهمس بصوت حزين : فكّوه يا أبو لؤي..
تنهد أبو لؤي في حرارة : قلتلك يا ولدي أبوك و أنا أعرفه , أكيد راح يخرج من الموضوع بكل سهوله ..
اعتدل رائد في عصبية قائلا بعدم تصديق : ايوه بس هذي جريمه , كيف يتركونه بكل بساطه ..
زفر أبو لؤي مرة أخرى وقال : آآآه.. هذي حال الدنيا دحين يا ولدي ..
أطرق رائد برأسه في صمت , ربت أبو لؤي على كتفه : رائد , لا تخاف , الله سبحانه و تعالى يقول (فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )...
أومئ رائد برأسه موافقاً : سبحانه ..
استطرد أبو لؤي : بعدين في شي مهم لازم تتذكره ..
التفت إليه رائد في حيرة فتحدث أبو لؤي ناصحًا : هذا مهما كان أبوك , حتى لو كان ظالم لازم تبره فيما يرضي الله ..
أشاح رائد بوجهه بعيداً و قال بخفوت : أنا تعبت من حياتي يا أبو لؤي ..
ثم أردف بحزم : تعبت و أنا أشوف الغلط و أسكت , معاد أقدر أتحمل أكثر خلاص , لازم أشوف حل ..
وعندما اعتدل واقفاً رفع أبو لؤي رأسه إليه و سأله : على وين ؟؟ ..
تنهد رائد : أشم هوا ..
نهض أبو لؤي و هو يقول : خذني معاك ..
نظر إليه رائد بصمت قبل أن يقول : اش قال الدكتور ؟؟..
هز أبو لؤي رأسه : وجودنا ماله أي داعي بما إنه في العناية المركزة , نستنا اش راح يردون علينا والله المستعان ..
أطرق رائد برأسه وذهب في طريقه إلى الخارج .
@@@@@@@@@@@@@@@@
** الأحـــــــــــــــــــــــــــد ***
الرياض
فيلا أبو ياسر
30 : 3 صباحاً
حركت ربى يدها في سخريه قائلة : أقول بلا حب بلا كره ..
هزت عروب كتفيها وهي تعقص شعرها الطويل كذيل الحصان بمشبك بني اللون: مثل ما تبين ..
و عندما اقتربت من باب الحجرة , حملقت فيها ربى بعينين متسعتين هاتفة : هييييييه , انتي بعقلك؟؟ !!!!!!!!! ..
التفتت إليها عروب في حيرة : ايش ؟؟ ..
تابعت ربى هتافها المستنكر : تبين تروحين للمستودع في هالوقت , صدق مجنونه , أقلك المكان يخوف ..
ابتسمت عروب العازمة على النزول مبررة : و اش أسوي لأمي !! تعرفينها تكره الحيوانات و ما تطيق تشوفها لا في البيت ولا في الحديقه , الحمد لله انها وافقت أحطهم في المستودع ..
خرجت من الحجرة فهزت ربى كتفيها بلا مبالاة و استلقت على السرير و أغمضت عينيها ..
.
.
نزلت عروب بهدوء إلى المستودع الذي كان يقع بالقرب من حوض السباحة , مشت إلى أن وصلت إلى بابه الحديدي ودفعته بقوة , أصدر صريراً مزعجاً فاجتاح قلبها خوف ما , نظرت إلى الخلف بقلق ثم أكملت طريقها إلى الداخل , كان المستودع مظلماً .و لكن ضوء القمر تسلل إليه عبر النافذة العلوية فأنار جزءاً بسيطاً من عتمته , مدت يدها لتشعل الضوء و عندما أضاء المكان نقلت بصرها بين أنحاء المستودع فلاح أمامها ذلك القفص الكبير , ابتسمت في حنان و تقدمت في هدوء ..
صوت الحصى المسحوق تحت أقدام ليست أقدامها دفعها للتوقف عن المسير و جعل جسدها ينتفض في رعب و ..
: آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ..
شقت صرختها أنحاء الحديقة الواسعة ولكن صدى صوتها تبعثر في الأنحاء ..
.
.
و في الأعلى حيث حجرتها , تأففت ربى في إرهاق و هي تتقلب على سرير عروب هاتفة : نعساااااااانه ..
ثم أمسكت بهاتفها المحمول و ضغطت على الرقم قبل أن تضع المحمول على أذنها وهي تفرك عينها بيدها الحرة قائلة بتكاسل حالما وصلها صوته : ألوووو , عزّوم مر علي أول ما تخلص , يوووووه أنا عند عروب .. ثم تابعت بضيق : أقووووول اخلص ...... مع السلامه ...
و أغلقت الهاتف بضجر وهي تعيد رأسها المتثاقل على الوسادة قبل أن ............ تغفو ..
.
.
وفي المستودع
حيث الهواء الخانق ..
و الجو الكئيب ..
.
لهثت في ذعر و هي تصرخ بصدمة بعد أن شاهدت ذلك الوجه المألوف : ابعــــــــــــــــــــــد , ابعد عني يالحقيييييييييييييير ..
تقدم منها ببطء و الابتسامة الخبيثة تعلو وجهه الأسمر , اقشّعر جسدها وهي ترى عينيه تتأملان تفاصيل جسدها الذي لطالما حمته عن مثل هذه العيون و دموع الرهبة تغرق وجهها ثم شهقت و هي تتراجع و تحاول أن تبحث عن مخرج بعينيها حالما اكتشفت أنه يسد المنفذ الوحيد , وحين أدركت عجزها صرخت في ذعر : يـــــــــــــــــــــــــــااااااااااااااسررررررر ..
حالما دوت صرختها المستنجدة انطلق نحوها ركضًا و أسقط قفص الطيور من شدة اندفاعه فاختلطت صرختها الهلعة مع صوت عصافيرها ورفرفة أجنحتها , أخذت تلقي عليه بكل ما تطاله يداها من أدوات المستودع ولكن ذلك لم يكفي لحده عن التقدم ..
اندفع الدم في عروقها بغزارة من هول الموقف وارتعدت أطرافها , شفتاها , حتى .. ألقت عليه بصندوق أمسكته وهي تصرخ بفزع : اتركني يالخسيييييييييييييييس..
تأوه وهو يغطي وجهه حالما اصطدم الصندوق المعدني الصغير به قبل أن تتناثر المفكات على الأرض مصدرة رنينا بدا لا نهائيًا وهي تركض نحو الباب بكل هلع الدنيا مستغلة تلك الثواني ..
ولكن تلك اليد الخشنة التي أطبقت على معصمها الصغير بإحكام قبل أن تجرّها دفعت اليأس إلى قلبها فبكت وجهه الوقور الذي تراءى لها نائمًا باطمئنان وصرخت بحرقة : لاااااااااااااااااااااااااااااااااااااا , يُبـــــــــــــــــــــــــــــااااااااااااااااه ..
جرّها مع يدها بقوة أكبر و ألقاها على ركن المستودع وهو يغلق المنفذ الوحيد باليد الأخرى , اصطدمت بجدار المستودع الصلب فسقط المشبك صريعًا و انسل شعرها الأسود الطويل على جسدها , ورغم الألم الذي تسلل إليها ورغم أنفاسها وشهقاتها التي تسارعت حاولت النهوض و لكنه دفعها على الأرض مجددًا وهو يبتسم بانتصار..
صراعها المستميت ..
ملابسها التي مُزقت ..
حتى صرخات عصافيرها وصرخاتها المدوية ..
.
.
.
.
اختنقت , في ذلك المستودع ..
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الرياض
أمام فيلا أبو ياسر
00: 4 صباحاً
أوقف ياسر سيارته ثم نزل بهدوء وهو يغلق الباب خلفه , توجه إلى باب المنزل الخارجي و عندما وصل قطب حاجبيه متسائلا : سرياتي , صاحي للحين ..؟؟!!.
التفت إليه السائق بحده و نظر إليه في رعب ثم هرب بسرعة و عندما حاول ياسر أن يناديه سمع صوت سيارة من خلفه فالتفت بسرعة ثم ابتسم و نسي أمر السائق , توقفت السيارة و نزل منها شاب طويل , أسمر, عريض المنكبين , ذو ملامح جدّية واثقة ..
هتف ياسر : هلا و الله بعزومي , ما كني ودعتك قبل ربع ساعه !!
ضحك عزام قائلا : وحشتني يالثور واش أسوي..
تساءل ياسر : أكيد الآنسه رورو عندنا مو ؟؟ ..
هتف عزام بسخرية : يا الله , توني أدري انك ذكي ..
رد عليه ياسر بسخرية مماثلة : أحسن من اني أكون غبي مثل اللي واقف قدامي ..
تلتفت عزام يمنة و يسره في دهشة مصطنعة : مين ؟؟ موب شايف غبي ..
رمقه ياسر بنظرة تحمل التهديد : عزامووه , و الله مو وقتك دايخ وودي أنااااام ..
هتف عزام بنبرة مستفزة : طيب الحين أنا ضربت علي يدك و قلتلك لا تنام , انقلع نام وفكني من خشتك ..
و لم يكد ينهي جملته حتى خرجت ربى بعباءتها السوداء , لا يظهر منها ظفر واحد و ركبت سيارة أخيها على عجل ..
انشغل عزام و ياسر بالحديث عن الاجتماع المنتظر لبضع دقائق و عندما همّ عزام بالعودة إلى سيارته هتف ياسر : زوزو ..
ابتسم عزام و التفت إليه قائلا بسخرية : مسرع اشتقتلي يا سوير ..
قطب ياسر حاجبيه في انزعاج وحرك يده بملل وهو يقول : سوير ف عينك يا عوير ..
ضحك عزام : اخلص واش تبي .. ؟؟ ..
سأله ياسر : نواف متى راجع ؟؟..
عقد عزام يديه أمام صدره : الحين شايفني مرته تسألني متى راجع , المشكله و الداهيه الكبرى ان مرته تصير أختك ..
وضع ياسر يده على العقال فوق رأسه فركض عزام إلى سيارته مداعبًا : بعد أسبووووع إن شاء الله ...
وحالما احتل مقعده هتفت ربى بحنق : بدري ..
غمم و هو يحرك السيارة : أقول , احمدي ربك اني وافقت أجيبك ..
لم تحاول أن تتجادل معه فأراحت رأسها على المقعد , كانت مرهقة للغاية وبالكاد استيقظت من غفوتها و... هتفت متذكرة : هه , ايه صح , عزام دق على ياسر ..
نظر إليها متسائلا بدهشة : ليش ؟؟ ..
غممت بقلق محاولة استيعاب الوقت : اممم , عَروب نزلت المستودع من حول النص ساعه و ما شفتها رجعت , قله يتطمن عليها ..
هتف بسخرية : الله , اللي يقول أول مره تنزل المستودع , مو المهبّل حقينها هناك ..
صاحت بحنق : عزامووووووووه , دق وانت ساكت ..
.
.
ياسر كان في طريقه إلى الداخل حين سمع الرنين المميز يتعالى من هاتفه , هز رأسه ورفع الجهاز إلى أذنه قائلا بلا مقدمات : ياخي خلاص , تراني طقيت من خشتك , أخاف أتحلم فيك و أنا نايم ..
وصله صوت عزام : مو حباً فيك , أقول ..
: آمر ..
: ما يآمر عليك ظالم , بعض الناس رجّوني يبونك تطمن على بنت عمي المصون في المستودع ..
وضع ياسر يده على ذقنه : الله يالحب اللي مقطع بعضه , و الله انكم يا عيال عمي مو صاحين هاليومين ..
ضحك عزام بمرح : يلا سلام ..
ضحك ياسر بدوره و أنهى المكالمة و توجه إلى الباب الخلفي المؤدي إلى الحديقة , فتحه بهدوء ..
شقت أقدامه الخطى نحو المستودع , عكّر صوت وقعها سكون الليل الساحر , استنشق الهواء المعطر بأريج الزهور التي تملأ الحديقة , تجاوز بركة السباحة العميقة ووصل إلى باب المستودع المضاء ..
كان مغلقاً ..
قطب حاجبيه وفتحه , وصل مسامعه صوت أجنحة طائر خرج من فوقه طائرا نحو السماء المظلمة , التفت إليه بحيرة ثم عاد ونظر إلى داخل المستودع فلامس بصره تلك الفوضى التي انتهت بـ .....
ارتد جسده في عنف واتسعت عيناه محاولة استيعاب المنظر , جسدها الملقى , ملابسها الممزقة و ....
تلك الدماء ..
صرخ بأعلى صوته : عـــــــــــــــــــــــرووووووووووووووووووووب !!!!!!!!!!!!!!!!
ركض إلى شقيقته وقلبه يخفق ذعرًا ، ارتعد جسده من قمة رأسه إلى أخمص قدميه , لم يتحمل المنظر , أزاح شماغه عن رأسه بسرعة وهو يركع على الأرض بجوارها فسقط عقاله الأسود , ألقى الشماغ عليها ولفها به بيدين مرتجفتين ثم رفعها عن الأرض جسدها المتراخي وذلك الشحوب المريع جعله يصرخ وهو يهزها : عــــــــرووووب , عــــــــــــــــــــــــــــــــــــروبــــــــــ !!!!!!!! قـــــــــــــوميييييييييييييييييييييييي .. عــــــــــــــــــــــــــروووووووووووووووبــــــ ـ ..
فتحت عينيها ببطء و نظرت إليه في إعياء , وحالما ميزته همست بضعف شديد غير مصدق : ي.. ياسر؟ ..
صاح في رعب وهو يعود لهزها : واش اللي سار ؟؟ تكلمي , تكلــــــــــــــمــــــــي ؟؟ مين ؟؟ مــــــــــــــــــــــيييييييييييييييين ؟؟..
دارت عيناها في محجريهما وهي تستشعر الألم الرهيب الذي بدأ يجتاح جسدها كله و جمعت طاقتها المتبقية في همسة : سـ..سرياتي..
ثم تأوهت في ألم و سقطت مغشياً عليها ..
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@