المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
أغنية للشتاء
صلاح عبد الصبور
ينبئني شتاء هذا العام
أنني أموت وحدي
ذاتَ شتاء مثله, ذات شتاء
يُنبئني هذا المساء
أنني أموت وحدي
ذات مساء مثله, ذات مساء
وأن أعوامي التي مضت كانت هباء
وأنني أقيم في العراء
ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي
مرتجف بردا
وأن قلبي ميت منذ الخريف
قد ذوى حين ذوت
أولُ أوراق الشجر
ثم هوى حين هوت
أول قطرة من المطر
وأن كل ليلة باردة تزيده بُعدا
في باطن الحجر
وأن دفء الصيف إن أتى ليوقظه
فلن يمد من خلال الثلج أذرعه
حاملة وردا
ينبئني شتاء هذا العام أن هيكلي مريض
وأن أنفاسيَ شوك
وأن كل خطوة في وسطها مغامرة
وقد أموت قبل أن تلحق رِجلٌ رِجلا
في زحمة المدينة المنهمرة
أموت لا يعرفني أحد
أموت لا يبكي أحد
وقد يُقال بين صحبي في مجامع المسامرة
مجلسه كان هنا, وقد عبر
فيمن عبر
يرحمُهُ الله
ينبئني شتاء هذا العام
أن ما ظننته شفايَ كان سُمِّي
وأن هذا الشِعر حين هزَّني أسقطني
ولستُ أدري منذ كم من السنين قد جُرحت
لكنني من يومها ينزف رأسي
الشعر زلَّتي التي من أجلها هدمتُ ما بنيت
من أجلها خرجت
من أجلها صُلبت
وحينما عُلِّقتُ كان البرد والظلمة والرعدُ
ترجُّني خوفا
وحينما ناديته لم يستجب
عرفتُ أنني ضيَّعتُ ما أضعت
ينبئني شتاء هذا العام أننا لكي نعيش في الشتاء
لابد أن نخزُنَ من حرارة الصيف وذكرياتهِ
دفئا
لكنني بعثرتُ في مطالع الخريف
كل غلالي
كل حنطتي, وحَبِّي
كان جزائي أن يقول لي الشتاء إنني
ذات شتاء مثله
أموت وحدي
ذات شتاء مثله أموتُ وحدي
|