اصبح الان قريبا جدا منها فشعرت براحة تامة لكن دفء جسده وعطر ما بعد حلاقته هاجمتا مشاعرها بطريقة مدمرة. فتحركت مبتعدة عنه قليلا لترتاح من توترها الداخلي وتلمست تمثال نسر نحاسي فوق طاولته. وقالت:
- حصلت على الجرو من السيدة كايلي والد الطفل المصاب عند الممر.
- وماذا في ذلك؟
- اخبرتني انك دفعت فاتورة المستشفى.
- والان تعتقدين انك وجدت شقا في دروعي؟
وجهه كان كالصوان وهو يقف الى جانب النافذة. قوله هذا لم يشجعها على الرد. مع ذلك سمعت نفسها تقول:
- شق صغيرة جدا... ربما
- كوني حذرة كارولا ... والا.
لقد خطت الى منطقة ممنوعة وعليها الهرب بسرعة:
- هل ستبقى الانسة ستيفنز هنا طويلا؟
فرفع حاجبيه دهشة:
- يومين او ثلاثة نادرا ما تبقى طويلا. لماذا؟
- كنت اتساءل اتحبها روزي؟
- لا.
رفعت كارولا رأسها بحدة فأرتسمت بسمة غريبة على شفتيه ثم اكمل:
- دوريس ليس لها طبيعتك السمحة مع الاطفال... تفعل ما بوسعها... لكن...
احمر وجه كارولا مجددا لاحساسها برقته فهو لم يتوان عن مدحها هذ اللية وللمرة الثانية. وتمتمت :
- الافضل ان اذهب الى روزي.
- كارولا...
غريب كيف ان رنة اسمها من بين شفتيه كانت تبعث الارتجاف اللذيذ فيها.
- شكرا لك.
استدارت تواجهه مندهشة:
- على ماذا؟
- على لطفك مع روزي...
- انا مولعة بها.
- وانا واثق ان الشعور مشترك بينكما.
- اتمنى ان يكون صحيحا.
ارادت ان تهرب قبل ان تخونها ساقاها لكنه استدار لينظر الى عينيها.
- هناك شيء مختلف في شعرك.
احست وكأنها ستصاب الإغماء يده تزيح شعرها جانبا حيث مشطته بعناية ليخفي اثر الجرح. واسودت عيناه.
- كيف حدث لك هذا؟
- اقترحت ان نذهب يوما لنستكشف كهفا قديما... ولم احتسب جيدا علو السقف بالنسبة لي.
- ما هو مدى سوء الاصابة؟
تلمست اصابعه اللصوق. ثم تسللت الى شعرها لتجعل من التفكير السوي امرا صعبا عليها. فتلعثمت وهي تقول:
- لقد... ا... احتجت ... بض... بضع غرزات.
فهمس :
- يا الهي. علي ان اوبخك جيدا... لكنني سأكتفي بالقول ان عليك التفكير جيدا قبل اللجوء لمثل هذه الاماكن في المرة القادمة.
صاحت روزي عندما وصلت كارولا اليها في الحديقة:
- اعرف ما جاءت تفعله هنا ثانية.
- من الطبيعي ان ترغب خالتك برؤيتك احيانا.
- انها لا تأتي لتراني... انها تأتي لتبتز والدي.
- روزي!
- هذا صحيح. لقد سمعتها.
- سمعتها؟
امسكت روزي بالجرو لتضمه اليها وكأنه الطفل الرضيع:
- اجل. قالت لوالدي انه اذا لم يعطها المال فستذهب الى الشرطة وتبلغهم عن شيء رهيب فعله والدي.
احست كارولا وكأن يد عملاق عصرت قلبها. اهذا معقول ام انه محض اختلاق من مخيلة روزي؟ ربما سمعت هذا خلال حديث متبادل واساءت الفهم. فالأطفال عادة يميلون الى خلق تفسيرات لأحاديث الكبار. لكن ماذا لو كانت تقول الحقيقة؟ ايمكن ان تكون دوريس ستيفنز تبتز هاري لسبب مجهول؟
- روزي ... يجب ان لا تقولي لأحد ما قلتيه لي الان... اتعديني؟
فهزت روزي رأسها:
- لم اقل لأحد سواك. انت فقط.
- اذن لنبق هذا سرا بيننا. انفعل؟ والان تعالي اكاد اموت عطشا لشرب شيئا بارد. ولا بد ان ديفل عطش ايضا.
قامت دوريس بجهد كبير لتتحدث مع روزي لكن الفتاة حدقت بعناد وانزواء بطبقها واجابت بكلمات مختصرة. قد تكون قليلة الادب في اظهار مدى كراهيتها لخالتها بهذا الوضوح لكن كارولا كانت مؤمنة بأن دوريس تتعمد جاهدة اثارة الطفلة لإثبات شيء ما لهاري. فقد كانت تنظر اليه بإستمرار عندما تفشل محاولاتها في الاثارة. والنظرة في عينيها لا يمكن تفسيرها الا بالإنتصار على هاري.
اشتدت عضلات فك هاري ... وعلمت كارولا انها اذا كانت تريد تجنب مشهد كريه عليها التدخل... فوقفت بسرعة وتقدمت الى جانب روزي والتقت بنظرة هاري النارية بهدوء
- كان اليوم متعبا لروزي وهي تعبة. هل لي ان آخذها الى غرفتها؟
وتصارعت المشاعر في اعماق السيد هاري قبل ان يقف وينحني لها:
- تصبحين على خير روزي وقولي لخالتك تصبحين على خير.
احست كارولا بالجسد النحيل يتصلب تحت يدها لكنها حركتها بطلف باتجاه المرأة التي جلست تراقبهما بعينين ضييقتين. وكانت روزي شديدة الذكاء في معرفة الى اي مدى تقترب ورفعت خدها لدوريس فقبلتها ثم قالت بأدب "تصبحين على خير" ثم عادت الى جانب كارولا. وقالت دوريس بدهاء:
- ربما نقضي بعض الوقت معا غدا ان لم تكوني تعبة.
احست كارولا بإشتداد قبضة روزي على اصابعها. و ردت متجهمة:
- ربما.
وفيما هما يصعدان الدرج التفتت روزي الى كارولا قائلة:
- لا اريد البقاء معها بمفردنا كارولا.
اخذت كارولا تلعن في سرها دوريس ستيفنز لظهورها في وقت كانت فيه روزي على وشك الشفاء من مخاوفها. وقالت بحزم:
- اذا كنت تريدين رؤيتها لوحدكما يا حبيبتي فلست مضطرة وهذا وعد مني.
وفي لحظات اخرى كان الجرو مستلسما للنوم في سلته داخل غرفة الغسيل وروزي قابعة في فراشها. اخذت افكار كارولا طريقها الى البحث في امكانية ابتزاز دوريس للسيد هاري. لا بد ان هناك تفسيرا منطقيا لقول روزي. لكن كيف ستكتشف الحقيقة دون ان تتطفل.
كانت افكارها تدور في دائرة مشوشة عندما قررت الدخول الى الحمام لترتاح جسديا وفكريا. فالامر بأكمله خارج قدرتها وكلما فكرت اكثر بالامر كلما ازدادت حيرتها.
كانت الساعة تجاوزت الحادية عشرة عندما توقفت عن محاولة اجبار نفسها على النوم. وخرجت من السرير. فما تحتاجه هو القليل من الهواء النقي. ارتدت معطفها فوق فستان النوم. وزررته. تطلعت الى غرفة روزي لتتأكد من نومها ثم فتحت الباب بسرعة ونزلت عبر الممر الى الباب الجانبي الموصل الى البرج.
خطوات قدميها المدسوسان في الخف الطري لم تصدر صوتا فوق الدرجات الحجرية التي تقود الى البرج. وفي العتمة الخفيفة كان ظلها يعكس صورا مخيفة على الجدار. لم تكن خائفة لقد تعودت على الصعود للبرج كلما جفاها النوم. لتجد الهدوء والسكون رفيقين مريحين وتبقى مسترخية الى ان يبدأ جفنيها بالانطباق على بعضهما من شدة التعب. استدارت عند اخر منعطف للدرج وفتحت الباب الثقيل. واندفع هواء البحر البارد لاستقبالها. فتنسفت تنفسا عميقا تملأ به رئتيها ثم استندت الى الجدار المنخفض. القمر كان في اكتمال دورته نوره الخافت المنعكس على مياه البحر يعطيه لون سجادة لامعة في الليل.
لا بد ان والديها استمتعا بهذا السحر مرات عديدة خلال ترحالهما عبر البحار. كم مرة جلسا على سطح يختهما ليلا. والبحر هادئ والقمر مكتمل يصغيان الى صوت همس الامواج الناعمة على متن يختهما؟ هل عاشا نفس احساسها الغريب؟ انهما الان في سلام مع العالم وما من احد.. لا بل ما من شيء يمكن ان يمسهما؟
النجوم كانت مجتمعة في صفحة سماء صافية قريبة جدا حتى انها قد تفكر بإنها قادرة على ان تمد يدها لتمسك بواحدة... ربما .. واحدة فقط.. لتعطيها لهاري.. لتشرح له... حبها؟
لا، ابدا.
لكن مليون نجمة فوقها كانت شاهدة على استسلامها للحقيقة.
سألت نفسها : " لماذا هاري؟ لماذا رجل لم يعد لديه مكان في حياته لأمرأة؟ رجل اذاقته الحياة مرارة حتى لم يبقى في قلبه مكان للحب؟ لما لا يكون حبها لشخص اخر مثل مارك؟ انه لطيف رقيق واضف انه واق في حبها. لماذا اختار قدرها ان يوقعها في حب رجل مثل هاري؟
منتديات ليلاس
صوت خربشة خفيفة وراءها جعلها تلتفت بحدة. وعلقت انفاسها في حلقها بعد تقدم من كان موضوع تفكيرها منها. يداه في جيوب روبه السميك.
- ألم تستطيعي النوم؟
- لا.
- ولا انا. تعودت اللجوء الى هذا المكان ليلا عندما احتاج الى التفكير.
وجهه جامد في ضوء القمر. الخطوط من الانف الى الفم انطبقت لتلامس شفتيه... توق غريب اليه جعلها تستدير عنه وتضع يدها على قلبها. علها تستطيع ايقاف خفقانه المؤلم. واجبرت الكلمات ان تخرج م فمها:
- سأعود الى الداخل الآن.
- أتجدين رفقتي كريهة؟
- لا.. بالطبع لا.
الكلمات هذه المرة خرجت من قلبها... وأمرها بلطف:
- ابقي اذن... من المذهل كم ان النجوم براقة في مثل هذا الوقت من الليل. اتعلمين ان من المستحيل ان يلاحظ المرء النجوم في المدينة؟
- ربما لان الحياة هناك صاخبة جدا حتى ان المرء لا يتوقف لحظة ليتمتع بهدوء وجمال الطبيعة؟
أهذا صوتها الذي يرد عليه؟
- لو كان امامك الخيار أتختارين العيش في المدينة ام ستفضلين مكانا خياليا هادئا كهذا المكان؟
انه سؤال غريب... لكنها اجابت بعد تفكير:
- اختار المكان الهادئ.
- ولو تزوجت رجلا في يوم ما. ومهنته تحتم عليه السكن في المدينة
- اذهب معه طبعا.
تفرس بها جيدا قبل ان يسأل:
- ألن تعترضي؟
- لن اقف في طريقه. ثم انني...
وعضت شفتها بقلق ما القصد من هذا النقاش والى اين سيقود؟ سألها وهو يتقدم ليقصر المسافة بينهما مما اثار نبضاتها خوفا:
- اجل؟
- عندما ... انت... انا... تحب شخصا فسعادتك تكون معه. ولن يهمك اين تعيش.
اجابتها المتلعثمة الصادقة ألبست وجهه قناعا من السخرية القاسية.
- هذا نبل زائد منك. لكن ما ان تضعي الحبل حول عنق شيطان مسكين حتى تنسين هذه الكلمات الشاعرية التي تلفظت بها الان. وسيضطر عندها لفعل ما تريدينه انت.
صاح قلبها : " هاري انا لست هكذا. لانني احبك". لكن عقلها جعلها تقول بصوت مرتفع حاد:
- لو انصاع لأوامري سيكون رجلا ضعيفا ولا يستحق اكثر من هذا.
- واذا لم يفعل يمضي ما تبقى من حياته يناضل من اجل مبادئه حتى من اجل وجوده.
كانت تواجه جدارا صلبا. اما هو فكان يغرز سيفا حادا في قلب ينبض حبا وحنانا. فهمست:
- تجعل الزواج يبدو وكأنه ميدان معركة.
- انه هكذا تماما. ميدان معركة وعلى الرجل التحلي بالشجاعة في مواجهة تكتيكات النساء الشيطانية.
- الزواج ليس هكذا اطلاقا. ولا النساء شريرات كما توحي.
- ألسن كذلك؟
- انت تعلم انهن كذلك.
تحرك عندها فتراجعت الى الحائط تحس بالحافة تغرز في ضلوعها فوق الخصر تماما. فأحتجزها هاري بوضع يديه على جانبيها فأحست انها عالقة في الفخ انفاسه حركت شعرها فتسارعت نبضاتها بشكل خطير. كانت في وضع هش وضعها فيه متعمدا قربها منه اثار فيها مشاعر حاولت كثيرا ان تكبحها:
- انت لست مختلفة عن النساء الاخريات كارولا. لو اخذتك بين ذراعي الان. ستذوبين وتصبحين ألعوبة في يدي. لكنك من الداخل انت شيطانة مغوية ماكرة كبقية بنات جنسك.
- هذا غير صحيح.
وضع يده على ظهرها.. قوية .. تطلب الاذعان.. يضمها الى قساوة جسده. خشونة روبه كانت تحت راحتي يديها وهي تحاول دفعه عنها. لكن الضعف شلها وقضى على قواها فقال ساخرا:
- أنت ترتجفين.
عناقه لها كان دون رحمة، مطالبا في البداية. ثم اصبح ناعما عن قصد يمرر يديه على ظهرها ليوقظ إحساسا لم تعرفه من قبل. كانت تعلم ان عليها مقاومته، لكنها افكار لا فائدة منها وكل عصب من اعصابها كان ينبض بالتجاوب لملامسته. لكن... من الجنون تركه يغازلها بهذا الاسلوب وفي وقت لا يقود سوى الى تحطيم قلبها. وبهذه الفكرة القاتمة بدأت تقاومه. تأوهت في هدأة الليل, التي لم يكن يقطعها حتى تلك اللحظة سوى صوت خفقان قلبها:
- لا. ارجوك لا تفعل.
- شفتاك تقولان "لا" لكن جسدك يقول "نعم" وهذا يثبت وجهة نظري ان النساء مخادعات.
إستردت وعيها بسرعة فادخلت الهواء النقي الى رئتيها عبر حلق آلمها:
- ماذا كنت تتوقع مني ان افعل؟ اظننت انني سأسمح لك بما تريد كي تؤكد لنفسك انني ككل النساء، استخدم جسدي للإيقاع بك؟
- هل ستنكرين ان الفكرة خطرت لك؟
كان هذا اخطر غرزة سيف وتخلفت من بصرخة لتنزل الدرج الملتوي وعبر الممر القصير وغرفة جلوسها ثم غرفة نومها.
غضبها في تلك اللحظات سيطر على المها فتعلقت به كغريق يتعلق بخشبة في بحر هائج... الى ان تغلب عليها النعاس.
بقيت كارولا مبتعدة عن طريق هاري طوال صباح يوم الاحد لكن من المحتم ان يلتقيا على الغذاء مع ضيفة المنزل تصميمها على مسح ذكرى ما حدث بينهما وتصرفاته الباردة جنباها قدرا كبيرا من الاحراج.
بعد الظهر كمعظم باقي الايام جلست كارولا في غرفة التدريس تحضر عمل اليوم التالي... واندهشت عندما سمعت طرقا على الباب ودخلت دوريس لتدخل معها رائحة عطر فاخر. لم تكن كارولا تتصور انها مهتمة بحال روزي. فتصرفاتها كانت توحي بذلك عندما اجابتها كارولا على اسئلتها حول الطفلة. اذن لا يمكن ان يكون اهتمامها هو سبب هذه الزيارة. فالسبب واضح على الارجح هو وجودها في القصر كمربية لروزي... ولن تضع دوريس لحظة للوصول الى الموضوع.
- منذ متى وانت موظفة عند هاري؟
- اكثر من شهرين بقليل.
- وستبقين الى ان تصبح روزي قادرة على العودة الى المدرسة الداخلية؟ لو كان لي يد بالامر لقررت عودتها منذ زمن.
لو ان لها يدا بالامر لما كان لروزي فرصة في دخول منزل ابيها مجددا. وردت كارولا:
- اذا وجد السيد موريل انني ممتازة.. سأبقى.
- انا واثقة انه يجدك هكذا فهو ابدا لم يكن في وسعه مقاومة وجه او جسد جميل.
فردت كارولا بإشمئزاز ظاهر:
- ليس لمظهري اي علاقة بعملي.
الصوت الاجش تحول الى السخرية:
- ليس له علاقة؟ هل وقعت في حبه؟
اخذت كارولا ترتجف لكنها تمكنت من المحافظة على قدر كاف من الهدوء الخارجي:
- انسة ستيفنز لست ارى سببا لكل اسئلتك هذه.
صرفت دوريس النظر عن احتجاج كارولا بطريقة المرأة المعتادة على تنفيذ ما تريد وقالت بلؤم:
- لا تراوغي حول الامر انسة..... اه ... وارندر. هل وقعت في حبه؟
تصادمت نظراتهما ورمت كارولا الحذر جانبا لترد بحدة:
- اذا كنت قد احببته فهذا ليس من شأنك
فأبتسمت دوريس ابتسامة رضى جعلت كارولا ترتجف:
- اوه... لكنه من شأني يا عزيزتي... اترين هاري لن يتزوج سواي. لأنه لو فعل سأحطم حياته.
- بأية طريقة؟
- يا عزيزتي. لقد حاول تسميم شقيقتي مرة ولو لم اكن معهما وآخذها الى المستشفى بسرعة لكانت ماتت يومها. وسمعته كذلك يهدد بقتلها قبل ساعة واحدة من الحادثة.
وصمتت لتترك المجال لحديثها ان يعطي التأثير المطلوب ثم اكملت:
- بضع كلمات في الاتجاه المناسب يمكن ان تدمره لو اعيد فتح ملف القضية واعلنت هذه الوقائع.
اهذا ما سمعته روزي؟ اذا هناك بعض من الحقيقة في قول روزي البريء؟ هل صحيح ان هاري يدفع لهذه الشريرة المال للبقاء صامتة؟ انها افكار رهيبة تفضل عدم التركيز عليها. لانها تجدها صعبة التصديق.
- لا يمكنك ابتزاز رجل بهدف الزواج منك ثم التوقع بأن تجدي السعادة معه.
- لا بد انك تعرفين انسة وارندر انه رجل ثري... وهذا هو الدافع الوحيد الذي احتاجه لأبقى سعيدة. ومن يمكن ان تكون زوجة اب لروزي افضل من شقيقة امها؟
قالت كارولا بعد ان احست بموجة خوف تجتاحها:
- يجب ان تعذريني انسة ستفينز. لدي اعمال اقوم بها.
فهمت دوريس ان المطلوب منها الخروج فوقفت من على الكرسي لتقول بلهجة تهديد واضحة:
- تذكري فقط واقع انه لي انسة وارندر. وانت لن يعجبك ان يقترن اسمه بالفضيحة على صفحات الصحف. اليس كذلك؟
ردت كارولا وهي تشعر بالغثيان لفكرة ان تكون امرأة بجمال دوريس ستيفنز سيئة الاخلاق وفاسدة بهذا القدر.
- اظن انني بدأت افهم اشياء كثيرة كانت تحيرني في السابق. وانا شاكرة لك. انسة ستيفنز.
عطر خفيف في الجو كان كل ما بقي عالقا ليذكرها بزائرتها. وعادت كارولا للجلوس على كرسيها تدفن وجهها بين يديها ما قالته لدوريس صحيح لقد بدأت تفهم لماذا يكره هاري النساء هكذا. اذا كان المثال لحكمه هو دوريس. هل من الممكن ان تكون زوجته بجماله وحساسيتها فوق المسرح تشبه شقيقتها في الشخصية؟
لم تصدق كارولا مطلقا ان هاري قد تعمد تسميم زوجته ولا انه دبر الحادثة التي كانت حياته وحياة اولاده في خطر من جرائها. فهو دائما يسيطر على مشاعره ولا يمكن غبيا لدرجة قتل احد في ثورة غضب او بدونه انها واثقة من ذلك ثقة لا تستطيع تفسيرها.
افكار كارولا الخيالية بانها قد تظهر لهاري في نهاية مشوراها معه معنى السعادة الحقيقية ماتت ميتة عنيفة قبل ان تبصر النور. قد تكون تمكنت من تخفيف حدته او هز دفاعاته لكنها لن تتمكن من تحدي القبضة التي تقبض بها هذه المرأة عليه قبل ان تعرف الحقيقة الكاملة. وهو لن يجعلها مطلقا موضوع سره. انها موظفة لديه... شخص اخر يستطيع املاء شروطه عليه او الافضاء بنظرياته او تسلية نفسه معه اذا اراد لكنه لن يعتبرها مطلقا اهلا لمشاركته مشاكله.
تأوهت وكأن السكين قد التوى في قلبها مما جعلها تنسى كل شيء ما عدا الالم الذي سرى في جسدها. حب هاري محنة لم تمر بمثلها من قبل. لقد احبت ديفيد خطيبها السابق بطريقة محددة وارادت الزواج منه. لكن مشاعرها نحون ليست شيئا بالمقارنة مع هذا الشوق الغامر والرغبة الحارقة التي تتملكها. كل عصب من اعصابها يبدو متيقظا لسماع صوته، خطواته. ولمجرد وجوده معها تحت سقف واحد. انها غبية لسماحها لهذا ان يحدث مع ذلك لم تكن يوما نابضة بالحياة ولا مدركة واقعها كأمرأة اكثر من الان.
لم تعرف كم بقيت في غرفة التدريس غارقة في افكارها تائهة عما يحيط بها لكنها قفزت بعنف عندما انفتح الباب دون يقرعه احد. لتسألها روزي بلهجة سلطوية تشبه لهجة ابيها:
- ألن تأتي لتناول الشاي؟
بعد كل افكارها البعيدة المنال البعيدة عن المنطق سؤال روزي بدا لها مرحا. فدفعت شعرها الى الوراء وضحكت لا تستطيع لوم الصغيرة اذا وجدت تصرفها غريبا. اذ كيف لطفلة ان تفهم الآمال المثيرة للاشفاق التي يحلم بها الكبار احيانا. او سبب الضحك الهستيري عندما يذكر "امر مهم" مثل شرب الشاي؟