كاتب الموضوع :
قهوة!
المنتدى :
الارشيف
15 )
عندما كان لظل كل شيء مثله،كنت في منزلهم ، وكانوا لا يزالون نيام،
قضيت وقتاً في ترتيب الصالة بعض الشيء،ثم بقيت بالمطبخ اعد ماتبقي من طعام الغداء
حتى استيقظ بدر،وجلسنا نتبادل حديثاً مطولاً فنحن لا نحظى دائماً بانفراد تام ،لم أجد الكثير لأتحدث عنه معه وهو على النقيض مني..
استيقظت رسيل وعند أذان العصر كنا قد انتهينا من الوجبة،وبدر ذهب للصلاة
اقتربت من رسيل وقلت لها متأملة مساعدة أو رأي
-”رسيل حبيبتي عندي موضوع ودي اكلم بدر فيه وقلت اقولك قبل”
نظرت إليّ بتشكك..، ثم تحولت نظراتها لخوف غريب، وكانت ستواصل التغير لو لم أخلصها بقولي مباشرة:
-”بخصوص ابوك..امس لان جوالاتكم مقفلة ورحلتكم تأخرت قلق عليكم واتصل علي يسأل عنكم”
شعرت أن ملامحها تتنهد بارتياح..فقالت:
-”غريبة”
لم أكن أتمنى سوى عدم تخييب ظنها،إلا أنني خيبته وأنا أكمل حديثي قبل عودة بدر
-”اتصل على بيتي وقال ناديلي رسيل ولا بدر..انا قلتله انكم في بيتكم..وماكنت عارفه ان ماعنده خبر”
رفعت إحدى حاجبيها وقالت لي بشيء من الاستنكار:
-”طيب عادي هو مامنعنا نجي بيتنا واصلا يـ”
قاطعتها مخلصة كلتينا من الموقف
-”كان يحقق معي عن مكانكم بجد!..قلت وين بيروحون يعني ببيتهم..قال مستحيل بيتهم انا بايعه من زمان مو معقوله”
قالت مباشرة باندهاش:
-”بايعه؟بيتنا؟”
أومأت لها بالإيجاب…
تسمرت نظراتها على عيني، ثم بدأت بالنفي… لاأدري ماتنفيه بالضبط اهو كلامي أم واقعهم
لكني بدأت بتهوين الأمر شيئاً فشيئاً…حتى أتى بدر ورسيل لم تنبس ببنت شفة
بدر بعد دقائق دارت نظراته بيننا فقال:-”وش فيها رسيل؟”
أجبته بابتسامة: “ولا شي “
.-.
.-.
.-.
ليس الأمر يبدوا كما تقول خالتي..بالطبع هناك شيء وقد يكون بالتأكيد موضوع ضايق رسيل..وماعساه يكون غير زواجها!
قلت لخالتي بعد أن تقدمت عدة خطوات لأستقل الكرسي
-”اذا عن زواج رسيل ياليت تلغين الفكرة”
ثم استدركت ماقلته فأسرعت بالتعديل:
“او تأجلينها لين ..بعدين”
ربما لأني أصبت الهدف تبادلت رسيل وخالتي نظرات مطولة ثم قالت لي:
-”رسيل بتتزوج ولدي وبتعيش معنا بالبيت..وانت بتسافر تدرس ولارجعت يصير خير”
لاادري مابالها توزعنا في حضور..!
قلت بصوت يزداد صرامة:
-”رسيل بتتزوج اذا خلصت الجامعة..الحين لا”
-”ليش الولد مستعد؟”
-”ورسيل تشوفين انها مستعده؟”
نظرت خالتي لرسيل التي تنظر لنا كمن يشاهد مصيره في كرة سلة!
قالت:-”الله يكتب اللي فيه الخير”
التفت لرسيل أريد منها النطق بشيء..تؤازرني بالقرار ،توقعت أن تنطق بأي شيء آخر عدا ماقالته حينها
والذي جعلني دقائق أناوب الالتفات بين خالتي واختي.. ثم وقفت من الكرسي،وفور وقوفي بكت رسيل!
وعندما بكت قلت لخالتي:
-”صدق اللي قالته؟ابوي بايع البيت؟”
.-.
.-.
كنت اجلس مرة اخرى على الكرسي،ركبتيّ لم تعد تطيقان الوقوف واستمع لكل حرف تنطق به خالتي..هي تواصل توضيح الأمور وأنا أواصل عدم التصديق
“باع البيت؟؟طيب…واحنا؟؟”
لا ادري أكنت اسأل عن ماسيؤول إليه حالنا، أم هل باعنا أيضاً..
قالت خالتي بتبسيط للأمر:”انت بعد رمضان بتسافر تدرس ورسيل بترجع معي والبيت بيتها وانت عارف..وعقب تتزوج مازن والله يسهل ان شاءالله”
وكأن الجملة الطويلة التي قالتها لم تكن سوى مازن..ذاك ماكان ينقصني أيضاً.!
-”رسيل ماراح تتزوج انتوا وش فيكم “
لا ادري من اقصد وماذا اقصد..أخرجت هاتفي واتصلت به..أبي!
-”السلام عليكم…الحمدلله بخير..ايه الحمدلله..الله يسلمك…ايه نسيته مقفل..نسيت..امر بغيت شي…ايه..ان شاءالله…طيب بسألك وش سالفة البيت؟…يعني صدق بايعه…ايه…وحنا؟…
ادري…مين شراه لمين نسلمه؟…ميــن؟؟؟.صادق…يبه انت تتكلم صادق بالله عليك انت عارف وش سويت…ادري محشوم انا قصدت مافكرت فينا..شلون…(ارتفعت نبرة صوتي) عيالك حنا ولا عيال ابو عمر؟.. حتى بيت امي اخذته مابقيت لنا شي …ادري..ادري وتبينا نقول جزاك الله خير… مهي عندي الحين..مع السلامة “
.-.
جلس بدر ووضع يديه على رأسه،وابتعد عنا كثيراً.. يبدوا أن والدي كعادته لم يبال بشيء..أكان يطلبني قبل أن يغلق من بدر؟…ماذا تراني سأقول له بعد أن شعرت أنني لااحبه مطلقاً…!
تذكرت قلت مباشرة لبدر:
-”وشو اللي عيالك ولا عيال ابو عمر؟”
رفع رأسه وتجاهل خالتي التي قالت:”مهما كان لاتنسى انه ابوك..مهما كان”
اتجه للسلم ليصعد وهو يقول:
-”بايع البيت على ابو عمر مالقى الا هو من النـ…”
بتر جملته كي لايخطئ،وكأنه استجاب مباشرة لما تود خالتي إخباره حينها…والذي يعلمه مسبقاً لو اقتنع انه حقاً والدي..،”ولاتقل لهما افٍ ولا تنهرهما…”..،جميل أن نستطيع تطبيق كل مايلزمنا قبل نتمادى في الفحش بالقول، فأنا على يقين انه لو لم يكن أبي…لضج بدري بالصراخ والذم والتحقير منه أمامي..
إلا انه اكتفى بضرب سياج السلم بقدمه بقوة مرات عدة، إستزرى موقفه واستشنعه، واستثار أمامنا مرة تلو الاخرى، رحلت خالتي وبكيت أنا..أقصد بقيت أنا…
وانقضت الليلة الأخيرة في عمرنا بهذا البيت…!
.-.
.-.
.-.
الشيء الذي لم يجعلني أنام أن أبي باعه دون علمنا حتى، وان مشتريه والد صديقي المقرب..!
وبالطبع لمصلحة تجارية يكسب فيه أبي، شيء وحيد كنت أفكر فيه أكثر الوقت:
-عمر في الفترة الأخيرة كثير التفكير،منشغل البال..الآن فقط عرفت أن لمنزلنا السبب
وان والده لايسعه سوى السكوت لمنحه لنا مالم يمنحه والدي…سنخرج غداً..
لو كان الناس جميعهم كأبي عمر…لكانت الدنيا بخير…، ابي…غير صالح للأبوة..لأجل غير مسمى!
.-.
.-.
قبل صلاة الفجر،خرجت من غرفتي متوجهة للصالة،فقد نسيت هاتفي وأنا استعمله كمنبه، رأيت المجلس مضاءً..اقتربت لأتفقد الوضع…فرأيت بدر
-”مانمت؟”
دون أن يلتفت الي قال:-”الحين بيـ أذن”
لقد كان يبكي..!!
صوته،وعيناه التي يخفيهما عني،وكل شيء يدل على بكاءه..!
-أوجعني قلبي كثيراً وأنا التي لم أرى بدري يبكي منذ زمن،وكأن الدنيا ضاقت مرة اخرى وشدت على صدري، انسحبت لغرفتي وأنا لا ألوم احداً سوى ابي…
.-.
.-.
بالغد..
بينما كنا نشاهد التلفاز، التفت إلي بدر وقال:
-”بسألك وجاوبيني بصراحة الموضوع مايتحمل التأجيل”
-”خير؟”
-”انتي تبين تتزوجين مازن ولا لا؟”
ظللت صامته،فأنا لست واثقة من رفضي بعد لا لأنه مازن بل لأنني لا ادري أأستطيع العيش معهم بينما ارفض ابنهم!
عندما نظرت إليه شعرت بالخجل من سؤاله حتى..!
أضاف:-”بنرجع لخالتي مثل ماتشوفين..اليوم ولازم تقررين عشان أتفاهم مع خالتي”
إن قلت لا..فبدر سيقولها مجردة لخالتي..فهو لن يبرر شيئاً..وأنا لن استطيع
-”مابيه ومابي اتزوج بس خالتي بتنصدم لأني…”
قال بدر مباشرة وهو يعود للتلفاز
-”اجل خلاص أنا بقولها..إذا فتحت الموضوع”
- كثرة التبرير بطانة للأسباب الغير محتملة الظهور،والتي تتضح ضمن الحقيقة،وذلك شيء لايحبه بدر أبداً..احياناً أشعر أن الأسلوب الذي يتحدث به بدر هو الأمثل لمجاراة الحياة، كما ورث عن أبي الطرق المباشرة.. يفضلانها معاً إلا أن بدري يؤمن انه إن لم يكن”نعم”فهو حتماً..”لا”..، لامجال للتفكير..
أما والدي ان لم يرده “نعم” فهو جبراً “لا”…، لامجال للنظر مجدداً..!
وأنا…احب الإجابة بنعم..وكذلك لا.. فلاتوجد بيني وبين الكلمتين عداوة إلا أنني غالباً أفضل أن لاانطق بهما ،فأستبدل الاثنتين بكلمة السلام…”ربما”..!!
قاطع جدول الفروق في رأسي بدر عندما قال:
-”عمر يوم قلت له اني عرفت عن البيت ووصلت اعتذار لابوه وانا احس انه ارتاح شوي بس ماعلق”
أما أنا فما اشعر به هو الحنق عليه، والحقد أيضاً لما يقول عنه الآن..!
ألا يكتفون بما سلبته الحياة منا…الم يجدوا غير منزلنا ليأخذوه أيضاً..!
وبدأت بسيل من الاعتراضات على مسمع من بدر والتي تنص كلها على عمر
-”صدق ناس ماتستحي والحين بياخذون بيتنا بعد”
لم يعجبه ابداً كلامي وقال
-”هذا من ابوي عمر ماله ذنب..بعدين تراه ابوه اللي شراه”
-”عمر وابوه واحد صار بيتهم يعني”
تغيرت نبرته لليأس
-”من زمان مو توه…بعدين لو ابوه بنظرك غلطان عمر مو مسئول عن تصرفاته مثل ما احنا متبرين من تصرف ابوي..ولا؟”
جملته كانت كفيلة بتنغيص يومي، وتكديس قهري وحقدي ،وترتيب آخر حقائبي للخروج بلا عودة،واليتم من جديد..!
اتجهت لغرفتي لا اصدق أنني سأخرج منها بلا عودة..!
فضلت الاتصال بدانة لأخبرها بالضياع الجديد..وأشعر أنني بدأت اخجل من كثرة مشاكلي… التي لا اريد من الشكوى سوى الكلام.. ان لم يواسينا يبدد الآلام..!
أخبرتها بما حدث بالأمس، كانت غير مصدقة مافعله والدي بنا..وذلك زاد من فرصة تكذيبي للخبر..!.. أخبرتها أنني وبدر بين الفينة والأخرى نعيد النقاش بالموضوع،ونعزم على الرحيل ونؤجله مراراً وتكراراً..! وأن عمر نصح بدري بأن لانخرج الآن،ونحن نود التريث ولانستطيع..،
ربما سنرحل هذا المساء..،نلت قسطاً من راحة وآخر من أمل وأغلقت الهاتف
-كنت أحرك كوب المشروب الساخن الذي أعددته منذ قليل، حتى سمعت هاتفي يرن..
من تراه يكون!
أمسكت به فإذا بها دانه..! مرة اخرى!
-”هلا دنو”
-”اهلين ليش مارديتي بسرعه”
-”مزاج ههههه ها وش فيك؟”
-”عندي فكرة جهنمية بتوديك في داهية”
-”هههههههههه الله يستر منك لا تكفين مابي يكفي اللي فيني هههههه”
ضحكت مجدداً ثم قالت
“قولي لاخوك يزوجك عمر وانحلت المشكلة ههههه”
-”وع اسكتي تكفين هههههه لايكون هذا حلك”
ضحكت ثم قالت بإصارار
-”لا لاامزح حتى لو تبين ههه “
-”انتي شفيك اليوم صدق خبله..يلا قولي ولا بسكر”
-”اوف طيب انتي قلتيلي ان عمك يبغاكم تجون عنده صح؟”
فوجئت بموضوعها هذا لكني أجبت
-”ايه ولا احنا ولا ابوي نبغى”
-”تقولين عياله مسافرين دراسة صح؟”
أجبت بالهدوء الممل ذاته
-”صح”
ثم تغيرت نبرة صوتها وعلت
-”طيب ليش ماتروحين تعيشين عنده مو عالاقل ماتتحجبين ببيتك ههههه”
لم استسغ جملتها تلك،ولا الموضوع بأكمله وأنهيت المكالمة على أمل أنني سأفكر بالموضوع
وأنا اكذب بالتأكيد..!
.-.
.-.
-”وش فيك؟”
رفعت رأسي لبدر الواقف أمامي المتنقلة عيناه بين جهازي وعيني..،فقال:
-”مازن اتصل؟”
يبدوا أن ملاحي يتضح عليها الضيق، قلت مباشرة
-”لا دانه كانت(ألقيت بالهاتف وأنا أضيف) تقنعني أعيش عند عمي بدل خالتي”
خرج من الغرفة متجهاً لغرفته وبدا غير مهتم بما قلته،ثم سمعته يقول هناك
-”جربي ماراح يضرك شي..دامك متضايقه من مازن ولمى”
يبدوا هو الآخر مشجعاً للأمر ذاته..! ألا يعي أنني لااستطيع التنقل أكثر من منزل لآخر..!
ألا يعي أنني لااعرف عن عمي شيئاً…وان والدي يختلف معه!
وكأن بدر كان يقرأ أفكاري،عندما عاد وهو يقول
-”يمكن صعب عليك لكن بتتعودين أنا أشوف انه الأفضل وقلتلك قبل…وابوي ماعليك منه”
اخذ علكة كنت أضع بعضاً منها على الرف المقابل للباب وقال
-”انا افضل عمي الف مرة وياما قلت لك ومااخذتي برايي هالمرة اشوف انك لازم تروحين لعمي لو بقيتي عند خالتي بتتزوجين مازن …”
أضاف:-”وش بتخسرين؟ صدقيني ولا شي..! (ربما كانت الجملة الأكثر بؤساً في حديثه) وعلى فكرة انا ماراح ارجع لبيت مازن وابوه برجع للشرقية ولا بروح لعمي”
انه يخيرني بين أن نبقى سوية أو يسافر مرة اخرى..انه يساومني بأمرين لااحتمل كلاً منهما
إنها المرة الأولى التي اشعر بها انه يمارس الضغوط علي!
هو بالتأكيد يعلم أنني قد أفضل خالتي على عمي..ماباله بدر..!
.-.
.-.
بعد ثلاث أيام أطول من معلقة امرؤ القيس،وأصعب من مفرداتها علي..!
دون أن اودع المنزل خرجت..،ودون رغبتي بالذهاب لعمي وافقت،
كما هي أنا دوماً ،لم أتغير للأسف..!!
-اتفقت مع بدر على أن نبقى في منزل عمي فقط في رمضان،وفي حال سفره أعود لخالتي
ولم اعلم أن أمراً سيجد..ولم اعتقد أن قراري سيرتدي ملابس أخرى!
ما انطق به مجموعة من الرداءات المختلفة،وما اسمعه قبعات مختلفة تخفي رؤوس الجمل وتظهر بعضها، وكأنني هذه الأيام أعيش حفلة تنكرية..!
أخبرت خالتي بذلك،ولم تأتي كلتينا بموضوع الزواج، ربما بدري كفى ووفى بالكلام وألبسها خيبة ستبقيها صامته فترة طويلة!
وأظن أن رامي لم يكن موافقاً لخطبتي كما أرادتني له زوجة أبي،سمعت انه رفضني لعمري أو لحجة اخرى!
وذلك ماستنتجته ذات فراغ،وما جرحني ذات غباء، وما جعلني أفكر أنني قد حصرت روحي بين زواجين كهروب لطريقين لن أجد السعادة فيهما…
-حتى متى سأبقى ادرس هذه الحياة التي تشبه تقلب مزاجي! ليلة رمضان..،
الأجواء الروحانية تخلق في صدري واحة، ومعرفتي بتصفد الشياطين جعل مني أغشية لملاك..!
راحتي هذا اليوم تجعلني سعيدة، رغم أنني ألج المكان الذي لم أفكر بزيارته سابقاً وانا اعتزم العيش فيه، ولو فترة قصيرة!
وها أنا التقي بـ عمي..!
-عانقني أربع دقائق،جعلني اشعر بالشفقة على ذاتي وهو يقول:
-”حياك الله ببيت عمك..بيتك”
تراجعت قليلاً فكدت اصطدم ببدر الذي عانقه بسرور شديد لكليهما، وتبادلا حديثاً قصيراً
لم يكن بدر يزوره لكنه يواصله بالهاتف كلما أراد عمي السؤال عنا…مذ رحلت امي!
كنت ادقق النظر بملامحه، فلا اذكره مطلقاً..! صورته في داخلي اعتقد أنها مزقت مع الزمن..!
إذاً هذا عمي…! يملك البعض من ملامح أبي، عينيه ربما لا ربما نظراته..أو قد لايكون يشبهه!
وأنا ادقق النظر وجدته يبتسم لي، وبدر يضحك
هل اتضح أنني أقوم بلعبة تركيب الصور !
-”هذي بنتي جَنَان”
التفت للفتاة الكبيرة ذات الشعر الأجعد،ممتلئة قليلاً عيناها تعلن اندهاش وفمها يصبغه لون احمر وشفتاه تبتسمان!
اقتربت منها وبادلتها السلام والابتسامة ،ابتسامتها أشعرتني بأريحية كبيرة
-”كيف حالك؟”
-”تمام”
اتسعت ابتسامتها وهي تقول:-”تعالي اوريك غرفتك”
نظرت لبدر فهز رأسه مشجعاً..،لااشعر بالطمأنينة إلا عندما انظر إليه..!
قبل أن أخطو معها للداخل قفزت في رأسي ملاحظة:إنها لاترتدي حجاب..!
كنت اتبعها لحيث تريدني،..صعدنا السلم متوجهين للأعلى وكأنني لم ابقي شيء خلفي واصعد فقط بحثاً عن النجوم في هذا اليوم اللامع، والذي سيكون ذكرى ذات يوم!
-”كنت انتظرك من زمان..أخيراً صار عندي اخت بدل ما انا لحالي أقابل الجدران هههههه”
قالت ذلك ونحن نواصل السير لغرفتي التي ستصبح غرفتي، ضحكت رداً لجملتها وبدأت بالتفكير بحالها بينما أتفقد المنزل بعينيّ
تبدوا وحيدة آه تذكرت حتماً إنها هي التي اخبرني عنها بدر منذ فترة أنها تطلقت من زواج دام أكثر من سنة
-”هذي غرفتك وهذي غرفتي”
أشارت لي بغرفة قريبة من اخرى تتشاركان بضوء قوي اصفر ،وكأن الشمس تشرق في المنزل وذلك الذي لم اعتده مطلقاً
-”مشكورة”
قلت ذلك وأنا أواصل تفقد غرفتي إنها جميلة نوعاً ما..ومريحة لقدر كبير
كنت أجلس على طرف السرير، أحرك رجلي بتوتر شديد،شاهدتني جَنان فقالت بابتسامة:
-”شفيك”
ماكان مني الا سؤال أول أوجهه لها:
-”وين زوجة عمي؟”
اختفت ابتسامتها وقالت-”امي بتجي بعد شهرين..يمكن”
قررت النزول لبدر..
سألته مباشرة
-”وين غرفتك؟”
اخبرني انه سيقطن في غرفة بالأسفل ثم قال مازحاً
-”لايكون غرفتك احسن من غرفتي..لا لاعمي ماله حق”
أعلم انه قلق علي،قلت كي لايفعل:
-”ههههه بروح ارتب أغراضي..عشان اقدر أتأقلم شوي”
ومر اليوم جميلاً هادئاً…وتبعه آخر..وآخر…
وانقضى نصف رمضان، أحببت المنزل لأنني شعرت براحة،لم يكن هناك كابوس أن أرى مازن أو أتلقى لسعة من لمى، أو أجاري خالتي بالكلام..!
وأحببت جَنان لأنها بسيطة مرحة رغم إحساسي بفراغ حزين يستقل جزءً من داخلها ، تكبرني ربما بأربع سنوات لكنني استطعت النيل من فارق العمر،وتلك الاولى التي اندمج معها بعد دانة
ومنذ زمن طويل…!
خرجت قبل أذان الفجر لتناول السحور، وبعد انتهائي صعدت وفوجئت بالغرفة التي قرب السلم مفتوحة،تقدمت بفضول أطللت برأسي ففوجئت بغرفة تمتلئ بشعارات رياضية، تبدوا لابن عمي المسافر، والغرفة المقابلة لها تبدوا مقفلة وهي لابن عمي الآخر
قالت لي جَنان ان الاثنين مسافران ولا يعودان في الإجازات إلا نادراً..!
غادرت المكان وأنا افكر فقط بأنه لم يقفل غرفته..! وذك اغرب مامر علي لأنني أثناء خروجي حتى ساعة واحدة اقفل غرفتي كيف وان فكرت بالسفر…!
إلا انه لاغرفة لدي الآن…ولامنزل!
.-.
انتقالي لعمي أحدث بتلك الهاوية التي كدت أسير عليها منحى، غيرت اتجاهي كـ قدر..!
الحياة مأخوذة بالمفاجأة..ونحن نلج في بحر الدهشة…ونتراقص على موجه، ونخاف السقوط للداخل ونختفي…
واليوم أنا مأخوذة بكل شيء..وكأن الجزء من هذا الكتاب أصر على إدهاشي..وكأنه الوحيد أيضاً الذي سيأخذني من القلم الذي هجرته لكتاب آخر غير قابل للقراءة لأنه لم يكتب بعد..!
كل تلك الألوان التي سمعت بها أراها تتشكل أمامي، لاأجرؤ على الاحتفاظ بشعوري الجديد.. سكون يجتاح قلبي كلما خلوت بغرفتي الجديدة، وابتسامة تعلو محياي كلما رأيت ابنة عمي تلك… لم أرغب بالابتسام..ولم ارغب بالمجيء..ولم ارغب بتفقد ملابس التشرد على جسدي في كل مرة أخلو بها إلى نفسي..،إلا انني افعل دوماً مالا اريد..!
-غداً بداية العشر الأواخر من الشهر..، طلبني بدر للنزول إليه..وصوته جعلني احاول أن اطمئن نفسي أثناء سيري بأنه حتماً لاشياطين في رمضان اكرر ذلك… ولم أعي حينها أن ثمة شياطين إنسية تزاول حياتها ..،ولا أقصد احداً..!
-”شفتي ابوي..ماكفاه يبيع البيت وبس “
كان هذا ماستقبلني به،أو صفعني به رغم انني لااخاف فقد شيء أكثر مما فقدته إلا أنني قلت محافظة على هدوء مرتبك
“وشو بعد؟”
-”ابوي معصب يقول ارجعو لخالتكم وقالب الدنيا فوق تحت ليش ماستأذناه قبل لانجي هنا ويوم درى اننا كل هالوقت هنا بغى ينجن ..مدري مدري وش يبي بالضبط”
-”وانت وش سويت؟”
كنت أخاف على بدر من نفسه ومن غضبة..وغضب والدي!
-”قلت له اننا بنبقى هنا وسكر بوجهي “
تنهدت بحسرة، لقد تعبت حقاً…تعبت!
.-.
.-.
كنت غاضب من والدي، وفي داخلي تحدي كبير ، وشيء يجبرني على البقاء هنا والإصرار عليه لأنه قد يضايق ابي..!
بت استعيذ بربي من ا ن أعق به،لكن كرهه لعمي لدرجة إخراجنا حيث خالتي أو اللامكان يجعلني اصرخ واصفع الأبواب واقذف سماعة الهاتف مرة تلو الاخرى..
شيء في داخلي غاضب حد الجنون…عمي اجزم الآن انه لم يكن ليظلم أبي..وأحاول مراراً إقناع رسيل بكذبة أبي المحكمة لكن خطاها قصيرة ربما منهكة ربما لاتريد استماع المزيد..!
وأنا مللت التبرير وترميم الطرق أمامي وهي تنسف بظلم..!
-اخبرني عمي عن معاملة مادية غير شرعية وزوجة غير مرضية أسباب خلافهما الطويل..
بالطبع تلك الزوجة لم تكن سوى امي، أوشكت على تفجير بركان الغضب في وجهه لولا بقية الجملة التي اخبرني فيها انه رضاها عقب الزواج بشهر واحد لكن ابي رفض للسبب الأول..!
والسبب الثاني هو ماجعل امي تبقينا بعيداً عن عمي سنوات طويلة،باستثناء السنتين الأخيرة قبل وفاته حيث كررت وجوب وصلي لعمي..فرفضت أنا..!
واليوم امي في حياة اخرى، وأبي كذلك.. اسأل الله لها الجنة واسأل له الهداية..
-عدت لعمي لأخبره بما جد..ابتسم وهو يقول
-”كنت عارف”
كان في صوت يأس،حاولت قتله بجملة تحدي
-”بس مو بكيفه احنا كبار الحين”
قال وهو يعبث بسبحة يده
-”ابوك اذا بغى شي يسويه اللي واقفين معاه كبار”
ربما تلك الجملة جعلتني اوقف النقاش،ليست منقاداً ليأسه،بل في إصرار لايقف عند كلمات..!
العودة لخالتي لن تكون،وهذا الأمر الذي لن يستطيع نفوذه تحقيقه..!
.-.
ذهبت لعمر بذلك التحدي الكبير، كأني سأخرق الأرض بخطواتي، وسأحرق الشمس بلساني…!
وهو زادني إصرارا فوق إصرار..
-”أي بس ماعليك منه ماراح يسوي شي “
-”مدري ليش مايخلينا بحالنا “
قال عمر بعد لحظة تردد:
“اقول بدر ليش ماترجع بيتكم انت عارف ابوي مـ”
قاطعته
-”مشكور وجزاه الله خير وياك بس ياعمر هذا خطأ ابوي ماحد مجبور يشيله”
-”امس افكر فيها اتوقع انه باعه لابوي بالذات عشانه عارف انه بيخليكم ترجعون”
-”بس احنا منا راجعين بيت ماعاد لنا..وانت وابوك دايم مشكورين”
-”تدري عاد انا كلمت ابوي يكلم ابوك يمكن يقدر له”
ابتسمت لعلمي ان لا احد يستطيع الوقوف امامه مسبقاً..كيف وواالده المجبر على شراء البيت قبل مدة..!
.-.
رحل بدر قبل دقائق
طوال فترة وجوده كنت ابتلع سؤال لايخصني قد انطق به..وهو حال رسيل؟؟
رأيت والدي فاتجهت إليه
-”ها يبه كلمته؟”
-”مين؟”
-”ابو بدر..شلون نسيت”
-”ايه لامانسيت قال انه جاي الرياض بكرة ونتفاهم”
شعرت بانقباضة في صدري،تراه ماينوي الآن…!
.-.
.-.
بالغد..
خرجت من المنزل متجهاً لمطعم لتناول الغداء، حيث سيكون ابو بدر بانتظاري..،
مع وصولي فوجئت بالترحيب الكبير منه،ووجبة فاخرة وكأنه يستدرج ارنباً او كائناً ليس أنا..!
كنت انظر إليه وافكر بابنه،أي والد هذا؟!..بت أقيس عمر بابنه..
انهم في طيش الشباب لكن بدر يحمل مأساة غيرت من مسيره وحمّل ابني كذلك..لست نادماً فأنا احب أن يبقى ابني على علاقة به واحب بدر كأبني… لكن الجالس أمامي والذي يستدرجني لشيء لم اعلمه بعد ابغضه بكل شعور املكه!
-”ليش ماتاكل عسى ماعجبك الغداء نطلب لك غيره اذا تبي”
قلت بصوت هادئ رخيم
-”لا تسلم ..إلا وش بغيت؟”
وأمسكت بالملعقة معلناً عن البدء في الطعام والحديث
-”ابد سلامتك انت اللي وش بغيت”
تركت الملعقة وركزت نظراتي وأنا أقول
-”ابيك تترك بدر يعيش عند عمه يكفي اللي جاه خله يحس ان وراه..”
ثم بترت الجملة…لكنه أكملها وقد قست عيناه وانتفخت أوداجه
-”ماوراه رجال؟؟وأنا وشو قدامك الشرهه على اللي جاي يشوفك”
تداركت الأمر مسرعاً
-”يابو بدر مهوب قصدي كلمة وطلعت بلاك الله يهديك اللي قصدته خلهم عند عمهم ولا خلهم عندك”
كان يفترض به أن يخرج غاضباً لكنه عاد يناقش الأمر معي..ويالـ َعجبي..!
-”وخالتهم وش فيها هي مربيتهم واقرب لهم من هاللوح”
شعرت أنني أود صفعه..اي رجل يتلفظ على أخيه من امه وابيه بتلك المفردات..
-”ورجلها وولدها مايخلون البيت غريب؟؟”
-”اقول اسمع لاتطولها وهي قصيرة جلسة ببيت عمهم مافيه وهذا اللي جايك عشانه”
أضاف:-”بدر بيعيش عندي وبيدرس عندي”
لحظة تلو الاخرى اشعر أنني اريد سكب الحساء على وجهه..لكني قلت؟”
-”وبنتك؟”
-”البنت مالها الا بيت رجلها وانا رجال قررت ازوج بنتي”
قلت مباشرة:
-”تزوجها؟؟ ماتشوف انها صغيرة وانها مهيب مستعدة عارف الظروف انت ولا ماهمك”
-”ماتشوف انك تتدخل بشي ما يعنيك بنتي وانا حر بها وبزوجها اليوم قبل بكرة”
-”من بتزوجها؟”
-”ابو سعود”
وقفت من مكاني اقسم بالله أنني اشعر بالمسؤولية تجاهها كابنتي
-”انت جنيت تزوجها واحد كبرك “
-”أقول اقعد بلا تعقيد وش فيه ابو سعود”
-”ياخي انقرض هالتفكير وش هالجهل “
-”تبي الصراحة انا جاي متعنيلك مفضلك على ابوسعود”
شعرت بالصوت الذي لاصوت له يغطي المكان، يشبه الازيز،يشبه خط اقمار ليست سماوية ولا أرضية..يشبه قناة أذكرها تنوح به عندما تغلق…!
وأنا قبل دقيقة احدث نفسي عن مسؤوليتي تجاهها، وهو يريد منحي إياها زوجة لأنه يفضلني مادياً..!
أهو سن الهرم الذي وصل اليه…!!
-”عاد فكر يابو عمر وبينا اتصال”
-”منت بصاحي”
صرخت بها،وتركته ورحلت غير مصدق..لم أفكر يوماً أنني اريد قتله..! ياللحماقة أريد ذلك الآن..!
.
.
الحياة احياناً تسير على نمط واحد،وتفاجئنا بحركة غير متوقعة..تماماً كفتاة تسير فتتعثر دون قصد..
عندما فوجئت أول مرة بموضوع منزلهم..الذي باعه لي أثناء وجودهم لم أكاد أتصور انه سيفكر في منعهم من الإقامة في مكان آخر..إلا انه فعل..!
واليوم لا اصدق حقاً، انه يبحث عن مشتري لابنته…!!
.-.
.-.
كنت ارتب غرفتي،اعيد تصفيف الأشياء كما اصفف شعري..!
كل شيء بدا هادئاً، شيء واحد اشعر به أنني مسافرة وسأعود حقاً لمنزلي.. لااكاد أتصور غير ذلك…، لم اهتم بتهديد أبي، فلا أظنه سيخرجنا بعد أن نكون رافضين، سأحسن به الظن مرة أخيرة!
الشيء الوحيد الذي أفز له هادمة بيت هدوئي هو أي صوت يصلني من الأسفل مرتفعاً عن الصوت المعهود،ولو بدرجة واحدة، أخاف أن يأتي بمصيبة اخرى،زامنني الخوف هنا وازداد تطوراً هذا المساء..لا ادري تفسير ذلك..!
المستقبل أصبح كابوساً لي وأنا أخاف ذلك جداً…، شيء وحيد يهدئ من نوبات الهلع كلما ازداد امراً جديداً.. مامررت به السنوات الأخيرة لم أكن أتصور أنني سأحتمله، لكني فعلت ذلك، فهل سيكون المستقبل اشد بؤساً..!
إن مع العسر يسراً… ، الشيء الوحيد الذي ارتاح لسماعة، وكررته لي جَنان..!
الصباحات التي تلت هذا المساء،واللاتي في كل مرة يشكوان لبعضها بالتبعية ويتجادلا
في سلام..تماماً كأفكاري.. أصبحت مفكراتي الفارغة وأوقاتي الفارغة وحديثي الفارغ مني ،كل ذلك يشكي التبعية للشمس والقمر…
وأنا أغلف خوفي من الأصوات، وصوتي من الخوف…وتبعية اخرى..!
.-.
.-.
كنت بانتظار أبي أن يخبرني ماحدث بعد لقاء والد بدر..لكنه آثر الصمت وزاد من قلقي ذلك
عدت اكرر ذلك مرة تلو الاخرى..وذلك ليس من عادتي ابداً
لنترك عاداتي وحياتي،..،لأن ذلك لايعني شيئاً إذ أخبرتكم بأول كلمة نطقها أبي..
-”يبيني اتزوج بنته”
حقاً شمس الصباح لاتخبرنا بما قد يأتي به القمر، والقمر يحتذي بها.. ونحن نمتص الأقدار بشراهة،ونقلبها بسكون عاصف،وهذه المرة كنت الوحيد الذي كسر ساقه أمام الجميع وتابع المسير!
.-.
.-.
-كنت عائد من المكتبة بعد أن قضيت حاجيات ابنتي سديم واريام التي لاتنتهي..اتصل بي ابو بدر..
وقفت أمام المنزل كان إحدى حاجبي يسبق الآخر علواً وتفكيري وصل لأبعد من صاحب الاتصال..أيعتقد حقاً أني أفكر بالموضوع..
وضعت الكيس الذي احمله،وأجبت اتصاله
-”هلا”
-”السلام عليكم ابو عمر كيف حالك”
-”وعليكم السلام والرحمة مرحبا”
-”عساك بخير يالغالي”
-”بخير الله يسلمك.. “
وانتظرته يسأل لأجيب وننتهي لكنه قال
-”ها خايف على ام العيال تزعل”
لم استصغ دعابته القبيحة كما هو فقلت
-”ايه والله المهم انا بسكر الحين وبتصل بك عقب”
فتحت الباب ودخلت رأيت عمر جالس على الكرسي وبيده كأس قهوة
انه غالباً مايقضي وقت الفراغ في التصوير مستغلاً الوقت قبل الكلية
اقتربت منه مداعباً:
-”ها شرايك أتزوج هههه”
قلتها لكي يبتسم لكنه قال
-”رايي انك تذبح هالرجال”
ملامحه غاضبة جداً اشعر كأنه يبتلع الدمع كي لايصعد لعينه ويخرج منها، ووجهه بأكمله يحتج من وجهه!
-”والله انه مهوب صاحي المهم كم عمرها؟”
-”ليش تسأل؟”
يبدوا ابني متحفظاً بعض الشيء ابتسمت وأنا أسأل مجدداً
-”اصغر منك؟”
-”ايه وانت ماتفكر تتزوج”
جملته تلك خلقت شيئاً في رأسي، إن كانت خبراً مبطناً بتهديد كما يظهر..!،هناك ما اريد التأكد منه حتماً
-”ومن قال اني بتزوج على امك هي الغالية”
أضاف شبه ابتسامة وتنهد وسكب القهوة كاملة على الأرض المزروعة
-”بيضيع مستقبلها يقول بزوجها واحد كبره حتى لو رفضت”
-”وليش انت ؟”
قالها متشككاً وهو يراقب القهوة تتشربها التربة بشراهة معرفته الإجابة..!
-”يبي مصالحنا وحده وفيه امور ماتعرفها لكن انا اقدر ارفض بنته..وسبق وقلت لك”
“وش تنتظر؟”
قالها بانفعال جعلني أسأله
-”ليش متضايق؟”
أجابني بشيء لايتصل بسؤالي
-”ماراح اسمح له يجبرهم على شي”
تركني واتجه للداخل، المصيبة انه يشبهني في ذلك،وهو يضع شيئاً في رأسه ولو لم يكن له من الامر من شيء سيختلق امراً ليكون بإمكانه..
هو يحبهم بالطبع..وياخوفي لو كان يحبها أكثر من اخت..،وهذا مااحسست به حينها..!
-”عمر”
كررت النداء فأطل برأسه من الداخل:
-”تعال ابيك”
قلت له عندما اقترب جداً:
-”انت تبي البنت؟”
ركز نظراته إلي،وكادت عيناه تخترق جفني،فأضفت
-”هي مثل اختك؟ “
هز رأسه ايجاباً وابعد عيناه عني ونظر للباب الذي خرج منه، ثم للنافذة المطلة علينا والتي تختلس النظر خلفها رنيم ابنتي المندهشة..!
تركني وعاد للداخل، ابنتي قالت عندها بشيء من الريبة وتغيير الموضوع
-”شريت اغراض سديم واريام؟”
نظرت للساعة وقلت لها
-”أي الحين جاي”
اتصلت بوالد بدر:
-”موافق على الزواج والمشروع بيتم مثل ماهو عليه”
أتاني صوته سعيداً وهويبارك:
-”والله هذي الساعة المباركة شلون غيرت رايك”
-”فكرت وقلت مافيه انسب من ولدي لبنتك ونصير انسبا”
سكت ملياً ثم قال:
-”عمر؟ولدك؟”
-”ايه واذا عندك مانع خلاص الغي الفكرة “
-”بس يارجال انت تخلص نفسك وتورط ولدك هههه”
مشكلة من يظن الناس نسخة طابعه!
-”اسمع انا قلتها راي يعني هذا اذا وافق ولدي ووافقت بنتك انا مانيب ضاغط عليه..وبعدين انسب للجميع زواجهم انا وياك رجال كبرنا ونفهم بالحياة والي تقوله مانيب مسويه”
مرت دقيقة يفكر بصوت عالي،ثم قال!
-”كم عمره ولدك؟”
كان يتعامل مع الأمر كصفقة تجارية..الأرقام تهمه كثيراً
-”كبر بدر..إذا صارت الموافقه بين الاثنين رديت لك خبر”
-”بنتي كلمتها عندي..نقول على بركة الله”
-”يصير خير”
.-.
.-.
.-.
خرجت من المنزل باحثاً عن مكان اصفع به وجهي لأصحو..!
اتصلت ببدر وأخبرته عن الخطبة المزعومة ضحك بسخرية وقال
-”مستحيل هههه”
أيدته على ذلك فلن أقف مؤيداً لو كان ذلك أبي..! لكني لا اشعر بشعور جيد حيال الأمر… كنت قاب قوسين أو ادني من الانفجار..!
شيء يواصل التردد في داخلي محذراً لائماً وكأن بيدي من الأمر شيء..!
علمت أن والدها فعل وفعل وفعل…وعلمت أن والدي سيرميه بطلبه..وعلمت أنني قد لا أحرك ساكناً حيال الأمر..لأنها شقيقة أغلا الناس لدي،ولا أريد تهمة الاستغلال ماحييت..
وهكذا كنت أسير كمشهد نهاية احد الأفلام الفاشلة،كسجين يعود للسجن محتفظاً ببؤسه، كطفل فقد والديه للتو ولم يعي بعد، كـ…، وألف تشبيه تجسد بؤسي حينها… علمت الكثير أثناء هذه الليلة..
ولم اعلم حينها أن الساعة الأشد ظلمة هي التي تسبق الشمس… !
.-.
.-.
كنت جالساً انتظر عمر،وشيء من التردد داخلي.. ماذا لو كنت أتوهم الأمر برمته، ماذا سيكون مصير الفتاة ان رفضت لوالد بدر..!
ماذا إن كان لايريد عمر ذلك..،وماذا ان كان يريد..!
لأنني لن اخسر شيئاً ،وابني قد يربح،فقد كنت احتفظ بالأمر في ذاتي يعود فأخبره…،
سأدع لعمر حرية التصرف مع أخيها..ما اراه انه ولي امرها لاوالدها
-يخطئون دوماً ويريدون السماح،يصرون على ابتلاع الخطيئة حتى آخرها ولايشعرون بالمرارة… نحن لسنا بجبروتهم..صلاحياتنا في هذه الدنيا محدودة لأننا لم نخطئ..
ولم نقترف الظلم ..وذلك يجعلنا بسطاء يطمحون للعلا في أخلاقهم حتى علا الجنان!
مليئة الدنيا بأشخاص لم نكن نراهم سوى في التلفاز،والقصص،وحكايا الكبار..لاندركهم حتى يدركون ثمن حياتنا،ويساومون به مقابل حلم ،او وهم،لايهمهم سوى التشبث بالخطايا..!
.-.
.-.
عندما انفردت به كان لايزال يحتفظ بملامح الأمس..تماماً كالصحف تكرر نفسها يومياً..!
أخذت نفساً عميقاً
-”عمر..اسمعني”
رفع عيناه إلي وتصنع الاهتمام
-”آمر”
رميت بالجملة مباشرة، وقصدي الأول اختبار ردة فعله..فلم اخطأ الهدف!
-”تتزوجها انت؟”
أنفاسه بدأت تضطرب،تسمرت عيناه فيني،ابتلع ريقه مراراً ربما بالخطأ ابتلع لسانه فلم ينطق!
-هو لم ينطق بشيء لكن كل ماعداه يشي به…!
-”طبعا اقصد اخت صديقك”
قلتها تثبيتاً لذلك ، فما كان منه إلا نظرات إلي واخرى للمكان ،فأي شيء قد يبحث عنه!
-”انت انسب لها..صح “
توقف بسرعة وكأن سؤالي عقرب لدغه…مارس الطقوس السابقة ثم عاد لمكانه وقد هز رأسه نفياً مرتين ومرة ايجاباً
ولست جاهلاً لألحظ ماعتراه وأفسره، كيف لاوهو ابني..،لكن عمر صريح ان أراد شيئاً قال اريده،الآن شيء اعتراه لا اعرف له مسبب!
-”كلمت ابوها وقلت انك انسب في حال موافقتك ورايها..طبعاً الموضوع كله كلام للحين”
حتى الآن لم ينطق بشيئ،قلت قبل ذهابي
-”في كل الحالتين شف راي بدر”
.-.
.-.
أرى خطوات ابي تبتعد للداخل، وعندما اختفى عدت أتفقد ذاتي
بدأت أتلمس الألم،ضغطت على قلبي، تذكرت أنني رجل،ولايجب علي أن أتصرف كالأمس!
شعلة من الحماس اشتعلت والسبب مادار قبل قليل..،أيعرف احداً كيف تشتعل الشعل..!
اقسم أنني لااشعر بشيء غير الحماس..،ولا اعرف شيئاً سوى انني مذهول..!
انه يبدو كحلم لا أكثر، لكنه حلم أود منه أن افيق!
ترى الأحلام التي نبني لها بيوتاً وقصوراً قد تأتي كما هو الموت..! بطرفة عين!!
نعم انه الموت الذي يريده والدي..يريد الموت حتماً..!!
أقال أن أتزوج ممن تمنيتها هكذا، كصدفة ..!
إنني انتظرها موعداً اخطط له واصبغه باحتمالات عدة..ولا يأتي سوى صدفة!
هل الصدف تغني نشوة الموعد..!
الأشياء التي لانرتب لها يوماً مفاجأة كسحابة في كبد السماء،نهطل بها حلماً يسع الأفق..!
فهل سينتهي وينقشع الضباب… إنني لا اشعر بشيء… ان الحياة ابسط من توقعاتي لعيشها….،هي ستكون لي…!!!
لو انني لم اخف على علاقتي ببدر..لقلت لوالدي بالطبع اريدها..!!
عند هذا الحد بدأت اشعر بتبديل الشعور لدي، لأشعر بخيبة بحجم السماء..!
ليتها لم تكن اخت له..!
.-.
.-.
مرت ثلاثة أيام
لم يكن اليوم لي سوى طقوس تعذيب، كل ما افعله مسرحاً في رأسي حواراً تلو حوار..!
اريد ان اتحدث لبدر دون أي مس لشريط علاقتنا ،وذلك ما أجهدني حقاً ، وجعلني اعزم الذهاب إليه بعد إفطار المغرب
فأبي لم ينصحني على الانتظار..
-آه على أبي..هو أخطأ ولا احد ينكر ذلك بتورطه مع والد بدر ،لكنه ربما فعل شيء لايعطيني سوى فرحة كبيرة لااستطيع شكره عليها، ولاوقت يجعلني افكر كيف خطرت على باله أقصد كيف تنبه لي، انا لم أكن لأقول شيئاً ..رباه من علماء النفس الذين درسهم ودرسوه! ليطبق علي أنا..!
إنني خارج تغطية العقل الآن، وسأتجه للجنون المحتمل وقوعه..!
لم اصدق بعد….،اقسم بذلك..،
وصلت قرب أذان العشاء،اتجهنا لمسجد قريب وصلينا وبعد أن عدنا كان يوم العرض الرئيسي للمسرح..فخانني كل طاقم التمثيل!
“بدر ابوك مصر انه يزوج رسيل”
نظر إلي بلا اهتمام وهو منشغل بريموت التلفاز
-”ايه خله يصر على كيفه..الا وش رد عليه ابوك؟”
-”قال لا طبعاً”
ربما كانت هذه مقدمتي للموضوع،بدر عقب على إجابتي ضاحكاً
-”افا ابوك رفض اختي”
-”هههه صدق انك فاضي ياخي الموضوع جاد”
-”ايه جاد بس زواج ومن اختيار ابوي لايفكر “
كلامي الثقيل بدا يرهقني قررت التخلص منه وخوفي من ردة فعله كانت متمثلة في رأسي على أكثر من شكل
-”واذا هو جاد وزوجها بكرة وش بتسوي؟”
-”والله المسألة معقده المهم ماعليك منها الحين”
قبل أن يغير الموضوع سبقته ناطقاً،ضارباً بعقلي خلف الحلم،وصدري يدق كمن يضربه بمسمار!
-”طيب..وش رايك لو أتزوجها أنا؟”
كان يكفي أن اصمت عندما غير الموضوع، وكان يكفي أن لا اضيف “انا بعد جملتي الأخيرة” هي للتأكيد،والأمر لايتحمل الـ أنا..!
.-.
.-.
التفت إلي وترك “الريموت” الذي كان يحاول إصلاحه ثم دقق النظر
فما كان منه إلا تصرفاً لم يكن ضمن أي مشهد ممن تمثلت في رأسي
أضاف ضحكة طويلة وهو يقول عائداً للعبث بالجهاز بيده، إبدال بطارية بأخرى
“يعني بكذا بتحل المشكلة هههه”
كنت في حاجة أكثر من جهازة لإعادة بطارية..!!
ضحكت بدوري لراحتي من موقف أصعب لم يكن!
-”بتنحل كل المشاكل”
هذا ماستطعت قوله بعد ذلك،ربما في أمل آخر.. ليجيبني
-”لاتقلق دامها عند عمي ابوي ماله دخل بشي وإذا ناوي يرسل احد انا لي كلمة وهي لها كلمه مافي شي بيتم_صدقني الدنيا مو فوضى”
قلت”ولو أخذها تعيش عنده..شلون بتتصرف”
أجاب واثقا:
-”ماراح ياخذها زوجته ماتبيها انا الحين مرتاح من وجودها عند عمي ومن زمان كان هذا رايي”
ثم اخذ يضرب الريموت بيديه ويكرر ذلك وهو يقول
-”هذا شلون خرب”
-”طيب لو أتزوجها وش بيكون رايك؟”
لا ادري لم كررت ذلك،أملي أن أعرف موقف بدر من الموضوع،ودقات قلبي في تسارع مجنون…،ربما إصراري ألبس الجدية ملامح بدر فقال:
-”انت تعتبرها اختك وهي بالمثل وانا ماشوفك الا اخو لها ..عمر صدقني الامور تمام وانا مابيها تتزوج الحين ولاتخاف علينا “
ثم نظر إلي،لاادري بالضبط ما رأى فيني ليقول
“مشكور دايم واقف معنا “
سمعته لكني اشعر بخيبة تحجبني عنه آلاف الأمتار لأقول قبل أن تعتم الصورة أكثر
-”انا افضلها على غيرها”
جملتي التي لم تتصل بجملته بشيء جعلته يحدق بي أكثر ويقول
-”ادري انك خايف ابوي يأذيها صدقني أنا موجود وماراح اسمح له بهالحد..ولا راح اسمح لك الا انك تعيش حياتك بدون لاتشيل همنا وتضحي لغيرك”
عقب جملته ابتسمت فلا مزيد سوى من اليأس، اشعر به يعي حقاً ما أنا افعله الآن، لكنه قد لايكون وصل لمخه الباطني او لايريده أن يصل..!
في كلتا الحالتين بدر يصرفني بعيداً دون إيضاح..، ذلك مريح نسبياً فقد خفت أن تكون خسارتي للاثنين..!
هو ووالدي، اشعر بهم يلونون القاتم بلون آخر فيتضح لوناً مغايراً لايشبه رهبة الأسود!
أخبرت أبي بأنني لم أتحدث معه،ولن أتحدث،فليفعل مايشاء…وبدأت صياماً آخر لافطر بعده!
.-.
.-.
.-.
غداً عيد..!!
كنت اجلس مع جَنان مناقشة كيفية العيد في منزلهم
-”ومرت عمي؟بتجي؟”
-”ما اعتقد..”
-”وعيال عمي؟”
أجابتني وهي تبحث عن رأس آخر للإستشوار
-”خالد يقول لا ..وزياد مدري عنه بس ما اتوقع”
كنت اشعر بأنه العيد من جَنان،بدأت بالاستعدادات وطليت أظافري فلم افعل ذلك مذ أمد طويل..!
لاشيء تأقلمت معه حتى الآن،سوى أن جَنان روحها جميلة وتزدادا يوماً عن آخر، أول مرة تحدثنا تحدثت عن طلاقها وكم كانت المأساة..!
وبما أنني اشعر بأن المآسي مجموعة أصحاب فانقدت باهتمام واضح، أحببنا الجلوس سوية،وتذكرت ليلة العيد السابقة،بوجود لمى..،فتنفست الصعداء..!
.-.
.-.
فجر العيد
هذا العيد..انه يشبه الأعياد القديمة..له نفس الرائحة..!
كل دقيقة من صباحه أجدني أفارق المكان اهوي فجأة للسحيق!
باستجلاء لمكاني في الماضي،اترك جسدي واستغفله هاربة لذكرى الأعياد،حيث امي..فقط امي ولاغير..!
وجدتها مضطجعة،قربها صحن عنب ،وقلم يخصني ، وبعض كتب الخنساء،وأوراق على قدميها مبعثرة،
آه اني اتذكر تلك الاورق التي كتبت بها اول قصة لي لم يتسنى لها العمر لقراءتها!
التفت بحثاً عن شيء اخر،فوجدتني احتج لانبرام الافكار وشاكية بدر، واقضم حلوى قاسية
فتؤنبني امي دون كلام فأضحك أضحك كثيراً واركض للخارج فأجدني انا الاخرى هنا..!
اهرب مني فاجدني، لم اعد اميز ان كنت انا تلك ام هذه.؟شيء لايصدق فيني انني الاثنتين..!
وشيء آخر لايصدق ماذا كان ذلك..حلم ام خيال…!
-ربما لم تكن تلك المرة الاولى التي اصادف نفسي خارج غرفتي وداخلها..!
نزلت مسرعة هاربة من الاثنتين ربما…!
لم اجد أحداً، ربما يصلون العيد..، اخذت اقلب الصحيفة كعادتي ابدأ بالخلف وأتوقف عنده..!
عندما مرت عيناي بمقالة رامي،شعرت انني لن اود قراءتها،شيء في داخلي بدأ لايستصيغه
ربما بسبب مقالة لا أكثر ..!!
عندما نشعر بالسوء ونكتب..، او بالسوء مما نكتب نستمر بإصرار
الصحف حولنا لم تعلمنا القراءة فحسب،بل علمتنا أن الكرة الأرضية مليئة بالشذرات، ولم تعلمنا كيف نتخلص من أي شيء
فلسطين تواصل الاحتضار..ونحن نواصل الكتابة !!
أحيانا يكون الحلم فاجعة كابوس فحسب..ولايبدوا ان لدينا اختلاف بين فجيعتنا بالنصوص وفجيعتنا بالعراق!
نواصل تجنيد الأحلام علها يوما تستطيع تفجير جملة واحدة تستحوذ صحافة نقادها لم يخلقوا للكلمات..!
بالنظر للصحافة..تذكرت مقالة أخيرة لرامي..حيث كتب عن مصير الإرهابي..رغم انه لايفرق بين موت مجاهد وإرهابي فهو بالطبع لايفرق بين الغاز والأكسجين…،فكلاهما لديه جزيئات في الهواء..!
لااحد يملك مصيره ولااحد يعبث بالأقدار ولاغير الله عالم مافي الصدور وخالق جنة ونار..
في الوقت الذي اشعر ان حلمي يزداد أكثر بسيادة الحرية أجد حولي الكثير مما يدفعني لمواصلة حلمي
الدمار حولي يجعلني احاول بظفر صغير فك طوق يقيدني ،لأتخلص من تلك الاغلال كان يلزمني حلماً اكبر لشمس الحرية التي يعدني بها الصباح كل يوم..
كل المقالات تنشر نظراً للعنوان،نظراً لصاحب القلم، وكل الاخبار التي تقرأنا ليست سوى انبوب اختبار يخزنا مكان الجرح في كل صحيفة في كل دقيقة، يواصلون قراءتنا دون ان يكون لنا حرية قراءتهم..!
السياسة دوماً حقيبة سفر متفجرة، تخافها المطارات، والشعب،والأقلام،وحتى هواتفنا النقالة..!
الحرية خلف الاغلال، والصحيفة في يدي ليست سوى محاولة احتلال…، لو منحوا لي عاموداً صغيراً لكنت كتبت فيه عن حلمي بالحرية التي لها جانب من البراءة المحتفظة به،لاتمس العقيدة التي علمت بأمرها لاحقاً..!، سأكتب عن سيادتها في كل مرة يصغرون لي فيها العمود!
كل يوم جديد في عمري اكسب الحرية في صفي وانتقي مفردتها كما تنتقي اغرائي،وافكر بالكتابة يوماً عن حرية العرب،في صحيفة الدماء..!
وكنت سأوقع في كل مقالة بشيء من صدق،نتجاهله جميعنا أثناء الإنسياق
“دام به احد نخافه…كل مايكتب سخافة”..،للملتاع رحمه الله
سمعت صوت بدر بالخارج فتذكرت انه العيد، قفزت للخارج مستقبلته وعمي،مباركة لهم صباح العيد!
-مرت الساعات رائعة بشكل لم اتصوره،تناولنا الغداء معاً ثم ذهبت لجنان التي يفصلها وجود اخي ،لأسمع هاتفي يرن فإذا به بدر
-”هلا بدر”
-”وين رحتي؟ المهم المغرب بنروح لخالتي”
-”اممم اوكي..لكن متى بنرجع؟”
-”بعد مانتعشى”
-”أي خل في بالك مابي انام”
-”ايه تذكرت شي انزلي الحين”
-”ليش”
-”بنكلم ابوي”
واغلق الهاتف فيالعجبي لم اكن اتذكر ابي ابداً هذا العيد..!
بادلنا التحايا ثم اوشك لقول شيء بادرته بالانشغال تهرباً مما قد سيقوله..،اغلقت الهاتف
وبعد السابعة كنا في منزل خالتي
العيد يشبه كعكة ميلاد طفلة، كل شيء يبدوا رائعاً في كل مكان حتى هنا..!
قضينا الوقت بأكمله حتى الثانية عشر بأطيب حال لكلينا
تلك الامسية اتتني لمى مسرورة جداً مدت لي بهاتفها
أمسكت به وامرتني بقراءة الرسالة المفتوحة، نظراً لجلهي بنظام هاتفها رغم بساطته الا انني ضغطت شيئاً حولني للرسالة الاخرى،ربما تسبقها ام تليها لا علم لي
كل ما اعلمه انها اوقفت شعر جسدي،واضطربت دقات قلبي لأكرر الضغط مرة اخرى فأقول
-”فرقاك عيد وفي غيبتك كلها اعياد”
ردت مباشرة:
-”هههههه شرايك بالقصيدة كأنها مكتوبة فيك”
لم ابال بما قالت فكل تفكيري انحصر بالرسالة الاخرى!
قالت بيت اخر منه وبدأت تغني القصيدة
واتجهت افكاري لخالتي وللمرة الاولى اشعر بالشفقة تجاههما الاثنتين..!
ارتديت عبائتي وطرحتي وانا اشعر بان منزل عمي اصبح جنة!
خرجت من الباب الرئيسي وقبل الباب الاخر كنت ابحث في حقيبتي عن شيء ولم ارفع رأسي ، عندما فعلت ذلك كنت انا والسور الخارجي المحيط ببدر ومازن وأيضاً للعجب عمر..!
تقدم مازن الذي اراه للمرة الاولى لهذا اليوم، ومذ اخبره بدر سابقاً ان لايتصل بي..
-”هلا رسيل كل عام وانتي بخير يالغلا”
تجاهلت كلمته الاخيرة رغم ان الاثنين الباقيين لايتجاهلان شيئاً
-”وانت بخير وعافية”
ابتسمت قاطعة الطريق لبدر الذي بدا وكأنه ينتظر لا قدومي،بل شيء من مازن!
مضيت عن مازن الذي بدأت لا اطيقه فعلاً ، وتوقفت عن الاخر الذي قال دون النظر الي شخصياً
-”كل عام وانتي بخير عيدك مبارك”
اجبته
-”وانت بخير”
-”ينعاد عليك بصحة وعافية”
نظرت لبدر وانا اقول
-”علينا وعليك”
فتحدث معه بدر بعدة كلمات وخرجنا
مضيت وانا اشعر ان كثير الكلام قبل قليل والذي كرهته الفترة السابقة، بشيء يجعلني ابغضه اكثر ،فلا بد ان مشاكل ابيه مع ابي سبباً لمشاكلنا!
-يبدوا انني لم اعد احب الكثير في الفترة السابقة، اتخذت مواقف عدائية مع الكثير،او ربما ظننت ذلك !
نفسي وحياتي الاخرى في منزل عمي هي شيء لم اكرهه بعد..ولم اتخذ موقف بعد..ولا بعد ذلك
تستدرجني الافكار كما يستدرجني صوت هاتفي في حقيبتي، كلاهما لأنطق بشيء..!
فأختار الآخر فأرد مرحبة بدانة التي بدأت الغناء بصوت يعجبني رغم سوءه!!
كما هو الحلم..!!
شيء يحضرني في المكان الخطأ والوقت الخطأ ونحن في طريقنا للمنزل،ماقاله احمد شوقي
ان الحرية لايمكن ان تعطى على جرعات، فإما أن تكون حراً أو لاتكون..!
ومقولته تلك كانت لي شمعة أمل أمسكت بها الأيام التي تليها…،
.-.
.-.
.-.
بعد مرور سنتين:
في الاثنين من كانون الثاني ،يناير…،
قبل دقائق،أخبرتهم بموافقتي…كنت ارتدي ثوباً بارداً،نقشت به بقايا الذاكرة..،وحذاء كنت اكتفي بخدعة:أن الحذاء أول الواصلين الذي لايمكن أن يقودنا لمكان أقل جمالاً منه..! وكنت اشتري حذاء باذخ السخرية!
-وافقت على الزواج من الرجل الذي تكرهه جل مشاعري،وستتحدد الكثير من المواعيد التي لاتهمني لاحقاً..!
بالمناسبة سأفتقدكم..دعوكم كما أنا ، وللحرية حديث آخر…،
انكسار الظل…تحية
أغلقت المنتدى، وأقفلت هاتفي، وأعدت هندام أصابعي، لأتصفح الكثير من نزف آخر:
-:”قد يكون الظلام معبرنا الوحيد الى النور”…!
|