كاتب الموضوع :
قهوة!
المنتدى :
الارشيف
14
كنت أقف أمامي..!
وأشعر أن إحدانا تعلو الأُخرى..،تلك تقف بثبات والأخرى توشك على الطيران
ونتحدث بصوت واحد،نتبادل التهاني بهذا الخبر السعيد
منذ أنهيت المكالمة من بدر وأنا لا افعل شيئا سوى التفكير بأنني سأتحرر قريباً من الكابوس الذي بدأ يرعبني…،وبالطبع لن يكون سوى خطوبتي من مازن
أبلج الأمل الكبير جزء من حياتي، عندما أخرجت الحقيبة المخبأة أسفل سريري
سريري يخبئ كل شيء..!
حقيبتي،وأقلامي،وأحلامي،وذكرياتي أيضاً ..الأشياء التي نظنها خرساء تتكلم أحياناً بلغة لانفهمها..ربما تكون أكثر فصاحة منا ونحن من نظن أننا بلغنا منطق الطير بجنون الغطرسة.!
أوضب أغراضي منشغلة بها حتى لااسمع لحديث الأشياء حولي، وأفكاري توضب بعضها بالبطء ذاته
احاول تركيز حياتي بالفراغ البسيط الذي يقطن بين يداي،والذي يفترشه رداء ترددت بأخذه معي،أيجب أن أبقيه أم آخذه..!
وتنهال علي الأسئلة السخيفة التي شغلتني عن كبائر الأمور، يالعقلي المجهد يجيب في كل مرة بسؤال..!
لاادري لمَ أحسست وأنا اسحب الحقيبة خلفي بأنني هاربة..!
قبلت رأس خالتي كمن يتقدم باعتذار..!
ودعتها لأخرج بحثاً عن السائق الذي سيحررني!
وكلمات خالتي الأخيرة كانت ترن في أذني كجرس إنذار لمدينة سكانها ميتون..!
-”ترجعين وانتي عروس ان شاءالله”
جزء مني بسيط جداً..، كان يعتقد أن تلك الحرية في صورة لها، وأنني تخلصت مما لا أريد ..لا كأن اقتربت منه جداً..!
تتسع ابتسامته أمامي..تتحرك إحدى يديه ويفتح باب سيارته الأمامي وهو يقول:
-”انا بوصلك”
اتجه لمقعده وأغلق الباب بانتظاري…
-مازن..!
باب أمامي أيضاً..صبراً الهي …أيظن أنني سأستقل المقعد الأمامي ..بجانبه!
أنظر ملياً..
لاخيار أمامي، فهو يصر على أن يبعدني عنه بطريقة يجهلها… أسعدتني تلك الفكرة
وجعلتني أغلق الباب الأمامي واجلس بالخلف وأنا أفكر بالسبب هنا
لن يكون سوى خالتي
-مسكينة..تبدوا جادة..!
هو يتكلم كثيراً،يتحدث عن كل شيء وأنا صامته
حديثه إزعاج كبير،وصمتي بالنسبة له حياء!
-”كم بتقعدين؟”
إذ انه سؤال فلا بد من إجابته
-”مدري”
-”بتوحشيني”
ثم أضاف:
-”بس مابخليك تشتاقين لي.. بجيك كل يوم”
أضاف أيضاً بأسلوب أخر لم أعهده فيه:
-”اذا صدق بتشتاقين”
ربما أحسست بعبارته يأس…وربما لا..
لم يعد يهمني ها نحن نصل
عندما وصلنا رأيت منزلي والباب مفتوح، نزل مازن قبلي ليخرج حقيبتي.. وتوجه للداخل ووضعها ثم قال:
-”اجل تآمرين بشي”
قلت بابتسامة ليست بسببه أبداً بل لأنني سعيدة بأني عندما أخطوا للأمام أكثر سأتخلص منه
-”مع السلامة”
والتفت لأدخل فتوقفت عند رؤيتي لعمر الجالس عن بعد،والذي لاشيء يفعله سوى النظر إلينا..!
عدلت ملامح وجهي كأن أزلت الابتسامة السابقة،وآثار المفاجأة الحالية..ورأيت مازن يتقدم إليه ليُسلًم عليه..أو ليسْلَم منه!
كان بإمكاني رؤية الغضب الذي غطى ملامحه..
-مازن الويل لك لو فقد صبره..! ألم يكن بإمكانك السلامة من غضبه!
بينما انا اشفق على مازن من عمر لم ادري انني لم سأعاني من غضبه أيضاً..!
-”وين بدر؟”
اجابه عمر بتلك الصلابة وهو يوزع نظراته في كل مكان إلا وجه مازن،ربما حتى لايفلت صبره!
-”طالع”
-”خلاص سلملي عليه”
-”يوصل الله يسلمك”
وعاد مازن ليخرج فلمحني لاازال أقف..فكأنه انتبه إلى شيء وعاد ليجلس على إحدى عتبات الدرج
تصرفه الغريب دفعني الى سؤاله:
-”وش فيك؟”
أجابني:
-”ولاشي انتظر بدر”
-”طيب تفضل داخل”
كنت أتحدث إلى مازن مولية عمر ظهري، لكني اقسم بأن نظراته الصاخبة فجرت أذني فلم انتبه لما رد علي به مازن
-”منت داخل؟”
كررت السؤال لأني لم انتبه لجوابه فقال
-” اذا جا بدر طلعت”
لم يكن في بالي سوى تفسير واحد،وهو نيته في رؤيته لسفر بدر وغيابه
حقيبتي الثقيلة أخذت أسحبها للداخل
رجلين هنا ولا أحد يفكر بمساعدتي..حقاً انهم…!
عندما مررت بعمر..كان يجب علي ان ارفع الحقيبة لأتخطى الدرجات،وهو ينظر لي بلا نية للمساعدة
في قرارة نفسي كنت اود ان اقول شيئاً له..
-كأن يكون،هو أصر على إحضاري،أو أين بدر؟، أو كيف حالك..!
لكني قلت
-”ترفعها ؟”
نظر إلى الحقيبة ثم إليّ ثم تقدم وابعدت يدي عن الحقيبة، فأمسك بها ورفعها
ومضيت للداخل دون التفاتة أخيرة للجو المشحون خلفي!
لم يأتي بدر،هاتفه مغلق
خرجت ولم يكن على دخولي سوى دقائق، سألت عمر
-”وين بدر”
-”الحين بيجي”
بدأت اقلق على بدر، لكنني لسبب ما أخذت ادقق في ملامح عمر هذه المرة
يستند على الحائط وكأن الحائط من يستند عليه..!
حاجب معقود،ويد ممسك بها عنقه وكان عنقه امتلأ حنق فسد مجرى تنفسه!
لم اتمنى حينها الا وان اعرف السبب الذي بينه وبين الجالس عن بعد منشغل بجهازه المحمول!
قلت حينها:
-”مازن اذا جا بدر بقوله يمر عليك بكره”
بمعنى آخر اذهب لمنزلك..، بريئة انا حد الطفولة لم ادري بما كان يدور في رأسيّ هذان الشخصان
الا عندما رد مازن بذلك البرود
-”اروح واخليك مع هذا”
انعطفت أفكاري جميعها شمالاً،نظرت الى عمر الذي يحافظ على مظهره دون أي انفعال آخر..
ربما هو يعلم قصده منذ البداية..!
أطلت النظر بـ عمر وكأنه سيفسر لي ماقيل قبل دقائق، التفت الي عمر فلا ادري لمَ ازدادت دقات قلبي
أهي خوف،ام لا ادري سوى انني تراجعت للداخل بعد ان قال لي
-”ادخلي”
بدر في توقيت جداً مناسب اراه يدخل وانا اشاركهم بعينين خلف الباب
وعمر الذي اقترب من مازن محافظاً على بروده وهو يقول
-”مافهمت وش قصدك؟”
وقف مازن وصافح بدر وسأله عن حاله هارباً من عمر واسئته
.-.
.-.
بعد ان ذهبت لمغسلة ملابس قريبة مررت بمطعم قريب واحضرت عشاء لنا
رأيت سيارة غريبة أمام المنزل لم اكن اعلم انها لمازن ، وعندما فوجئت به هالني عمر بكل تفاصيله!
كان سيقتل مازن لو تأخرت قليلاً..!
تداركت الوضع وأخرجت مازن بنية السؤال عن خالتي والجميع، وغادر مباشرة!
-”وش فيك؟”
رد عمر بتنهد وقال
-”حسبي الله عليه”
-”تعال ندخل”
-”اسبقني وبجيك..على فكرة هو اللي جايب اختك”
اختي..يبدو أنني نسيت أمرها تماماً بسبب ماحصل
كانت تجلس على الكرسي الاقرب لباب الصالة،وعينيها شاهقة وتنبئ عن الف تعجب!
.-.
.-.
لم تكن لي نية في معاتبتها على حضورها معه، ولم اسألها ماذا حصل قبل حضوري
لأن عمر اجابني فقط بـ :
-”بس قهرني اسلوبه المهم ماعليك قول وش سالفة الرقم هذاك هههه”
كنت على يقين انه لم يكن مقتصراً على اسلوبه، فما كان يتضح اكبر من ذلك..
الجهل في بعض الامور افضل بالتاكيد
.-.
.-.
-كرهت مازن اكثر لا لوقاحته بالكلام، لكن بما قاله عن عمر
وذلك اخرجني من طريقة تفكير صغيرة كما كنا سابقاً..وهو وسع مدركاتي
حتى انني شعرت بالخجل!
وانا امر بتلك الافكار العصيبة جائتني رسالة من مازن: يخبرني فيها ان اتصل به حالما يخرج بدر
أمران يستطيعان استفزازي..احداهما انه يحتفظ برقم هاتفي..والآخر انه يظن أنه اقرب لي من عمر..!
-عمر اعرفه أكثر منك، ولايملك أفكار ملوثه كالتي تسكنك!
وهو يعاملني كاخته لا كأنت..لم تستطع ان تكون ابن خالتي فقط!!
.-.
.-.
تناولنا العشاء وحظينا بليلة جميلة في منزلنا الأروع في هذا العالم..كما أكرر ذلك بنفسي!
عندما اخذت اعيد ترتيب غرفتي، وافرغ المهم من امتعتي، اتحاشى الذكريات والتفكير بما حدث اليوم
احس بالذنب لأجل عمر..، ولكن مازن هو خطيبي..!
وذلك شيء لااستطيع التخلص منه حتى وان علم بدر
عند هذا الحد من الاستسلام شعرت بشيء ينزف في احشائي ، وسيدة الحرية تلك لن تأتي أبداً..!
حتى أحلامي بدأت تنزف،لم أتصور يوماً ان الحرية هي حياتي التي عشتها، ولم اكن لأتخيل انني قد اتمنى ان تكون حريتي كقيودي الآن..كي لااتزوج!
غداً سأخبر بدر..
وبهذه العبارة شعرت بها تمطر ماءً مالحاً داخل حنجرتي،،والتحف الخيبة الأخيرة كما ظننتها..،وأنام..!
شيء يتكرر في داخلي كـ حلم، لاأدري أين مرني!
(لاترفعي لحديقة الأحلام سقفاً … دوحة الأحلام كافرة بناموس السقوف)..!
.-.
.-.
السابعة مساء الغد
هاتفي يواصل الرنين،رقم مازن يطل في شاشتي مرة بعد اخرى، سبع محاولات للاتصال بي أصبحت تقرفني وترعبني في آن واحد
وعندما ازدادت المحاولات قررت الإجابة
-”نعم؟”
كنت مندفعة على وشك ان اصرخ به فيسمعني بدر
-”هلا رسيل”
-”ليش تتصل؟”
-”بطمئن على خطيبتي”
-”اذا اتصلت مرة ثانية …”
ثم قطعت بقية الجملة..كنت سأقول سأقطع صلتي بك،فتذكرت انه ابن خالتي، وكنت سأقول سأرفض خطبتك فتذكرت انني لم اوافق بعد..!
وكنت سأقول سأخبر بدر..فتذكرت انه لايعلم شيئاً…
أحياناً نجد انفسنا محاطين بكم هائل من الاسئلة والاجابات في الوقت الذي لانستطيع لعب الكلمات المتقاطعة،ولا ايصال المدن بالعواصم..ولا التمييز بين حلم ووهم..!
-”رسيل خمس دقايق وانا عندكم افتحي الباب”
اقفلت الخط بسرعة ،منذهلة!
-يكايدني بلا شك..لن يأتي..!
أسبق حضورة واخبئ بيدي اعتراف واتجه لبدر، أشعر ان الطريق طويل،والصف امامي طويل وانا أجيد التاخير كـ حرة لاتملك ساعة يد..!
أملي لأتخطى الدقائق القادمة متصلاً بمزاج الوقت،والوقت جزء في داخلي مؤقت للانفجار..
بخطوات ميتة وقلب ينبض عن شخصين لاامل لموتهما أجدني أقف أمام بدر واخبره
-”مازن جاي بالطريق”
ينظر إلي دون أن افهم ملامحه،أهو مشمئز أم غاضب،أم حائر!
اختفت الشجاعة التي أوصلتني هنا..فتبعتها للخارج
-”رسيل”
قالها بصوت جعلني افسر ان الاحتمالات الثلاثة لشعوره اجتمعت في آن واحد وهو يقول:
-”بأي صفة يتصل عليك”
توقفت.. صرخ غبائي لأضغط على الهاتف بيدي ، توقعت ان ينطق بأي شيء الا ذلك
نظرت اليه احسست ببجاحة خطأي، واحس هو بخوفي لذا قال
-”رسيل انا ما اشك فيك لكن حتى لو كان مثل اخوك، ماتوصل انه يكلمك بالجوال ..رسيل هذا غلط”
وشاشة هاتفي تتراقص برقمه امام بدر الذي قال:
-”بروح افتح له”
الهي..اعني..امنحني الجرأة..ارحمني..فهذا بدري إلا ظن السوء وانا الأمر لم يعد بيدي..
إن اخبره مازن فحتماً لن اساوي شيئاً..وان اخبرته الآن سيعي انني خشيت ان يخبره
-وكلما ازدادت رنة الهاتف ازداد توتري..وكلانا يعمل على الصامت..!
-”بدر”
التفت لي واقتربت قليلاً..استنشقت دفعة من الهواء كفيلة لضخ الكلمات الصعبة
ازداد تركيزة وكأنه بحاجة حقاً لفهم مايدور هنا…قلت قبل ان اتراجع
-”هو الحين..خطيبي”
عندما أصبح بدر يقلب حروفي أمام عيني انسحبت لأقرب غرفة صادفتني وأغلقت الباب تاركة خلفي اقرب شخص لي مذهول
أصابعي تأكل أصابعي،أجاهد ألا أقضم أظافري وأنا أفكر بما يحدث بالأسفل
هل مازن جاء ليستعجل زفافنا!!
طرق الباب قفزت ليدخل بدري وهو يقول:
-”سلم وراح..وانا طالع الحين”
لم أتمنى يوماً بان يكون لدي فم آخر كما هي لدي عينين،إن أُجهدت تلك تناوبها الاخرى..
كما قد أُخرس لساني وسقم المبرر،أين من يناوبه هو..!
يفاجئني البكاء بعد أن إلتهم كل مبرراتي، شيء وحيد توقعت أن يقوله بدر
:لن تتزوجي منه…
رغم استسلامي الكبير منذ الأمس إلا أنني وضعت جزءً من آمالي فوق أكتاف بدر، الذي يتهمني بإخفاء أمر كهذا عنه،ويتركني متأملة عرض كتفيه التي أسقطتا أحلامي..!
-التُهم التي نعتقد أنها تُهم باطلة لحظة غياب المنطق هي الأصدق دوماً بتهم ثابتة،ولاتشبه ابداً التهم التي نسمع بها بمنطق لبستني التهم!
أتحدث عن التهم وانا المخطئ الذي نظر اليه القاضي،والشاهد الذي لم يبلغ الرشد،والمظلوم الذي لم ينظر إليه احد..!
الآن بعد ان تجسدت حياتي كلها بخطوة تبرأت منها قدمي، شعرت بأن المنطق معلّم لم ادرس منه شيئاً في سنوات طلبي للحرية!
إن لم أتزوج من مازن سأتزوج من غيره،لم تخلق الحرية تاجاً بقياس رأسي..!
المنطق اخبرني بعد أن أجهشت بالبكاء، وألتف برأسي علم الأبيض، لحظات الاستسلام التي اعيشها الآن تجعلني كـ راهبة تحترف مهنتها،والأمل تدونه على انه يحضر دوماً بعد الوفاة..ولا تعلمه لأحد!
ماطلبه المنطق تلك اللحظات
ان أتخلى عن حلمي..لأن الحلم قيد..
بمجرد التخلي عن الأحلام …،ستكون تلك الحرية..!
-لمَ لاتسير الأمور كما كتبتها في مدونتي..!
.-.
.-.
أغلقت باب السيارة بقوة هزت جميع الأبواب الاخرى ، انتفض المساء أثر صوتها
تمالكت غضبي حتى هنا ،أخذت اضرب المقود بكلتا يدي،واركل الأرض تحتي
وأصرخ مراراً وتكراراً عل الصوت يبدد غضبي
لم استطع القيادة في ذلك الظرف المزعج حتى الجنون..أهو مازن يارسيل! مازن!!
تحركت بسيارتي حتى منزل عمر
-لااحد غيره سيفهم انزعاجي، بل سيشاركني به!
وأنا امشي للداخل كانت خطواتي ثقل آخر،وكأنني سأحطم كل شيء
إذن هي اخفت عني لأنه مازن..مازن..مازن تخاف رفضي له!
ازداد الضغط في داخلي اقتربت لأحدى المغاسل بالخارج وتقيأت حتى غضبي!
اتجهت لعتبة المدخل الرئيسي وجلست،قرحتي تتهيج آلامي تسبب لي صداع هنا..وعمر تأخر بالحضور
لم يكن من الصعب تذكر آخر مرة انتابتني هذه الآلام بهذا الشكل المؤسف،رحمك الله يا امي
-ان تزوجت منه فانا وحيد حتى ألقاك!
-”مرااحب يالشين ليش مارديت امـ….”
قطع جملته عندما رآني، ابتسمت حينها وقلت :
-”يله نطلع؟”
اقترب واخذ يطل بوجهي بغير تصديق
-”وش فيك بدرووه”
-”تعال نطلع الحين واقولك”
-”رسيل فيها شي قول “
“لابس معدتي شوي تدري”
-”اها انت اسبقني عالسيارة وانا بجيب لك حليب”
-كما يحدث سابقاً ،عمر لم ينسى شيئاً…وكأن علبة الحليب البارد التي يحضرها،مقتدياً بوالدتي ستريحني..وأن كانت كذلك!
سألته:-”وين نروح”
-”مقهى”
عمر مرتاب قليلاً يقود وهو ينظر إلي ويسألني
-”بجد وش فيك”
لم اجبه
ترجلنا من السيارة ونحن نمضي للداخل قلت لعمر
-”مازن بيتزوج”
توقف عمر ثم ضحك طويلاً فقال:
-”لاتقول هذا اللي مضايقك ههههههه خلاص ابشر اذا تبغى نزوجك اليوم ههه”
لم استطع مجاراته بالضحك قلت
-”ياخي يصير له اللي يصير ماهمني”
-”بدر وش السالفه بالضبط..تراك قلقتني.. ولا اقول لايكون حان على اللي بياخذها ههههه “
هنا لم يكن بإمكاني سوى الضحك..والضحك بهستيريه حتى قلت له قبل أن اسبقه لداخل المقهى
-” بيتزوج اختي”
.-.
.-.
.-.
على عكسي تماماً، ربما لان الموضوع لايعنيه ضل صامتاً بالداخل بعد أن اخرج سيجارته وضل يدخنها بشكل عجيب
ربما انزاح نصف غضبي عندما أخبرته، وكأن ردة فعله أيضاً لها دور في تهدئتي
-”تصور صار كل شي بدون لاتقول لي اكيد لانها تدري اني اعتبره ولاشي الا تدري اني اكرهه وماطيقه وتدري انه …(ضربت بكفي الطاولة فسقطت علبة سجائرة) وش اسوي”
عمر ضل صامتاً وانحنيت لأجلب العلبة،ركزت النظر إليها شعرت أنني اشتهي تجربتها لربما كما في التلفاز ستحرق همومي !
انقضت يداه على علبته أخذها مني وقال
-”مجنون انت”
-”انا ماقلت بدخن واصير مثلك”
استمر بالتدخين لأقول
-”انت قايل بجربها وصار لك كم شهر تدخن”
لم يعقب وكان همومي كلها أصبحت فيه!
-”خلاص بطل تدخين”
قلتها بحزم ،ربما كانت كأمر ..، وربما كان كمن لم يسمعني، أخذت سيجارة واحدة منه وأشعلتها
وقف عمر وأطفأها مع سيجارته وقال
-”مجنون أنت هذا وفيك قرحه”
مرت دقائق وكل منا خلا في جوه..كنت اريد من عمر ان يخفف من غضبي إذ بي قلق عليه!
ربما موضوع السجائر جعل منه في حال كهذه!
-”ليش اتركه؟”
فاجأني بقوله ذلك،وأكد لي ان ذلك مايزعجه
-”عشان نفسك وعشان اللي حولك”
تنهدت مراراً لأطفئ الغضب في داخلي او ربما لأشعله، فأنا احمل خبراً أكثر حرقة من سيجارتك، وانت تتحدث عن اصبعك الحادي عشر وكأنه لايعنيك!
جئت بي لتخفف حزني،وعدت بك لأداري حزنك..، لمَ دوماً نتقاسم الطريق..!
.-.
.-.
كان هاتفي مغلق،وعقلي مغلق،وأبواب الدنيا أراها أمامي تغلق…
فتح بدر الباب
-”وين رحت”
-”قريب”
ومر بجانبي وجلس في الصالة، أحضرت له كاس ماء وشربه ثم قال:
-”تبين شي؟”
بدا لي الأمر كأنني عبأته بالطاقة فتحرك لسانه، قلت
-”ليش تكره مازن؟”
وضع الكأس الذي أظن أنه لو لم يشربه لسكب محتواه في وجهي!
-”ليش وافقتي؟ ليش تتصرفين على كيفك”
في وقت كنت انتظر إجابة فاجأني سؤال حامل بآخر..!
ليس لدي لكلاهما اجابة، فأنا حتى لااذكر موافقتي لأبتكر سبباً..!
كل شي يجري كانسياب أدمعي
-”اذا ارتحت بنتكلم بالموضوع..بروح انام الحين..وخل في بالك رايك اهم من أي شي بالدنيا”
.-.
صعدت لتنام..، عبارتها الاخيرة تخبرني أنه ان لم اوافق فلن تتزوج منه…كما اعتقد وأثق أيضاً.. لكن كرهي له قد يوافق حبها!
.-.
.-.
بالغد..
كنت مليئة بالنشاط وكأن الأمس لم يعكر صفو حياتي،..
القيت نظرة على هاتفي فلم اجد رقم مازن
-تراه نال توبيخاً من بدر،أم تهديداً أم … لايهم
-”تغديت؟”
-”لا “
ثم اضاف:
-”جايب غدا”
بالطبع اعلم انه بالمطبخ لكني سألت:
-”وينه؟”
-”بالمطبخ”
-”خالتي بترسل رينا اليوم”
-”وش رينا؟”
عندها ضحكت،وضحك بدوره..فكأنه يعلم من خادمات خالتي!
-”طيب بنجلس هنا حتى الدراسة صح؟”
-”ان شاءالله..وبرمضان بنروح لخالتي”
-”علشان تاكل؟”
-”هههه ليش تعرفين تطبخين؟”
-”ايه..مو لازم مقليات ومشويات كل أي شي مو لازم نروح لخالتي”
-”ههههه اصلاً مو عشان الاكل بس انا وعدت خالتي عشان كذا وافقت انك تجين”
ثم اضاف:
-”ماتبين تشوفين ابن الخاله المحترم”
احسست ان سؤاله يرمي لمعنى اكبر،جوابه سيغطي موضوع الخطبة باكمله
-”يؤ مابقى شي على رمضان وماشريت لبس العيد”
-”هههههه منتي صاحية..المهم لازم نروح لابوي قبل رمضان عشان لاننشغل”
ودار نقاش آخر عن ابي ، لابد من زيارته فهو لن يزورنا.. وقد كنت احتاج لتغيير جوي هذا، وبدر أيضاً.. لذا اتفقنا ان نذهب بعد يومين من هذا
-بدر يشبهني في امور كثيرة، إلا في مسألة الرضا!
عندما اغضب استمر أياماً لااضحك معه، أما هو فيوم واحد كفيل له بتهدئة الأمور…وأنا كثيراً حب ذلك فيه
وأتمنى لو أنني اشبهه!
.-.
.-.
.-.
بعد الغداء كان بدر منشغل بهاتفه، مرت ساعتين ذهب لصلاة العصر وعاد وهو يتصل ويعاود الاتصال
عندما أذن المغرب قال لي
-”بروح اصلي وبمر على عمر مايرد علي”
دانه ستأتي هذا اليوم ،سأستقبلها لتودعني!
ليس لدي الكثير لأفعله فكل شيء يبدو مرتبا لسفرنا بالغد،وحتى الوقت يمر بكل هدوء كخطوات محسوبة ،فلاشيء غير مرتب هذا المساء
لم يتبقى سوى مظهري قضيت دقائق اعيد ترتيبه لأكون متناسقة مع بقية الأشياء حولي
ارتديت ابسط مالدي ورتبت شعري كما ملامحي
تنهدت وأنا ابتسم اخرجت ملمع الشفاه الجديد وأطلت النظر إليه
-لايبدوا انه يغير شيئا،انه كحياتي بريق دون لون،وعندما يزول لن يذكره أحد
-لو كنت اسطورة..هل سأكون عندها سيدة الحرية..أم العكس!
العكس اصح كما تعتقد آمالي الكبيرة
وبدات بالتفكير عن الحرية كما لو أنني لم استسلم بالأمس للمنطق..!
جميل أن اكون امرأة..ولي استثناء بالرجوع في كلمتي..!
نزلت بعد ان سمعت صوت بدر،لقد عاد بسرعة
-”وش صار؟”
قال وهو يشاهد التلفاز
-”ولا شي رد وانا بالسيارة وقال بيجي”
-”دانه اف منها تأخرت”
رن الجرس
-”الطيب عند ذكره ههه”
فتحت الباب عن طريق جهاز التحكم بالداخل وانطلقت مسرعة لاستقبلها
-خطأي الوحيد أنني لم اكرر الجملة التي كررتها منذ طفولتي في جهاز التحكم،والتي لم احتاجها كما احتجتها الآن للسؤال :من بالخارج!
فقط عندما علقت إحدى قدماي في الهواء والأخرى قبل أن تنزل الدرجة التي تليها.. كما علقت الحروف في إحدى حلقات حنجرتي…فقط عرفت أنني مخطئة..وانه عمر لادانه!
الكلمة العالقة والتي كانت ستكون:”طولتي”..، بدأت تسد مجرى تنفسي شيئاً فشيئاً
.
.
-لمنزلنا أربع درجات أسفل الباب الداخلي والتي تصلنا مباشرة لثلاثة أمتار للباب الخارجي الذي فتحته من الداخل قبل دقائق
لأنني لم اشك أبداً بأن يكون الداخل غير دانه،فقد كدت اقفز الدرجات، وظهرت له كما كنت قبل سنوات!
ثانيتين فقط من الوقت الذي كنت اجاريه بحصيلة من التفسيرات التي لم أعي منها شيئاً
عالقة بين ارض وسماء،عيناي تتسع حتى تكاد لاتبصر..عقلي يجهد حتى لايكاد يميز..!
بأنه كان هو… صدمني بقوة،لتتوفى بقية التساؤلات!
أُذناي تتسلق الصدى حتى تكاد تنفجر والضغط في ثانيته الخامسة، لولا رحمة ربي لي ببدر لانفجرت
-”رسيل”
جفلت كلي بصوته،وانكسرت العين التي حدقت بي طويلاً،وشعرت بها دون رؤية
تلتصق خطواتي بمصدر الصوت،فيفيق جسدي ويركلني للداخل!
لم أكن اعلم ان الخطى تشترك مع العقل ببطء الاستيعاب..!
.-.
.-.
بدر:
-”حياك”
شيء في داخلي غاضب جداً من رؤيتك لها،أخبرك أن تدخل دون أي شعور على ملامحي..
-”بجيب الشاهي واجي”
قلت له ذلك كي ابتعد قليلاً،ولأترك عمر قليلاً،ولأرى رسيل!
.-.
كنت في غرفتي،أنظر للمرآة!
أتأمل ملامحي المرعوبة
كان يقف أمامي بكل إزعاج،ويحدق بي بكل قلة أدب!
ممسكاً بشيء بيده لم أميزه…أو ربما لم يكن ممسكاً بشيء!
رآني هكذا..!
عندها فقط،،لم يعد كل شيء مرتب كما ظننت!
لا المساء ولا شعوري ولا مظهري..!
وانا من كنت احس بالذنب لأجله بالامس…من يظن نفسه..من يظن نفسه!!
إثر كلماتي شعرت بالمدينة في داخلي حقاً تحترق،وجزء من ضحايا تخرج من عيناي..
فأبكي…أبكي لأنه عمر..لو كان شخصاً آخر لما غضبت…
كان بإمكانه ان يغض بصره، بالطبع هو الآن يقارن بيني وبين طفولتي..!
أحمق..
لمَ رأيتني..!
عدت للمرآة مرة اخرى..إذن تلك الصورة التي رآني بها.. أتراه مايقول عني الآن..!
-وماذا يهمني في ذلك…
أي شعور يصيبني الآن..!
قلبي رعباً يدق،وأصابعي تنسجم مع الدقات لتظهرها على الكرسي..لمَ لم يخلقوا معنى لشعوري..،كلمة الخص بها هذا الانفعال..!
أين من يظنون أنفسهم فاهمون في الأدب واللغات…ألم تخلق أي لغة كلمة لشعوري هذا!
إنهم حقيرون، وهو كذلك حقير وقليل أدب..
-كانت لحظة غضب/جنون/لم أستعد تركيزي بعد..وانتقل من حدث لمطالبة، أتراه وقت جيد للمطالبة بكلمة،ولوم اللغات..!
كثيراً ماتداهمنا الأفكار عندما نخلو بحدث، الحروف كأنها تغار..!
-”رسيل افتحي”
عندما كان بدر يقف امام باب غرفتي،فقدت كل المشاعر السابقة وبقي لي الخجل..
اشعر بخجل شديد منه، لم افتح الباب
-”انزلي بكلمك..وترى دانه جت”
أخبرت دانه ان تصعد لغرفتي، استقبلتها قبل السلام
-”عمر شافني تو”
-”ههههه طيب واذا كل يوم يشوفك”
-”لامو كل يوم ولا كذا بشكلي ولبسي ولا قاعد يناظر بكل بجاحه”
وضعت قبله صغيرة على خدي وهي تقول ضاحكة
-”أي ماعليك منه..المهم كيف استعداداتك للسفر”
بدأت أعيد ترتيب الأمور من جديد، وتخلصت تقريباً من الموقف هذا اليوم لكني لم اتخلص من احتقاري له!
ماقالته دانه قبل خروجها-”انتبهي على نفسك لاتخلين احد يهمك هالكثر وتروحين فيها”
ربما لم افهم ماقالته مباشرة…لكني شيئاً فشيئاً أبتلع الكلمة،واشعر بألم بسيط في داخلي!
كشيء يتحرك في صدري..!
-” ثلاث ايام ان شاءالله”
اجبت عمر بعد ان سألني وربما هي المرة الثالثة التي يسألني السؤال ذاته،وأجيبه بكل ملل!
ثم صمت قليلاً، منذ أيام لم يكن على طبعه المعروف..هناك شيء ما يضايقه لايريد إعلامي به
-”اقول عمر وش فيك؟”
-”ها..مافيني شي..ليش؟”
-”ثلاث مرات تعيد نفس السؤال ولاتسمع جوابي..ولاهي اول مرة من كم يوم منت عاجبني”
-”ههههههههه تكفين يمه مافيني شي خليني “
-”ههههههه مالت عليك والي يقلق عشانك..المهم خلنا نطلع نتعشى”
-”لا انا متغدي متأخر..خلاص الحين بروح والظهر بمرك أوصلكم المطار”
-”لامايحتاج ماتقصر بس بروح بسيارتي عشان اوقفها”
-”بكيفك بس بعد بمر هههه”
هو ذا يعود لطبيعته،لكن موضوع مازن لازال يقلقني..وخاصة بعد ان أخبرته أن لايتصل بها ولا يأتي إلا بعد أن يصبح الموضوع جدي..وأنني لم أوافق بعد!
.-.
.-.
لا الأرض ارضي،ولا السماء سمائي
لا الحزن حزني، ولا الدموع عزائي
لاقيتها ..كأن حظي قد أفاق إذن..!
أو كأن ربي قد أجاب دعائي..!
ضغطت على أسناني كثيراً كي يغلق فمي فلا اقهقه بسعادة مجنونة أما بدر!
كنت جالسا قربه لكن جسدي يطير!
كنت افتح موضوعاً لأتركه يتحدث فأختبئ خلف ماحدث هذا اليوم!
الآن أسير بسرعة تقص الشوارع أمامي،وكأنني متجه للقمر.. كل الأشياء حولي لاتصلها عيناي، نظراتي نحو الأفق
انه الحلم حتماً..إنها رسيل بالتأكيد!
أنني متيم بها،الدقائق التي تمر الآن تزيد من شغفي بها، مولع بها حد الفرح،حد الحزن..!
قلبي به نهر جاري كلما يصعد يحدث بي رعشة، وعندما ينزل يهوي على ماحدث
فأزيد من السرعة ويبتلعني الطريق ويدق قلبي كما لم يدق بحبها!
بعد كل ذلك…لن يلومني احد…
بأن لي عين عاصية..وقلبي ارتكب الخطيئة
وسأتوجه لكل محراب وسأدعو تكراراً أن أراها مجدداً ،وبصفة اخرى..ولاتتزوج من أحد..غيري!
الأيام السابقة كنت أشهد تألم قلبي،واليوم اشعر به ينتعش رغم انه لاجديد له..!
-عندما اتصل بي بدر كنت قريباً من المنزل..لذا اتيت مباشرة.. لكن الحظ أبى الا ان يكون بجانبي، تشبثت نظراتي بها دون نية للعودة معي..!
لم يكن من الذكاء أن اعرف انهار سيل..!
بحكم رجولتي أثق ان نظرة واحدة كفيلة برسمها ووشمها داخل ذاكرتي..^
كنت كمن يقف تحت المطر متحدياً الشمس، وكانت كمن يغرقه المطر منتظر الجفاف !
تمنيت التقاط الصورة لا لأني مصور..! ولا لأنها رسيل، بل لأنها لحظة ارتباك اهتز لها أي شعور!
-عادت شهيتي للحياة،وهنأت قلبي على بساطته…!
.-.
.-.
.-.
الظهر..،
حقائبي كحياتي، مستعدة دائماً للرحيل
احب الرحلات البرية، إلا ان بدر اخبرني انها ليست نزهة،بل تأدية واجب!
مررت بالمجلس لأغلق الانوار وجدت مطفأة سجائر على الطاولة..!
يبدو انه يدلل أصابعه في منزلنا..ازداد حنقي منه، تذكرت الأمس وودت لو أكسر مطفأته فوق رأسه!
.-.
.-.
بالمطار
وأنا اتجه للطائرة،وخطواتي تستأذن ذلك الممر الطويل الضيق لأستقل كرسي لايطل على شيء
ويجلس بدر بجانبي قرب النافذة
-عندما كنت طفلة،كنت لااسمح لأحد بسبقي للجلوس قرب النافذة،لأن الاطلاع والاكتشاف والفضول هما ألعابي الفضلة
والآن وأنا لازلت بحاجة للاطلاع إلا أنني لم اعد أهوى ذلك اللعب،وكرهت النوافذ
- الأماكن التي تستدرجنا للسقوط..دائماً تكون مُطلة..!
ابتلع ريقي وأغمض عيناي واشد من قوتي لأمنح قوتي أملاً آخر للحياة، وكأن إمساكي بالمقعد سيزيد من تماسك الطائرة وهي تقلع الآن..!
لم أكن أخاف أن تترك قدماي الأرض رغم أنني كنت أحب الأرض لحبي للحياة ، والآن بعد ان كرهت الحياة كرهت أن أموت معلقة بين ارض وسماء… تلك اللحظات الأنسب لاعترف للحياة أنني لازلت احبها لكنني بدلاً عن ذلك اعترفت لبدري أنني احب البقاء هنا
-”احب اعيش هنا ..بالجو”
رغم مادار في رأسي قبل ثواني ألا أن المكان بدأ يعجبني بشدة!
جذبني الخوف فيه،والقلق فيه، والأمل فيه
ربما لأنني فقدت إحساس الحزن فشيء ما.. كان لايحتمل وجوده
-”الحمدلله بس ههههه الارض نعمه ههه”
هذا ماقاله بدر
-”ههههه بالعكس الجو أحسن..أحس اني طايره “
وكلما تزداد الطائرة بالعلو يزداد حبي للبقاء هنا،شعور بأنني أطير كان يغلفني يجعل مني حمامة بيضاء لاتملك قدمين حتى لاتضطر للسير مجدداً..!
إحساس بالنشوة، إحساس بأنني سأصل للقمر بعد دقائق!
إحساسي أن لاشيء يقيدني سوى حزام اربطه كي لايفقدوني عندما تطأ الطائرة غيمة عجوز تنام في الطريق..!
يجعلني ادقق في هذا العالم العجيب.. مزاجي أصبح بالفعل حمامة لاشيء غير جميل هنا
انه أشبه بالحرية التي لم أرها يوماً… الحرية الوحيدة التي استطيع أن أشبه الأشياء فيها منذ طفولتي رغم أننا لم نتقابل يوماً..!
اخلع الحزام وكأنني اخلع آخر روحي من روحي وانتقل من زمن لأخر وأطير حتى لم يعد هناك من يراني
-”اربطي حزامك يالخبله بطيرين يعني هههههه”
-”اسكت يضايق الحزام “
-”ههههه طيب اسمعيني ركزي معي شوي”
-”وشو؟”
-”مرت ابوي يمكن تطلب منك طلب..وانا شبه متأكد عشان كذا أي طلب تطلبه ارفضي مباشرة”
-”طيب”
لااملك فضولاً الآن فإحساسي أن هذا المكان حيث تقطن الحرية يلبسني ثوباً جديداً، بل ريشاً جديداً..!!
وانتشي.!
عندما لامست الأرض من جديد، وكأنني كنت أطير سنوات طويلة لا دقائق قصيرة
واستمريت اندب حظ حريتي، واكتشفت أنني احبها منذ زمن بدرجة واحدة وبانتعاش واحد،وبرهبة وشوق ثابتين..
ربما كان قلبي محكماً بحب الحرية لاغير..، اختياري الأفضل حيث أنني سأقابل حظي لاحقاً..!
.-.
.-.
هذا منزل والدي
التفت لرسيل
-”رسيل لاتنسين اللي قلت لك”
-”أي بس ليش؟”
كنت حائراً لكن سيارة واقفة أمام المنزل جعلتني اقر بأن من الأفضل أن اخبرها
-”هذي سيارة رامي عبدالعزيز التي تقرين له بالجريدة”
نظرت باندهاش ثم قالت:
-”يسكن معهم؟”
قلت بسخرية-”لا هو درا ان عياله بيجون اللي هم احنا.. وسبقنا عشان يستقبلنا..وانا عندهم قبل كان مايمر يوم الا وهو جاي حتى يجيني بالجامعه مع خادمه”
-”ماشاءالله عليك”
فوجئت بردها،فهي معجبة بما قلت يضايقني فيه
-”ومرت ابوي تفكر تخطب له..انتبهي لو فتحت معاك الموضوع ووافقتي”
ضحكت، ثم قالت
-” احسن من مازن عالاقل مثقف ويعجبني بكتاباته”
غضبت منها فكلتا الفرصتين سيئتين لي..وستكون لها
-”قلت لاتفكرين”
-”بدر عالاقل اعيش عند ابوي ومعك هنا.. بالرياض من لي خالتي وولدها الي مابغى اتزوجه”
انفعالها وضح لي انفعال صادق، وصراحة لم تكن تريد إخباري بها..
إذن هي لاتريد الزواج من مازن..أسعدني ذلك لكني توقفت طويلاً دون المضي خلفها للداخل، ولا إضافة أي شيء يستحق النطق
آلمني جداً حلمها البسيط بالعيش تحت كنف والدي..وغيابي لدراسة اقترحها هو يبدو آلمها كثيراً..!
.-.
لااريد مناقشة نفسي بما قلت، أخذت انظر للفناء الخارجي للمنزل
سبقتني أفكاري للباب الكبير لتدقق بالموجودين ، التفت لأرى أين بدر
فـ تركزت عيناي على كرسي في الحديقة الأمامية أبي جالس وواضع يديه على كتفي زوجته ويتحدثان بشيء لااستطيع سماعه
التفت على بدر فرأيت اشمئزاز على وجهه وهو يقول
-”مراهق فالخمسين..استغفرالله بس”
وتقدم للداخل فتبعته
.-.
بعد أن تبادلنا السلام والأخبار وتناولنا العشاء اتجهت لغرفتي
أبي لايبدوا سعيداً جداً بحضورنا، وزوجته غير مبالية بشيء، وبدري يبدو غاضباً من لاشيء..!
وانا لم افرغ حقيبتي على أمل العودة باكراً..!
.-.
الغداء اليوم على شرف حضورنا،كثير من النساء يرتشفن القهوة بغيبة ونميمة ،ويحلّون بالشفقة الواضحة لأجلي..،
أنا اليوم اكبر من شفقتهم، وكلما زاد عمري ازددت كرهاً لشفقتهم وحاجة لأمي..!
-اماه..ما أكثر مانتعثر في خطانا مذ رحلتي..!
من يخرس أعينهم المحدقة،ويفرغهم ليساووا عقولهم.. ألا يوجد حديث لايخص غيرهم ليتحدثوا به..ألا يوجد شيء غيري ليحدقوا به!
-”اسيل كيف حالك؟”
رفعت رأسي للصوت الجديد الذي يخاطبني إذ بها امرأة ترتدي ألوان لاتليق بعمرها
قلت لها: -”اسمي رسيل”
عدت بنظراتي لحيث كنت
جلست بجانبي وبدأت تتحدث عن كل شيء، حتى بدأ صوتها يزعجني، فاستأذنت للذهاب
لكنها قالت لي
-”انا ام رامي”
عندها تذكرت ماقاله بدر، يبدوا ماقاله صحيحاً
حركت رأسي بالإيجاب وذهبت للداخل
شيء فيني يفضل ابنها على مازن، يريد مني العودة علَها ظنون بدر تصدق وتخطبني..!
إلا أنني لا اريد الزواج حتماً
-فقط لأنني تخرجت من الثانوية،في عيون النساء اللاتي كـ هن قبل قليل.. أصبحت شيء ناقص حتى يزوجونني لأكمل صفة الفناجيل..!
وأنا ربما اخطب مرة ثانية..! مابال بعض النسوة لايفكرن سوى بالأعراس!
.-.
.-.
عندما كنت أتصفح الصحيفة في الصالة العلوية، أطلت النظر بالجزء الخاص به
رامي عبد العزيز ذلك الاسم الذي لايصلح سوى لورقة كتابة.. يملك عمود لايحوي صورته
فكرت به لأجدني ارفض ذلك..وارفضه كثيراً…
-رغم أنني حينها لم أتذكر أبداً إعاقته الجسدية..!
.-.
.-.
بالغد قررت تقديم رحلتنا للإياب، ولم يطلب منا أحداً البقاء، بل أنني لم أرى أحداً عقب الغداء ذاك..
وابنتها التي اذكرها لم أراها ابداً.. وهي من المفترض ان تكون اختي!
مررنا بالبحر لأن موعد رحلتنا ليس الآن.. اشترالي بدر بعض المثلجات وعدت اركض للبحر وألوث قدمي وكأن لامطار بانتظاري
عدت سنوات وأنا ارمي كل ثقيل يتعبني بالبحر،وبدر أيضاً.. رغم انني على ثقة اننا هنا الآن لأنه لسبب ما مشفق علي أكثر من نفسه!
اتجهنا للمطار…لنتحرر منهم ومن المدينة
لأن البحر حساس،كنت رقيقة..!
ولأن البحر باكٍ…كنت اختنق لأجله..!
تبدو لي المدينة كلها تبكي قبل قليل وأنا وحدي اضحك وامرح وأبدل حذائي بآخر..كما أصبحت اتقن تبديل المزاج ،
سنعود لأرضنا الجافة،التي لاتبكي بسهولة، وعندما تبكي فإنها تزهر الارض..قوية كما هو أبي..!
لكن ابي لايبكي، ولاشيء يزهر عند لقائه!
جلست انتظر وانظر للمدينة الحزينة المغلفة بالدمع، ليمنحنا رغبة جامحة بالبكاء..
وتلك الرطوبة تجعلني قابلة للانزلاق والانقشاع والذوبان أيضاً..!
أثناء فترة انتظارنا..لسبب ما تأخرت الرحلة
شعرت بحديث مطول مع المدينة، كانت لاتشبه الرياض
فهذه أحكي لها وتبكيني وتلك اشكي لها وتعلمني القوة!
المملكة فصول لمدرسة واحدة،وأنا مللت التعلم، ليتني استقل طائرة توصلني للنجوم…أو دول جاهلة لاتعلمنا شيئاً حتى أجوائها..!
.-.
.-.
قرب الساعة العاشرة كنا بالمنزل، أنا لم افتح هاتفي بعد ان أغلقته بالطائرة
وتبين لي ان بدر أيضاً فعل ذلك..،
كان اتصال خالتي على هاتف المنزل هو ما أكد لي
-”وصلتوا؟”
بالطبع حياتنا مليئة بالأسئلة الغبية التي نضطر للإجابة عليها، كما نضر للسؤال عنها
-”ايه تونا واصلين”
-”كيف حالكم”
-”بخير الحمدلله”
-”وين بدر”
-”بغرفته”
-”ايه…”
أقلقني صوتها، لكنها قالت
-”طيب بكرة تعالوا تغدوا عندنا”
-”خالتي وش رايك تجين احسن”
-”خلاص بجيب الغداء واجي مو القاكم نايمين”
-”ههههه ان شاءالله”
تذكرت يوماً سابقاً أصررنا عليها بالقدوم، ولم نستيقظ إلا بعد ذهابها
تذكر مواقف مثل تلك أبهجتني، وجعلتني افقد القلق الذي شعرت به من خلال حديثها
لسبب ما.. وللأجواء الهادئة التي تسبق رمضان..شعرت أنني سعيدة
تفاءلت مرة اخرى،للحياة،وللحرية!
.-.
.-.
أعدت سماعة الهاتف إلى مكانها..وأنا مشتاقة حقاً للصغيرة ابنة اختي المتوفاة
كنت اريد محادثة بدر لأخبره بشيء لن يعجبه، لكني غيرت رأيي
عندما تذكرت انه قد يغضب..وان غضب فسيخرج،وعندما تلتقي النيران ستحترق المدينة!
-لابد ان اذهب له فانا متأكدة انه لن يتقبله بسهولة
..×..///..×..///..×..///..×.
حذار من التوهم بأن إشعال شمعة واحدة خير ألف مرة من لعن الظلام !
حذار من لعن الظلام ! وحذار من إشعال شمعة ! فالشمعة ( في هذا الزمن الرديء ) لم تعد تكفي وسط إعصار ليل القهر الذي يكاد يلفنا ..
صار إشعال الشمعة فعل تخدير , كمن يداوي الشلل بقرص من الفيتامين .
كمن يعطي جريحا ما قرصا من ( الفاليوم ) كي يتخدر وينزف دمه كله قبل أن يصحو , دون أن يضمد له جراحه أو يحدد موقعها على الأقل !(غادة السمان)
الحرية الوهم الاجمل، الذي لأجله ارفع شعار لاحذار..!
مصيبة ان تكبر معي تلك الكلمة،وتتسع معانيها بشكل اكبر مما اتصوره
اليوم أتصدقون ماذا مر في بالي…أنني أسافر هاربة فقط لأصور بالقرب من تمثال الحرية، ليبدوا الشاهد لسيادتي المزعومة..!!
كلما ازداد ضغط الحياة حولي،ارغب باشعال المزيد من الشموع..، وكلما أشعلت المزيد أرغب في لعن الظلام.!
|