كاتب الموضوع :
قهوة!
المنتدى :
الارشيف
الفصل الثاني
( 8 )
::::غيَر من حياتي !:::::
كمعزوفة موسيقية مرت بي الأيام…ترتفع أحياناً…حتى أكاد ألمس النجوم…وتبقى على مسارها المعتاد أحياناً اخرى…!
ثلاث سنوات مضت…
“عاماً”… يجر من خلفه..عام…
كل “يوم” يمضي يضع لمساته قبل ذهابه..وكل “ساعة” تحاول ابتداع أمر..
وكل “دقيقة” تحاول تغيير ما تستطيع من الأحداث..!
“أسبوع” يمضي ليستقبل أسبوع آخر..
و”ساعة تجر جيش الثواني خلفها”…
إذن …
لا يزال نظام الساعة يعمل..!!
ولا يزال نظام الأيام يدور..!
يالغبائي…!
أتذكرون…
كنت أظن الزمن توقف بعد أن حطمت ساعاتي..!
كنت أظن أن الحياة ستفقد النظام فقط لأني أريد ذلك..!
ظننت أن الدنيا توقفت على أرضي فقط لأن امي رحلت..!
وأبي تخلا عني…..
وبدر فقدته…!
سبحان الله.. لا تزال الكرة الأرضية تدور…
ولا زالت أسس الحياة موجودة..!
حتى هذا اليوم…تراودني صورة ساعتي المحطمة قبل سنوات في منزلنا…فيخيَل لي أنها كل عالمي الذي توقف!
أكنت حقاً أظن أنني بمجرد إتلاف ساعاتي سيتغير كل شيء..!
أم أن حلمي بسيادة الحرية هو ما دفعني لذلك..!
.-.
.-.
ثلاث سنوات مرت وأنا أجلس في أول كرسي من مدرسة الحياة…
تعلمت الكثير..
الكثير..مما يفوق أحلامي..طموحاتي وحتى أحزاني…
تعلمت فنون الضحك….عندما تطوقني الأحزان…
تعلمت أن اغلق فمي عند حاجتي للكلام…
تعلمت كيف ابتسم عندما يخرس لساني!
تعلمت أن أتحدث عن كل شيء وأي شيء.. إلا أن أتحدث عن حياتي..!
عن تلك المسماة…
مأساتي..!
لم أبث شكواي يوماً إلا للقلم..
ومجتمعي الذي أخالطه لم يكن سوى صديقات مدرستي…
تعلمت أن اضحك لأجلهم…وابكي لأجلهم.. ادرايهم كما اداري الدمع في عيني…
الجميع ضحكوا لضحكي…..لكن أحداً لم يبكِ لأجلي…
لم ابالي بشيء…فلم ارد أن أكون بائعة للحزن بينهم….
كما هو عنوان قصتي التي اكتبها عندما يغمرني الحزن….
وتخنقني الوحدة…!
أتعلمون أي وحدة أُعاني منها..!
منذ عام مضى لم أرى بدر….
فقدته بلا سابق إنذار…!
تماماً كأمي…!
لكن الفرق بينهم أن امي رحلت بلا عودة…
وبدر سيعود…!
فقدته عندما أتى والدي في صحوة متأخرة وبلا سبب..
ليأخذنا إلى بيتنا القديم…
بكل بساطة..أمَرَ ونفذنا…
اذكر أن شعوري كان مميزاً حينها..
كان شعور امتزج بكل شعور اجتاح ملامحي طوال سنوات عمري…
شعور غلب عليه الفرح والحزن..في آن واحد…
الدهشة وعدم الاهتمام…في مزج واحد..!
شعور يبث الأمل في داخلي بأن الحياة ستعود كما كانت..! وآخر يناقضه يشعرني بالإحباط..!
شعور الغضب من والدي..والرضا عنه…!
لن أتعجب يوماً ما عندما افقد السيطرة على وصف إحساسي…!
اخبرني بدر حينها.. أن مكوثنا في بيتنا لن يدوم طويلاً…فلم نحضر إلا بعضاً من حاجياتنا…
زوار في بيتنا..!
في أول خطوة كانت لي فيه..كمن يطأ نار..وثلج…!!
صوت صرير الباب كان يشبه صرخات طفل استبشر بقدوم امه..!
كنت انظر لبدر وهو يدفع ذلك الباب الذي طالما توقفنا عنده في عراك من يسبق للداخل…
ذات يوم!
كانت خطوتي أثقل من حزني….
شعرت بأنفاس والدتي تخنقني…تستقبلني مودعة..!
تعاتبني تسألني عن أخباري…عن السنوات التي غبنا فيها..!
بكل مقعد كنت أراها..وكل زاوية كنت المحها..حتى بتلك الأواني المصطفة على الرفوف رأيتها..!
أطلت النظر للتلفاز الذي طالما تشاجرنا على جهاز التحكم التابع له… فبدت لي شاشته المغلقة تعرض شريط أيامنا السابقة….
وفي كل قناة أرى امي..!
كانت الصالة لم تتغير كثيراً وكذلك المطبخ…. أما غرفة الجلوس وبقية المنزل…مروراً بغرفتي قد تغيَر..فبدت لي غرفتي…
تشبه غرفتي..!
كان والدي قد جدد الأثاث وأبدى التغييرات المناسبة ليبعث الراحة لأنفسنا مرة اخرى…
كما اعتقدت حينها….!
لم أحاول حتى إمساك مقبض الباب لغرفة والدتي,,,أخذت أجوب المنزل..واستعيد الذكرى فيسعد قلبي تارة..,ويبكي تارة اخرى…
مهما كان الحزن مخيِّم على المنزل إلا أنني في منزلي الذي قضيت فيه سنوات طفولتي…واسعد لحظات حياتي..
ويكفيني فقط,, أنني أتصرّف فيه بحرية..!
“حرية”!
في وقت لم يكن مناسب لمرورها بين ازدحام الأفكار في رأسي إلا أنها مرتني…!
فعادت هواجسها بشكل يختلف عمَا كانت..
فقد كَبٌرَت…
بكل بساطة ..
كَبٌرَت..!!
الم تعلموا أن الأحلام تكبر كما نكبر نحن..وتموت كما نموت نحن…!!
عندها بقينا في المنزل عدة أيام…اقترح فيها والدي على بدر أن يذهب معه….ليدرس بالقرب منه…
كما قال يريد أن يشهد تفوقه..ويفخر به عن أقربائه هناك…..
أو أقرباء زوجته..!
بدر خاض صراع جديد مع والدي….حتى خضع له مجبراً…..وسافر معه بعد أيام قلائل..
حينها كان حوار في ذاتي يتساءل..
- وأنا…!
- ماذا سيحل بي..!
- أيأخذون آخر عائلتي مني!
-بين إحساس وآخر.. شعرت بأنني نقطة أضاعها القلم على صفحات الورق..!
-أصبحت مجرد خربشات لجدران الزمن..!
لا احد يفكر فيني..!
- أين سأذهب…..وهل سأعود لخالتي مرة اخرى..!
…
سألني بدر قبل أن يفكر بالرحيل…وقف أمامي وكأنه قد استعد لخوض الحوار مرات عدة.. قبل أن يقول:
“اذا ماتبغين اسافر ماراح اسافر..واللي يصير يصير”
كنت سأقول نعم..لاتذهب…لاتتركني..
…لكنني قلت:
“خلاص…لازم تسمع كلامه و….(بترت جملتي لأنني لم أجد ما أُضيف..بدا لي كل شيء ناقص!”
ثم أضفت ابتسامة ميتة…
لأجل ألا يقع في صراعات مع والدي,,ويضيع مستقبله بيده..ويدي…,
لأجل سعادة آخر وأول من افكر فيه في دنياي…
نعم لا أحد..غيره..
طلبت منه ان يذهب,,
في وقت كنت في أمسّ الحاجة إلى وجوده…,
قلت الوداع,,في وقت صرخ كياني فيه لاتذهب..!
قلت نعم,,في وقت افترض علي أن أقول لا..,
قلت لا بأس وأنا اعني كلاَ..كلاَ…كلاَ…,
لكنـ…..رحل…,
هكذا بكل بساطة…
ذبلت أول وردة حاولت سقايتها فيني….
لم اصرخ..لم ابكي..لم أترجَى أحداً…
فقط أذعنت لما يحدث..وتقبلت ماقد يحدث!..
وها أنا الآن ..يكتمل بي العام الذي احتوى حزني ويتمي ووحدتي..
في منزل خالتي…مرغمة بإرادتي..!
استيقظ وأنام…
- بلا أمل في الحياة….
- بقلب محطم..يائس..رافضاً ذاك المسمى أبي..!
سؤال يغتصب وحدتي كلما اذكر ماحدث…..
- “هل كان يجب علي أن احبه…فقط لأنه أبي…!”
بت اشك أن قلبي معطوب…..
لولا حبي لأخي…وخالتي….واحترامي لابن خالتي الذي بدى كوالدته..سعيداً بعودتي…
لتيقنت ان قلبي معطوب…!
بالمناسبة…
لا اعني الجملة الأخيرة…!
بل سابقتها…فـ قبل سنتين غيَر مازن غرفته إلى غرفة قرب المجلس بالأسفل..
وذلك ليتسنى لي الخروج بحرية في ذلك الدور…
حرية لم اعرها اهتمام طالما لمى تشاركني المكان..!
لا ادري لما تذكرت الآن نظرة مازن ذلك اليوم قبل سنوات….
ياترى هل لازال يذكر ماقالته!
ليتني لا أعود هنا….
ذلك اليوم لم انم…كان بودي حينها … وبرغبة ملحّة ..
الكتابة..عن شعور…
المشردون..!!!
.
.
دخلت آخر مراحل الثانوية…
عُمْرِي اقترب جداً من الثامنة عشر….أظن ذلك…
فلم تعد هناك حفلات ميلاد..!
ربما الثامنة عشر..والذي كنت أتمناه حقاً هو عمري كله!
في لحظة يأس!
بدر سينهي عشرون عام من عمره ومازن لا ادري لكن أظن انه يكبرني بخمس سنوات.. أما لمى فهي لم تغادر المرحلة المتوسطة..ولا أظن أنها ستغادرها حالياً!
مرتني أيام خلال سنوات وحدتي..
كانت من أقسى أيام حياتي…فمن تلك الأيام تعلمت…
أن الكلمة لاتحتمل أكثر من معنى…
بعكس ماكنت اعتقده عندما ظننت أن للحرية معنى واحد!
وفهمت معنى اليتم بصورته المنفردة…!
يتيمة الأب والأم..!
ما أقسى قاموس الكلمات الذي قرأته مرغمة!
برغم صغر سني..إلا أن الحياة علمتني الكثير…عدا أنني اجهل أمراً واحداً يعنيني…
فـ كيف أصبح
سيَدة الحرية..!!
.ـ.
.ـ.
إذن…
كل ما افعله الآن..
هو لجوئي لمن لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه..
والحمدلله على كل حال…
ربما حتى الآن قصتي حزينة….,
وربما حتى الآن لا أحد يلحظ حزني..!
وألف ربما تتبع ربما…
جميعها دونت في رٌوزنامة تقوقعت في أحشائي..
.-.
ما”حدث” في منزل خالتي..
عذراً..
تمنيت أن اسرد هكذا..لكنه لم “يحدث” شيء..!
فالهوامش لاتعطي الكثير..!
عشرون شهراً أو تزيد…تتشابه أيامها…فلا تحدث تغيراً لجدولي اليومي..!
من القسوة أن أرى اليوم حلقة معادة من حلقات الأمس..!
.-.
زارني بدر مرة خلال هذا العام…ورحل من جديد..
لم ابكي منذ غيابه…لا لشيء لكنني كرهت الدموع…!
ما يشغلني هو دراستي لأهمية مرحلتي الأخيرة…ورواية كنت اختلس الفراغ من فراغي لأملأ سطر منها…لتحييني..!
أتخلص من بعضي فيها..فتملأني..!
أرثيها….فتبكيني..!
“بائعة الحزن”
ترتلني سطورها…وأتلوها بإتقان..!
يشبهني كثيراً…حرفها
إذ كنت أُشبهها كعنوان…!
.-.
كعادتي..
كل امتحان بالنسبة لي فاتح شهية للحروف…!
غداً لدي امتحان وسنتي الأخيرة تحتم علي مايجب علي..
لكن رغبتي المفاجأة بأن اعرض قصتي لعيون اخرى غير العيون الأربع الساخرة
خلقت فيني حماساً آخر…
أتممت إنزالها بمنتدى صديقة لي…
.-.
.-.
من قال أن للحزن نهاية..قد اخطأ…
ومن قال أن هنالك أصعب من الفراق قد أخطأ أيضاً…!
“بائعة الحزن”
بقلم: (انكسار الظل)
كانت أوَل مشاركاتي و خطوة اولى لجميع تلك الخطى التي تلتها..
بعد دقائق طويلة…
عدت لألقي نظرة…رأيت من يقرأ دون تعقيب…
شعرت باضطرابات في داخلي…كنت أتخيل صخب من عيون تلتف ردهات الورق..أكان طرب أم نشاز!
تحولت الصفحة في رأسي معركة جدال…لم يعد هناك حلفاء..!
أفكاري أبت الاستسلام وحروفي لاتزال في اشتباك!
محاولات التحاف ورقة صيَرها الوغى فيني فجأة ..
حلم استيطان محبرة..!!
انتشى حزني الغابر..فكرت في القادم…
آخ..منذ زمن لم افكر بالقادم… كنت أعود للوراء أعيش بين انثناءات انكساراتي!!
لم أجد أي تعقيب للقصة…
تسللت إحدى الخيبات إلى ذاتي
لتوقظ البقية!
فأنام….!
/
عند عودتي لها بعد مضي أيام…
“قصة مميزة”
“ننتظر القادم”
“رائع..استمري”
“اين البقية”
عندها…
دهشت…!
نعم ربما الدهشة سبقت البهجة..
ركضت لهاتفي لأتصل ببدر
سألت عن حاله على عجل…أنفاسي تتسابق كتنافس لحضور الخبر
“قوول مبروووك”
“تخرجتي؟”
“ههههه يازينك ساكت…يااربي ماتدري شلون مبسووطه قوول مبرووك”
“دووم ان شاءالله قوولي حمستيني”
“قصتي اللي قلتلك نزلتها بالمنتدى..تخيل كلهم مدحوني..شفت يعني قصتي ماتضحك…مو مثلكم”
“هههههههههه لو نزلتيها بقسم النكت وسمعتي الكلام بينبسطوون هههههه”
(تلاشت الفرحة قطبت حاجباي..بتصنع ربما!)
-”هاهاها بايخ…واصلاً انت مين عشان اخذ برايك”
-”افاا اجل ماراح اقراها؟”
“ااف (تذكرت فجاة ولأخرج من الموضوع) … بدر متى بتجي؟”
“ممم ان شاءالله بأول اجازة”
” ليت قبل”
“ماقدر وكذا تكون مناسبه للجميع حتى عمر”
(سكت ثم اضاف ضحكة طويلة)
-”هه شفيك؟”
-”ههههه تدرين عاد مقاطعني له يومين “
-”عمر؟”
-”ايه ههههههههههه”
-”احسن بس ليش؟”
-”هههه شوف هذي…هههه اوكي الذكي متصل علي قبل امتحان اشغلهم عشان يعيده يهدد وحالته صعبه..يقول لاتتصل علي…يازعم بيذاكر”
-”ههههه اوكي”
-”تعرفين نشبت له ويقطعها بوجهي ومن بكرة اتصل معصب اشوى اني ماني عنده وقتها تخيلي اثر اتصالاتي فضت بطاريته وهو مايدري ومارن المنبه وراح عليه الامتحان هههههه”
-”اف هههههه كله منك ليتك عنده وقتها عشان تتأدب”
واستمتعت كثيراً بهذه المكالمة..وأكثر ما أبهجني أن عمر هو عمر..تصرفاته ربما لم تتغير..
ربما اليوم منذ بدايته جميل..
/
/
/
وحتى أتى بدر…
رباه كم أنا سعيدة سأرى البدر اسبوعين….
كنت في انجراف عظيم في الكلام معه..ولم انتبه لذلك الشخص الواقف بالخلف بانتظار سد يقطع حديثي..!
حقاً غريب..
كان والدي..!!
.-.
“رسيل ابوي بيبيع البيت”
قالها لتموت علامات التعجب في نظراتي…لتخلق علامات استفهام كبيرة لاتتسعها ورقة..!!
“يبيع بيتنا؟”
“ايه ولا تناقشينه مافي فايده.. خلاص ابوي مدري كيف يفكر”
كانت ثاني صدمة تعكر صفو حياتي…
كدت أوقن أن الحياة لن تضحك مرة اخرى..
بدوت أوقن أن المنزل قد مات مع امي..!
عندها اتضحت لي حقيقة تغييره للمنزل وتجديد أثاثه سابقاً..ليس كما ظننت لأجل راحتنا…!
كان سؤال يعتصرني ألف مرة في كل ثانية..,,ولا استطيع النطق به..
لمَ تجبرني على كرهك هكذا…؟!
الست أبي..!!
كعادتي… آثرت الصمت على الكلام…لمعرفتي بخطوة والدي تلك..فهو لايتراجع عن خطواته..!
لا أدري أين سأعيش وبدر أيضاً بعد أن ينهي دراسته..!
لا ادري ولا أريد أن ادري بشيء….
عكر مزاجي قبل صفاءه..!
/
/
كنا في منزلنا بعد أن غادر والدي وسنقضي هذه الأيام فيه.. حتى يسافر بدري…
كنت أتساءل…,
هل تقام للمنازل أيام عزاء..!
لمَ لا , هانحن نقيم له العزاء وحدنا…لندفن ذكرياتنا فيه….ونرحل..!
الأفضل أن تأخذ والدتي حاجياتها معها..!
.
.
في أول يوم في منزلي.. استيقظت مرعوبة عند الساعة الواحدة..
خرجت من غرفتي ابحث عن بدر..لم يكن بغرفته…ازداد رعبي..
نزلت الدرجات فرأيته ينام على احد المقاعد.. وهززته بقوة
“بدر قوم البيت يخوف أحس فيه أشباح”
كان ينظر بنصف عين وهو يكرر
-”وشو؟؟شفيك؟”
“فيه أشباح…والله كأن الكبت انفتح وتسكر”
-” أشباح؟؟؟ (دقيقة مرت..ظننت فيها أن بدري مرعوب أيضاً…لكن اتضح انه يستوعب ماحدث)
“ههههههههههه (بدى لي كأنه الآن فقط استيقظ) كم مره أقولك لاتشوفين أفلام بالليل”
“افف مو أفلام قلت لك…طيب ليش نايم هنا؟”
-”مدري شلون نمت..ايه تذكرت كنت نايم بغرفتي لكن الأشباح شالتني ونزلتني”
اعلم انه يريد إخافتي عمداً..لكنني رغم ذلك زاد رعبي…
-”هههههههه من جد خوافه ههههه “
-”طيب مردودة….يالله اطلع نام فوق..”
استطعت العودة لغرفتي بعد أن تأكدت من وجوده في غرفته….فيطمئن قلبي…
- المنزل لم يسكنه احد منذ اكثر من ثلاث سنوات… كيف لي ان اطمئن!
-
لن أقول أنني تذكرت آخر مرة استيقظت بهلع…لتغمرني أحضان والدتي فأشعر بالأمان..!
حسناً لا أريد بكاءً فالخوف استحوذ على كل الحواس.!!
.-.
.-.
بالغد سمعت جرس الباب قرب السادسة مساءً….
قبل أن أُجيب جاءني صوت بدر..
“هذا عمر..”
وخرج ليضيّفه…
أحسست برغبة عارمة بأن اخرج والقي التحية عليه..كما في السابق..!
لا ادري لمَ..ربما أجواء المنزل كانت تعيدني لتلك الأيام..ويدفعني الحنين…,
“رسووله..بليز الشااهي”
قال لي بدر تلك الكلمات قاطعاً شريط الذكريات الذي لم يبدأ بعد ..!
اتجهت للخادمة التي كانت عند خالتي وطلبت منها ذلك لأعود لأفكاري..
.-.
بعد ربع ساعة..
أخذت الشاي واتجهت لباب المجلس…
وضعته وقبل أن اطرق الباب ليأخذه بدر… سمعت صوت بدا لي غريباً
“بأي منتدى؟”
ضحك بدر فقال:
” ناوي عليها بعد..هههه حرام عليك!”
أجاب ضاحكاً:
“اذا للحين تبي الحريّه..هههه اختك بصراحه شي هههه..لكن تأكد من المنتدى وقللي..اخاف اضيع وقتي بساخافات غيرها..”
“هههههه اوكي”
وكأن كلماتهم ترميني في هوَة الماضي…فتزداد ناري اشتعالاً بصوت ضحكاتهم التي بدت لي رغم تغير الصوت..
إلا أنها تلك الضحكات الساخرة…التي تراودني سنوات بمجرد إمساكي بقلم..!
“بدر الشاهي”
لا أدري بأي صوت خرجت..لكني ابتعدت عن الباب وفي عيني سحب سوداء…منبأة بكارثة بيولوجية..!
ألا يكفي أن الوحدة فكَت عقدة صغيرة منذ طفولتي…لأكتب!
ليس سيئاً أن نكتب ما يختلج صدورنا…ولكن السيئ ما نكبت في صدورنا…! حتى لو كان مانكتبه سيئاً!
احاول إقناع نفسي مراراً وتكراراً…لمَ حتى الآن أبقى مُضحكة..!
لو كنت إحدى الطرائف لملوني مسبقاً..!
قال لي بدر قبل ان ابتعد
” مشكوره”
كان يريد أن يعلم من ردي هل سمعت ذلك أم لا.. لكني لم أجبه فصعدت إلى غرفتي
-إنني اعرف بدر جيداً عندما يخاف من أمر ما..
-وأعلم انه الآن يحاول معرفة أسمعت أم لا..!
-وأعلم أيضاً..أنني سأبكي الآن..!
.ـ.
.ـ.
منذ ذهب بدر لاخته..
وانا أنظر للشاي، كمن يبحث عن أثر يديها…!
مجرد تصوري انها سمعت ماحدث يجعلني اريد شرب الشاي ابريقاً بآخر..!! لأتساوى بتخمة أفكاري..!
تأخر بدر..
ونظراتي تستلقي فوق خطواتها قرب الباب..!
وأنا وحدي هنا أضرب أخماساً بأسداس..
كل الحماقات منذ ظهور الغباء تجسدت في حماقتي هذا اليوم..!
أتراها سمعت..!
لم تعد هناك دماء في رأسي..اشعر به تحجر وكأنه يستوعب تدريجياً تلك الصفعة التي تلقاها بلحظة غباء
لحظة لم يتوقعها في جميع مشاهد اللقاء منذ أن عاش الوهم..!
“شصار؟”
قلتها متحاشياً النظر لبدر..
بابتسامة أجابني-”مدري اظاهر رسيل سمعت اللي قلناه…”
لم تعد هناك أي كلمة استطيع النطق بها…
تمنيت ان اخرج وأرى..أسمعتني أم لا.. أغضبت أم لا…
أركضت كما في السابق في غرور مصطنع..!
أكان يجب ان تبتلعنا السنون لتكون حاجز لايزول…
جدار واحد يفصلني عن تلك الطفلة الباكية…جدار واحد فقط…
لكنه سياج ينشرني بعشوائية فوق رؤوس الحواجز .. كمن صعد منارة وجرب الصراخ فكان بلا صوت… والراحلين بلا نظرة للوراء..!
-”ماعليك راح افهمها..وماني متأكد انها سمعت”
لا ادري مالذي رآه في وجهي ليقول ذلك….
مرت ساعة…وأنا أبدو متجهما مهما حاولت أن أعود لطبيعتي مع بدر..
الحوار الذي اخوضه في داخلي اطول من حواري مع بدر…
-”جميل حظي هذا”
….لا أزورهم وعندما سمعت صوتي منذ السنوات الثلاث..
سمعته يسخر منها..!
-”لمَ قلت ذلك؟..لاانكر حتى يخبرني بدر فأرى ماكتبته هناك!”
-”لمَ زرتهم هذا اليوم..لمَ لا أشرب الشاي ايضاً..!”
-”بل لمَ كل هذا الاهتمام…”
حتماً لا ادري..!
أو ربما…….
ادري..!
وأدري…
وأدري..!!
.-.
.-.
منذ أن صعدت بغرفتي…
ابتلع غصة رمتني بالرميم…وجدت نفسي ادخل المنتدى باحثة عن مواساة قصتي..!
لن ابكي…
أشبعت ناظري بمن أثنى بحروف…أقنعت ذاتي..إلا أن أذناي أبت أن تقتنع…فهي لاتثق إلا بما تسمع!
لمن اشتكي..!
أين امي..أين أبي..أين من يدعون صديقاتي!
في كل مرة اصنع انجاز…أقف على المسرح انتظر التصفيق…!
ولا أجد حضور…وصدى الضحكات يملأ المكان..!
ربما أصبحت الحروف عزائي الوحيد… هل اقترب موعد فقد القلم..!
لينضم لسلسة المفقودات في حياتي..!
سؤال يلَح على الإجابة بالظهور…
-متى سيصل لقلمي كلمة صدق تدفع حبره لرسم إبداع الصفحات…!
متى يكون للصراحة لون يختلف عن ألوان المجاملة..؟!
طرق الباب قبل إتمام الأسئلة في عقلي….
“رسيـــــل….رسيـــــل..”
لم اجب نداءه…
أعاد الطرق بقوة
” رسيل ممكن ادخل..؟”
“تفضل”
…
دخلت, كانت الغرفة هادئة كما هي رسيل..
شعور جميل..اذاً لم تسمع ماقلناه..
-”رسوووله..شفيك قاعده لحالك؟”
نظرت إليَ نظرة لا حياة فيها فقالت:
“وش تبيني أسوي تحت بلحالي..؟”
“اللي تسوينه هنا…”
” أنا أفكر”
“اوكي فكري تحت..”
“ليش؟”
حاولت أن اكذِب ظنوني لكن يبدو أنها سمعت..وهدوء ماقبل العاصفة لاينبئ بخير!
“رسووله شفيك؟ ليش تردين علي كذا ؟”
“مافيني شي..يمكن فيني نوم”
أحسست باليأس..ليتها تخبرني بغضبها…حتى ابرر… لكن هكذا لن يجدي الكلام…
” قولي شفيك؟”
“مافيني شي”
بعد لحظة عناد..!
“سمعتي شي؟”
قلتها اختصاراً للوقت.. فكانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير…!! عن أي بعير أتكلم..!
صدقوني لا ادري حتى كيف ابرر؟ لا ادري ماذا أقول..!
“ماسمعت شي ولا أبي اسمع شي”
“رسيل اوكي انا بوضح لك “
.
.
لا اريد أن اسمع شيئاً منك..
ماذا بعد تود ان تقوله..هل ستخبرني ان قصتي رائعة…لا احد يضحك عندما يقرأها..!
الم تكتفي كذباً..
رفعت رأسي عندما سمعته يقول
“انتي اكبر من كذا ولا يهمك كلمة مني او من غيري صح؟”
لم اجبه ليضيف:
“يعني ماهمك مو.؟”
قالها في محاولة لاقناع ذاته.. لكنني قلت حينها
” اكيد مايهمني الكلام…اذا ماكان من وراي..اذا ماكان من اقرب الناس لي..”
كنت انظر بحدة…
وفي عيناي معركة ومظاهرات….وسيل عارم اكره انطلاقه..!
أضفت:
“انت ماهزيت ثقتي بنفسي وبس..انت هزيت ثقتي فيك؟..قدامي تقول اوكي كملي..ومن وراي اطلع نكته بايخه تتسلى عليها”
“رسيل ارجوك الموضوع مايتساهل حرام عليك..طيب ايش بالضبط ضايقك”
كان سؤال مؤلم..لا ادري بالضبط مالذي ضايقني..
انا لم اكتب لبدر وهو لم يقرأ القصة..
وعمر لايعني شيئاً لي فهو دائماً ساخر ولم يعجبه شيئاً أقدمه قط..
اذاً لم أنا مهتمة بهذا الموقف..
ماللذي ضايقني..!
لا.. كان يهمني رأيهم.. حسناً أنا متضايقة..وكفى..
“ولا شي.. بدر ..أنا بنام”
أحسست باني أتصرف بذاك الهدوء العاصف..الذي أزعج بدر..!
“رسيل”
“ياليت تسكر الباب وراك”
خرج بدر دون أن يلفظ بأي كلمة مما زاد من حيرتي…
لا أريد أن أخبركم بأنني لم استطع مقاومة ذالك السيل الجارف!
عندها بكيت بمرارة…
بعدان تعبت من البكاء…ومن شهقاتي التي أتعبت صدري….
أرخيت بجسدي على السرير…مع أول دمعة حاولت عدم الظهور…استسلمت للنوم…
….
احياناً نبكي لسبب لايستحق دموعنا…واحياناً اخرى لانبكي ولو استحق دموعنا…
مسألة معقدة..ناتجها دوماً الوقت…
/
مرت أكثر من ساعتين… أفقت على صوت مقبض الباب يتحرك في محاولة فاشلة لفتحه…
-ربما هذا بدر..!
جلست على سريري .. وعاد الموقف كاملاً إلى ذهني..
استرسلت بالتفكير أحسست بأن لاشيء يستحق كل هذه الدموع..!
رغم أنني اكتشفت ذلك قبل غفوتي..!
عندما انحصرت أفكاري بنقاط ثلاثة…تضايقت بشدة..
-سخروا مني…..
-عمر لم يتغير..!
-عمر يسأل عن المنتدى ليضحك أيضاً..!
قطعت طوق أفكاري الذي أذهلني التفافه حول هذا المسمى..عمر..!!
هل حقاً هو ما أغضبني..!
- اذن…لا شيء يستحق العناء…
.
.
خرجت من غرفتي قاصدة بدر..ربما كنت قاسية كما كان هو..!
عندما وجدته كان يقرأ ملامحي….يبحث عن أي كلمة قد تخرج مني!
قلت-”تعشيت؟”
ابتسم…
بل..ضحك…
“لا…”
ابتسمت فخرجت قاصدة الصالة..وسمعته يقول:
“لا أنا ولا عمر قرينا القصة”
التفت فأومأت بالإيجاب فقال:
“لاتخلين أشكالنا تحطمك”
بعدما استوعبت الجملة
ضحكت”أشكالكم…..رحم الله امرئ عرف قدر نفسه “
“هههه…لاتصدقين عاد ترانا مو شويه… بس بغيتك تضحكين “
ابتسمت ممتنة..فخرج مني سؤال لا ادري من أين أتى..!!! أو لمَ؟
“عمر بيسجل بأي اسم؟”
“بالمنتدى؟”
قلت في محاولة لتغيير الموضوع حتى لا يأخذ أكثر مما يستحق
“يؤ بدر نسيت اطلب…تذكرت إني جوعانة”
“ههه تعالي خلاص أنا طالع وبجيب معاي.. الا رسيل متى تبغين نطلع البر؟”
وعدني بدر بهذه الرحلة قبل ان تنتهي هذه الإجازة..وأظنه الآن مراعاة لمشاعري يسأل مبكراً…
قلت مسرعة
“اليوم”
“هههههه ياشين الرجة اوكي اشوف بكرة”
انتهى اليوم وعقلي لايفكر بالانتهاء من فكرة دخليه على أفكاري….
كانت لاتصل مشوار الغد بصلة
بأي اسم سجل دخوله للمنتدى ياترى!!!!
..×..///..×..///..×..///..×..///..×..
ربما من يقرأ هنا..
يقرأ رسيل…يتصفح حياتها… يستطيع كل من يمر هنا قاصداً حياتها أن يتذوق مرارة يتمها…
كان فصل حزين…خريف تساقطت أوراقه..
أكان يجب ان نلتقي بها بعد تلك المدة في الشهر ذاته…!
أيكون الخريف محطة التقاء جديدة… ترى لمَ تتساقط أوراق الشجر..!
حتى يحين الشتاء سيكون عليها أن تتذوق نكهة اخرى من نكهات الحياة…
Alsamt ِ Raheel..×..///..×..///..×..///..×..
|