كاتب الموضوع :
قهوة!
المنتدى :
الارشيف
( 6 )
{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }"10الزمر"
.ـ.
.ـ.
لم تعد الأصوات كما كانت..ولا الألوان كما كانت..!
فقد أطلت دنيا غير التي كانت..!
الجميع أصبحوا كصورة..!
صورة التقطت قبل ظهور الألوان للتصوير..!
وضعت في برواز كسرت قاعدته...فاستغنت عنه جدران الزمن..!
أزيز البكاء سكن مسامعهم...واليأس افترش أرضية حياتهم...
لتفقد الدموع هيبة ظهورها....
يــارب...
ألهمنا الصبر..
أين الصبر..!
.ـ.
.ـ.
ملئت حقيبتها بالدموع والجروح والآهات...واكتفت بكمية الألم تلك...وقررت الرحيل...
لكن لن ترحل إلى الأبد..!
ولا تعلم متى ستعود..!
فكل ما تعلمه أنها زرعت حزنها خلف الغصون المنحنية...
والورود الذابلة..
لترحل....!
فوداعا أيام الحزن..أيام الفاجعة..!
أرجوكِ انه الوداع بلا لقاء..!
.ـ.
.ـ.
....غادرت تلك الأيام....ركبت قطار السنين...
لاضم الأمل والألم بين جروحي...
وأكتفي بأن..
أرفع عيناي للسماء...!
.ـ.
يوماً..بعد يوم...
مرت ثلاثون يوماً...
أترى ألا زال قبرها رطباً..!
لم تكن تفارقني دقيقة قبل ثلاثون يوماً...وبعدها...
لا أجدها حتى دقيقة..!
هل من يرحل لا يعود..!
في السابق كنت متيقنة من صحة هذه العبارة...ولكن الآن اشكك في صحتها...
هل هذا هو الأمل..!
امي..
هل أعيش فوق الأرض...وأنتِ تحتها..!
أخاف أن يكون هذا العقوق الذي درسته..قالت لي معلمتي ذات يوم أننا لابد أن نجلس تحت أقدامك لننال رضا الله..
هل أصبحتِ تحت تراب أطأه بأقدامي..!
خذيني مكانكِ..خذيني معكِ..أي شيء إلا أن أبقى وحدي هنا...
هل وصلت لمرحلة الهذيان...! هل حقاً ما أقول..!
لا أدري..!
كل ما اعلمه أنني أصبحت كـ كأس فارغة... لم يسكب فيها ولم تكسر..!
وضعت على أحد الرفوف المنعزلة..!
ثلاثون يوماً مرت كأصعب شهر في حياتي...
اليوم فقط.. بدأت استطعم مرارة اليتم..!
كانت والدتي لي الام والأب..بينما أبي فوق هذه الأرض لا تحتها..!
في غياب أبي عنا لم نعرف ماهو اليتم...
وبعد غياب امي تعلمت مفردات هذه الكلمة بكل قواميس البؤس في هذه الدنيا..وحفظت معانيها..
رحلت..
بكل بساطة يصعب علي وصفها...!!
.ـ.
أنا لا زال في منزل خالتي...
اقطن في أحد الغرف المنعزلة بالدور الثاني..
أما بدر.. فقد اخذ الملحق التابع للمنزل.. ورفض أن يبقى بالداخل..
حتى بعد محاولاتنا انا وخالتي بالعدول عن رأيه..
بل وقفنا باستسلام له عندما هددنا بان يعود لمنزله..
او منزلنا..
الذي لا أتخيل جدرانه دون امي..
آهٍ...
لم اعد أتخيّل شيئاً عن المستقبل...
بدأت أرى حياتي في الماضي..وهذه الفاصلة الكبيرة بين أيامي..!
بدوت كغرفة صغيرة..أغلقت أبوابها على طفل نائم...
لا احد يدري متى سيصحو...وان استيقظ ماذا سيفعل..!
فهل سأصحو يوماً دون أن توقظني امي..!
.ـ.
.ـ.
بدر ورسيل نائمين...
بصفتي أختها الوحيدة...وخالة الطفلين..
فإنني أقرب لهما من زوجة أبيهم ليمكثوا في منزلي..
هذه الأيام مضت ثقيلة..
فما سبق تعذر القلم عن كتابة تفاصيله...والإحساس عن وصفه...
فأصبحت الدموع الحاجز الوحيد بيني وبين الحروف..!
لذا..سأعبر السطور بسرعة...
.ـ.
.ـ.
أتى والد بدر ...من المنطقة الشرقية..
هو لم يرى زوجته رحمها الله منذ سنوات..ولكنه فُجع أيضاً...
جلس مع رسيل عدة مرات..ومع بدر أيضاً..
وكان يردد بتساؤل... كيف..! كيف توفيت..!
ما السبب..؟!
ليأتيه الجواب إنها إرادة الله...وهذا هو يومها المكتوب قبل أن تولد...
كان عندما ينطق بالسؤال أو يكرره...ينظر لرسيل متسائلاً...
لتعكس عينيها عليه نفس السؤال...!
مر هذا الشهر ورسيل تنتقل من مستشفى لآخر...
-فقر دم..
-فقر دم حاد..
-صداع..
-ألم في الرقبة..
كانت تجيء وتذهب بصمت تام...لا تتحدث عن أي شيء..حتى عن والدتها..
المرة الوحيدة التي تحدثت فيها هي عندما قالت
"لا"
وهي ترفض ذهابها لأحدى العيادات النفسية...كما هو بدر يحتاج أيضاً لها..
فـ بدر كان يعاني من آلام في معدته طوال هذه الأيام..
وأظن السبب هو تلك الُقرحة المزمنة..!
مرت الأيام هكذا وليس بيدي ما افعله..
.ـ.
.ـ.
بعد عدة أيام من العزاء الذي استمر أكثر من شهر...!
وقف أبي أمامي وقد بدا عليه الحزن الغريب وهو يقول:
ابو بدر-"رسيل يالله حبيبتي"
لم اجبه لان بدر كان يقف أمام الباب..ليدخل وهو يقول:
"ويـن؟"
ابو بدر-"وين يعني تجون معاي للشرقية"
بدر بتعجب وسخرية-"معاك؟؟"
أنا لازلت استمع بصمت..
ابو بدر-"اكيد معاي ولا نسيت اني ابوك!"
بدر-"وتوك صرت ابوي اسمح لي ماراح اجي معاك"
ابو بدر بعصبيه-"بــــــــــــدر"
بدر موجهاً كلامه إلي..وأنا اعبث بساعة يدي بتوتر
"انتي بتروحين ؟؟"
كنت لا ابالي بشيء..فقد تساوت الأماكن والنظرات في عيني..حتى البسمة والألم بدت لي من موطن واحد..
لذا هززت رأسي بلا مبالاة بالإيجاب...
صرخ بدر ولأول مرة اشعر بإحساس غير الحزن منذ رحيل والتي..
فقد شعرت بالرعب!
بدر-"والله ماتروحين..بعد كل اللي عمله في امي نروح نعيش معاه"
دخلت خالتي بشبه حجاب خائفة بعد ان رأت والدي مقدم لصفع بدر
فتوقف وبدأت تقول كلمات لم أعي أكثرها..
بدر اقترب مني وقال-"اذا رحتي معاه انسي ان لك اخو"
وخرج بعصبية وكأنه يشق الأرض من غضبه.. وبقيت جالسه كورقة ممزقة..لا أكثر..!
.ـ.
.ـ.
بالغد اتى والدي هادئاً على غير عادته...
جلس بالقرب مني فهمس
-"اقنعي اخوك..مايصير تعيشون عند خالتك هذا بيتها وبيت زوجها..وولد خالتك يبغى ياخذ راحته بالبيت..لازم تقنعينه هذا مو بيتكم"
ظللت صامته واستمع فأضاف:
"انا غلطت وامك الله يرحمها....."
لم اعد استمع لبقية كلماته فقد استوقفتني وعصفت بلقبي بقوة "امك الله يرحمها"
هل حقاً بدت كجميع من رحلوا...يضاف إلى اسمها "الله يرحمها"
كـ جدتي...!
كـ أحلامي..!
كـ حياتي..!
أفقت على يد والدي وهي تمسح دمعة فرت من أسى عيناي..!
وقفت لأخرج من المكان فسمعته يقول:
"ماراح اكرر غلطتي وأترككم مره ثانية..وغلطة الأمس اليوم نلقى لها عذر"
بينما أنا امشي لغرفتي قفز بيت لا ادري أين قرأته..أو من أين اتى هذه اللحظة...
>>"كبر الخطـــا..مــاكـل عـذر يغـطـيـهـ..,
مثــل التـعازي..مـاتـرد الـمـصيـبـهـ.., "
.ـ. .ـ. .ـ.
.ـ.
عندما رأيت بدر يصرخ رافضاً..قررت التدخل...
أخبرت زوجي الذي لم يهتم كثيراً...
كما أنني تكلمت مع والدهما..
..
أخبرته بأنهما لابد من أن يبقيا هنا.. إنهما كـ لمى ومازن..
بدر ولدي..ورسيل ابنتي..كيف لا ووالدتهما أختي..
رجوته أن يبقيهما ولو لمدة محدودة..
بدا رافضاً رجائي حتى بكيت أمامه...
ربما دمعاتي أطفت جمرة غضبة...فختم حديثنا بـ كلمته:
"يصير خير"
.ـ.
.ـ.
بعد يوم عاد من حيث أتى بعد أن سكب همومه وآلامه هنا..
لذا سأذهب مع بدر ورسيل هذا اليوم لمنزلهم لأجلب بعض الملابس وما يحتاجانه..
فقد بدى لي انه سيبقيهما مدة ليست بقصيرة..
.ـ.
.ـ.
.ـ.
بدر وهو جالس يفكر بالأيام التي مضت..والأيام القادمة..بعد أن زاح هم والده بان يأخذهم معه..
اخذ يفكر برسيل..
فهو لم يتحدث معها سوى بلغة الدموع.. ولم يسمع صوتها ولو بكلمة..
وكيف أصبحت انطوائية...
فلم تعد رسيل السابقة..حتى في شكلها..!
أما أنا فليس لي سوى عمر...يسليني ويخفف من همومي..
أما خالتي فجزيت خيراً..فقد تحملت الكثير لأجلنا..
.ـ.
عندما هممنا بالذهاب للمنزل..
.ـ.
ركبت خالتي السيارة وقد تفاجأت بـ عمر الذي طلبت منه مساعدتي..
أتعلمون..
عمر أكثر شخص تأثر لحالتي.. أكثر حتى من والدي..!
كم اعزه ويعزني..أبقاه الله لي...
قبل أيام كنت اطلب من الله أن يأخذني إليها.. لا أريد العيش من بعد أمي.. ولكن عمر يزجرني عن هذه الدعوة وبشدة..
وهو يقول لي... من يبقى لرسيل بعد رحيلك...ألا يكفيها ما فقدت..
إنني أثق أنها تعاني أكثر مني...
لعمرها,وتعلقها الشديد بها...
سكوتها يخفي انفجار...هدوءها يخفي بركان..غامض..!
بكائها عميق,مؤلم..
حزنها يفجع قلبي أكثر فأكثر..
"رسيل ماراح تجي..؟"
سألني عمر بهدوء لأقول:
"شلون تجي وتشوف البيت عقب امي..(بلعت غصة)انا مدري شلون بدخل"
عمر-"قاعده لحالها..؟"
"لا عندها لمى"
كانت خالتي صامته..ومحرجه قليلاً يبدوا أنها لم تعتاد على عمر...كما كانت أمي..!!
.ـ.
.ـ.
.ـ.
ما أصعب وجودي هنا...
عندما وصلنا..صعدت إلى غرفتي مباشرة
لأجمع أغراضي واخرج ولكن..
لا اعلم كيف قادتني قدماي إلى تلك البقعة..!
هويت على سريري فبكيت بحرقة.. بكيت كما لم ابكي في حياتي...
بكيت دموع لم تخرج بتلك الحرارة في منزل خالتي...!
بكيت الماضي..بكيت منزلي.. بكيت أطلال أمي..
تغيرت الحياة الآن..
آه كم أتمنى أن تعود تلك الأيام مرة أخرى.. ولو ليوم واحد..
ولو لدقيقة..!
آه كم كنت أتمنى أن أعود وأجد كل شيء كما كان..
كم كنت أتمنى أن يكون كل ذلك حلم..!
حلم مريع.. ..!
.ـ.
.ـ.
انتشلني عمر من بين آلامي ليقول:
"تعال أنا أخذت أغراضك..."
"ورسيل.."
قلتها من بين شهقاتي..ليقول وهو يربت على كتفي:
"رسيل شالت أغراضها خالتك...تروح تساعدها؟.."
انطلقت لغرفة رسيل وأنا اختلس النظر لغرفة والدتي لأكتم آخر شهقاتي وأنا أراها مقفلة..
مر علي شريط الذكريات سريع.. تمنيت لو أستطيع إيقاف لحظة منها..!
ولكن...!
"يالله حبيبي أنا اخذت اغراضها"
مسحت آخر دمعاتي وأنا أرى خالتي تمد لي يدها لنخرج..
وفي عينيها حنان يعزيني بعدما ذكرني بنظرة امي..!
بهذا الوقت..!!
قلت لها-"انزلي وانا وراك"
ذهبت والتفت لأرى عمر محرج وهو جالس على ذلك الكرسي..الذي جلست عليه مراراً والدتي وبيدها كوب القهوة الذي كسرته رسيل دون علمها..!
لم يكن هنالك متسع من الوقت حتى لتوبخها..!!
"بــدر"
قالها عمر وكأنه يتساءل لمَ بقيت واقفاً أتأمل مكانه..لذا ولجت حتى نهاية الغرفة..ابحث عن
لا شيء..!
ابحث عن طيف لأمي..!
ولكنني لم أجد.. حتى ذكريات..!
.ـ.
.ـ.
وأنا خارج من الغرفة لمحت على أحد الرفوف ساعة مفككة عقاربها...وبجانبها مجموعة أوراق في ملف ابيض...
اتجهت إليها وجمعتها بغير ترتيب....لأخرج..
.ـ.
.ـ.
.ـ.
كنت جالسة بالقرب من غرفة بدر...أي بالخارج لا أدري كيف يسكن بدر في هذا الملحق..!
ألا يخاف...!
اعلم أن عمر دوماً هنا ولكن عندما يحل الظلام ألا يخاف..!
ابتسمت بسخرية..!
أي ظلام يرعبنا أكثر من ظلمة غيابكِ..يا امي.!
أخذت انظر إلى الباب الخارجي للمنزل..وأنا أتذكر كيف كنت أقف هناك وأنا اسمع الفاجعة...
تذكرت كل موقف هنا..!
وصلت بي الأفكار إلى أمي..وانكساري بعدها..
وإحساسي بأنني ضيفة ثقيلة هنا..
ليس على خالتي..بل زوجها..وابنتها..وابنها الذي كان كـ خالتي يعزيني بابتسامة..!محاولاً بفشل انتشالي من ذلك الكم من الحزن..!
أحياناً اشعر أن الحياة بأكملها ضيفة ثقيلة علي..!
آهٍ يا أمي
ألا تسمعي توجعي..لماذا رحلتي..!
لماذا تركتني..؟!
استغفر الله الذي لولاه لما ألهمت و بدر
تحمل مصيبة فقدك..!
اخبريني..
كيف رحلتي..؟!
لما دوماً نعيش السؤال..!!
ونفقد الإجابة..!
منذ طلاقك من والدي وحتى رحيلك..
والإجابة دوماً فقط علامة استفهام..؟!
.ـ.
.ـ.
مع تركز عيني على ذلك الباب والأفكار تدخل وتخرج من خلاله بحرية..
رغم ذلك الضيف اللطيف الذي يحجب عن عيني الرؤية بوضوح..
تلك الدموع التي أحبت المكوث في عيني هذه المدة..!
.ـ.
.ـ.
وأنا لا أزال انظر لبوابة المواقف التي عبرتها يوماً..
رأيت الباب يفتح فتدخل خالتي وبدر..وأيضاً عمر..
انطلقت بسرعة إلى بدر والهواء قد تولى مهمة تجفيف دموعي..
سألته:
"لقيتها..؟"
نظر بدر إلى خالتي ..لتقول بقلق:
"تعالي حبيبتي ادخلي وياي"
قال بدر:
"خالتي خليها أبيها شوي"
خالتي-" براحتك أجل أنا داخله.."
بعد أن تركتنا خالتي قلت لبدر مرة اخرى
"دخلت غرفتها..؟ أكيد إنها نايمه..ولا يمكن زعلانه علينا عشان جلسنا واحد وثلاثين يوم هنا وماجيناها صح؟"
بدر-"رسيـل.. .."
عمر يحاول أن يقول شيئاً..
وأخيراً نطق:
"رسيل تكفين..يكفي اللي في بدر الحين..لا تعشين بوهم وتعيشين بدر معاك؟"
لحظة صمت...
بدر يحاول صنع ابتسامه وهو يبدو الآن فقط مستوعباً وجودي..اعلم انه مشتاقاً للحديث معي كما هو حالي
-"رسولة انتي مرتاحه هنا؟"
لم أُجبه..!
-ماذا أقول..؟
-هل أقول أنني مرتاحة فأكذب..!
-أم أقول له الحقيقة..؟
-ليس بيده شي سأضيف هماً على همومه لذا
"أنا مرتاحه.."
بعد لحظة اخذت اتفقد فيها من حولي..
بدر كما هو بذلك الوجوم المؤلم..اما عمر فقد تغير منذ ان رأيته آخر مرة..هل هو صاحب الضحكة وتلك الروح المبتهجة..لم هو يشبه أحزاني.!!
هل الدنيا سلبت ضحكته مع والدتي وحياتي..!
قاطع تفكيري صوته:
"مو زين لك كذا انتي مؤمنة وهذي ارادة الله لازم ترضين.."
ظللت صامته بعد ذلك التفت لبدر اوجه له سؤالي:
"دخلت غرفتها..؟"
بدا لي أن الحزن هجر ملامحه ليستقر في عينيه فقط..!
بدت لي نظرته شاحبة معلقة..لاتصل إلى شيء..!
بعد دقيقة صمت
رأيت دمعة تفر من عينيه بألم..وكأن محاولاته لمنعها باءت بالفشل..!
عندها هم عمر بالانسحاب وهو يقول
"انا بغرفتك"
بدر مسح الدمعة بسرعة تعادل سرعة نزولها وهو يقول له
"عــمــر خليك شوي"
نظر إليّ مستأذناً بقاءه لكنني لم أبالِ ..وقلت لبدر وكأنني فاجأته
"بدري لا تبكي..؟"
نظر بدر إلي بسرعة وكأنني قد سرقت العديد من أفكاره بهذه الكلمة....
أما عمر فبقي متعجباً...فهو لا يرى أي كلمة تستحق هذا القدر من التعجب والاهتمام من بدر:
قلت مبررة:
"ادري مايحق لي..ادري هذه الكلمة خاصة بأمي بس انا "
بدر وهو يحرك رأسه نافياً-"انتي الوحيده الباقية لي بهالدنيا ..
.. ناديني كذا أحس بهالكلمة وجود امي"
ابتسمت بانكسار من بين غشاء الدمع لأقول:
"أنا بدخل الحين"
.ـ.
.ـ.
بدر نظر لـ عمر الذي لا يزال متعجب...
بدر موضحاً له-" بدري..امي كانت تسميني بدري"
ثم قلت بسرعة:
"رسيــل"
التفتت إلي..ثم اقتربت فقلت:
"أنا لقيت بغرفتك هالملف وقلت يمكن تحتاجينه"
أخرجته من تلك الحقيبة بجانبي..
نظرت إلي بتعجب..ثم تغيرت ملامحها لحظة رؤيتها لذلك الملف..
أخذته مني بهدوء...تصفحت أوراقه فقالت بسخرية..
"قريتها؟"
أجبت:
"لا...بس قريت العنوان"
بعد ذلك ابتسمت رسيل ابتسامة سخرية..
فقالت:
"سيَدة الحرية... او تشارلزديكنز..
(ثم ضحكت ضحكة لم تكن في مكانها أبداً..وكأن تلك الضحكة لها صدى..! أو لم اعد افرق بين الانفعالات..!)
ثم وجهت نظراتها لـ عمر فقالت بتلك الضحكة:
"أو في جعبتي حكاية"
.ـ.
.ـ.
.ـ.
-كنت أضحك..لاشعورياً...
ربما لأنني نسيت متى تنطلق الضحكات..!
لكني رأيت ملامح بدر وعمر لاتزال جامدة..بل كانت أقرب للشفقة..
هنا قلت:
"ليش ماتضحكون..! مو كنتوا تضحكون علي دايم..!
امي الوحيده اللي شجعتني أكمل قصتي...والحين راحت..!
انت ليش جايب الاوراق...؟؟"
لم يجبني أحد..فأضفت وكأن الكلام المقيد تلك الأيام خرج هنا :
"عشان تضحكون صح..؟..طيب ليش ماضحكتوا...!"
نظرت للأوراق بعد أن أخرجتها من الملف..فقلت
وهما لا يزالان بذلك الوضع..
"تدرون عن ايش تتكلم..؟!"
ابتسمت بسخرية فقلت:
"عني أنا .. كنت البطلة فيها.. كنت سيَدة الحرية والجمال..
كنت البطلة اللي تعيش بحرية..تسافر وتروح وين ماتبغى..
البطلة اللي تركت المدرسة اللي تكرهها وتزوجت شاب غني..وعاشت أحلى حياة..
البطلة اللي رسمت لها حياة ورديه .. وخليت كل اللي معاها يحبها..
بطله ساكنه بين أهلها بوسط مزرعة كبيرة والطبيعه فيها رووعه مثل روعة الحياة بنظرتها..
كل اللي أتمناه كان هنا...(وأشارت لذلك الملف)
كل أحلامي وخططي وطموحاتي..
عشان امي بس كتبت...وتعمقت أكثر بأحلامي..عشان تعرف ان أحلامي بهالورعه!
(توقفت لحظة وكأنها تتذكر ماحوته القصة)
وتدرون كنت أملك فيها محل للمكياج.. وكانت لي كوفيرات وخدم..
كنت باختصار..ملكه..سيَدة للحرية مافي شي يمنعني"
ابتلعت كمية من الهواء لتضيف بين دموعها:
"امي طلبت مني تقراها مره..لكني قلت اذا خلصتها بتقرينها..
كنت بنهيها لكن..
(أجهشت بالبكاء ووضعت أوراقها على وجهها)
راحت قبل...ماتت وماقرتها"
.ـ.
انهرت في بكاء مؤلم ليقف بدر أمامي عاجزاً..
فقد هاله منظر الحزن الذي تجسد فيني لحظتها..
لكني رفعت عيناي وقلت والأوراق لا تزال بيدي:
"هذي هي كاملة ماعدا الجزء الأخير اللي في كل مره اكتبه امسحه وأقول
لا ابغاه يكون أحسن..الحياة أحلا من كذا..
الحياة احلا من كذا...
وراحت وهي ماكتملت..مثل أحلامي!"
قال عمر منقذاً الموقف وهو يقرأ بعينيها سطور المأساة..
"رسيل خلاص يكفي ارجوك.."
ولم يسمع سوى صدى صوته لذا قال:
" انتي الحين لاتجلسين كذا..اشغلي نفسك فيها.. كملي الجزء الأخير...احنا مابنضحك عليك..و..."
قاطعته:
"أكمل..!(ونظرت لـ بدر بتعجب)
خلاص..الحين اكتمل..."
أضفت:
انا خلاص..البطلة ماتت.."
وكأن الرياح تعمدت أن تمر أمامي هذه اللحظة..لتخبرني بأن كل من يجيء يذهب...ويبقى من قاوم وتصبر..
ولكني أبيت أن أسمع أي صوت سوى صوت آلامي..
لذا فتحت الملف ببساطة لتسرق الرياح أوراقي..فتطير...
لتدفن البطلة في كل مكان تسقط الأوراق فيه..
وتعلو روحي مع علو تطاير الأوراق...
لأضيع..
أضيع..
أفقد نفسي...أكثر..
.ـ.
.ـ.
.ـ.
بعد ذلك...
عندما بقي الملف فارغاً بيدي..
لم ادر بنفسي إلا وأنا ابكي بحضن أخي..
وعمر عندما لمحته وجدته ينظر إلى السماء وقد احمرت عيناه كمن قد هزم الدموع..!
وقد استنشق ذلك الكم من الهواء ليضيف إلى صوت بكائي آهته..!
كل مافكرت فيه لحظتها لمَ لم يضحك علي هذا اليوم..!
هل المصيبة علمته كيف يكون الحديث بلطف..!أم احترم حزن أخي..!
موقفه لأخي لا ينسى...
فـ عمر بكى حالنا معنا..
وكأنه واحد منا...
عدت لأنظر إليه كأنما لأستدل على كلماتي.. فوجدته ينظر إلي
نظراته أقرب للشفقة..!
فحملت الملف الفارغ بيدي..وأحزاني بقلبي...وعدت أختبئ خلف جدران غرفتي...
كانت هذه آخر مرة رأيت فيها عمر..
ورآني بها...
>>لم تكن امي رحلت فقط...ودفنت فقط...
لأنني تركت الجزء الكبير من بقايا طفولتي وضحكاتي وكل ما ملكته.. .. دفن معها.....
لا نملكـ عند الوداع....سوى الدموع..!
..×..///..×..///..×..///..×..///..×..
Alsamt ِ Raheel..×..///..×..///..×..///..×..
|