الجليد
مالت جاكلين إيفانز إلى الأمام فى مقعد سيارتها , تحدق بانتباه أمامها , وكانت المساحات ,. تروح وتجي , لا لتمسح المطر عن الزجاج , بل رذاذ الثلج الذى يتكاثف بسرعة .
لقد بدأ الثلج يتساقط وهى فى منزل والدها الكبير المطل على البحر , تتحدث إليه فى غرفة الجلوس ... وزادت جاكلين من سرعة جهاز التدفئة فى السيارة ... ولكن كلمة " تتحدث " لم تكن مناسبة تماما لما حدث بينها وبين إليوت بنتلى وراء أبواب موصدة بدقة حتى لا يسمع أى من الخدم ما يدور .. بل أن كلمة " الجدال " كانت أقرب للحقيقة , مع أن الجدل قد لا يحمل ثقل الحديث المأساوى الذى انتهى بغضب والدها الشديد , واصفرار وجهها بالرعب .
ولكن مهما وصفت ذلك الجدل , فالأمر الآن لم يعد يهم .. ففى الوقت الذى غادرت فيه " سندريلا " منذ ساعتين ونصف ... كان الثلج يهطل بشدة ,. وفى ظروف عادية لما كانت قد بدأت هذه الرحلة التى قد تستغرق فى أفضل الأيام أكثر من ست ساعات .. ولكن الظرف لم يكن عاديا .. ولا قوة فى الأرض يمكن أن تجعلها تبقى فى ذلك المنزل .
وها هى الآن على بعد مئة ميل من سندريلا فى وسط الوادي الذى يحاذى جبال " بنايرز " .... ولطالما تزلجت على تلك السفوح هناك على بعد أميال من الطريق العام , أما الآن فقد تدفع جاكلين أى شئ تملك لتصل إلى الطريق الرئيسية وراء هذا الوادي باتجاه بلدة " درم " ثم درالنغتون. لتستلم الطريق الدولية التى توصلها إلى لندن , الى منزلها .. حيث هو باتريك .
واشتدت قبضتها دون وعى على المقود ... لم تكن تتحمل أن تفكر دوغلاس . ليس الان فى وقت يجب أن تركز فيه على ابقاء السيارة على الطريق ,. والطريق هذه لم يتم جرفها منذ ساعة على الأقل , وبدأت أثار الإطارات تعمق اكثر فأكثر , والأسوء أن أثار الإطارات قد بدأت تتجلد وتصبح منزلقة .
وأخذت مؤخرة السيارة تتمايل من جهة إلى أخرى . فخفضت جاكلين ضغط قدمها عن دواسة البنزين , .وما أن استقام توازن سيارتها حتى شاهدت سيارة وقد علقت فى الثلج والسائق يحاول سحب كتل الثلج من تحت إطاراتها الخلفية. تلك السيارة كانت بحجم سيارتها . فعضت على شفتها وزادت سرعة سيارتها فزعة .
قفزت عقارب الساعة فى السيارة إلى السابعة .. إنها تبعد الآن ثمانين ميلا على الأقل من الطريق الدولية ,.والعتمة قد بدأت تخيم . ولكن على الأقل لم يكن هناك رياح , والطريق الدولية ستكون سالكة , وسوف تتمكن من الوصول بسلام إلى لندن.وهى تسكن غير بعيدة عنها , وبإمكانها متابعة الطريق إلى منزلها لوحدها .
واستدارت الطريق الرئيسية قليلا إلى اليمين , وبدا من بعيد مرتفع صخرى ... ثم شاهدت جاكلين فوق بياض الثلج أضواء صفراء .. وأحست بالغبطة ... ها هى الجرافات ... وأخيرا يجرى فعل شئ لتحسين وضع الطريق ... هذا رائع !
وأحست بغبطتها تتلاشئ بنفس السرعة التى تصاعدت فيها . فالأضواء الصفراء كانت مثبتة على سيارتى جر " قاطرات " متوقفة إلى جانب سيارة شحن كبيرة جانحة على جانب الطريق , ومقصورتها ملتصقة بالمرتفع الصخرى. ولو أن شاحنة بهذا الحجم انزلقت على أية سيارة لما كان لها فرصة بالنجاة .
وتبعت الأضواء الخلفية الحمراء لسيارة أخرى , وخففت سرعتها إلى عشر كيلو مترات فى الساعة.. ولم تصل إلى منزلها بهذه السرعة .. أوه ... يا دوغلاس ..
لقد قال لها والدها : المال يفعل أى شئ .. أى شئ على الإطلاق , أسوأ شئ فى وضعها المالى هو أنها هى بنفسها سعت لهذه الزيارة لوالدها , وبمحض إرادتها , وبدوافع طبية ,. فمنذ أسبوعين وما أن قرات خبر موت شقيقها روبرت فى الصحف , حتى سارعت لحضور الجنازة وأخذت دوغلاس معها .. ومع إنها لم تكن قريبة من شقيقها , الذى يكبرها بإحد عشر سنة ونسخة ثانية من والدها ... فقد كان ذهابها إلى الجنازة لاجل والدها ... أما زيارتها له اليوم , التى قامت بها لوحدها , فقد كانت بدافع الشفقة على الرجل الصغير الحجم ,.والذى أخذ يتضائل حجمه أكثر , لما شاهدته من انهيار بدا عليه فى الجنازة , ولارتجاف أطرافه تحت بدلته السوداء , وتوقعت أن تقدم له بعض السلوان اليوم ,. والحب , ولكن الواقع أن زيارتها انقلبت إلى عكسها تماما .
وفجأة شاهدت المزيد من الانوار أمامها . زرقاء حمراء هذه المرة , إنها سيارات البوليس ... حادث ما يا ترى ؟
وأضاءت الأنوار الخلفية للسيارة التى أمامها , فتوقفت خلفها .. وترجل سائق السيارة وتوجه إلى سيارة البوليس ... وجلست جاكلين دون حراك ... لو أن هناك حادث .... ستتأخر .. فلماذا التوقف ؟ وتركت محرك سيارتها مشتعلا ونزلت بدورها من السيارة .. وتجنب السير فوق الثلج . وتخطت السيارة التى أمامها لتجد رجل بوليس وأقف هناك برداءه البرتقالى ... وسمعت البوليس يقول لسائق سيارة شحن.
- الطريق مقفلة سيدى لقد دبرنا مكانا مؤقتا لبقائكم فى مدرسة قرب الطريق . ولو عدت إلى سيارتك فسيدلك وميلى إليها . شكرا لك سيدي i
وصاح السائق :
- اللعنة على هذا الإزعاج . لدى موعد هام فى نوتنغهام .
- الطريق الدولية مقفلة إلى نوتنغهام أيضا .
- ولكن مدرسة ؟ أى نوع من أماكن الراحة هذه ؟
- أفضل ما وجدناه فى هذه الظروف ... بعض السيدات المحليات يحضرون الطعام لكم .... وستجد راحة أفضل فى البقاء ليلا هناك بدلا من ...
وصاحت جاكلين :
- قضاء الليل ؟
- هذا صحيح سيدتى .. فأخر تنبؤات الطقس تقول أن هطول الثلج سيستمر الى بعد منتصف الليل . . وليس لدينا ما يكفى من الجرافات لتنظيف الطريق .
- ولكننى لا أستطيع البقاء ليلا !
- أخشى ان لا يكون خيار أخر سيدتى ...
دوغلاس ... وأحست بنوع من الهستيريا وهى تقول :
- لا أستطيع ! مستحيل ! يجب ان أصل لندن الليلة .
- الطرقات كلها ليست سالكة يا سيدتى . لو سمحت ,. عودى إلى سيارتك كي نتمكن من تحريك السيارة ..
وشاهدت وجه الشرطى الصارم على الأضواء الحمراء والزرقاء .. فأحست بجدية الموقف . وسألته يائسة :
- هل هناك هاتف يمكن أن أستخدمه ؟ يجب ان اوصل رسالة . والأمر مهم جدا !
- فى المدرسة سيدتى ... شرط أن تكون الخطوط لا زالت سليمة
وصاح صوت من خلفها :
- سيدتي الشابة .. هل تسمحين بالعودة إلى سيارتك كي نستطيع الوصول إلى مكان دافئ ؟
واستدارت على عقبيها وقد تملكها الغضب وصاحت :
- هل لك أن تهتم بشؤونك الخاصة ؟
- عندما تؤخرين السير هكذا برمته فى وسط عاصفة ثلجية يكون لى شأن بالأمر كما للأخرين .
فى الضوء الازرق كان شعره يبدو أسودا , أما فى الاحمر فقد كان يبدو أحمرا وفى كلا الضوئين كان أكثر رجل جاذبية شاهدته فى حياتها ,. ومع ذلك فلقد كرهته لمجرد النظر إليه , وفتحت فمها لترد عليه , فسمعت الرجل من الشاحنة الصغيرة يصيح به :
- هذه ليست طريقة مؤدبة للتحدث إلى سيدة ...
وصاح الشرطي :
- أرجوك عد إلى سيارتك فورا سيدي .. واتبع بقية السيارات .
وسارع سائق الشاحنة إلى سيارته دون أن ينظر ثانية إلى جاكلين . وبدأ يحرك سيارته تجاه سيارة بوليس أخرى متوقفة إلى مكان أبعد قليلا على الطريق ,.ورمقت جاكلين السائق الأخر بنظرة كراهية وتوجهت نحو سيارتها وصفقت الباب خلفها ... رجل لا يحتمل ! ليس من حقه أن يتحدث إليها هكذا ... أبدا .
واستدارت سيارة البوليس , وأضواؤها الدوارة لا تزال تعمل , إلى طريق فرعى جرف الثلج عنه جيدا ,. ووصلت القافلة بعد قليل إلى باحة , فى وسطها مدرسة عريضة البناء من طابق واحد , وأوقفت جاكلين سيارتها أمام سيارة الشحن الصغيرة , وأطفأت المحرك ...
الهاتف ... يجب ان أصل إلى الهاتف . ومدت يدها إلى المقعد الخلفى لتتناول حقيبة الكتف التى استخدمتها ليلة أمس , وحملت حقيبة يدها , وانتظر رجل البوليس أخر. وصول أخر سيارة فى القافلة وصاح أمرا ولكن بلطف :
- هل لديكم أن تتبعونى من فضلكم ... سيداتي سادتى ؟
من بين ذلك الجمع , كان هناك إمرأتان أخريتان , يرافقهما رجلا بدا أنهما زوجاهما .. وكانت جاكلين المرأة الوحيدة لوحدها . وأحست وهى تلحق بخمسة أو ستة من الجموع إلى باب المدرسة أنها لوحدها كثيرا .
وتابع الشرطي :
- سيحضر مزارع بعد قليل مع شئ ساخن لتأكلوه ....وإذا رغبتم فى دفع المال له فنحن نشكركم ... هناك بعض الفرشات فى غرفة الصف الاخيرة وحرامات فى الخزائن ... ونطلب منكم عدم التدخين فى الداخل .. قال أحد الزوجين المرحين أكثر :
- يبدو أن هذا قد حصل من قبل .
فرد الشرطى وهو يضحك :
- كل سنة سيدى . فهذا الجزء من الطريق ردئ ... ولن ينضم إليكم أحد , لإننا أقفلنا الطريق خلفكم على بعد أميال ... وستتمكنون من متابعة طريقكم صباحا. ربما عند السابعة ... وسيبقى واحد منا لإشاردكم .. أية أسئلة ؟
وحاولت جاكلين إبقاء صوتها هادئا :
- هل هناك هاتف هنا ؟
- هناك هاتف للإستخدام العام فى الردهة سيدتي .. أوه ... والحمامات على يمينكم من هذه الناحية .. هل هناك شئ أخر ؟
وانتظر قليلا . ثم حياهم مبتسما وخرج , وتولى الرجل المتزوج المرح زمام المبادرة :
- لماذا لا نذكر أسماءنا الأولى لبعضنا ؟ منتديات روايتى .أنتم ترون كيف سنقضى الليل معا . إسمى تد وهذه زوجتى مارى .
وابتسمت ماري وهي تزرر معطفها وذكرت جاكلين اسمها ثم سائق الشاحنة الذى كان يرمقها بإعجاب. ويجب ان تتعامل معه بحزم , وكان إسمه دايفد , بينما الرجل الذى أوقف سيارته قربها تمتم بشئ وكأنه يقول " تشارلز " ... أما سائق السيارة الحمراء التى كانت خلفها والذى ثبت أنه جذاب تحت الأضواء الثابتة كما بدا تماما فى الخارج وكان اسمه والتر ..
والتر ... الإسم مناسب له .. إسم رجولي مناسب ... ولكن ما يهمها ما إسمه ... واعتذرت لتذهب إلى الهاتف وهى تبحث عن قطعة نقود معدنية تستخدمها .... وبصلاة شكر قصيرة لأن الهاتف لايزال يعمل ...
وأدارت القرص على الرقم المطلوب :
- ألو ؟
- مارثا ؟ ... هذا أنا . جاكلين .
- كما أنا سعيدة لسماع صوتك .... كنت قلقة عليك .. لقد وصل الثلج إلينا , وننتظر المزيد ... لماذا تكون العاصفة غير المتوقعة هى الأسوأ ؟ .. هل أنتى بخير ؟
- سأمضى الليل فى مدرسة على طريق وادى " بنايرز " .. مارثا ...
- كم هذا رومانسى ؟ أهناك رجال غرباء سمر معكم ؟
- لا , مارثا هل لك أن تعتنى بدوغلاس جيدا ؟ لا تدعيه .
- كم أنتى قلقة دائما .. أنا دائما أعتنى به , وكالعادة هو يضربنى ... يقول أن عقله كعقل أمه ...
- قلت هل يمكن أن أحدثه ؟
- بالطبع ... دوغلاس .. إنها أمك .
وسمعت صوته الصغير يصيح فى السماعة :
- لقد ربحت خمسة مرات ومارثا مرة واحدة..
وابتلعت جاكلين ريقها لسماع صوته الحبيب ... إنه نقطة ضعفها ... الشق الذى فى درعها ,. وكم استغل والدها هذا بقساوة .
- ألا زلت على الهاتف ماما ؟
- أجل يا حبيبى , أنا هنا ... دوغلاس لن أعود إلى المنزل قبل الغد , أنا عالقة فى مدرسة بسبب العاصفة ..
لقد أعطونا فرصة نصف نهار من المدرسة ,. وتغديت مع كايت فوق الثلج لنصنع صاروخا .
كان دوغلاس مصم على أن يكون رائد فضاء .
وقالت له جاكلين بعناية :
- دوغلاس .. لا تتكلم مع الغرباء. ولا تقبل الركوب معهم فى السيارة .. أتفعل هذا ؟
- لقد كررت هذا لي ترليون مرة ماما .
- حسنا وهذه مرة أخرى .
- أوكي ...
- الامر مهم يا دوغلاس ....ساشرح لك عندما أعود إلى المنزل , ماذا لديكم للعشاء اليوم ؟
- مكرونة مع الصلصة ...
وبدأ يشرح لها عن الحلويات التى صنعتها له مارثا ...وهى تستمع له بسعادة . لم تلاحظ الرجل الذى خرج من قاعة المدرسة إلى الردهة ووقف على بعد خطوات منها .... وقالت لابنها :
- حبيبى .. على أن أذهب الآن .. فقد يحتاج غيري الهاتف .. اعتنى بنفسك .. وتذكر ما قلته لك .. أحبك يا دوغلاس .
- وانا أيضا .
ووضعت جاكلين السماعة مكانها , وللحظات أسندت جبهتها على الحائط البارد.. وسمعت صوتا يقول لها :
- أود استخدام الهاتف لو سمحت .
فأجفلت فأوقعت السماعة من مكانها .. كانت تظن أنها وحدها , وعلمت من سترى أمامها , فقد عرفت صوته .. وأعادت السماعة ببطء إلى مكانها , محاولة السيطرة على ارتجافها الداخلى الذى تملكها منذ حديثها مع ولدها , وكرر كلامه وقد نفد صبره :
- الهاتف .. أرجوك .
واحمر وجه جاكلين وقد لاحظت إنها كانت تحدق به بشكل غير طبيعى , كما كان هو يحدق بها ...منتديات روايتى . فهل لاحظ يا ترى الإثارة التى كانت تهز كل عصب من جسدها ؟ وقالت له وقد ثبتت عيناها إلى عينيه :
- شكرا لك على الإنتظار .
وخطا بضع خطوات نحوها :
- لقد أثرت على ... اتعلمين هذا ؟
- إنك تجعل هذا واضحا ؟
- أنا لست عادة فاقدا للذوق , واللطف ..
- أنا واثقة من هذا .
- ليس لأنك جميلة , فلابد أن رجالا كثيرين قالوا لك هذا . وانا لا يعجبنى أن أكون واحدا من مجموع تبدين , تبدين ضعيفة بعينيك الزرقاوين ... ومن حولك هالة من الضجر وأنت تستخدمين أنوثتك بذوق رفيع .. أليس كذلك ؟ معظم الرجال يقعون بهذه الطريقة , دون شك .... وأنا واثق أن هذه سلعة لها قيمة عندك .
واشتعل الغضب فى رأسها وصاحت :
- هل تلمح إلى إننى أحاول لفت انتباهك ؟
- ليس بالضرورة انتباهى .
- أوه ... العديد من الرجال إذن ؟ أكره أن أعيب نظريتك ... ولكنك بعيد جدا عن الواقع.ولمن كان مستعجلا للحصول على الهاتف , أنت تمضى وقتا أكثر من اللازم للحديث مع امراة من الواضح انها لا تعجبك ... فهل أنت واثق أنك أنت لا تحاول جذب انتباهى ؟
وسألها فجأة :
- ومن هو دوغلاس ؟
فشحب وجهها وقالت بصوت حاد كالسوط:
- وكيف عرفت بأمر دوغلاس ؟
- لقد قلت له أنك تحبينه منذ لحظات .
- أوه بالطبع ... ولكن امر دوغلاس لا يعنيك أبدا .
- هذه تمثيلية رائعة .. الأصابع المرتجفة الوجه الشاحب .. أنت ذكية .
وبكل صدق ... وبدفق من الحيوية التى تصدر مثل هذا الصدق ...
قالت جاكلين :
- أنت لا تعجبنى ... لا تعجبنى أبدا !
- إذن فلنتفق على عدم الإعجاب المتبادل .. ونبقى بعيدين عن طريق بعضنا فى الأثنى عشر ساعة القادمة .
- تبدو فكرة رائعة لى .. هذا أذكى شئ قلته حتى الآن .
وتقدم نحوها بخطوات أخرى حتى أصبحت تراه بوضوح :
- إذن أنتى لا تعتقدى أننى ذكى .
وتمنت فجأة لو أن مارى أو تشارلز أو حتى دايفد , يظهر واحد منهما. وردت عليه :
- لقد طبعت فكرتك عنى منذ اللحظة الأولى التى رأيتنى فيها أعترف بهذا ! المرأة العاجزة , الشقراء البلهاء المثالية .
فابتسم بمكر :
- لست مثالية تماما يا عزيزتى .
ولم تدرى ماذا أغضبها أكثر , ابتسامته أم معنى كلامه , ولكنها لاحظت أن يدها لم تعد ترتجف , وأن أعصابها قد هدأت , فرغما عن إرادته كان يسدى لها خدمة .... هذا الرجل الأسود الشعر الذى يكره الشقراوات .. وقالت له بسخرية :
- لنوضح بعض الأمور .... لقد ولدت شقراء بعينين زرقاوين , ويدل مظهرى على أننى توقفت عن النمو عند طول 165 سنتيم . ولاشئ أستطيعه حيال هذا كله ,. لذا , وإذا كان لديك مشكلة حول مظهرى , فهذه مشكلتك لوحدك , وليست مشكلتى , ثانيا : أتمنى عندما تقرر أن تتفضل بلفت نظر إحدى النساء , أن تختار حمراء الشعر أو بنية الشعر ,. وذلك لصالح المسكينات .. والآن ربما من الأفضل أن تجرى مخابرتك .. فلن ترغب في إبقاءها مننتظرة .. أليس كذلك ؟.
ضحكته هذه المرة كانت ضحكة إعجاب صريحة :
- هل قلت عاجزة ؟ أسحب كلامى !. أنت عاجزة كسمكة القرش .
لو أنها فكرت بوسامته قبل فقد جعلتها الإبتسامة لا يقاوم تقريبا . وهذا ما يعرفه دون شك . ولقد حان الوقت .... بل تأخر .. لتذهب من هنا .. فقالت ببرود :
- نحن ننحدر إلى مستوى الإهانات الطفولية ..
وتجاوزته لتمضى فى طريقها , أو على الأقل هذا ما كان فى نيتها أن تفعل .
ولكن والتر , وبسرعة لم يدركها بصرها , أمسك بكم سترتها وقال :
- تبادل الإهانات أمر مبهج .. ألاتوافقين ؟. لو إننا ألتقينا فى حفلة كوكتيل لكنا نتبادل حديثا متمدنا . ولكنا سئمنا .
- لا أريد أن أتعاطى معك بعد الآن . لذا .. لطفا .. ابتعد عنى .
وابتسم :
- بكل سرور .
وتمنت أن تكون لها الكلمة الأخيرة , ولكنها استدارت على عقبيها وأسرعت عائدة إلى القاعة , وكانت غرفة النساء ورائها تماما , فدخلت إليها وأغلقت الباب وراءها ,. ووجدت نفسها لوحدها , وتنفست الصعداء , فبعد السابعة من صباح الغد لم تشاهد والتر ثانية , وغسلت وجهها ويدها بالصابون الجميل الرائحة ونشفتها بمحارم الورق., ثم خرجت إلى القاعة .
خلال غيابها كان تيد ورجلين أخرين قد أعدوا طاولات تجاه الجدار , وعبر الباب فى نهاية القاعة كان رجلان يحملان قدرا كبيرا من الألمنيوم , فأسرعت لمساعدتهما. فطلبا منها الذهاب إلى غرفة الطعام لجلب بعض " طاسات " الحساء والملاعق , وتجمع الجميع بعد بضع دقائق حول إحدى الطاولات يتناولون الحساء والسندويتشات , وساد القاعة جو النزهات ... وكان حساء الدجاج والخضار لذيذا .. ولم تكن جاكلين قد أكلت منذ الصباح , فأكلت بنهم , تتبادل الحديث مع مارى إلى يمينها ولاتتودد كثيرا إلى دايفد عن يسارها , بينما أخذ والتر يرمقها من الطرف الاخر للطاولة .
وأحست بالسعادة تغمرها عندما سمعت والتر يذكر أن المطارات فى كل أنحاء البلاد قد توقفت عن العمل وأقفلت بسبب الثلج .... وهذا يعنى أن يد والدها قد أصبحت الان مغلولة ولن يستطيع فعل شئ والعاصفة مستمرة ... والشئ الثاني الذى عرفته هو أن والتر هو أيضا فى طريقه إلى لندن .
بعد الوجبة التى التهموا فيها كومة من السندويتشات إضافة إلى ثلاثة فطائر بالزبيب ,. شاركت جاكلين بتنظيف الصحون بينما أحضر الرجال الفرش ورتبوها على الأرض , ثم ابتدأت لعبة الورق .. شاركت جاكلين فيها ,. وكان لها ذاكرة قوية وإحساس حسابى فى لعب الورق وكلا الأمرين أورثتهما لابنها , وتحولت اللعبة إلى " البوكر " وازدادت كومة النقود المعدنية الصغيرة أمامها وطوال الوقت كانت تشعر بأن والتر يراقبها. حسنا .. هذا سيريه كم إننى شقراء غبية !
وما إن حلت الساعة الحادية عشرة حتى كان الجميع فى فراشهم , يتشاركون ما وجدوا من " حرامات " واضطرت جاكلين للبقاء فى ثيابها فهى لم تأت معها بروب منزلى., وثوب نومها رقيق , واستخدمت سترتها كوسادة ولفت حزاما رطبا حول ساقيها . وأغمضت عينيها .. وأبعدت والدها ....دوغلاس ... ووالتر عن ذهنها ... وغطت فى النوم .
( نهاية الفصل الأول )