جلست روبين بعد العشاء فى غرفتها ، تعد لائحة التكاليف الشهرية التى يتوجب دفعها 0 انهمكت فى عملها للحظات طويلة حتى ملت منه ، فقررت الخروج للتنزه فى الحديقة لعلها تستعيد نقاوة تفكيرها 0 كانت روبين تعلم مصدر قلقها وارتباكها 0 احتاجت الى الاختلاء بنفسها ،فربما توضحت لها عواطفها 0 تذكرت أيام الدراسة حين كانت تستمع الى صديقاتها يتحدثن عن مغامراتهن المختلفة 0 وكم شعرت أنها تختلف عنهن 0 كانت تفضل ركوب الخيل على الخروج برفقة صبى الى حفلة راقصة مثلا 0 ومرارا ما قرأت روبين قصصا عاطفية ، حين اجبرها الطقس الممطر على المكوث فى البيت ، لكنها لم تجد أى ارتباط لها بالواقع ، ولم تترك فى نفسها أى أثر 0 ها هى تدرك اليوم ، أنها فعلا تعانى من شعور ولد فى داخلها منذ أيام لكنها تجاهلت وجوده 0 كان الحب بالنسبة اليها شعورا لاتعلم عنه شيئا 0 حتى انها اعتقدت انه اختبار ستواجهه يوما ، ولم تدع نفسها تفكر به لوقت طويل ، اذ كانت دائما منهكة بأمور أخرى لا علاقة لها بالعواطف اطلاقا 0
والآن ماذا حل بها ؟ لماذا يتجاوب قلبها بهذه القوة مع دين مورناى ؟ فهو أشبة برجل متزوج 0 أليست كلاريسا المرأة التى ستحل مكانة زوجته فى المستقبل ؟
وحملتها ذكرياتها الى ذلك اليوم ، حين قابلته لأول مرة واعتقد بأنها رجل 0 أرادت أن تكون متساوية له 0 لكن مستحيل ! فهى تعلم الأن أنه قبل بتمديد مهلة الدفع لاسباب شخصية تخصه ، ولم يكن قبوله تجاوبا لتوسلاتها 0
كم بدا لها ذلك اليوم فى الماضى ، وكم تغيرت مشاعرها منذ ذلك الحين ! الأن تريد دين مورناى أن يعاملها كامرأة 0 ان يودها ، ويريدها 000 وراحت روبين تتنزة بين الأشجار ، تتنشق
عبير الازهار الاستوائية ، وتتأمل نجوم الليل التى تلمع فى السماء الصافية 0 تسرب التعب الى جسمها فقررت العودة الى غرفتها 0 هرعت الى خزانة الثياب وتناولت منها ثوب أمها الرائع الذى سبق أن ارتدته من قبل ، ونزعت ثيابها وارتدته من جديد ، وراحت تتأمل نفسها فى المرآة 0 فالثوب يلائم قامتها النحيلة وخصرها الرشيق 0 كانت قماشته من النسيج الحريرى الصقيل ، ولونه مشرقا ، ارتدته والدتها لحضور الحفلات العديدة التى كانت تذهب اليها برفقة زوجها قبل انتقالها الى المزرعة 0
جعلها الثوب تشعر بانوثة لم تألفها من قبل 0 فجلست امام المرآة تسرح شعرها ثم تناولت بعض ادوات التجميل وراحت اناملها التى تفتقد للخبرة تضع أحمر الشفاة وكحل العين ، وحين نظرت الى نفسها من جديد ، رأت فى المرآة صورة مختلفة تماما 0 وفجاة سمعت صوتا خفيفا خلفها ينادى : روبين 0000
فالتفتت بسرعة وقد أدهشها رؤية دين مورناى فى غرفتها 0 فهى لم تسمع وقع خطواته مطلقا 0 بقيا يحدقان أحدهما بالاخر بدون التفوة بأى كلمة 0 وكاد قلب روبين يخترق جسمها 0 حاولت ان تبتسم لكن تقلص عضلات وجهها جعل الامر صعبا 0 فقالت بصوت مبحوح : لم أسمعك تدخل 0
طرقت على الباب ولم يرد أحد 0 ارى أنك مشغولة 000
كم بدت عيناه لامعتين ! كان يحدق اليها بدهشة ، متفحصا وجهها الطرى والطريقة التى تهدل بها الثوب فوق قامتها 0 تذكرت روبين أنه سبق وان رأى كتفيها العاريتين من قبل وكم انتابها الخجل حينذاك 0 أما الآن فشعورها مختلف 0 فهما بمفردهما فى هذه الغرفة التى يضيئها نور الشمعة 0 وفى ذهن روبين لم تزل تجول اسئلة عديدة 0 ترى أيعتبرها دين امرأة بكل ما فى هذه الكلمة من عطر ومعنى ؟ فسألها دين قائلا : من أين لك هذا الثوب ؟
-كان لأمى 0
-ولماذا ؟ ترتدينه أنت الآن ؟
-كنت أجربه فقط 0 لم أتوقع دخولك المفاجئ الى غرفتى 0
-اردت اعلامك بأمر ما 0 وحين وجدت الباب مفتوحا دخلت 0
-وما هو هذا الامر ؟
-سأخبرك فيما بعد 0 لكن أريد ان أعلم أولا هل انت ذاهبة الى حفلة رقص ؟
-لا 0 اردت أرتداء الثوب لارضاء فضولى فقط ، هل يعجبك ؟
-انه حقا جميل 0
تشجعت روبين لهذا الاطراء واقتربت من دين قليلا وقالت : دين 000 هل أبدو فيه كامرأة ؟
أجاب دين والابتسامة تعلو وجهه : طبعا 000 مستحيل ان اعتقد انك روبرت 0
وحين رأى خيبة الأمل على وجهها أضاف : تبدين حقا رائعة 000 فاتنة 000 جذابة جدا 0
وابتهج قلب روبين واقتربت من دين لشدة فرحتها وقالت : دين 000 أرجوك عانقنى 0
-روبين !
-أرجوك دين ، تماما كما فعلت اليوم قبل رحيلك 0
جمد دين فى مكانه 0 كيف تشرح له روبين أن ما تحتاجه هو برهان لما قاله حين وصفها بجذابة 0
-دين أرجوك 000
اقترب منها اكثر وقال : روبين أتعلمين كم لى من العمر ؟
-لا 0
-خمسة وثلاثون 0
كان صوته قاسيا 0 فهمست روبين بلطف : لا ابالى لعمرك 0
جذبها دين نحوه وعانقها بلهفة ، أحست روبين أنها تحلق ، التفت ذراعاها حول عنقه مداعبة بأناملها الرقيقة شعره الأسود المجعد ، وأحست بروحها تلتصق بروحه ، ومن جديد غادرت روبين هذا الكوكب الى كوكب آخر فوق النجوم ، ولم تعد تشعر بثقل وزنها على الارض وكأن الجو فقد جاذبيته 0 وعندما ابتعد عنها دين تفاجأت روبين لجفائه وصاحت بيأس : دين 0000
-يكفى هذا 0
واغرقت عيناها بالدموع 0
-ألا تعلمين ما تفعلين ؟ أنت الآن أشبة بحورية البحر المستلقية فوق صخرة ، تجذب بحارة السفينة لهلاكهم 0 هزت روبين راسها واحست انها فقدت دين من جديد ، اذ وسع الشق بينهما ولم تعد قادرة على الاقتراب منه 0 –أهى كلاريسا السبب وراء غضبك ؟ - كلاريسا ! وضحك دين ثم اضاف : أعانق من أشاء ومتى أشاء 0 لكن كلاريسا على الاقل تحتك بفئة من الناس تناسبها 0
-لاأفهم ما تعنى بذلك 0
-أخبرتك عن عمرى ، أتذكرين ؟
-نعم أذكر 0
وفهمت روبين حينئذ ما يقصده دين وغمرها شعور بالخجل 0 فهى خيبت أمله بها ، ولابد انه يعتبرها عديمة الخبرة ولم يجد أى متعة فى معانقتها 0 فقال مقاطعا حبل تفكيرها : تفهمين ما احاول قوله أليس كذلك ؟
-طبعا 0
-اذن لننسى ما حدث هنا الليلة 0
أن تنسى ! أبدا 000 لكنه سينسى ما حصل اذ لم يعن له الامر شيئا ، فحاولت روبين التصنع بالهدوء ونجحت فى اظهار ابتسامة على شفتيها 0 وقال دين : سأرحل الآن 0 طابت ليلتك يا صغيرتى 0
وحين اقترب من الباب التفت من جديد وقال بصوت جدى : دعى الأبواب مقفلة ، لاتعرضى نفسك واختك للخطر ، اذ يمكن لأى عابر سبيل ان يستغل الموقف أم أن هذا ما تريدينه ؟
تملكها غضب شديد كما لم تشعر من قبل أبدا واجابت : اذهب الى الجحيم دين مورناى 0
-حسنا سأذهب ، لكن لم أخبرك عن سبب مجيئ لزيارتك بعد 0 جئتك بأدوات جديدة للاستعمال فى الحقل 0 فهل يهمك الامر ؟
-لاشكرا 0
أجابت بجفاء 0 حتى لو كانت قلبيا ترغب بتزويد المزرعة ببضاعة جديدة ، لكنها أبت ان تقبل احسانه وفى ظروف كهذه فاجاب : لننسى ذلك أيضا اذن 0 نامى بسلام 0
-بكل تأكيد 0
وغادر دين مورناى 0 وبقيت تزرع أرض الغرفة بخطواتها المضطربة 0 آوت الى فراشها وحاولت دون جدوى ان تستسلم للنوم 0 لكن فى قلبها كانت تتصارع عواطف مضادة ومتشابكة 000
تتنقل بين خيبة الأمل وشعور خفى بالاثارة 0 تساءلت عما اذا كان يمكن لها ان تنسى دين مورناى والعناق الذى ضمهما 0 ايمكنها نسيان صدره الواسع ودقات قلبه تندمج مع دقات قلبها ؟ كم أرادت أن تبقى فى طيات حنانه وان ينساها الزمن 0 فى الصباح كانت منهكة من التعب ، لكنها أرغمت نفسها على مغادرة فراشها ولم تستجب لرغبية جسمها الجامحة بالبقاء فى فراشها والاسترخاء 0
تذكرت كلمات دين مورناى حين وصفها بحورية البحر 0 دل وصفة على انها رائعة الجمال ، ولم تجد اى علاقة لها بهذا التشبية 000 فهو يلائم كلاريسا أكثر فهى الحسناء الجذابة التى تسحر الرجال بطريقتها المغرية 0 فى أى حال لم يعد يهمها ما قاله دين ، فأمامها يوم عمل 0 فارتدت ثياب العمل ثم تذكرت ما قالته لها أمها يوما : روبين سيأتى اليوم الذى ستتخلين فيه عن تصرفاتك الصبيانية ، اذ سيأتى رجل يوقظ فى داخلك شعورا بالانوثة والحنين للاحساس بأنك امرأة 0 ويبدو أن اليوم اتى وظهر الرجل المنتظر 0 لكن لماذا شاء القدر ان يقع هذا الحدث المهم فى هذا الوقت المعين من حياتها ، وعلى يد رجل لا أمل لها بامتلاك قلبه أبدا ؟