كاتب الموضوع :
shakaleta
المنتدى :
التاريخ والاساطير
كيف كانت نهاية كونراد دي مونفرات
كونراد دي مونفرات، أكبر شياطين الفرنج، كما وصفه ابن الأثير، و ألد أعداء المسلمين و أكثرهم خطراً بما يفوق ريتشارد قلب الأسد ملك الإنجليز. فقد كان ريتشارد تحكمه فروسيته و أخلاقه النبيلة. أما المركيس الفرنجي، كما أسماه المسلمون، فقد كان شديد الدهاء و خبير بفنون القتال و لا يتورع عن أي شئ لبلوغ مآربه.
جاءت نهاية هذا الثعلب الفرنجي في أحد أزقة مدينة صور و علي يد ألد أعداء صلاح الدين الأيوبي، الحشاشين.
الحشاشون هم فرقة شيعية من طائفة الإسماعيلية الباطنية. و يشتق اسم الحشاشين من الحشيش، فالفدائي الذي يتلقي أوامر الاغتيال يتناول جرعة من الحشيش، و عندما يستفيق يجد نفسه في بستان جميل ليعتقد أنه أصبح في الجنة. و يتميز الفدائي بالطاعة العمياء للشيخ راشد الدين سنان، الملقب بشيخ الجبل. و هو رئيس الفرقة.
يقول المؤرخ ابن جبير " قيض لهم شيطان من الأنس يدعي بسنان، خدعهم بأباطيل و خيالات موٌه عليهم باستعمالها، و سحرهم بمحالها، فاتخذوه إلهاً يعبدونه، و يبذلون الأنفس دونه، و حصلوا من طاعته و امتثال أمره، بحيث يأمر أحدهم بالتردي من شاهقة جبل فيتردي، و يستعجل في مرضاته الردي، و الله يضل من يشاء و يهدي من يشاء".
اشتهرت فرقة الحشاشين في ذلك العصر بالقيام باغتيالات دموية لشخصيات كثيرة، و كان اسمها يثير في نفوس المسلمين و المسيحيين علي السواء الرعب و الفزع. و الحقيقة أن هذه الشهرة الكبيرة لفرقة الحشاشين في التاريخ الإسلامي و الأوروبي أيضاً هي التي جعلت كلمة اغتيال assassination و مغتالين assassins في الإنجليزية مشتقة من الكلمة العربية حشاشين.
كان سنان، رأس الحشاشين، يكن عداءاً كبيراً لصلاح الدين الأيوبي الذي قضي علي الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر. لذلك أصدر فتواه لمريديه باغتيال صلاح الدين. و كانت النتيجة محاولتين فاشلتين لاغتياله نجا منهما بأعجوبة. حتي أنه اختار المهادنة وعدم الاصطدام بهم خوفاً علي حياته، و حتي يتفرغ لقتال الصليبيين.
لم تتورع فرقة الحشاشين عن الدخول في أحلاف مع الصليبيين و مساعدتهم ضد صلاح الدين. و كانوا يستوطنون القلاع الحصينة في سورية قرب حلب و حماه، مهادنين للصليبيين من فرسان الهيكل، و معادين للمسلمين من أمراء حلب و الموصل المتعاونين مع صلاح الدين.
و في عام 1191م، و أثناء الحملة الصليبية الثالثة، انفصل كونراد دي مونفرات عن ريتشارد، و اعتزل قتال صلاح الدين و رحل إلي صور. و أخذ يبعث بالرسائل إلي صلاح الدين يحثه علي التحالف معه ضد ريتشارد في مقابل أن يحتفظ صلاح الدين بالقدس و يحصل كونراد علي المدن الساحلية تحت إمرته.
و لكن صلاح الدين لم يكن مرتاحاً لكونراد ، و كان يعرف تمام المعرفة أن كونراد لا يقل خطراً علي المسلمين من ريتشارد، بل قد يفوقه. و صلاح الدين لا ينسي أن كونراد هو الذي قاد الصليبيين لحصار المسلمين في عكا حتي اضطروا للاستسلام و التخلي عن عكا.
و في تلك الأثناء، أمر كونراد رجاله بالاستيلاء علي باخرة للحشاشين ساقتها عاصفة في البحر إلي الجنوح علي شواطئ صور. و كانت الباخرة محملة بكل غال و نفيس يفتقده كونراد لتقوية مركزه ضد ريتشارد و الصرف علي جنوده المرتزقة.
أمر كونراد بنهب كل ما في الباخرة و أسر طاقمها. كما تعامل مع رسائل الشيخ سنان التي يطالبه فيها برد الباخرة و ما و من عليها بغطرسة غبية و استخفاف استفز الحشاشين بصورة لم يكن يتوقعها.
لم يتكلف سنان عناء تكرار مطلبه لكونراد، فشيخ الجبل كان قد وصل لدرجة من جنون العظمة و التسلط علي مريديه مبلغاً جعله يدعي الألوهية، فقام بجمع مريديه المخلصين و أصدر فتواه بقتل كونراد دي مونفرات جزاءً له علي تحدي الحشاشين و الاستخفاف بهم.
و بعد إصدار تلك الفتوي بسنة واحدة، مشي كونراد في أحد أزقة مدينة صور إلي قدره الذي ينتظره. وصل كونراد إلي زقاق ضيق يفضي إلي السوق، و عندما بلغ منتصفه وجد راهبين كانا يعملان في خدمته لأكثر من ستة أشهر، و هما في الحقيقة اثنان من عناصر فرقة الحشاشين التحقا بخدمة كونراد و تمكنا من كسب ثقته بعملهما المتقن الأمين. و عندما ألقي كونراد عليهما السلام، وقف أحدهما و قدم له رسالة، فلما مد كونراد يده لأخذها، سحب الرجل سكيناً و غرزها في جنبه، و وثب الثاني علي حصان كونراد و طعنه عده مرات، حتي وقع كونراد من فوق جواده علي الأرض و ما لبث أن فارق الحياة.
قُتل أحد الرجلين بعد الاغتيال مباشرةً ، و أُلقي القبض علي الآخر الذي أدعي في البداية أن ريتشارد هو الذي أرسله لقتل الماركيز. و هو الأدعاء الذي أهاج عليه أقرباء كونراد في أوروبا و الموالين له حتي أنهم نصبوا الفخاخ لريتشارد أثناء عودته إلي بلاده ليسجنوه. و لكن مع مزيد من الضغط علي القاتل اعترف أنه من الحشاشين و ينفذ فتوي شيخهم.
و الحقيقة أن ريتشارد استعان بشهادة الشيخ سنان لتبرئته من تهمة التدبير لاغتيال كونراد، حتي يفرج عنه ليوبولد دوق النمسا. و هو رسالة جديرة بأن نوردها هنا.
" من شيخ الجبل إلي ليوبولد، دوق النمسا. سلام. فيما اتهم عدة ملوك و امراء من وراء البحار سيدنا ريتشارد، ملك إنجلترا، باغتيال المركيز، فإني أقسم بالله العظيم، و بموجب الشريعة التي نتبعها، أن لا علاقة له البتة بموت ذلك المحترم".
و شرح الشيخ تفاصيل السرقة التي تعرضت لها باخرته، و مطالبته برد حمولتها و إطلاق سراح طاقمها، و ختم رسالته قائلاً " كن واثقاً بأننا لا نقتل أحداً بهذه الطريقة سعياً وراء مكافأة أو لكسب مالي، فلا نندفع إلي فعل كهذا إلا رداً علي فعلة، علي ضربة وُجهت إلينا من قبل"
و أكثر من ذلك أن الشيخ سنان تطوع بإرسال رسالة أخري إلي ملوك و أمراء أوروبا قال فيها " لقد بلغنا أيضاً أنه قيل عن الملك ريتشارد نفسه بأنه استخدمنا و كأننا أكثر فساداً من غيرنا، كي ننصب كميناً لملك فرنسا. هذا خطأ. يشهد الله أن أحداً لم يطلب منا شيئاً من هذا القبيل. إن صدقنا و استقامتنا لتمنعاننا أن نقترف هذا الجرم ضد امرئ لا يستحقه".
|