المنتدى :
كتب التاريخ والحضارة و القانون و السياسة
البعث الشيعي في سوريا , المعهد الدولي للدراسات السورية , 1919- 2007
مقدمة
الكتاب يرصد ويوثق محاولة الشيعة نشر مذهبهم في سوريا مابين هذين التاريخين ( 1919 - 2007 م ) ، لاسيما بعد استلام بشار الأسد - هداه الله - زمام الحكم ، وفتحه الأبواب لإيران .
****************
بدأ الاهتمام بدراسة الظاهرة الشيعية التي انتشرت في سوريا منذ فترة ليست بالطويلة، وبدا الاهتمام العربي والإقليمي والدولي بتك المسألة واضحاً، خاصة أنها لا يمكن النظر إليها من الوجهة الدينية الصرفة، لكنها في الوقت نفسه ترتبط بجملة التطورات التي تعصف بالمنطقة منذ احتلال العراق في 2003، ومقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري 2005.
تلك المتغيرات التي وضعت نظام بشار الأسد على المحك، خاصة مع توجيه أصابع الاتهام إلى تورط سوري في عملية الاغتيال، مما أكسب التحالف السوري الإيراني مزيداً من القوة ليتحول إلى ما يمكن تسميته " شراكة استراتيجية" بين الجانبين.
بالنسبة للشيعة تحتل سوريا ـ إضافة إلى موقعها الجغرافي المتميزـ أهمية خاصة، بالنظر إلى أنها أول دولة شهدت اضطهاداً لهم بعد وفاة الرسول صلوات الله عليه بقرابة 30سنة، وهي أيضا حسب زعمهم ستشهد في المستقبل مناهضة ورفض تام لـ "المهدي المنتظر".
من الملفت أن الكتاب لا يشير إلى اسم مؤلفه، ويكتفي بالقول أن حركة "العدالة والبناء" (حركة معارضة للنظام السوري تأسست عام 2006)، هي من قامت برعاية هذه الدراسة، من باب مسؤوليتها لتبصير الشعب السوري بما يجري في بلده، مؤكدةً أنها تمت باستقلالية وشفافية وحيادية تامة.
من العزلة إلى البعث:
يُقسم الكتاب تناوله لظاهرة التشيع في سوريا إلى ثلاث مراحل رئيسية، إضافة إلى إفراده مساحات واسعة للحديث عنها في فترة النظام الحالي، هي :
المرحلة الأولى : من 1919 (بداية الدولة الوطنية السورية) حتى 1969، وفي هذه المرحلة لم يُمثل التشييع ظاهرة في المجتمع السوري، سوى بعض الحالات الفردية الصغيرة، ولا توجد احصاءات مؤكدة عن أعدادهم، وكانوا متمركزين في مناطق الريف بدمشق وحلب.
المرحلة الثانية : من 1970 حتى 1990، والتي شهدت تقوية العلاقات بين حافظ الأسد وقادة الثورة الإيرانية.
ويشير الكتاب إلى أن الأسد دائماً ما كانت لديه هواجس من المعارضة الاسلامية السُنية المتنامية ضده في الداخل، وفي الوقت نفسه يخشى من انتقال عدوى الثورة الإيرانية إلى بلاده، لكن كلا الجانبين كان محافظاً على عدم إثارة مخاوف الطرف الآخر.
فمثلاً غضت طهران الطرف عن مجازر الأسد بحق الاسلاميين بين عامي 1980 و1982، بالرغم من رفعها شعار تصدير الثورة ومناصرة الحركات الإسلامية التحررية.
في هذه المرحلة وتحديداً عام 1981، أسس جميل الأسد شقيق الرئيس، جمعية "المرتضى الاسلامية"، التي تجمع بين الفكر العلوي والأفكار الشيعية، وأنشأ لها فروعاً في مختلف المحافظات السورية، ورغم أنها كانت منفرَّة للوسط السني، إلا أن عدداً هائلاً من المواطنيين انضموا إليها، خوفاً من البطش الأمني الذي يتبعه النظام.
وبدعم من الملالي الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين، أصبح لتلك الجمعية نشاطاً ونفوذاً واسعاً داخل الأوساط السورية، وبالرغم من خوف الأسد من تصدير الثورة الإيرانية إلى سوريا، إلا أنه غض الطرف عن نشاطاتها، لإستخدامه أعضاءها في الشق المخابراتي، وبذلك تَكَّون أول تيار شيعي في البلاد.
المرحلة الثالثة : الفترة الممتدة من 1990 حتى 2000، والتي شهدت اتفاق الطائف الذي جعل لسوريا اليد الطولى في لبنان، ثم انفتاح دمشق على المعسكر الغربي، بعد دعمها لقوى تحالف تحرير الكويت عام 1992، وهنا أصبح الأسد في موقف قوي إقليمياً ودولياً، لذا اعتبر إيران مجرد طرف دولي فاعل.
لكن علاقاته مع حزب الله، أصبحت شديدة القوة، إذ سَمَح بدخول أعضاء الحزب إلى سوريا، والتحرك بمنتهى الحرية، وشهدت النشاطات الشيعية إزدهاراً كبيراً، وأصبحت سوريا مرتعاً لملالي الشيعية، ينشرون مذاهبهم ويلقون مواعظهم بحرية، وأصبحوا يلتقون بالطلاب والعمال وكل الفئات، وسط مباركة الأسد لهذه الأنشطة التبشيرية، التي أقامت مقامات تابعة للحوزارت الشيعية في مختلف أرجاء الدولة السورية.
كما شهدت تلك الفترة توافد أعداد كبيرة من الطلاب العراقيين الشيعية نتيجة الحصار على العراق، للدراسة في الحوزارت الشيعية في السيدة زينب، وأقاموا حوزات جديدة، لنشر التعاليم والأفكار الشيعية في كل مكان.
بشار الأسد ومرحلة الزحف:
ومع مجيء الأسد الابن إلى سدة الحكم خلفاً لوالده عام 2000، كان يلقى دعماً هائلاً من التيار الشيعي القوي في الطائفة العلوية، في الوقت الذي فَتَرت فيه علاقات الرئيس الجديد مع المؤسسة الدينية السُنة، ويبدو أن بشار ورث وجهة نظرة والده الخاصة بتقوية الدور الاصلاحي للشيعة العلويين في سوريا، وفي ضرورة بناء علاقات متينة مع إيران وحزب الله.
بدأ الملالي في استثمار تلك العلاقة القوية مع الأسد الأبن، وقاموا بانشاء عدد كبير من الحوزات العلمية والحسينيات، بدون أية موافقات أمنية أو سياسية في أحيان كثيرة، إضافة إلى اللقاءات المتكررة لملالي إيران والعراق ولبنان مع الرئيس، وتذليله لكل العوائق التي تقف أمام نشاطهم في البلاد.
الملفت في الأمر، أنه في الوقت الذي يتم فيه منح التراخيص الأمنية للجمعيات الشيعية الغربية دون حساب، مازال الترخيص للجمعيات السنية الإحيائية أمراً مستحيلاً.
فمثلاً في عام 2005، أنشأ عدد من الشباب السُنة جمعية أطلقوا عليها " صناع الحياة" على غرار الجمعية التي تحمل نفس الإسم في مصر، بدون ترخيص أو مقر، فقامت سلطات الأمن بالقاء القبض عليهم جميعاً بتهمة إنشاء تنظيم سري تهدف إلى قلب نظام الحكم!!.
ويشير الكتاب إلى أن موقف بشار الأسد من تمدد دور المؤسسة الشيعية يحكمه اعتبارات سياسية ومحددات شخصية، إذ يرى أن المسألة برمتها تخص النظام الحاكم وحدة، كما أن ضبط آداء أو تعديل مسار تلك المؤسسة، ممكن في أي وقت، مهملاً بذلك الإنعكاسات الإجتماعية والدينية في الوسط السني الذي يمثل الأغلبية السكانية المطلقة في سوريا.
الأحضان الإيرانية:
مع احتلال العراق والاتهامات الأمريكية المستمرة لدمشق بدعم جماعات المقاومة العراقية، ثم اغتيال الحريري، استطاع نظام الأسد عبر آلاته الاعلامية اللعب على الوعي الجماعي، وأصبح هو وحزب الله يحوزون شرف الصمود والتصدي ضد المؤمرات الصهيونية والأمريكية على سوريا والعرب.
لكن العزلة الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا، وضغوطها على ما يسمى "محول الاعتدال العربي" (مصر والمملكة السعودية) من أجل تقليص علاقاته مع نظام الأسد، اندفع النظام السوري نحو تقوية علاقاته مع طهران، وتقوية المحور السوري ـ الإيراني، إذ انقلبت المعادلة التي كانت في عهد الأسد الأب، وأصبح نظام بشار هو الأضعف في هذه العلاقة، خاصة بعد خروج سوريا من لبنان، بل إن النظام برمته أصبح مهدداً بوجوده من أساسه.
حاجة النظام السوري إلى حزب الله ومن ثم إيران باتت أكثر من حاجة الطرف الثاني إليه، وأصبح النظام لا يستطيع الدفاع عن نفسه في وجه أي إعتداء أمريكي أو إسرائيلي محتمل، لذا فقد فتح بلاده على مصراعيها أمام الغزو الإيراني، ومنح طهران كل ما يغريها من المصالح الاقتصادية والسياسية داخل البلاد.
إيران استغلت الموقف المحيط بالأسد أفضل استغلال، فلم تعمل فقط على تنمية العلاقات الاقتصادية مع دمشق، باعتبارها "بلداً جيداً للاستثمار" حسب وصف الإيرانيين، بل عملت على التغلغل في البينية الاجتماعية السورية، عبر مزيد من الدعم للجماعات الشيعية هناك.
تشير الاحصاءات إلى أن نسبة 70% من المتشيعين بين عامي 1970 و2007 هم من أصول علوية، وهي نسبة ضخمة جداً تثير الانتباه عندما نعلم أن العلويين لا يشكلون سوى 10% من المجتمع السوري.
هذا التركيز للتبشير الشيعي الاثنى عشري (المذهب الرسمي لإيران) في الطائفة العلوية ربما يمثل أخطر تهديد لأمن سوريا ومستقبلها السياسي، حيث يتمتع العلويون بسلطة لا مثيل لها في البلاد من خلال نسبتهم الكبيرة ـ والتي لا تتناسب مع نسبتهم في المجتمع السوري ـ في الجيش والمخابرات، ومن خلال تدخلهم بحكم البلاد بشكل مباشر، حيث أن رئيس الجمهورية من عام 1970 حتى الآن هو علوي الانتماء.
نظرة العلويين إلى طائفتهم وإلى دور سوريا السياسي في المنطقة مبنيةً على حاجتهم للبقاء في موقع السلطة والحفاظ على قبضتهم على منافذ القوة في بلد أغلبية شعبه متململ ورافض للتسلط العلوي، ووجود قوة إقليمية داعمة للحكم العلوي في سوريا يشكل ضرورة سياسية لبشار الأسد، خصوصاً عندما أصبحت الدول العربية "المعتدلة" المجاورة مثل السعودية ومصر غير قادرة على تحمل السلوك السيئ للنظام، وما تدل عليه من ابتزاز سياسي، فهذا الدعم الإقليمي من إيران يخرج النظام السوري من عزلته السياسية.
ومع سيطرة حزب الله على القرار السياسي في لبنان (غرب سوريا)، وقيام الشيعة بفرض سيطرتهم على العراق (شرق سوريا)، أصبح الحفاظ على تحالف مع إيران بالنسبة للعلويين في سوريا ذا أهمية خاصة.
فأكثر من أي وقت مضى، وفي خلال التسعين سنة الماضية (أي منذ قيام الدولة الحديثة على انقاض العهد العثماني) تشهد سوريا التقاء مصالح غير مسبوق بين الأهداف السياسية والدينية بدعم دور سوريا في الهلال الشيعي.
فإذا أخذنا بعين الاعتبار علاقة بشار الأسد بحسن نصر الله أمين عام حزب الله، والسماح غير المشروط للنشاط الشيعي في سوريا، فمن غير المؤكد قدرته على مواجهة الأصوات الشيعية ضمن طائفته العلوية، ولكن ما تؤكده هو أن صفة سوريا "العلمانية" التي تحكم من حزب البعث القومي لم تعد حقيقة مسلمة، ولم تعد تعكس بدقة ما يدور على أرض الواقع.
أما الاستثمار الإيراني في التعليم الديني الشيعي، فإنه مستمر في التزايد، فمثلما قام الاتحاد السوفيتي بزراعة الشيوعيين في أوروبا الشرقية خلال فوضى سنوات الحرب العالمية الثانية (1939 -1945)، فإن إيران تستغل ظروف الإضطراب في لبنان والعراق، والضعف المتأصل في النظام السوري، لتأسيس إمبراطورية بالوكالة، إذ تستخدم طهران إسم الشيعة والاسلام كآداة سياسية لنشر الانتماء الشيعي، وافتعال مجتمعات حاضنة تعمل لصالحها في الدول المجاورة.
والنظام السوري، بتركيبته العلوية، هو نظام قابل أكثر من غيره للوقوع تحت التأثير الإيراني، إذ أن سوريا ستتحول حتماً إلى كوكب يدور في فلك إيران، فالنظام يعتمد بشكل كامل عليها في الدعم السياسي والاقتصادي ـ واكتساب الشرعية التي طالما سعى إليها ـ ولن يستطيع الانفكاك عن حقل الجاذبية الإيراني ما لم يحدث تغيير جذري في دمشق.
صحفي وكاتب مصري.
التعديل الأخير تم بواسطة dali2000 ; 14-05-12 الساعة 09:45 PM
سبب آخر: تعديل روابط التحميل
|