كاتب الموضوع :
dede77
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
1- غريب في البحيرة السوداء
التقت كلير دنزل بلاك في اليوم الاول الذي وصل فيه الى البلده كان الفصل خريفا والاوراق على الاشجار قد اتخذت لونا زيتيا تارة وقرمزيا او خمريا تارة اخرى فيما السماء انصبغت بلون ارجواني عميق مائل الى الزرقة والجو انذر بعاصفة توشك ان تهب من الغرب .
كانت الرياح تؤرجح نافذة الوكالة فتصدر جلبة عظيمة بينما لا تومض الا لتخبو مجددا تجهم وجه كلير وغمر القلق عينيها الزرقاوين وراحت ترجو الا ينقطع التيار الكهربائي فجأة كعادته في مثل هذا الجو العاضف على أي حال من الافضل ان تعود الى منزلها لاسيما وان موعد الاقفال قد حان نهضت عن مكتبها وشرعت ترتدي معطفها وهي تبعد خصلات شعرها الشقراء عن رقبتها .
منتديات ليلاس
وفجأة انفتح باب المحل تاركا للريح حرية ان تتوغل في المكنب ففكرت كلير للحظة قبل ان تقول معتذرة بتهذيب : انا اسفة ولكن الوكالة اقفلت ابوابها منذ برهة . الا تستطيع العودة غدا ؟
ولما كانت قد اطفأت الانوار الرئيسية لم تستطيع ان تتبين جيدا الرجل الواقف في المدخل . لكن ، وفي الظلام الخفيف الذي سيطر على المكان ، لاحظت انه طويل القامة اسود الشعر ، ويرتدي معطفا طويلا قاتما تتلاعب الريح بأطرافه وسمعته يقول بصوت عميق :
قرأت لوحة الاعلانات خارج المنزل الذي يقع في اعلى " هانتز هيل اعني ذلك البيت الواسع الفيكتوري الطراز الذي يتفرع عن الطريق . فهل مازال معروضا للبيع ؟
تمتمت كلير ببطء ، وهي تحاول ان تتـبين ملامحه في الظلال : البحيرة السوداء .
لكنها لم تر الا وميض عينيه اللتين واظبتا على التحديق فيها .
وسرعان ما أجابت ، وهي تخنق قشعريرة غريبة سرت في جسمها : نعم ، مازال معروضا للبيع
ولم تجد سببا لهذا البرد الذي اجتاحها الا الريح . وعادت وركزت تفكيرها على المنزل القديم الواقع عند طرف البلدة . لقد مضى زمن طويل على عرضه للبيع ولم يلق مشتريا بعد ، ولعل ذلك يعود الى ضخامته التي لا تناسب أي عائلة عادية . يمكن ان يحوله احد المهتمين الى فندق صغير أو مستوصف ، ولكن حالته من السوء ما يستوجب اصلاحات مهمة ، قبل ان يصبح جاهزا للسكن . وها قد مرت سنتان ومازال اسم البيت مدونا في سجلات الوكالة ولاشك ان والدها سيسر اشد السرور حين يعلم انها استطاعت اخيرا ان تبيعه أو حتى أن تؤجره .
ومالبث الغريب ان سألها : أتستطعين أن تأخذيني في جولة في المكان ؟
-نعم ، بالطبع ، ما رأيك في صباح الغد ؟ فلنقل في الساعه الحادية عشرة ..
ثم اخرجت من درج مكتبها مذكرة وقلما بلا مبالاة , أخفت بها حماسها الشديد لإنجاز هذه الصفقة . ولم يكن ذلك بعسير على شقراء باردة مثلها ، لاسيما وأن عينيها تسبحان في بحر ازرق شاحب شديد الفتور .
لكن الرجل المتشح بالسواد اجابها : سأكون مشغولا طيلة نهار الغد فما رأيك أن تذهب الان ؟
وإذا بناقوس الخطر يقرع في عقل كلير ، فما كان منها الا أن ردت بأدب يفتقر الى الود : أنا اسفة ، هذا ليس ممكناً .
فلطالما ردد والدها على مسامعها ان مرافقة رجل غريب الى منزل فارغ محفوف بالمخاطر . ولهذا حرص دائما على إرسال شخص معها في هذه المناسبات ومنذ تقاعد صار اخوها روبن يرافقها .
وروبن تلميذ في التاسعة عشرة من عمره يتابع دروسا في ادارة الاعمال في ا لمعهد التقني المحلي لكنه ضخم الجثة قوي العضلات فهو يمارس رياضة الركبي في المعهد ولطالما شعرت معه كلير بالامان .
- ماذا تعنين انه ليس ممكنا ؟
كان سؤاله مقتضبا على نحو فظ جمد أوصالها ولكنها ردت : يبدأ العمل هنا من التاسعة وحتى الخامسة والنصف ياسيد..
فقال بذلك الصوت العميق والغامض : بلاك .. دنزل بلاك .. هل المدير موجود ؟
- انا المديرة .
ولما شعرت بانه لايصدقها اضافت: وهذه وكالتى .
- لكن اللوحة على الباب تقول ان جورج سامر يدير هذه الوكالة .
- هو والدي لكنه تقاعد الان تاركا لي ادارة الوكالة .
- فهمت .
واحست به يحدق فيها فيما عيناه تتألقان في هذا الظلام الباهت
- حسنا يا آنسة سامر .. ام انك متزوجة ؟
ترددت لبرهة وشعرت أنها لا تريد ان تفصح له عن اسمها بطريقة العناد غير مألوفة لديها ولا منطقية لكن شيئا ما فيه بدأ يزعجها ورغبت فجأة بالتخلص منه باسرع مايمكن فأجابت باختصار : أنا كلير سامر.
- اذا لست متزوجة ؟
فهتفت بنبرة تكاد تكون حادة : لا ! اسمع انا اسفة ياسيد بلاك . ولكن لا وقت لدي حقا لاريك البيت الليلة .
فبادل حدتها بحدة اشد : أنسة سامر ، إما انك تريدين بيع البحيرة السوداء وإما لا . ففي الغد سأسافر الى الخارج لاشهر عدة ، ولهذا لا أستطيع ان ارى المنزل إلا الليلة . فاختاري إما ان تصحبيني اليه حالا واما انسي المسألة برمتها .
ترددت وهي تعض على شفتها السفلى . لاشك ان اباها وأخاها غير موجودين في المنزل الان ، فقد ذهبا لمشاهدة مباراة في الركبي في البلدة المجاورة ولن يعودا قبل ساعتين . صحيح ان بامكانها ان تطلب من لوسى ان تلاقيها في البحيرة السوداء فلا بد انها عادت من عملها في هذا الوقت ، فهي تعلم في المدرسة الابتدائية المحلية وتعود الى المنزل عند الخامسة مساءً .
ومالبث دنزل بلاك ان اعلن وقد عيل صبره :
هيا قرري فمحاميتي هيلين شيرارد تنتظر في السيارة وأظن انك تعرفينها.
لقد أردتها ان ترى المنزل ايضا لكن لا انوي ان اجعلها تنتظرني مدة اطول.
وهنا اطلقت كلير تنهيدة خفيفة عبرت عن ارتياحها :
هيلين ! نعم اعرفها طبعا حسنا سيد بلاك سأصطحبك الى البحيرة السوداء .
الان لكن لدي موعدا اخر عند السابعة ولا استطيع ان اتاخر اكثر لذا سنقوم بجولة سريعة
ثم التفتت الى خزانة الملفات وراحت أناملها تبحث عن ملف البحيرة السوداء وما ان وجدته حتى اخرجت مجموعه من المفاتيح من صندوق مقفل مثبت في الجدار وأقفلت الخزانة والصندوق مجددا . وقبل ان تغادر المكان اختلست النظر الى المرآه التي تزين الحائط فيما زررت معطفها الشتائي الاحمر القاتم الذي امتد الى منتصف ساقيها .
في ذلك الوقت كان دنزل يراقبها فقال بتشدق :
معطفك يكاد يكون فيكتوري الطراز .. وهو يناسبك .
ولما سمعت هذا المديح التهكمي رمقتة بنظرة جافة قائلة : شكرا ً
اذاً يظن هذا الغريب انها قديمة الطراز ولا شك أنه رمي الى اهانتها لكنه لم يصب هدفه . فكلير لا تمانع في هذا الوصف البته لاسيما ان صدر من رجل مثله ولا مجال لانكار انه جذاب فعلا ، فقد شعرت كلير بقوة مغناطيسية جذبتها اليه ما ان دخل هذا المكان . لكنها تعلمت منذ زمن طويل الا تثق بالرجال لاسيما بأولئك الذين يفيضون بالجاذبية فضرب من الجنون ان تتعلق المرأة برجال دللتهم الحياة حتى افسدتهم إذ ان الامر اشبه بأن تسير بإرادتها في طريق نهايته الجراح . لذا على المرأة المتعقلة ان تترك البعد يفصل بينها وبينهم وان تعاملهم بمنتهى البرودة والجفاء . وكلير اصبحت خبيرة في ذلك الان .
وحين تأكدت من أن ادراج مكتبها مقفلة التقطت حقيبتها ومظلتها ، ثم تقدمت نحو دنزل بلاك . كان الظل مازال يحجب وجهه ، ولكنها تبينت يده وهي تمتد الى الباب الامامي لتفتحه لها .
- علي ان اضبط جهاز الانذار ثم اقفل الابواب .
- سأنتظرك عند السيارة .
نظرت كلير الى السيارة السوداء الانيقة . صحيح أنها ليست مهووسة بالسيارات ، ولا تستطيع ان تتكهن طرازها ، لكن المرء لا يحتاج الى خبير ليعرف أنها فاخرة وباهظة الثمن . وان استطاع دنزل بلاك أن يقتني مثل هذه السيارة فلا بد أنه قادر على شراء البحيرة السوداء . وهذا وحده يبدد أحد الشكوك التي ساورتها عنه .
وحين انتهت من مهمتها ، اتجهت نحوه لترافقه في حين لم يوقف سيل نظراته ، فراح يتاملها بدءاً بشعرها الناعم القصير مرورا بساقيها الطويلتين الرشيقتين وانتهاء بقدميها الرائعتين كانت كلير ترتدي ملابس بسيطة كلاسيكية لا تبطل موضتها وقد اعتادت ان تختار ثيابها لا طلبا لإعجاب الرجل بل للإحساس بالراحة والهدوء وهما شعوران فارقاها تحت وطأة نظراته المليئة بالسخرية والتسلية .
فمجرد خضوعها لتفحص عيني دنزل بلاك لاسيما وهي تدس رجليها الطويلتين في السيارة كفيل بأن يوقظ الرعشة في جسدها وعرفت أن هذا الرجل يشكل مصدرا حقيقيا للمشاكل .
ولما أصبحت في الداخل التفتت هيلين من المقعد الامامي وابتسمت ابتسامة مهذبة ثم حيتها :
مرحبا كلير
ودت كلير لو تغتنم الفرصة فتطرح عليها بعض الاسئلة عن زبونها . لكن دنزل بلاك سرعان مادار حول السيارة ثم صعد اليها قبل ان تنبس كلير ببنت شفة .
فاكتفت بابتسامه ودية وقالت :مرحبا هلين ، كيف حالك ؟
- جيدة .
ورغم ذلك لم تستطيع كلير الا ان تلاحظ شحوب وجهها فبشرتها التي طالما كانت قشدية اللون ومتوردة تفتقر الليلة الى اللون . اما عيناها الخضراوان اللتان تتألقان حيوية فواهنتان ناعستان وكأنها مغرمة .
وسرعان ما شاحت كلير بوجهها وقد أجفلت بنات افكارها . ترى ، هل هيلين مرتبطة بعلاقة مع زبونها ؟ فمنذ طلاقها من بول وهو صاحب فندق محلي مشهور وهي تنتقل من علاقة الى اخرى وما ان استقلت بنفسها حتى اصطف الرجال لارضائها .
ويكفي في هذه البلدة الصغيرة المنعزلة أن تواعد المرأة اكثر من رجل في سنة واحدة لتغدوا محور حديث السكان . فكيف إذا بهلين التي شوهدت برفقة عدد من الرجال منذ انفصالها عن بول ؟ لكن أيا من علاقاتها لم يعمر طويلا أو بين على أسس متينة ، ولعل ذلك يعود الى شعورها بالامان في تسلسل الاشخاص أولعلها اكتسبت ببساطة مزيجا من التهور والجموح بعد طلاقها . وتقول الشائعات إنها تشاجرت مع زوجها بعد علاقة غرامية عابرة أقامها مع نزيلة في الفندق علاقة لم تستطع أن تغفرها له قط .
انطلقت السيارة ببطء أولا ثم ازدادت سرعتها مع ابتعادها عن الرصيف . وبدا واضحا أن دنزل بلاك يدرك وجهته جيدا لذا لم تضطر كلير الى ارشادة الى الطريق وما كان منها الا ان اسندت رأسها الى الوراء وراحت تراقب يديه وهما تمسكان بالمقود ولشدة ما كانت تتأملها لاحظت شعيرات سوداء خفيفة تغطيها ، وفجأها مزيج من الرشاقة والقوة فيهما وبعد أن فرغت من مراقبة أناملة الطويلة انتقلت الى رسغة وقد زينتة ساعة ذهبية لماعة ثم عادت مجددا الى إصبعة حيث وقع نظرها على خاتم ذهبي ثمين نقش عليه شعار النبالة .
أما وجهه فما زال خفيا عنها لكنها تلمح شعره الاسود الكثيف واللماع كلما مروا بمصباح في الشارع وبدا معطفه من الكشمير الداكن . انيقا وغالي الثمن أيضا نعم لاشك أنه يملك الكثير من المال في ذلك الوقت كانت هيلين تهمس فى اذنه بكلمات لم تسمع كلير معظمها . لكنها سألته بصوت أجش ونبرة تحمل قدرا من الغضب : وكم تنوي ان تبقى في الولايات المتحدة ؟
هز كتفيه بلا مبالاة وأجاب :
شهرا ، او ربما اثنين فردت بصوت يخالطة الاسف : كل هذه المدة ؟
وهنا قطبت كلير وهي تشعر بالحزن لأجلها وراحت تتذكر الايام التي تملكتها فيها مثل هذه المشاعر بسبب رجل . لكنها تجربة تنوي ألا تكررها ابدا ففيها من الألم ما لاتود أن تعتاد عليه مطلقا . وبعد برهة توقف دنزل بلاك قليلا بسبب زحمة السيارات واستقل الموقف ليلتفت الى كلير في الخلف ويقول :
إذا قررت أن اشتري هذه الملكية فستمثلني هيلين أثناء سفري .
فردت كلير : حسنا .. هل تعيش في غرينهاوي في الوقت الحالي ياسيد بلاك ؟
- كلا ، بل اعيش خارج البلدة ، مع أخ هيلين وزوجته في منزلهما الجميل وتمتمت هيلين بصوت أبح : وهكذا التقينا .
لم تكن كلير تعرف هيلين جيدا فغالبا ماجمعتهما الاعمال وصفقات الزبائن بدل اللقاءات والزيارات الاجتماعية كما أن هيلين تشكل جزءاً من ذلك المجتمع الراقي الذي لم تكن كلير تنتمي الية فعدا عن المال امتلكت اسرتها أراض مهمة وورث جيمي ستور بيتا ريفيا يعود الى أيام الملكة آن تحيط به أراض خصبة تبلغ مساحتها بضع مئات من الاكرات وتقع خارج بلدة غرينهاوي وفيما رعى هو شؤون المزرعة قامت زوجته بإدارة فندق يعتبر بمثابة مقر ريفي لأصحاب الأملاك والأموال وهو يضم مطعما صغيرا اكتسبت شهرة في انحاء الاقليم لأسلوبة المتميز في الطهو ، فلورا ستور طاهية ممتازة تستخدم دائما المكونات الطازجة من المزرعه مباشرة وعمل الاثنان بجد لكنهما جازفا كثيرا أيضا حتى أضحت حياتهما الاجتماعية غنية وأصبحا محط أنظار السكان والوافدين .
وبالمقابل لم تكن عائلة كلير تنتمي الى البيئة نفسها لكن ذلك لم يضايقها البتة ، فلا الحفلات الصاخبة تسليها ولا النوادي الفخمة تدخل البهجة الى قلبها أما الفرق الرياضية وحفلات العشاء فلا تمت اليها بصلة بل كانت تستمتع بالسير والسباحة وهي تقضي الوقت برفقة عائلتها وعدد يسير من أصدقائها المقربين وهكذا تراها تختلف عن هيلين شيرارد اختلافا كبيرا لم يخل رغم ذلك دون تقديرها لتلك المرأة وإعجابها بأخيها وزوجته .
وموخرا كان الاسف سياورها على حال هيلين فبعد طلاقها بات فيها من الكآبة ما عجزت عن إخفائه وليت الغباء لا يبلغ بها حد الوقوع في حب رجل بالكاد تعرفة ! وحانت من كلير التفاتة الى المرأة فوق رأس هذا الرجل واذا بها تقع على البريق في عيني دنزل بلاك الرماديتين . بدت لهاحدقتاه واسعتين وكأنهما من الكهرمان الأسود الذي منح العينين لونه أما جفناه فثقيلان يحملان رموشا كثيفة . وحين أمعنت كلير النظر في المقلتين الغريبتين تحاول ان تسبر أغوارهما انسدل الجفنان فجأة ليخفيا التعبير . ثم أشاح بوجهه لتتلاشى صورته بغته من المرآه .
أجفلت كلير وهي تتمنى لو سنحت لها فرصة تأمل ملامحه فمهما حاولت ظل الفضول يتملكها ترى ما حقيقة مشاعره تجاه هيلين ؟
أيصطحبها الى البحيرة السوداء بصفتها محامية أو بحكم علاقة شخصية أكثر ؟ أيامل أن يكون هذا البيت العش الذي سيجمعهما مستقبلا ؟ لكن أنى لها من اجابات على هذه الاسئلة ؟
عندئذ كانوا قد غادروا البلدة ليبلغوا الريف الاخضر الذي يشرف على هنتر هيل القريبة من غرينهاوي . فطالعهم من جهة البحر الرمادي العاصف وقد تكسرت أمواجه عند المنحدر الصخري فيما الافق يكاد يختفي تحت نور الشفق وقد مال الى السواد اما من الجهة الاخرى فمراع واسعة تسرح فيها الخراف ومستنقعات داكنة وتلال مرتفعة بدت من بعيد وكأنها حيوانات رابضة تتمطى في الافق وأصبح بامكان المرء أن يرى البحيرةالسوداء فكيفما حول نظرة لن يقع الا على أبراج وشرفات تعانق السماء في حصن من الطراز الفيكتوري القوطي أشبه بقصور القرون الوسطى. تمتمت هيلين : يالهي ! إنه مخيف .
فضحك دنزل بلاك واجاب : الا تحبينه ؟
وقطبت كلير وقد احست أن رد هيلين قلما يهمه ومع ان ذلك لا يعنيها الا ان الفضول حول علاقتهما ظل يزداد تدريجيا .
وانتهى بهم المطاف بعد لحظات أمام بوابة حديدية مصنوعة باتقان . فترجلت كلير من السيارة وتوجهت نحوها وهي تنتقي مفتاحا من المجموعة التي في جيبها ولما كان الصدأ قد اجتاح القفل تطلب منها الامر جهدا ملحوظا مما دفع دنزل بلاك الى الترجل بدوره والتقدم للمساعدة .
-دعيني أقوم بذلك .
وفيما كانت يده تمتد الى المفاتيح لامست أناملها فِأحست وكأن تيارا كهربائيا يسري فيها وما كان منها الا أن اجفلت وتراجعت قليلا الى الخلف رماها بنظرة جانبية مبطنة حتى شعرت بالاحمرار يتصاعد الى وجنتيها واستبد بها الغضب لم تصرفت على هذا النحو بحق السماء ؟
لا شك انه سيظنها واحده من المراهقات اللواتي تتورد خدودهن ما إن يقترب منهن رجل ما !
وبعد ثواني دار المفتاح في القفل مصدرا صريرا مزعجا فتقدم ودفع البوابة الى الامام .
- يحتاج هذا القفل الى الزيت.
- نعم سأحرص على ان يتم ذلك في الغد .
وبمزيج من الارتباك والانزعاج استردت المفاتيح ثم عادت أدراجها الى السيارة فيما سار دنزل بلاك خلفها .
وكانت الريح تزمجر وتتلاعب بأشجار بساتين البحيرة السوداء فاختلست النظر اليه لترى معطفه الاسود الطويل يتطاير حول رجليه وكأنه بات يملك جناحين ويستعد للأقلاع والاختفاء خلف جناح الليل.
بعدئذ انطلقت السيارة ببطء على طول الطريق المتعرجة التي تخللتها الحفر واجتاحتها النباتات والاعشاب وبين حين واخر كانت أرانب برية لم يظهر منها الا اذنابها البيضاء القصيرة تعترض سبيلهم.
كان كم الصعب عليهم ان يتبينوا البستان فعلا لكن كلير تعلم ان نباتات الوردية والغار تنتشر اكواما على ناحيتي الطريق وفجأة لاح لهم طيف المنزل الفارغ بنوافذة المغلقة وكأن الحياة فيه معدومة ولاحظت كلير شبحا اسود يرفرف حول البرج العالي سرعان ماعرفت انه خفاش .
|