لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-09-09, 09:12 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق
فريق كتابة الروايات الرومانسية

البيانات
التسجيل: Mar 2009
العضوية: 131874
المشاركات: 3,755
الجنس أنثى
معدل التقييم: dede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4768

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dede77 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dede77 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

* رفعت نظرها الى دنزل بلاك ، وجهها البيضاوي الها دئ مفعم بالدفء و المرح
-سيكون يومى ساحرا . فتبدل وجهه وتعمد ان يتفحصها بنظراته :
ترى ، فيم كنت تفكرين ؟ في رجل ؟ أهو عشيقك ؟ لاترتسم هذه النظرة على وجه امرأة الا حين تفكر في رجل .
عندئذ تألقت عيناها بوميض جليدي ، ثم أشاحت بوجهها بعيدا ، وحانت منها التفاته الى ساعتها بحركة تنم عن فروغ صبر .
اريد أن اعود الى منزلي ياسيد بلاك . قد لاتحب الميلاد ، ولكنني أحبه . ومازلت بحاجة الى عدد من الهدايا ، عدا عن المهمات التي علي انجازها قبل ان آوي الى الفراش الليلة .
فعلق:
كما انك لاتحبين الاجابة عن الاسئلة .
تجاهلته ، وتوجهت نحو السلالم ، ورأسها يضج بمختلف الاعمال التي عليها أتمامها ، من الخضار التي تحتاج الى التقطيع والتخزين في البراد ، الى قالب الحلوى الذي عليها تحضيره .
ومع ن كلير تحب الميلاد ، الا انه يترافق عادة مع اعمال كثيرة ، لا يساعدها فيها احد .عادة ، يخرج ابوها مع اختها واخويها الليلة لينشدوا ترانيم الميلاد حول شجرة الميلاد الضخمة في ساحة البلدة . وهي عادة درج عليها أهالي البلدة عشية الميلاد بغية جمع الاموال للمؤسسات الخيرية المحلية . والاستمتاع بوقتهم . وكانت غالباً ما ترافقهم ، لكنها الليلة لا تملك وقتاً لذلك أبدا . وبلغت بها العجلة حد الانزلاق على الخشب المصقول للسلالم والوقوع الى الامام . وكادت تقع بقوة لو لم يمسك بها دنزل بلاك ، ويحيط خصرها بذراعيه . واذا بقلب كلير يخفق بين أضلعها تحت تأثير الصدمة . وبقيت ثانية أو اثنتين واقفة في مكانها ، لاتاتي حركة ، فيما هو يبقيها بين ذراعيه ، ولا يسمع الا نبضات قلبها . ومالبث ان مال اليها ، فأحست وكانه ينقض عليها ، فيما هي عاجزة ، لاتقوى حراكا . واذا بوجنتيه تلامسان خديها ، حتى شعرت ببشرته باردة ، ناعمة فسرت في جسمها رعشة حين خيل اليها انه سيعانقها . لكن كل مافعله هو سؤالها :
هل أنت بخير ؟
وكان السؤال من العنف بحيث انتشلها من غمرة النشوة وأعادها الى أرض الواقع . فحررت نفسها من قبضته بارتجاف ، ثم نزلت الدرجتين الباقيتين من السلم ، وهي تقول بصوت أجش :
نعم ، اشكرك .
واسرعت الى الباب الامامي ودنزل بلاك يتبعها من غير أن يكلف نفسه عناء اسراع الخطى .
ولما عادت كلير الى سيارتها ، تنفست الصعداء، ثم انطلقت بعيدا . لكن سعادتها كانت لتصبح أضعافا لو تخلصت من هذا الراكب ما ان تبلغ البلدة . لاسيما ان وجودها وحيده معه هو بمثابة تجربة مرهقة للأعصاب . وفيما كانا يسيران في شوارع البلده ، وقد اضاءت انوار العيد المتاجر، نظر اليها دنزل بلاك بجفاء ، وقال :
انظري الى كل هذه المتاجر بثلجها الزائف واشجار الميلاد ! بات الميلاد مجرد سلعة تجارية ، ولا يحمل اي معنى ديني منذ زمن .
فرمقته كلير بنظرة جانبية باردة :
هذا بالنسبة اليك ربما ، لكن عائلتي تواظب على زيارة الكنيسة . وسنحضر قداس منتصف الليل . ونحن غالباً ما نصلي عشية الميلاد ، فهذا الطقس الديني هو الاحب الى انفسنا . وتشترك لوسي واخواي في التراتيل ، وتكون الموسيقى رائعة دائما .
- دعيني اتكهن ... انها موسيقى آلات الغيتار.
أثارت نبرة الاحتقار في صوته سخط كلير ، فردت :
كلا ، لطالما كانت موسيقى الميلاد تقليدية ، وتتالف من ترانيم الميلاد ، او اناشيد لاتينية قديمة وكلاسيكية ، ونحن نملك آلة أرغن ممتازة . وتقول لوسي انهم سيغنون الليلة لموزارت وبليسترينا.
ثم توقفت عن الكلام وخففت سرعتها ، قبل أن تشير بيدها الى اليسار ، وتضيف :
هاهي الكنيسة . انها مصدر فخرنا ، فهي واحدة من ارقى الكنائس في هذه الناحية من انكلترا .
مال دنزل بلاك الى الامام ليحدق في المبنى العالي الذي يماثل مباني القرون الوسطى ، ببرج ناقوسة الذي يعانق السماء الحالكة ، وبسقفة المقنطر ، وجدرانه المبنية من حجر الصوان الرمادي . ويمتد حول المبنى فناء أخضر صغير يحيط به سياج حديدي من العصر الفيكتوري ، فيما الاعشاب تنمو حول الاضرحة القديمة ، التي تظللها أشجارمعمرة .
- لم لا تأتي الليلة وتستمع الى الأناشيد ؟
وما أن تفوهت بالدعوة حتى راته يقطب جبينه .
-لا اظن ذلك ، شكرا
- أخائف أنت ؟
رماها بنظرة من عينيه الضيقتين وسألها : ومما أخاف ؟
فأجابت بنعومة :
من السماح لروح الميلاد بالتغلغل فيك .
لوى فمه ، فيما ومضت عيناه وأجاب :
ربما ، وأنت ، مما تخافين ؟
زفرت بارتياح ، وأنكرت وهي تشعر بالتورد في خديها :
انا لا أخشى شيئا .
فسألها بسخرية:
حقا ؟ شعرت أنك كنت خائفة مني في كوخك .
تصلبت ، قبل ان ترد :
اذًا كنت مخطئا . فأنا لا اخشاك ياسيد بلاك ، وانما احذر منك وحسب ، فلقد رأيت التأثير الذي تحدثه ، واعرف من اي نوع انت . ولانية لي في ان اصبح احدى ضحاياك .
ظهر الغضب على ملامحه ، وأظلمت عيناه وهو يسألها :
احدى ضحاياي ؟ ماذا تقصدين بحق الجحيم ؟
ولما كانا بلغا بلاك بور ، توقفت كلير عند المدخل الرئيسي وأعلنت وقد اشاحت بوجهها عنه :
ها قد وصلت ياسيد بلاك .
لكنه لم يترجل من السيارة ، بل لبث فيها ، وهو يتفرس في الوجة الذي بقي يتفاداه . وبعد دقيقة ، قال بجفاء:
لست متأكدا عما تتكلمين ، لكن اذا كنت تقصدين بيلا دكلان ، فأنا لم ادمر حياتها ، بل المخدرات . ولقد ادخلتها الى عيادة ، لكنها تركتها مجددا ، لانها لم تكن مستعدة لمحاربة إدمانها ، ولعلها لن تنجح في ذلك ابداً فقد استغلت في طفولتها ، مما اثر عليها لسنوات . وبيلا فتاة مريضة جدا ، وما المخدرات الا سبيلها للتغلب على الذكريات التي لا تستطيع مواجهتها. عليك الا تصدقي كل ماتروية الصحف يا آنسة سامر ، فهي غالبا ماتبالغ ، وتنشر الاكاذيب .
- ولكن ، اكانت مغرمة بك حقا ؟
وحمل صوتها نبرة فراغ صبر ، فأجاب :
لعلها ظنت ذلك ، لكن مدمني المخدرات يعيشون في عالم خيالي ، ولا يمكن ان تصدقي كل كلمة يتفوهون بها. أدارت كلير رأسها ، ونظرت اليه بازدراء حارق . ولما التقت عيناهما ، استحال لونها أحمر داكنا . فهتف بحدة :
لا تنظري الى على هذا النحو . فأنت تجهلين كل شيء عني . مالذي يجعلك تعتقدين أنك تستطيعين الحكم علي ؟
- لن انبس ببنت شفة ، والآن ، هل تمانع الترجل من سيارتي ؟ فما زال أمامي الكثير من الاعمال ، وانا على عجلة من امري ، حتى ولو لم تكن أنت كذلك.
لكنه لم يتحرك ، بل تعمد أن يسترخي ، فأسند ظهره على المقعد ، ووجهه ملتفت اليها . وفيما رأسه مرتاح على يد ، راح ينقل نظره عليها ، في نظرات بطيئة متوانية . وحرصت كلير على ان تبقى متيقظة تماما .
- شعرك يشبه ضياء القمر ، كما اسمك بالفرنسية . ألهذا أطلق عليك أبوك هذا الاسم ؟ أكان لشعرك هذا اللون حين ولدت ؟
فأجابت باختصار وهي تشعر أن خصلات شعرها تضايقها عند العنق :
أظن امي احبت اسم كلير ليس الا .
وفكرت في عينيه المتألقتين ، وقد اختفت فيهما ارادة تقلق راحة بالها . ومالبثت ان اعلنت :
والان ، هل خرجت من سيارتي اذا سمحت ياسيد بلاك ؟
- في منزل البحيرة السوداء سيارة فيها حاجياتي الخاصة ، وهي في الاسطبل المقفل . واريد أن انقلها الى كوخك ، وافرغ محتوياتها في الصباح فهل لي بمفاتيح الكوخ اذا سمحت ؟
ترددت كلير أولا ، ثم مدت يدها الى جيبها على مضض ، وسلمت مفاتيح كوخها . ولما تناولها منها تلامست أناملهما برفق ، فاضطرت الى كبت الرعشة التي سرت في اوصالها . وراحت تقنع نفسها ان بشرته باردة ليس الا ، وأن لمسته لم يكن لها اي تأثير عليها .
وتلألأت السخرية الباردة في عينيه حين قال :
أشكرك وسأتمادى . فأتمنى لك ميلادا مجيدا ايضا . وارجو ان تكون عطلتك سعيدة بقدر عطلتي.
فردت بحده :
شكرا ، وأنا متأكدة من أنني سأكون أكثر سعادة . ففي الميلاد ، كما في غيره ، يحصد المرء عادة مايزرعة.
ضحك وأجابها :
أتقصدين أنني أستحق قضاء الميلاد وحيدا ؟ اسمعي ، انتظريني هنا دقيقة ، أريد أن احضر شيئاً وسأعود في الحال .
وقبل ان تتمكن من الكلام ، خرج من السيارة ، فما كان منها الا ان راقبته وهو يدخل المقهى القديم . ترى ، ماذا يخطط الان ؟ ثم نظرت الى ساعتها وقد عيل صبرها . يجب عليها أن تعود الى البيت ، فيكفي ما أضاعت من وقت على دنزل بلاك . وفيما هي غارقة في افكارها ،عاد وهو يمشي بتمهل ، ثم استقر في المقعد الامامي مجددا ، فالتفتت اليه كلير بتساؤل . ماذا ذهب ليحضر؟ وبعد ثوان معدودة ، رفع ما في يده حتى أخذ يتدلى فوق رأسها . فرفعت وجهها بحركة غريزية ، وأبصرت الساق الخضراء ، والاوراق الخضراء، وحبات التوت المتلألئة الصلبة . إنه نبات الهدال !
تمتم :
بما أنك تبدين كأحد الوثنيين في طقوسك ، فهذا طقس يسعدني المحافظة عليه .
وما إن اتم كلامه ، حتى مال نحوها وعانقها عناقا خاطفا ، لكنه خلفها ضعيفة ، لاهثة ومصعوقة .
لبثت في مكانها صامتة وتشعر بالدوار ، فيما خرج دنزل بلاك من السيارة ، من غير أن يضيف كلمة أخرى . ومن العجب أن كلير لم تنطلق في الحال وسرعان ما توقفت سيارة أخرى خلفها ، واخذت تحثها على المسير . فأدارت المحرك على غير هدى ، وتوجهت نحو الطريق العام ، حيث كادت تصطدم بحافلة . ولحسن الحظ ، لم يكن السائق مسرعا فتمكن من الفرملة قبل أن يصدمها .
وهنا ، استجمعت كلير أنفاسها وقد تملكها الرعب . ثم أومأت الى السائق باعتذار ، ومضت الى بيتها وهي ترتعد.
في الواقع ، كانت مسرورة بمهماتها العديدة هذا المساء ، فالعمل اكثر أمانا من التفكير . وكلما فكرت ، كلما أحست برأسها يدور، إذ لم تصدق هذا الشعور الذي ولد فيها لما عانقها . بدا لها وكأنه زلزال ، مازالت تشعر بهزاته حتى اللحظة .
لكن ، بدا ان أحداً لم يلاحظ ذلك التغيير فيها ، لاسيما أن عائلتها كانت تستعد للذهاب للمشاركة في انشاد الترانيم .
وطمأنها والدها :
لقد أحضرنا طعاما صينيا من المطعم ، فلا تقلقي علينا . هل تدبرت مكانا يسكن فيه السيد بلاك ؟
فنظرت كلير الى لوسي ، التي دافعت عن نفسها ببراءة :
قلت لأبي انني أظن أنك ذهبت لهذا السبب . وقد عرفت أنك لن تتركي الرجل المسكين في نزل طيلة فترة الميلاد!
عندئذ، ردت باقتضاب : نعم ، وجدت له مسكنا .
فنظرت اليها لوسي بحماس لم يعجب كلير ، وسالتها : أين ؟
-في منزل جديد ، عرض للايجار في الامس . وهو خارج البلدة ، وغير بعيد عن البحيرة السوداء .
عندها ، هتفت لوسي بنعومة :
يمكننا ان نساعده على الاستقرار . فلا شك أن رجلا يعيش وحده بحاجة الى المساعدة .
- بل لا يحتاج الى اي مساعده ، وهو قادر على التصرف وحده . أما إن عانى من مشاكل ، فلديه من المال مايمكنه من حلها .
ثم حانت من كلير التفاته الى ساعة الجدار وقالت: ستتأخرون .
فأطلق روبن شكوى صارخة : انها محقة ، هيا بنا!
أسرعوا الخطى ، على أن يعودوا لاحقا مع باقي أعضاء الكورس ليتناولوا طعام العشاء، قبل ان يذهبوا الى الكنيسة عند منتصف الليل . أما في الوقت الحالي ، فتستطيع كلير الاسترخاء والاستمتاع بمساء هاديء وهي تعد الطعام وتستمع الى الموسيقى, وبما أنها ستنصت الى الترانيم لاحقا في الكنيسة ، فقد قررت الاستماع الى الكونشيرتو الثالث والعشرين لموزارت وهو المفضل لديها . وأسرعت لتضيف الخضار الى حمل ضخم ، ثم أدخلت المزيج الى الفرن استعدادا للعشاء ، وفي انتظار نضوجة يمكنها ان تحضر الفطائر المحشوة ، التي خبزت كمية كبيرة منها ، سيلتهمها أعضاء الكورس بلا شك .
كانت الغرفة المتصلة بالمطبخ باردة ، لا تشملها التدفئة المركزية . لهذا ، فهي منعشة صيفا ، جليدية شتاء . وقد وزعت فيها طاولات طويلة ، صفت فوقها قوالب حلوى بالكريما ، زينت اعلاها بخيوط متعددة الالوان من السكر ، وقطع حلوى برتقالية وحمراء وخضراء ، فبدت كأنها مجوهرات متلألئة في أوعية زجاجية .
المنزل بكاملة يعبق بروائح الميلاد ، من اكواز الصنوبر ، ونباتات البهشية واللبلاب التي قطفها والدها واخوها قبل أيام ، فعلقوها حول أطر الصور وعلى الشرفات والنوافذ وزينوها باشرطة لماعة ، وأوراق حمر وذهبية . كما انتشرت رائحة الطعام في أرجاء المنزل ، وهو بدوره شهي وغريب وغني ، من بلح وجوز ، الى زبيب وأناناس ، فأكواب العصير وأطباق اللحم .
وكانوا قد رتبوا البيت استعدادا للميلاد ، كعادتهم في كل سنة . فالأشرطة المتدلية في كل غرفة ، وأجراس الميلاد تمتد من السقف وتتوزع هنا وهناك ، فيما شجرة الميلاد تزين غرفة الجلوس قرب النافذة ، وتملأ الجو بعبق الصنوبر . والشجرة في غاية الجمال ، مزينة بالكرات الزجاجية ، وغيرها من أدوات الزينة .
وتهالكت كلير على كرسي بذراعين قبالة النار، وبيدها فنجان قهوة . وراحت تنظر الى الشجرة بعينين ناعستين ، فيما الغرفة غارقة في ظلام طفيف ، لايبدده لا نور مصباح صغير . لابد أن الاخرين سيعودون ادراجهم قريبا ، لكنها تعبة الان ، وينتابها ذلك الوهن الجسدي اللذيذ . سرعان ماتثاءبت وهي تتمدد بكسل مشغولة البال ولم تمض دقائق حتى اغمضت عينيها ، وراحت في أغفاءة خفيفة .
وفجأة ، دخل دنزل بلاك الى الغرفة ، وقد انعكس طيفة الاسود المألوف على الجدران ، حتى كاد يبتلعها . لم تكن قد أدركت قبلا أنه بهذا الطول ، فقد بدا لها أن رأسه يلامس السقف ، فيما قامته رفيعة كخيط الدخان ، تتلوى نحو الاعلى . واذا بدمها يمسي باردا ، ليستحيل حارا مجددا ، وعجزت عن التنفس , او الكلام وشعرت أن سرا غامضا يمنعها من الحركة .
تطلعت اليه وهي تناضل لتتحرر، وتنهض . لكنه بادلها النظرات ، وابتسامة جافة غريبة على وجهه ، وعيناه الرماديتان شاحبتان وكأنهما خضعتا للتنويم المغنطيسي ، فيما قوة ارادته تقضي على كل مقاومتها . وشعرت بشفتيها تحترقان وكانه يقبلها ، تبع ذلك احساس بوهن شديد سيطر عليها . وبدا لها انه يطفو في أرجاء الغرفة بصمت ثم دنا حتى بات فوقها ، فحبست كلير أنفاسها . عندئذ ، أخذ فمه يقترب من عنقها ببطء ، وهي تراقبه بانفعال وضعف ، وتتوق الى لمسته . وتدفق الدم في شرايينها وأحست كأنه يمتص حياتها مع دمها . وما لبثت أن شعرت بالاغماء تدريجيا . فراحت تتنهد بمزيج من الرعب والاثارة ، واغمضت عينيها مجددا ، حتى لفها الظلام تحت جناحه.
وصفق الباب في مكان ما ، فأجفلت كلير بعنف . أكانت نائمة طيلة هذا الوقت ؟ كان باب غرفة الجلوس مشرعا ، مما سمح للنور أن يتسلل من الرواق الى الغرفة . واذا بها ترى دنزل بلاك بغتة ، وهو يقف عند العتبة يراقبها .
ارتجفت كلير . هل حدث ما حدث فعلا ؟ أم كان مجرد حلم ؟ ترى أهي تحلم الان ؟ وهل تحقق منامها ؟ اسيطفو في أرجاء الغرفة ثم ... ؟
واقبل من خلفه لوسي والصبيان وهم يضحكون ، وقد علت وجوههم حمرة البرد والاثارة ، فيما أبوها وبقية أعضاء الكورس يتجمعون من خلفهم .
واذا بصوت يصدح : ميلاد مجيد ، كلير!
وارتفع صوت آخر : هل أيقظناك ؟ ياللأسف!
وكشر روبن : ظننا أنك انتهيت من إعداد الطعام أيعقل هذا ياكلير ؟ اننا نموت جوعا!
ثم تقدمت لوسي لتدير زر الكهرباء الرئيسي ، وهتفت :تفضلوا جميعا .
وغمر الغرفة نور مشرق بهر كلير وهي تنهض من كرسيها . وجلس أعضاء الكورس في مقاعدهم وهم يضحكون ويتحدثون ، وكل منهم يحاول الاقتراب من النار، في حين انشغل بعضهم بتحية كلير وتهنئتها بالعيد .
ومع أنها لم تنظر الى دنزل بلاك ، الا انها شعرت به يراقبها . ماذا يفعل هنا بحق الله ؟ وكيف تمكن من الانضمام اليهم والاحتيال ليدعونه ؟
وهنا تكلمت لوسي ، وهي تنظر الى دنزل وعيناها تتألقان اشراقا وعلى شفتيها قطرات ندية .
- لقد سمعنا دنزل ونحن نغني فيما كان يسير في الشارع ، فتوقف لينصت الينا ، وبقي مدة طويلة . وبالفعل . كان أفضل مستمعينا.
دق ناقوس الخطر في ذهن كلير ، في حين تابعت لوسي :
دعاه ابي لتناول العشاء معنا . والطعام وفير ، اليس كذلك ؟
فأجابت كلير بتيبس ، وقد اقشعر بدنها وهي تشاهد أختها تبتسم له : طبعا .
منذ تعرف دنزل بلاك الى لوسي ، وكلير تخشى هذه اللحظة ، ولم تشأ ان تبعد لوسي عنه لاميال , فحسب بل جهدت لفصلهما عن بعضهما البعض كليا . لكنها أدركت الان ان اختها لن تستمع الى تحذيراتها بسهولة . وهنا تقدم والدها : أتحتاجين لمساعدة ؟ أيها الصبيّان ، تقدما وساعدا شقيقتكما , لوسي ، احرصي على راحة ضيوفنا ، وقدمي لهم الشراب .
وأعلنت كلير وهي تخرج من المطبخ : لقد أعددت الشراب ، وسيحضره روبن في الحال .
-مم ... يبدو لذيذا .... ماذا وضعت فيه ؟ هل لي بكوب ؟
- انه محضر أساسا من عصير الفاكهة ، اضافة الى التوابل ، لكنني أضفت اليه أيضاً شراب الكرز . يمكنك الحصول على كوب طبعا ، فلن يضرك أن لم تكثر منه.
وتقدم جايمي بسلتين مليئتين بالخبز الفرنسي ، ثم سألها مقلداَ أخاه : هل لي بكوب أيضا ؟
وشرعت تراقب اباها ، وهو يلبس القفازات , ويخرج الطعام من الفرن بعناية . ثم سالته :
هل الصينية ثقيلة عليك يا أبي ؟
فطمأنها : بل أنا بخير .
كانت قد أعدت المائدة مسبقا ، ووضعت السكاكين والاطباق والمناديل الورقية . القت حولها نظرة أخيرة لترى ماذا ينقص بعد ، فأبصرت شخصا يدخل الغرفة ببطء ، مشرق العينين وعلى وجهه سحر متملق .
- مرحباً كلير ، هل يمكنني مساعدتك ؟
بدا على ملامحها أنها غير مصدقة :
هال ! لم الاحظ أنك مع الكورس ، هل عدت الى البلدة لقضاء الميلاد ؟
منذ ثلاث سنوات ، وقعت كلير في حب هال ستيفنز ، وآمنت أنه يحبها أيضا ، الى ان تزوج فجأة من امرأة أخرى ، وانتقل بسرعة من البلدة ، ليعيش في يورك مع زوجته الجديدة .
وكتب لكلير رسالة يشرح فيها الوضع ، لكنه بعث بها ليلة زواجة المفاجيء فكان ان سمعت بالخبر من جار ، تعاطف معها بشدة ، الا انه وفي الوقت نفسه ، غمره الفضول ليرى تعابير وجه كلير المصدومة .
ولم تتسلم الرسالة الا بعد مرور يومين ، وشرح فيها انه تزوج المرأة الاخرى لانها تنتظر منه مولودا . وصعب على كلير أن تتذكر كيف شعرت في باديء الامر . انما تملكها احساس بالكرب وعدم التصديق . وعاشت لاشهر كإنسان آلي ، بالكاد يدرك المرء مايفعله أو يقوله ، وانما يكتفي بالعيش . ومع الوقت ، تغلبت على المشكلة ، لكنها باتت حذرة جدا ، وعلى قدر من التشاؤم وشديدة الاحتراس في مايتعلق بالرجال .
ولم تدرك أنها نفدت بجلدها إلا لاحقا , حين استوعبت رسالة هال المثيرة للشفقة . وقد كتب فيها انه لا يحب زوجته الجديده ، بل ربطته بها علاقة قصيرة حين قضت عطلتها في غرينهاوي . في تلك الفترة ، كانت كلير مشغولة جدا ، فشعر بالوحدة ، ثم أحس انه وقع في فخ لما حملت ستيفاني منه ، لكن كلير مازالت المرأة التي يحب . ولاحقا ، شعرت كلير بالاسف على زوجته ، ما أن بدأت تفكر بصفاء مجددا . فأي نوع من الزواج هذا ، حين يتحدث هال بهذه الطريقة عن زوجته ، ويكن لها هذه المشاعر . لوكرهت كلير الامر لو عرفت أن رجلا ما يتحدث عنها على هذا النحو ! بعدئذ ، سمعت كلير ان ستيفاني تشارف الثلاثين من العمر، ولا تتمتع بقدر من الجمال ، ولكن أهلها أغنياء ، وشبكة أعمالهم واسعة مزدهرة وبعد ان تزوج هال من ابنتهم ، شغل مركزا مهما كمدير مبيعات وبلغ ربحة حدا لابأس به.
رد عليها بابتسامة : كنت أغني مع أعضاء الكورس ، واصر والدك على مجيئي .
لطالما دللت والدة هال ابنها ، فظن أنه يستطيع استرضاء أي امرأة ولعله نجح مع معظم النساء .
أما كلير ، فلا ، نظرت اليه ببرودة وفي عينيها الزرقاوين سخرية واضحة .هذه المرة ، لن تقع أسيرة سحره ، لن تقع ثانية أبدا . فهي تعرفه جيدا .
-قلت له انك لن ترغبي في رؤيتي مجددا . لكنه أكد أنك نسيت الامر وسامحتني على مامضى ، وأنه الميلاد على كل حال ...
وفاضت عيناه الزرقاوان تفاؤلا .كان اشقر ، ناعم البشرة ، وعلى وجهه سمات طفولية ، وسحر فائض تعود أن يتكل عليه . مما دفعها الى التساؤل عما عساه يفعل حين تمر عليه السنين ، ويفقد ذلك السحر الصبياني الذي يتميز به .
- هل عدت لقضاء الميلاد مع أهلك ؟
وكانت تعرف أن أباه وأمه أمضيا الميلاد المنصرم مع زوجته وطفلهما . وأبوه يملك متجر خرداوات في البلدة ، وقد التقته في أحد أيام الربيع الفائت ، فراح يتحدث بلا هواده عن حفيده ونجاح ابنه متجاهلا ما اقترفه ولده في حقها . الا ان زوجته لطالما بدت محرجة عند لقائها بكلير .
-هذا صحيح . وحين مررت بتاون هول ورأيت الكورس يغني ، لم استطيع مقاومة الرغبة في الانضمام اليهم . وقد استعدت العديد من الذكريات الجميلة.
ثم أخفض بصره وتنهد ، قبل أن يردف :
كلير.... من الرائع ان اراك . انت اجمل مما اتذكر ، وانا لم انسك مطلقا ، وانت أيضا ، أليس كذلك ؟
فأجابت بحدة :
في الواقع ، بما أنك متزوج ولك طفل . فعد الى الباقين يا هال ، واتركني وحدي .
أمسكها بكتفيها ، وقد علت الاثارة وجهه :
-سأفعل بعد دقيقة ، ياكلير , ولكن امنحيني قبلة واحدة أولا .
كانت على وشك أن تدفعه بعيدا عنها ، حين أمسك به شخص آخر ورمى به الى أقصى الغرفة .
-لقد سمعتها ! أخرج من هنا !
فعجزت كلير عن التعبير . وما كان منها الا ان حدقت في دنزل ذاهلة وقد اتسعت عيناها الزرقاوان ارتياعا .
أما هال ، فاصطدم بالجدار عند الباب محدثا صوتا مكتوما . وملأ الغضب وجهه الوسيم ، ثم تطلع الى دنزل وهو يشد قبضتيه استعدادا للعراك .
فنصحه دنزل بنعومة : لاتفكر في ذلك حتى !
توقف هال فجأة ، وكأنه يعيد التفكير في الامر لاسيما بعد أن سمع نبرة دنزل الامرة . بدا مترددا ، قبل ان يحملق فيه ويدمدم : لاتستحق العناء .
ثم اختفى . أما دتزل ، فنظر الى كلير وقال متشدقا :
أهذا هو الشخص الذي وضعك في مخزن بارد ؟ كنت أعرف أن الامر يتعلق برجل . فلا بد من وجود سبب لهذه الطبقة الجليدية التي أصطدم بها كلما تكلمت مع امرأة جميلة مثلك .
فأجابت كلير بحدة :
ولم تفكر طبعا في ان حدتي تعود لتصرفاتك ! اذا لم يغمى علي في الدقيقة التي رأيتك فيها ، فهذا لا يعني أني أشكو من عيب .
بدا متسليا :
شيء من هذا القبيل ،عرفت أنك مررت بتجربة فاشلة ذات مرة ، لكن علي الاعتراف بأن ذوقك قد خيب أملي . ماذا أعجبك في هذا الرجل بحق السماء ؟
فأجابت وصوتها يقطر جليدا :أما أنا ، فكنت أتساءل مالذي يعجب النساء فيك .
ومالبثت أن اخرجت وعاء كبيرا من القشدة ، وناولته إياه قائلة :
هلا تكرمت وسلمت هذا للباقين ؟
لكنه لم يطعها ، بل نظر اليها من خلال أهداب كسولة ، وابتسم ، ثم أضاف :
ألا اتلقى شكرا لأني وفرت عليك عناء صفعة ؟
فتمتمت بفتور : شكرا .
وسرعان ماقهقة :
في يوم ما علي أن اكتشف أن كان الدم يسري في شرايينك .
وابتعد حاملا الوعاء ، فيما تسمرت كلير في مكانها وهي تحدق فيه ، وجسدها يرتعش ، وقد تذكرت الحلم الغريب ، اضافة الى الرعب والانفعال الذين تملكاها
انتهى الفصل الثالث

 
 

 

عرض البوم صور dede77   رد مع اقتباس
قديم 18-09-09, 04:34 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق
فريق كتابة الروايات الرومانسية

البيانات
التسجيل: Mar 2009
العضوية: 131874
المشاركات: 3,755
الجنس أنثى
معدل التقييم: dede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4768

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dede77 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dede77 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

4-ابتعد عن اختي!

فترة مابعد رأس السنة ، مر عمل كلير بفترة ركود ، فقلة من الناس يفكرون بتغيير بيوتهم في الشتاء . وكان هذا موضوع حديثها مع جوني برتشارد ، المحامي الذي تولى معظم مهمات هيلين في فترة نقاهتها الطويلة . بدا جوني متعاطفا ، ووافق :
انا اتلقى قسما كبيرا من دخلي من السماسرة أمثالك ! لكنني محظوظ بالحصول على وصايا أعتمد عليها ، إذ يميل عدد كبير من الناس الى الموت في الشتاء ، وكمنفذ لوصاياهم ، أتلقى أجرا لابأس به.
منتديات ليلاس
كان جوني رجلا لطيفا ، في أوائل الثلاثينات اشقر وضعيفا . وقد فشل زواجه بعد سنوات ، ولذا عاش مع والدته في شقة على الساحل . وتقول الاشاعات المحلية إن أمه تسببت بالطلاق ، لكنها لطالما كانت لطيفة مع كلير منذ عرفتها قبل أعوام انقضت . وتابع جوني :
قالت لي أمي أمس انه علينا أن ندعوك على العشاء قريبا . فمتى يمكنك المجيء ؟ هذا الاسبوع ؟
ترددت كلير لبرهة ، ثم ابتسمت له : حسنا ، مارأيك في يوم الاربعاء ؟
رحبت بها السيدة برتشارد ، وأعدت لها طعاما خاصا ، ثم أصرت على ان يعزف لهما جوني على البيانو بعد العشاء . استمتعت كلير بتلك السهرة ، ومالبثت أن دعت جوني بدورها الى منزلها بعد أسبوع . ولاحقا ، قالت لها لوسي بتشكيرة : انه هاديء ، جدا ! ماذا ترين فيه ؟ اظن أنه جدير بفتاة أخرى ، نظرا لأنه يتلقى مدخولا كبيرا . لكن ، صدقا كلير ، انه يخلو من الاثارة تماما !
لكن كلير لم تكلف نفسها عناء المجادلة ، فهي تحب جوني . ومع انه ليس الحب الذي يدفعها الى الارتباط به ، الا أن لوسي لا شأن لها بذلك .
وخلال الاسابيع الاولى من السنة الجديدة ، تساقط الثلج بشدة في البلدة . فتكدس على الارصفة ، واستحالت الأشجار نافورات من الكريستال ، فيما اتخذ البحر شكلا شاحبا ، غاضبا ، عاكسا السماء الباردة .
وفي صباح أحد أيا م الاسبوع الباردة ، تمتمت لوسي على مائدة الافطار :
أرجو أن يكون المكان الذي أستاجره دنزل بلاك دافئا .
وسرعان مالتفتت الى كلير بعينيها المشرقتين المتسائلتين :وأين يقع بالمناسبة . -لقد نسيت تماما ..... -كلير ! أنت لا تنسين أبدا الملكيات التي تهتمين بامرها . أتعرفين ؟ لا شك أنه يشعر بالوحدة في هذه البلدة الغريبة ، لاسيما بعد أن عاش في هوليوود.
ومالبثت أن تنهدت بحسد وأضافت: تصوري كل تلك الحفلات والنجوم المشهورين ! لا بد أن الامر رائع!
فكرت كلير كم ستكره العيش في هيوليوود ، فحياة البلدة تناسبها أكثر ثم أجابت بجفاء :
ربما لا . ولعله لم يأت الى هنا إلا املا في تلك الوحدة على كل حال ، لم يهمك أمر رجل أخر وأنت مخطوبة ؟
فردت بحدة ، وقد احمر خداها : الا يمكن ان يكون لي اصدقاء اخرون ، وان كنت مخطوبة ؟
-لكن ، ليس رجالا كدنزل بلاك يالوسي ! فالعبارة التي تصفه بحق هي : الرجاء التعامل معه بحذر.
قهقهت لوسي وقالت :كنت اعتقد أنك غير معجبة به لكن يبدو أنك تجدينه ساحرا جدا !
ولما عبست كلير، سارعت لوسي بالنهوض عن المائدة وهي تقول :
يا إلهي ، انظري الى الساعة ... يجدر بي أن أسرع ، أراك الليلة . قد أتاخر ، إذ لدي اجتماع موظفين بعد دوام المدرسة ، وذلك لمناقشة مهرجان الربيع الذي نخطط له .
راحت كلير تراقبها وهي ترحل ، والقلق يعلو وجهها ، فقد بات اهتمام لوسي بدنزل بلاك مزعجا. ولن يطول الامر حتى تبلغ الاشاعات مسامع مايك ، ان تورطت معه .فهذه بلدة صغيرة ، ولا مجال لأخفاء الأسرار .
وبعد فترة ، علمت ان البنائين باشروا العمل أخيراً في البحيرة السوداء . وكان هذا المنزل الأكثر شهرة ، لذا تحمس الجميع لفكرة أن يعود للحياة بعد أن بقي خاليا فترة طويلة . وبعد أسبوع ، وفيما كانت كلير تقفل الوكالة في المساء ، خففت سيارة من سرعتها الى جانبها ، وإذا بدنزل بلاك ينادي : سأوصلك الى البيت .
هزت كلير رأسها نفيا : كلا شكراً سأسير فالمنزل ليس بعيدا .
فأمرها وهو يفتح الباب الامامي : اصعدي!
واذا بها ترى على الرصيف الاخر اناسا تعرفهم يصغون الى حوارهما وان اكملت مسيرها ، فيما دنزل يتبعها بسيارته ، ويجادلها ، فستتضارب التكهنات وتتنوع . وأدركت بامتعاض انها لا تملك خيارا . فعلا التورد وجنتيها ، وصعدت الي السيارة ، قبل ان ينطلق بها دنزل . ومن غير أن تنظر اليه ، همست بعنف : إياك أن تفعل هذا مجددا .
فسألها بكل براءة : أفعل ماذا ؟ أتبرع بإيصالك الى منزلك ؟ ومالعيب في هذا ؟
التفت اليه بحدة وأجابت :كان عليك أن تنطلق ما ان رفضت ، بدل ان تزعجني أمام كل هؤلاء الناس!
- ولم تهتمين بآرائهم ؟
- انها بلدة صغيرة ، ولا احب ان اكون موضع حديث.
لوى فمه سخرية وقال : ستعتادين على هذا ان كنت مضطرة ، فعلى المرء ان يضع قناعا أو اثنين .
رمقته بنظرة جانبيه وسألته : وكم قناعا لبست ؟
فما كان منه الا أن ضحك وقال : توقفت عن العد منذ زمن طويل .
وفجأة أدركت أنهما لا يتوجهان الى منزلها ، فعدلت جلستها ، وشعرت بكل عضلة في جسدها تتصلب .
- الى أين تذهب ؟
- فكرت في أن نتناول العشاء في مكان ما في البلدة . وقد اكتشفت مطعما صغيرا هادئا ، يديره طباخ ممتاز فعلا . -لكن لدي موعداً ، فأرجوك ، خذني الى المنزل.
وراحت تكبت الرعب في صوتها ، وهي تحاول أن تبدوا باردة وبعيدة .
والتفت اليها : موعد ؟ مع رجل ؟
-نعم ، مع أن لا شأن لك بهذا . فهل عدت أدراجك إذا سمحت ، وأوصلتني الى المنزل ؟ لا أريد أن أتأخر .
تمهل في قيادته وقد أشاح بوجهه الذي بات قاسيا ،غامض الملامح :
كان لدي انطباع ان لا رجل في حياتك .
فأجابت بارتياح فظ لم تستطع أن تشرحه حتى لنفسها : إذا ... كنت مخطئا .
- وما اسمه ؟
ولما لم تجيب ، ادار رأسه مجددا نحوها ، ونظر اليها بحدة وعيناه تلمعان : سألتك عن اسمه .
- لاشأن لك بحياتي الخاصة.
- ليس الشاب الذي كان يضايقك في حفلة ليلة الميلاد ؟
فردت بإجفال : هال ؟ كلا ، طبعا ! هال لا يعيش هنا بل عاد الى البلدة لقضاء الميلاد وحسب .
عندها ، تمتم بهدوء :
جيد ، وكما تعلمين ، لقد تفاجأت بما سمعته مصادفة . لم أظنك من النوع الذي يتورط مع رجل متزوج .
فردت بحدة وقد تورد خداها : لم يكن متزوجا حين عرفته .
علق بهدوء : فهمت . أتزوج بعد أن قطع علاقتك به ؟ أم من منكما قطع العلاقة ؟ أنت أو هو ؟
واثار فضوله انزعاجها ، وهي التي لم تكن تريده أن يهتم بحياتها ، فما بالك بحياتها العاطفية ؟
أرجوك ، هلا توقفت عن طرح هذه الاسئلة وأوصلتني الى المنزل ؟
هز كتفيه بلا مبالاة ، وانعطف بالسيارة ، وتوجه الى منزلها مباشرة من غير عجلة . ولما توقف امام البيت ، فكت كلير حزام الامان ، لكن يده قبضت عليها في هذه اللحظة وأمسكتها من رسغها.
- ماذا عن الرجل الذي تواعدينه الان ؟ منذ متى تعرفينه ؟ هل العلاقة جدية ؟
وردت على نظراته المتسائلة ببرود : كيف تظن انك تملك الحق في سؤالي ؟ وماذا لو كنت جدية ؟ مادخلك بهذا ؟
فأصر : أهي جدية ؟
وكذبت : نعم .
وإذا بها ترى عينيه تومضان ، فيما حاجباه يرتفعان فوقهما :
لم لا تخبريني عن اسمه ؟ أهو متزوج أيضا ؟
فأجابت بحدة : كلا ، واسمه جوني . والان هلا تركتني ؟
ظنت لبرهة أنه لن يفعل ، فاحست بأعصابها تتشنج تحت بشرتها منذرة بالخطر .وقادت أعينهما معركة صامتة ، سلاحها النار التي اشتعلت بينهما .
وفاق التوتر كل احتمال ، وأحست بأنها على وشك الصراخ ، لكنه أطلقها أخيرا ، فسارعت بالترجل من السيارة ، ومضت من غير ان تلتفت وراءها .
وكان من المهم بالنسبة لها ألا تلتفت وراءها ، لئلا يعتقد أنه ترك فيها أثراً ما . ولم تكن تكذب عليه ، فهي مرتبطة بموعد مع جوني برتشارد ، وسيصطحبها الى مطعم يوناني جديد فتح أبوابة في البلدة هذا الشتاء . وفيما هي تستعد ، أطلقت كلير تنهيدة ، فجوني رجل لطيف . لكنها لا تستطيع التفكير فيه كما تفكر في دنزل بلاك ، رغم ان هذا الاخير لا يمت الى اللطف بصلة ؟
في الواقع ، لم تشأ أن تعيره أي اهتمام . وحاولت أن تتقيد بذلك أثناء النهار، لكنه غالبا مايتسلل الى أحلامها بازعاج . وظل ذلك الحلم الغريب الذي نسجت حبائلة ليلة الميلاد يراودها مرارا وتكرارا خلال هذا الشتاء الطويل والبارد ، رغم أنها لم تفهم معناه حقيقة . وبدأت تخشى من الخلود الى النوم .
ولم تلتق دنزل بلاك لأسابيع ، لكنها أحيانا تلاحظ حركة ناشطة وهي تمر بالبحيرة السوداء من سقالات حول السقف الى عربات مركونة في الفناء ، وكومة من مواد البناء موزعة خارج المنزل ، اضافة الى رجال ، في أيديهم أكواب من الشاي ، يتأملون الطقس الذي أضحى معتدلا هذا الاسبوع ، بعدما ذاب الثلج ليترك المنطقة مغمورة بالمياه .
وخلال هذه الاسابيع ، كانت نادرا ماتجد لوسي في المنزل . فقد حتم عليها المهرجان العديد من التمارين بعد المدرسة والقليل من وقت الفراغ . لكن كلير فكرت بارتياح ، انها ،على الاقل ، ستنسى دنزل بلاك . فهي لا تأتي على ذكره أبدا الان . وعدا عن ذلك ، لم تكن تتكلم عن أي شيء آخر ، إذ كفت عن قراءة رسائل مايك أثناء الفطور ، أو التحدث عن مشاريعها للزواج ، المقرر قرابة عيد الفصح . وحين اقترحت كلير أن تتخذا تدابير جدية ، انفعلت لوسي ورفضت مناقشة الامر . حتى أن والدها لاحظ هدوء لوسي الشديد وانطوائها على نفسها ، وتمتم وهو يعبس بقلق :
إنها شاحبة أيضا . هل تظنين أنها تعمل بجد ؟ انها تمضي ساعات اضافية كثيرة كدا من أجل هذا المهرجان .
فوافقت كلير : لعل هذا هو مافي الامر . سأتكلم معها .
وفي صباح اليوم التالي ، وفيما هما على مائدة الفطور ، رفع روبن نظرة عن المجلة التي يقرأها ، وهتف بحماس :
اسمعوا ! يقال هنا ان دنزل سيصور فيلما في انكلترا لاحقا في هذه السنة ، مما يفسر سكنه هنا!
فسأل أبوه : أيتحدثون عن موضوع الفيلم .
رد روبن : انها رواية لفرد من عائلة برونتي ، لم أسمع بها من قبل ، وتدعى أجير القصر المميت .
هل تعرفينها يالوسي؟
- نعم ، لقد كتبتها آن وهي الاخت الثالثة ومازالت على قيد الحياة . وتدور أحداث الرواية حول امرأة متزوجة تهرب من زوجها الثمل.
ولم تكلف لوسي نفسها عناء اشاحة نظرها عن الرسالة التي تقرأها . فارتاحت كلير وهي ترى أنها فقدت كل اهتمامها في دنزل بلاك ، وأنها استعادت القليل من اللون هذا الصباح ، فيما اكتسب خداها هذا الاحمرار الصحي . ومن يدري لعله ما من داعي للقلق عليها .
وبعد عشر دقائق ، وفيما كانوا يستعدون للرحيل ، ذكرتها لوسي :
سآخذ سيارتي الى الكاراج . فهل يمكنكك أن تتبعيني الى هناك ، ثم تصحبيني الى المدرسة ؟
-حسنا، ولكني سأوصل روبن وجايمي أولا ثم اراك في الكاراج .
وستنتهز الفرصة التي انتظرتها كي تتكلم مع لوسي . وزاد ذلك التصميم فيها حين وصلت الى الكاراج ، ورأت ان الاحمرار على وجه لوسي قد اختفى ليترك مكانه للشحوب مجددا.
لكن ما ان فتحت كلير فمها حتى تكهنت بالموضوع ، وهتفت :
انا بخير تماما ، وليس بي من سوء. فكفي عن انتقادي .
فتفاجأت كلير برد فعلها ، ثم قالت وهي تخفف عنها :
أنا لا انتقدك يا لوسي . ولكنني وأبي قلقان عليك . فأنت تجهدين نفسك بالعمل ، وقد ظهرت عليك عوارض المرض . تذكري ان زواجك ليس ببعيد .
التفتت لوسي اليها وهي تكاد تصرخ ، فيما احتد وجهها وارتسمت العدائية في عينيها المتألقتين .
- أنا بخير ، بخير تماما . فدعيني وشأني!
كانت كلير من الصدمة بحيث قادت بصمت حتى بلغت المدرسة الابتدائية حيث تعلم لوسي . ومالبثت أن توقفت ، فخرجت لوسي من السيارة وصفقت الباب ومضت من غير سلام أو شكر .
ما بالها بحق السماء ؟ و أوشكت كلير على الانطلاق حين تقدمت المديرة وحيتها بحرارة .
-كيف حالك ياكلير . تبدين شاحبة قليلا ، كحال لوسي مؤخرا . لكنها تعمل بجد استعدادا للمهرجان . اليس من المثير ان تتمكن من الحصول على مساعدة دنزل بلاك ؟ فكرم منه أن يوفر لنا وقته ، لا سيما انه رجل مشهور !
وأحست كلير بنفسها تتخدر من الصدمة ، لكنها تصنعت اجابة مهذبة ، قبل ان تبتعد بالسيارة بتمهل . إذا ، هذا هو السبب . لا عجب أن لوسي باتت شاحبة ومتوترة الاعصاب ، فهذا مصيرنسائه . وتعرفت كليرعلى عوارض مرض هيلين نفسها ، اضافة الى النجمة التي مثلت في فيلمه الاخير . كما فكرت في وجه هيلين يوم أغمي عليها في الشارع ، من الشحوب وخطوط التعب الى سواد العينين والظلال حولهما. وهذا الصباح ، حين تكلم روبن عن الاشاعة التي تدور حول فيلم دنزل الجديد، كيف لم تشك في تصرفات لوسي الفظة ، ولا مبالاتها الظاهرة بعد أن كانت اسيرة سحر كل مايتعلق به ؟ وتذكرت كلير ان لوسي توردت فعلا ، رغم أنها لم ترفع رأسها . فقد لاحظت اللون على خديها ، ولكن بلغ بها الغباء حدا ظنت معه أنها أفضل حالا . وعليها أن تلعن نفسها لأنها لم ترى الحقيقة . وبدات تجمع تدريجيا قطع الاحجية الصغيرة ، فأختها تقابل دنزل بلاك سرا في الامسيات التي تتظاهر فيها بالعمل بالمدرسة حتى ساعة متأخرة . وهي لا تشك في ان لوسي كانت تعمل لساعة أو ما يزيد ، لكنها كانت لا تلبث ان تتسلل مع دنزل بلاك .
وعضت كلير على شفتها السفلى ، وفكرت والشرر يتطاير من عينيها : اللعنة عليه!
لم لا يتركها وشأنها ؟ فهي مازالت صغيرة ، ولا تتمتع بخبرة حقيقية في الحياة خارج هذا المكان المنعزل المسالم .
ولم تكن كلير مشغولة هذا الصباح ، فامضت جزءا كبيرا من وقتها وهي تحدق في الفراغ ، مكتئبة . ماذا عليها ان تفعل ؟ لا يمكن أن تدع لوسي تحطم حياتها . فقد تفسخ خطوبتها ، وتتخلى عن عملها ، ولكن ماذا تفعل حين يمل منها دنزل بلاك ، كما توقعت كلير أن يفعل ، ماذا قد يحدث للوسي حين تنتهي العلاقة ، فتواجه الواقع مجددا ، ومعه كل تلك العواقب الوخيمة لعملها ؟ وفكرت كلير بمرارة :
لن يفعل ذلك بأختي ! لن اكتفي بمراقبتها وهي تدمر حياتها . علي أن أوقفها عند حدها ، لكن كيف ؟
وعند الواحدة ، خرجت لتناول طعام الغداء. وفي طريقها الى مطعمها المفضل ، رأت دنزل يسرع الخطى على الرصيف الثاني ، ومعطفه الاسود الطويل تتلاعب به الريح ، فأحست بقلبها يكاد يتوقف عن الخفقان . سبق ان لمحته بضع مرات خلال الاسابيع الماضية من بعيد . وفي كل مرة ينتابها هذا الاحساس المقلق الذي يقارب الرعب ، لكن احساسا آخر تغلغل فيها بقوة ، رغم أنها رفضت أن تواجهه ، أو حتى أن تقر بوجوده .
وخفف دنزل من سرعته ثم التفت ليعبر الشارع ، فما كان من كلير إلا أن تسللت الى المتجر الأقرب لتختبيء فيه .
فسألتها المرأة خلف المنضدة : هل لي بمساعدتك ؟
نظرت اليها كلير بارتباك وهي لاتعرف نوع البضاعة التي يبيعها المحل ، واضطرت الى اجالة النظر حولها ، قبل ان تجيب : آه ، أود ثلاث حبات من البرتقال اذا سمحت .
ومالبثت ان تركت المتجر بحذر، وهي تختلس النظر من جانب الى آخر . لكنها لم تقع على أي اثر لدنزل بلاك . وبدلا منه ، وقعت على هيلين ، وهي تبدو سمراء مشرقة .
حيتها هيلين بابتسامة : مرحباً كلير ، كيف حالك ؟
فأجابتها بصوت أجش ، وهي مازالت تحاذر من ظهور دنزل . ثم لاحظت مظهر هيلين وعلقت : تبدين رائعة. أعدت لتوك من مايوركا ؟
- نعم منذ يومين . لقد عدت وبول لنعيد افتتاح الفندق في موسم الربيع.
وعلا احمرار طفيف وجهها الاسمر، ثم قالت على عجل وبقدر من الخجل : سنتزوج مجددا ياكلير .

 
 

 

عرض البوم صور dede77   رد مع اقتباس
قديم 19-09-09, 04:03 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق
فريق كتابة الروايات الرومانسية

البيانات
التسجيل: Mar 2009
العضوية: 131874
المشاركات: 3,755
الجنس أنثى
معدل التقييم: dede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4768

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dede77 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dede77 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

ولم تكن تلك مفاجأة بالنسبة الى كلير، فاهتمام بول بهيلين ، واصراره على ان تسافر معه الى مايوركا اوضحا للجميع أنه مازال يحبها .
-هذا رائع هيلين ؟ لاعجب أنك تبدين بهذه السعادة ، بالمقارنة مع حالك قبل الميلاد ومرضك حينها . اما الان ، فأنت امرأة مختلفة!
-مرضي هو ما جمعنا مجددا . أتعرفين ؟ ان لم تتصلي به حينها ، لما عدنا الى بعضنا مجددا .
فاحتجت كلير : بل أنا متأكدة من أنكما كنتما ستجتمعان عاجلا أم آجلا .
- لست ادري. فكلانا عنيد ، ومتكبر جدا . وانا ادين لك ياكلير ! ستأتين الى زفافنا ، اليس كذلك ؟ سيكون حفلا صغيرا ، خلال شهر تقريبا . وهو عرس بسيط بلا هرج ومرج ، يضم العائلة وبعض الاصدقاء، وسيقام في الفندق.
- أود ذلك ، واشكرك على دعوتي.
وبعد ان اخذت كلير نفسا ، اختلست كلير نظرة سريعة على طول هاي ستريت ، لتتأكد من أن دنزل بلاك غير قريب . ثم سألت بلا مبالاة : بالمناسبة ، اما زال دنزل بلاك زبونك ؟
فتبدل وجه هيلين ، وارتسمت عليه تقطيبة ، قبل ان تجيب : كلا جوني برتشارد يتولى اعماله ، ألا تذكرين ؟ لماذا؟
- لقد استأجر منا كوخا ، بانتظار انتهاء الاعمال في البحيرة السوداء وكنت أتساءل اذا عدت الى تمثيلة بعدما تحسنت حالك الان ؟
فاجابت هيلين بجفاء : كلا .
وقررت كلير ان تجازف وتكون صادقة معها : هيلين ، انا قلقة على لوسي ... لقد اكتشفت لتوي انها تقابله ، سراً!
فنظرت اليها هيلين بحدة واتسعت عيناها خوفا : لوسي ؟ و لكن ، أليست مخطوبة ؟
- نعم الى شاب لطيف جدا ، يسكن في افريقيا في الوقت الحالي . وهي لم تره منذ تسعة اشهر، لذا فهي تشعر بالملل والوحدة .ومنذ ان تعرفت الى دنزل بلاك .وهي اسيرة سحره. "
فعضت هيلين على شفتيها : اذا ، انت محقة في قلقك عليها . فهو يثير المشاكل للنساء .
ولما ازداد احمرارها ، نظرت الى كلير بتكشيرة ، واضافت :
علي ان اعترف أنني فقدت عقلي بسببه . فقد كان الحزن على بول يتملكني عندما التقيته . ولم أظن ان شعوري قد يزداد سواءا ، لكنني كنت مخطئة . وبدأت أواعد دنزل ، حتى تعلقت به لدرجة الهوس . وكان محط تفكيري كله ، فإن لم أره ، ابيت حزينة وان رايته ، يسيطر علي الانفعال .
بدت كلير شاحبة ومنزعحة ، وتمتمت :تلك هي حال لوسي مؤخرا . كنت أظنها ترهق نفسها في العمل ، اذ توقفت عن الكلام ، الا عندما تثور غضبا لتفاهات . وهي بالكاد تأكل ، وتعاني دوارا معظم الوقت ، كما انها تبدو كالاشباح.
فعبست هيلين : ياللمسكينة لوسي .انا آسفة لاجلها . وانا اعرف شعورها ، لانني عشته . يالهي كم اشعر بالغباء ما ان تغلبت على احساسي هذا ! وانا لا افهم كيف اوصلت نفسي الى تلك الحالة من اجل هذا الرجل.
فأجابت كلير : اظنك كنت ، كما قلت من قبل ، سريعة التأثر، بسبب بول .
وأومأت هيلين : نعم . لقد التقيت بدنزل ، وكان لطيفا ومتفهما .
ولما لاحظت السخرية على ملامح كلير ، توقفت عن الكلام ، ثم عادت وأضافت:
لا ، كان على هذه الصورة حقا ! بدا مساندا ومتعاطفا جدا . أما أنا فكنت ابحث عن شيء ، اي شيء ليمنعني من التفكير في بول . لذا تعلقت بدنزل بلاك . أظنهم يسمون الحالة تحويل فأنت تحولين شعورك من رجل الى اخر حاول ان يساعدك على تخطي الاول .
ثم ضحكت بحدة ، وتابعت : لكن ذلك لايساعد ايضا . وبطريقة ما يزيد الطين بلة ، فقد توقفت عن الاكل والنوم ، ولم استطيع التفكير الا فيه . ولا عجب انني اصبت بانهيار عصبي في النهاية . ولكن ، ما ان عدت الى بول ، حتى ادركت أن علاقتي بدنزل كلها هراء ليس الا . فلم أكن مرة مغرمة به ، وهو بكل بساطة ، كان يتسلى معي .
وانعصر صوتها ووجهها وهي تردف : انه رجل معقد تماما ، يتلاعب بالناس ولا سيما النساء.
راحت كلير تنصت بانتباه ، وهي تراقبها بمزيج من الشفقة والرعب وفروغ الصبر .وأضافت هيلين باختصار :
لوسي صغيرة في السن ولن تجيد التعامل معه ، ياكلير . قد ينزف جرحها بشدة ، ان أخذت ألاعيبه على محمل الجد .
فردت كلير ببطء : اعرف. وهذا مايخيفني . فأنا لا اعرف كيف أوقفها . وهو لن ينصت الي , كما لن تفعل لوسي .
- الا تستطيعين اقناع مايك بالمجيء قبل الوقت المحدد وتقديم موعد الزواج ؟
لمعت عينا كلير وأجابت :هذه فكرة ! وانا متأكدة من أن لوسي ما زالت تحبه .
فمنحتها هيلين ابتسامة :حسنا ، امل ان ينجح ذلك ، فانا أحب لوسي . والان ، آسفة علي الاسراع ، مازال أمامي الكثير من العمل اليوم سأرسل إليك دعوة للزفاف ، ما ان تجهز البطاقات . اراك قريبا ياكلير .
وفي ذلك المساء ، وفيما كان الجميع على مائدة العشاء ، سألت كلير لوسي بلهجة عادية :
متى سيعود مايك بالتحديد ؟ ألا يجدر بنا الاعداد للزفاف قريبا ؟
بدا وجه لوسي كبياض الثلج ، ثم تمتمت من غير أن ترفع رأسها : مايك لن يعود .
رفع الجميع رؤوسهم ، وراحوا ينظرون اليها بحدة .اما كلير فسألت وقد بدت متفاجئة وغير مصدقة :لن يعود ؟
-لقد عرض عليه عقد عمل لثلاث سنوات ، ويريد أن يقبله . ولا ينوي ان يعود مجددا حتى تنتهي مدة العقد.
بدا صوت لوسي مرتجفا ، عاليا وحادا ، اما شفتاها الشاحبتان فارتعشتا وهي تتكلم .
- ولكن ماذا سيحدث بشان الزواج . هل سيؤجله ، أم ... ؟
- لقد طلب مني ان اطير الى افريقيا ، كي نتزوج هناك.
وانفعلت لوسي بغضب وهي تتابع : لن يحضر الزفاف أي من اصدقائي . وحتى لو تمكنتم من دفع مصاريف الذهاب والاياب ، لن يكون زفافا حقيقيا ! وانا التي لطالما خططت لزواجي في كنيستنا ، مع اشبينتي وباقة أزهار فيما الة الارغن تعزف و ..
وفجأة ، ابعدت كرسيها ، ونهضت والغصة في حلقها ، ثم اكملت :
في الواقع ، لن ارضى باحتفال سريع في مكان غريب ، من دون وجود احد تقريبا . لذا ، يمكنه أن ينسى الامر!
ولما هرولت خارج الغرفة ، اطلق روبن صفيراعاليا ، ووجهه كئيب :
الى متى ستبقى شعاع الشمس الذي ينير المنزل ؟ لم لا يستطيع مايك أن يعود ويتزوجها بكل بساطة ، ثم يخبرها عن أفريقيا ؟
وتبادلت كلير ووالدها النظرات .
- الان عرفنا لم تتصرف بغرابة مؤخرا ياكلير!
- ألديك عنوان مايك في أفريقيا يا ابي ؟ لا بد ان لديهم هاتفا في تلك الكلية . لعلنا نقنعه بالعودة للزواج.
- قد نستطيع ذلك فعلا . ولكن ، حتى لو فعلنا ، اتساءل ان كانت لوسي تود العيش في افريقيا بعد ذلك .
وما ان سمعت صوت ابيها الرقيق حتى عبست وقالت :
أفهم شعورها بالخداع لأنها لن تحصل على هذا الذي لطالما حلمت به يا أبي ؟ فلطالما كانت لوسي فتاة رومانسية . ولا أظنها عنت أنها لاتريد العيش في أفريقيا ، بل تريد زفاف أحلامها أولا .
تمتم جورج سامر بجفاء : أتساءل عن ذلك . أظن أن لوسي تبدي ردة فعل ازاء اي تغيير من أي نوع . فهي لم تعش يوماً في مكان غير هذا ، ولا تريد ذلك أيضا . اخشى أنها مازالت تتصرف كالاطفال . والا ، لقبلت قراره من دون ان تنتابها نوبة الغضب هذه ، هذا اذا كانت تحبه ، وتحترم خياراته .
ثم هز رأسه وتنهد قبل ان يردف :
كلا يا كلير ، لا اعتقد أنه يجب ان نتدخل . فهذا الامر يعنيهما . ومن الواضح أن مايك وجد المكان الذي يحبه ، ويريد العيش فيه ، كما وجد عملا يرغب في ممارسته ، وعلى لوسي ان تواجه هذا الواقع . اما ان ارادت التحدث الى احد ، فتحدثي اليها ودعيها تفهم أن الحياة لا تعني ان ينفذ الناس مشيئتها ، ويسلموا لها دائما . والزواج خاصة ، ينص على التسوية ، فيتوافق الشخصان على الامور بالتساوي 0وبصراحة ، اظن أن لوسي قد نضجت بما يكفي لتفهم هذا .
فأجابت كلير بقدر من السخرية :ربما الخطأ خطؤنا ، لعلنا أفرطنا في تدليلها .
وعلق روبن وهو يضحك :
لا شك في هذا . فلوسي فتاة لطيفة ، لكنها اعتادت على العيش وفق طريقتها الخاصة ، ولامجال لانكار ذلك . ولطالما تساءلت كيف عساها تعتاد على الحياة الزوجية . فكما تعلمان ، مايك ليس برجل يسهل التغلب عليه ، وهو لن يسمح لها ان تسيطر عليه كما تفعل معك ومع ابي.
ضحكت كلير امامه ، لكنها ، في سرها ، ادركت ان كلامه وكلام والدها ينطوي على قدر من الحقيقة . ومع أن لوسي فتاة مدللة ، الا أن ذلك لم يمنع كلير من القلق من علاقتها من دنزل بلاك . في الواقع ، اشتد قلقها الان . فمن الواضح أن لوسي باتت أكثر حساسية في الوقت الحالي . ولا بد أن دنزل بلاك تمكن من الاقتراب منها بهذه الطريقة أما السؤال ، فالى أي مدى لوسي متورطة معه ؟ أهو يساعدها في أزمة فحسب ، ام أن في المسألة أكثر من هذا ؟
لاحقا ، كانت تنظف مائدة الطعام ، حين تناهت اليها خطوات لوسي في الرواق ، وهي تتجه نحو الباب ، فسارعت لتعترضها . لكن لوسي نظرت اليها بتحد ، وعيناها حمراوان عند حافتهما ، بشكل يثير الشك .
-انا خارجة!
- في هذه الساعة ؟ انها تقارب التاسعة !
- لست بطفلة ! فكفي عن معاملتي هكذا!
شعرت كلير برغبه في صفعها ، لكنها نجحت في التحكم بأعصابها بعد جهد .
وأضافت لوسي بسرعه وكأنها قرأت تعابيرها : سألتقي أحدهم من أجل مهرجان المدرسة .
فسألتها كلير بحدة : أهو دنزل بلاك ؟
وسرعان مالمعت عينا لوسي بخوف ، وسألتها : ماذا ؟
في الواقع ، ارادت لوسي ان تستغل عامل الوقت لمصلحتها ، وان تتبين كم من المعلومات التي تعرفها كلير، والكم الذي معرفته ، لترى كيف يمكنها أن ترضيها . وأعلنت كلير بنبرة هادئة :
اعرف انك تقابلينه ، وانه يساعدك في المهرجان . فقد اخبرتني مديرتك كل شيء ... لم لم تذكري لي الامر ؟ لم تخبريني مرة أنك ترينه مجددا .
فلوت لوسي فمها ، وردت :عرفت كيف ستكون ردة فعلك . لقد أوضحت لي أنك لا تريدين مني مقابلته مجددا ، ولم اكن ارغب في مجادلتك في الموضوع .
عندئذ ، انبتها كلير : لم اظن انك ستكونين بهذه السرية ، منذ متى وانت تقابلينه ؟
فأجابت بعبوس :
لقد صادفته في البلدة في نهاية احد الاسابيع ، واخبرته عن المهرجان ، وحين قلت له انني احتاج الى بعض النصائح عن المسرح ، ابدى لطفا غامرا ، وعرض مساعدته .
هتفت كلير بجفاء : بل صادف أنك طلبت منه المساعده.
عندها نظرت اليها لوسي بغضب :
حسنا ، ربما كنت واضحة . لكن لم استطيع تفويت هذه الفرصة . لقد تحمس جميع من في المدرسة ، وأظن أن دنزل يستمتع بوقته أيضا . فهو مهتم فعلا ، وقد اقترح العديد من الافكار الجيدة . كما يتعامل مع العمل باحتراف ، وليس كمجرد مجهود مدرسي يقوم به بضعة هواة ...
قاطعتها كلير وهي تقطب جبينها : أشك في أن شخص مثله سيهتم بما يظنه عمل هواة . فهو محترف مهم ، ولم يكن يحق لك ان تطلبي منه ذلك ...
فردت لوسي بحدة : كان باستطاعته ، ان يتذرع بعمله ، لكنه لم يفعل . واظن انه يستمتع بوقته . واعرف أن الاطفال يعشقونه .
ثم حدقت في كلير وأكملت : وانا كذلك ! اليس هذا ماتودين معرفته ؟ أنت تشكين في أنني مغرمة به ، هذا واضح تماما . ماذا يجري ؟ هذا هو السؤال الذي تتحرقين الى طرحه ، فأنا أعرفك جيدا . انه لايحاول إغوائي ، بل هو في غاية اللطف والود ، ويراعي مشاعري .
فأجابت كلير وقد استحالت عيناها داكنتين غضبا : يمكنني تصور ذلك .
-بل لايمكنك ! فأنت تفتقرين الى أي مخيلة . ولا تملكين الا سوء التفكير . في الواقع ، كنت بحاجة الى انسان أحادثه ، فأخبرته مشاكلي ، وأنصت الي . وكان هذا كل ما احتاجه.. انسان يستمع الى شكواي ، ويهتم بي ، وياخذني على محمل الجد .
فهتفت كلير بغضب : ما كان ينبغي أن تتحدثي إليه ، بل الى مايك!
-مانفع التحدث الى مايك وقد اتخذ قراراً بشأن حياته ، ولم يكلف نفسه عناء سؤالي عن الحياة التي أريد ؟ اتضح لي أن ما من صفة مشتركة بيننا بعد الان .
أصيبت كلير بالرعب ، وما كان منها الا أن رمقتها بنظرة غريبة ، فالوضع أشد سوءا مما كانت تظن .
- لوسي ، أنت تحبين مايك ، فأنت مخطوبة اليه منذ اشهر . على الاقل ، تكلمي معه في الموضوع . لايمكنك الاكتفاء بالرحيل .ألا يستحق منك هذا ؟ كيف له ان يدرك شعورك إن لم تخبريه به ؟
- استطاع دنزل أن يتفهمني ، فلم لا يتمكن مايك من ذلك ؟
-لا يسدي اليك دنزل أي معروف ، بتشجيعك على التحدث اليه عوضا عن الرجل الذي يفترض أنك ستتزوجينه . لوسي ، انه يسبب لك المشاكل ، فتوقفي عن مقابلته بكثرة . ستصبحين مثل هيلين قبل ان تنهار بسبب فقر الدم.
ضحكت لوسي بغضب وقالت : ولكنني مصابة بفقر الدم ! ولا تدخلي هيلين في الموضوع ! فدنزل لم يتسبب بمرضها ، بل لطالما كانت هي عصبية .
-هذا ليس صحيحا . كانت هيلين دائما مليئة بالسعادة والحيوية حتى التقت بدنزل بلاك .
فترددت لوسي قبل ان تقول بنزق : علي اي حال ، ما علاقة كل هذا بي ؟ لقد عادت الى بول الان ، وبدت لي بحال جيدة في المرة الاخيرة التي رأيتها فيها .
تنهدت كلير ، وهي عاجزة عن إنكار أن هيلين تغلبت الان على دنزل . لكنها لم تشأ الاستسلام .
-لوسي ، لم لا تتصلين بمايك ، وتتحدثين اليه صراحة ؟ سأدفع ثمن المكالمة . فاتصلي به الان ، هذه الليلة.
بدت بشرة لوسي شاحبة للغاية ، وارتعشت شفتاها وهي تقول :
لا ، لا أريد التحدث اليه . لقد انتهي مابيننا .وسأرسل له خاتمة . اسمعي ، علي الذهاب . قلت لدنزل إنني سأصل عند التاسعة ، وقد تأخرت .
سألتها كلير وقد عيل صبرها : لم ألح عليك لرؤيتك الليلة بشأن المهرجان ؟
فنظرت اليها لوسي بعيني لامعتين جامحتين ، واجابت :حسنا لا يتعلق لقاؤنا بالمهرجان . بل أريد رؤيته وحسب واذا بيد جليدية تعصر قلب كلير ، فرجتها وهي تحاول أن تمسكها :
لوسي ، لاتذهبي . انه خطر عليك ، الا تفهمين ذلك ؟ أنظري الى نفسك بحق السماء ، تبدين رهيبة!
فدفعتها لوسي عنها بقوة : ليس هذا رأي دنزل ! انه يقول إن وجهي ملائم للتصوير . واسمعي هذا ! يريد أن يخضعني لتجربة فيلم ، وسيضمني الى فريق فيلمه الجديد
انتهى الفصل الرابع

 
 

 

عرض البوم صور dede77   رد مع اقتباس
قديم 20-09-09, 10:04 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق
فريق كتابة الروايات الرومانسية

البيانات
التسجيل: Mar 2009
العضوية: 131874
المشاركات: 3,755
الجنس أنثى
معدل التقييم: dede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4768

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dede77 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dede77 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

5 - قانون كلير

في تلك الليلة تقلبت كلير في فراشها . فكيف يمكنها النوم ، وأختها توشك ان تدمر حياتها بنفسها ؟
وحين اخبرتها لوسي عن تجربة الفيلم ، ودورها في فيلم دنزل بلاك الجديد ، ارتكبت كلير خطا الصراخ بغضب:
أنت لا تعتقدين أنه جاد في قول ؟
- يقول لي العديد من الناس انه يجدر بي التمثيل ؟
ثم اشاحت عنها بغضب مماثل ، وأخذت تتأمل انعكاسها في المرآة الجدارية بتمعن طويل . فما كان من كلير الا ان ضحكت من غرور أختها السخيف ثم عمدت الى مضايقتها :
أنت تقصدين العديد من الرجال الذين يرغبون في مواعدتك أليس كذلك ؟
وبالطبع ، تلقت نظرة غاضبة من لوسي التي دمدمت بحدة:
لكن دنزل يعني مايقول .وهو لا يتبجج ! سأخضع لتجربة الفيلم يوم السبت ، فتقبلي هذا الواقع!
سكتت كلير، وقد علت الصدمة وجهها ، مما دفع لوسي الى رسم ابتسامة ظافرة صغيرة على محياها، وقد اسعدتها ردة فعل أختها . واخيرا ، أضافت بعنف :
ولا تظني أن بإمكانك ردعي . فهذه حياتي ، وليست حياتك . لم أعد طفلة بعد الان ، لذا توقفي عن التدخل .
لكن كيف باستطاعة كلير أن تفعل هذا ؟ فمنذ وفاة والدتهما ، وكلير مسؤولة عن لوسي والصبيين . اما جورج سامر ، فكان والدا عطوفا ، لكنه تقليدي في تفكيره ، وقد نسى مؤمنا أنه من واجب المرِأة أن تربي الاولاد وتدبر شؤون المنزل . لذا ، عندما ماتت زوجته ، ترك هذا الدور لابنته الكبرى من غير ان يعيد التفكير في ذلك . وهي نفسها لم تحاول أن تتملص مما اعتبرته واجبها . وكان بقية الاولاد في ذلك الوقت بحاجة الى حنان الام ورقابتها ورعايتها . ولم تكن المهمة سهلة على كلير ، الا انها بذلت مابوسعها . ولو كانت حرة لتتصرف على هواها ، فتخرج كل ليلة ، وتعيش لنفسها وتستمتع بوقتها ، لاصبحت حياتها مختلفة تماما . ومع مرور السنوات . بدأت العلاقات التي تبنيها تذبل ثم تموت ، لاسيما مع افتقارها لوقت الفراغ . فقد توقع منها الرجال أن توفر ولو قليلاً من الوقت لهم . ولم يشاؤوا ان يصطفوا من أجل الحصول على قدر من اهتمامها ، ولا يرغبون في منافسة صبي يعاني من الحصبة ، او والد مصاب بالانفلونزا ويحتاج الى رعاية دائمة .وهكذا ، استسلم اشد الرجال صبرا ، ورحلوا عن حياتها .
أما من ناحيتها ، فلم تكن جدية بشأن اي منهم ، باستثناء هال طبعا . وحين تستعيد ذكرى هذه العلاقة ، تدرك أنها لم تعره كل اهتمامها يوما . لذا ربما لم يكن مخطئا كليا في ما أقدم عليه ، فهي كانت من الانغماس في رعاية عائلتها بحيث لم تشأ أن تقع في الحب . وربما باتت هذه عادة ، ولعل لوسي محقة ، فهي فعلا تحاول إدارة حياتها عنها . ولكن حين تراها متوجهة نحو الخطر مباشرة ، كيف يسعها أن تكتفي بالتفرج ، وتدعها تمضي نحو مصيرها ؟
وبعدما امضت ليلة قلقة ، نهضت من فراشها ، شاحبة الوجة ، ولا شهية لها للافطار . وحين القت نظرة على نفسها في المرآة ، تعرفت بحزن الى عوارض ضحايا دنزل بلاك ، وقد بدأت تبدو على محياها. وسرعان ماسرت فيها قشعريره . فما الذي دفعها الى هذا التفكير بحق السماء ؟ لن يحدث لها هذا أبدا ! لاسيما انها تعرفه تماما ، فرجل كدنزل بلاك لا يقوم بألاعيبه في وضح النهار ، بل يتخذ ضياء القمر والموسيقى الرومانسية حليفين له ، ويستهدف دائما نساء كهيلين ولوسي ، أي نساء حزينات ، وحيدات ، يتقن الى القليل من الرومانسية . لكنه ، لن ينجح في مبتغاه ، على الاقل ، ليس مع لوسي . وقررت كلير بعزم ان تنقذ اختها ، حتى ولو لم تشأ لوسي ذلك . قد تكون المرة الاخيرة ، ولكن كلير لن تتنحى جانبا ، وتشاهد أختها وهي تدمر حياتها ، لاسيما حين يكون باستطاعتها أن تضع حدا لما يجري .
وباشرت أولى خطواتها في الصباح حيث اتصلت بمايك في دار المعلمين وبدت في صوته نبرة كئيبة:
اتتصلين بي لتخبريني أن لوسي التقت بشخص اخر ؟
فتفاجأت كلير: ما الذي يجعلك تعتقد ..
ولكنه قاطعها : لست غبيا واستطيع أن اقرأ مابين سطور رسائلها. فقد تغيرت في الاشهر القليلة الماضية .
-مايك انها غاضبة منك كثيرا ، وما من شخص اخر في حياتها . كانت تتحرق شوقا الى يوم زفافها منذ مدة طويلة ، ولعلك أنت لا تدرك كم تهتم المرأة بهذه المسائل .
كانت تتكلم في سرعة ، وتختصر في شرحها ، وهي تحاول أن تقنعه بوجهة نظر لوسي . وحين توقفت ، قال مايك وقد فرغ صبره : لكني اذا عدت الى المنزل لاسابيع قليلة بهدف الزواج وقضاء شهر العسل ، فسيكلفني ذلك مالا كثيرا . ظننت أنه من الافضل أن نتخلى عن حفل زفاف مكلف ، اضافة الى رحلتي الى الوطن ، وبدلا من ذلك ، نستخدم هذا المال لشراء معدات لمنزلنا الجديد هنا . بدا لي هذا منطقيا أكثر .
فخففت عنه كلير بلطف :أنت محق طبعا .. لكن ، يا مايك ... لوسي فتاة رومانسية ، وقلبها يحلم بزفاف أبيض ، مع عائلتها وكل أصدقائها ، في الكنيسة التي عرفتها طيلة حياتها . وتلك هي طريقتها في بداية حياتها معك . هكذا يعمل ذهنها ، يا مايك ، وهي تهتم كثيرا بالعائلة والتقاليد . وحتى في صغرها ، كانت تحب ان تُروي لها القصص قبل النوم بالطريقة نفسها كل مرة . وهي تكره التغيير الذي يطرأ على روتينها ، وتملك عقلا تقليديا جدا .
ثم توقفت قليلا ، وأردفت بنعومة : أليس هذا ما أحببته فيها ؟
صمت مايك قليلا ، ثم سألها باختصار :أتظنين أنه علي أن استسلم لرغباتها ، فأوافق على عرس ابيض كبير في الوطن ؟
- أنا متأكده من ان لوسي تحبك يامايك ، وان الحزن سيتملكها إن خسرتك .اسمع لدي فكرة ، مارأيك في ان تسافر لوسي اليك في الحال ، فتشاهد بنفسها اين ستعيشان معا ، وبما أن مدرستها تقفل ابوابها لعطلة قصيرة من ابتداء من يوم الجمعة ، يمكنها أن تقضي معك اسبوعا .
أجفل مايك وقال :سيكون هذا رائعا ، لكن ... تعرفين أن بطاقة السفر غالية الثمن ، وأنني لا أملك مالا كثيراً .
- سأدفع ثمنها ، فتكون جزءا من هديتي لزواجكما . لكنني اريد التأكد من انك ستلاقيها في المطار وتعتني بها.
- طبعا سأفعل ذلك ! لاتقلقي!
ولما شرع الحماس يتغلغل في صوته ، ابتسمت كلير أيمكنك ان تحجز لها في فندق بالقرب منك ؟
- قرب دار المعلمين فندق يقيم فيه أهالي الطلاب حين يزورون أبناءهم .
ثم سكن قليلا ، قبل ان يتابع بريب :
كلير ، هل كلمتها بشأن هذه الفكرة ؟ أعني ، هل تريد أن تأتي ؟ بامكاني ان أتصل بها ، و...
-لا ، لا تتصل بها يا مايك ، فقد أرادت أن أكلمك أولا ، وأتأكد من أمكانية تحقق الفكرة . لكنني على يقين من أن لوسي ستسعد كثيرا . ولن افاتحها في الموضوع قبل أن أتمكن من حجز بطاقة أفاجئها بها في الاسبوع . دع الامر لي . سأتصل بك مجددا صباح الجمعة ، لأعلمك بالتدابير التي تمكنت من تحضيرها.
بدا من السهل على كلير أن تؤمن بطاقة سفر للوسي ، لكن كان عليها القيام بتدابير أخرى قبل أن تفتح الموضوع مع أختها .
وفي وقت لاحق من ذاك العصر ، قادت سيارتها الى البلدة المجاورة ، وأمضت بعض الوقت في متاجر مختلفة . ومع أنه صعب عليها الحصول على ماتبحث عنه ، الا انها تمكنت في النهاية من تأمين كل شيء - ثم تركت مساعدتها الجديدة في المكتب ، وعادت الى المنزل في وقت كانت متأكدة من أنه خال . فأبوها يمارس رياضة الغولف مع اصدقائه ، والباقين لن يعودوا الى المنزل طبعا قبل انتهاء دوام المدرسة . وكان ذهن كلير عمليا جدا . وقد تلقت مختلف أنواع المعلومات المفيدة من أبيها وأخوتها على مر السنين . فقضت ساعات في مشغل جورج سامر ، المزود بمختلف المعدات ، ثم نقلت ماحضرته الى سيارتها ، قبل وصول والدها ولوسي بقليل .
منتديات ليلاس
- لقد عدت الى المنزل باكرا .
فابتسمت كلير لأبيها ، وقالت : قررت التوقف عن العمل عند العصر ، لاسترخي قليلا . لكنني أعددت الطعام . ففي الفرن طبق ، سأضيف اليه البطاطس . وسأعد لك كوبا من الشاي ، قبل ان تستحم .
جلس ابوها بسعادة ، وراح يخلع حذاءه المغطى بالوحل ، فيما هو يتحدث عن الغولف ، بسحر المدمن الذي لا يدرك ان لا يستمع الى كلامه . أما كلير ، فكانت تنصت اليه تارة ، وتفكر في مخططاتها لهذا المساءفورا . وقد ولدت الاثارة فيها اضطرابا عكر صفو معدتها ، حتى بلغ اعصابها ، وباتت تجد صعوبة في التركيز على أي عمل آخر . وأخيرا ، صعد جورج سامر الى الاعلى ، وفي يده فنجان الشاي . فسألت كلير لوسي بصوت جاهدت ليبدوا عاديا : ماذا تفعلين الليلة ؟ أستخرجين مع دنزل بلاك مجددا ؟
- كلا ، لقد قال دنزل إن لديه الكثير من الاعمال المكتبية الليلة . كما انه سيأوي الى الفراش باكرا لذا ، طلب مني أن أقضي مساءا هادئا بدوري فأسترخي ، وأنام جيدا بانتظار تجربة الغد.
ثم تمتمت على عجل وهي شاحبة الوجة :
يسهل عليه قول هذا . لكنني من الهلع ، بحيث لا أقوى على الاسترخاء . أما عن النوم ، فأنا متأكده من أنه لن يغمض لي جفن الليلة .
وراحت كلير تراقبها وهي تطوف في المطبخ وكأنها تبحث عن شيء ما ، فتغير مكان بعض الاواني ، ثم تنظر من النافذة الى أزهار النرجس التي أزهرت في الحديقة .
-لم لا تذهبين الى السينما ؟ لقد طلب مني جايمي أن آخذه الى هناك الليلة ، ولكن لا أشعر برغبة في ذلك.
فأحست لوسي بالاغراء ، لكنها بدت مترددة .
- قال دنزل إنه يجدر بي ان ارتاح...
-لكن الذهاب الى السينما مريح . فكل ماستفعلينه هو الجلوس في الظلام ومشاهدة فيلم .
- لكن دنزل قد يتصل بي بهدف الاطمئنان علي.
فأجابت كلير بجفاء: سأخبره حينها أنك ترتاحين .
عندئذ ، ضحكت لوسي وقالت : لقد اقنعتني!
ولما كان أبوها وروبن مرتبطين بمواعيد هذه الليلة ، وجدت كلير نفسها وحيدة في المنزل عند السابعة والنصف . وما أن حانت الساعة الثامنة الا ربعا ، حتى انطلقت في طريقها الى كوخها .
وحين ركنت سيارتها في الخارج ، رأت وجه دنزل يطل من النافذه العليا . كان الليل قد خيم ، فيما نور شحيح ينير غرفته ، راسما هالة حول رأسه . رأت عينيه تحدقان فيها ، وفمه يلتوي بابتسامة مزعجة ، فأحست برعشة تسري فيها .
كان يرتدي قميصا حريريا أسود غير مزرر بإحكام ، أم تراه ثوب نومه ؟ فتح النافذة ليتكلم معها ، فنفخت الريح في قميصه ، حتى لمحت تحت الرداء الناعم تفاصيل جسده المشدود . واذا بحلقها يجف ، فتبتلع ريقها بعصبية . حتى من تلك المسافة ، شعرت بذبذبات تتغلغل في جسدها ، فسرى دمها في أعضائها بسرعة ، وتدفقت موجات الخوف فيها في مد وجزر متواليين . وما كان منها الا ان اقنعت نفسها بأنه الخوف على أختها ليس الا . وهي لا تخشاه أبدا ، وتستطيع التعامل معه . ثم ، انها لا تخشى على نفسها أبدا . سألها : هل تريدينني ؟
ميزت بوضوح السخرية التي تنطوي عليها كلماته ، وشعرت ببشرتها تحترق . واخيرا . قالت ، وهي تختار كلماتها بعناية : أريد التكلم معك .
فأعلن ، وذلك البريق الساحر لا يفارق عينيه الداكنتين:
كنت أتساءل متى سأسمع صوتك . وأيقنت أنني سأراك ما أن تكتشفين أنني اقترحت على لوسي أن تخضع لتجربة تلفزيونية .
لكن كلير لم تجب ، فقد جعل التوتر أسنانها تصطك حتى آلما فكها . أنه لاذع حقا ، وهذا ما يضايقها . ان امكنه أن يتكهن بردة فعلها ، فهل بمقدوره ان يعرف الى اي مدى ستصل لكي تحبط مخططاته بشأن لوسي ؟ قالت وهي تتصنع البرودة : هل تعتقد أن بإمكانك النزول ؟ فأنا لا أريد أن اصرخ لابلغك كلامي .
-يا للأسف ، كنت افكر في رومانسية هذا المشهد . انه مشهد الشرفة في مسرحية روميو وجولييت ، مع انقلاب الادوار ، اذ يحتل روميو الشرفة ، فيما تقف جولييت تحت نافذته.
فردت كلير بحدة : هلا تفضلت ونزلت ؟
ضحك وقال : لقد لاحظت قبلا انك لا تملكين حس الدعابة . حسنا ، كنت أقرأ في السرير ، وأنا أرتدي البيجاما ، فأمهيليني كي أبدل ملابسي قبل ان أنزل ، وان كنت مازلت تملكين المفتاح تفضلي بالدخول .
وأغلق النافذة قبل ان تبدأ كلير بالرد : بدل ملابسك .
وماتت الكلمات على شفتيها . كان عليها أن تستجمع أنفاسها استعدادا لنتفيذ خطتها . ففي هذه الليلة عليها ان تصفي ذهنا ، والاتدعه يفلت من يدها ، والا فعلى الدنيا السلام .
وفيما كانت تدخل الى الكوخ نزل دنزل السلالم . بدا رائعا في ردائه الاسود المنسوج من الساتان . وشعرت كلير بأنفاسها تنحبس في حنجرتها .
كانت عيناه الرماديتان تتفرسان فيها من رأسها الى أخمص قدميها ، حتى أحست وكأنهما تركتا بصمات على بشرتها . ومالبث أن سألها : أتريدين شرابا ؟
كانت ترتدي كنزة زرقاء شاحبة من الانقره ، ويحيط بعنقها عقد من اللآليء ، فيما تنورتها الرمادية تماثل السترة التي تلبسها لونا . ولم تكلف نفسها عناء تزريرها ، فالجو في الربيع دافيء ، وهي غالبا ماتتجول في سيارتها . وهكذا ، كانت ملابسها دائما كلاسيكية وبسيطة وانكليزية الطابع . ورغم ذلك حست أن نظراته جردتها من ملابسها تقريبا ، فارتعشت امتعاضا .
ثم تذمرت وهي ترجو أن يقرأ العدائية في عينيها : لا ، شكرا .
لكن ، ولو فعل ، لم يقدم الا على الضحك . ومالبث ان ابتسم لها ابتسامه ساخره .
-أما أنا ، فبحاجة الى شراب . يبدو أنك أتيت لاثارة المشاكل ، وبما انك صعبة المراس ، ساحتاج الى شراب قوي كي أقاومك!
وسار نحوها متوجها الى المطبخ ، فسارعت تستند الى الجدار، لتتنحى عن طريقه . غير انه توقف فجأة ، وأسدل نظراته عليها ، ولهيب نار في عينيه ، دفع كلير الى الابتعاد بإجفال أكثر .
عض على شفته وقال لها : لاتفعلي هذا!
فسألته بدفاع وهي ترى فمه يلتوي : ماذا ؟
-أنت تتقلصين في كل مرة أقترب فيها منك . ما الذي تخشينه مني ؟
وازداد دنواً منها ، حتى كاد يلامسها ، وشعرت كلير بالدم ينبض في عنقها . لكنها رفعت رأسها ، ونظرت عيناها الزرقاوان اليه بتحد ، ثم ردت بحدة : ربما مما تفعله الآن ! تجرأ على لمسي بإصبع واحد وسوف ...
ابتسم بكسل ، ثم رفع سبابته ولا مس عنقها ، حيث يخفق نبضها . وأخيرا همس : وسوف ماذا ؟
ابتلعت كلير ريقها ، وقد انحبست أنفاسها ، وشغلتها المقاومة عن اي محاولة للكلام . فمرر إصبعه بتمهل على طول عنقها ، وكأنه يتبع شريانها ، مما دفع الدم الى التدفق بسرعة أكبر وحرارة أشد . وأخيرا تمكنت من القول :
توقف!
عندها وثب اصبعه الى خدها ، وداعب حناياه المرتعشة .
وتمتم بنعومة : أتعلمين ؟ ثغرك يفضح أسرارا . ومع أن هاتين العينين الزرقاوين فيهما من البرودة ما يقول إرفع يدك عني ! ، الا ان هذا الفم هو إغراء صرف ، وينبئ بأسرار مختلفة تماما .
جمعت كلير غضبها ، عساها تخفي اضطرابا وهتفت :
انه يقول أنك ان لم تتوقف عن لمسي ، فأقسم أنني سأضربك بالآله الحادة الاقرب .
ثم دعمت كلامها بدفعه عنها بيديها الاثنتين . لكن ملامسته كانت خطأ ، بل خطا فادحا . فالامر أشبة بمحاولة دفع جدار حجري متين . ولانها ما أن لا مست رداء الساتان الاسود بكفيها ، حتى تقدم نحوها ، الى ان اوقع يديها في الشرك ، وباتت وكانها سجينتة .
حاولت ان تحرر نفسها وقد انحبست أنفاسها ، وهي تحت وقع نظراته القاتلة من تحت أهداب تكاد تكون منسدلة . وتعمد ان يميل اليها . ويداه تمتدان كل الى ناحية من ناحيتي رأسها ، زمجرت :
ابتعد عني ! ان كنت تظن أن بامكانك ان تمارس معي الألاعيب التي تمارسها عادة مع النساء ، فأنت مخطيء!
لكنه تمتم : هذه ليست بلعبة ، يا كلير . بل انها الحرب ، وانت سجينتي .
وما لبث ان دنا منها أكثر أكثر ، فيما صوته يقارب الهمس : يا للمسكينة كلير ... انها سجينة عاجزة .
ومع انه كان يبتسم ، الا ان عينيه بدتا عميقتين ، داكنتين ، حتى عجزت عن التخلص من وطأة سيطرتهما . وكان بها توق مخيف الى اغماض عينيها . فلنظراته تأثير التنويم المغناطيسي ، ومبادلته النظرات تشل ذهنها ، حتى امسى التفكير عملية عسيرة . واستبد بها وهن شديد ، وودت لو تكف عن مقاومته ، وعن مقاومة هذا الشعور الذي ولد فيها . في هذا الوقت ، كانت حدقتاه المظلمتان تسبران أغوارها ، فنظرت اليهما وارتجفت .
وراح عقلها يصارع جسدها ، فيذكرها ببرودة أن هذا هو مايقترفه ذلك الرجل في حق النساء ! فكيف لم تتعرف الى هذا الاحساس الذي يجتاحها ، الوهن ، الحمى ، الحاجة ... كيف لم تكتشف كل هذا ؟ فهيلين أخبرتها بنفسها كيف باتت مهووسة بهذا الرجل . بل قالت لها انه يثير المشاكل للنساء ، وكانت محقة . ولم تدرك كلير الا في هذه اللحظة الخطر الذي يمكن ان يشكله ، فاخذ قلبها يخفق بشدة بين أضلعها . ما كانت لتقوى أبدا على منعه من معانقتها . لكن ما أن دنا منها أكثر حتى رن جرس الهاتف ، فتصلب دنزل ، ثم رفع رأسه ليطرق السمع:
اللعنة . مواعيد بعض الناس عجيبة . كان علي أن أشغل المجيب الالي.
وتابع الهاتف رنينه . لا يعرف رحمة , فما كان منه الا ان ابتعد بتنهد :
أخشى أنه علي الاجابة ، فأنا أتوقع اتصالا مهما .
ثم نظر اليها من تحت أهدابه ، مبتسما وقال : لاتذهبي .
وفيما توجه الى غرفة الجلوس ، استندت كلير الى الحائط وقد جف حلقها ، وهي بالكاد تقوى على الوقوف ، بينما أوصالها ترتعد .
ولما توقف الرنين ، سمعت بوضوح ، وقد تجلى في صوته الجفاء وفروغ الصبر :
نعم 0 نعم سكت ، قبل ان يضيف بسخرية : لم أتوقع ذلك ... إذا مالخطوة التالية ؟
خطت كلير الخطوات التالية بتصلب ، لكن رجليها كانتا من الضعف ، بحيث اضطرت الى الجلوس على درجة السلم الاول . واخذت تستمع بشحوب الى الحدة المتسلطة في صوت دنزل في غرفة الجلوس . وعرفت أنه من السهل أن يتعامل مع موظفيه . لكن ، على أي حال ، ليس من السهل علي أي كان أن يتعامل معه بمنطق . وبعد برهة اعاد دنزل السماعة الى مكانها ، وعاد اليها . في ذلك الوقت كانت قد استعادت رشدها تقريبا ، وتمكنت من مواجهته من غير ان تبدي الكثير من الانفعال .
-هل اخبرت لوسي أنها ستكون النجمة الجديدة لفيلمك أو ماشابه ؟
فرمقها بجفاء وقال : بالكاد قلت هذا فلست متأكد من أنها تستطيع التمثيل حتى .
-اذا لماذا تخضعها لتجربة فيلم ؟
-أنها تتحرق شوقا للعمل في فيلم ، والكاميرا تحبها . لقد التقطت بضع صور لها ، وأستطيع أن اجزم أنها ستبدو جميلة في الفيلم أيضا . ويصادف أن فيلمي الجديد سيصور بالقرب من هنا ...
-أتعني فيلم برونتي ؟
ابتسم لها ابتسامة محتالة وسألها : أهي الاشاعات المجيلة ثانية ؟ نعم ، اعني فيلم برونتي . ساحتاج الى العديد من الممثلين الثانويين . وسيضم الفيلم أدوارا صامتة صغيرة.
كانت كلير ترتجف غضبا وهي تجيبه :
أهذا ما تخططه للوسي ؟ أهذا ما سترمي بزواجها من أجله ؟ ألتحظى بدور صغير صامت في فيلمك الجديد ان حالفها الحظ ، والا مثلت دورا ثانويا مع حشد من الناس لبضعة أيام ؟
-متى ستتوقفين عن لومي لكل مايصيب غيري ؟ لا دخل لمشاكل لوسي مع خطيبها بي ، تماما كما لاشأن لي بمرض هيلين.
وبعد أن امتلئت عينا كلير بالكراهية ، رأته يقطب جبينه .ومالبثت أن قالت له باحتقار:
لن أضيع وقتي سدى في مجادلتك . لكنني لن أدعك تدمر حياة اختي .
وفي هذه اللحظة ، عرفت لماذا جاءت ، فوقفت وأعلنت :
لقد جئت لأجمع بعض الاغراض من الخزانة المقفلة في حجرة النوم الصغيرة . لن يستغرق مني ذلك مني وقتا طويلا ، وبعدها ، سأمضي في طريقي .
ثم صعدت السلالم ، وتركته خلفها يحدق فيها . وما ان وصلت الى الغرفة الصغيرة ، حتى فتحت الخزانة ، وهي قطعة الاثاث الوحيد في الغرفة ، وتحتوي على أغلب الوثائق المتعلقة بالمنزل . وبعد أن أخرجتها ، خرجت من الغرفة على أطراف اصابعها ، وأطرقت السمع . وتمكنت من سماع دنزل وهو ينتقل بالمطبخ ، فانتقلت بهدوء الى الغرفة التي يستخدمها ، واستعدت . وبعد عدة دقائق ، انسلت منها مجددا . وعادت الى الغرفة الصغيرة ، حيث راحت تتصفح الوثائق .
وبعد وقت قصير ، تناهت اليها خطوات دنزل وهو يصعد السلالم ، ثم ظهر عند الباب المفتوح ، ووقف فيه يراقبها.
أما كلير، فالتفتت اليه ، وأعلنت : أوشكت على الانتهاء منها .
فقال ، وهو يضع كوبا على الخزانة : أحضرت لك عصير التفاح .
عبست كلير وهي ترى محتويات الكوب لا لون لها: أنا آسفة ، لكنني لاأريد هذا النوع . ألديك عصير برتقال ؟
- طبعا ، ماذا تريدين أيضا ؟
- لا شيء ، يكفيني عصير البرتقال.
هز كتفيه ، ثم وضع كوبه جانبا ، ونزل الى المطبخ . وهنا فتحت كلير حقيبتها ، وأخذت منها قرصين صغيرين . وما أن سمعت دنزل يعود حتى أخفتهما في راحة يدها ، واستعدت وهي تسمع الخطى تتسارع على السلالم .
ولما قدم إليها كوب العصير ، تناولته قائلة : شكرا .
ارتشفت قليلا . فيما التفت دنزل ليمسك بكوبه .
وما كان من كلير الا ان دست القرصين في كوبها ، وهي تنظر الى ظهره بحذر ، ثم ذوبت المزيج بسرعة . وأخيرا ، أدنت الكوب من شفتيها ، وهي تترقب التفات دنزل . فلما فعل ،عبست بوضوح ، وأنزلت الكوب مجددا وهي تتفرس فيه .
- ماذا وضعت فيه ؟
قطب حاجبيه ورد : لم اضع فيه شيئا .
- ولكن طعمه غريب.
-ماذا تعنين بغريب ؟
رفعت اليه الكوب وأجابت : تذوقه بنفسك .
فأمسك الكوب والغضب في عينيه ، ثم رفعه الى فمه ، وشرب القليل من العصير .
-ليس فيه شيء . طعمه لاذع قليلا ، ولكن تلك حال عصير البرتقال احيانا !
ورغبة منها في التأكد من أنه شرب مافيه الكفاية ، سألته ببرودة :
هل شربت منه فعلا ، أم أنك ارتشفت قدرا يسيرا وحسب ؟
فسدد اليها نظرة رصينة تفتقر الى الابتسام ، ثم ابتلع جرعة كبيرة من الشراب ، وقال بحدة :
أترين ؟ انه لا يشكو من سوء . لكن لا داعي لشربه اذا لم يرضيك .
ووضع الكوب على الخزانة محدثا صوتا عاليا اجفل كلير ، فتمتمت في نفسها أن أعصابها متوترة بما يكفي .
-لا داعي لأن تفقد أعصابك ! اعتقدت أن طعمه غريب ، هذا كل مافي الامر.
تضاعف الغضب في عينيه ، واتخذ فمه شكلا باردا مستقيما وهو يقول :
ماذا تظنين أنني فعلت بعصيرك ؟ هل اعتقدت أنني وضعت فيه مخدرا ؟ ومن ثم ماذا ؟ أعتدي عليك ؟ أهذا ما كنت تفكرين فيه ؟
أغلقت الخزانة ويداها ترتجفان قليلا ، وحاولت ألا تنظر اليه ، ثم ما لبثت ان تذمرت :
اسمع ، أنا آسفة . ايرضيك هذا ؟
فهتف بحدة : كلا ، لا يرضيني . فلم أحتج يوما الى تخدير النساء.
عندئذ ، فقدت كلير أعصابها بدورها : آه ، ألم تفعل ؟ حسنا ، ستحتاج الى صرعي بحجر قرميد .
فرد عليها :
لو كان معي حجر قرميد الآن ، لا ستعملته . ولكن صدقيني ، ليس بهدف إغوائك ! فلا يبلغ بي التوق البائس الى النساء هذا الحد!
أحست بوجهها يحترق . وما كان منها إلا أن استدارت على عقبيها ، وخرجت بغضب من الغرفة ، وهي تكاد تفقد توازنها . فتبعها عن قرب وكاد يصطدم بها عندما وقفت قرب غرفة نومه . وهنا تذكرت أنها على وشك القضاء على خطتها بانفعالها هذا .
فاستجمعت انفاسها ، وحاولت ان تبدو أكثر ودا . وتمتمت وهي تجول نظرها في الغرفة التي تزينها المصابيح الهادئة : أرى انك أضفت جوا مريحا على الغرفة .
بالكاد لاحظت التغيير عندما دخلت الحجرة في المرة الاولى ، فهي لم تكن تملك الوقت الكافي لتتأمل الجو عن كثب . أما الان وقد فعلت ، فقد أدركت أنها لا تمت الى الغرفة التي تذكرها بصلة .
كان سقف الغرفة مطليا بالابيض ، والاثاث في الغرفة قليل قليل . أما الان ، فاكتسى ظلا دافئا مشمشيا ، وزينت النوافذ ستائر جديدة أكثر عمقا . كما أضاف عددا من المصابيح ، ومكتبا وضعه قرب النافذة ، ومقعدا من الجلد ، وبقربه طاولة وخزانة كتب . وحفلت الجدران برسومات ولوحات مائية مخطوطات وصور .
تثاءب بغتة ، ومالبث أن أجاب بنعاس : ألا تعترضين على التغيرات التي قمت بها ؟
فأسدلت أهدابها ، ونظرت اليه نظرة جانبية ، وراته يتثاءب مجددا .
- بالطبع لا . لقد أحلتها غرفة دافئة جدا ، وأنا أحب الجدران المشمشية اللون . لا بد أن المنظر رائع صباحا حين توشك الشمس على الشروق . ويا للصور الكثيرة ! هل ترسم ؟
فأقر بلهجة عادية : رسمت بعض هذه اللوحات المائية .
-حقا ؟ أيها ؟
ومالبثت أن خطت الى داخل الغرفة ، ونظرت الى احداها ، فيما دنزل يتبعها وهو يتثاءب بتشنج . -نعم رسمت هذه.
فقالت وقد تفاجأت برسمة المتقن : إنها جيدة جدا .
إنه يستطيع الرسم فعلا . ومع أن المنظر الطبيعي حوى تفاصيل قليلة ، إلا ان الخطوط السوداء حملت قوة وتاثيراً لفتا انتباهها .
هز كتفيه بلا مبالاة ، وعلق : هذا رسم تخطيطي لخلفية في فيلم لي . كنت بحاجة الى تخيل كل تفصيل قبل أن أبدا التصوير ، والى درس كل إطار كي نحدد ماسنحتاجه . انظري ، هذا مشهد داخلي في منزل ، من فيلمي الاخير .
نظرت الى الرسم ، واستعادت ذكرى مبهمة لمشهد من الفيلم هذا ، وهو مشهد شديد الحميمية تقوم فيه الممثلة الايرلندية المكسيكيه بالرقص لحبيبها . ولما تثاءب مجددا ، رمقته بنظرة جانبية سريعة ، فتمتم بعبوس :
آسف لقد أخبرتك أنني مرهق , ولكنني لم أدرك أنني بهذا الارهاق .
وسرعان ماترنح الى الوراء ، وتهالك فجأة على السرير ، وهو غارق في الحيرة ، فتقدمت كلير نحوه ، ووضعت يدها على جبينه .
- لعل فيروس الانفلونزا المنتشر حاليا قد أصابك . ومع أنه فيروس قوي جدا ، الا أنه لا يدوم سوى أربع وعشرين ساعة . والان ، من الافضل أن تستلقي.
-لا أستطيع . فعلي أن أوصلك الى الاسفل...
ثم سكت قليلا قبل أن يكمل : يا إلهي ، كم اشعر بالغرابة!
أرجعته كلير بلطف الى الوراء ، فلم يبد أي مقاومة ، بل ترامى ببساطة على السرير ، ثم أغمض عينيه وهو يدمدم : رأسي ...
وساد السكون الا من صوت تنفسه الناعم ، فنام مفتوح الفم، متورد الوجه .
مالت كلير فوقه ، وأنصتت وهي تراقبه بعزم . انه في حالة سبات عميقة . وشعرت بنفسها حائرة بين الذهول والانتصار . لقد نجحت خطتها ، من دون أن تصادف أي مشكلة على الاطلاق ! في الواقع ، كانت خائفة من ألا تؤثر الحبوب المنومة إلا بعد وقت طويل ، فضاعفت الجرعة التي وصفها الطبيب ، ونالت ماتتمنى بسرعة .
وأخذت نفسا عميقا ، اذ لا يمكنها اضاعة الوقت في تهنئة نفسها .
أمامها الكثير لنتفذه ، ولا تعرف كم من الوقت سيتطلب منها ذلك ، كما لم تكن متأكدة متى سيستيقظ ، قد يستيقظ بعد خمس دقائق أو خمس ساعات ، عندما زارت الطبيب طلبا لهذه الاقراص ، وهي تختلق أعمالا كثيرة منعتها من النوم ، وسببت لها إرهاقا شديدا ، حذرها من أنها قد تستيقظ مجددا خلال الليل . وفي هذه الحالة ، يجدر بها ألا تتناول قرصا آخر نظرا لقوة مفعول الحبوب ، وعوارضها الجانبية الخطيرة .
تصنعت كلير الهلع وسألته : وماذا لو نسيت ، وابتلعت قرصا إضافيا ، أيعد هذا خطيرا ؟
فأجابها : في الواقع ، يمكنك مضاعفة الجرعة من دون أي نتائج سلبية في المرة الاولى ، على ألا تمسي هذه عادة .المشكلة ، أن الناس اعتادوا هذه الأقراص . وهم يستيقظون ليلا ، وينسون كم قرصا تناولوا ، فيتناولون واحدا إضافيا ! لذا ، سيكون من الافضل لو أبعدت هذه الاقراص عن سريرك . وأعيديها الى خزانة الادوية ما إن تأخذي جرعة قبل النوم .
عبست كلير ، وهي تنظر الى وجه دنزل المستغرق في النوم . لم تكن تريد أن تسبب له أي أذى ، ولو كان يهدد سعادة أختها . ولما أضغت الى تنفسه المنتظم ، بدا لها طبيعيا ، فقررت أن تباشر العمل . خلعت أولا ذلك الرداء الأسود من الساتان ، الذي أعاقها كماه عن تقييد معصمه . ولم يكن من السهل عليها ، أن تتعامل مع جسده الهامد ، فأضطرت الى الركوع بجانبه قرب السرير . حاولت أن ترفعه بذراع واحدة ، ثم أسندته برجلها ، الى أن نزعت رداءه . ووضعت القيود في معصميه ، ثم أقفلتها ، بعد أن ثبتت طرفها الآخر في حديد السرير ، وأخفتها بحرص وراء كومة من الوسائد ... واستنتجت أن دنزل يحب العيش المريح ، فالملاءات غالية الثمن ، وتناسب طراز الغرفة الجديد . وحين أنزلته ثانية ، لاحظت أن أزرار بيجامته قد فكت بطريقة ما ، أثناء صراعها معه . وما بين ثنايا قميصه ، لمحت كتفيه المسمرتين الناعمتين . شعرت بحلقها يجف ، وما كان منها الا أن اشاحت بنظرها بعيدا . فهي لا تريد أن تلاحظ هذه الناحية فيه . مدت يدها الى سترته بغضب ، ولكن دنزل تحرك في هذه اللحظة ، وهو يصدر أنينا وكأنه على وشك الاستيقاظ .
فوثبت كلير من مكانها ، وابتعدت عن السرير وهي تعيره آذانا صاغيا ، وتراقبه بحذر . لكنه تحرك ببطء ، ثم حاول الالتفات الى الجانب الاخر، لكنه عجز عن ذلك ، نظرا الى أن يديه مقيدتان فوق رأسه . واذا بتقطيبة تعلو جبينه ، وتدفع كلير الى حبس أنفاسها ، لكنه مالبث أن سكن ثانية . وعادت كلير الى السرير ، فخلعت عنه خفيه الجلديين ، من غير أن تستطيع منع نفسها من تأمل رجلية الكبيرتين والأنيقتين ، وأصابع قدميه الرشيقة .
وسرعان ما تأوهت ، وأنبت نفسها : ركزي على ما تفعلينه ، وكفي عن النظر اليه !
أخرجت على عجل حبل غسيل من حقيبتها ، وبدأت بتقييد قدميه ، فأصبح عاجزا عن النهوض ، مما ناسبها تماما.
ورأت هاتفا الى جانب سريره فأبعدته عن القابس وعن متناول يده ، لكنها تركته في الغرفة ، لانه يشكل قسما أساسيا من خطتها ، إذ ستطلب منه الاتصال بلوسي ما أن يستيقظ .
ثم أكملت عملها بتقييده بسلسلة قوية جدا . وبعد أن انتهت ، ألقت نظرة فاحصة على دنزل ،فوجدته ما يزال يغط في النوم . نزلت السلالم على مهلها ، وأعدت كوبا من القهوة ، ثم عادت تنتظر في الاعلى . وفي هذا الوقت ، نظرت الى خزانة الكتب ، ووقعت على نسخة لقصص شرلوك هولمز .مع أنها حاولت القراءة ، إلا انه كان من الصعب عليها أن تركز اهتمامها على سرد واطسون . وبقيت عيناها تنتقلان من الصفحة الى جسد الرجل نصف العاري الممدد على السرير .
كان كل نفس يستنشقه يرفع صدره العاري وينزله في حركة مستمرة . كانت الغرفة دافئة ، لكنها ادركت فجاءة انه يشعر بالبرد ، فحرارة الجسم تنخفض اثناء النوم . وهكذا ، تقدمت منه ، ورفعت اللحاف لتغطيه .
وفيما كانت تنحي فوقه ، أبصرت أهدابه ترفرف ، فتسمرت في مكانها . وخيل اليها أنها رأت وميضا بين رموشه يتألق لبرهة قبل أن تسكن أهدابه مجددا .
لعله كان يحلم ... وراحت تراقب رموشه السوداء ، الكثيفة فوق خديه المتوردين ، ثم تساءلت في سرها: ترى بماذا يحلم ؟
واستبد بها القلق خوفا من أن تعلو حرارته . ولا مست يدها خديه بلطف ، وارتاحت لما تغلغل فيها دفء بشرته من دون اثر لحمى .
كان من الافضل لها أن تعود الى كتابها ، لكن الرغبة في استراق النظر إليه في غفلة عنه بدت أقوى منها ، فجلست على حافة السرير، وامتدت أصابعها بتمهل لتلامس كتفه العارية . وسرعان ماسرت فيها قشعريرة بطيئة ، وكأن أشواكا وخزتها . ورغم ذلك ، حاولت أن تفكر بمنطق . لكنها لم تكن ترى الا جسمه الرفيع ، وقد زادته يداه الممتدتان فوق رأسه طولا . فتذكرت كيف طال طيفة في حلمها ليلة الميلاد ، ثم أغمضت عينيها ، وتنهدت بتأثير من الذكرى . وامتدت أطراف اصابعها حتى وصلت الى وجهه . بدت لها ذقنه وكأنها لم تحلق منذ مدة ، وكأنها طيف أسود على بشرته . وجف حلقها ، قبللت شفتيها بعصبية ، ثم ابتلعت ريقها ، وقد علا الاحمرار وجنتيها ، وارتفع تنفسها بصوت مسموع .
كانت تتحرق شوقاً الى ضمه والتوت معدتها في شعور جعل أوصالها ترتعد خوفا . فبقيت عيناها لاتفارقانه وهي تعرف انه لايشعر بارتجافها ، ولن يدرك شيئا عنه .
وفي هذه اللحظة ، تقلب وجهه على الوسادة . فحدقت في عنقه الطويلة القوية ، وقد استرخت عضلاته في أثناء رقاده ، ثم تذكرت مجددا ذلك الحلم الذي راودها ليلة الميلاد ، فشعرت بالعجز والوهن يستبدان بها . أما الان ، فهو العاجز والواهن ، وهو الواقع تحت رحمتها . مالت اليه بعنف ، ودفنت وجهها في عنقه . لكنها مالبثت أن فكرت في غباء ما أقدمت عليه ، بل في جنونه. ماذا تفعل بحق السماء ؟ ماذا لو استيقظ ورآها على هذه الحال ؟ ماذا تراه سيظن حينها ؟ وسرعان ماجلست مجددا ، فاذا بدبوس من اللؤلؤ ينفك من سترتها ، ويخدش صدره العاري ، راسما قطرة دم صغيرة عليه .
أغلقت كلير الدبوس ، وهي تحدق في نقطة الدم على بشرته . ومع أنه خدش سطحي . إلا ان منظر الدم سحرها ، فأغمضت عينيها ، تسترجع حلمها الجميل .
وبعد دقيقة ، فتحت عينيها ، ثم رفعت اللحاف فوقه ، وتوجهت الى كرسيها ، وهي تجاهد لتركز على كتابها . وبعد حين ، غرقت في سبات عميق ، لم تستطع مقاومته رغم القهوة المركزة . فمال رأسها على ذراع المقعد الجلدي ، وسقط الكتاب أرضا من غير أن يزعجها .
أما ما ايقظها ، فصوت الرجل على السرير . لا بل أنينه وحركته ومن ثم صيحة التعجب التي صدرت عنه.
أفاقت كلير، وقد فقدت حس الزمان والمكان . ولثانية ، ظلت عاجزة عن تذكر مكانها ، وما يجري من حولها. وما ان تذكرت ، حتى التفتت الى السرير .
كانت عينا دنزل مفتوحتين تماما ، فيما جسده يصارع للنهوض ، فيشد على القيود ، ويرفس قدميه المكبلتين بعجز : ما هذا بحق الجحيم ؟

انتهى فصل قانون كلير ويلية فصل ليلة العقاب

 
 

 

عرض البوم صور dede77   رد مع اقتباس
قديم 21-09-09, 09:50 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق
فريق كتابة الروايات الرومانسية

البيانات
التسجيل: Mar 2009
العضوية: 131874
المشاركات: 3,755
الجنس أنثى
معدل التقييم: dede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسيdede77 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4768

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dede77 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dede77 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

6- ليلة العقاب0

وعندما نهضت كلير من مكانها ، التفت دنزل اليها بحدة. فلاحظت المفاجأة في عينيه الرماديتين اللتين لم تتسعا الا لتضيقا مجددا .
لوح اللون وجهها تحت وطأة نظراته ، ثم تمتمت : أنا آسفة .
-هل انت من فعل هذا بي ؟
وتلمست في صوته شكا استطاعت أن تفهم سببه .
- بحق الجحيم ، كيف .... بماذا ضربتني ؟
-لقد دسست حبوبا منومة في شرابك.
حدق فيها بمزيج من الثبات والعبوس :ماذا ؟ ان كنت تعتبرين ذلك مزاحا ، فأنا لا أجده مضحكا البته .
وعاد يشد بقوة على معصمية الحبيسين ، مضيفا : فكي هذه الاشياء اللعينة عني !
فدنت من السرير ، وهي مطمئنه الى انه لن يمسك بها ، ثم شرعت تشرح له بصوت أجش وكلمات سريعة:
أنا آسفة لأنني استخدمت هذه الطريقة ، لكن لم يكن بوسعي التفكير في طريقة أخرى . وكان علي أن أوقفك عند حدك ، فلن أدعك تدمر حياة أختي . في الغد ، سأبعد لوسي ، وأدفعها الى اللحاق بخطيبها في أفريقيا . أما لو خضعت لتجربة الفيلم ، ونالت دورا صغيرا في فيلمك المقبل ، فستفسخ خطوبتها بمايك . وأعلم أنها سترتكب خطا فظيعا ، فلوسي تحبه ، ولكنها لن تعود الى رشدها الا بعد فوات الاوان . لذا على ان امنعها من التقدم لتجربة الفيلم غدا . ولم استطع التفكير الا في طريقة واحدة ، وهي منعك من اصطحابها . وبما انني أعرف انك لن تستمع الي المنطق ان حاولت أن اقنعك ، لذا...
ثم توقفت ، وقد منعتها أنفاسها المخنوقة من متابعة جملتها ، فتمتم دنزل من خلال أسنانه المطبقة :
يا إلهي ، انت مجنونة تماما !
وبدأ يناضل مجددا ، وهو يجذب قيوده بعنف ، ويحاول أن يقطع الحبل الذي يكبل رجليه معا .
فقالت كلير :أنت تضيع وقتك وطاقتك سدى 0
عندها التفت اليها ، وحملق فيها فيما التوت شفتاه كذئب هائج ، وصرخ : اللعنة عليك ، فكي عني هذه !
فهزت رأسها بعناد: كلا ، وان بقيت تصارع هذه القيود ، فلن تؤذي الا نفسك .
أخذ نفسا عميقا وكأنه على وشك الانفجار وقال : افتحي القفل إذاً!
وثارت أعصابها لما سمعت الصرير المزعج في صوته . ورغم انه مقيد وعاجز بهذا الشكل ، بدا قادرا على اثارة الرعب فيها . لكن من الضروري الا يلاحظ أنه يخيفها ، لذا جاهدت لتحافظ على هدوء وجهها وجموده . أما هو ، فاستلقى مجددا وهو يتنفس بخشونه ، ويراقبها وقد بدا مطرقا مفكرا وما لبث أن حاول مقاربة مختلفة . ابتسم لها ببطء ، وقد تبدلت ملامح وجهه ، واتسمت نبرة صوته بالنعومة والمنطق والسحر المتملق .
- حسناً لقد فزت يا كلير . لن أخضع لوسي لأي تجربة في الغد ، أعدك بذلك . هل أنت راضية ؟ والان فكي هذه القيود.
فهزت رأسها ، لترى ذلك المنطق اللطيف يتلاشى من وجهه ، وبريقا عنيفا يستقر في عينيه .
-حين أتخلص من هذه ستتمنين لو أنك لم تولدي قط.
فابتلعت ريقها في الواقع ، كانت تعرف انه ينطق بالحقيقة ، لكن عليها ألا تفكر في ذلك الان ، بل ستتركه الى وقت لاحق وهي لا تشك في ان القلق سيتملكها حينها .
ولما هدأ دنزل مجددا ، وراح يرمقها مقطب الجبين ، أعلنت ببساطة : أريدك ان تتحدث الى لوسي .
بدا وكانه مستعد لتصديق اي شيء الان وسألها : أهي هنا أيضا ؟
-بالطبع لا.
وحانت منها التفاتة الى ساعتها ، التي اشارت الى الحادية عشر والنصف . لابد ان لوسي عادت من السينما ، وفي طريقها الى السرير والوقت الملائم للاتصال بها الان .
ووصلت الهاتف بالقابس من جديد ، قبل ان تواجهه والسماعة في يدها :
أولا ، عليك أن تعدني بان تخبرها بما أقوله لك تماما ، من دون أي كلمة أضافية .
فتساءل وعلى وجهه تعبير قلق غامض : ولماذا أفعل هذا ؟
-لأنك لن تتخلص من هذه القيود حتى تقوم بهذا الاتصال.
ضحك ، لكن عينيه لم تعكسا أي مرح : لا يمكن ان تكوني جادة!
- بل أعني كل كلمة اقولها . فاما أن توافق على اجراء هذا الاتصال ، واما أن اذهب وأتركك على هذه الحال طيلة الليل.
فتبدل مزاجه ثانية ، ثم زمجر بغضب شديد :
قد تعتبرين الامر مزاحا ، لكنه ليس مضحكا . ولن يجد القانون ذلك مضحكا بدوره . أتدركين عقوبة جريمة كهذه ؟ ستحاكمين بتهمة الاعتداء والاحتجاز القسري . وقد تسجنين مدة طويلة جدا . وصدقيني لن تحبي حياة السجن كثيرا ، فهي غير سارة أو مريحة ، لاسيما لفتاة مثلك .
وسرعان ماسرت قشعريرة في بدنها ، لكنها قررت ألا تتراجع . فقد فات اوان القلق عما يحدث لاحقا ، حين يتحرر . لذلك ، ستمضي قدما في خطتها ، خاصة أنها أنجزت منها مايمنعها من الاستسلام . قالت ببرودة :
لا أظنك سترغب في إخبار الشرطة أن امرأة أقدمت على تقييدك الى السرير . وقد يسخر المسؤولون منك .
فومضت عيناه ، ثم رأت اسنانه تطبق وكأنه يريد ان يقطع رأسها .
ومالبث أن أضافت ، وهي تهز كتفيها استخفافا :
وحدث عن الدعايات التي ستنتشر ما إن يسمع الناس بالقصة ، وسيقبل الصحفيون الى البلدة سعيا وراء القصة ، وتتحدث الجرائد عنها بالصفحات ، يوما بعد يوم . باستطاعتي أن أتصور العناوين منذ الان . وسيحب الناس القصة ، لكن ماذا عنك أنت ؟ يمكنني أن أتخيل الدعابات التي سيطلقونها . فكر في الامر . صحيح أنني قد أزج بالسجن . لكنك ستمسي محط سخرية الجميع .
رأته يستغرق في التفكير ، وكأن وجهه ساحة معركة . بعد ذلك ، نظر اليها وكأنه يرغب في قتلها . فتريثت لثانية، ثم أضافت : سأرحل بعد دقائق ، ان لم تجر الاتصال . لذا ، اتخذ قرارك.
جمد لبرهة وهو يرمقها ، ثم تمتم بجفاء : ماذا تريدين مني ان اقول لها ؟
عندئذ ، خالجها شعور مزعج بالارتياح . ما ان يتصل بأختها حتى تسير خطتها في في مسارها السليم .
-أريد أن تخبر لوسي أنك آسف لأن تجربة الفيلم قد ألغيت ، وعليك الرحيل ، وأنت غير متأكد من موعد رجوعك.
فتشدق في كلامه ، وهو يرفع حاجبيه الاسودين بتساؤل : وماذا يمنعني من اجراء اتصال آخر ما أن تحرريني ؟
- حينها ، ستكون لوسي في طريقها الى المطار.
رأته يعاود التفكير في المسألة : لكنك قلت إتك ستفكين هذه القيود ، ما إن اتصل بأختك .
- سأفعل ، لكنني لن أتركك هنا وحدك ، ولن تجري المزيد من الاتصالات.
ولمحت وميضا في عينيه وهو يسألها : أتنوين أن تلازميني الليل بطولة ؟
لم تحبذ تلك النظرة التي رمقها بها ، بل لم تعجب بذلك التعبير على وجهه . لكنها تظاهرت بعدم الفهم ، وأجابت بسطحية : معظمة ، نعم ... حسنا ، أستجري الاتصال ، ام لا ؟
منحها ابتسامة ساخرة وأجاب : حسنا .
شرعت تقول له: أخبرها فحسب 0000
فقاطعها : اعرف ما تريدينني أن أخبرها .
- لاتضف أي كلمة او تنقص ، والا قطعت الخط قبل ان تحاول.
ومع أنه لم يجب ، لكن ملامح وجهه عكست الاجابة الشافية .
بعدئذ ، طلبت كلير الرقم ، وانتظرت حتى ارتفع صوت لوسي وهو يقول بتردد: آلو ؟
فرفعت السماعة الى فم دنزل ، وهي على استعداد لخطفها أن لم يلتزم بما أرادته . لكنها سرت لما سمعت صوته عاديا ، خشنا : لوسي ؟ انا دنزل . اسف ان ازعجتك في هذه الساعة المتأخرة ، لكن علي الرحيل لمدة واخشى أن تجربة الفيلم الغيت .
سمعت لوسي تغمغم ، وتخيلت شعور أختها في هذه اللحظة ، ثم انحنت لسماع كلماتها ، فإذا بشعرها الحريري الفاتح يلامس وجه دنزل ، أحست بعدها بتيار كهربائي دفعها الى الابتعاد بسرعة ، فيما عيناه الرماديتان لا تفارقانها . لكنه لن يعرف أن هذا الاحتكاك البسيط جعل قلبها يدق كمطرقة بين أضلعها ، ونبضها يتسارع حتى يفوق كل تصور ...
وبينما هي لا تزال تقرب السماعة من فمه ، تابع كلامه : لوسي ، لا أملك أدنى فكرة متى أتفرغ لرؤيتك ثانية .
وفي هذا الوقت ظل نظره عالقا بوجه كلير ، والسخرية تملأ عينيه ، وهو يضيف :
في هذه الاوقات ، اشعر أنني مقيد ، وأنني لست سيد نفسي .
فاستشاطت كلير غضبا ، وهي تسمع المعنى المبطن ، وترى فمه يلتوي بتسلية لم تشاركه أياها .
استرجعت السماعة بسرعة ، وأضغت الى لوسي وهي تقول بصوت باكى :
دنزل ... ولكن ماذا عن الفيلم ؟ ألن تصوره ؟ ظننت أنك متأكد من أنني أناسب هذا الدور . الا يمكنك أن تجري التجربة لاحقا ؟ أم أنك وجدت ممثلة أخرى ؟ أهذا هو السبب ؟
وسمع دنزل ذلك بدوره ، فالتفت الى كلير . ولما لم تعجبها الطريقة التي رمقها بها ،همست :
-قل لها وداعا.
بعدها قربت كلير السماعة منه من جديد فتمتم دنزل بلطف غامر :
أخشى أنني مجبر على توديعك الان يا لوسي . انا آسف .
وبعد ان أعادت كلير السماعة الى مكانها ، استقامت متنهدة ، ثم نزعت الهاتف من قابسة مجدد ا .
- علي ان أعود الى المنزل الآن ، وأقنع لوسي بأن تلحق بمايك غدا0
فتصلب قبل أن يهتف :لقد وعدتني أن تفكي هذه القيود ! ففكيها... هذا الاحساس بالعجز يقودني الى الجنون .
ابتسمت كلير ابتسامة باردة ساخرة وقالت : انا سعيدة لأنك أدركت ذلك اخيرا !
- ماذا يفترض أن يعني ذلك ؟
-الآن فقط ، تدرك شعور ضحاياك!
-ضحاياي ! لقد استعملت هذا التعبير قبلا ، وأنا لا أدرك الى الان عما تتحدثين بحق الجحيم.
-آه لا ، أنت بالطبع لاتدرك ذلك!
فزمجر : وكفي عن هذه اللهجة الساخرة ! إن كان لديك ماتتهميني به ، تفضلي . لكن دعي هذه التلميحات المبهمة.
-لقد تسببت بمرض هيلين ... -هيلين تسببت بمرضها بنفسها ! لقد تشاجرت مع زوجها ، وتطلقا . لكنها لاتزال مغرمة به ، وتعيسة لفراقه . وهذا ماسبب مرضها ، وليس انا .
-لعلها أحبت بول طيلة ذلك الوقت ، لكنها فقدت عقلها من أجلك ... وأخبرتني نفسها كم شعرت بالعجز . تذكر أنني رأيتها معك ، ورأيت الحالة التي عانتها بسببك.
فأسدل أهدابه ، واخذ يراقبها من خلال رموش سوداء ، فيما عيناه تلمعان كما النجوم الفضية في سماء مظلمة -يبدو أنك تهتمين كثيرا بعلاقاتي مع النساء الاخريات.
تورد وجهها ، ونظرت اليه بغضب قائلة : هيلين صديقتي ، ولوسي أختي .
فتشدق في كلامه ، مما ضاعف غضبها : أهي غلطتي ان وجدتني كلاهما جذابا ؟
-لقد أخضعتهما لتأثيرك ، وكأنك مصاص دماء عاشق ! فتوقفتا عن التفكير بعقل . وبعد ان تغلبت هيلين على مشاعرها نحوك ، أخبرتني كيف شعرت .... بالهوس ، بل كانت عاجزة عن التفكير في أي شيء آخر ، وسعت بعجز الى فك الاغلال التي تربطها بك .
ثم نظرت اليه فجأة ، وقهقهت ، من الغضب الخالص البارد الذي استبد بها .
منتديات ليلاس
وما لبثت أن رمته أخيرا بتلك الكلمات : تماما كعجزك أنت الان!
راقبت ردة الفعل على وجهه ، وعرفت أنه لم يحبذ هذه الفكرة . بعدئذ ، اضافت بصوت خافت تشوبة المرارة :
تماما كعجزي حين كنت في الطابق السفلي ، وتراجعت الى الجدارن وقلت لي إني سجينتك .
ولم يأت حركة ، بل نظر اليها وقد استحوذت على كامل انتباهة وتمتم بهدوء : كنت أمزح ، وهي مجرد لعبة .
فجلست على حافة السرير وسألته : لعبة ؟ حقا ؟ لقد لمستني ضد إرادتي ، اتذكر ذلك ؟ هكذا...
وبتمهل ، مررت إصبعها الطويل على جسده ، وأحست بالتوتر يتسلل الى جسده كله .
-العجز هي الكلمة التي استخدمتها . لقد قلت إننا في حرب ، وانني سجينة عاجزة . والآن ، انظر من هو السجين . كيف تشعر ؟
بدا ذاهلا ، حين مررت إصبعها برفق على وجهه :
مالامر ؟ يبدو وكأنك تعتقد أنك كنت تمزح فعلا في الاسفل . لكني لاحظت أنك استمتعت فعلا بتلك اللعبة التي لعبتها معي.
واستمرت تتلمس تفاصيل وجهه ، من خديه ، الى أنفه ، فعينيه وحاجبيه .
-كنت اللعبة التي تسليت بها ، أليس كذلك ؟ لقد تجاهلت كل احتجاجاتي ، واستغليتني باحدى ألاعيبك الصبيانية ، ولكن ، يمكن لشخص اخر ان يشترك في اللعبة.
واستمتعت بإنكاره ، وهو لايصدق ماذا يحدث له ! ثم مالت نحوه ، فغمر وجهه شعرها الاشقر ، قبل ان تهمس في أذنه : الآن حان دورك لتكون لعبتي!
وشعرت أنه يحاول نزع القيود ، فضحكت ثم نظرت الى وجهه الغاضب ، وعينيه اللامعتين.
-مابالك ؟ ألم تعد تحب اللعب ؟
-حسنا ، لقد استمتعت بوقتك ، والان ، أزيلي عني هذه الاشياء اللعينة ، فقد اكتفيت.
تمتمت وقد تسلل فيها شعور بالابتهاج والدوار : لعلك اكتفيت ، أما أنا ، فلا!
ثم نظرت الى عينيه الساحرتين ، ولم تشعر بإرادتها تضعف ، او بعقلها يضطرب . لقد خسر كل قوته وهو مقيد على هذا النحو!
فرد بحدة : كلير ! لقد بدا صبري يفرغ .
ضحكت وسألته : أيفترض أن يصيبني هذا بالخوف ؟
واستلقت على السرير بجانبه ، وقد أسندت رأسها على ذراعها ، فيما نظرها يجول على جسده .
- يا لها من تجربة مثيرة ، ان تحظى المرأة برجل تحت رحمتها . فلطالما جرت الامور بالعكس بالنسبة لمعظم النساء . ورغم أن الكلام عن المساواة لا ينضب ، الا ان الرجال يتمتعون بالافضلية . فهم أضخم ، أقوى ، ويحورون القوانين الاجتماعية لمصلحتهم . ولا يمكنني أن اسير في الشارع ليلا ، وحيدة ، من غير أن ينتابني الخوف . ولا أقدم على زيارة رجل في شقته بعد موعد معه ، ولا أتواجد معه وحيدة في مكان ما ، إلا إن كنت أعرفه لسنوات وأثق به.
ومن غير وعي منها ، امتدت يدها الى كتفيه العريضتين ، حتى احست بالتوتر يسري فيهما من جراء لمستها .
-عضلاتك أقوى مما تبدو حين ترتدي ثيابك ، كيف تحافظ على قوامك ؟ هل بالرياضة ؟
فأجاب باختصار : نعم .
-أما أنا فأكتفي بالمشي . وكثيرا مانمشي حين يكون الطقس جيدا . لكنني لا أتردد الى الأماكن المنعزلة ، ولا أسير الا في وضح النهار . فالمرأة تفتقر الى الشعور بالامان الدائم ، ان في المنزل ، وان في الخارج.
وبلغت أناملها عنقه فداعبتها بنعومة بإصبع متكاسل وهي تنصت الى وقع تنفسه باحساس من الانتصار . وما لبثت أن همست وهي تبتسم : آه ، أيعجبك هذا ؟
بات الان يراقبها بحدة ثابتة ، فيما عيناه القاتمتان تلمعان .
-سيعجبني أكثر ، لو لم أكن مقيدا كالدجاجة في الفرن!
ضحكت ، في حين تذمر على نحو غليظ : حرريني .
ولم تكلف عناء الجواب بل تابعت يدها مسيرها وتركت نفسها تشعر بتأثير ملامساتها . أما هو ، فأصدر صوتا أجش عميقا ، واستحال لونه أحمر قان .
ابتلع ريقه وقال :
حبا بالله ، كلير ... أرجوك ، انزعي عني هذه القيود ، فأنا لا أستطيع تحمل ذلك ... أحتاج الى احتضانك . ألا ترين ما تفعيلنه بي ؟
فأجابت : لست عمياء .
عندها اطلق لهاثا أجش : كلير...
واتسعت عيناه الداكنتان وراح يتوسل اليها : فكي قيودي ....لا يمكنك تركي هكذا ... أكاد أفقد عقلي!
فهمست بصوت أجش : جيد .
لم تكن تنوي في الاساس أن تضمه أو أن تعانقه لكنها انجرفت في تيار لم تتوقعه . انحنت نحوه تضمه أكثر ، فأحست به يرتجف . كان شعرها يتطاير حوله ، وبقي يراقبها ، فيما شفتاه منفرجتان لا تصدران أي صوت وكأنه بالكاد يتنفس .لكن كلير اكتفت بضمه .
ثم هتفت بالنبرة الاعتيادية نفسها : الجو حار هنا ، أليس كذلك ؟
بدا صوته أشبه بالنحيب وهو يجيب : بدأت أفقد حس الدعابة لدي . يا كلير! انزعي عني هذه الاغلال الآن!
وشرع يتنفس وكأنه أنهى لتوه سباق ماراثون :
لا أصدق أن يحدث هذا معي ... لعلي أحلم ... لا يمكن أن تكون هذه الحقيقة ... لا شك أنني أحلم .
فقالت كلير قبل ان تعانقه : ليس حلما .
عندئذ أطلق لهاثا حادا : يالهي ! كلير ... لماذا تفعلين هذا .
فردت بنعومة : لم أفعل شيئا بعد .
ولم تكد تعانقة حتى رأته يغمض عينيه ، وقد أفلت منه صوت عميق .
لم يكن هذا الرجل الذي سخر منها ، وضايقها طيلة هذه الأشهر ، وهو يمارس الألاعيب اللذكية المعقدة مع بقية النساء . بل بدا محياه مختلفا تماما ، لكنه لم يبد سعيدا باللعبة ، فهو لا يمسك بزمام الامور .
وتذكرت حلمها عشية الميلاد أمام النار، حين انقض عليها طيفة كخفاش الليل الاسود ليبتلعها . كما استعادت وهنها الشديد ، هذا الاحساس الذي لن تتمكن من نسيانه أبدا ، وعرفت حينها أن هذا تأثيره على النساء . لكنه لن يسيطر عليها مطلقا . هذه المرة ، كان هو الضحية . وهذه المرة ، هي من يسيطر عليه ويتحكم به . سمعته يهمس بصوت مرتجف : أنت رائعة . وأنا أتوق الى معانقتك ... فدعيني أفعل ذلك يا كلير ، ولا تعذبيني .
تمتمت وهي تخفض رأسها ثانية : أنا لا أعذبك بل أطهرك .
وسمعت خفقات قلبه تتسارع ، وكانه فقد السيطرة عليها .
-ماذا تعنين بتطهيري بحق الجحيم ؟ أتمنى لو أفهمك يا كلير . فأنا أتحرق شوقا الى ضمك بين ذراعي منذ أشهر ، الا تعرفين هذا ؟ ولا سبيل لي الى ذلك الان وانت تقيدينني بهذا الشكل.
لكن كلير لم تكن تستمع اليه بل اقتربت منه من جديد لتعانقه .
وبدا الخوف يساور كلير . ماذا يحدث لها ؟ بل ما هذا الشعور؟ ليس حبا . لايعقل أن تكون مغرمة به ! فهو لايعجبها حتى . ما كان ينبغي لها ان تلمسه . فكل لمسة تسعر نار مشاعرها .
في هذه اللحظة شعرت بأنها مستعدة لكرة كل امرأة عرفته ، وكل امرأة لامسها أو عانقها أو ...
وتنازعتها مشاعر الحيرة والدوار، وهي تقر أنها لم تخطط لتقييده منذ البداية . فمنذ رأته للمرة الاولى ، وهي تخشاه ، بل تحذر من سلطته على النساء ، وترتعب في السر من خضوعها له في يوم من الايام . وهكذا ، أمضت الأشهر الماضية وهي تحارب الشعور الذي ولده في نفسها ، لكنها كادت تجن حين رأته مقيدا الى السرير وعاجزا عن الاقدام على اي فعل .
أما الان فقلبها هو الذي خرج عن سيطرتها وراح يطالب بحبه بعد أن أخذت نفسا عميقا ، لامست وجهه بيدها ، قبل ان تبتعد عنه .
فما كان منه الا ان اطلق صرخة غاضبة ، حادة وغير مصدقة :
ماذا تفعلين ؟ كلير ... لا تبتعدي عني أرجوك .
لكنها أشاحت بوجهها ، ونهضت عن السرير وهي تكاد نفقد توازنها .
وغمرت وجه دنزل حمرة قانية ، وراح يرتجف بعنف ، فيما صدره يعلو ويهبط ، مع كل نفس جبار يتنفسه .
أدارت له كلير ظهرها ، فسمعته يقول :
لا يمكنك ... لايمكنك أن تفعلي هذا بي . يا إلهي ، اي نوع من النساء أنت ؟ كلير؟ هل تصغين الي ؟ لقد قمت بإغوائي ، فما بالك تنسحبين بهدوء الان ؟ أن كان ذلك مزاحا ، فأنا لا أجده مضحكا .
وتوقف عن الكلام ، ثم تنفس بعمق ، قبل ان يضيف بمزيج من الغضب والحدة:
أتنتظرين مني توسلا ؟ أتريدين مني أن أتوسل بيأس ؟ حسنا ؟ ولكنني لن أفعل ذلك.
وتبدلت نبرة دنزل وهو يقول :
إنها لعبة أخرى ، اليس كذلك ؟ انت تضايقينني ، ليس إلا . لكنك لست من القساوة بحيث تزرعين هذه الاحاسيس في ، ثم ترحلين!
أصابها الاجفال ، فعضت شفتها قبل ان تدير رأسها . ولم يكن باستطاعتها أن تلومه على غضبه ، لذا ركعت بجانب السرير ، وشرعت تتلمس المكان بحثا عن الحزام والسلسلة اللذين خبأتهما هناك .
أما دنزل فراقبها ، والشرر يتطاير من عينيه : ماذا تفعلين الان ؟
وقفت ، وهي تجذب السلسلة نحو السرير ، رغم ثقلها والجلبة التي أحدثتها .
وحين رأى ما بيدها ، اجتاحه التوتر ، وتقلصت عضلات معدته ، وتسمر جسده وهو يسأل : ما هذا بحق الجحيم ؟
لكنها لم تنبس ببنت شفة ، بل جلست على حافة السرير ، وبدأت تدس الحزام تحته .
-كلير ، لقد تماديت كثيرا ! فكفي عن هذا ، حباً بالله!
وحاول ان يوقفها ، فسجن يدها بين الملاءة وجسده ، قبل أن يضيف :لقد أقسمت أنك ستحررينني إن أجريت هذا الاتصال!
هزت رأسها وقالت :
بل أقسمت أن أنزع القيود ، ولم اقل أنني سأحررك . هل تظنني غبية ؟ فأنا أعرف انه لا يمكنني الوثوق بك ، لاسيما أنك قد تتصل بلوسي مجددا ، ونخبرها أنني أجبرتك على إلغاء تجربة الفيلم .
ولم يفتها الوميض الذي لمع في عينيه قبل ان يقول : لكنك إن لازمتني ، فلن أتمكن من ذلك ، أليس كذلك ؟
فوعدته : سأعود ، ولن أتركك مقيدا بالسلسلة مدة طويلة .
احمر وجهه من الغضب ، وتصلب : بل لن تتركيني مقيدا بها أبدا .
- أنا آسفة ، لكن لاخيار أمامي ، وأن أردتني أن أفك القيود ، وأحل الحبل الذي يربط رجليك ، فعليك أن تدعني أوثقك بالحزام . أما بشأن السلسلة ، فقد أقفلت مرتين ، ولن تتمكن من كسرها ، أو فكها . هذا من ناحية ، أما من ناحية أخرى ، فقد تأكدت من أن السلسلة توصلك الى الحمام تأمينا لراحتك . وما إن تغادر لوسي البلاد ، حتى أحررك.
- وماذا لو رفضت أن تلحق بخطيبها ؟
- لن تفعل.
تفحص ملامح وجه كلير المليئة بالعزم ، ثم تمتم وقد لوى فمه :
كلا ، أعتقد أنها لن تفعل ، بما أنك قررت ذلك . يا إلهي ، كم أنت قوية ، أليس كذلك ؟ بل قاسية كالمسامير، وباردة كالجليد ، كنت تنوين منذ البداية ان تعذبيني قبل أن تنسحبي فجأة.
وتجلى في صوته غضب مرير : ان كان من امرأة لا أتحملها ، فهي المعذبة الباردة الاعصاب .
فشحب وجه كلير ، وقد كرهت النبرة التي استخدمتها ، لكنها جاهدت لتحافظ على خلو التعابير عن محياها .وقررت ألا تسعده بكشف الجرح اللذي سببه لها .
وتمتم باختصار ، وعيناه لاتفارقانها : أما من تعليق ؟
وبادلته النظرات من دون أي تعبير . ورغم أنها شعرت أن الكلام بعيد عن السهولة باشواط ، الا انها ، وبطريقة ما ، تمكنت من القول: لا .
فقست شفتاه ، وهو يومئ برأسه ، ويضيف :
كما سبق وذكرت ، أنت باردة كالجليد ، وتفتقرين الى الانفعال . لقد عانقتني لتثيري غرائزي . تلك كانت نيتك ، أليس كذلك ؟
عندئذ ، أجابته كلير على نحو فظ : لا نملك الوقت لهذا .
فرد من بين أسنانه المطبقة :
أنت لا تملكين الوقت ، أما أنا ، فيبدو أن ، لدي وقت العالم كله . فلن أذهب الى اي مكان .
- أسمع على لوسي أن تستقل قطارا الى مانشستر في السادسة من صباح الغد . كما عليها أن توضب أغراضها قبل ذلك . وما زال علي أن أكلمها ، لأنها لا تعلم شيئا عن هذه الرحلة.
-ألن تحتاج الى تأشيرة دخول ؟
حاولت كلير ألا تنظر اليه . فكلما وقعت عيناها عليه ، سرت فيها ذبذبات غريبة .
ومالبثت أن قالت بسطحية :
لقد حصلت واحدة قبل اشهر عدة ، وذلك حين سافر مايك الى هناك ، كي تزوره ، في حال وفرت بعض المال .
-وماذا عنه ؟ متى ستخبرينه بقدومها ؟
- لقد سبق وفعلت.
فأجاب بسخرية باردة : أنت تدهشيننى . وفيك من السرية ما يفاجئني ، إذ لم تطلعي مخلوقا على ماتخططين له .
عندها رفعت ذقنها ، متوردة الوجه وقالت له :
لم أخبره عنك ، أو عن تجربة الفيلم . بل اكتفيت بالقول إنها مفاجئة من لوسي ، وحذرته من أن يذكر الموضوع سلفا .انما علي أن اعلمه بموعد قدومها . كي يلاقيها في المطار، ويحجز لها غرفة في فندق قريب .
فعلق بجفاء ، وهو يدرسها ، كمن يراقب حشرة تحت عدسة المجهر :
لقد فكرت في كل شيء ، أليس كذلك ؟
-بل حاولت ذلك.
وحانت منها التفاتة الى ساعتها ، وقد فرغ صبرها :
والآن ، هل ستدعني أوثقك بالحزام ، أم لا ؟ لانك ، إن لم تفعل ، ستبقى مقيد اليدين طيلة الليل .
-حسنا ، ضعي الحزام اللعين ، بأي وسيلة كانت .
ثم رفع جسده ، تاركا يراحا تدس الحزام حول وركيه .
وأعلنت ، من دون أن تنظر اليه :
قبل أن أنزع الأغلال ، عليك أن تعدني أنك لن تحاول منعي من الرحيل . فعلي أن أرى لوسي الليلة ، وأتأكد من أنها ستستقل تلك الطائرة .
فتشدق في كلامه : سأعدك مقابل وعد منك ، عديني أنك ستعودين ما إن تسافر لوسي بالقطار غدا صباحا .
أومأت برأسها وقالت : حسنا ، أعدك بأن أعود حالما نودع لوسي في المحطة .
ورد : اتقفنا .
لم تكن متأكدة من أن بإمكانها الوثوق به ، الا أنها أخذت نفسا عميقا ، وفكت الاغلال .
ولما سقط ذراعاه ، أجفل ، قبل أن يئن ألما . ومالبث أن راح يفرك ذراعيه .
-يا إلهي ، أعاني أكثر التشنجات سوؤا .
لكن كلير لم تنتظر . فرغم وعده ، قررت ألا تجازف ، وما أن نزعت القيود ، حتى نهضت وحملت الهاتف معها ، ثم اتجهت الى الباب سريعا . ومع أنها سمعته جيدا وهو يستقيم ، ويتقلب على السرير ، الا انها أيقنت أنها بعيدة عن متناول ذراعيه ، فما زال عليه نزع حبل الغسيل عن رجليه المكبلتين . ولا تعد هذه بالمهمة السهلة ، لاسيما أنها تكبدت عناءا كبيرا ، كي يصعب علي أي كان فك الحبل . وأخيرا قالت من فوق كتفها :
سأعود في الصباح ، فأخلد الى النوم .
وتجاهلت العبارة النابية التي تفوه بها دتزل .
وما أن وصلت الى المنزل ، حتى توجهت الى غرفتها ، واستلقت على السرير، من غير أن تبادر إلى تغير ملابسها . راحت تصغي الى الانين المكتوم الذي وصلها من غرفة لوسي ، وبعد دقيقة ، توجهت الى هناك ، أدارات زر الكهرباء .
جلست على السرير بجانبها ، وتناولت منديلا من على الطاولة المجاورة ، وراحت تمسح دموع أختها برفق .
- ما بالك ؟ سمعتك تبكين .
فارتعشت شفتاها ، ثم انفجرت غاضبة بنبرة لم تعهدها كلير من قبل :
هل كنت تسترقين السمع مجددا ؟ ألا يمكنني البكاء بسلام في هذا المنزل ؟
وما لبثت أن بدأت تشكو :آه يا كلير ... لقد ألغيت تجربة الفيلم ، وسيرحل ثانية ، ولن أمثل في أي فيلم بعد ذلك
فتمتمت كلير بصدق : لا يفاجئني ذلك .
ثم تناولت فرشاة من على الطاولة ، وبدأت تسرح شعر أختها الأشعث .
-أظن أن تجربة الفيلم حيلة يمارسها على كل النساء اللواتي يطاردهن.
ولما كانت لوسي تحب أن يسرح لها شعرها ، فقد خفف عنها ذلك ، وسرعان ماتنهدت :كنت محقة بشأنه .
-نعم.
عندئذ أخرجت بطاقة السفر من جيبها ، وأضافت :حسنا ، يمكنك استعمال هذه اذا أردت .
فنظرت اليها لوسي بتعجب وكأنها تتطلع الى أرنب أخرجته كلير من قبعه .
-ما هذا ؟
- افتحيها وسترين .
أخذتها لوسي بريب ، ثم فتحتها وهي تحاول أن تقرأها :
رحلة إلى أفريقيا! ولكنني لا أفهم ، فالرحلة عند صباح الغد ، غير أن ...
- إن لم ترغبي في السفر غدا يمكنك تغيير الموعد ، شرط أن تخبريهم بالأمر سلفا . ولكنني اتصلت بمايك وأعلمته بمجيئك .
ففغرت لوسي فاها ، وهي لا تصدق ، ثم انهمرت أسئلتها :
اتصلت بمايك ؟ أخبرته ؟ متى ؟ ومتى اشتريت البطاقة ؟ بل ما كل هذا ؟
حافظت كلير على هدوئها ، وهزت كتفيها بلا مبالاة ثم ابتسمت لها ، وقالت :
وما همك ؟ عليك اتخاذ قرارك قبل فوات الاوان . فقد حجزت لك في القطار غدا باكرا . كما حجز لك مايك بدوره غرفة في فندق قرب المدرسة . وقد تم تدبير كل شيء . ولم يبقى إلا تحضير أغراضك وركوب هذا القطار .
حدقت لوسي فيها بثبات وهي تعبس ثم سألتها : ومتى فعلت كل هذا ؟
-منذ يومين تقريبا.
- ولكن ... لماذا ؟ ولم لم تخبرينني ؟ ماذا يجري هنا ؟
-لقد قلت لك إني لم آصدق حكاية تجربة الفيلم قط . وكنت متأكدة من أنها مجرد حيلة.
فعضت لوسي على شفتيها وقالت : لا بد أنك تعتبريني غبية .
لكن كلير ابتسمت لها ابتسامة ملؤها المحبة ، وأجابت :
كلا ، بل صادفت مصاص دماء عاشق ، وحسب . وقد سجل هذا الرجل تاريخا في افتراس النساء التعيسات . فهو يظهر بداية تعاطفا ودعما ودودين ، الى أنه ينتهي في فراشهن . وما إن ينال مراده ، حتى يطير الى مكان آخر .
فقهقهت لوسي بعصبية ، قبل أن تسألها كلير :
أليس هذا ما حدث معك ؟ كنت تعيسة بسبب مايك ، الى ان اقتحم حياتك بتفهمه ، ولطفه ، حتى لم يعد بوسعك الا تحبينه . ومن ثم ، حاول جذبك الى فراشه .
فعلا الاحمرار وجه لوسي : لم أخبرك بذلك قط!
لكن كلير ردت بكآبة :
لم يكن من الصعب علي أن أتكهن . اذ يمكن للمرء أن يتنبأ بتصرفاته . وهكذا ، كنت متأكدة من أنه لا ينوي ضمك الى فريق الفيلم .وقلقت عليك ، بل خشيت أن تكون المسألة بمثابة القشة الأخيرة ، بعد مشاكلك مع مايك ، لذا ، بدأت أعد هذه التدابير فإن خضعت لتجربة الفيلم فعلا ، أوجل موعد الرحلة الى حين ، لذا ، لم تكن المجازفة كبيرة . كما أنك تحتاجين الى عطلة يالوسي ، فقد أرهقت نفسك في العمل . ومن هنا ، اعتقدت أنك بحاجة لرؤية مايك ، ومناقشة بعض المساءل معه ، وهي مسائل لا يمكنك مناقشتها عبر الهاتف ، او عن طريق الرسائل ، بل عليك رؤيته ، وجها لوجه .
وما كان من لوسي الا أن عضت على شفتها ، وهي عاجزة عن التوصل الى قرار ، ثم قالت وقد تشعث شعرها الاشقر، وازدادت ارتباكا .
-لا أدري ماذا أقول.
- قولي إنك ستذهبين وحسب!
وما لبثت لوسي أن عانقتها وهي تكاد تنتحب :
أنت رائعة ! وأنا شاكرة لك جدا يا كلير ... ولن أنسى ذلك أبدا 000
-لا أرغب الا في رؤيتك سعيدة يا لوسي . وأظن أنك ومايك مناسبين لبعضكما ، فهو سيسعدك كثيرا . ولم أرد أن تخسريه من أجل ثمن البطاقة فقط . وبما أن الارباح كانت وافرة هذه السنة ، فيمكنني أن أرسلك . والآن ، أتفضلين تحضير حاجياتك ، أم ترك هذا الى الصباح ، ومحاولة الخلود الى النوم ؟
فهتفت لوسي : بل سأحضرها الآن . وباستطاعتي ان انام في القطار غدا .
وقفزت عن السرير ، وقد امتلأت حيوية وإثارة ، ولم يستغرق منها توضيب أغراضها إلا نصف ساعة ، لا سيما بوجود كلير ، التي سرعان ما أجبرتها على نيل قسط من النوم .
ووعدتها وهي تطفئ النور : سأوقظك في الوقت المناسب صباح الغد .
ثم توجهت الى غرفتها ، واستلقت على السرير بدون ان تبدل ملابسها ، وهي تحدق في الظلام . في الواقع ، لم تحس بوخز الضمير لأنها أخفت الحقيقة عن لوسي . فلو أنها لم تكذب عليها ، لرفضت لوسي أن تركب هذه الطائرة ، ولخسرت الرجل الذي آمنت كلير أنه المناسب لأختها .
وهي مقتنعه أيضاُ أن لوسي لن تفوت عليها مستقبلا مهماً في التمثيل ، ولم تخضع لتجربة الفيلم هذه . صحيح أنها جميلة جدا ، وتملك وجها مناسبا للتصوير، ولطالما أقرت كلير أنها تبدو مذهلة في الصور ، لكنها لم تظهر أي موهبة في التمثيل . وقد سبق لها أن مثلت في مسرحيات المدرسة ، لكنها لا تتميز بسحر على المسرح ، أو على الاقل ، هذا ما لاحظته كلير . أما عن دنزل ، فلم يتظاهر مرة بأنه يؤمن بصفات النجمة فيها ، بل لم يعرض عليها هذه التجربة إلا إظهارا لطيبته . ومع ذلك ، كانت كلير متأكدة من أنها لم تخطء بشأن دوافعه قط ، فلقد استخدم عمله كطعم ليغوي لوسي. ولا شك أن هذه الخطة المحكمة قد نجحت مع عشرات النساء قبلها . لكن ، من الواضح انها فشلت مع لوسي .
كان نظرها مازال موجها الى السقف ، فعبست وهي شاحبة الوجة ، باردة. لايجدر بها أن تفكر فيه . لكن فيما تفكر غيره ، ولا شاغل آخر يصرف صورته عن ذهنها ؟ وسرعان مابدأت الصور المزعجة تحتشد في مخيلتها . فلم تستطع أن تصدق الذكرى التي تجتاحها . أحقاً تصرفت هكذا ؟ ما الذي أصابها بحق السماء ؟ لكن صدقها ، وطبيعتها الصريحة ، أبيا أن يكذبا . في هذا الظلام الموحش ، لم تعد تقوى على إخفاء الحقيقة ، أو أنكار مشاعرها نحوه . فأغمضت عينيها ، وتأوهت الذكرى تمزق أحشاءها ، وكأنها ابتلعت زجاجا مكسورا . كانت مغرمة به ، الى حد اليأس . لكن ، أيعقل أن تكون بمثل هذا الغباء ؟ نعتها هذه الليلة بالجنون ، وكان محقا . فمجرد الوقوع في حب رجل مثله ، ضرب من الجنون . ولماذا تطلب الامر منها هذا الوقت كله كي تدرك ماذا يحدث لها ؟ وكيف يخذلها العقل الذي لطالما تميزت به، هذه المرة ؟ لا شك أن العداء الذي ساد بينهما يوم التقيا أعماها ، ولم تدرك أنه كان مجرد غشاء يخفي خلفه خطرا حقيقيا . وفي الليلة الاولى ، شغلها القلق على هيلين ، فلم تدرك انه مصاص دماء سيقدم على أذية هيلين ليرحل بعد ذلك من دون تردد .
وهاهي الآن تتساءل ، ان كانت تجازف هي الاخرى بالاقتراب منه .
لكنها لطالما كانت باردة ، لا بل امرأة أعمال مميزة واقعية ومتزنة ، وقد أقنعت نفسها أنها لن تسمح لأي رجل بأن يؤذيها مجددا ، وأن هال ، الذي كسر قلبها ، قد علمها الحذر من الوقوع في غرام الرجل غير المناسب . وحين استرجعت بعض المشاهد الخاطفة ، تساءلت إن كانت لم تدرك منذ النظرة الاولى أن دنزل بلاك سيهدد سلامها الداخلي . ترى ، ألم تعرف منذ البداية أن تأثيره سيكون عنيفا كالزلزال ؟ وإلا ، لماذا كان الخوف الشديد يستبد بها كلما قابلته ؟ ولماذا راودتها عنه كل هذه الاحلام المزعجة ؟
لقد نجحت في انقاذ أختها من مخالبه ، لكن ، من سينقذها هي ؟
انتهت ليلة العقاب ويليها المواجهة الصعبة 0

 
 

 

عرض البوم صور dede77   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البحيرة السوداء, charlotte lamb, ايمان, دار الفراشة, روايات أحلام, روايات مكتوبة, روايات احلام المكتوبة, روايات رومنسية, روايات روايات رومانسية, شارلوت لامب, vampire lover
facebook




جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:28 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية