كاتب الموضوع :
dede77
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
لاحقاً اتصلت بالمستشفى تسأل عن حال هيلين ، لكنها لم تتلق أي مستجدات باستثناء أن الخطر قد زال عن المريضة التي استعادت وعيها ، وستلازم غرفتها لأيام عدة . فأرسلت لها كلير باقة أزهار مرفقة ببطاقة تتمنى لها فيها الشفاء العاجل . وفي عصر اليوم التالي زارتها فوجدتها تستند الى وسائد مكدسة وهي ماتزال شاحبة فاترة الهمة. ومالبثت أن تمتمت : يقول الاطباء ان بوسعي مغادرة المستشفى في نهاية الاسبوع . بعد ان اجروا الفحوصات شخصوا أنني مصابة بفقر الدم .
ثم أردفت ضاحكة : سأضطر الى شرب الدماء كما دراكولا .
لكن كلير لم تضحك فقد راعها منظر هيلين من الظلال السوداء تحت عينيها الى أناملها الضعيفة واظافرها المتكسرة .لكن حمداً لله أن المرض لا يتعدى فقر الدم مما سيزيل حملا ثقيلا عن كاهل السيدة ستور . الا ان كلير لم تنس نظرة الألم في عيني هيلين وهي تتحدث عن دنزل بلاك وممثلته المثيرة .
وعرفت أن هذا الرجل سبب المشاكل ، ومالبثت أن قالت كاذبة : تبدين بحال افضل .
فأشرقت أسارير هيلين وقالت : أتعتقدين ذلك ؟ وفقا للاطباء ، لا يجدر بي أن أعود للعمل ، بل علي أن أرتاح لأسابيع عدة لذلك فكرت في أن ألازم منزل أخي لكن بول ينصحني بالسفر بعد الميلاد وبما أنه مسافر الى مايوركا الى الشقة التي نملكها هناك فقد اقترح علي مرافقته .
وعلا احمرار طفيف وجنتيها ثم نظرت الى كلير بتحد قبل ان تشيح بوجهها بعيدا وأردفت :
في الواقع كنا متزوجين لسنوات ولن يجد احد الامر غريباً . فأجابت كلير :بالطبع لا . وأظنها فكرة رائعة .
ثم منحت هيلين ابتسامة دافئة وفكرت في ان بول لو اصطحبها بعيدا ستنسى دنزل بلاك وقد تفكر في الارتباط مجددا بزوجها والى الابد وليس أثناء عطلة الميلاد فقط .
ثم قالت هيلين وقد ازداد توردها :
آة وبالمناسبة جوني برتشارد هو من يتولى مسألة البحيرةالسوداء الان .
فردت كلير بهدوء : لست قلقة بشأن هذا . فما زال أمامنا وقت .
عندئذ هتفت هيلين وقد أصيبت بصدمة: آه ، لا ، فدنزل على عجلة من أمره .
- دعك منه الان وانتبهي الى نفسك وحسب وعلى مدى الاسابيع التالية انشغلت كلير بما يفوق العادة وبدا هذا غير مألوف فالناس لا يقبلون على شراء المنازل في الشتاء .
لكن كلير شهدت شتاء حافلاً بالاعمال هذه المرة فقد قامت شركة ببناء بنايات ضخمة تضم شققا فخمة تطل على الميناء ولما عجزت عن بيع معظمها لجأت الى تأجيرها عوض أن تتركها خالية فكلفت كلير بالعثور على مستأجرين مما دفعها الى قضاء الوقت برفقة أي زبون مهتم بالامر في جولات حول المكان واتفاقات حول الايجار . وبما انها امضت معظم الوقت خارج المكتب فقد عاد والدها ليساعدها قليلاً لكن ورغم ذلك يبقى عليها إعداد العديد من التقارير .
وفي أحدى امسيات شهر تشرين الثاني كانت تجلس الى مكتبها منكبة على العمل في وقت أغلقت فيه كل المتاجر الاخرى ، حين رن جرس الهاتف فجأة .
فأجابت بتأفف : آلو ؟
- تبدين حادة الطباع.
أحست بتيار كهربائي يسري فيها لكنها تظاهرت بأنها لم تعرف صاحب الصوت وأجابت ببرودة :من المتكلم ؟
فضحك حتى على الاحمرار في خديها ثم قال :
اسمعي سأرسل فريقا من الرجال الى البحيرة السوداء وسيقدمون لي توصيات تتعلق بكيفية تجديد المكان من دون القضاء على روحة القديمة فهلا أرسلت لهم المفاتيح اليوم ؟ مهندسي هو برنارد آتكنز وسيتصل بك هذا الاسبوع .
- حسنا لكن لايمكنك أن تحدث أي تغيير في المنزل قبل ان تمتلكه فعلا .
- أعلم ذلك وكم تحتاجين من الوقت قبل أن يصبح العقد جاهزاً للتوقيع ؟
- سيحتاج هذا لأسبوع أو اثنين .
ثم توقفت قليلا قبل ان تجيب بصوت اكثر برودة من ذي قبل : اتوقع انك عرفت بمرض هيلين ؟
- نعم لقد تلقيت منها رسالة تفسير وان عدت قبل ان ترحل الى مايوركا فأتفقدها حتما .
فسارعت تجيب : لن أفعل ذلك لو كنت مكانك فهي تحتاج الى الراحة الكاملة ولا يمكنها أن تستقبل زواراً. عندها تغير صوته وأضحى ناعماً حتى اقشعر بدن كلير : لكنها سترغب برؤيتي .
عضت على شفتيها وردت: قد ترغب في ذلك لكن لن يكون ذلك لصالحها .
فأردف وقد زداد صوته نعومة :أنت لاتحبييني كثيرأ أليس كذلك يا آنسة سامر ؟
- أنا لا أعرفك لدرجة تسمح لي بتكوين ولو رأي بسيط عنك .
فتمتم : حين أعود سأحرص على أن نغير ذلك .
فما كان منها الا أن هتفت : علي أن انهي المكالمة ياسيد بلاك . فأخشى أنني مشغولة جداً لكنني سأتأكد من حصول المهندس على المفاتيح مع السلامة .
وبسرعه أغلقت كلير السماعة قبل ان يضيف كلمة اخرى ثم بقيت تحدق في الشارع المظلم الخالي ونبضها يخفق في حنجرتها بشدة وضعت يدها على عنقها بعصبية ، ولما ضغطت على بشرتها أحست بالدم يتجمع تحت ضغط أناملها.
ومالبثت ان أخفضت يدها وهي تذكر نفسها بغضب أنه من الضروري ألا ينال منها هذا الرجل لاسيما أنه الان في الناحية الاخرى من المحيط الاطلسي وسيبقى هناك لمدة طويلة كما ترجو لكن . في حال عاد فلا نية لها بتعزيز أواصر المعرفة بينهما ابدا .
وبعد مضي ساعة عادت الى البيت ولم تفاجأ اذ وجدت أن أحدا لم يقم باعداد الطعام بعد وقد جرت العادة أن توزع الادوار بين أفراد العائلة لكن مع الوقت صارت كلير تعده لسبب أو لاخر فوالد كلير يتكفل بشراء الحاجيات إلا انه لا يهوى الطبخ ولايعد الى ذلك طاهيا ماهرا وكذلك هي الحال بالنسبة للباقين ولطالما اعتقد روبن وجايمي ان الطبخ من مهمة الفتيات أما لوسي فتملك نية تحضير الطعام دائماً الا انها غالبا ماتسافر مع أحلام اليقظة وتنسى الامر
لم تكن لوسي في المنزل ذلك المساء بل وصلت فى منتصف العشاء ثم هتفت بسعادة وهي تجلس في مقعدها المعتاد وتملأ طبقها من وسط المائدة : آه رائع ! سجق وبصل .
فأنبها والدها : كان من المفروض أن تعدي الطعام هذا المساء يا لوسي!
بدأت لوسي تئن : آه لا .. عرفت أنني نسيت أمراً ما .. من طبخ إذاً .
فتساءل والدها بسخرية وهو يرمقها بنظرة اتهامية : ومن تظنين ؟
- أنا آسفة ياكلير لقد نسيت حقا ! بل غاب عن ذهني تماماً ! سأنوب عنك ما ان يحين دورك ثانية فمتى يقع هذا ؟
- غدا .
- حسناً لن أنسى .
ثم نظرت الى صحنها وأردفت :لم أتلق أي رسالة من مايك اليوم أيضاً وها قد مضت عشرة ايام على رسالته الاخيرة ارجو ألا يكون مريضا .
فسارعت كلير تجيب وهي تراقب أختها بقلق : بل لعلها مشاكل البريد .
كانت لوسي رقيقة وحساسة وتجرح بسهولة لذلك تنفست الاسرة الصعداء عندما التقت بمايك دانكن قبل سنة فيما كانت لاتزال في الجامعة أما مايك فكان يتابع دراسات عليا في الجامعة نفسها ويعد أطروحته فيها وهو يكبرها بأربع سنين ، وقد اكتسب خبرة في عمله قبل أن يبدأ باعداد الاطروحه . وسرعان ماأحبته الأسرة بكاملها وسرت لما خطبت لوسي اليه فهو شاب هاديء ومثابر ومحب . لكنه مالبث أن تلقى عرضا للعمل في افريقيا لسنة واحدة كأستاذ في دار المعلمين هناك .فأصر على تأجيل الزواج حتى عودته , وافقت العائلة بأكملها مجدداً مع ان كلير ظلت تشك في دوافعه من حين الى أخر . ومع ان لوسي مازالت شابة والسنة سرعان ماتنقضي ، الا ان كلير أدركت أن غياب مايك بات يقض مضجع أختها .
مضى على سفره ستة أشهر ومن المفترض أن يعود في الربيع استعداداً للزواج . وخلال هذه المدة واظب على بعث الرسائل الخطية والتسجيلية أيضا لكن الأوراق لا تماثل وجوده الى جانبها لذلك أحست لوسي بالوحدة والملل غالبا .
ومالبثت أن تمتمت وهي تتصنع ضحكة لم يصدقها أحد : لا باس ما دام لا يقابل فتاة أخرى!
فتبادلت كلير ووالدها النظرات لكن أيا منهما لم يتفوه بكلمة ومع ذلك تكهنا بما يشغل بال كل منهما فماذا لو صحت مخاوف لوسي ؟ وأنباهما الارتعاش في شفتيها بالجرح العظيم الذي قد يحدثه فيها ذلك . وهتف جايمي وهو لايبالي الا بنفسه : هل لي بحلوى الشوكولا ؟ بالمناسبة ، اقلت لكم ماذا أريد كهدية للميلاد ؟ لذا أعددت لائحة ، توفير لوقتكم ولمساعدتكم .
- لا تأتي على ذكر الميلاد حتى. ومالبثت كلير أن اطلقت تنهيدة عالية وهي تتذكر كل العمل الذي يستوجبة موسم الاعياد عليها ان تعد لائحة بمهماتها ولكن في الوقت الحالي أرادت أن ترجئ فكرة الميلاد حتى تعتاد عليها .
ثم أمر جورج سامر ابنه الأصغر : كل الحلوى ثم ساعد في تنظيف المائدة.
وراحت كلير تراقب جايمي يضيف حصة جديدة من الشوكولا ، وذهنها غائب عنه كليا في الحقيقة كانت تفكر في دنزل بلاك .. سيتطلب منه تجديد البحيرة السوداء أشهراً عديدة فهل سيقيم في أمريكا في غضون ذلك ؟ لا بد انه تلقى عروض عمل عدة بعد نيله تلك الجائزة . وهي تذكر أنه غادر أمريكا لأن أحدا لم يكلفه بفيلم جديد . فماذا لو تغير ذلك الان ؟ حينها لن يضطر الى الانتقال الى هنا مجددا ولعله سيبيع المنزل ما إن يجددة .
أحست بنبضها يثب مجددا ، فشعرت بالانزعاج وعضت شفتيها . بما أنها غير معجبة بالرجل ، لم تراها تحفل به ؟ وسرعان ماظهرت بوادر كانون الاول فهبت رياح ثلجية من البحر إلى البلدة ،فاكتست هذه منظراً رمادياً كئيباً وقد وقعت أسيرة سماء تكدست فيها غيوم سوداء تنبء بالمزيد من الثلج . وأخيراً تلقت لوسي أخبارا من مايك . فوصلتها ثلاث رسائل دفعة واحدة بعد أن تاخرت في بريد أفريقيا كالعادة في ذلك الوقت من السنة .
وفيما غمر الحماس والارتياح قلب لوسي ، ظلت كلير على قلقها فتقلبات مزاج أختها الجامح تزعجها ، لأنها تدل على سرعة تأثرها . وتمنت كلير لو أن مايك يعود الى الوطن في وقت مبكر .
ومن بداية هذا الشهر ، أصبحت البحيرة السوداء ملكا لدنزل بلاك مما خلق هياجا في صحف لندن وشبكات التلفزة المحلية . وانطلاقا من ذلك ، اجتاح فرق تصوير وكالة كلير ، وحاول أن يقابلها ، لكنها طلبت منهم المغادرة ، بمنتهى البرودة ورفضت الاجابة عن أسئلتهم ورغم ذلك أذيع خبر عن الموضوع على التلفاز في ذلك المساء .
- لم لم تقابليهم ؟ فمن الروعة أن نراك على شاشة التلفاز!
فأجابت وقد رأت موافقة أبيها واشمئزاز أخوتها :هذا يعد من آداب المهنة . فلا يجدر بي أن أتحدث عن زبائني .
واستطاعت كلير أن تودع قسما هاما من أرباحها في المصرف . في الواقع ، كانت أرباح الوكالة هذه السنة أوفر مما توقعت ، وبدت في الحالة المادية جيدة جداً . فقالت لأبيها :
أظننا نستطيع أن نوظف أحداً ليساعدني في المكتب على الاقل بدوام جزئي .
وافق ابوها قائلاً: وحينها ترتاحين من العمل في المناسبات ، فأنا أكره أن اراك متعبة بهذا الشكل .
هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت : أنا بخير .
- لا اريد أن ينتهي بك المطاف كالمسكينة هيلين شيرارد. فأجابت وعيناها الزرقاوان تنمان عن غضب عميق : لن يحدث ذلك فلا تقلق .
في الحقيقة ، يدفعها تعقلها الى الاحتراس من أي رجل ومنعة من إخضاعها لهذه التجربة ، لاسيما إن كان رجلاً كدنزل بلاك .
في وقت لاحق من الاسبوع ، وقعت على مقال في الصحيفة عن النجمة التي مثلت في فيلم دنزل بلاك الأخير . كانت الصورة تبينها على نقالة ، في عيادة في لوس أنجلوس ، وقيل إنها تناولت جرعة مفرطة من الهيروين، حتى شارفت على الموت . ونقلاً عن صديق مقرب تبدلت حالة الممثلة منذ انتهائها من تصوير فيلم دنزل بلاك .
وأضاف الصديق : لايعود السبب الى المخدرات بل الى الحب فلم يرها كثيراً خلال الأشهر المنصرمة أما هو فقد أنهى الفيلم وأنهى معه علاقتهما مما جرح قلبها .
حدقت كلير في الصورة المبهمة ، وتراءى لها التعبير المأساوي على وجه الممثلة , وفي عينيها السوداوين الشبيهتين بالأشباح ألم تبد هيلين على هذه الصورة مؤخرا ؟ ترى ماذا يفعل هذا الرجل في النساء اللواتي يغرمن به ؟
وفي عطلة نهاية الاسبوع ، استأجرت كلير الفيلم من متجر الأفلام المحلي ، وشاهدته مرات عدة . سحرها الفيلم نفسه وجمال الممثلة ، وكان عليها أن تقر بمهارة دنزل في الاخراج ، فالتصوير جميل ، بل ساحر ومختلف عن اي فيلم شاهدته من قبل . أما المشاهد الحميمية ، فقد صورت برقة زادت جوها الحميمي . وقبل أن تخلد للنوم ، استلقت على السرير في الظلام وهي تفكر في الفيلم وفي دنزل بلاك . ولما شاهدت الفيلم ثانية ، استنتجت أنه رجل ذكي ومعقد وخطير . وحين أرجعت الشريط الى صاحب المتجر ، سألته إن كان يملك أفلاما أخرى لدنزل بلاك , فسلمها شريطا قضت الليلة التالية في مشاهدته ، مرات عدة أيضا . وبعد ذلك شاهدت كل افلامة في سلسلة سريعة ، وهي تحاول أن تكتشف شخصيته من خلال أسلوبه في الاخراج . وهي المرة الأولى التي تولي فيها مخرجا كل هذا الاهتمام ، أو تحاول سبر أغواره من خلال نوعية العمل الذي يقدمة وأدركت أن في أفلامه أدلة موزعة هنا وهناك .
وفي عشية الميلاد ، أغلقت الوكالة مبكرا أي ما ان تجاوزت الساعة الرابعة بقليل . ثم شقت طريقها في الشوارع المكتظة بالمارة وراحت تسرق اللحظات الأخيرة بحثا عن هدايا الميلاد .
راحت تحدق في واجهة أحد محال الملابس الداخلية الغالية الثمن ، حين أحست بشخص يتوقف وراءها . ورفعت نظرها بشكل غريزي الى الواجهة الزجاجية لتشاهد صورة الغريب ، لكنها لم تر أحد . وإذا بصوت يرتفع من وراءها : مرحباً .
تصلبت ونظرت خلفها ، ولما عرفت ذلك الوجة سرت في جسمها قشعريرة باردة . وكيف لها ألا تتعرف إلى ذلك الشعر الأسود الناعم الذي يتدلى حتى الصدغ ، وهاتين العينين الرماديتين الثاقبتي النظر وهذا الفم القاسي .
وبقيت لثانية عاجزة عن الحركة لا بل مشلولة وكأنها في كابوس تواجه خطرا تعجز الكلمات عن التعبير عنه ، وقد جمدها رعب كلي . وقفت تتفرس في هاتين العينين وهي تشعر أن قوة الارادة فيهما تكاد تحرقها .
وسألها بذلك الصوت الغامض العميق : لم تنسيني ، أليس كذلك ؟
في تلك اللحظة تمنت لو تستطيع أن تومئ برأسها وتجيبه انها نسيته . لكنها لن تكون الا كذبة تعرف تمام المعرفة أنه لن يصدقها .
على أي حال لم ينتظر أي اجابة بل تابع بهدوء : ماذا ستشترين ؟ القميص الابيض المحتشم أم ثوب النوم الفيكتوري الفضفاض الذي يزرر من الرقبة حتى القدمين ؟ فقد رأيتك تنظرين إليهما . لماذا لا يدفعك الحماس مرة الى شراء ثوب مثير كهذا الثوب الاسود ؟ فباستطاعتي أن أتصورك فيه .
ثم ابتسم ابتسامة ساخرة عريضة زادتها ضيقاً وأحست بلون حارق يجتاح محياها .
طرفت عيناها ، وحاولت ان تتخلص من السحر الذي يطوقها فيما خفقات قلبها تزداد سرعة وأنفاسها اضطرابا . وسرعان ما أحست وكأنها تستيقظ من سبات شتوي وبدا لها أن أعضاء جسدها كاملة أخذت تعمل تدريجياً بعدما توقفت مدة قصيرة .
وغمرها شعور قوي بالدوار ، جعلها تستشيط غضباً فردت عليه بحدة : لا أتسوق لنفسي ، بل أبتاع هدايا الميلاد!
لم تكن تثق أن باستطاعتها المحافظة على أدبها طيلة فترة حوارهما . ولذا كان عليها ان تبتعد عن التأثير الطاغي الذي يتملكها ما إن تقترب منه . وهكذا فعلت حتى كادت تصطدم بباب المتجر . فتبعها بدوره ، ورجلاه الطويلتان تسمحان له بمجاراتها من دون عجلة . ثم أضاف : لأختك الصغيرة الجميلة ؟
ولما سمعت أنه مازال يذكر لوسي تملكها الاسف . وادركت باشمئزاز أن عليها أن تحول دون لقائه أختها مجدداً . فآخر ماتريده هو أن يلحق الأذى بها لاسيما أنها مازالت حساسة في الوقت الحالي . وقد يطيح هذا الرجل بعقلها ويجرحها كثيراً تماماً كما فعل بهيلين والنجمة السينمائية . لكن كلير مستعدة لقتله إن هو اقدم على ايذا اختها .
توقفت عند باب المتجر وسالته :
أنت لاتعيش في البحيرة السوداء اليس كذلك ؟ فقد سمعت ان البنائين باشروا عملهم قبل رأس السنة.
فأجاب بجفاء :معلوماتك دقيقة جدا . من المدهش كم تنتشر الاشاعات في بلدة صغيرة . وبالحديث عن الاشاعات ، أود ان اشكرك لأنك رفضت التحدث الى الصحافة . لقد أخبرني احد الصحافيين ويبدو ان اهتماماتهم قد خبت الان . ولكن ، في حال تعطشوا الى المزيد من المعلومات مجدداً سأكون شاكراً لو حافظت على تكتمك . ففي الاشهر القليلة المقبلة سأكون مكبا على أعمالي ولا أريد أن أضيع الوقت مع وسائل الاعلام .
أومأت ببرودة وقالت : أفهم ذلك إنما أستنتج أنك تلجأ اليها حين تخدمك .
فاحتدت في عينيه نقطتين سوداوين وأجاب : نعم ، فهي شر لابد منه .
- وبالحديث عن هذا عرفت من الصحافة أنك فزت بجائزة عن فيلمك الاخير. .
كانت تنظر الى الاسفل في أثناء حديثها لكنها ظلت تراقبه من خلال أهدابها وأردفت : أهنئك .
فراقبها هو الآخر وقد ضاقت عيناه وعلت السخرية محياه وقال : شكرا .
وازدادت كلير جرأة في كلامها : من المؤسف أن نجمتك باتت متوعكة منذ انتهاء الفيلم!
واذا بها تلاحظ ملامح وجهه تشتد وفمه يقسو فيما عيناه الرماديتان يكسوهما الجليد ومالبث أن أشاح بوجهه بعيدا .
- من حسن حظي أنني رأيتك . فقد مررت بمكتبك منذ قليل ، أملاً أن تعثري لي على مكان أقيم فيه لستة أشهر أو سنة ، بانتظار أن يجهز المنزل . تكفيني شقة ، اوحتى كوخ صغير.
فردت كلير باستمتاع : أخشى ان ما من مكان مناسب في سجلاتي في الوقت الحالي .لم لاتبحث على طول الشاطيء ، أو ربما في نواحي يورك ؟
فرماها بنظرة قاسية وقال : أحتاج الى السكن بالقرب من البحيرة السوداء طالما أن اعمال التجديد تجري هناك- عندئذ ابتسمت كلير ببرودة وأجابت : حسنا ، إذا صادفت اي مكان فسأعلمك . هل تقيم في فندق جيمي ستور مجددا .
ومضت عيناه :كلا ، اذا يبدو ان لاغرف شاغرة فيه . ففي الوقت الحالي، تقيم هيلين هناك ، ومامن غرف اضافية. لكنني اقيم هنا في البلدة.
بالكاد يعد هذا مفاجئا لاسيما بعدما سببه لهيلين !
فقالت والبرودة البارعة نفسها في صوتها ووجهها : انا متاكدة من انك ستكون مرتاحا تماماهناك ، والان علي أن أذهب الى اللقاء .
|