هذه هي رواية الكاتب الصغير محمد سمير الشتيوي البوليسية ...
وبما أن الرواية طويلة, فإنها سوف تنزل على شكل أجزاء متعاقبة ...
هذا هو الجزء الأول .. وإذا أعجبكم أخبروني لكي أستعجل في طرح بقية الرواية ...
الكاتب في سطور :
ولد الكاتب الرائع محمد سمير الشتيوي في مدينة الرياض سنة 1996م
نشأ وترعرع في بيت والده السيد سمير بن حسن الشتيوي . كانت هوايته وميوله إلى الرسم أكثر من أي شيء غيره , وكان يحب اللوحات الرائعة التي يرسمها بيده , لكنه بعد مدة طويلة وبعد أن رسم عدة لوحات , لم يجد أي تشجيع من قِبل أهله . ففكر في شيء آخر قد يعجب أفراد عائلته .
بدأ يقرأ قصص الأطفال القصيرة , وبعد مدة قصيرة كتب قصة أطفال كانت مفاجأتها أنها مؤلفة من ستة أجزاء بعنوان ( فرفور المحبوب ) . ولم تكن هذه القصة في مستوى جيد , كما أن حبكتها لم تكن دقيقة جداً . حاول مرة أخرى , لكن هذه المرة كانت رواية طويلة بعنوان ( جون ماريو ) .
لكنه لم يأت بجديد , فقد كانت هذه الرواية مُنتَقدة من قبل الجميع .
لقد كان محمد سمير طفلاً عجيباً ؛ فقد كان يكتب قصة أطفال , وإن لم تنجح حاول برواية , وأيضاً لم تنجح فحاول بمسرحية أعجبت الجميع .
كتب مسرحية بعنوان ( الفقراء ) كانت هي بداية نجاح هذا الفتى الصغير الذي لم يبلغ الخامسة عشر من عمره . وسرعان ما أتبعها بمسرحية أخرى رائعة بعنوان ( تاجر في هامبورغ ) , ومثل التي سبقتها كانت رائعة سواءً كانت في الحبكة أو في الشخصيات أو في النص المسرحي .
في هذه الأثناء عادت إليه روح الكتابة من جديد , فكتب رواية كانت من أروع رواياته على الإطلاق بعنوان ( آمالي في حياتي ) . كان محمد سمير يكتب ويقرأ الروايات والمسرحيات , وفي أحد المرات قرأ رواية بوليسية للكاتبة ( أجاثا كريستي ) . وبعد أن انتهى منها ورأى النهايةالغير متوقعة أعجبه الأدب البوليسي , فكتب رواية بوليسية بعنوان ( جريمة في المقهى ).
وفي هذه الرواية , ابتكر الشخصية الناجحة ( جيرمون كيليفون ) هذه الشخصية التي نجحت في حل ألغاز الجرائم , وسرعان ما برزت هذه الشخصية في عالم الرواية البوليسية . وبعدها كتب عدداً من الروايات البوليسية وأبرزها ( جريمة في القطار السريع 2009م ) و ( لغز شراب البرتقال 2009م ) و ( ساعة الجريمة 2009م ) ومسرحية ( حب وقتل في القرية الجنوبية 2009م )
مقدمة :
هل قرأت رواية ( المؤتمر الصحفي ) للكاتب محمد الشتيوي .
كثيراً ما سمعنا عن نجاحات السيد جيرمون كيليفون مع صديقه السيد جيمس ريموند صاحب الوجه الأحمر والخجول دائماً .
إنه سيد قدير جداً ويسعى دائماً إلى فعل الخير .
أما السيد جيرمون كيليفون , فهو غني عن التعريف .
فشهرته تصل إلى قارة آسيا في الصين واليابان والسعودية ,
وهو من علم صديقه ريموند حب الخير للجميع . دائماً ما تطلب الشرطة اليابانية والصينية هذا السيد ليقوم بحل لغز جريمة أو الإمساك بأحد المجرمين المتسللين ...
لقد دعيت من قِبل السيد كيليفون للعمل كسكرتيرة خاصة , وخادمة في الوقت ذاته . وقد كدت أن أفقد عقلي عندما تلقيت هذه الدعوة للعمل مع أنني أعمل كخادمة وبمرتب ضئيل جداً .
الجميع يحسدونني على هذه الرتبة التي أعمل بها , ودائماً ما يعرض على سيدي المحقق أموالاً طائلة للحصول على خدماتي .
ولا أعرف ما هو سبب رفض سيدي لهذه الدعوات مع أن الأموال التي ستدفع غالية جداً . لقد وصل في أحد المرات عرضاً من الأميرة جيردينا بمبلغ مئة ألف جنيه . وكالعادة لم تنجح هذه الأميرة في الحصول على خدماتي . وفي هذه الأثناء , بدأت أحاول معرفة السر الذي جعل ذلك المحقق يرفض الاستغناء
عن خدماتي التي لا أراها بمستوىً يرغبه الجميع . إنني فعلاً أعترف بأنني لا أعمل بشكل جيدٍ جداً . ففي نظري أرى خادمة جارنا السيد ميتشيل أفضل مني بكثير ؛ فأنا لا أجيد الطبخ ولا أعرف الزراعة ولا حتى تنظيف وترتيب المنازل ! أنا متعجبة !!
قُدمت عروض أخرى لسيدي , ولم يقبل أبداً . حينها قررت بألا أتخلى عن سيدي حتى الموت ...
***
إنه اليوم الأول من شهر شباط , وأنا مثل أي يوم آخر مكلفة بتنظيف حجرة السيد كيليفون وبيته الرائع .
دخلت الغرفة وأنا أحمل علبة صغيرة بلاستيكية شفافة يوجد بها قليل من المياه التي أحضرتها من دورة المياه المجاورة للحجرة .
كما كنت أحمل في يدي اليمنى قطعـة قـمـاش حـمـراء صـغـيـرة .
بدأت أنظف أخشاب السرير بالماء , ثم الدولاب الصغير وبقية الأشياء التي تُنظف بالماء . وفي النهاية توجهت إلى السرير وبدأت أرتب الفراش والوسادة والغطاء . وضعت الوسادة في مكانها ثم رفعت الغطاء الصغير لأطويه بالطريقة الصحيحة .
لكن وأنا أرفعه رأيت شيئاً يسقط على الأرض بسرعة الضوء .
لم ألق له بالاً , بل تابعت الترتيب إلى أن انتهيت . خرجت من الغرفة ودفعت الباب بقدمي .
بدأ ذلك الشيء الذي سقط من الفراش وأنا أرتبه يثير فضولي .
فكرت : " غريب ! ترى ما الذي يمكن أن يكون قد سقط ؟ "
عدت مسرعةً لأرى ما الذي سقط . اقتربت من السرير فلم أجده , فتوجهت إلى الجهة الأخرى لأجد ورقة صغيرة بدا لي أنها فطيرة محشوة بالقشطة . أخذتها وفتحتها , ولم أجد شيئاً خطر ببالي , فقد كان شريطاً صغيراً أسوداً , وكانت الورقة مليئة بالكلمات .
قرأتها :
الشريط خاص جداً يا فــاديــت .
لا يجب أن تلمسينه أو تحاولي
الاستماع لما في داخله . إنــــه
خاص وخطر جداً يا صغيرتـي .
لا تحاولي الاستماع إليه أبداً .
سنبقى على اتصال ياعزيزتي .
الـجـزء 1
حقائق
وغرائب
الفصل الأول
هل هو في خطر ؟؟
اقتربت عقارب الساعة من الثامنة في الصباح الأول من الإجازة التي حصلت عليها الآنسة فاديت . لقد كانت خائفة جـداً مـنـذ أن رأت تلك الرسالة التي تلقتها من أحد الأشـخـاص الـوقـحـيـن ...
حاولت فاديت ألا تظهر خوفها أمام السيد كيليفون الذي عاد من بيت صديقه جيمس ريموند مرهق جداً . فتنهد عندما دخل وقال : " مرحباً يا فاديت , هل أنت بخير ؟ " كان السؤال مفاجئاً لفاديت
المسكينة ؛ فقد ظنت أن كيليفون يعرف بالأمر الذي حصل اليوم .
أجابته وهي مرتبكة قليلاً : " أ ــ أجل سيدي . هل تريد أن أحضر لك كأس عصير بارد ؟ "
" لا , أنا لا أريد شيئاً سوى النوم . " صعد الدرج ببطء ثم دخل غرفته ورمى بنفسه على السرير الذي اهتز بسرعة . ولم تمض سوى عشر دقائق حتى استغرق في سبات عميق .
في الطـابـق السـفـلـي , كـانـت فـاديت المتحيرة تفكر في الرسالة اللعينة . ترى كيف تمكن ذلك الوغد من وضع الرسالة في غرفة كيليفون دون أن تلحظه أو تسمع صوته ؟ وفي الأساس , لـمــاذا لم يضع الرسالة في غرفتها ؟ هل كان يريد أن يورطها مع السيد كيليفون ليطردها من العمل مثلاً ؟ كل هذه الأسئلة بدأت تدور في ذهنها , ولا زالت تفكر وتفكر . ماذا ستفعل لو علم السيد كيليفون بهذا الأمر ؟
خرجت من البيت متوجهة إلى منزل السيدة ريزيلا , وكانت تضع في جيبها تلك الرسالة والشريط الأسود . لم تـذهــب لبـيت ريزيلا لمقابلة السيدة ريزيلا العجوز , بل مـقـابـلـة خـادمـتـهـم الـسـيـدة فالـنـتـيـنـا . ضربت الجرس الهادئ مرتين وانتظرت أقل من دقيقة إلى أن فتحت الباب فالنتينا .
كانت فالنتينا ذات وجه بشوش مشرق ببشرة صافية بيضاء رائعة . وكانت عيناها كبيرتان رماديتان .
كما كانت رموشها وحواجبها كثيفتان جداً مثل الجمل في الصحراء . وكانت ترتدي مـلابـس بـالـيـة ذات ألـوان فـاتـحـة .
رحبت بفاديت التي كان وجهها شاحباً وقالت : " ماذا حصل يا فاديت ؟ هيا أخبريني , ماذا حصل ؟ " لقد كانت السيدة فالنتينا
فضولية جداً وتحب أن تعرف كل شيء يحصل في القرية .
" فالنتينا , هل بإمكاني أن أتحدث إليك دون أن يسمعنا أحد ؟ "
" آه ’ هذا مؤكد يا عزيزتي . تفضلي . " دخلت فاديت بيت ريزيلا وهي متعبة جداً . كانت عيناها حمراء كالدم ووجهها غريب لا يشبه الوجه المعتاد المشرق أبداً ...
جلست الخادمتان في غرفة الجلوس وأغلقت فالنتينا الباب بهدوء لكي لا تسمعها السيدة ريزيلا .
" هيا يا فاديت , أخبريني , ماذا حصل لكي ؟ "
" أنا لا أشعر بأن ما يحصل حقيقة , أعتقد أنني في رواية بوليسية خيالية . "
" لماذا ! ما الذي حصل ؟ "
" أنظري يا فالنتينا . " أخرجت الورقة من جيبها وسلمتها لفالنتينا . أخذتها صديقتها بسرعة وفتحتها وبدأت تقرأ :
الشريط خاص جداً يا فــاديــت .
لا يجب أن تلمسينه أو تحاولي
الاستماع لما في داخله . إنــــه
خاص وخطر جداً يا صغيرتـي .
لا تحاولي الاستماع إليه أبداً .
سنبقى على اتصال ياعزيزتي .
قالت فالنتينا بصوت مرتفع : " ما هذا ! من الذي أرسل هذه الرسالة يا فاديت ؟ "
أجابتها فاديت بعد أن تنهدت : " إنه رجل وقح لم تعلمه والدته الأدب أبداً . إنه مجرم . "
" من المؤكد أن السيد كيليفون هو من كتب هذه الكلمات يا
فاديت , والمطلوب منك هو الابتعاد عنه بأسرع وقت . "
" ماذا ! هذا شيء مستحيل يا فالنتينا . إن السيد كيليفون يحبني كثيراً ولا يقبل بأن يعتدي أحد علي . "
" أوه يا فاديت , الكثير من قبلك كانوا يثقون بأصدقائهم كثيراً , وفي النهاية ندموا لمنحهم أصدقاءهم هذه الثقة . دائماً ما يخون الأصدقاء بعضهم البعض . "
" أعرف هذا , لكنني لا أصدق أن كيليفون قد يفعل مثل هذه الفعلة ويقوم بخيانتي . أنا لا أصدق ما تقولينه يا فالنتينا . "
" حسناً , لماذا وجدت الورقة على سرير كيليفون ؟ لأنه هو من كتبها . "
" أه , هل ــ هل تعتقدين أن كيليفون سيفعلها ؟ "
" هذا مؤكد يا فاديت . لا تكوني غبية تُخدعين بسهولة . "
" لكن لماذا رفض عرضاً بمائة ألف جنيه ليحصل على خدمتي ."
" المسألة واضحة . لم يرفض إلا ليقتلك بطريقة تمتعه . "
" فالنتينا , لا تقولي مثل هذا الكلام . إن القتل هو آخر ما يفكر به السيد كيليفون . يبدو أنك نسيت عمله . أليس كذلك ؟ "
" لا , لكنني حذرتك , وسترين في النهاية من المخطئ . "
كانت نبرة فالنتينا تعبر عن مدى خوفها على فاديت . لكن فاديت لم تقتنع بعد بأن كلام فالنتينا هو الصحيح ...
نظرت فاديت إلى صديقتها وهي تختنق من القهر . ولو أن أحدهم قام بلمسها لبكت . كان وجهها محمراً وعيناها تدلان على أنها
هزمت في حرب وحكم عليها بالإعدام ...
إنها فعلاً مثل سيدة حُكم عليها بالإعدام . لقد خانها سيدها كيليفون الذي عاشت معه سنيناً طويلة ... يا لها من مسكينة ...
***
نظر السيد كيليفون إلى ساعة بيته المعلقة على الحائط , ثم تنهد ووقف محولاً نظره إلى باب المنزل .
انطلق إلى الباب وخرج ثم ركب سيارته ال( رولز رويلس ) وانطلق بها إلى الشارع الجنوبي السريع . كان يقود السيارة بسرعة جنونية , وكان من الواضح أنه تأخر عن موعد محدد .
توقف عند بيت مبني من طراز قديم , يتكون من طابقين .
وأخيراً فتح علبة صغيرة في السيارة كان يتكئ عليها أثناء قيادته , وأخذ مشطاً وصفف شعره بطريقة مرتبة جعلته يظهر بشخصية شاب لا يهمه شيء في الدنيا سوى الأكل والشرب والنوم واللعب . خرج من السيارة الفخمة وأغلق الباب خلفه بالمفتاح ثم ضرب جرس البيت الذي توقف عنده .
فتحت الباب سيدة بدت في الأربعين من عمرها .
" مرحباً , هل أنت السيد كيليفون ؟ "
" أجل , هل بإمكاني مقابلة السيد كاتشرز ؟ "
" نعم , تفضل سيدي . " دخل كيليفون البيت وجلس في غرفة الضيوف التي كانت مرتبة بشكل يدل على براعة الشخص الذي رتب كل هذه الأشياء . انتظر في الغرفة بضعة دقائق إلى أن دخل رجل له وجه مربع سمين, وعينان غائرتان دائريتان مضحكتان .
" أهلاً بك يا صديقي . " رحب بصديقه كيليفون وصافحه بيده السمينة .
" تفضل يا سيد كيليفون . "
جلس الاثنان على أريكة وبدأ كيليفون الحديث قائلاً : " حسناً سيدي , هاأنذا أمامك , بماذا تحتاجني ؟ "
" أعتقد أنك سمعت عن ذلك الرجل المتشرد الذي قتل سيدتين كانت تمران من أمامه . أليس كذلك ؟ "
شارَطَه كيليفون وقد بدأ يغضب : " إذا كنت تريدني أن أساعدك في إحدى قضاياك المعقدة سأخرج . "
ضحك كاتشرز بشكل غريب وقال : " من الواضح يا صديقي أن الجرائم أصبحت تسيطر على حياتك . "
" لماذا ؟ هل لديك شيء تريدني فيه غير الجرائم ؟ "
" نعم , شيء رائع كنت تتنمى رؤيته عندما كنت في الثالثة والعشرين من عمرك . عند أول لقاء لنا . "
" أوه , من المؤكد أنني أصبحت أكره ذلك الشيء . لقد أحببته قبل ثمانية عشرة عاماً . "
" هذا مستحيل يا كيليفون . لا زلت تحبه كثيراً . "
" ما هو ذلك الشيء ؟ أخبرني ؟ "
" هل أنت جاهز يا صديقي ؟ "
" هيا يا دامون . إنك تحمسني لرؤية هذا الشيء . "
أدخل دامون كاتشرز يده في حقيبة صغيرة كانت بجانبه على الأريكة وانتزع بقوة شيئاً أسوداً صغيراً .
" تفضل يا صديقي . "
" ما هذا ؟ "
" إنه شيء يخصك يا صديقي . لا تفتحه الآن , عليك أن تفتحه في بيتك , ولكن لا يجب أن يراك أو يسمعك أحد . هل تفهم ما أعني ؟ "
" لا , فسر الأمر يا كاتشرز . "
" إن هذا شريط وصلك من سيد لا أعرفه . طلب مني أن أسلمه إليك وقال لي أنه سيذكرك بشيء تحبه . "
" أخبرك أن هذا شيء كنت أحبه قبل ثمانية عشر عاماً . أليس كذلك ؟ "
" أجل , لكنه سيد له وجه شاحب جداً ويعبر عن الخبث والكراهية في داخله . لكن من المؤكد أنه يعرفك منذ زمن . "
" أجل , هذا أكيد . "
" أعتقد أنك تعرف ما يجب عليك فعله يا سيد كيليفون . "
أجابه كيليفون وقد بدأ يرتجف قليلاً : " أ _ أجل يا صديقي . "
أخذ كيليفون ذلك الشيء الأسود وخرج من غرفة الاستقبال وركب سيارته متوجهاً إلى بيته .
لقد بدأ السيد كيليفون يشعر بأنه في خطر وقد يتعرض للهجوم من أي سيد أو سيدة مجرمة لا يعرفها .
لكن هل سيتمكن من معرفة ما يحصل في هذه القرية الصغيرة ؟
إن بإمكانه فعل هذا , لكن عليه أن يترجم كل ما يحصل له الآن .
ترى , ما هو ذلك الشيء الذي اسـتـلمـه مـن صـديقـه كاتـشـرز ؟
***
أخذت الآنسة فاديت تدور حول الكرسي الواقع وسط غرفتها .
كانت محتارة جداً , وكانت تتمنى أن تعرف ما الذي يحصل لها , وما الذي سيحصل لو أنها استمعت لذلك الشريط اللعين . هل ستستمع إليه وتظل منتظرة ما سيحصل لها ؟ أو أنها ستكسره وتقذفه في سلة المهملات ؟ إنها إلى الآن لا تعرف ما يجب عليها فعله . كل ما تعرفه هو أنها في خطر وتحتاج للمساعدة . كانت تقول لنفسها " علي أن أبحث عن ملجئٍ يحميني من الخطر الذي لن أخرج منه . السيد كيليفون مجرم . هل يحاول ابتزازي ؟ أم أنه يريد اللعب معي ؟ ماذا علي أن أفعل ؟ يا إلهي . ماذا علي أن أفعل ؟؟ "
الفصل الثاني
كلمات الشريط
صرخ السيد كيليفون بأعلى صوته : " فاديت , فاديت . "
لسوء الحظ أنها كانت في هذه اللحظة تبكي لأنها تريد أن تعرف من هو مرسل الرسالة والشريط . هل كان المرسل هو كيليفون ؟
هذا هو كل ما كانت تفكر به في اليومين الأخيرين .
أخذت فاديت منديلاً وغطت به عيناها لكي لا يراها كيليفون ويسألها عن سبب بكائها .
" نعم سيدي . هل ناديتني ؟ "
" أجل , هلا جلستي يا فاديت . "
ارتعشت يداها بخوف وجلست ببطء شديد . كانت تتظاهر بأنها تمسح عينيها بذلك المنديل الصغير .
" فاديت , هل أصاب عينيك أي ضرر ؟ "
أجابته وهي مظطربة : " أجل سيدي . لقد دخلت جراثيم صغيرة في عيني اليسرى وجعلتني الدموع تسقط من عيني دون أن أشعر بذلك . لا تخف , أنا بخير . "
" حسناً يا فاديت , هل بإمكاني أن أعرف أين ذهبت صباح اليوم السابق ؟ وهل بإمكاني أن أعرف لماذا خرجتي من البيت دون أن آذن لكي ؟ "
" أجل سيدي , لقد ذهبت في اليوم السابق إلى منزل السيد ريزيلا لأقابل خادمتهم السيدة فالنتينا . "
" ولِم لَم تخبريني ؟ "
" لأنك كنت نائماً , فخشيت أن أقلقك وأنت نائم . "
" حسناً , أتمنى ألا تعيديها مرة أخرى . "
" لكن , سيدي , لقد كنت أبحث عن راحتك . صدقني , لم أكن أقصد مخالفة أوامرك . أرجوك , لا تفهمني بالطريقة الخاطئة . "
" فاديت , لماذا تبكين بهذه السرعة وبلا سبب ؟ "
لقد كانت فاديت تتذكر في كل لحظة تلك الرسالة وذلك الشريط , لذا فإنها بدأت تبكي بصوت هادئ مثل لاأطفال الصغار .
" أوه , من الواضح أن عينك تؤلمك كثيراً . يجب أن تذهبي إلى غرفتك وترتاحي . هيا اذهبي ونامي يا عزيزتي . "
" لكن , أخشى يا سيدي ألا تجد من يساعدك ويحضر لك الشاي أو العصير . "
" سأحضره بنفسي إذا احتجت . "
" شكراً لك سيدي . "
تظاهرت فاديت مرة أخرى بأن عينها تؤلمها , لقد كانت بارعة في محاولة إخفاء ما يجري لها , ولو أنها شاركت في مسابقة أفضل ممثلة لحصلت على المركز الأول وبكل جدارة واستحقاق .
دخلت غرفتها ورمت المنديل على الأرض , ثم نظرت إلى الدولاب الصغير الواقع قرب السرير , كانت نظراتها كنظرات الصقر وهو ينظر إلى أرنب صغير سيفترسه . فتحت الدولاب وانتزعت من بين الأقمشة والأشياء الأخرى الصغيرة ذلك الشريط والرسالة التي كانت ملتفة حوله بطريقة عادية .
أخذت تقرأ الورقة مرة أخرى :
الشريط خاص جداً يا فــاديــت .
لا يجب أن تلمسينه أو تحاولي
الاستماع لما في داخله . إنــــه
خاص وخطر جداً يا صغيرتـي .
لا تحاولي الاستماع إليه أبداً .
سنبقى على اتصال ياعزيزتي .
قالت بغضب : " آه , الشريط خاص جداً , هل هو خاص بالسيد كيليفون أم بالسيد جيمس ريموند , أم هل هو خاص بي أنا ؟ يا لك من سافل حقير أيها المرسل ... حسناً , لا يجب أن تلمسينه أو تحاولي الاستماع لما في داخله . إن هذه العبارة توضح أنه يراقبني , وهذا يجعلني أشك بأن السيد كيليفون هو المجرم ...
حسناً , إنه خاص وخطر جداً يا صغيرتي , هذه العبارة تدل على أنه يعرفني منذ زمن , وهذا يجعلني أيضاً أشك بالسيد كيليفون ...
لا تحاولي الاستماع إليه أبداً , هذه العبارة تدلني على نفس العبارة الثانية ... العبارة الأخيرة تقول : سنبقى على اتصال يا عزيزتي , وهذه تحذرني , من الواضح أن المرسل يريد أن يجعلني أحبه , لذا قال أننا سنبقى على اتصال . لكن لا , ربما سيبقى على اتصال معي لسبب آخر ... يا إلهي , سأنتحر , سأنتحر ... " توقفت فاديت عن الكلام وبدأت تبكي بدموع تجري كنهر النيل . بقيت تبكي فترة طويلة من الوقت , وفجأة , سمعت صوت خطوات ثقيلة على الدرج الخشبي , فعلمت أن كيليفون قادم , لذا قفزت من مكانها إلى السرير وغطت جسدها كله لتظهر أمامه أنها نائمة .
دخل كيليفون بهدوء كان على عكس صعوده للدرج المزعج .
نادى بصوت هادئ : " فاديت , أعلم أنك لا زلت مستيقظة , أنا متأسف لإزعاجك , أريد أن أتحدث إليك في موضوع هام جداً . "
بدأت فاديت تخشى كيليفون ؛ لقد كانت تزداد خوفاً عندما يناديها كيليفون , ظناً منها أنه علم بما يحصل لها هذه الأيام .
" حاضر سيدي . " قامت من سريرها وتوجهت للباب , وقبل أن تخرج قالت لنفسها : " يا للسيد كيليفون , لا يقابل الحسنة بالحسنة , يقابلها بالسيئة . لقد ذهبت إلى فالنتينا ولم أوقظه من نومه لأنني أخشى أن أزعجه , لكنه فعل عكس ذلك تماماً ... "
أطلت فاديت بعينيها إلى الزقاق المقابل لغرفتها , فلم تجد السيد كيليفون , فعلمت أنه نزل إلى الطابق السفلي . لحقت به وهي تفكر في سبب هذه المقابلة التي بدت في نظرها كجلسة تحقيق في إحدى جرائم القتل المعقدة .
جلست أمام السيد كيليفون تنتظر منه أن يفتح معها الموضوع الهام .
" أنت تعرفين يا فاديت أنني رجل تحرٍ خاص , وأتعامل مع الناس بطريقة جيدة كي لا يحاولوا أن يكذبوا علي . "
" حسناً , وماذا بعد ؟ "
" انتظري , ستعرفين بعد قليل . الآن , دعينا نتخيل لو أنني توفيت , ماذا ستفعلين حيال ذلك ؟ "
تعجبت فاديت من السؤال المفاجئ وقالت : " لا أعرف , ربما أبقى في هذه القرية , وربما أعود إلى والدتي في مرسيليا . "
" حسناً , ألن تفكري في الورث ؟ "
" وهل سأرثك لو توفيت يا سيدي ؟ "
" نعم , قد أكتب وصيتي بأن تذهب كل أموالي إليكي . وبالتأكيد أنني لن أفعل هذا الشيء إلا لأنني أعرف أنكي تستحقين هذه الأموال . إنك سيدة رائعة يا فاديت . "
ابتسمت فاديت أخيراً بعد أن كانت شاحبة الوجه لعدة أيام .
" فاديت , إن الموضوع الذي سأخبرك عنه سري جداً , لا أريد أن يعرف عنه أحد , حتى صديقي جيمس . "
" اعتبر سرك في بئر يا سيدي . "
" حسناً , لقد تلقيت قبل يومين رسالة من أحد أقربائي , أخبرني فيها أنه يحتاج لخادمة تعمل في بيته , فأخبرته أن الخادمة جاهزة . "
صاحت فاديت : " ماذا , هل تقصد أنني سأذهب لأعمل في بيت قريبك هذا ؟ "
" وما المشكلة , إنه يريد الخادمة بعد أسبوعين . "
فكرت فاديت " آه , هذا رائع , سأتمكن من الهرب . المسألة سهلة , عندما أنتهي من العمل في بيت قريبه سأهرب إلى مرسيليا وأعود لأهلي ... "
أجابته بعد هذا التفكير : " كم سأعمل عند قريبك ؟ "
" فقط ثلاثة أسابيع . "
" حسناً , أخبره أنني جاهزة , وسأصل بيته في الوقت الذي يريده . لن أفعل إلا ما سيرضيك يا سيدي . "
" شكراً لك يا فاديت . لكن أتمنى ألا يعرف أحد . "
" لا تخف يا سيدي , إن آخر ما أفكر به هو إفشاء الأسرار . "
***
بنظرات الأسد الكاسر , وبغضب النمر الملاحق للفريسة , دخلت الآنسة فاديت غرفتها متوجهة إلى الدولاب الصغير مباشرة ً .
فتحت الدولاب وأخذت الشريط الأسود ووضعته في جيبها , ثم أخذت مسجلاً صغيراً من الغرفة وأغلقت المصباح , وأخيراً أدخلت الشريط في المسجل ووضعت سبابتها على زر التشغيل .
كانت مترددة قليلاً , لكنها كانت تتحدى ذلك السيد الذي يحاول خداعها . إنها كانت تعرف أنها لو سمعت الشريط ستتوصل للسيد الذي أحرق دمها .
بدأ المسجل يتحدث بصوت أجش :
من المؤكد أنكي تكرهينني .
وهذا يجعلني أستمتع كثيرا ً.
أحـب أن أحـرق دمـاء الذيـن
يـكـرهـونـنـي . أنا متميز في
هذا الشيء القاتل . لـن أرحل
إلا عندما أسمع خبر انتحارك
يا فاديـت . وبمـا أنك سمـعـت
هذا الشريط فإنك ستستمتعين
ببعض المغامرات الشـيقة ...
سنبقى على اتصال يا فاديت .
أوقفت المسكينة الجهاز وقالت بغضب : " أيها السافل الحقير . من أنت أيها الوقح ؟ "
من المؤكد أنها لا توجد إجابة , وإن المحيّر في الموضوع عدم تشابه هذا الصوت مع صوت السيد جيرمون كيليفون . ترى ما الذي يحصل مع فاديت ؟؟ هل هي مجرد عملية استفزاز ؟ أم أنها عملية ابتزاز لم تبدأ بعد ؟؟
***
أخذ السيد كيليفون يكرر نفس الكلمة : " شريط أسود ... شريط أسود ... ترى ما الذي يريد أن يتوصل إليه ذلك الشخص ؟ "
لقد كان الشيء الذي استلمه السيد كيليفون من صديقه كاتشرز شريطاً أسوداً مطابقاً لشريط الآنسة فاديت . لكنه لم يعرف أن فاديت تواجه نفس الشيء الذي يواجهه ...
أخذ يفكر : " ترى ما هو الشيء الذي كنت أحبه قبل ثمانية عشرة عاماً ؟ هل هو في داخل هذا الشريط ؟ "
لم يكن كيليفون خائفاً من الشريط مثل فاديت , فإلى الآن لم تظهر أية رسالة ! ربما أن الشريط ليس له أية علاقة بشريط فاديت ...
أخذ الشريط ووضعه في مسجل صغير مشابه للذي استعملته فاديت . وبدأ يسمع ما في داخل هذا الشريط المخيف :
من الواضح أنك لم تـتـعرف
علي يا صديقي كيلــيفــون .
لكنك تعرفـني جـيـداً , ولــن
يـمـضـي الكـثـير من الوقـت
كـي تـعـرفـني . أنت تعرفني
وتـحـبـنـي كثـيراً يا صديقي .
لكنني لا أحبـك أبداً . لا أحبك
ولـن أحـبـك أبـداً . لقد ندمـت
عـلـى إضـاعـتـي وقـتاً طويلاً
وثـمـيـنـاً مـع رجـل مـجـنـون
مـثـلـك . وسـنـبــقــى عــلــى
اتصال يا سـيـدي الـعزيـز ...
قال كيليفون وهو ينظر حوله في حيرة : " تباً , ما هذا ؟ "
كان خائفاً جداً , حتى أنه لم يعرف ماذا عليه أن يفعل . فأخذ المسجل ورمى به أرضاً حتى تكسر وتحول إلى قطع صغيرة , وحينها خرج من البيت غاضباً يبحث له عن شيء ينسيه ذلك الشيء السخيف . وكالعادة لم يجد شيئاً يفعله سوى الذهاب إلى بيت صديقه جيمس ريموند ؛ الشخص الوحيد الذي يفهم كيليفون ويستطيع أن يهدئه , كما أنه الشخص الوحيد الذي يخبره كيليفون عن أسراره الخاصة ...
الفصل الثالث
الشك
دخلت السيدة بـلـسـنـجـتـون غـرفة الطعام ونادت على ابنتها فريدا لتتناول الإفطار , لكنها لم تجدها في الغرفة , فطلبت من خادمتـهم الآنسة فلورنسا أن تنادي ابنتها لتناول الطعام . فانحنت فلورنـسـا احتراماً ونفذت الأمر بسرعة .
كانت السيدة بـلـسـنـجـتـون كـبيرة في الـسـن , وتـعاني من مرض السرطان , كما أنها مقعدة ولا تتمكن من العمل أبداً . ومن الغريب أنها تتمنى أن تقوم بكل أعمال المنزل ولو ليوم واحد , لكن عندما أصيبت بالشلل وأصبحت مقعدة , طلبت خـادمـة فـأرسـلـت رسـالة تطلب فيها خادمة , وبالفعل حضرت الـخادمـة ,و لسوء الحظ أنها لا تعمل بالشكل الصحيح ؛ فإنها لا تجيد تنظيف الأثاث المنزلي ولا تجيد طبخ المأكولات البحرية التي تعشـقـها السـيدة بـلـسـنـجـتـون وابنتها الصغيرة فريدا ...
دخـلـت فـريدا غرفة الطـعـام وقبـلت أمـها ثـم سحبت أحد الكراسي المريحة وجلست عليه . ساد صمت مطبق لثوانٍ ثـم قـالت فريدا :
" أمي , هل أنت بخير اليوم ؟ "
أجابتها والدتها بعد أن حكت رأسها الأبيض : " نـعـم , أشعر أنني أفضل من السابق بكثير . "
" الحمد لله . أمي , ألا زلت تتناولين تلك الحبوب البيضاء بعد كـل إفطار وغداء وعشاء ؟ "
ابتسمت بلسنجتون وقالت : " أوه يا صغيرتي , هذه الـحـبـوب لن تبتعد عني أبداً . سأظل أتناولها إلى أن أفارق الحياة . "
" آه , إن هذه الحبوب بلا فائدة , سأرميها في سلة المهملات . "
لقد كانت فريدا في الثالثة عشرة من عمرها , ولم تكن تعلم أن الحبوب مفيدة جداً لوالدتها , وأنه لولا الله ثم هذه الحبوب لما عاشت والدتها إلى هذه اللحظة .
دخل السيد يوركن البيت وأخذ ينادي الخادمة فـلـورنـسـا بـغضب .
وعندما ذهبت إليه ساعدته فـي خـلـع معطفه ثم وضعته على يدها الـيـسـرى و أخـذتـه لتغسله مع عدد كبير من الملابس الأخرى ...
إن السـيـد يـوركـن سـيـد فـي الثالثة والثلاثين من عمره , له وجه مـلـيـح لــيــس أبــيــضــاً ولا أسـوداً , وإن مـا يـمـيـزه دائـمـاً هـو أنـــفــه المعـقـوف الكبير الذي امتلأ بالنمش . كما أن وجهه مليء بالحبوب الحمراء غريبة الشكل التي تجعله بشعاً إلى درجـة غـيـر محتملة . ودائماً ما يعاني من هذه الحبوب المزعجة إلى حد كبير.
إن السيد يوركن يمتلك خبرة عالية في كـتـابـة الروايات البوليسية الـتـي دائـمـاً مـا تـكـون جـاذبـة للـقـراء متحمسين , والذين يـزداد عددهم عند ظهور أي رواية أو مسرحية جـديـدة لهذا الكاتب الذي يـبـدع ويـمتـع , وفـي نـفـس الـوقـت يـغـضب القراء الذين يكادون يـفـقـدون عـقـولهم عند معرفة الحقيقة . حيث أنه يضع كل ما هو مـمتع وجـذاب , وفـي النـهـايـة تظهر الحقيقة التي تعجب منها كل مـن قـرأهـا . إنـه عـالـم قـصـص الـجـرائـم الـغامضة والتحريات .
فـمـثـلاً روايـتـه العـظـيمة التي نشرت وطبعت وترجمت إلى إحدى عـشـر لـغـة مـخـتـلـفة , الرواية التي هزت عالم قصص الجرائم , رواية ( مـفـاجـأة الـجـريـمة ) , هذه الرواية التي من خلالها ظهر الـكـاتـب الـجـديـد في عالم القصص البوليسية , إنها بالفعل رواية تـحـكـي لـنا قـصـة رائعة بـها العديد من الألغاز والأحداث المـمتعة والـمـشوقـة والجاذبة , كـما أن لها حبكة مـمـيـزة ودقـيـقـة جــداً.
دخل السيد يوركن غرفته التي استأجرها في هذا البيت الذي لا يختلف عن بيت كيليفون إلا في بعض الزينة والديكور . ثم أخذ يدخن سيجارة وبعدها رمى بنفسه على السرير لينام إلى الظهر .
***
بدأت الآنسة فاديت في عملها اليومي كعادتها بتنظيف حجرة السيد كيليفون الذي خرج لتوه من البيت متوجهاً إلى الحديقة التي يعشقها منذ عدة سنين . ثم أخذت فاديت ترتب وتنظف الغرفة المجاورة لغرفة السيد كيليفون . وأخيراً ذهبت إلى دورة مياه السيد كيليفون لتنظفها . لكن الغريب أنها عندما بدأت تنظف الزجاجة الواقعة أعلى المغسلة , وجدت شيئاً لم يسبق لها أن رأته أبداً . ففي العادة تجد معجون أسنان وفرشاة صغيرة ومشط وعلبة معطر للفم . أما هذه المرة فقد كانت هناك علبة حبوب بيضاء صغيرة . أخذتها وقرأت ما كتب عليها : ( للصداع ) .
تعجبت قليلاً وبدأت تفكر : " هل هذه للسيد كيليفون ؟ أم أنها لأحد ضيوفه ؟ ربما كانت للسيد جيمس ريموند ؟ لكن من يدري سوى مالكها ؟ " لم تفعل بالعلبة شيء , وإنما تابعت التنظيف إلى أن انتهت . توجهت إلى السلم الخلفي ونزلت إلى الطابق السفلي لتجد حطام جهاز صغير في غرفة الاستقبال , فاقتربت من الحطام وبدأت تجمعه وهي تزداد حيرة , ترى ما هذا الشيء ؟
تابعت جمع القطع الصغيرة , وأخيراً وجدت الشيء الذي لم يخطر ببالها أبداً , لقد وجدت شريطاً أسوداً صغيراً . فبدأت تفكر مرة أخرى : " آه , هل هذه رسالة أخرى من المجرم اللعين ؟ ماذا سأفعل ؟ يجب أن أهرب من هذا البيت , يبدو أن السيد كيليفون يدبر لي مكيدة قاتلة , لن أبقى في هذا البيت بعد اليوم . "
أخذت فاديت الشريط ووضعته داخل كمها ثم وألقت بحطام الشريط في سلة المهملات . وبعد كل هذا خرجت من البيت متوجهة إلى بيت السيد ريزيلا , وكالعادة لتقابل الآنسة فالنتينا .
ضربت الجرس وانتظرت بضع ثوان لتفتح فالنتينا باب البيت .
" أهلاً بك يا فاديت , ماذا حصل لك ؟ تبدين خائفة ؟ "
" لا , سأخبرك في الداخل . إنه شيء غريب . "
" حسناً , تفضلي بسرعة . "
دخلت الخادمتان إلى البيت وبدأت فالنتينا الحديث في غرفة الاستقبال : " حسناً , لا أحد يسمعنا الآن , ماذا حصل ؟ "
بدأت الدموع تتساقط من أعين فاديت المسكينة , فجففتها بمنديلها وقالت : " لا زلت في خطر كبير جداً . أنا لا أعرف ماذ علي أن أفعل . لو أنني هربت , إلى أين سأذهب ؟ علي أن أجد مكاناً يحميني من ذلك الوغد . "
" هل بإمكاني مساعدتك يا فاديت ؟ "
" فالنتينا , أنتي الشخص الوحيد الذي أبوح له بجميع أسراري .
ولو قمت بإخبار السيد كيليفون بهذه القصة , سيقتلني بأبشع الطرق التي يفكر فيها الآن . أنا لا أحتمل هذا . سأنتحر . "
قالت فالنتينا في محاولة للتهدئة : " لا تقلقي يا فاديت , أنا واثقة بأنكي ستجدين حلاً لهذه المشكلة . "
" أنظري يا فلنتينا , لقد وجدت هذا الشريط في غرفة الاستقبال اليوم , وكان حوله حطام مسجل صغير يشبه مسجلي . وهذا يعني أن كيليفون يريد أن يتحكم في حياتي بهذه الأشرطة . "
أخذت فالنتينا الشريط وقالت بعد أن وقفت : " لحظة يا فاديت , سأعود بعد دقيقة . " خرجت من الغرفة مسرعة وعادت بعد لحظات وفي يدها مسجل أصفر كبير , بدا أنه من طراز قديم جداً .
" الآن يا فاديت , سنسمع ما سيقوله كيليفون الحقير . "
" لكن يا فالنتينا , أخشى أن يعرف بأنكي سمعتي هذا الشريط فيقوم بقتلك , كما سيفعل بي قريباً إن لم أهرب . "
" لا , أنا لا أخشى ذلك الوغد يا فاديت . حتى لو أنني علمت أنه علم أنني سمعت هذا الشريط , مباشرة سأكتب اسمه في وصيتي وأوضح أنه القاتل . أنا أعرف كيف أتصرف مع مثل هذا المجرم .
أوه يا فاديت , لا تحاولي إضاعة الوقت , سنستمع إلى ما يقوله ذلك الوغد في هذا الشريط . "
" حسناً , هيا . "
بدأ الشريط يتكلم :
من الواضح أنك لم تـتـعرف
علي يا صديقي كيلــيفــون .
لكنك تعرفـني جـيـداً , ولــن
يـمـضـي الكـثـير من الوقـت
كـي تـعـرفـني . أنت تعرفني
وتـحـبـنـي كثـيراً يا صديقي .
لكنني لا أحبـك أبداً . لا أحبك
ولـن أحـبـك أبـداً . لقد ندمـت
عـلـى إضـاعـتـي وقـتاً طويلاً
وثـمـيـنـاً مـع رجـل مـجـنـون
مـثـلـك . وسـنـبــقــى عــلــى
اتصال يا سـيـدي الـعزيـز ...
نظرت فاديت إلى فالنتينا بعد أن اتسعت عيناها وارتفع حاجباها .
ثم قالت بصوت به نبرة حادة : " ما ــ ما هذا يا فالنتينا ؟ "
هزت الأخرى رأسها ولم تجبها على هذا السؤال الذي كان يحير الفتاتين . لكن فاديت تابعت الحديث وقالت : " هل هذا يعني أن السيد كيليفون أيضاً في ورطة مثلي ؟ "
أجابتها فالنتينا : " ربما كان كذلك . لكنني لا زلت أشك بالأمر . "
صرخت فاديت : " تشكين بماذا أيتها الغبية ؟ "
جاء صوت من خارج الغرفة يقول : " فالنتينا , هل أنت بخير يا عزيزتي ؟ " كان السؤال بمناسبة الصرخات التي توالت قبل بضعة ثوان .
" لا يا سيدة ريزلا .فقط سقطت فاديت فصرخت بصوت مرتفع ."
" حسناً , إذا احتجتني لمساعدة أخبريني فوراً . "
ابتسمت فالنتينا وقالت لصديقتها : " يا للسيدة ريزلا , إنها طيبة جداً . أليس كذلك ؟ "
أجابتها فاديت بغضب : " أجل , لكن هذا لا يهمنا الآن . ماذا علينا أن نفعل الآن ؟ "
" وما شأني أنا وأنتي بهذا ؟ السيد كيليفون في ورطة , ونحن لا شأن لنا بذلك . "
" يا لكي من غبية , هل نسيتي أنني أنا أيضاً متورطة مع ذلك المجرم الحقير ؟ "
" آه , هذا صحيح , لكنني لا أعرف ماذا علي أن أفعل . "
" فالنتينا , لقد أخبرتني قبل أن تتحدثي للسيدة ريزلا أنكي لا زلتي تشكين بأمر الأشرطة . أليس كذلك ؟ "
" بلى , أخبرتك بهذا . "
" حسناً , بماذا تشكين ؟ "
" آه , ماذا لو كان السيد كيليفون هو المجرم , ولكي يجعل نفسه بعيداً عن الشبهة سجل هذا الشريط , وتظاهر بأنه أيضاً متورط ؟
ألا يمكن أن يكون هذا صحيحاً يا فاديت ؟ "
" ولكن , لا أعتقد أن السيد كيليفون قد يفكر في مثل هذا الأمر ."
" أوه يا فاديت , يبدو أنك ستتعبينني كثيراً . من الواضح أنكي لم تخالطي المجرمين من قبل . "
" هذا ليس صحيحاً . لقد قابلت قضايا عديدة مع السيد كيليفون , وأخذت خبرة بسيطة في علم الجرائم على يد السيد كيليفون .
لقد حدثني كثيراً عن خطط المجرمين المتمرسين . "
" لكنه ذكي جداً , أما أنت فعلى العكس تماماً . لقد حدثك عن المجرمين كثيراً , ولكن من المستحيل أنه حدثك عن شخصيته الحقيقية . أليس كذلك ؟ أنا أعلم أنه لم يخبرك يوماً بشيء عن نفسه . ولا تحاولي أن تقنعيني بأنه حدثك عن نفسه . "
" أنت محقة يا فالنتينا , لم يسبق للسيد كيليفون أن حدثني عن نفسه أبداً . ربما حدثني عن أشياء بسيطة جداً , حتى أنني لا أتذكرها الآن . "
" والآن يا فاديت , عليك أن تدبري مكيدة له . "
اتسعت عيني فاديت وقالت : " ماذا ! هل أصابك الجنون يا فالنتينا . لن أفكر يوماً في قتل أي شخص حتى لو كان عدواً . "
" وماذا سيفيدك خوفك لو أنه قام بقتلك ؟ هل ستقولين ليتني قمت بقتله من قبل ؟ أم أنكي ستكتبين في وصيتك أنه سيقتلك ؟ "
" فالنتينا , أنا لا أريد أن أعيش مع السيد كيليفون ولو ليوم واحد فقط . ولكن أخبريني , ماذا علي أن أفعل ؟ "
" أنتي تفكرين في الهروب . إلى أين ستذهبين ؟ "
" لا أعرف , أريد أن أبتعد عن كيليفون مسافة مليون ميل . لا أريد أن أرى وجهه أو أسمع عنه أي خبر . "
" حسناً , سأبحث لك عن حل , وسأعود بعد يومين إن شاء الله . لا تقلقي , ساعود بالخبر السار إن شاء الله . "
" شكراً لك يا فالنتينا , لن أنسى هذا الجميل أبداً . "
" إلى اللقاء يا فاديت . لن أتأخر . "
قريباً ... تكملة الرواية إن شاء الله ...
أتمنى من الاجميع إضافة رد ...