-لدي كاميرا. إنها في المقعد الخلفي, اخبريني ماذا تريدين أن تلتقطي من صور ثم أعطيني عنوانك لأرسلها إليك.
وافقت وقد ارتفعت معنويات قلبها للتفكير بأن الارتباط معه لن يتوقف نهائيا . . . ثم علمت أن الفكرة مستحيلة . . . فبعد اليوم, لن تتقاطع حياتهما أبدا.
قررت بعد صمت ان لا تعطيه العنوان. فالانفصال التام هو أفضل لها فما فائدة إطالة العذاب؟
سألته, بعد أن وجدت في نفسها بعض الرضى لقرارها هذا:
-إلى أين نذهب؟
-إلى حيث تقرر السيارة.
راحت تتامل الشواطئ من نافذة السيارة. فلاحظت أنها تبدو فارغة. و أن بعضها مغطى بالرماد البركاني الأسود. بينما أجزاء أخرى تلمع بالرمال الذهبية.
قال لها جريج:
-سنبتعد عن الساحل الآن. . . إلى الداخل.
-تبدو لي الجزيرة أكثر سحرا كلما شاهدتها . . . ثمة اسوداد حيثما نذهب, بدلا من التراب البني الذي نراه في بلادنا.
-هذا الرمل يضعه عادة المزارعون, إنهم ينثرون فوق التربة التي ينثرون فوقها البذار.
-أتعني أن الرماد يساعد على نمو الزرع؟
-إنها قبل أي شيء تحمي الزرع من الريح, ثم إنها تمتص رطوبة الجو و تعطيها للزرع, و هذا هام للغاية لأنه كما ذكرت لك سابقا لا منابع مياه فيها و المطر لا يكاد ينهمر.
-من أين لك كل هذه المعلومات؟
فنظر إليها بسرعة:
-إن عملي يفرض علي معرفة هذه الامور. . . و لكن أي مرشد سياحي يعمل في الجزيرة سيقدم لك هذه المعلومات.
فابتسمت باغراء:
-إذن فأنا لدي مرشد سياحي خاص.
فرد بخشونة:
-لكن أجري مرتفع مع السياح الوقحين.
فابتسمت مرة أخرى.
بدأت البقع الخضراء تنتشر هنا و هناك. ارتقت السيارة بهما حتى وصلا إلى قمة التلة, التي دفعت كاثي إلى أن تصيح بذهول من رؤية البقع الخضراء التي تزين التربة السوداء. فقال جريج:
-هذه حقول الكرمة في جالزيرة. أعرف أن من الصعب التصديق أن الكرمة تنمو هنا, و لكن هذا سببه إخلاص المزارعين لأرضهم.
تابعا سيرهما ليمرا أمام ملاحات حيث كانت مضخات الهواء ترفع المياه من البحر لتصبه في برك واسعة ضحلة. قال لها جريج:
-بعد تبخر المياه, يرفع ما يتبقى من ملح كي يصبح كالأهرامات الضخمة, و هناك كذلك مصانع تكرير للملح. وبما أن قطاع السياحة مزدهر الآن, فهذه صناعة ضرورية.
تغيرت أمامهما معالم الأرض. فشرح لها أن هذه منطقة بركانية. . . شاهدت كاثي بانبهار كيف أن لون الجبال تغير من الأسود إلى الزهر, فالأحمر , و الأخضر, ممتدا إلى مسافات بعيدة. تابع جريج الشرح:
-بعد مسافة قصيرة سنصبح في منطقة جبل النار أي فوهة البركان.
توقفت السيارة قرب أسفل منحدر. فدعاها جريج للنزول و الإحساس بالريح تلفح وجهها. . . ثم توجها لتناول الغداء في مطعم مستدير في إحدى المنتجعات المبنية خصيصا للسياح. . . كان الطعام رائعا, و المياه المعدنية جاهزة على المائدة, إضافة إلى عدة أنواع من عصير الفواكه.
كانت مسرورة لأنها في هذا المكان شعرت بأنها تريد أن تمسك بكل لحظة بين يديها لتعصر كل السعادة التي فيها.
الماضي نام بكل أمان في تفكيرها, أما المستقبل فقد غدا ظلاما. ولا تملك في هذه اللحظة إلا الحاضر الذي تريد أن تعيشه و أن تتنشقه و ترتبط به إلى نهاية العطلة حيث يأتي الفراق.
خرجا ثانية, فالتقط جريج كل صورة طلبتها منه. . . ففي المطعم التقط لها منظر الطبيعة الساحرة في الخارج. كان المنظر يرسم بروعة دغل مقطوع الأغصان يمتد إلى الشاطئ الرمادي.
كان البحر عن بعد أدكن يرتمي على أقدام شواطئه الزبد الأبيض. لم استطع كاثي إلا تأمل هذا المنظر الجميل القريب برهبة و سعادة.
جذبتها ذراع جريج إليه و قال لها هامسا:
-مع أن هذه الأرض جميلة, فهناك ما هو أجمل ينقص هذا اليوم. هل أعرضه عليك؟
ضمها إليه معانقا, و عندما ابتعد أمسكت به و أعادت ضمه إليها ردا على بادرته. أضاءت عيناه, لكنها لم تلبث أن لاحظت أن نورهما قد خبا و حلت مكانه نظرة لم تفهم ماهيتها. . . لكن ذلك لم يجعلها تشعر إلا بأنها لن تكون يوما أشد سعادة مما هي عليه الآن.
قال جريج:
-نحن لم نتصور بعد. . . و لابد من التعويض عن هذا.
مدت إليه يديها في البداية.
رفع كاميرته ليلتقط لها الصورة كما هي, فاحتجت صارخة. ثم دنت منه لتنتزع الكاميرا منه, لكنه اوقفها بحدة. فابتعدت خطوات متالمة من قساوة يديه فضحك.
-تبدين ككلب مشنب الأذنين! لم أقصد النباح لكن هذه القطعة غالية الثمن, و أنت بحاجة إلى أن تتعلمي كيفية استخدامها.
سرعان ما صفا وجهها, فالرجل الذي أصبحت تعرفه الآن, قد عاد إليها. فطالبته:
-أرني كيف.
بعد أن علمها طريقة استخدامها وقفت غير بعيدة عنه ثم وجهت الكاميرا إليه فطالعتها صورة مخيفة لرجل يرتدي بذلة رمادية يحيطه جو من السلطة, تظهر عليه ملامح تظهره و كأنه بعيد المنال. انتزعت الكاميرا بسرعة عن عينيها ونظرت إليه لتطمئن إلى أن الصورة التي شاهدتها كانت وهما من نسج خيالها. . .سألها:
-ما بالك الآن؟
-لا شيء. . .أتريث قليلا كما يفعل الفنانون المحترفون.
ازدادت ابتسامته اتساعا من جوابها, و بقيت متريثة إلى أن بدأت البسمة تتلاشى, عندها ضغطت الزر, لتلتقط الصورة. . . عندما يرسل الصور لها, وهي تعلم أنه سيفي بوعده, ستتمكن من ضم صورته إليها حيث ستضعها قربها على وسادتها حيث تنام.
قاطع تفكيرها معلقا:
-أتمنى أن يكون تأملك إياي قد أوصلني إلى مقاييسك العالية.
تناول منها الكاميرا متابعا:
-اظن أن من واجبي رد التحية لك. و ترك عيني تستكشفك عبر الكاميرا.
-أتمنى . . . لو نلتقط صورة مشتركة لنا معا.
-ليس ذلك بأمر صعب.
التفت فيما حوله فوجد أبا شابا لعائلة صغيرة, فتقدم منه, و تبادل معه بضع كلمات, فهز الرجل رأسه, ثم أخذ يصغي و جريج يشرح له طريقة استخدام الكاميرا, ثم أعطاه إياها بحذر.
اتسم الرجل وهز رأسه محييا كاثي فردت له ابتسامته, ولف جريج ذراعه حول خصرها و همس:
-هيا اظهري أسنانك.
عندما ضحكت, التقط الرجل لهما الصورة فسألهما الوالد الشاب.
-صورة أخرى.
ضغط من جديد على زر الكاميرا فالتقط لهما صورة وهي تريح رأسها على كتف جريج.
فصاحت محتجة:
-لا. . . الغ هذه!
ضحك جريج ثم ادارها ليغمرها بين ذراعيه, و تكتكت الكاميرا ثانية. . .و افترقا, وفتحت فمها لتحتج بقوة أكثر. . . لكنها اكتشفت أن الوالد الشاب لم يكن هو من التقط الصورة. . . بل هو ذلك الرجل الأشقر زميل جريج. . .