كاتب الموضوع :
جين استين333
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
لكنه بقي راسخا كالجبل, فأصيبت بالذعر. أمسكت راحتاه وجهها فراح يلامس شفتيها المرتجفتين بإبهميه, ثم أخفض رأسه حتى أصبح فمه في موازاة فمها, و أبقاه حيث هو يحدق في عينيها. وسألها:
-لماذا ترتجف شفتاك؟ أمن الشوق أو منى الخوف؟
كان من المستحيل أن تجيب لأن السبب الأمران معا. شدت يداها المنشفة أكثر إلى جسدها. أما صوته فعاد عميقا يتلاعب بها و بأعصابها المشدودة:
-هل أنت خائفة؟
أجابته هذه المرة:
-أجل . . . أجل ! أرجوك جريج دعني و شأني!
لكن رده كان أن سحقها بذراعيه, وإذ بها تجد نفسها دون أن تعي ما تفعل تمد ذراعيها متعلقة بعنقه, تتقبل عناقه و كأنه له مطلق الحق فيه. و كأنها و عدته بأن تكون له إلى الأبد.
عندما تركها أخيرا, نظر إلى عينيها الامعتين. كان كمن يقرأ رسالة فيهما, رسالة هي نفسها لم تعي ما تبلغه إياها. تحركت يداه إلى رباط المنشفة, و كأنما كانت تحت تأثير تنويم مغناطيسي, سمحت له أن يفعل ما يريد دون احتجاج. . . في هذه اللحظات كان يقدر على فعل ما يشاء بها.
لكنه لم يلمسها. بل عادت عيناه ثانية, وقد أصبحت جادة بعمق, تحرق في تجوالها بشرتها, و كأنه فنان يتامل عارضة أمامه سعيا إلى إتمام رائعته الفنية.
قال بصوت ناعم:
-أنت أجمل مما تصورت.
في اللحظة الثانية كان يتحدث إليها من عند الباب.
-تناولي غداؤك ووافيني إلى بهو الفندق. سأرافقك في نزهة.
عندما نزلت السلم غلى البهو وجدته في انتظارها. . . كان استقباله لها هذه المرة أكثر حذرا. وقفت أمامه تبتسم في وجهه قائلة:
-لقد أطعت أوامرك. و ها أنا هنا, جاهزة و منتظرة.
أمسك ذراعيها ليقربها منه:
-وراغبة؟
فقطبت, ثم ابتسمت و أجابت:
-لا.
-آه يا امرأة. . . إن لك قلبا قاسيا!
عاد إلى لكنته, مما جعلها تضحك وتهز رأسها:
-بل إنه رقيق جدا. . . فعلا.
-قد اطلب منك إثبات هذا.
-تستطيع, لكنني أرفض إطاعة كل أوامرك. قد تكون رئيسا لزملائك, لكنك لست رئيسي سيد باركو.
-تعالي إلى الخارج و كفي عن الثرثرة الحمقاء. كما يقول الإسبان.
ضحكت ثانية, وهي تتبعه لتمسك يده ثم نظرت إليه لتعرف ردة فعله, لكنه لم يعارض, فلو كان يعارض ذلك لسحب يده منها.
ابتعدا بالسيارة عن المدينة إلى داخل أراضي الجزيرة الغامضة. صاحت كاثي بإثارة وهي تنحني إلى الأمام لتلتقط كل ما يمر بها للذكريات القادمة:
-لم أشاهد هذا من قبل! حيثما تنظر تبدو الأرض فارغة سوداء.
-إنه الفراغ الذي قدمت أنا و زملائي لأملأه.
-إنه مشروع رهيب. . . لماذا لا يتر كالناس الأمور كما هي. فيبقى هذا الجمال و هذه الأسرار كما هي.
-وأين كان ليجلس السياح في خلال زيارتهم؟ هل كانوا سينصبون خيما فوق الغبار الأسود؟ ألا تعلمين أنه لو لا عملنا و تمويلنا لما كنت هنا.
انعطف بالسيارة ليتجاوز عربة سياحية . ثم اكمل:
-في الواقع أجد غرابة في أن تعترضي على التطور, ألا تعلمين أن ايستمان كوربريشن, الشركة التي تعملين فيها, تشارك في مشاريع الإعمار هنا؟
تراجعت في مقعدها لكن عينيها استمرتا في تأمل ما يحيط بها:
-أعلم هذا, لقد أخبرتني فيرا, فهي تعمل في قسم المشاريع العالمية. بينما أعمل أنا في قسم شؤون الموظفين. أتعامل مع الناس لا مع المشاريع. لقد اقترحت القدوم إلى هنا بعد أن سمعت عن الجزيرة من رئيسها.
فابتسم:
-إذن فكري قبل أن تنتقدي في المرة القادمة!
فتنهدت:
-أظن أن ما قلته منطقي, لكن هذا لا يوقفني عن الاعتراض على ما تفعله يد البشر من تخريب في الجمال الطبيعي الطلق.
-نقطة رابحة, آنسة لونرغان. أعتقد أنه من الخير للشركة أن تعملي في أقسام هامة فيها.
التفتت إليه سعيا إلى مجادلته فلما وجدته يضحك اكتفت بأن تمتع النفس بالمنظر الفريد أمامها, منظر الجبال و الأودية المخبأة بعض الشيء و منظر السماء الزرقاء الخالية من الغيوم, و منظر البحر القابع بعيدا.
-كل هذا رائع. . . و كأنه مو كوكب آخر. . . كيف تكون؟
-من جراء البراكين. ليس في هذه الجزيرة ينابيع وهي عرضة للعواصف التي تسبب أضرار واسعة و ليس فيها غابات, ومع ذلك يتمكن السكان من زراعة ما يقرب من الواحد في المئة من أرضها بالخضار و الفاكهة, و خاصة الأناناس و الموز, و ثمة الكرمة التي تتيح لهم انتاجا جيداو و كلها بسبب التربة المذهلة. . . وهم يستفيدون جيدا من الندى ليلا.
-لا بد أن سكانها يعملون بمشقة.
-هم مضطرون إلى هذا مقاومين بذلك الصعاب. قد تكون هذه الأرض هي أول أرض و طأها كولومبس ثم وفد إليها المستوطنين في القرن السابع عشر.
كان يمر بهما بين الفينة و الأخرى قرى صغيرة بيوتها ذات أسطح بيضاء, تقف لامعة وسط التراب البركاني الرمادي. لكن بدا لها بين الحين والآخر أشجار النخيل المعزولة تتحرك أوراقها العريضة باستمرار مع الريح.
في حدائق تلك البيوت تنمو الازهار الحمراء أو النباتات الاستوائية, والدغلات الصغيرة و الخضار. حيوية هذه الحدائق كانت تتنافر بشكل قوي مع الامتداد الأسود الذي يحيط بالقرى.
تابع جريج كلامه ليقطع حبل أفكارها:
-الرماد البركاني يحتوي على معادن مفيدة. لهذا ترين السكان ينثرونه فوق الأرضو فهو يفيد الأرض و ينمي النبات و ذلك بالتقاطه الرطوبة التي فيها.
هزت كاثي رأسهاو مسحورة بكل شيء تراه. . . فالبحر ليس بعيدا عنهما الآن, ها هما يقتربان من قرية تعطي الملجأ لا لأهل البلد بل للسياح. قال جريج:
-هذه املاك تحاج إلى تطوير. فهل توافقين على تطويرها؟
تأملت مجمع الشقق السكنية و الفيلات التي بدت مكتظة بالناس الذين يقضون عطلاتهم, بل فلنقل أفضل ايام عمرهم. ابتسمت كاثي:
-يبدو المكان رائعا. . . فبرك السباحة منتشرة في كل مكان, و الشاطئ الرملي معد للعب الأولاد. و الرمال و كأنها ذهب خالص. هذا إضافة إلى الشمس, إن هذا المكان يبدو و كأنه الفردوس.
فابتسم لها:
-إذن الفردوس حولنا هذا هو التأير الذي تتركينه في. معك أضعر و كأنني في الفردوس.
قوله العفوي هذا كاد يفقدها توازنها. ماذا يعني؟ هل هو جاد؟ ايريد شيئا منها؟
تقبلت الاسئلة رأسا على عقب في رأسها.
قالت له مازحة وهي تشعر بالارتباك.
-أنت تقدم الإطراءات الجميلة. . . يا سيدي!
فقال بخشونة:
-هذا ليس بالإطراء. . . إنها الحقيقة.
|