-آسفة. لا أفهم. إذا لم تكن هذه محاولة لجعلي أستغل روبرت لسحب التبرعات من الأشخاص الصعبين, فلماذا. . .؟
تحرك بضيق:" الامر يتعلق فعلا بروبرت وعلي أن أعترف بأن هذا يبعدني قليلا عن اخلاقيات المهنة".
فقالت برقة وبشيء من الدعابة:" يبعدك أنت عن أخلاقيات المهنة, يا سيد بورتمان؟".
فابتسم بعطف:"ألا تظنين أن الوقت قد حان لكي تناديني باسمي آل؟ طلبت منك أن تقنعي رجلا عنيدا لنني أدركت أنها الطريقة الوحيدة التي تجعلك تنسين ماضيك, كنت أعلم أن بإمكانك على الأقل ان تحولي رجلا واحدا عن عناده من بين الرجال الثلاثة الذين اخترتهم لك غذا ما اخبرتهم عن روبرت, وهذا ما لم تفعليه قط من قبل مع اي من الزبائن او المتبرعين".
-وإذا ما مهدت لهم السبيل بالحديث عن روبرت. . . ؟
-هذا يعتي أنك وضعت أخيرا الماضي حيث ينتمي. كما أنه يعني أن بإمكانك الحكم على الوقت الملائم للحديث عن الظروف التي احاطت بموت زوجك مع أتاس بحاجة إلى عطفك, أناس مثل والت مور. هذه هي المرأة التي أريدها في منصب نائبتي.
-بمعنى آخر, علي ان أتوقف عن أن أعوض عن فقدي لروبرت بتحقيق أحلامه, لأبدأ بتحقيق أحلامي, و أن علي ان أتوقف عن الابتعاد عن الرجال خوفا من أن أفقدهم.
-المعذرة, يا تيس. لم يكن لائقا مني أن اورطك في هذا من دون أي تفسير. اللوم يقع على عاتق رجل عجوز يقف جانبا, مراقبا طوال تلك السنوات وقد قرر اخيرا ان يعمل, بدلا من المراقبة. أرجو أن تسامحيني.
-ما من شيء يستدعي المسامحة. هل لديك مانعو يا سيد بورتمان. . . أعني آل. . . إذا أخذت بقية النهار عطلة؟
طرحت سؤالها بابتسامة متألقة فسألها ببراءة وهو ينظر إلى يدها:"هل أنت ذاهبة لاستعادة خاتم الخطبة؟ لاحظت انك أضعته".
فلمست مكان الخاتم الخالي من إصبعها:" لا تقلق. أظنني اتذكر أين وضعته".
***
فتح شايد الباب عند أول نقرة ليجد تيس واقفة على عتبة بابه. لم يجرؤ على التصرف لئلا يراها تحولت إلى حلم آخر. وأخيرا قالت:" مرحبا يا شايد".
-بل ديك سميث. إنه اسمي الحقيقي.
لا بأس, إنها طريقة ليخبرها, لكن لعلها ليست الفضلى.
تلقت الخبر برباطة جأش غريبة:" لماذا تدعو نفسك شايد إذن؟".
-اسماؤنا أسماء مركبة. وما ينطبق علي ينطبق على أفراد أسرتي.
-شيدو, شايد, سبيريت. وهل أديليد أمك؟ إنها امرأة في حوالي الستين من عمرها كما أظن.
-إنها تحبنا في الحقيقة. لكنها . . .
-متفردة. نعم, أظننا انفقنا على ذلك. هل تظن أن بإمكاننا أن نتحدث في الداخل؟
أفسح لها الطريق وهو يتمتم معتذرا.
دقائف قليلة ويلتف حبل المشنقة حول عنقه. كل ما عليها أن تفعله هو ضرب الكرسي من تحته.
سألها:" هل أحضر لك شرابا؟ قهوة, صودا, شاي, زرنيخ؟".
وارتاج حين رآها تبتسم وسمعها تقول:" لا, شكرا. مررت عليك لأنني فكرت في أنه قد يسرك أن تعرف آخر تطورات العمل".
أحس بالخناق يشتد على عنقه. نعم, إنها تتحضر لركل الكرسي. إنه يسمع صوت الكرسي تتدحرج و الحبل يشتد حول عنقه.
تضايق من ربطة عنقه, وقال:" أصغي إلي يا تيس, أنت لا تعلمين كم كنت أشعر بالإحباط لأني أعلم ان بإمكاني أن أضمن ترقيتك بشيك, من دون أن أتمكن من منحك إياه".
-هذا غريب. لأنني أظنك فعلت هذا.
-فعلت ذلك بعد ان أنهيت أنت علاقتنا, فكان تبرعي لجمعية الإيثار مناسبا و صريحا.
-لم يكن من يفترض بي ان أعلم أن ديك سميث و شايد الغامض هما شخص واحد. علمت أني كنت لأرفض الترقية إذا اكتشفت ذلك, أليس كذلك؟
فتنحنح:" خطرت هذه الفكرة في بالي فعلا. لقد حصلت على تلك الترقية بطريقة نزيهة, يا تيس. لو جئت إلي ممثلة جمعية الإيثار لكسبتني في صفك في اللحظة التي استمعت فيها إلى حديثك عن جمعيتك وعن الناس الذين ساعدتهم. قلت لك من قبل يا حبيبتي, إن لك قلبا, و إن الناس تشعر بذلكو تستجيب له. لا أراك رفضت الترقية, أليس كذلك؟".
ونظر إليها بقلق, فأجابت:" أوشكت على ذلك".
-وما الذي منعك؟
-شيك من والت مور.
-شيك من . . .
وأطلق صيحة فوز و أمسك بها و أخذ يدور بها في أرض الغرفة:" لقد فعلتها إذن. كسبت ذلك الشرير العنيد في صفك".
-ليس شريرا عنيدا, بل هو رجل وحيد حزين يفتقد زوجته.
-سارشحه قديسا إذا كان هذا يعني حصولك على الترقية.
وأوقفها على قدميها:" هذا يستحق احتفالا, فما رأيك؟".
-ليس الآن, فأنا لم أحضر لأخبرك عن وظيفتي فقط. ثمة سبب آخر.
-وما هو ذلك السبب؟
-جئت لأطلب منك العون.
العون؟ اتراها تمزح؟ وقال بابتسامة عريضة:"تبا, يا حلوتي أنا أعيش من أجل ذلك. كيف يمكن لي أن أساعدك؟ إنني ماهر في ذلك عادة, رغم أن الوضع الحالي لا يوحي بذلك".
اخذت نفسا عميقا وشبكت أصابع يديها ببعضها بشدة حتى ابيضت سلاميات أصابعهاز عبس, فهذا التصرف لا ينبئ بالخير. فقال:" حدثيني, يا حبيبتي. ماذا حدث لك؟".
-لقد فقد خطيبي, ففكرت في أنك قد تساعدني في العثور عليه.
استيعاب هذه الكلمات تتطلب منه لحظة أغمض بعدها عينيه, ثم قال:" لم تفقديه. لم تفقديه. إنك لم تعرفي من يكون فقط".
-بل كنت أعلم.
أثار ذلك انتباهه فسألها:" هل كنت تعلمين أنني ديك سميث؟ متى وكيف؟".
-اكتشفت ذلك ليلة الحفلة الخيرية, بل في الصباح التالي. في الواقع, في الصباح الباكر.
-انتظري لحظة! كدت تجنين حين اكتشفت أنني محرض. لكن عندما اكتشفت انني ديك سميث, تساهلت؟
-ثمة أمور يمكن قبولها بشكل أسهل من أمور أخرى.
لم يستطع المقاومة أكثر فاخذها بين ذراعيه وارتاح حين رآها ترحب بذلك, بل و تذوب بين ذراعيه. سألها:" لماذا؟".
أخذت تلامس عقدة ربطة عنقه بأصابع مرتجفة:" لأنني أحببت ديك سميث, لكنني خائفة من المحرض".
لم يفهم:" إنه عملي. أن أساعد على الجمع بين شخصين متلائمين. ما المخيف في ذلك؟".
-خفت لأنني أردت ما كانت الجمعية تسعى لتقديمه لي. أردت ذلك أكثر مما تتصور, و مع ذلك لم أشأ أن أغامر بالوقوع في حب رجل آخر مرة أخرى. . . و باحتمال أن أخسر ذلك الرجل المميز. ولهذا قررت أن أمنح هذا لرين و إيما بدلا مني. إذا لم استطع ان احصل على حب بنهاية سعبدة. فقد يكون بإمكانهما هذا, هل تفهم؟
ونظرت إليه و هي تغالب دموعها:" قلت إن عملك هو أن تساعد على الجمع بين شخصين متلائمين. و أنت من يلائمني".
فقال وهو يلامس خدها:" لا, يا حبيبتي. هذا دورك في حياتي. عندما قابلتك لأول مرة كان في نيتي ان أضع غرايسن في طريقك لأرى ما تفعلين".
-وإذا لم أفعل شيئا؟ إذا بقيت سائرة في طريقي؟
=كنت سادفع به نحوك بشكل اقوى حتى أقتنع بانكما غير متلائمين. لكن شيئا ما حدث قبل ان أتمكن من ذلك.
-ما الذي حدث؟
تخلل شعرها باصابعه:" وقعت في غرامك. أو ربما, في تلك المرحلة, كان شعوري نحوك مجرد رغبة. لا ادري. كل ما بإمكاني أن اخبرك به هو انني بدأت أهتم بك. اهتممت بك كإنسانة. اهتممت بما يحدث لك في عملك. كان اهتمامي ينصب على كل ما يتعلق بك".
-وأنا أيضا وقعت في غرامك.
-وهذا الغرام اخافك؟
-نعم.
-والآن؟
تنهدت:" يمكنني أن أستمر في الخوف, أو أتشبث بما أريد بيدي الإثنتين".
فابتسم بحنان:" هل تتشبثين بي أم أن مخيلتي تصور لي ذلك؟".
-إنها ليست مخيلتك. أنا أحبك كشايد, و أحبك كديك سميث. حتى أنني أحبك كمحرض.
-ماذا لو قررت ان أساعد الجمعية مرة أخرى.
-ليس لدي اعتراض ما دمت تحرص على الجمع بين المتلائمين.
عندئذ, عانقها عناق العهد النهائي بينهما. وقد أكدت هذا العهد بكل خلية في جسدها و خفقة من قلبها. مد يده إلى جيبه و اخرج خاتم خطوبة جدته, فقد احتفظ به في جيبه منذ افتراقهما, ليعيد إليه الامل.
أمسك بإصبعها و ألبسها الخاتم. لبسته هذه المرة لغرض حقيقي, لغرض وحيد. . .
وهو الحب.
^^^^^^^^^