كاتب الموضوع :
مجهولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
لفصل الثاني
صعقت ديانا و أحست بأن كارول كانت مترددة في تصريح خبر ما فقالت لها.
"إنني في عجلة من أمري ، هل لديك شيء تقولينه لي هاتي ما عندك".
"لا... لا شيء".
"بحق السماء يا كارول ، ماذا هناك قولي؟ إنني أفهم من كلامك بأن مارك كذب علي".
"إنني آسفة إذا أزعجتك ، فأنا لا أحب أن أكون سببا في جلب المتاعب".
و لكن ديانا التي تعرف كارول جيدا قالت لنفسها ، إن هذا ما تحبينه كثيرا ، ثم قالت لها بصوت مسموع:
"إسمعي يا كارول ، إذا كنت تعرفين شيئا الأفضل أن تقوليه الآن و سأكون شاكرة".
ترددت كارول بالإجابة ، و ظهرت عليها الحيرة ثم نظرت إلى ديانا تحاول أن تقرأ ردة فعلها عما ستقوله و بدت جادة.
"إن مارك كان بالحفلة".
صرخت ديانا بإستنكار:
"لا يمكن هذا غير صحيح".
و أخذت ديانا ترتجف من هول الصدمة ، و جف حلقها و غاب صوتها و بدا كأنه الهمس عندما سألت كارول:
"هل كان وحده؟".
"كانت معه سارة فريزر".
"لا أصدق".
"إنني أقول الحق و بإمكانك الإستفهام من أي سخص كان بالحفلة جميعهم كانوا موجودين ، إنني لم أرغب في إبلاغك هذا الخبر ، و لكنك أنت أجبرتني على ذلك اليس هذا صحيحا؟".
و سارت كل منهما في طريق ، ثم أخذت ديانا تفكر في هذا الحديث المشؤوم خاصة عندما تذكرت لهجة كارول الجادة ، و بالرغم من أنها تحسد ديانا لما لها من المعجبين منذ أيام الدراسة حيث كان معظم الشبان يدعون ديانا لحفلاتهم و سهراتهم أما كارول فقل ما نالها الحظ و دعيت لمثل هذه الحفلات و لذلك فإن كارول تحاول إغاظة ديانا كلما تقابلت معها في مكان ما ، تذكرت ديانا أن الكثير من الفتيات سوف يتكلمن في غيابها لفسخها هذه الخطبة ، و كانت ديانا ترى نظرات الحسد تطاردها كلما سارت إلى جانب مارك ، و تحس بالفخر و الإعتزاز لذلك ، و سارة إحدى هؤلاء الناس فلم تخفي إعجابها بمارك ، بل عملت دوما على تحين الفرصة للتحدث معه ، و أرتعدت ديانا لمجرد تذكرها هذه الأحداث و كانت قد وصت إلى إشارة المرور و شعرت بساقيها ترتجفان و خارت قواها ، فلم تصدق بأن مارك ألغى موعده في النادي ليأخذ سارة إلى الحفلة و ظنت أن كارول تتلاعب بعواطفها لتغيظها.
أضاء الضوء الأخضر و سارت ديانا إلى الطريق الخلفي تتصارع بنفسها الأفكار المفزعة غير عابئة بما يدور حولها و أخذت تفكر في خطة لتستعيد بها كرامتها المهدورة.
لم تعد ديانا تنظر إلى الأفق أو تنتظر رنين الهاتف بل قطعت الأمل ، و فكرت في التأني حتى يهدأ غضبها لئلا يصدر عنها ما تندم عليه ، فربما ندم مارك على فعلته و عاد إليها تائبا طالبا الصفح منها كما فعل في كل مرة ، كان الإنتظار يعذبها فكل ثانية تمر و كأنها شهر ، و لكن إيمانها بأنها أتخذت القرار الصحيح دفعها ألا تتنازل و تبادر لعمل أي خطوة منذ أن أعلمتها كارول بالنبأ ، و إيمانها كان يردعها بشدة كلما حاولت و فكرت بالاتصال بمارك حتى رأتهما في المكتبة العامة و رأت خاتمها الجميل يلمع في اصبع سارة ، تمنت ديانا لو أنها لم تولد ، كل هذه الأفكار مرت بخاطرها لا تزال سائرة في الشارع ، ثم أخذت تتخيل مارك و سارة يعيشان سويا كزوج و زوجته في ذلك المنزل الذي أشتراه مارك منذ مدة قصيرة ، لا تزال صورة كل غرفة في هذا المنزل ماثلة حية في ذاكرتها ، فأثاث غرفة النوم الذي أعجبها يوما أشتراه لها مارك في اليوم التالي لم يخطر ببال ديانا ذاك اليوم.
إن سارة هي التي ستمتلكها ، و إن أثاث المنزل الذي أنتقته بعناية سيكون لغيرها ، إن المنزل ليس ببعيد عن منزل ديانا و هناك إحتمال كبير بمقابلة العروسين في مكان ما ، و فجأة تذكرت أن سارة دعتها لحضور الفرح و قبلت هي الدعوة ، شعرت بالألم يعصر قلبها ، من المحال حضور الفرح ، فهذا الألم أكثر مما تحتمل فما عساها أن تفعل؟ خاصة و أن عائلتيهما صديقتان منذ زمن بعيد و حتما سيتلقون الدعوة لحضور الفرح و إذا لم تحضر ديانا فسوف يعتقد الجميع بأنها تتألم لأجله ، حاولت ديانا تهدئة حزنها ، و قد حضرتها فكرة ، عذر مقبول سوف تتظاهر بأنها تريد الإطلاع على شركة والدها في الخارج و تسافر قبل العرس حيث تذهب لقضاء هذه الفترة في فندق قريب من الشركة ، عليها الآن إعلام والدتها بالفكرة ، و توجهت ديانا إلى المطبخ حيث والدتها التي بادرتها بالتحية.
"أهلا حبيبتي إنني أحضر بعض السندويشات ، أرجو أن تملأي الابريق ماء و تضعيه على النار".
و بينما كانت ديانا تملأ الابريق قالت لوالدتها:
"أمي ، أريد الذهاب غدا للإطلاع على شركة والدي حيث أقيم في فندق قريب منها لفترة قصيرة".
جمعت ديانا كل حواسها لما ستقوله والدتها التي لاحظت حتما اصبعها الخالي من الخاتم و لم تسألها عنه بعد ، فليس هناك أي داع لتخمن أن الموضوع قد إنتهى ففي كل مرة يتشاجران فيها يتصالحان بعدها و تعود المياه إلى مجاريها و يعود الحب أقوى ، اللهم إلا إذا سمعت عن خطبة مارك و سارة حيث الاخبار تنتشر بسرعة ، عاجلا أم آجلا ، سوف تناقشها والدتها بالموضوع و لكن ليس الآن بل بعد أن يعود إليها هدوءها و تفيق من الصدمة فوجئت بوالدتها تقول لها:
"كنت أفكر بعرض هذا الموضوع عليك لكني لم أكن متأكدة من ترحيبك بها ، إنها فكرة جيدة يا حبيبتي أرجو لك التوفيق ، و بلغي سلامي إلى ابن خالتك".
ثم استطردت والدتها:
"هل تعلمين من قابلت اليوم؟".
"لا ، من قابلت؟".
"لقد قابلت بول ستيورات".
"حقيقة؟ متى عاد من السفر؟" كانت لهجة ديانا فاترة فهي غير مهتمة ، أجابت والدتها:
"منذ يومين ، و قد أتى ليسأل عنك".
هناك شيء خفي في لهجة والدتها التي تعرفها جيدا ، و فهمت ما تقصده.
"ربما كان أدبا منه أن يسأل عني ، و لكنه لا يهمني".
"كما تريدين يا ابنتي".
استدارت ديانا خارجة ، وهي تقول:
"سأذهب لأحضر حقيبة ملابسي و اتصل بابن خالتي جوني لأعلمه بحضوري غدا".
السيدة وارنز إمرأة طموحة و فخورة بنفسها و بابنتها و قد سرت لخطبة ابنتها إلى مارك الشاب الأنيق المليح الوجه و الأخلاق و الذي كان أبنا لأحد تجار النسيج في البلد و اعتقدت أنه زواج مناسب.
أما و قد سمعت بخبر خطبته إلى سارة مما جرح كبرياءها و أخفى مشاعرها ، فمن الممكن أن يرد اعتبارها إذا شوهدت ابنتها مع شاب آخر حتى يعلم هؤلاء الذين سمعوا بالنبأ أن ديانا هي التي فسخت الخطبة ، توقفت ديانا عن التفكير بما عنته والدتها عند هذا الحد ، بينما كانت تقوم بترتيب ملابسها بالحقيبة ، و لمعت برأسها فكرة مشاهدة مارك و الناس لها مع شاب آخر ، كأن تخطب أو تتزوج قبل عرس مارك ، ثم فكرت بأن هذه الفكرة لا يمكن أن تعطي المفعول المطلوب برد إعتبارها أمام الناس و إغاظة مارك إلا في حال كان المرشح المطلوب ذو بريق اجتماعي و وسامة يتفوق بها على مارك ، عند هذا الحد من التفكير اصابها الإحباط ، فهي لا تعرف مثل هذه الشخصية ، أخذت اسماء الشخصيات الكثيرة التي تعرفها المحتملين ، و وجوههم تمر بسرعة في مخيلتها ، فيما كان عقلها يرفضهم الواحد تلو الآخر ، لم تشك ابدا في قدرتها على حمل أي من هؤلاء على القبول بالزواج منها.
لكنها كانت تحتقر الذين يطرحون أنفسهم و تمنت ديانا بصمت ، لو بإمكانها العثور على زوج مؤقت يعجبها ، و يتمتع بالمواصفات التي حددتها له ، أكملت ترتيب ملابسها في الحقيبة و الفكرة تتردد في ذهنها.
رحب جوني بابنة خالته ديانا بحرارة و شوق أخوي اعتادت عليه منه ، و أثناء طريقهما إلى الفندق الفاخر الذي حجز لها فيه جناح ، سألها عن خطيبها فأخبرته القصة بالتفصيل حتى فكرتها الأخيرة و التي ما زالت تختمر في عقلها ، فما كان من جوني إلا أن ضحك و قال:
"مارك هذا لا يناسبك".
قالت ديانا: "لا يوجد من يناسبني أكثر منه فهو يفهمني".
قال جوني: "لو كان يفهمك فعلا ما كان ليتصرف بهذه الطريقة" و قبل أن تفتح فمها لتتكلم أضاف:
"على العموم لنحاول نسيان هذا الموضوع الآن ، ألا تريدين زيارة الشركة؟".
"قد أزورها و لكن ليس الآن".
"حسنا ، هناك حفلة تقام في قاعة التسلية في الفندق هذه الليلة ما رأيك هل تحضرينها؟".
فكرت ديانا بأن الترفيه قد يبعد عنها التفكير بآلامها فأجابت:
"لما لا".
"إذن سأحضر لاصطحابك إلى العشاء أولا ثم نتوجه بعدها إلى الحفلة ، و إلى ذلك الوقت تكونين قد أفرغت حقيبتك و أخذت حماما يريحك قليلا".
"أليس لديك مواعيد أخرى؟".
"ليس لدي سوى بعض الأعمال الخفيفة بالشركة سأنهيها و أعود إليك ، و قد اشتقت إلى طاولة النرد و التي ستتوفر بحفلة الليلة" ثم تركها و ذهب بعد أن اوصلها للفندق.
كانت الحفلة رائعة في الاتقان و الإبداع ، إلا أن ديانا لم تتمتع بها ، كان تفكيرها مركزا طوال الوقت على إيجاد حل لمشكلتها النفسية ، عندما مر جوني لمرافقتها إلى المطعم و منه إلى قاعة الاحتفال ، كانت عاقدة العزم على ترك أفكارها جانبا و التمتع بوقتها إلى أبعد الحدود.
أرتدت أجمل فساتين السهرة المتوفرة لديها ، و كانت تبدو غاية في الأناقة و الذوق ، و لما دخلت و جوني القاعة الرئيسية تحولت كافة الأنظار إليها ، الرجال بإعجاب و رغبة و النساء بحسد و غيرة أما إهتمام جوني تحول بسرعة إلى طاولات النرد الخضراء ، و ضعت يدها برقة على ذراعه ، فلحق بها مترددا و راحا يتجولان بين تلك الحشود الغفيرة ، كان الرابحون يصرخون بفرح و سعادة ، و الخاسرون يتأوهون و يتذمرون بأصوات عالية ، الذين يرتدون أجمل ثياب السهرة و أغلاها يحتكون بالذين يرتدون الثياب العادية لم يكن هناك سوى مكان واحد يفصل بين الأغنياء و الناس العاديين ، و علمت ديانا أن خطواتها ستقودها حتما إلى ذلك المكان المنفصل و شعرت بأن لعابها يجف و أعصابها تتحرك ، و هي على وشك الأشتراك في اللعبة المخصصة للطبقة الأرستقراطية الثرية ، تحب هذه اللعبة كثيرا و لكنها لا تتهور ، إذا ربحت تتوقف عن اللعب و إذا خسرت تتوقف أيضا عند حد معين فهي تعلم علم اليقين أنه طالما لديها تلك الأموال التي ورثتها عن والدها فهناك يوم آخر... و مجال آخر ، وقف جوني صامتا بقربها يتأمل بإعجاب و حسد برودة اعصابها ، راقبت ديانا بعينين خضراوين واسعتين و بأعصاب هائة ، بقية اللاعبين ، و أساليب لعبهم تجاهلت الشابات اللواتي تضعهن إدارة الفندق حول الطاولات لإضافة رونق ، و تشجيع اللاعبين و لكن دقات نبضها تسارعت عندما وقع نظرها على اللاعب الأخير ، كان شعره الأسود الجميل يلمع تحت الأضواء الناعمة ، و حاجباه يغطيان إلى حد ما عينيه السوداوين الجميلتين ، أعجبتها نظراته الفاحصة بوجهها بهدوء و إهتمام بالغين إلى الأوراق الموجودة أمامه ، أنفه حاد وجهه جذاب ، بشرته برونزية ، و فمه رائع و قاس ، رفعت حاجبيها بإعجاب واضح و حشرية بالغة ، لا يمكن أن يكون هناك شخصان متشابهان إلى هذه الدرجة ، نظرت إلى قريبها و سألته بهدوء:
"ماذا تعرف عن ذلك الرجل الذي يلس إلى يسار موزع الورق؟".
تطلع نحوها جوني بدهشة و استغراب ، لم تهتم ديانا أبدا في السابق بشخصيات اللاعبين أو اشكالهم ، و لكنه اطاعها كعادته و نظر نحو الرجل وضع يده على فمه لإخفاء دهشته ، عندما نظر ثانية إليها أصيب بدهشة مماثلة عندما شاهد ذلك البريق الغريب في عينيها ، قال لها:
"إنه دييغو ديكور. لم أره هنا منذ وفاة والده ، أنه لاعب عنيد و قاس ، أو على الأقل هكذا كان. صاحب حظ لا يصدق مع أنه لا يهتم كثيرا إن خسر ام ربح ، إفعل مثله و لن تندمي".
"لا يهمني كيف يلعب أو ماذا تكون نتيجة لعبه ، و لكني أريد أن أعرف كل شيء ممكن عنه ، يا جوني".
سألها عن سبب إهتمامها المفاجئ ، فنظرت إليه بطريقة جعلته يعتذر عن تدخله و يقول:http://www.liilas.com/vb3
|