1- صرخة من الماضي .
كانت جولي وسط اجتماع هام عندما وصلتها مخابرة , وبدت سكرتيرتها لينا ستيوارث , متردده في ازعاجها , واخذت تشرح الامر :
- انها السنيورا دي فيلانو , انسه فولروك , تقول انها صديقة قديمة لك , ومن الضروري ان تتحدث اليك .
- سنيورا دي فيلانو ؟
تحت نظرات المشاركين في الاجتماع المنتظرين بفارغ الصبر, ان تنتهي من مكالمتها ليعودوا الى مناقشتهم , وجدت جولي تفكيرها مغلقا .
هي لاتعرف احدا يدعى سنيورا دي فيلانو . فلابد ان لينا فهمت الاسم خطأ.
- اخشى ان ...
- انها تبدو مضطربة انسة فولروك... لا اريد ازعاجك , ولكنني اعتقد انك يجب ان تتلقي المخابرة . تقول انها كتبت لك و ...
- آه ... انيتا !
انيتا دي فيلانو ! كانت تفكر بها على الدوام كأنيتا تاور , حتى ان اسم راوول لم تكن تذكره . لقد مضت اكثر من 5 سنوات منذ ان تلقت اخر خبر عنها . والرسالة التي تلقتها منها لم تكن قد قرأتها كلها .
- هل ستتكلمين معها آنسة فولروك ؟
ومالت جولي لأن ترفض . ولكن انيتا تتصل من ايطاليا , فلابد ان هناك شيئا خاطئا قد حدث لها . ونظراً للصداقة التي كانت تربطهما , قالت جولي لزملائها .
- اعذروني لبضع دقائق ايها الساده .
وتجاهلت ما كان يقوله غرانت افرسون . وخرجت من الغرفة , مكتبها كان في الجهة المقابلة من الممر , في المكتب المجاور لمكتب باتريك دورلاند ,
المدير الاداري لشركة ادوات التجميل , وهو المكان المناسب لمساعدته الشخصية , وجولي كافحت بقوة للحصول على هذا المركز .
وقالت لها لينا وهما تسيران في الممر :
- آسفة يا انسة فولروك , ولكنها بدت متضايقه جدا على الهاتف ولم ادري ما افعل .
- لا بأس يا لينا , انت محقة باخباري , فالسنيورا دي فيلانوا وانا صديقتين قديمتين .
ووصلتا الى المكتب فرفعت جولي السماعه واعلنت عن وجودها .
- جولي . ؟... جولي اهذه انت ؟ شكرا ! للسماء ! لماذا لم تجيبي على رسالتي ؟ ولماذا لا اجدك في المنزل كلما اتصلت بك ؟ احاول الاتصال بك منذ ايام !
- انيتا ؟... انيتا اهدأي ... انا معك الآن , اتحدث اليك ... وما هو السبب البائس الذي دفعك للاتصال بي في مركز عملي ؟
- في عملك ! ومتى تكونين في مكان اخر ؟ لقد اتصلت بشقتك 4 مرات وكل مرة كانت تجيب عليّ مدبرة منزلك .
- السيدة باتس ؟ اذا انت من كان يتصل . لماذا لم تخبريها بأسمك ؟ لقد اقتنعت السيدة باتس ان عصابة من الصوص تخطط لسرقة المنزل . وانك تتصلين لمعرفة ما اذا كنت في المنزل .
- اوه يا جولي ! لم استطع اعطاء اسمي ... لم ارغب في ان تتصلي بي هنا وتتحدثي مع راوول .
- حقا ؟
- لا ... ليس كما فهمت . لقد تجاوزت الامر . فقط لا اريده ان يعرف انني اتصلت بك .
- انيتا , عن ماذا تتكلمين ؟
ولاحظت جولي توترا في صوتها . 5 سنوات مدة طويلة ولكن هناك اشياء لايمكن ان تنسى .
- اريدك ان تأتي الى هنا للاقامة معي .. ارجوك يا جولي . لا تقولي لا . ليس قبل ان تسمعي الاسباب. احتاج لمن يقف معي . وليس هناك شخص غيرك استطيع التحدث معه .
- انيتا.. هذا مستحيل ...
- ولماذا هو مستحيل ؟ جولي, انت لا تفهمين . اكاد اجن هنا . احتاجك , ولايمكنك الرفض دون الاستماع لما سأقوله لك .
وتنهدت جولي ...
- انيتا , اذا كان هناك شيء قد حدث لزواجك ...
- اذا حدث شيء لزواجي ؟ جولي , كل شيء اصبح سيئا , كل شيء . لهذا اريدك ان تأتي . لهذا احتاج لأن اكلمك.. اذا لم اتحدث معك ... سأجن !
- انيتا , والدتك ...
- انت تعرفين والدتي جيدا , ولا استطيع التحدث معها ...
- والدك اذا .
- اوه ... والدي ! انه مشغول جدا بعمله في المصرف , وبالكاد يلاحظ وجودي !
- هذا ليس صحيحا يا انيتا ... انت تعلمين انه سيفعل ما بوسعه لتكوني سعيده ....
- طالما ان ما اريده يمكن شراءه ويمكن له ان يدفع . جولي .. انت تعرفين والدي . يعتقد ان المال يشتري كل شيء .
- المال يمكن ان يشتري اكثر الاشياء , انيتا مهما ستقولين , فلا اظن انني الشخص الذي تحتاجين اليه . ومهما يكن الامر , فلماذا لا تتحدثين مع راوول بخصوصه ...
- راوول ! لا ... لا استطيع . انه يرفض الحديث حول الموضوع . جولي .. ارجوك .. ارجوك .! اعلم اننا لم نرى بعضنا منذ زمن طويل , واعلم انك لم تكوني سعيده عندما تزوجت راوول , ولكن ... هذا كله من الماضي الآن . وبالتأكيد قد سامحتيني ...
- لم يكن هناك ما يستحق كل هذا يا انيتا , لابد انك تعرفين ...
- اعرف بأننا لم نتحدث عن الامر , لكن اعلم ان الامر لم يكن هينا لك عندما تزوجني راوول ... .
وتمالكت جولي اعصابها , فلن تتورط في جدال حول راوول دي فيلانو, لن تفعل هذا ! وكما قالت انيتا , كل شيء اصبح من الماضي الآن .
حتى اذا اعترفت بكرهها للتورط في مشاكل انيتا فسترتاب بانها لاتزال تحمل ضغينه في قلبها مما حدث . وقالت مستخدمه اسم الدلع الذي كانت تناديه به :
- اسمعي يا نيتي . انا الآن في وسط اجتاع مع مجموعه من مندوبي البيع , وانا حقا ليس عندي وقت ولهذا . هل استطيع ان اتصل بك لاحقا ؟
- لا ... اعني ... انا سأتصل بك , قولي لي فقط متى واين , وسأتدبر الامر .
- هذا المساء اذا , في شقتي , حوالي الـ6,30 .
- حسب ساعتنا ام ساعتكم ؟
- الوقت الآن صيف . والساعات متماثلة .
وعلقت السماعه قبل ان ترد عليها انيتا .
كان من الصعب عليها ان تعود الى الاجتماع , وتستجمع خيوط النقاش الذي كانت تبادله مع مندوبي البيع , خاصة انها تعلم ان نصهم مستاء لوجودها في الاجتماع اصلا ,
ولكن باتريك اختارها لهذه المهمة , وثقته في قدرتها على تولي الامر اثار غيرة زملاءها المتعصبين . وهي تعلم ايضا ان العديد منهم يعتقد ان هذا التكليف عاد الى جمال مظهرها اكثر من براعتها في مهنتها.
ولكن جولي تعلمت كيف تتجاهل الهمسات المهنية التي تعترض سبيلها .
وقالت بعد ان عادت لتأخذ مكانها في الاجتماع كريسة له :
- اقترح ان نتابع هذا الاجتماع بعد الغداء ايها الساده . اظن اننا بحاجه لبعض الوقت للتفكير بالاقتراحات التي قدمت , واذا كان لدى أي واحد منكم نقطة محدده يريد طرحها بأمكانه الاتصال بالانسة ستيوارت وستدبر له موعدا مناسبا بعد الظهر .
وسألها غرانت افرسون :
- ستنضمين الينا في الاجتماع يا جولي.. اليس كذلك ؟ ام ربما لديك امور اخرى لتهتمي بها .
وابتسمت جولي ابتسامة انتصار :
- اوه اجل .. سأنضم اليكم يا غرانت . فلدي نقطة او اثنتين سأطرحهما بنفسي . وكممثله للسيد دورلاند , اتوقع تقارير كامله من كل منكم فيما يتعلق بأرقام المبيعات , كل في مجاله .
- اذا , اعتقد اننا لن نضيع وقت المؤسسه بانتظارك وانت تتحدثين في مكالمات خاصة .
واجابه هايز اندرهيل , احد اقدم وكلاء البيع , وهو يربت على ظهره :
- لا تقل هذا يا افرسون ! انت فقط تغار لأن مساعده مديرنا الاداري الجميلة , لا تتلقى مخابرات خاصه منك.
وعلق مارك رامسدايل قائلا :
- ربما يأمل ان يبعد الانظار عن واقع ان المبيعات في المنطقة الجنوبية الشرقية كانت تنخفض مؤخرا . ما الامر يا افرسون ؟ هل فقدت براعتك ؟
واستمر الحديث المتوتر قليلا بينما كان الجميع يغادر مكان الاجتماع , ومع ان جولي كانت مسرورة لخروجها من الجدال بأفضل النتائج ,
الا ان افكارها بقيت مشغولة بالحديث الذي جرى بينها وبين انيتا دي فيلانو , فلم تكن تتصور ما هو الامر السيء الذي حدث لزواج انيتا والذي استوجب ان تدعوها هذه الدعوة الغريبة وبينما كان فضولها يزداد كان هناك شعور مقلق ينذر بالشر يزداد ايضا ...
فهما لم تتصلا ببعضهما بعد زواج انيتا من الكونت الايطالي الثري .. فلماذا تتصل بها الآن , بينما المنطق يقضي ان تفضي بأسرارها الى والدتها او والدها ؟
منتديات ليلاس
وجلست وراء طاولتها , في مكتبها وتنهدت واسندت ظهرها على المقعد تاركة كتفيها ترتاحان عليه . ولكنها ابقت يديها على الطاولة .
على الرغم من تصميمها على ان تتنافس مع الرجل على قدم المساواة في عالمه فأنها لا زالت اساسا انثى . وهذا هو الآن ما يسبب لها هذه التجاعيد في جبينها ...
ماذا تقصد انيتا بالاتصال بها ؟لماذا تعرض مشاكلها على جولي ؟ والاهم اكثر , كيف ستستطيع جولي التخلص من هذه الدعوة التي لا ترغب بها ؟
ورفعت رأسها بحده بعد ان سمعت دقا على الباب , وابتسمت بارتياح لرؤية السكرتيرة .
- انا ذاهبة للغداء آنسة فولروك ... هل هناك ما تحتاجينه قبل ان اذهب ؟
- لا ... شكرا يا لينا . سأتناول سندويشا هنا في المكتب .وسأراجع البريد فيما بعد .
- حسنا آنسة فولروك , ليس بينها شيء مستعجل , اوه .. لقد اتصل السيد دورلاند , وطلب ان اخبرك بأنه يكون في المكتب غدا صباحا .
- جيد .. أظن ان بأمكاني متابعة أي امر جديد . اذهبي وتناولي غداءك قد احتاجك للعمل هذا المساء .
- هذا المساء ؟
وظهر الذعر على وجه الفتاة , وتحركت جولي لتضع ذراعيها على الطاولة .
- هل هناك مشكلة ؟
- لدي موعد ... ولكنني استطيع ارجاءه ...
- ولكنك لا تريدين , اليس كذلك ؟أوكي يالينا . ابقي على موعدك , اذا حدث شيء ضروري سأعمل غدا عند وقت الغداء , هه.؟
- اوه شكرا آنسة فولروك ! اراك فيما بعد .
وما ان عادرت لينا الغرفة حتى وقفت جولي وسارت نحو النافذه . بدا لها انه مر زمن طويل منذ كانت مثل لينا , وقطبت جبينها , ثم ابتسمت , انه زمن طويل .. ثماني سنوات تقريبا .
كانت في الـ18 عندما بدأت العمل في مؤسسة هيلدا هايز لأدوات التجميل ولكنها على عكس لينا جعلت من عملها محور وجودها .
منذ اليوم الاول كانت طموحه . وقيل ذلك ... منذ ان كانت وامها تناضلان لتبقيا رأسيهما مرتفعين واشفق عليها ابن عم لأمها فأرسلها الى مدرسة مناسبة . وصممت على ان تحقق النجاح في حياتها .
والدها تطلقا عندما كانت صغيرة جدا , وما ان شفيت جولي طريقها , حتى سارعت امها الى القتعد في الريف برفقه قريبه عانس , لم نشاهد والدها منذ سنوات ,
منذ ان كانت في المدرسة وعلمتها السنوات التي قضتها في المدرسة الداخلية ان تعتمد على نفسها .
وابتعدت عن النافذه وسألت نفسها , ليس للمرة الاولى , كم يا ترى نجاحها كان يعتمد على جمالها .
بالتأكيد كان رئيسها في مكتب الدراسات جورج كليفز , يجدها جذابة جذابة جدا بحيث انها اضطرت الى ابعاد الاتهامات عن نفسها
عندما دخلت زوجته مرة الى المكتب لتجدها معه يبحثان عملية ترويج لأحد المستحضرات ولم يكن هناك أي سبب لجعل السيدة كليفز لأن جولي لم تكن تهتم بالرجال ولا بأقامة علاقه معهم.
ومع ان من في سنها قد يجد هذا امر لا يصدق , الا انهم يعرفون ان سمعتها لا يمكنالشك بها , رجل واحد نجح في تفجير الضعف الذي كانت دائما تتجنبه , ولكنها تعاملت معه بنفس القسوة التي تعامل بها والدها مع امها .
فلن يتمكن رجل من السيطرة عليها , لن يجعلها رجل تعتمد في حياتها عليه , لا ماليا ولا عاطفيا , فهناك طريقة واحده للمرأة لتشق طريقها في هذا العالم وهي بأن تبقى حرة , بعيدة عن اللمس , قادرة على ان تبتعد عن نوع الحياة التي يرغب بها الرجال .
كان الوقت متأخرا في المساء عندما عادت الى منزلها متاخرة اكثر مما توقعت بسبب خروج لينا باكرا , قابلتها السيدة باتس بخبر اتصال , تلك المراة ثانية .
وتنهدت جولي , ونظرت الى ساعتها لتجد انها اصبحت الـ7,15 فهزت رأسها وقالت :
- اعلم سيدة باتس, لقد اتصلت بي في المكتب , انها فتاو اعرفها منذ كنا في المدرسة معا .
- حقا ! ولماذا لم تقل لي من هي , بدلا من ان ترفض ذكر اسمها ؟ اذا كنتما صديقتان ...
- لاتريد ان يعرف زوجها انها تتصل بي ...
وتابعت بابتسامة بعد ان لاحظت التعبير غير المصدق على وجه المرأة :
- هذا صحيح . ألم يكن هناك وقت اردت فيه ان تخفي شيئا عن زوجك ؟ الم يكن عندك اسرار اردت اخفاءها ؟
- لا اذكر .ز
وخلعت جولي حذائها وهي تدخل الى غرفة الجلوس وقالت :
- حسنا انت محظوظة .
ووضعت حقيبتها على المقعد وجلست قائلة :
- على كل الاحوال هذا يثبت كم قد تكون مثل هذه العلاقة محدودة .
- ومتى تريدين ان تعشي ؟ ستكون وجبة باردة , وهكذا تستطيعين تناولها متى شئت .
وتمددت جولي على الاريكة بارتياح .
- بعد ساعه ,شكرا لك , اظن انني سأغتسل قبل ان آكل , فانا تعبة وقد انام باكرا .
- انت تبدين فعلا تعبة .
- شكرا لك .
- لا , انت تعرفين ماذا اعني , انت بحاجه الى عطلة |, فانت لم تاخذي عطلة في السنة الماضية , وقد حل اخر ايار ولم تفكري بأي خطة لعطلة هذه السنة , ما تحتاجينه هو بضعه اسابيع تحت الشمس , بعيدا عن المكاتب والغرف المغلقة , وسيدعك السيد دورلاند تذهبين , متى شئت .. الا يروق لك التشمس على شاطئ مشمس ؟
- ليس تماما . فانا لست من النوع الذي يحب الكسل , اضافة الى اننا بصدد اطلاق مجموعه مستحضرات جديدة خلال ثلاثة اسابيع , ولا يمكن لي ان اكون بعيده , فأنا مسؤولة عن هذه المجموعه .
- لو اخذتي رأيي , فسأقول ان الافضل لك ان تنشغلي بطفل خاص بك بدلا من رعاية مستحضرات التجميل !
ونظرت اليها جولي ضاحكة وقالت :
- بدلا من مستحضرات التجميل ! هذا جيد , ويجب ان اتذكره قد استفيد من هذا الكلام في مجال ترويجنا للمستحضرات القادمه .
وتنهدت المرأة المسنة :
- الا يمكن لك ان تكوني جادة ابدا ؟
- حول انجاب طفل ؟ لا ... فأنا لست متزوجة .
- وليس من المحتمل ان تتزوجي , نظرا للطريقة التي تتصرفين بها . ماذا حدث للسيد بندتغ اللطيف ؟ لقد دعوتيه للعشاء عدة مرات هنا ... واعتقدت ...
-روجر بندنغ هو صديق طيب .
ونهضت بتثاقل على قدميها .
- اظن انني يجب ان استحم الآن , وسأعلمك متى كنت مستعده للعشاء .
وهزت السيدة باتس كتفيها , ولم تقل شيئا وكانت جولي ممتنه لهذا فهي الآن ليست مستعده للخوض في نقاش حول اسباب عدم رغبتها في رؤية روجر بندنغ .
وتلهفتها لأن تغرق في المياه الدافئة يعجبها الآن اكثر , ولكن لا زالت هناك مشكلة ماذا ستفعل بمخابرة انيتا واملت ان تهديها فترة من الاسترخاء الى حل ما .
وما كادت ترفع قدمها لتدخل المياه الدافئة في المغطس حتى رن جرس الهاتف ... وانزعجت لأدراكها بأنها لم تفكر بالامر بعد ومالت الى عدم الرد , ولكن شيئا ما ربما شعور داخلي باولاء للفتاة التي كانت تعرفها , جعلها تمد يدها الى الروب .
ووصلت الى الهاتف في غرفة نومها في نفس اللحظة التي رفعت مدبرة المنزل الهاتف في المطبخ , فقالت لها :
- انا هنا سيدة باتس .
فصاحت انيتا من الطرف الاخر :
- هذا انا يا جولي .
- انا اسفة لعدم وجودي لتلقي مخابرتك الاولى , لقد تأخرت في الوصول . لقد تركتني سكرتيرتي باكرا وكان عليّ ان انهي بعض الاعمال بنفسي .
- كم تبدين مكتفية بنفسك , المراة المسؤولة الكاملة ! كيف يبدو لك الترؤس على الناس يا جولي ؟ لقد قالت لي سكرتيرتك انك مساعده باتريك دولاند الآن . من الواضح انك ناجحة تماما في حياتك المهنية .
- الأجل هذا اتصلتي بي يا انيتا ؟ لتتكلمي عن عملي ؟ عليّ ان اقول لك ان الحمام الساخن بانتظاري , وكومة من العقود يجب ان اراجعها بعد العشاء .
- اللعنة يا جولي ! لا تكوني متكبرة هكذا !
واخذت انيتا تبكي وتابعت :
- انت تعرفين لماذا اتصل بك , هل فكرتي بما قلته لك , ام ان ... كل هذا الكلام عن انشغالك القصد منه القول لي ان لا وقت عندك لقبول دعوتي ؟
- انيتا ما الذي تريدين ان تقوليه لي , الا يمكنك قوله الآن ؟ او اكتبي لي رسالة , واعدك ان ارد عليك ...
- لا ... لا ... ! لا استطيع , احتاج لرؤيتك يا جولي . احتاج ان اتحدث اليك وجها لوجه . اما بالنسبة للتحدث معك على الهاتف ...وانخفض صوتها وهي تتابع :
- قد يكون هناك احد يستمع اليّ على الهاتف ... لراوول جواسيس في كل مكان , انه لا يثق بي .. او يا جولي .. ارجوك , قولي انك ستأتين الى هنا .. اذا .. اذا لم تأتي ... فقد ... اقتل نفسي!
2- أنســــى أنـــك امــــرأة :
بالطبع ..لن تقتل نفسها ! وجولي تعرف هذا ، أو هكذا على الأقل قالت لنفسها ،
بينما كانت البوينغ النابعة للخطوط البريطانية تطير بنعومة جنوباً فوق الهضاب
المليئة بالثلج لجبال الألب السويسرية ، على أرتفاع آلاف قدم ،
فمن يهدد عادة بالإنتحار ، نادراً ما ينفذ تهديده ، لقد كانت صرخة للمساعدة ، وهذا كل شيء ،
فكل ما كانت تقصده انيتا ، هو أن تجعلها توافق على طلبها .
وهي تحضّر لأخذ إجازة من وظيفتها لفترة اسبوعين ، كانت تعلم
أن ما تفعله هو غباء . فالوقت غير مناسب ، والمكان الذي ستذهب إليه غير مناسب أيضاً ،
وبالتأكيد قبولها بهذه المهمة هو أمر غير مناسب أيضاً ، قبل كل شيء ، تعلم بالتأكيد أن راوول لن يرحب
بها في قصر ( جي فيلانو ) وهي تشك في أن انيتا قد أبلغته بأنها قادمة .
ونظرت جولي إلى الغيوم التي تحجب منظر المياة الزرقاء للبحر
المتوسط بعيداً تحتها ، لقد أمضت يومين وهي تتحضر للسفر ، منهية كل الأمور العالقة
في المكتب ، وخلال ساعات الغداء تشتري ثياباً مناسبة لشهر حزيران في تلك المنطقة الشمالية
الغربية من إيطاليا المسماة ( توسكانيا) .
وكانت السيدة باتس خلال هذه اليومين منشغلة جداً ، تغسل وتكوي كل ما هو ضروري لجولي لتستخدمة خلال
إقامتها في قصر دي فيلانو ، وكانت جولي قد حددت شرط قبولها لدعوة انيتا بأسبوع واحد ،
محتفظة بالإسبوع الأخر للأمور الطارئة ، فأنيتا لم تكن تملك أبداً شخصية ثابتة ، ومع أن جولي
كانت تشك في أنها قد بالغت في وصف الوضع ، إلا أن هستيريتها على الهاتف الليلة التي سبقت سفرها لم تكن ادعاء أبداً .
من ناحية أخرى ، أصّرت السيدة باتس على إعتبار سفرها رحلة استجمام ، وكانت الوحيدة ، عدا انيتا ، التي رحبت بهذه العطلة
الإجبارية ، وقالت لجولي :
- لقد قلت لك إنك بحاجة للراحة . أسبوع أو أثنين في إيطاليا سيمثلان تغييراً كبيراً لك .
وسيخرجانك من جو المكاتب ، ويضعان بعض اللون في وجهك .
- إنها ليست رحلة إستجمام يا سيدة باتس ، انا ذاهبة لمساعدة صديقة قديمة ،
هذا كل شيء ، وسأعود ، كما آمل ، في منتصف الأسبوع القادم .
- لا تستعجلي العودة ، فلاشيء يغريك بالعودة إلى هنا . هل هناك شيء قد تكونين
نسيتيه قبل أن أقفل الحقيبة ؟
( سيداتي سادتي ، لقد أضيئت إشارة عدم التدخين . ويطلب إلى الركاب التأكد من ربط أحزمتهم .
وأن المقاعد في وضعها الصحيح . وأن كل السجائر قد أطفأت ، لا يسمح بالتدخين قبل وصول الركاب
إلى غرفة الوصول . سنحط في مطار بيتزا بعد بضع دقائق . شكراً ).
وابتسمت المضيفة لجولي ، وهي تضع المايكروفون من يدها وأحست جولي بالتوتر الذي يسيطر عليها عند الهبوط ،
ولم يكن ذلك بسبب الهبوط نفسه . فقد اعتادت عليه في رحلاتها إلى باريس وروما خلال عملها مع مؤسسة ( هيلدا هايز) بل كان بسبب
الأضطراب الذي تشعر به عند وصولها إلى أمكنه جديدة ، وفي هذه اللحظات تشعر بتوتر مضاعف لعلمها بأنها بعد بضع ساعات ستقابل
راوول مرة ثانية .
منتديات ليلاس
وحطت الطائرة بهدوء ، وبما أنها كانت تجلس في مقدمة الطائرة ،
كانت من أول الهابطين منها ، ومرت عبر دائرة الجوازات دون إزعاج وأخذت
حقيبتها وسارت بسرعة عبر الجمارك ، وهي تنظر بتمعن لترى انيتا .
قاعة الوصول كانت مليئة بالناس المنتظرين لأصدقائهم وأقاربهم ..ولابد أن تظهر انيتا في أي لحظة ..
- أنسة فولروك !
الصوت الرجالي دفع أعصاب جولي إلى حافة التشنج ، فعلى الرغم من أنها كانت تحضّر نفسها لهذه اللحظات منذ أن وافقت على ابتزاز انيتا لها ،
إلا أنها أجفلت لسماع صوت راووب الذي لا يزال يمتلك القوة التي تستطيع أن تجعل العظام تذوب .
واستدارت ، فوقعت الحقيبة من يدها ، وواجهت الرجل الوسيم الواقف هناك.
- راوول .... راو ... ماهذه المفاجأة ! أين أنيتا ؟ لقد أعتقدت أنها ستأتي لتلاقيني .
- أنيتا مريضة .
- أنيتا مريضة !
وحاولت جولي التركيز على ما يقوله ، وليس على الطريقة التي يقول كلماته بها .
- لقد قلت إنها مريضة .
والتقط حقيبتها عن الأرض .
- هل هذا كل متاعك .
- أجل أنا أسفة لإزعاجك ، لو كنت أعلم ....
- نعم ؟ ماذا كنت فعلت ؟ هل كنت ستلغين زيارتك ربما ؟
أو تعطينا وقتاً أطول لنتحضر لهذه الزيارة .؟
وضغطت جولي على شفتيها وهي تلحق به ، فمن الصعب الآن أن تفكر بوضوح .
إلى ماذا يلمح ؟ أيلمح إلى أنها دعت نفسها إلى قصره ؟
من الواضح أنه لا يريدها هنا ، وحقاً ، لا تستطيع لومه .
خارج مبنى المطار ، كانت الشمس بعد الظهر أكثر حرارة من مثيلتها في انكلترا .
فعندما غادرت مطار هيثرو ، كانت ثيابها مناسبة ،
ولكن هنا ، في إيطاليا ، شعرت بالبنطلون يبعث الحرارة في جسدها .
وخلعت سترتها لتكشف عن قميص حريري ، وهبت ريح ناعمة ، وأراحتها برودتها ،
حتى ولو أنها تسببت في بعثرة شعرها ..
وقال لها راوول :
- انتظري هنا ..سآتي بالسيارة .
ووضع الحقيبة على الأرض ، وأخذ يحدق بها ، فواجهته بنظرة متعاليه ،
غير مهتمه بالهواء الذي كان يجعل القميس الحريري بلتصق بجسدها ، وبصمت سار مبتعداً .
وتوقفت السيارة أمامها ، ( مازاراتي ) حمراء لامعة ، وخرج منها راوول ليضع حقيبتها في الصندوق ، وفتح لها الباب
وهو يقول :
- أدخلي .
ولاحظت ، عندما صعد راوول لينضم إليها ، أنه تأكد من عدم ملامسة كتفه لها وهو يجلس وراء المقود ،
وتحركت السيارة دون حاجة إلى أي حديث .
ولفترة طويلة ، وبقيت جولي صامتة ، في الواقع .
تصرف راوول جعلها تنوي أن تتركه يحافظ على مزاجة السيء طوال الطريق إلى
( فيلانو) . ولكن اهتمامها بانيتا ، وإدراكها بأنها خلال سبعة أيام سوف تكون في ضيافته ،
وأثار فيها بعض العطف ، ومع ذلك فقد انتظرت إلى أن أصبحت ضواحي المدينة خلفهما ، وانطلقت السيارة
على الأوتستراد العريض ، عندما تكلمت :
- أعتقد أنك تعرف أن أنيتا اتصلت بي .
- أتصلت بك ؟ وهل تتوقعين أن أصدق هذا ؟
فشهقت جولي :
- إنها الحقيقة ، وما غير هذا يجعلني أجيء إلى هنا ؟
- أخبريني أنت .
وشعرت جولي بالغضب . فقالت :
- لم أطلب منها أن تدعوني .
- إذاً ، لماذا أتيت إلى هنا ؟ كنت أظن أن آخر شيء قد تقبلين به هو دعوة
لزيارة قصر دي فيلانو .
- أنت محق ، كنت أعلم أنك لن توافق .
- وهل كنت تتوقعين مني أن أوافق؟
- لقد أتيت لأن انيتا طلبت مني . وكنت آمل أن تقابلني هي .
وأن تكون أية محادثة بيننا تجري بوجود أناس آخرين معنا . ولم أكن أعلم
أنها ليست بخير . أو بأنك ستستغل هذه الفرصة لتفتح ملف العداوات القديمة بيننا !
ونظر إليها راوول نظرة ساخرة :
- كم أنت باردة آنسة فولروك! كم أنت مسيطرة على نفسك!
لا أستطيع التصديق بأنني يوماً ظننتك إنسانة دافئة ، مخلوق من لحم ودم!
لا بد أن هذا كان ضعفاً منك . ضعف نجحت في النهاية بتدميرة ،
سامحيني لو ذكرتك بأوقات تفضلين أن تنسيها .
- لماذا تصّر على مناداتي بالأنسة فولروك؟ ألا تظن أن هذا أمر مؤسف ؟
- مؤسف ؟ وما هو المؤسف ؟
- أعني ..نابع من تفكير ضيق .وإهانتي هو أمر طفولي . أليس كذلك ؟
- وهل كنت أهينك ؟ أنا أسف . انسى دائماً أنك امرأة.
وتاقت أصابعها لأن تصفع التعبير المتعجرف على وجهه .
ولكن الطريق العام ليس مكاناً مناسباً لإطلاق غضبها . وعليه أن لا يعرف
بأنه يثيرها بسهولة .
- أنت مساعدة مدير الشركة الآن . أليس كذلك؟
وأجبرت نفسها على النظر إليه :
- وهل هناك شيء خاطئ بهذا ؟
- لا .. لقد طرت عالياً منذ تلك الأيام . والطابعة المتواضعة أصبحت
مساعدة مدير متفوقة ، اخبريني . هل تجدين وظيفتك مرضية لك كما كنت تأملين ؟
- تماماً .
- في كل المجالات ؟
- في كل المجالات ! فهناك في الحياة أكثر من مجرد محاولة التعايش مع رغبات رجل .
إذا كان هذا ما تقصده . فالمرأة يجب أن تتعلم استخدام رأسها بنفس البراعة
التي تستخدم بها جسدها .
- كما تفعلين أنت ؟
- ولماذا لا ؟
- هذا يعني أنك لست نادمة ..على أي شيء .
- لا ..ولماذا أندم ؟ هل أنت نادم ؟
- وماذا لديّ لأندم عليه ؟ لم أعرفك أبداً .
وساد الصمت ، حاولت خلاله أن تستعيد سيطرتها على نفسها ،
ولكن الخيبة أملها ، لمست كلمات راوول الأخيرة وتراً حساساً لديها ،
ووجدت أن يديها ترتجفان ، وساقيها ضعيفتان / لقد كانت تعتقد أن لا شيء
سيقوله يمكن أن يزعجها ، ولكنها كانت مخطئة .
بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً شرقي بيتزا ، خرج راوول عن الطريق العام نحو طريق ريفي ضيق يقود
إلى تلال ( توسكانيا ) وبدا من حولهما الآن الريف الإيطالي ، بإرضة الخضراء ، وغابات الزيتون ،
ومساحات شاسعة من الكرمة ، التلال المغطاة بالغابات الكثيفة تشرف على وديان مليئة
بالقمح الذي بدأ الآن يتحول إلى اللون الذهبي ،
وبينما كانت شمس المساء تشع بشكل خفيف فوق قمم الكنائس وتعكس ظلالاً على النهر ،
نسيت جولي هواجسها أمام سرورها لكونها هنا ، وشهقت قائلة :
- هذا جميل . !
وصعدت المازاراتي تلة صغيرة وظهرت أمامها مناظر لوادي كأنه من الحليب والعسل .
فتابعت قولها :
- لم أكن أعرف ..لم أحلم أبداً بأن يكون هذا المكان هكذا !
- و هل هناك فارق؟
وكأنه يحاول أن يلتقي معها في منتصف الطريق ، أضاف :
- يقولون إن الطبيعة تتفوق على نفسها في توسكانيا . أنا أحب هذا المكان .
إنه بلدي ، أرضي ، إرثي! ولا أستطيع التخلي عنه .
فهزت جولي رأسها ورفعت عينيها إليه :
- أستطيع فهم هذا ، هل هذا دير هناك؟
وتبع راوول نظراتها ، فوق التلة على عدة مئات من الأقدام فوقهما ،
كانت الجدران البيضاء لبناء قديم تقف بحدة ، وانفرجت شفتاه عن إبتسامة .
وكانت هذه المرة الأولى التي شاهد شيئاً قريباً من المرح يغطي ملامحه منذ
أن ألتقيا في المطار ، والفارق الذي لاحظته كان مذهلاً ،
فقد أختفت الخطوط الحزينة حول فمه ، واختفت أيضاً تجاعيد العبوس بين عينيه ،
وانفراج شفتيه كشف عن أسنان بيضاء قوية ، وقال :
- أجل ..كان ديراً .
ثم أعاد انتباهه إلى الطريق ثانية ، وهو يدخل بالسيارة بين سلسلة من المنعطفات
الحادة المؤدية إلى قرية ( سانتو جيستينو) وتابع :
- إنه فندق الآن . صغير وبسيط . إنه حقيقي ، ولكنه قادر فقط على استيعاب درزينة من الناس فقط.
وقالت جولي ، وهي تتابع النظر إلى الفندق من وراء كتفيها:
- أود أن أقيم هناك . لا بد أن المناظر من هناك عظيمة .
- أتصور أنها كذلك .
ودخلت السيارة زقاقاً ضيقاً يقود إلى ساحة القرية ، ونظر إلى ساعته :
- لا بد أنك عطشى . سنتوقف هنا لنشرب شيئاً قبل متابعة رحلتنا .
ودهشت جولي . وسألت :
- هل لا تزال رحلتنا بعيدة ؟
وأوقف راوول الميزاراتي إلى جانب الطريق في فسحة مخصصة لوقوف السيارات .
وأجابها دون إهتمام ، وهو يفتح بابه :
- ربما أربعون كيلومتراً بعد . تعالي ، لنشرب شيئاُ في المقهى .
وخرجت جولي من السيارة مترددة قليلاً . أربعون كيلومتراً . إنها
مسافة طويلة . أليس من الأسهل لو تابع الطريق رأساً إلى القصر ؟
بعد ما قاله لها لا تستطيع التصديق بأنه يرغب في إطالة هذه الرحلة معها .
ولكن الأوان فات الآن للهواجس ، فقد كان راوول يقفل باب السيارة .
( سانتو جيستينو ) قرية صغيرة جميلة . يزيد في جمالها المباني القديمة الملونه على طرفي شارعها
الرئيسي الضيق .
كانت قرية قديمة ، والمحلات والبيوت متلاصقة مع بعضها ، وفيها كنيسة
صغيرة جميلة مزينة بالزهور ، وقال راوول شارحاً :
-إن موعد ( الكارنفال) غداً ، سيكون هناك عرض للعربات واحتفال للألعاب النارية احتفالاً بعيد
( سانتو جينارو) الذي يقع عادة في شهر كانون الثاني ، ولكن من يستطيع الأحتفال به تحت الثلج
على التلال والهواء البارد يعصف من جبال الألب؟
وابتسمت جولي له ، لم تتمالك نفسها . ولبرهة وجيزة شاركها راوول المرح،
ثم كأن حاجزاً قد انتصب بينهما ، ابتعد عنها ،
مشيراً إليها كي تجلس بينما ذهب ليحضر الشراب .
وشرباً العصير مع الصدودا ، جالسان حول طاولة صغيرة يغطيها قماش مقلم بالأبيض والأزرق .
ومع تقدم المساء ظهر العديد من الناس يتنزهزن ويدخلون المحلات ، أو ينضمون إليهما
في المقهى على الطاولات الأخرى للتحدث وتناول الشراب ،
ولكن جولي ، وسط هذا الجو الهادئ الراقي، لم تكن تشعر بالهدوء ، بل كانت تشعر فقط بانشغال بال راوول ،
وعلمها أنه لا يمكن أن يرتاح في وجودها ، وقالت له :
- هل يمكن ..هل يمكن لنا أن نمضي قليلاً من الوقت في الكنيسة أنا أحب الكنائس القديمة .
وهذه قديمة جداً ، أليس كذلك ..كاتدرائية دو سانتو جيستينو ..
لقد قرأت الأسم على اللوحة هناك ..أرجوك ، أحب أن أشاهد ها من الداخل .
وأعاد راوول النظر في ساعته ، ونهض من مكانه قائلاً :
- إذا كنت ترغبين في هذا ..
وتنفست جولي عميقاً ، ورافقته صاعدة الدرجات الأربعة الحجرية
التي توصل إلى المدخل المضاء بالشموع للكاتدرائية الصغيرة.
لم تكن تشبة أيه كاتدرائية شاهدتها جولي من قبل .
حجمها يتحدى كل نظام هندسي ، ولكن جوها كان مليئاً بكل إيمان الأجيال المؤمنة التي عبدت ربها هناك.
ولاحظت أن راوول دخل المكان بخشوع ، ومدّ يده إلى الماء المقدس
وبدأ صلاة صامتة ، وبما أنها لم تتربي في جو متدين حسدته على إيمانه .
وأحنت رأسها بإحترام وهي تتجول في الممر بين المقاعد.
وكان المذبح مضاء بشمعتين ، طويلتين ، وعلى أحد الجوانب ينتصب تمثال للعذراء وابنها ،
وأمامه عدة شمعات تنتظر الإستعمال ، وقال لها راوول وهو يقف خلفها :
- إضاءة شمعة على نية شخص تحبينه هو فعل إيمان .
وتقدم أمامها ليضع بضع قطع نقود في صندوق التبرعات:
- ولكن الإيمان شيء لا تعرفين عنه الكثير .
أليس كذلك يا جولي ؟
واستدارت بسرعة لتنظر إليه ..كان قريباً جداً منها ، ياقة قميصة الكريم .
كانت مفتوحة قليلاً ، واشتمت رائحة عطرة القوي ، كانت رائحة مثيرة لها .
فقالت له :
- آخر مرة رأيتك فيها كنت في الكنيسة ، هل كنت تعرف هذا الأمر ؟
- وهل ذهبت يومها إلى الكنيسة .؟ لماذا ؟
- لقد كنت مدعوة ..ألا تذكر؟
- ولكنك قلتِ إنك تحضري .
- غيرت رأيي ، وهذا أمر تتميز به المرأة .
- كان يمكن أن تكوني عروساً جميلة ..طويلة ونحيلة ..وشقراء.
وعلى ضوء الشموع ، لاحظت وجهه وقد امتلأ بالمشاعر ، ولأنها كانت ترتدي
حذاء عالي الكعبين ، كانت عيناهما على نفس المستوى .
وعلى كرة منه كما يبدو ، رفع يده ليمررها على خدها ،
وفي الجو العابق بالبخور ، شعرت جولي بأن حواسها قد تخدرت..
- هل هذه من ذهب يا أبتي .؟
صوت يافع لطفل . يرتدي ثياب الرهبنة يتحدث إلى رجل عجوز يرتدي أيضاً ثوب الكهنوت.
كسر جو السحر من حولهما . ففي لحظة كانت يد راوول تمر على وجهها وأصابعه الباردة السمراء
حساسة جداً على بشرتها الدافئة ، وعيناه السوداوان تتجولان فوق وجهها ،
وفي اللحظة التي تلت ابتعد عنها وبدأ يسير في الممر المؤدي إلى خارج الكنيسة .
وساقاه الطويلتان تباعدان المسافة عنها .
وكأنما يحاول بهذا أن يخرجها من حياته .
ولحقت جولي به ببطء . وتوقفت قليلاً كي تشعل شمعة وأعدتها
إلى مكانها . وأحنت رأسها بإحترام للكاهن العجوز ، الذي كان يراقب خروج راوول بحيرة ظاهرة.
- فليحفظك الله يا سنيورا.
وأشار إليها مباركاً ، وأحنت له رأسها بإحترام ثم خرجت لتواجه نور الشمس الغاربة لهذه الأمسية ...