لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-08-09, 12:02 AM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38965
المشاركات: 357
الجنس أنثى
معدل التقييم: مجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 552

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مجهولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مجهولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

6- ليلة دافئة

حينما يصل الأنسان الى قمة العذاب , يتوصل الى معرفة الخدر المفرح والأحساس به , وبعدما أستعرضت فلةرا كلمات ألان القاسية , وعندما أضطرت الى الأعتراف بأنه لا يعني لها الكثير , وبأنه لم يطرح أي سؤال حول منظرها الخارجي أو حول عواطفها , توصلت الى الأحساس بذلك الخدر الذي ساعدها على تمضية الليل ولو بصعوبة.
بعدما خرجت من الحمام , جلست على حافة سريرها وراحت تفكر في السلوك الذي يجب عليها أتباعه كي لا ينزعج الأشخاص المعنيون , لقد طرحت بعيدا فكرة العودة الى أنكلترا , أذ لم تكن تريد بأي ثمن رؤية والديها يتعذبان من أجلها.منتديات ليلاس
الكونتيسة الأم... هي أيضا, يجب ألا تعرف عمق الهوة التي تفصل أبنها عن عروسه الشابة , وشدد ألان على هذه النقطة بالذات عندما ورد الحديث حول الأقامة في جناح مشترك , فقد أفهمها أن والدته سعيدة جدا بزواجه ولا شيء يجب أن يكدر هذه السعادة , وقبلت فلورا لعب هذا الدور في وجود الكونتيسة , ولذلك يجب عليها الأستمرار في تنفيذ وعدها , حتى أذا كان ذلك يعني أن عليها البقاء في القصر الى الأبد , أو على الأقل, الى فترة من الزمن يوافق عليها ألان بنفسه , ومع ذلك أتخذت قرارا حازما, لن تعود من الأن فصاعدا تلك المرأة الوديعة التي تطيع كل نزواته , ولا تلك المرأة المستسلمة التي تقبل كل كلماته القاسية , ستكون لها حياتها الخاصة , هي أيضا, صحيح مستقبلها يبدو صعبا , لكنها لن تترك زوجها يجعله مستحيلا.
أرتدت ملابسها أستعدادا للعشاء , ونزلت على مضض لمجابهة محيطها الجديد , أن أتساع المكان وحجمه الضخم يبثان في قلبها الرعب, رفعت عينيها الواسعتين نحو السقف العالي , نوافذ طويلة وضيقة حيث تدخل أشعة الشمس التي تنير الأثاث الخشبي المنحوت بفن رفيع, هناوهناك تجد المشاكك المحفورة في الجدران والتي تحتوي على التماثيل الفاخرة والدقيقة , درابزين الدرج الواسع المصنوع من الحديد المنحوت بدقة كما ينسج العنكبوت بيته , وفي الطابق الأرضي كان البلاط أيضا مبلطا بالرخام ذي المربعات الوردية البيضاء , وتطل على البهو أبواب عدة , رأت فلورا أن أحد هذه الأبواب مفتوحة , فأتجهت صوبه.
الغرفة التي دخلتها كانت غرفة المكتبة , جدرانها الأربعة مكتسية بالكتب المجلد بمختلف الألوان والأحجام والممتدة من السقف حتى الأرض, سلالم نقالة متحركة تسهل الوصول الى الرفوف العالية , وفجأة سمعت صوتا:
" آه , الزهرة الجميلة! أنني سعيد بمجيئك مبكرة , سوف يتسنى لنا التعرف عن كثب".
فوجئت فلورا , لكن لويس أبتسم معتذرا:
" عفوا أذا كنت قد أخفتك , دعيني أقدم لك شيئا دليل الأعتذار".
ردت عليه بأبتسامة عريضة , هذا الرجل جذاب وعفوي , ومن المستحيل مقاومة سحره.
أجابت:
" شكرا".
توجه نحو طاولة عليها كل أنواع المشروبات:
" ما رأيك بعصير الليمون؟".
" عظيم".
قدم لها العصير وهو ينظر اليها في ثوبها الأزرق البسيط الذي حاكته والدتها, كانت فلورا بالنسبة أليه أنتعاشة جديدة , وبينما كان يلقي نظرة على فمها المرتجف , وعينيها الجميلتين الخائفتين فهم كيف تفشل المرأة من الهرب وكيف تخاف أن تعترف , تترك لعينيها ويديها وشفتيها شرف الأعتراف.
كانت تحتسي مشروبها في جرعات صغيرة وتتساءل متى سينضم اليهم الآخرون , نظرات لويس الوقحة لم تزعجها كما كان يتمنى , لكن أحتمال لقاء جديد مع سولانج أزعجها.
أعلن لويس بنبرة حادة تشبه نبرة ألان:
" لا شك أن سولاج تفعل المستحيل كي تبدو بمظهر رائع تتحدى فيه كل الأشاعات التي تهدد مركزها كأجمل أمرأة في المنطقة ...".
حدقت فلورا في عيني لويس وقالت بهدوء:
" أنك تقصد ألان بالذات , أليس كذلك؟ أذا كان هناك شيء علي معرفته لماذا لا تكون صريحا معي وتتكلم؟".
شعر لويس بأنزعاج أمام هذا الصدق البسيط لكنه سرعان ما قال وهو يهز كتفيه:
" الناس هنا, يعرفون أن سولانج وألان كانا على وشك الزواج , وربما أنت تعلمين بذلك أيضا".
رآها تعض على شفتيها , فسارع يطمئنها قائلا:
" لا تقاقي , لم يعد ذلك واردا منذ سنتين , فقد تخلت سولانج عن ألان بعد الحادث بقليل , كان ألان وقتئذ في المستشفى والجميع وجدوا أنها لم تصرف معه كما يجب, ولا أعتقد أن الكونتيسة غفرت لها هذا الفعل, بعد ذلك رفض ألان أن يسمع أي شيء عن سولانج , لذلك فوجئت اليوم من تصرفه , لقد حاول أقناع سولانج بمغادرة القصر قبل مجيء أبن عمي , لكنها أصرت على أن تكون موجودة لأستقباله, وبالطبع كانت تعتقد أنه سيكون بمفرده, لقد طلبت مني الكونتيسة أن أعدها بألا أخبر سولانج عن زواج ألان...".
سألته فلورا:
"هل يعني هذا أن سولانج كانت تنوي مصالحته الآن؟".
أجاب لويس مقطبا حاجبيه:
"ليس في أستطاعة أحد الدخول الى أعماق سولانج , منذ سنتين لم نرها في القصر ألا نادرا, حسب رأيي , لا شك أنها توقعت نجاح العملية الأخيرة , وقد تكون صممت لنفسها شيئا , جاءت الى هنا منذ أسبوع وقامت بالترتيبات اللازمة لتؤمن عودة ألان بطائرة والدها , هل كنت تعرفين ذلك".
هزت رأسها فأضاف لويس :
" ربما شعرت بصدمة قاسية لدى سماعها بفشل العملية , وكذلك صدمت مرة ثانية لكنها أقوى لدى أكتشافها زواجكما, أنا أعتقد أنه السبب الذي جعلها تقرر البقاء في القصر, أنها تعتبر أن ألان يخصها وحدها, وبرغم رفضها قضاء الحياة بكاملها مع رجل ضرير , ألا أنها لا تستطيع أن تتصور أن أمرأة أخرى خطفت منها ألان".
ثم أضاف:
" يا فلورا , عليك بالحذر منها يمكنها أن تكون خطرة , ولن تتردد من أن تجعلك تدفعين ثمن خيبة أملها".
أصفر وجه فلورا , كلمات لويس تكاد تحبط من عزيمتها , لقد أفهمها لويس بدون أن يدري موقف زوجها , أراد الأنتقام من سولانج بزواجه منها , وشعرت أنها على وشك البكاء , وكادت تسقط لو لم يسارع لويس الى تدارك ذلك في الوقت المناسب , وهنا دخلت سولانج وقالت في صوت ساخر:
" ماذا أرى! هكذا أذا , يا لويس , أنك الآن تمارس مواهبك".
ثم أستدارت نحو ألان وقالت:
" ليتك ترى فلورا ولويس , أنهما الآن في ذروة تفاهمهما".
كانت وجنتا فلورا محمرتين كالنار وهي تتملص من بين ذراعي لويس , لم تكن تحدق ألا بألان وحده , وشعرت بأنقباض في قلبها , عندما رأت الغضب باديا في وجه ألان , وهي وحدها لاحظت أنفعاله , وعندما أقترب منها قال في لهجة خفيفة:
" ماذا بعد يا سولانج , أكملي حديثك , لولاك ولولا تنبهك اليقظ لكنت مضحكة أمام الجميع".
سقطت الأبتسامة من على شفتي الفتاة وأحست فلورا بأرتعاشة تعبر جسدها , أن لويس على حق , سولانج قد تكون عدوا خطيرا.
وهنا وصلت الكونتيسة , ومنذ دخولها غرفة المكتبة , تنبهت غريزيا أن شيئا ما يحدث , كان ألان أول من حيّا والدته:
" آه , يا أمي الحبيبة , أنت هنا! والآن يمكننا البدء في العشاء".
عادت اليها بشاشتها وأجابت:
" آلان ! أنك لا تتغير أنك توبخني دائما على تأخري ! لكنني سعيدة لعودتك ولذلك أسامحك ".
وفجأة سألت سولانج :
" كيف عرفت , يا ألان , أن أمك هنا؟".
" هل نسيت بهذه السرعة , سا سولانج؟".
تبادلت الكونتيسة ولويس الأبتسام , فلورا وحدها لم تفهم شيئا.
قالت سولانج في أشمئزاز وأستياء:
" كلا, بالطبع, أن والدتك تتعطر بالعطر الذي صنعته خصيصا لها , وأنت شممته حتى قبل دخولها الغرفة , أنك ما زلت تحب هذه اللعبة , أليس كذلك يا ألان. وتعتز بقدرتك, وأنت أعمى , على أن تعرف متى تدخل أمك الغرفة".
أختفت نظرة الأشمئزاز من عينيها وأعترى صوتها نبرة حميمة وقالت:
" لكن هل نسيت يا ألان , أنك وعدتني بأبتكار عطر خاص بي؟ هل كان ذلك العطر الذي كنت تصنعه خلال الحادث , أم أنك أضعت الوصفة؟".
أصفر وجه ألان , فتقدمت فلورا نحوه , لكن لويس شدها من ذراعها , فقال ألان وأسنانه تصطك:
" ليست الوصفة وحدها التي ضاعت, في ذلك اليوم , ويكفي ضياع نظري لأتحرر من هذا الوعد , أذا كنت قد قمت بأي وعد ما!".
كأنه لم يتكلم ولم يتعذب , أذ تقدمت سولانج منه كأنها تتوسل اليه, وقالت فلورا لنفسها أن ألان عاجز عن تأمل هذه المرأة الجميلة ذات القوام الممشوق.
قالت سولانج بألحاح:
" يجب أن تتابع تجاربك يا ألان, أن موهبتك الأساسية هي حاسة الشم وما زلت تملكها , ولم تخسر خبرتك المكتسبة خلال السنوات الماضية , ينقصك النظر فقط , وأنا يمكنني أن أهبك أياه , كنت تقول دائما أنني أساعدك في المختبر , ويمكنني مساعدتك الآن أيضا, أنت وأنا , يا ألان. يمكننا أستعادة السحر الذي جعل من عطور تريفيل شيئا نادرا".
تدخلت الكونتيسة وعيناها تلمعان غضبا:
" أتريدين أن هذا السحر لم يعد موجودا؟".
قالت سولانج وهي تهز كتفيها :
" أن عطور تريفيل تتمتع بشهرة تستحقها , وهذا ما نعرفه جميعا , ويجب الأعتراف, أيتها الكونتيسة العزيزة , أن غياب ألان ترك فراغا لا يمكن أن يملؤه أحد , ومنذ سنتين لم يتم صنع أي عطر فريد من نوعه وهذا يجعل المتنافسون يبتهون فرحا , لذا أنتم في حاجة ألى عبقرية ألان, أذا أردتم المحافظة على شهرتكم .
غضب لويس لكنه ظل صامتا , أشفقت فلورا عليه , خلف قناع اللامبالاة , شعرت بأنزعاج هذا الشاب الذي حاول أن يحل مكان أبن عمه الكبير , لكنه فشل بصورة مؤسفة .
قال ألان بنبرة واضحة :
" لا شك أن معلوماتك واسعة يا سولانج , لكن أرجوك ألا تتحدثي عن أي شيء يخص ما حدث , أول ليلة بعد عودتي , لويس وأنا كنا دائما على أتصال , خلال غيالبي".
أنتصب بقامته ولفظ كلماته بلهجة حازمة وهو يضيف :
" أما فيما يتعلق بعرض خدمتك . فأن هذا لطف منك أن تقترحي مساعدتي, لكن آمل ألا تتهمينني بنكران الجميل أذا رفضت مساعدتك , لقد نسيت على ما أعتقد , أن لدي شريكة دائمة يمكنها مساعدتي في كل شيء ... فلورا زوجتي".
كانت كلماته قاسية بالنسبة الى سولانج مثل دوش بارد , وفرحت فلورا لأنها لم تكن عرضة لسخرية ألان , الذي كان يبتسم بينما الجميع يلزمون الصمت , أنه وسولانج الممثلان الأساسيان في المسرحية , كل الممثلين لا أدوار لهم , لكنهم مسحورون , يراقبون الأنفعالات تتتابع على وجه سولانج: المفاجأة , الأحتقار, والغضب وأخيرا الأستسلام الحنون الظاهر في عينيها , أقتربت من ألان وضمته بين ذراعيها وهي تقول:
" أنت على حق فعلا , فأنا أتدخل فيما لا يعنيني ,. لو كان أبي موجودا , لقال لك أن هذا أحد أخطائي الكبرى , هل تسامحني يا صديقي؟".
بدا ألان وكأن أستسلم , وضع يد سولانج على شفتيه وقبل طرف أصابعها وقال:
" ليس لك طلب غفران , يا سولانج الجميلة , أنت تعرفين تماما أننا متفقان جيدا والكلمات بيننا تفقد معناها".
ثم أستدار نحو المجموعة الصغيرة وابتسم قائلا:
"أعتقد أن الوقت حان لتناول العشاء".
خلال العشاء , كانت فلورا معجبة بلويس الذي أحاطها بكل مظاهر الرعاية واللطف , في حين أستأثرت سولانج بأنتباه ألان , الى درجة نسيا معها الآخرين , لكن الكونتيسة لم تكن موافقة , كانت تحاول مضاعفة جهدها لتدع الحديث يكون شاملا الجميع , ومن دون أخفاء أنزعاجها , قاطعت نكتة أطلقتها سولانج:
" ألان , طلبت من لويس أن يأخذ فلورا الى زيارة المقطرة غدا , الأمر يهمها على ما أعتقد".
رفع رأسه ووضع شوكته على صحنه وسأل:
" لماذا لويس؟ هل هناك سبب يمنعني من أصطحابها بنفسي؟".
" يمكنك الذهاب أنت معهما أيضا , يا بني , لويس يطلعك على التغيرات التي حصلت خلال غيابك , وفي الوقت نفسه يطوف مع فلورا في كل الأمكنة".
أحمرت وجنتا الكونتيسة , فأستدارت نحو كنتها وعادت لتقول بعصبية:
" يجب أن يأخذاك الى حقل الزهور , أنه منظر ذو جمال خلاب , وستلتقين هناك القطافين , أن بعضهم من هنا , لكن معظمهم يأتوم فقط خلال الموسم , وبينهم عائلات كثيرة تعمل عندنا منذ أجيال عديدة , العديدون كانوا هنا عندما جئت أنا الى القصر , وكنت عروسا , وكبر أولادهم مع ألان ولويس , ويكادون يكونون أخوة ...".
فجأة خفت صوتها المرتعش , وشعرت فلورا بأن ألان هو المتسبب في أضطراب والدته نتيجة برودة أعصابه , كانت يدا الكونتيسة ترتجفان , رفعت كأسها وأحتست جرعة منه ثم وضعت فوطة على شفتيها لتخفي أرتجافها , أبتسمت فلورا وقالت بهدوء:
" لا شك أنك كنت عروسا رائعة في ذلك الوقت يا أمي , أن سحرك وأهتمامك قد ساعدا كثيرا في جعل العمال مخلصين لعائلتك".
" هذا لطف كبير منك يا أبنتي ! لكن ليس الفضل في ذلك لي وحدي , كان زوجي العزيز رجلا طيبا وكريما , كان يعتني بهؤلاء الناس بشكل ممتاز , أنه أرستقراطي حقيقي , لكنه كان يظهر لطفه وأهتمامه بالعاملين لديه أكثر بكثير من جيراننا البورجوازيين".
وبسرعة البرق وجهت نظرها الى سولانج , وتساءلت فلورا ما أذا كانت عائلة شيسينيه من هذه الفئة من الناس , لكنها تأكدت من هذه الحقيقة عندما ضحك لويس , ويبدو أن الكونتيسة أدركت أنها تمادت فأسرعت تقول:
" كما قلت لألان , يا عزيزتي فلورا , لا تترددي أذا رأيت شيئا لم يعجبك داخل القصر , من أن تدخلي عليه بعض التغيرات المناسبة , منذ قرون عديدة , كما تلاحظين بقي الديكور نفسه, لقد تم تجديده بالطبع , لكنه ظل محافظا على طابعه الأصلي , أن لكل غرفة نموزجا خاصا وزخرفة معينة , غرفتك هي الغرفة الوردية , بينما غرفتي أنا هي الغرفة الصفراء , والغرف الأخرى بعضها يحمل ألوان البنفسج والاوند والجيرانيوم والزئبق ... وخلاصة كل الأزهار التي تنبت حول القصر".
" ستظل الأمور كما هي عليه , فيما يختص بي , يا أمي , أنني أرى الفكرة رائعة , أصلية ومبتكرة".
ضحكت سولانج بحدة ورددت بلهجة ساخرة:
" أصلية ؟ مبتكرة؟ كيف يمكن أعتبار هذه الفكرة مبتكرة وكل العرائس الشابات بقين يحترمنها منذ قرون وحتى اليوم ؟ بالنسبة ألي, كل شيء مبتكر وأصلي يعني أنه لا يوجد شيء مثله قطعيا , ثوبي مثلا, أنه الوحيد من نوعه".
ثم أضافت بخبث:
"مثلا, أنظروا الى ثوب فلورا , أليس هذا تقليدا بشعا لزي معين!".
خيم صمت كئيب وفهمت سولانج أنها ذهبت بعيدا بوقاحتها , وشعرت فلورا بالأحمرار يعبق وجهها , لكنها كانت شاكرة للويس الذي راح يدافع عنها أذ قال بنبرة ساخرة جعلت الفتاة تنتفض غضبا :
" لكن يا سولانج , يا ملاكي , أنني أتعجب دائما أن أرى , أن النساء مثلك , يخترن ملابسهن من مشاهير الخياطين , يتمتعن جميعا بنفس المظهر , بينما فلورا تملك جمالا طبيعيا يسطع حتى ولو كانت ترتدي الفساتين العادية! وهذه الميزة وحدها كافية لتجعلها رائعة أمام زوجها".
قطب ألان حاجبيه , في حين ظلت سولانج لا تعرف ماذا تقول لترد على لويس.
نهضت الكونتيسة وأعلنت بصوت حازم:
" أعتقد أن الوقت حان لأن ندع فلورا وألان يتمتعان بوحدتهما , أننا لا شك نسينا أن نهارهما كان مليئا , وفي كل حال, أنها ليلة زواجهما , ويجب علينا شكرهما أذ أتاحا لنا قليلا من الوقت لنستمتع بالعروسين الجديدين".
أقتربت من ألان وربتت على كتفه:
" لكنني , ألان , أطلب منك أن تأخذ فلورا الى غرفتها , أن الأبنة المسكينة تكاد تموت تعبا".
رفعت فلورا نحو ألان عينيها القلقتين : ماذا ستكون ردة فعله أمام الأمر الذي فرضته عليه الكونتيسة ؟ لا بد أن الكونتيسة تتساءل ما يمكنها أن تتوقع من أبنها الغريب هذا . لكنها رأت بأرتياح أنه كان مرتاحا , ربما قرر أطاعتها , لتسامحه على كلماته القاسية , سمعت فلورا لويس يتنهد طويلا وينتفض لدى سماع صوت ألان يقول:
" لا شك أنك على حق يا أمي".
ثم جال بعينيه الضريرتين حول المائدة وأضاف:
" فلورا, أذا كنت مستعدة فأننا نستطيع العودة الى جناحنا الخاص".
أنتفض لويس وقال:
"دعني أساعدك يا ألان".
أجابه ألان بلهجة ساخطة:
" لا , شكرا, ستتكفل فلورا بالأمر , تصبحين على خير يا أمي , تصبح على خير يا لويس , وشكرا يا سولانج , ربما نلتقي غدا , على الفطور".
وبأشمئزاز أجابت سولانج:
" ربما...".
خرج ألان وفلورا من غرفة الطعام وتسلقا السلالم التي تؤدي ألى جناحهما , أنتظر ألان دخول فلورا غرفتها ثم توجه الى غرفته , وراحت فلورا تتساءل وهي تخلع ثيابها , أن لدى ألان القدرة على الظهور لطيفا ومهذبا , وأحيانا وقحا لا يطاق , ومن المستحيل معرفة حقيقة أفكاره , أو توقع ردات فعله , دخلت الحمام لتأخذ حماما سريعا .
وبعد أقل من عشر دقائق كانت ترتدي قميص النوم المصنوع من قماش النايلون الأسود المخرم الذي أخترته لليلة عرسها , والتي أعتبرته أسرافا , شعرت بغصة في حنجرتها عندما أشترته ... كان الجو مثقلا , فأزاحت الستائر وفتحت النافذة , في السماء القمر هلال , ولا نجمة واحدة تبعد عن فلورا الحزن والكآبة , كأنها غارقة في حلم ., راحت فلورا تتنشق الروائح الفردوسية من كل مكان حولها ,وبقيت أمام النافذة مخدرة لفترة طويلة , ثم تنبهت أذ سمعت ضجة آتية من غرفة ألان , صوت خطواته اللجوجة ذهابا وأيابا داخل الغرفة الصغيرة , أنتفض قلب فلورا , هل ألان مريض؟ راحت تصغي , كانت الخطوات أيقاعية متناسقة , ثلاث خطوات صوت درج أنفتح , خمس خطوات وصوت قاطع التيار , ست خطوات وصرير الباب , فهمت للحال , أنه يتدرب ليتعلم المشي في غرفته , وهمست في صوت متقطع : آه يا حبيبي المسكين , لو تسمح لي فقط بمساعدتك! . تصلبت فلورا , الخطوات تقف أمام الباب , جفت الدموع على خديها الساخنتين بينما تنتظر , لا تجرؤ على التنفس البطىء , وأرتاحت عندما سمعت ضربة خفيفة على الباب .
قالت بهدوء:
" أدخل!".
أزدادت نبضات قلبها الى درجة الأحساس بالألم .
لم تشعل نور الغرفة , وظهر شبح ألان في مئزره الغامق وهو يدخل الغرفة.
سألها في صوت متوتر:
" هل أزعجك؟ لم أكن قادرا على النوم وتسائلت... ربما يمكننا أن نتحدث...".
بذلت فلورا جهدا كبيرا حتى تحافظ على نبرة صوتها الخفيفة , لأنها تعرف أنها يجب عدم أظهار شفقتها, فقالت:
" بكل تأكيد , أدخل, وأنا كذلك لم أستطع النوم, ومن الأفضل أن نتحدث".
وبهدوء بدأت فلورا في الحديث حول كل شيء وحول لا شيء , الى أن أحست بالجو يهدأ , فسكتت , وأكتفت بالبقاء قربه , أمام النافذة , تاركة لليل العذب أكمال المهمة.
" أنت أنسانة مريحة جدا , يا فلورا , هادية وساكنة ! أنها الصفات التي جذبتني اليك في البداية ".
ثم أضاف بلهجة أكثر قسوة:
" ربما لأنها تعاكس كليا مزاجي الشيطاني , ونزواتي المتفجرة , التي لا تطاق!".
قالت بهدوء:
" رويدا يا ألان , دع عقلك يستريح , ليرتاح جسدك".
قال وهو يشد على معصميه :
" نعم ... كل الذين حولي يتمنون أن يحدث لي ذلك , لقد وصل بي الحال الى أن أجرح شعور والدتي".
فجأة أمسك بالستائر بيده في عنف , جعل فلورا تعتقد أنه سوف يقتلعها , ثم تابع يقول وأسنانه تصطك توترا:
" لا أحد يفهم , لا أحد يمكنه تصور العذاب الذي أقاسيه , أنني أسمع أصواتا , وأصغي الى الكلمات وأتساءل ياستمرار عما يمكن أن يفوتني من عدم قدرتي على رؤية التعابير على وجه محدثي , منذ سنتين وأنا أتعذب من الكذب , حتي أنني لا أثق بأية كلمة تقال لي عندما آكل , أتساءل . هل طريقتي وحركاتي منفرة , أم هل أستطيع الوثوق بالذين يتعجبون من قدرتي الهائلة ؟ أنني أرتاب حتى من كلمات والدتي , لكنني أتحملها لأنني أعرف جيدا أنها لا تخونني أبدا بأرادتها , لكن أنت , يا فلورا ؟".
أمسك كتفيها في قوة وقال:
" لقد أعتقدت أنك حنونة وطيبة , وتصورت أنك لا تفكرين الا بالغير , لكنك خيبت أملي نهائيا فيك عندما أعترفت بصراحة أنك أرتشيت ... كنت للبيع وأنا أشتريتك !".
تابع كلامه وهو يهزها بقوة حتى أنها أضطرت الى حبس صرخة مؤلمة من حلقها :
" يا ألهي! لا أعرف لماذا , لكن خيبة الأمل تؤلمني أكثر من أي شيء آخر, أنني بحاجة لوجودك بقربي , لكنني أرفض التصرف كشحاذ أعمى! قولي الحقيقة , من هي المرأة التي تزوجتها ؟ أبنة الكاهن الناعمة , الرقيقة أو المرأة المبذرة؟".
كانت تقاوم وهي مضطربة وخائفة من نفوره وغضبه ولم تلاحظ أنه طرح عليها سؤالا , كانت يدا ألان تلهبان كتفيها وعيناه تلتمعان غضبا , ومن خلال موجة الرعب التي غرقت بها فلورا , أستيقظت فيها الشفقة, لكنها كانت خفيفة لا تساعدها على التغلب على الخوف الذي كان يقترب منها , خوف أصبح جنونا عندما جذبها نحوه وهمس في أذنيها :
" هكذا أذا , الخل يمنعك من الأجابة ؟".
أحست بألان وهو يرفعها عن الأرض ويحملها الى السرير , أرادت الأعتراض على ذلك , لكن الدموع خنقت الكلمات في حنجرتها , ولم تعد تقاوم وظلت ممددة , رافعة عينيها الواسعتين هلما نحو الرجل , الأعمى نفسيا وجسديا , نحو زوجها , الذي تزوجته هذا الصباح بالذات على يد والدها القسيس.
أنحنى أمامها ورأت على وجهه أبتسامة متعطشة , وبعد لحظة , كان شعر فلورا الأشقر ينتشر على يد ألان كباقة ذهب , وكان غضب الرجل قويا وعنيفا , ويشعر بتجاوب خجول من جانبها.
أريج الأزهار يعبق في النافذة المفتوحة وينتشر في جميع أنحاء الغرفة , ستظل فلورا تتذكر هذه الليلة التي ولد فيها أحساس , يصعب وصفه , من رجل أعمى , قلبه هو عيناه.
وبينما كانت تحاول ترتاح قربه , كانت تحاول سبر أغوار عواطفها الصاخبة , الفرح والألم , الحب والخجل ,هل يحبها ؟ هل يكرهها؟ هل هو يمتلكها كزوجة أو ك***** يدفع لها ثمن خدماتها؟
تحرك ألان وناداها هامسا ثم شدّها من جديد بين ذراعيه , فأسترخت فلورا وبأبتسامة سعيدة , أغمضت عينيها , تاركة السؤال من دون جواب.

 
 

 

عرض البوم صور مجهولة   رد مع اقتباس
قديم 03-08-09, 12:04 AM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38965
المشاركات: 357
الجنس أنثى
معدل التقييم: مجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 552

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مجهولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مجهولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

7- نار الغيرة

عندما أستيقظت فلورا في صباح اليوم التالي, لم يكن ألان بقربها , حاولت كل جهدها ألا تفكر بما حدث لها الليلة الماضية , لكن سؤالا ظل يقلقها , كيف سيتصرف ألان عندما سيواجهها وجها لوجه؟
جلست على كرسي أمام المرآن وأخذت ترتب شعرها ويدها ترتجف , وأذا بصورة ألان تظهر أمامها في المرآة , فوجئت وتركت الفرشاة تقع على الطاولة محدثة ضجة عالية.منتديات ليلاس
وسألها من دون أي تأنيب ضمير:
"هل أخفتك؟".
كان يرتدي بذلة فاتحة اللون وقميصا من الحرير وربطة عنق معقودة بطريقة مثالية , وشعره الأسود المبلل بعد الحمام.
ردت عليه في صوت غامض وهي تحاول تهدئة نفسها:
" كان يجب أن تطرق الباب".
قال بأهمال:
" لماذا؟ فأنا لا أستطيع أن أراك , في كل حال , ليس هناك فرق بيننا بعد الآن".
أن برودة صوته لا تحتمل , نهضت فلورا على الفور وأرادت الأبتعاد , لكنه شعر بحركتها وأمسكها من كتفيها , زاما شفتيه:
" لم آت كي أعتذر , ما حصل مساء أمس , لم يكن محضرا أة مرغوبا فيه , هل تصدقيني؟".
أي أمل جديد في أعماق فلورا مات, يبدو وكأنه من المستحيل صدور هذه الكلمات المجردة عن رجل همس في أذنيها منذ ساعات قليلة , كلمات الغزل, والذي أيقظ فيها أحاسيس غريبة كانت تجهلها تماما.
ولأنها لم تجبه , هز كتفيه وتركها :
" أرى أنك لا تصدقيني , هذا لا طائل فيه , سأحرص على حصولك على المكافأة اللازمة , الوقت لا يسمح لي بأن أرافقك الى باريس, لكنني سأطلب من دار أشهر الخياطين أن يرسلوا لنا كل مستحدثات الأزياء , وسأطلب من أمي أن تريك كل مجوهرات العايلة, وهي تنصحك بأختيار ما يليق بك ".
كل كلمة كانت تنعر قلب فلورا مثل نصل سيف حاد , وراحت تتساءل ما أذا كان بأمكان الأنسان أن يموت من الخجل أو العار , وما أذا كان قلب مصاب بجرح عميق يمكنه أن ينزف حتى الموت , وراحت تهاوى تحت تأثير غثيان مزعج , خار جسدها النحيل , وعنقها النحيف يحمل ثقل رأسها بصعوبة , وفمها يرتجف ألما وخيبة.
لماذا لا تردين على سؤالي ؟ أذا كنت ترغبين في شيء ما , ما عليك ألا أن تطلبيه".
أستعادت أنفاسها قبل أن تقول في صوت مرتجف :
" أريد البقاء وحدي , أرجوك , دعني".
رفع ألان حاجبيه وبدا وجهه قد أكتسى بأمارات الحيرة , كانت عيناه تتفحصان ملامح فلورا محاولة معرفة سبب ضيقها.
سألها:
" ماذا قلت حتى تتوتر أعصابك هكذا؟".
ثم أضاف بهدوء كأنه أستوعب الفكرة:
"ربما أكون قد أخطئت؟".
أخذها من جديد من كتفيها وشدها بعنف نحوه:
" قولي من جديد , لماذا تزوجت مني؟".
لو أنه طرح هذا السؤال قبل خمس دقائق, لربما قالت له الحقيقة, مجردة من أي وهم , تفضل الموت على أن تتركه يعرف أنها تحبه بقوة , أن ضعفها أيقظ فيها الغضب الذي ساعدها على لعب دورها عن أقناع , تحررت من عناق ألان وتراجعت خطوات الى الوراء , وراحت تؤدي دور الممثلة البارعة مستخدمة نبرة أنسانة مدللة أصيلة وقالت:
" متوترة؟ لماذا؟ بصراحة يا ألان , يؤسفني أن يكون ميلك الى أعتبار اللذة بهذه الجدية , لقد كنت أعتقد أن الفرنسيين هم أشخاص مولعون بالغرام ومفعمون بالحماس , من دون أي كبت , لكن أنت تبدو على العكس تماما من ذلك , لا داعي للقلق , أني أرفض كليا أفساد وعدي بمستقبل رائع!".
تمثيلها الشجاع والبطولي أتى بنتائجه , فقد أعتلى وجه ألان قناع القسوة والكره الغاضب , مما جعل فلورا تتراجع الى الوراء وقد أعتراها القرف من نفسها.
قال ألان:
" أني آسف أن أكون قد خيبت آمالك الى هذا الحد , ولحسن الحظ أن تلك الغلطة لن تتكرر".
" لا أفهم...".
أني حزين على نفسي , أذ تنقصي برودة الأعصاب , لكن ما أسمعه الآن يعفيني من ضرورة الأعتذار منك , في أي حال أنت أمرأة لا تستحق الأعتذار, فأنت لا تبحثين الا عن الملذات المادية , وأنا سعيد بأن أقدمها لك وذلك لأحرر نفسي من أي دين لي أتجاهك".
وراح يشد على معصميه محاولا السيطرة على غضبه , وكان على وشك أن يقول أكثر من ذلك , لكنه تحاول على نفسه وخرج من الغرفة بعد أن صفق الباب وراءه بشدة, ألقت فلورا بجسمها على السرير , في حالة يأس , مقررة ألا تبكي , لكنها كانت عاجزة عن أن تكبت النشيج المؤلم الذي كان يهزها بكاملها .
بعد نصف ساعة , نزلت فلورا الى غرفة الطعام , كان لويس قد فرغ من فطوره , كانت قد غسلت وجهها وأستعادت ضبط نفسها , لكن روح الفروسية التي يتمتع بها لويس أستيقظت فيه عندما لاحظ ظلالا تحت عينيها الرائعتين , وفي لياقة غير معهودة نهض وسألها ماذا تريد أن تأكل.
" لا شيء. شكرا يا لويس".
وفي الحال, شعر بالغضب من ألان, أنه يعرف فلورا بما فيه الكفاية, وهي لن تسمح له بأنتقاد زوجها, لكنه قرر التحدث الى ألان على حزن زوجته العميق.
قالت وهي تلتفت نحو الباب بأستمرار , كأنها تخشى رؤية زوجها يدخل منه:
" أتسمح لي بفنجان قهوة؟".
" بكل تأكيد".
راح يصب لها القهوة, ثم قال فجأة:
" هل كلّفك ألان أن تقولي لي شيئا؟".
هزت رأسها علامة النفي, فعقد لويس حاجبيه ثم قال:
" سأذهب الى المقطرة هذا الصباح , عليّ أنتظاره , لكنه ليس هنا ولن أنتظره أكثر من ذلك, هل تحبين مرافقتي؟".
أحس بالأرتياح يرتسم على وجهها المضطرب , ولم تنتظر لتكمل قهوتها , فنهضت وهي تقول:
" نعم, يسرني ذلك, سأصعد الى غرفتي لأصطحب حقيبة يدي, سأعود في الحال".
" أنتظري! هذه قهوتك....".
لكنها كانت قد غادرت الغرفة.
كانت السيارة تقودهما وسط حقول الزهر وخصوصا الورد والياسمين والقرنفل التي يعطر أريجها الهواء, وبينما فلورا منغمسة في أفكارها, كان لويس يحدثها بلا راط عن صناعة العطور ولحسن حظها لم يكن ينتظر منها أي تعليق على ما يقول, لم يكن عقلها يسجل ألا قليلا مما كان يقوله, لكنها لم تمنع نفسها من الأستغراب عندما قال لها أن ليترا واحدا من العطر يحتاج الى سبعمائة زهرة.
قال لويس وهو يبتسم بخفة:
" في العالم , خمسة عشر شخصا بمقدورهم التمييز بين ستة آلاف نوع من العطور , ومن بينهم ست أشخاص يعيشون هنا في غراس... وبالطبع, ألان هو واحد من بين هؤىء الأشخاص ".
" وأنت يا لويس ؟ أنني متلأكدة أنك تتقن مهنتك جيدا , لكن لا أعرف لماذا تبدو كأنك لا تريد الأعتراف بذلك".
أبتسم لها أبتسامة عريضة وقال:
" في كل الألتزامات التي حققناها كان ألان أقوى مني , فرأيت أنه لا طائل من منافسته , فقد أعلنت منذ سنوات عديدة , أنني لن أكون سوى تريفيل من الدرجة الثانية , والد آلان ووالدي كانا توأمين, ورث والده القصر والممتلكات بينما والدي كان عليه أن يكتفي بما تركوا له, وذلك لأنه يكبره بعشر دقائق, كنت لا أزال صغيرا عندما قتل أبي وأمي في حادث طائرة, والكونتيسة التي أناديها اليوم أمي , جاءت بي الى القصر , ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش هنا".
ثم أضاف بسخرية ومرارة:
" لكن ألان هو الأساس وأنا لست سوى الظل".
لهجته الحزينة أثرت في فلورا كل التأثير , فأنحنت أمامه لتؤكد له في أقتناع:
" ليس هذا صحيحا يا لويس , وأريد منك ألا تفكر هكذا بعد الآن".
لم يعد لويس قادرا على السيطرة على برودة أعصابه أمام أهتمام فلورا الصادق , وأذ به يشدها نحوه ويعانقها , لكن فلورا أبتعدت عنه في الحال, وأمسكت بصعوبة بمقود السيارة التي لم يعد يسيطر عليها لويس , لكنه سرعان ما أعتذر منها :
" أنني متأسف يا فلورا , متأسف جدا! لقد تصرفت بتحريض من عواطفي أمام لطفك وحنانك , أرجوك سامحيني!".
وللمرة الأولى في حياته , يهتم لويس بما يمكن أن تفكر به المرأة , وبالنسبة اليه , كانت فلورا تشكل كل ما كان يبحث عنه, وما يعذبه في الأمر , أنه أكتشف المرأة المثالية , لكن في وقت متأخر , لأنها زوجة أبن عمه, هذا الرجل الذي لا يشعر سوى بالغضب أو الأنانية , أنه لا شك يعامل زوجته في أستهتار ولا مبالاة كما يعامل بقية أفراد العائلة , وهذا ظاهر على وجه فلورا بالذات.
وتأكدت فلورا أنه نادم على ما قام به, فسامحته وقالت له بقسوة ممزوجة بشيء من الرقة:
" أنني أسامحك شرط ألا تتصرف هكذا بعد الآن".
أرتجت شفتا لويس في أبتسامة , وبدورها أبتسمت , وسعان ما زال التوتر بينهما وراحا يضحكان معا من صميم قلبهما , فأضطر لويس الى أيقاف السيارة الى جانب الطريق , ريثما تنتهي نوبة الضحك , وما أن أستعاد لويس رباطة جأشه حتى مسح عينيه الدامعتين وأعلن في حزم:
"شكرا, يا زهرتي الجميلة , لقد أرحت أعصابي , أن نهارا من دون ضحك هو نهار ضائع!".
لمعت عينا فلورا وتبددت أفكارها الحزينة فردت بأبتسامة صافية :
" وأنت أيضا كنت بحاجة لهذا , يا لويس".
" أذا أنا سعيد لأنني أستطعت تقديم خدمة مفيدة لك, علي أن أعانقك كلما رأيتك حزينة ويائسة".
عادت الى الضحك من جديد , وأستعدت للأستفادة من بقية الرحلة , كانا لا يزالان في مزاج رائع عندما وصلا الى غراس , كانت السيارة تعبر جادة واسعة تظللها أشجار الدلب وتطل على حقول الزهر , فسأل رفيقته:
"ما رأيك بهذا المنظر؟".
" أنه لا شك رائع... غريب ... آه , لا أجد الصفات الملائمة لأصفه لك".
" أسمعيني يا فلورا , لست في حاجة الى الذهاب فورا الى العمل , دعيني أطوف بك الأحياء القديمة , أنني متأكد من أنها ستعجبك , بعدئذ , يمكننا تناول طعام الغداء في مطعم أعرفه جيدا , حيث يقدمون أفخر المأكولات اللذيذة في المنطقة , ما رأيك؟".
لم تكن فلورا في حاجة الى جهد لتقتنع بفكرة لويس , كانت الشمس حارة والسماء شديدة الزرقة , وكان لويس رفيقا لطيفا , وفوق ذلك كانت تخشى لقاء ألان في المقطرة, هزت رأسها أيجابا, فشكرها مقبلا أصابعها , وراحا يتمشيان برشاقة , يدها في يده, ثم تسلقا درجا عريضا أخذهما الى المدينة القديمة.
كان لويس دليلا رائعا , أراها المنازل العائدة الى القرن الثامن عشر, ذات الأعمدة المتفاوتة الأقسام , وزارا معا كاتدرائية قديمة العهد , ثم تمشيا في الأزقة الصغيرة الرائعة , أمام كل باب درجة مبنية من الحجارة , وكل درجة مزينة بالنباتات المزهرة التي تتسلل حتى قارعة الطريق , وأمام بعض المنازل , النساء المسنات يرتدين الفساتين الطويلة السوداء وفوقها المراويل البيضاء , وعلى رؤوسهن قمطات من الحرير الأبيض, يراقبن الأولاد الذين يلعبون على الطريق , كانت فلورا مسحورة ومأخوذة أمام كل هذه المشاكل , وأحبت التوقف مطولا أمام الحوانيت الصغيرة حيث يمكن أن يجد الأنسان ما يريد , من الأشياء النحاسية , الى الجواهر القديمة وحتى اللوحات الفنية , لكنها فوجئت عندما سمعت لويس يقول:
" علينا تناول الطعام قبل الذهاب الى المعمل , أعدك بأن أصحبك مرة أخرى الى هنا , ما دمت تحبين هذا الحي القديم".
تنهدت فلورا :
" يا ألهي! هل أنت متأكد أن هناك وقتا لتناول الغداء؟ ألا يجب الذهاب فورا الى المعمل , ربما يحتاجون أليك هناك؟".
لكنه كان مصرا على أن يأخذها الى هذا المطعم ويدعها تتذوق الطعام الجيد.
كان حساء السمك لذيذ الطعم بشكل كبير , بحيث فقدت فلورا شهيتها لتناول الوجبة الثانية , وبدأت تقلق بعدما مر على وجودها في المطعم قرابة ساعة, لكنها أدركت أن لويس لا ينوي الذهاب, راحت تحاول أقناعه بمغادرة المكان فرضي مرغما, كان لويس متعبا لفرط ما أكل وشرب , وكانت فلورا ممسكة قلبها بيديها طول الطريق حتى وصلا أمام بناء ضخم مبني بحجارة القرميد وعلى مدخله كتب بأحرف مذهبة ( عطورات تريفيل).
ولرغبتها الشديد في الترجل من السيارة لم تلاحظ أن سيارة توقفت وراءهما من دون أحداث أي ضجة , فألتفتت لدى سماعها صوت سولانج:
"ها أنتما وصلتما أخيرا ! لقد فتشت عنكما في كل أنحاء غراس".
أبتسمت سولانج في خبث وسوء نية مما جعل فلورا تشعر بالقرف والأشمئزاز.
" أن ألان غاضب بشدة".
وأضافت سولانج بلذة لم تستطع أخفاءها.
تركت لويس يدخل الى المعمل , وتبعت سولانج ثم تسلقتا سلما من الحجارة يصل الى المختبرات حيث يعمل ألان طيلة الوقت , وكانت سولانج تساعده منذ الصباح.
" عندما عرفنا أنك ولويس خرجتما , قررت أصطحاب ألان الى هنا, كنا نأمل أن نجدكما لدى وصولنا , وكان ألان في حاجة الى أحد يساعده في وزن مختلف العطور , وبما أنك لم تكوني هنا, عرضت عليه مساعدته , في أي حال , من الأفضل ألا تكوني هنا ., فلست يا عزيزتي لديك خبرة بهذه الأمور , مثلي أنا , وأسمحي لي أن أقول لك , أنك كنت أزعجت ألان بوجودك أكثر من مساعدته".
لم ترد فلورا , فتابعت سولانج تقول:
" ولدي سبب آخر في مساعدتي له في هذا المشروع , أن الأختراع الذي يعمل عليه سيكون طرفة رائعة , كان قد وصل تقريبا الى النتيجة النهائية عندما حصل له الحادث".
ثم أضافت بعد أطلاقها زفرة أمتنان عميقة:
" أنه عطر خاص بي!".
كانتا قد وصلتا الى أعلى السلم, لكن سولانج توقفت عن الصعود , أذ كانت مقررة أن تفهم فلورا عن الدور الكبير الذي تحتله في حياة ألان.
خلال الغداء أظهر ألان أستياءه من غيابك الذي طال... وغياب لويس, حاولي ألا تلوميه أذا أظهر بعض الغيرة , لقد سبق له مرة أن شك في المرأة التي كان يحبها وأتهمها بالخيانة , ومن ثم لم يعد يثق في أحد".
رددت فلورا قائلة:
" المرأة التي كان يحبها؟ هل تعنين بذلك أنت يا سولانج؟".
قالت الفتاة , وقد فوجئت من كلام فلورا:
" هل أنت على معرفة بذلك؟ هل أخبرك لويس؟".
هزت فلورا رأسها بالأيجاب , وتغيرت سولانج بشكل كامل.
وقالت وفمها يرتجف:
"أنني أتألم كلما فكرت بالأمر , كنا ألان وأنا ننوي الزواج بعد شهر من الحادث , وليلة الحادث , جاء من يقول له أن لي عشيقا".
تحطم صوتها , لكنها أنتصبت وقالت بشجاعة:
" أنها كذبة بالطبع , منذ أن تمت خطبتي لألان لم أفكر بأي رجل آخر , لكن ألان رفض يصديقي وفسخ الخطبة".
وأتسعت عينا فلورا لأنها لم تصدق ما تقوله سولانج التي أدركت بأن فلورا ستقاطعها فأكملت تقول بسرعة:
" وراح يقول للجميع أنني أنا التي تركته وذلك ليراعيني , لكنه هو الذي فسخ الخطبة , ورفض الحديث مع أي أحد بذلك , حتى والدته , ولا شيء مما قلته غيّر رأيه في قراره...".
كانت تحدق في فلورا كأنه تريد أختراق أفكارها وتابعت:
" هل تفهمين الآن لماذا عليك الأحتراس لما تقولينه وما تفعلينه مع ألان, أنه يعي وضعه بصورة مؤلمة ويغار جدا على ما يملكه".
أرتعبت فلورا لفكرة أن ألان رجل متزمت , ولم تفهم كيف أنه فضّل أن يثق بأقوال شخص آخر غير سولانج بدلا من أن يثق بالفتاة التي ينوي الزواج منها , وكانت سولانج تبدو صادقة في كلامها ومن المستحيل عدم تصديقها , كيف يمكن لألان , الذي أحب سولانج كثيرا , أن يرفض الأستماع اليها عندما شاءت أن تقدم له البراهين؟ لماذا أصبح في هذه المرارة والشك؟ وسمعت فلورا كلمات والدها ترن في أذنيها: لقد أصبح هذا الأنسان مثل أنسان آلي , لا حس فيه , ولديه شعور بأنه أصيب بجرح عميق, ليس فقط جسديا , بل أن كل الأحاسيس في نفسه ماتت.
وضعت فلورا يدها على فمها لتمنع صرخة ألم من الخروج من حلقها , أنا تتألم من أجله, هو الذي تعذّب نفسيا من تصوره لخيانة سولانج له , أكثر عمقا من العذاب الذي تحدثه أدوات الجراح, كانت فلورا تدرك جيدا أن لألان أسبابا أخرى غير التي أعلنها من أجل زواجه منها , وهي تعرف جيدا ما هي تلك الأسباب , كان يريد أن يضع سولانج أمام الأمر الواقع , بزواجه من أي أمرأة كان , للأنتقام من حبيبته , التي يعتقد أنها خانته يوما ما مع رجل آخر , تزوج منها لأنه في حاجة الى حاجز , يقيه جاذبية الفتاة التي ما زالت تؤثر به , وكذلك لتملأ الفراغ الذي تركته سولانج في حياته , وأمام هذا الأكتشاف شعرت فلورا بنفسها يتقطع , لقد هجرته هذا الصباح! لا شك أنه كان في حاجة أليها لتساعده في عمله فأضطرته الى اللجوء الى سولانج!
" أين ألان ؟ يجب أن أوافيه".
بدت قلقة جدا مما جعل سولانج تبتعد تاركة لها المجال لأن تعبر الممر , أضافت فلورا تقول عندما رأت سولانج تتبعها:
" أرجوك, أريد التحدث اليه بمفردي".
قطبت سولانج جبينها , لكن أمام قرار فلورا , أدركت أن لا مجال للمناقشة , هزت كتفيها وعادت الى نزول السلم , وقالت في لهجة تحد:
" عظيم . سأكون مع لويس , أذا طلبني ألان".
لكن فلورا كانت قد أختفت داخل المختبر.
وجدت ألان يتحدث مع رجل شاب يرتدي مريولا أبيض , ويصب بدقة من قنينة سوداء ,كمية صغيرة جدا من سائل ما, قناني متنوعة حول طاولة العمل , وتذكرت فلورا ما أخبرها لويس , عن مجموعات الزيوت الأساسية الذي يختار منها كل المحتويات التي ينوي أستعمالها لتجاربه, أنابيب مخبرية , مصاف كيميائية , مقطرات, كلها موزعة على طاولة العمل المغلفة بألواح زجاجية خشنة.
وأذا بالرجل يتحدث الى ألان ليخبره بوصول أمرأة راح يصفها له, وشعرت بأنقباض ألان الذي رد على مساعده بدون الألتفات نحوها, نظر اليها الرجل وقدّم أعتذاره وخلع مريوله وأختفى تاركا العروسين وحدهما.
تلعثمت فلورا في خجل مثل فتاة تشعر بالخطأ الذي أرتكبته وتحاول الأعتذار , حين قالت:
" أنني آسفة لتأخري , ربما كان يجب عليّ أخبارك في الصباح أنني سأذهب مع لويس , لكن لماذا لم تنبهني أنك ستكون في حاجة الى مساعدتي , لم أفكر بما فعلته".
ألتفت فجأة , رافعا رأسه بغطرسة وقال بنبرة متهمة:
" لم تفكري بما فيه الكفاية.... أو بالعكس , لقد فكرت أكثرمما يجب؟ أنني أعرف الأساليب التي يستعملها أبن عمي أتجاه الجنس اللطيف , وللأسف لن يعجبك أذا قلت لك أن المال ينقصه , لديه فقط ما يكفي لأرضاء ذوقه الغريب , ويجب عليّ أن أحذرك بأنك, أذا كنت تخططين للأستفادة من أمواله , فأنك تضيعين وقتك سدى".
كانت كلماته بمثابة صفعة على وجه فلورا , فأبتلعت أحتجاجها وبقيت مسمرة جامدة في مكانها , لا فائدة من التعبير عن حاجتها لتؤكد له صدقها وتقنعه بأنها نادمة على أختيار رفقة لويس بدلا من رفقته هو بالذات, لن يصدقها في أية حال , لكنها كانت على وشك أن تشرح ما حدث , ألا أن صوت ألان أوقفها عند حدها , فقد ألتفت نحو طاولة العمل , يبحث بيده عن شيء لم يتمكن من العثور عليه , أطلق شتيمة وقال :
" أنني في حاجة الى سولانج, أرجوك أن ترسلي وراءها حالا , أطلبي من أحد العمال أ ن يأخذك الى القصر , لا تختاري لويس , لأن وجوده هنا ضروري , لدينا أعمال كثيرة نريد تحقيقها , كما أنني لا أريد منك تشجيعه على الكسل".
قامت فلورا بجهد كبير لترد عليه في عزة نفس لكنها لم تكن قادرة على أخفاء أرتجاف صوتها كليا:
" عظيم, سأفعل ما تطلبه مني ,. لكن لا داعي لأن تنصنحي بعدم أزعاج أي كان , ليس في نيتي منع لويس من العمل , أو منعك أنت , ألى اللقاء يا ألان".
كبتت الدموع التي كانت تحرق جفونها وتابعت تقول:
" سأخبر سولانج أنك في حاجة أليها قل الذهاب الى القصر".
خلال الأيام التالية , حاولت فلورا أن تتحاشى الألتقاء بألان قدر أستطاعتها , كانت تنتظر مغادرة السيارة التي تقل ألان, لويس وسولانج , قبل توجهها الى غرفة الطعام لتناول الفطور.
وفي الصباح كانت تذهب الى حقول الزهر , حيث الجمال وأستقبال القطافين الحماسي لها , كانا حميمين بالنسبة أليها , ألان ولويس وسولانج لن يعودوا الا قبل موعد العشاء بقليل , وفلورا ستتناول طعام الغداء مع الكونتيسة , وبعدها تمضيان ساعة من الوقت تتحدثان وهما جالستان مع بعضهما في الحديقة , الى أن يأتي موعد الكونتيسة الأم في الخلود الى القيلولة الغالية على قلبها, أن العطف والحنان والمحبة التي كانت الكونتيسة تكنها لفلورا , كلها بمثابة عزاء لعواطفها الجريحة والمهانة, وكانت بدورها توفر لها الحنان بالمقابل وذلك في شوق وحماسة عائدين الى سحر وتفهم المرأة العجوز , ومن جهة أخرى الى الوحدة القاسية التي تشعر بها فلورا كلما فكرت بوالديها والحب الذي أحاطاها به.
وخلال أحدى تلك الجلسات , أظهرت الكونتيسة شعورها بأن الأمور بين أبنها وعروسه تبدو وكأنها ليست على ما يرام , كانتا جالستين في الحديقة , قرب سبيل ماء يخر , عندما حدقت الكونتيسة في عيني فلورا اللامعتين وقالت:
" لست سعيدة , أبنتي ,كنت آمل في أن طبيعتك سوف تؤثر على ألان, لكن أرى أن العكس هو الذي حصل, أن طبعه بدأ يدخل الى قلبك".
كانت فلورا على وشك أنكار ذلك عندما أضافت الكونتيسة:
" لا تنكري ذلك , يا حبيبتي , أنك تبذلين جهدا كبيرا لتظهري بمظهر المرأة المرتاحة , لكن حتى في الراحة , يبدو وجهك الناعم متوترا , أن أبني زوج صعب , أليس كذلك؟".
أصفر وجه فلورا فجأة , فأعتذرت الكونتيسة :
" سامحيني أذا كنت تتألمين , يا صغيرتي , أنني فعلا أمرأة لا يغفر لها!".
قالت فلورا وهي تحاول الأبتسام:
" لا شيء يا أمي , أنني أعرف أنك قلقة على ألان وأنك تريدين له كل السعادة , لكن للأسف, أخشى أنه لن يجد سعادته معي".
قالت الكونتيسة في أقتناع:
" أذا , فلن يجدها مع أحد غيرك, كنت أتمنى أن أوبخ ألان على أهماله لزوجته , لكنه لم يعد الأبن الذي كنت أعرفه , الرجل الطيب اللطيف والرائع , والا لما تأخرت لحظة واحدة عن القيام بذلك, لكن الولد الذي عرفته وأحببته ضاع الى الأبد".
أحتجت فلورا في أقتناع:
" لا , يا أمي , لا تدعي نفسك تصدقين ذلك ! أنه سيعود كما كان عندما يسترد بصره , أن في وسعنا أقناعه بأن العملية الأخيرة ضرورية له".
تألق وجه الكونتيسة وقالت:
" أذا , يجب أن نحاول ذلك يا حبيبتي , يجب أيجاد طريقة لأقناعه , أنا وأنت يمكننا ايجاد هذه الطريقة".
وأخذت الكونتيسة يد فلورا بيدها الناعمة , وشعرت المرأة الشابة بأملها ينتعش كأعجوبة من جديد , وذلك بفضل الجهد الذي قامت به لتبدد فتور عزيمة المرأة العجوز ,وبنشاط متجدد , أستجمعت فلورا أفكارها, لا بد أن هناك هاعة أو صدعا في بنية ألان, وعليها أن تكتشفها مهما كلف الأمر , كان على وشك تدميرها , وفي محبتها له, أتاحت له المجال ليحقق هدفه , لكن اذا تمكن من تحقيق سعادته , في تدميرها , فأن التضحية تكون عندئذ مبررة.
" كم يكون ذلك رائعا حين أستعيد ولدي , كان ألان يذكرني بزوجي العزيز بصورة مستمرة , أنه يشبهه تماما حتى أنه يتهيأ لي أنني لم أخسر زوجي, ولهذا السبب أرى نفسي حزينة جدا من جراء الحادث الذي أفقد ألان, لا بصره فحسب بل طبيعته المحبة والكريمة أيضا".
وأضافت حالمة:
" زوجي كان رجلا متقلب المزاج , ينتقل بسرعة من الحنان الى الغضب , وفي ظرف ثوان قليلة يمكن أن تصيبه نوبة غيرة شديدة التخريب والتدمير".
ضحكت بعض الشيء حينما تذكرت ذلك , فالذكريات تجعل عينيها حنونتين :
" لكن بعد أن تهدأ نوبته كان يبدو نادما ومنسحق القلب , وكان يخجل من فقدانه برودة أعصابه ورباطة جأشه , كان يقول دائما لطلب المعذرة : يجب أن تعتبري ذلك مديحا لك, لو لم أكن أحبك , لما كنت غيورا عليك الى هذه الدرجة , أي أمرأة يمكنها مقاومة هذا المنطق؟ كان مؤثرا , وحيويا, وغير قادر على مقاومة رغباته الطبيعية...".
أخرجت زفرة عميقة وأضافت :
" أن ألان مختلف عن والده, فالغضب والحقد البارد والغيظ كلها تسيطر عليه الى درجة تجعلني أتساءل ما أذا كان مجردا من أية عاطفة...".
وخلال فترة غير قليلة , حاولت في صمت التخلص من توترها , فجأة تنهدت الكونتيسة , فرفعت فلورا عينيها ورأتها تضحك , في ضحكة خبيثة كانت تنعكس في عينيها.
" لقد وجدتها!".
راحت الكونتيسة تفرقع في أصابعها في حيوية ونشاط , كأنها لا زالت شابة , ثم نظرت الى فلورا التي كانت متعجبة وراحت تضحك , وفاجأت كنتها قائلة:
" يجب أن تجعلي ألان يغار عليك".
تلعثمت فلورا وهي تقول:
" ألان يغار؟ لكن لماذا.... كيف يمكن ذلك؟".
أجابت الكونتيسة في لهجة حازمة:
" لأتك, بهذه الطريقة , تبرهنين له وفي الوقت نفسه لك أيضا أنه ليس بالفعل الأنسان الآلي وفاقد الأحساس".
وراحت تشدد على أقوالها:
" الغيرة هي أخت الحب , وعندما نوقظ الأولى , نكون قد أيقظنا الثانية حتما".
شعرت فلورا أن قلبها ينتفض , كل شيء يبدو سهلا في نظر الكونتيسة , لكن الوضع بينها وبين ألان أكثر تعقيدا مما تظنه المرأة العجوز , ففي رأي الكونتيسة , أنه يكفي أخراج ألان من اليأس الذي نتج عن الحادث , فهي تجهل أنه لم يكن للحب أي دور يلعبه في هذا الزواج الغريب منذ البداية , ولا يمكن لفلورا ألا تفي بوعدها لألان بعدم أطلاع الكونتيسة على حقيقة زواجهما , وبهدوء قالت:
" أني أخشى أن يكون مشروعك عديم القيمة , ياأمي , لن يغار ألان علي أبدا , ليس هناك أي سبب يجعله يغار ما دام يعرف أنني أقضي وقتي معك أو في الحقول".
" هه... يجب أن ندخل لويس في خطتنا هذه ... أنني أعرف تماما أن لويس سريع النكتة , وهو حاضر بأستمرار ليلعب الدور المطلوب منه , نعم, يجب علينا أستشارة لويس بالأمر".
كان يبدو لفلورا أن عليها أقناع الكونتيسة بعدم جدوى تنفيذ هذا المشروع , لكن قبل أيجادها الحجج اللازمة , قالت الكونتيسة :
" يجب أقامة حفل في القصر".
نهضت الكونتيسة وأخذت تتمشى طولا وعرضا وقالت:
" أصدقاؤنا وجيراننا في أنتظار أن نتيح لهم المجال ليرحبوا بعودة ألان , وليتعرفوا أليك , أنت الكونتيسة الشابة , يا أبنتي العزيزة , لقد أخرت موعد اللقاء وأعتذرت أذ قلت أنكما لا تزالان في شهر العسل , لكنهم يعرفون أن ألان يتردد يوميا على المصنع , ولا مجال ليرفض أقامة حفلة عشاء عندما أخبره بذلك".
توقفت ثم سألت فلورا فجأة :
" والآن , أخبريني , هل عندك الجرأة لذلك؟".
لم تجد فلورا الشجاعة الكافية لتهدئة آمالها وحماسها , كانت تنظر الى حماتها من دون قول شيء , ولما صفقت الكونتيسة بقدمها علامة نفاذ الصبر , همست فلورا تقول:
" عظيم , أذا كنت تعتقدين أن ذلك يعطي النتيجة المرجوة... لا مانع من التجربة".
أسترخت العجوز وقالت ببساطة:
"لن يتأخر ألان في أن يجد فيك كل اللطف والسحر , يا عزيزتي , ولا شك أننا متى وصلنا الى غايتنا , فلن ندعه يشفق على حاله وسوف يرغب حينذاك بأستعادة بصره, أذا لن يعود قادرا على تحمل أي عائق في طريقه".
قالت فلورا بصوت ضعيف:
" آه يا أمي , آمل ألا تكوني مخطئة في تقديرك , أنني أود أن يحصل ذلك من كل قلبي".
أنحنت الكونتيسة ووضعت يدها على ذقن فلورا ورأت الدموع في عينيها وقالت بلطف:
" لا تذرفي الدمع , يا صغيرتي العزيزة , ألا أذا كانت دموع الفرح, هيا, أمسحي عينيك , هناك شيء أريد أن أريك أياه".
نهضت فلورا فتأبطت الكونتيسة ذراعها وأدخلتها الى القصر ثم قالت:
" صباح اليوم, طلب مني ألان أن أريك جواهر العائلة , كي تختاري منها ما يناسبك , لكنني تذكرت الآن , أنني على يقين من أنك توافقين هلى أن هذه البادرة من جانب ألان يبشر بالخير".
لا للأسف , هذا ما كانت فلورا ترغب في قوله للكونتيسة , وهي تتبعها في أتجاه المكتب , أن الكونتيسة لا تعرف أن ألان يريد من أعطائها الجواهر تسديد الدفعة الأولى من الدين الذي يعتقد أن فلورا تستحقه.

 
 

 

عرض البوم صور مجهولة   رد مع اقتباس
قديم 03-08-09, 12:06 AM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38965
المشاركات: 357
الجنس أنثى
معدل التقييم: مجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 552

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مجهولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مجهولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

8- وجها لوجه

لم يدر بخلد فلورا المنظر الرائع لهذه الجواهر فاللآليء البيضاء كلون الحليب متناسقة على أكمل وجه , وتشكل حبات عقد طويل يصل حتى الخاصرة , وطقم من المجوهرات المصنوعة من الماس والؤلؤ يتكون من الحلى , كالياقوت الأسود , والياقوت الأزرق والزمرد , مركبة على الذهب الناعم , تشكل مجموعة متناسقة من الخواتم والعقود والأساور والحلق والبروشات , لقد أخرجت الكونتيسة جميع ثروتها من صندوق مجوهرات كان مخزونا وراء جدار في غرفة المكتبة , وفتحت معظم العلب بعد أن وضعتها على الطاولة أمامها , وأمام هذه الروعة , تراجعت فلورا الى الوراء , الى حد الأشمئزاز .منتديات ليلاس
كان يمكن لها أن تفرح أمام غنى الألولن , وأمام نضارة الرسوم في هياكل الحلى , لكن بالنسبة اليها , كل لؤلؤة هي دمعة , وكل حبة ماس تذكرها بقسوة عيني ألان .
فقالت الونتيسة وهي تحني رأسها:
" أية حلية تفضلين؟".
تلعثمت المرأة الشابة:
" أنها كلها رائعة حقا يا أمي, أنها شديدة الجمال والروعة الى درجة أنني لا أستطيع وضعها عليّ , سيتملكني خوف كبير أذا أضعت شيئا منها".
" هيا أذا أنت الكونتيسة تريفيل , وستعتادين بسرعة أرتداء المجوهرات الثمينة والقيّمة, أن جيراننا يستقبلون كثيرا وعليك تلبية دعواتهم, لنرى ونقرر معا أي نوع من الحلى يناسب جمالك الناعم!".
لكن برغم رغبتها القوية في أرضاء الكونتيسة , لم تكن فلورا قادرة على أظهار حماس حقيقي , وسرعان ما شعرت المرأة العجوز بعدم أهتمام كنتها بالأمر , وفي أرتباك هزت الكونتيسة الأم كتفيها وأعادت الحلى الى علبها وأغلقتها بخشونة , تعبر بها عن خيبة الأمل التي أحست بها ,
شعرت فلورا بأنها جرحت شعور حماتها وأرادت التخفيف من خيبتها, وفي أحدى العلب المخفية في طرف الصندوق وجدت ميدالية صغيرة من الخزف الأزرق , تحملها سلسلة ذهبية نحيفة, مدت فلورا يدها مصطنعة اللطف وتناولت بنبرة نادمة جعلت الكونتيسة تضحك بالرغم منها.
هذا ... هذه الجوهرة تعجبني".
تناولت منها الميدالية وقالت:
" هذه؟ أنها تقريبا من دون قيمة تذكر, يا أبنتي! لقد أهداني أياها لويس منذ سنوات عديدة, في مناسبة عيد زواجي, وأعتقد أنه منذ ذلك الوقت والميدالية هنا".
كانت الميدالية تتأرجح في طرف السلسلة , محدثة بريقا أزرق تحت تأثير نور الشمس.
قالت فلورا بأرتباك ظاهر:
" هذا يعني أن عليك الأحتفاظ بها داخل العلبة".
" كلا , أنني مسرورة لأنك وجدت شيئا يناسبك , يا أبنتي الصغيرة , أنظري".
كانت تشير الى نقش على الميدالية يقول: متحدان , لكن منفصلان, دائما.
شعرت فلورا بقلبها ينبض بسرعة مؤلمة , يا لهذا الماكر , الذي أرادها أن تختار بالضبط ما يعبر عن الوضع الحالي بينها وبين ألان.
الثوب الحريري الذي كانت ترتديه في السهرة , كان في حاجة الى شيء يخفف من حدته , فجاءت بالميدالية الصغيرة لتؤدي هذا الدور بشكل رائع, وتراءى لها أن كل زفرة تخرج من صدرها هي صدى للكلمات المنقوشة على الميدالية التي لا تراها العين بقدر ما هي محفورة بأحرف نارية.
" متحدان لكن , منفصلان دائما".
ألان وهي كانا في ليلة عرسهما أنسانا واحدا , لقد نبض قلب زوجها فوق قلبها في حرارة , لا تزال حتى اليوم , تترك آثارها على شفتيها الحنونتين , وفي جسمها المتشوق , واذا لم تبق لها ألا ذكرى تلك الليلة , فلن يساورها الندم , ولو أضطرا في المستقبل الى أن يبتعدا , فستظل لحظات الأنصهار الكلي ملازمة أياها الى الأبد.
أغمضت عينيها لتبعد عنها تعاستها المنعكسة في المرآة , وظلت جامدة لفترة طويلة , تحاول حبس الدموع التي تتدفق من عينيها.
دخل ألان من دون ضجة , وعندما سمعت فلورا صوته , أنتفضت مذعورة :
" كنت مع والدتي منذ برهة , وأخبرتني أنك لم تعجبي بأي من الحلى والمجوهرات!".
ألتفتت فلورا اليه ومن دون وعي وضعت يدها على الميدالية الصغيرة الزرقاء كأنها تعويذة تحميها من الخطر المحدق بها, وقالت بصوت صدر عن حنجرتها المؤلمة:
" بالعكس , أن الحلى ذات جمال رائع , وثمن باهظ , لا يمكنني وضعها بدون خوف من أضاعتها , يجب يا ألان , ألا تنسى أنني فلاحة من قرية صغيرة , ولست معتادة على هذا الغنى , أرجوك أن تفسح المجال حتى أعتاد ذلك".
كانت تنتظر منه جوابا ساخرا , لذلك كتمت أنفاسها , لكن صوت ألات كان يحمل ظلا من الحنان:
" أيته الفتاة المسكينة البسيطة , لماذا تصرين على هذا المنطق؟".
وأمام هذا اللطف الذي لم يعودها ألان عليه , أتسعت عينا فلورا الزرقاوان قلقا , أقترب ألان منها فتراجعت الى الوراء بعنف جعلها تسقط على الكرسي الصغير , الذي أصطدم بالطاولة , فتلاطمت قوارير العطور محدثة ضجة عالية , حينئذ , وضع يده في جيبه , كأنه يعلن الهدنة.
شعرت بالندم وتقدمت منه , تنوي ملامسته , لتبادله شعوره من دون كلام, لكن وجه ألان الجميل الداكن تسمر , وأعتلى الحقد المتزمت شفتيه وقال:
" لا داعي للتهرب مني! لقد جئت لأراك بناء على طلب أمي التيترى أنني أهملك , وهي تجهل أنك تفضلين لامبالاتي على أهتماماتي ولا أريدها أن تعرف هذا".

 
 

 

عرض البوم صور مجهولة   رد مع اقتباس
قديم 03-08-09, 10:32 AM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38965
المشاركات: 357
الجنس أنثى
معدل التقييم: مجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 552

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مجهولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مجهولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

أرادت الأحتجاج لكنه تابع يقول:
" لقد أجبرتني على قبول مشروع آخر , لا يعجبني أيضا , لكني وعدتها بأن أشترك فيه , سوف نقيم حفلة عشاء كبيرة من أجل أن يتعرف أصدقاؤنا وجيرننا الى الكونتيسة الجديدة , والدتي ستساعدك في تنظيم كل شيء , أنها مضيفة رائعة , وليس لك سوى أتباع نصائحها , سأنهمك في أعمالي داخل المختبر , في هذين الأسبوعين , ولن يكون في أستطاعتي مساعدتك , لكني متأكد أنك ووالدتي سوف تدبران الأمور بنجاح , وبذلك تطمئن والدتي على موقفي أتجاهك , وستكون, بالنسبة أليك, فرصة رائعة لتعتادي وضعك الجديد , في المقابل , الجميع سيكونون فرحين".
راحت فلورا تقول لنفسها وهي تحدق فيه, أنها لم تر في حياتها أنسانا أتعس منه, ويبدو أنه حتى وجود سولانج الدائم وأستعادة صداقتهما القديمة , غير كافيين لأزالة التعاسة من نفسه.
" سوف ننزل معا الى قاعة الأستقبال".
وقدّم لها ذراعه لتتأبطها , ومن دون همسة وضعت أطراف أصابعها على كم بذلته البيضاء , فتقلصت عضلات ذراعه تحت تأثير هذا الضغط الخفيف , كأنه يحاول السيطرة على أي ردة فعل يمكن أعتبارها دليل صداقة.
وخلال العشاء لم تستطع فلورا التوقف عن التفكير بالخطة التي رسمتها الكونتيسة في النهار ذاته , فقد أخبرت لويس بالأمر , وما أن جلست فلورا على الطاولة حتى بدأ لويس يغازلها.
أنحنى صوبها وغمس نظره في نظرها وهمس قائلا:
" هذا مديح منك وأطراء أنك رغبت في أرتداء هذه الميدالية , التي هي أسهام متواضع مني لكنوز تريفيل العظيمة , هل هذه الميدالية بالذات أعجبتك . أو لأنني أنا من أشتراها وأنت تحبين ما أختاره؟".
فوجئت فلورا ولم يتسن لها الوقت لكي ترد عليه , فأخذت الكونتيسة الكلام عنها , ومن دون أي أرتجاف في عينيها , أعلنت في صوت عال:
" أعجبت فلورا بهذه الميدالية , منذ اللحظة التي وقع نظرها عليها , يا لويس , فقد أهملت كل ما تبقى من جواهر لصالح جوهرة صغيرة أهديتني أياها منذ زمن بعيد , هل أنت حاقد علي لأنني تنازلت عنها لفلورا؟".
" أنا, بالعكس , أنني مبتهج لأبعد الحدود , يا أمي , لقد وهبت فلورا الحياة لتلك الميدالية , أني أحسدها لأنها معلقة على صدرها".
أحمر وجه فلورا بشدة , ولم تستطع تجاهل ألان , الذي كان يبدو هاذئا يصغي الى الحديث من دون أهتمام, لكن فلورا لاحظت أن يديه تحاولان السيطرة على النفس , أما سولانج, اليقظة بأستمرار , فقد قالت في نبرة ساخرة وعيناها تحدقان في وجه فلورا المحمر خجلا:
" يا فلورا المسكينة! لا داعي للأرتباك الى هذا الحد, أن لويس يحب التنكيت ويجب عدم أعتبار كلامه جديا , خاصة من فتاة بسيطة مثلك".
ثم ألتفتت نحو لويس وأضافت:
" لكن يجب الأعتراف أن مزاجك له تأثير سعيد. أن وجنتي فلورا الورديتين وعينيها اللامعتين , تجعلها جميلة أليس كذلك؟".
ومن دون أن تدري , كانت سولانج تشارك في المؤامرة الموضوعة وكانت الكونتيسة الأم مبتهجة لهذا الأمر , فقالت مؤيدة:
" كلامك صحيح يا سولانج ".
ثم وجهت كلامها الى لويس :
" يبدو ,يا لويس , أنك تملك موهبة أبهاج فلورا , فهي تبدو شديدة السعادة من خلال الطاولة".
" وفي المقابل , أنني أتمتع بأستمرار بالذوق الرفيع لأسعاد النساء الجميلات , خاصة أن جمال فلورا هو نادر وفريد من نوعه ".
وفي عنف مفاجىء , وجه حديثه الى ألان:
" أليس مزعجا للغاية, يا أبن عمي العزيز , لأنسان مثلك أن يملك زوجة ذات جمال يحسده عليها كل الرجال , وهو غير قادر على الأستمتاع بها كليا , لو كنت مكانك لما تخليت يوما عن الأستمتاع بالمرأة التي أملك".
قالت الكونتيسة في نبرة أحتجاج:
" لويس!".
كانت تريد أفهمامه أنه ذهب بعيدا , لكنه أكتفى في هز كتفيه من الشعور بأي ندم وتابع يقول:
" هل أنت من رأيي يا ألان , أو أنت متألم من الكبت والحرمان ؟ لو كنت مكانك...".
وبحركة عصبية طوى ألان فوطته , كانت فلورا تراقبه في نظرة قلقة عندما قال بصوت مزعزع:
" لو كنت مكاني يا لويس؟ لكن هذه الأمنية ليست جديدة بالنسبة أليك , أليس كذلك؟ أنها تعذبك مدى الحياة , لو كنت مكاني , لتسلمت أدارة أعمالنا وكل الأموال التي تريد صرفها , وكم نحن سعداء أنك لست مكاني , لن يتسنى لك المجال لكي تضع يدك على الأعمال , وعلى القصر ... ولا حتى على زوجتي!".
كانت عيناه كأنهما في شعلة باردة:
نهضت فلورا , العداوة التي أكتشفتها فجأة بين الرجلين ترعبها بشكل كبير.
" لا , يا ألان, يجب ألا تتحدث بهذه اللهجة! أنت فهمت خطأ , يحاول لويس أن يفيد...".
" نفسه".
كان يتحداها أن عاكسته , كانت تريد تبني هذا التحدي , ربما كان لويس أنسانا ضعيفا , لكنه ليس الرجل الضال كما يراه ألان, لكن الونتيسة تدخلت:
" ألان , لويس ".
كان صوتها حاد كالحديد.
" سوف تنهيان هذا المشهد المؤسف , في الحال".
لكن في غضب لا يراعي شعور أحد, نهضا وجها لوجه , كأنهما على أستعداد للمبارزة بين لحظة وأخرى , بينما كانت الكونتيسة تنتظر أن يطيعا أمرها , كانت عينا سولانج تلمعتن فرحا وشماتة , انها أمام تجربة لن تشهد مثلها في مجتمعها المتمدن , وفي هذا الصمت المتوتر , تنهدت فلورا , فألتفت لويس نحوها , وأمام محنتها بدا خجولا ونادما . فقالت متمتمة:
" لويس , أرجوك !".
فأبتلع غضبه وضحك. وبنبرة خفيفة , أعلن عن أنهزامه وقال معتذرا:
" سامحني يا ألان , أن كلماتي غير لائقة فأرجو أن تعذرني".
وبدلا من الأسترخاء, خاب أمل ألان لدى رؤية فريسته تتهرب منه , أكتفى بأن هز رأسه المتغطرس ومد يده في أتجاه سولانج حتى تقوده خارج الغرفة.
وعندما أنغلق الباب, ترك لويس جسده يقع على الكرسي , منهوك القوى , وقال بأرتياح:
" أوف , لقد أعتقدت للحظة أننا سنتبارز".
ألتفت نحو الكونتيسة التي كانت ما تزال مضطربة :

" أمي, أرجوك , أذا كانت لديك أفكار أخرى , من أجل أثارة أنفعالات ألان, أرجوك ألا تشركيني فيها , أفضل مئة مرة أن أضايق نمرا على أن أعيش من جديد لحظات كهذه".

لكن الكونتيسة لم تبد فرحة بهذه النتيجة , كانت ترتجف , جلست على الكرسي وقالت بصوت قاس ومتهم:

" لقد أظهرت قسوة كبرى أتجاه ألان يا لويس من دون شفقة وعن قصد... وهذا لن أسامحك عليه مطلقا".

ثم أضافت بصوت دامع:

" لماذا , يا لويس؟".

وأمام نظرات الكونتيسة المليئة باللوم والتأنيب , أحمر وجه لويس وراح يرتجف بأنزعاج , أراد الرد عليها, مرر يده في شعره وراح يباشر الدفاع عن نفسه أذ قال:

" فكرت أن الطريقة الوحيدة لأخراجه من قوقعته هي مهاجمته فيما يتعلق بعاهته, وحب ما فهمته منك , هذا هو الهدف المفروض أصابته".

بهدوء وضعت فلورا يدها على كتفه معبرة عن تعاطفها معه ثم قالت:

" أن تصرفك وليس ما نطقت به من كلام هو الذي جعل التوتر يدخل الى قلب أمي".

ثم أضافت والقشعريرة تختلجها:

" أنه شيء مؤسف ومروع حين نراك على أستعداد لخوض معركة مع أبن عمك ... الأعمى".

أصفر وجهه وقال:

" أنني أفهم ".

وبعد صمت قصير أستطرد يقول:

" أن تكهنه ينسينس أنه أعمى أحيانا , عندما أراه ينزل مسرعا , أو عندما يتوجه نحو مقعده من دون تردد , أتساءل ما أذا كان أعمى بالفعل , أو أنه يتصنع ذلك ليخدعنا جميعا".

أرادتا مقاطعته , لكنه هز كتفيه:

" نعم, أعرف , أعرف, هذا مستحيل ! أنه أعمى حقا, وأني خجول لمحاولة تحديه , لكن ما أطلبه منكما , هو أن تشرحا لي , كيف في أستطاعته تدبر أمره بهذه السهولة ؟ هل يملك حسا أضافيا , لا نملكه نحن؟".

أجابت فلورا ببساطة:

" أنه يعد...".

ردد لويس بأستغراب:

" يعد؟".

" نعم, وفي أي مكان يتنقل بهذه السهولة والطمأنينة , يكون قد عد سريا الخطوات مسبقا , حتى أنه يعرف تماما كم هو في حاجة الى خطوات ليحقق هدفه".

ظل لويس متعجبا كالأخرس , فقالت فلورا:

" نعم, لقد سمعته, ليلة بعد ليلة, عندما يعتقد أن الجميع نائمون, يسير في الممرات وعلى الرج وفي غرفته... ويعد من دون توقف, ثم يعود ويظل يعد , ألى أن يتأكد تماما من قدرته على التنقل بدون أن يخشى التعثر".

قال لويس في صوت مبحوح وعيناه تحدقان في وجه فلورا الهاديء:

"يا ألهي , ما هذه المعاناة ... وما هذه الشجاعة!".

تدخلت الكونتيسة وقالت:

" ما من أحد يشك في ذلك, حتى ولو كانت فيه بعض النواقص , فأن ألان برهن أنه شجاع بما فيه الكفاية".

وللحظات قصيرة كانت فلورا تخشى فقد أعصابها التي تحافظ عليها, لكن المرأة العجوز رفعت رأسها ووجهت للجميع أبتسامة عريضة وقالت:

" هيا , يا أولادي , ما حدث معنا الليلة يجب ألا يفسد مخططنا , أتفقنا؟".

أستعاد لويس طبيعته وقال وهو يحي الكونتيسة تحية عسكرية :

" أتفقنا , أيتها الكولونيل!".

لكن عندما تطلعت الكونتيسة , الى فلورا , أحمرت المرأة الشابة وجاهدت قبل أن تقول بصعوبة:

" أنني ,,, أنني سأحاول قدر أستطاعتي... ما دمت متأكدة , من أن هذا سوف يساعد ألان".

 
 

 

عرض البوم صور مجهولة   رد مع اقتباس
قديم 03-08-09, 10:35 AM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38965
المشاركات: 357
الجنس أنثى
معدل التقييم: مجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامجهولة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 552

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مجهولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مجهولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

9- عطر خاص

كانت فلورا تذهب بشكل يومي الى حقول الزهر الممتدة , كأنها مزرعة , منذ ثلاثة أسابيع وهي منهمكة في مساعدة الكونتيسة على تنظيم حفلة العشاء التي حان موعدها هذا المساء بالذات , كما كانت في الوقت نفسه ترتبط من جديد مع الأشخاص والأصدقاء الذين تعرفت اليهم من بين العاملين في المزرعة , أحبها الفلاحون كثيرا وكانوا فرحين ومسرورين للأهتمام الذي منحته فلورا لهم ولعائلاتهم , وكانت تشعر عندما تكون معهم كأنها بين أهلها في أنكلترا.منتديات ليلاس
أن هؤلاء القرويين يحبونها بأخلاص , يضحون بكل شيء من أجلها , لا يعرفون لماذا , ربما لأنها خشبة خلاصهم أو لأنهم أكتشفوا أن المحبة أعظم من الولاء.
أنها فترة ما بعد الظهر , والطقس حار جدا , أبتسمت فلورا وهي تتمشى في خطى سريعة أذ تذكرت , أنه منذ نصف ساعة , أصرت عليها الكونتيسة بضرورة الذهاب الى غرفتها لتستريح , لأنها بدت , متعبة وشاحبة الوجه , حاولت فلورا أقناعها بأنها تشعر بنشاط وقوة , لكنها سرعان ما خضعت لألحاح حماتها وصعدت الى غرفتها بهدف التخلص من العناية الزائدة التي كانت الكونتيسة توليها أياها.
لكن الطقس جميل, السماء زرقاء ملتهبة والمنظر المحيط يشبه باقة العروس تحيط بها دائرة خضراء من أشجار السرو العالية , فلم تستطع فلورا مقاومة رغبتها الملحة في الخروج الى الطبيعة .
كانت الأفكار تتجاذبها , ماذا أريد من هذا الرجل؟ أنا أعرف أنه يتعذب وأعرف أنني أحبه , ومع ذلك أتردد , لقد تزوجت منذ شهر تقريبا , وخلال الأسابيع الثلاثة التي مضت, لم تشاهد ألان ألا نادرا , كانت تلمحه كل صباح من نافذة غرفتها , عندما يقودونه الى المعمل.
وكذلك تراه في المساء من جديد , لكن متأخرا , منذ الأصطدام الذي حصل بينه وبين لويس , تعود على تناول طعامه في غراس برفقة سولانج , بحجة أن عمله الكثير والملح لا يسمح له بالوصول الى القصر في وقت لعشاء.
وهكذا فأن مشروع الكونتيسة الطموح لم ينجح , أما فلورا فقد أقتنعت خلال الأسابيع الماضية أن ألان نادم على أندفاعه الذي جعله يتزوج فتاة شابة لا يعرفها ,
وبلا وعي أكملت فلورا طريقها في الأتجاه الصحيح, وأذا بها تسمع أصوات الترحاب والبهجة الصادرة من القطافين , ولمع وجهها للحال وردت عليهم التحية , فهي تشعر بأرتياح عندما تكون مع هؤلاء الأصدقاء الجدد .
أمضت ساعة مرحة وهي تتنزه بين صفوف الشجيرات , تثرثر مع العمال الذين لا يتوقفون عن العمل , بعضهم , في لغة أنكليزية ضعيفة , يقصون عليها آخر أخبار عائلاتهم ويقهقهون معها كلما عجز أحدهم عن أيجاد الكلمات اللازمة في لغة لم يتعودوا النطق بها في حياتهم , ومع مضي الوقت, شعرت فلورا بالعوارض الأولية لصداع بدأ ينخر رأسها , وفي الوقت نفسه بدأت صفوف العمال تخف أذ أن القطافين يأخذون وقتا للراحة كل يوم في هذه الفترة بالذات من بعض الطهر , عندما تكون الحرارة في أوجها , وقبلت فلورا دعوة الأم فيكتوريا الى تناول الطعام معها.
رفضت تناول الخبز والجبنة الحادة والبصل , لكنها تناولت فنجان قهوة, كانت الأم فيكتوريا تحدق فيها وهي تشرب. فلاحظت شحوب وجها فعاتبتها لأنها لم تكن تضع قبعة على رأسها.

" شمسنا أكثر حرارة من شمس أنكلترا , يا كونتيسة".

ثم صرخت في صبي كان يمر راكضا:

" جان بول! أذهب وأسأل والدتك أذا كان في أمكانها أن تعير قبعتها الجديدة الى الكونتيسة بسرعة!قل لها أنني التي أرسلتك".

أحتجت فلورا :

" لا , ليس هذا ضروريا ..."

لكنها سمعت الفتاة الشابة ذات العينين السوداوين الواسعتين اللتين لم تتوقفا عن التحديق في وجهها تقول في خجل:

" أن الأم فيكتوريا على حق, يا سيدتي الكونتيسة , حرام أن تفسدي لون بشرتك الناعمة".

ووافقت المجموعة التي تحيط بها على ما قالته الفتاة , فأحمر وجه فلورا بشدة , وتدخل أحد القطافين ليمدح فلورا قائلا:

" أن أسمك يليق بك, يا سيدة فلورا , وأذا سمحت لي فأني أقول أن بين كل الأزهار التي تنبت من حولنا , أنت أجملها, ونملك لآن السبب للأحتفال , ما دام السيد ألان أنهى تجاربه , أولا : الأحتفال بقدوم أجمل زهرة ألى عائلة تريفيل , وثانيا أختراع أدق عطر لم يسبق لمعامل تريفيل أن صنعت مثله".

وضع أصابعه على شفتيه وراح يقبلها ويقول:

" آه , أي نصر حققه سيدي الكونت".

هكذا أذا , أنهى ألان أعماله , ولم تجرؤ فلورا على القول لهؤلاء الرجال أن العطر ليس لها , وأن لسولانج الحق فيه أكثر منها.

فجأة , أختلطت الوجوه السعيدة التي تحيط بها , بكثافة السحب في الفضاء , ولم تعد قادرة على رؤيتهم الا من خلال الضباب الحار, أن عطر الزهر , الثقيل يختلط برائحة الأجبان والثوم, وشعرت بعدم قدرتها على التنفس , والأصوات حولها بدت وكأنها قرقعة وضجيج , أخيرا, أنزلقت من مقعدها وتركت الغياهب تبتلعها وتجرفها في موجة لا ترد.

عندما أستعادت وعيها , كانت ممددة على الفراش الصغير, في أحد منازل القطافين , الغرفة مظلمة , والصمت يعم , وللحظة ما , تساءلت فلورا أين هي , أرادت النهوض , لكن وجه الأم فيكتوريا المتجعد ظهر فوق رأسها:

"لا تتحركي يا أبنتي , أنتظري قليلا , دعي الوقت يساعدك لتستردي قواك".

تركت فلورا رأسها يقع على الوسادة وقالت:

" معك كل الحق في أن توبخيني , أيتها الأم فيكتوريا , لا شك أنني تعرضت الى ضربة شمس".

قالت الفلاحة العجوز وهي تهز رأسها معبرة عن القلق:

" نعم, كان علينا تنبيهك مسبقا ألى تأثيرات الشمس, وما سيقوله السيد الكونت , عندما يطّلع على أهمالنا , لا أجرؤ على التفكير بذلك, أننا نستحق أن يقبض علينا , لأننا أغبياء".

" آه , أنك لا شك تمزحين".

وحاولت فلورا من جديد الجلوس , لكنها شعرت بدوار , فعدلت عن ذلك, وراحت تحاول التخفيف عن العجوز من المخاوف التي تساورها , فقالت بصوت خفيض:

" أنا الوحيدة المسؤولة عما حدث لي , ما كان ينبغي أن أتنزه عارية الرأس في هذا الحر اللاهب , وبعد أن أستريح قليلا , سأعود ألى القصر , ولا أجعل أحدا يعلم ماذا حدث".

صرخت العجوز وقد شحب لونها:

" يا ألهي ! ليس ذلك واردا على الأطلاق, يا كونتيسة! أن أحدا من رجالنا سيقودك الى القصر , يكفي ما عانيته من حماقتنا , ولن يبدر منا أي تقصير أو أهمال مرة أخرى! عندما تشعرين بالراحة وتصبحين على أستعداد , سنأخذك الى القصر في أحدى الشاحنات".

لم تستطع فلورا أقناع المرأة العجوز بالعدول عن رأيها فقد أصرت على موقفها بقوة , وهكذا بدلا من أن يكون في أستطاعتها أن تدخل الى غرفتها سرا من باب خفي , كما كانت تنوي أن تفعل , أنزلت الشاحنة فلورا أمام القصر محدثة ضجة أيقظت الجميع.

خرج الخدم لتوهم, فشرح لهم السائق ما حدث لفلورا , وفي أثناء ذلك ظهرت الكونتيسة الأم على أحدى الشرفات وراحت تسأل بدورها طالبة تفسيرا مفصلا , ألقت نظرة الى وجه فلورا الشاحب وأعطت للحال أوامر واضحة , وقبل أن يتسنى لفلورا أن تعي ماذا حدث , وجدت نفسها بين أيدي أشخاص يحملونها ويضعونها في سريرها ويقفلون الستائر لأخفاء النور القوي , فشعرت بألم بالغ يحفر في رأسها ويقرع كالطبل .

لم تلمها الكونتيسة , لكنها كانت قلقة على فلورا وهي تتأمل وجهها المشدود من شدة الألم , فقالت لها:

" حاولي أن ترتاحي قليلا , يا أبنتي الصغيرة, فلن يتأخر الطبيب عن المجيء".

لم تستطع فلورا الكلام , كانت تتنفس في عمق وتغمض عينيها , خرجت المرأة المسنة من الغرفة على رؤوس أصابعها وأغلقت الباب وراءها من دون أحداث ضجة.
أستيقظت فلورا بعد ساعات طويلة , وشعرت بأن الألم زايلها, وبحذر, رفعت رأسها , ثم تركته يسقط في الوسادة من جديد , وأبتسمت بأرتياح , وللحظة , تساءلت ما أذا كانت حالتها ستمنعها من حضور حفلة العشاء , بالنسبة أليها , لن تستفيد من ذلك شيئا , لكن بالنسبة ألى الكونتيسة , فستكون حزينة كثيرا لأضاعة كل هذه الأستعدادات التي أستمرت أسابيع سدى.
تحركت في سريرها , وفوجئت عندما سمعت صوتا سألها في عتمة الغرفة:
" هل أستيقظت؟".
نظرت حولها نحو مصدر الصوت, وشاهدت ألان واقفا قرب النافذة.
أجابت بصوت ضعيف وكأنها تلميذة في أنتظار التأنيب :
" نعم, شكرا".
تكلم بصوت خفيض , وراح قلب فلورا ينبض بسرعة جنونية , وعندما أقترب ألان نحوها , شبكت يديها وحاولت جاهدة السيطرة على أرتعاش جسمها , جلس على طرف السرير قريبا منها , وقال:
" قيل لي أنك لم تكوني في حالة جيدة في الأسابيع الماضية , كان يجب أعلامي يالأمر قبل الآن".
وقطب حاجبيه وأضاف:
" واليوم بعد الظهر , طلبت من الطبيب أن يجري لك فحوصات شاملة".
تلعثمت فلورا وقالت:
" هل جاء الطبب ؟".
هز رأسه:
" أنا الذي جئت به الى هنا , عندما أتصلت بي أمي هاتفيا لتعلمني أنك مريضة , وعندما وصلنا الى هنا, كنت نائمة , لكنه تمكن من أجراء الفحوصات اللازمة من دون أيقاظك , قرر أنك في حاجة الى نظام غذائي خفيف , ولمدة أسبوع عليك ألا تعرضي نفسك ألى أشعة الشمس وخاصة عند الظهيرة , أي في الساعات الأكثر حرارة , يمكنك النهوض من سريرك ساعة تشائين . لكن عليك ألا تقومي بأي جهد متعب".
أرتسمت على شفتيه أبتسامة لم تكن تنتظرها , وقال وهو يرفع حاجبيه :
" الكلاب المصابة بمرض الكلب , والأنكليز , هم الذين يخرجون في هذا الحر من دون قبعات على رؤوسهم , حتى القطافين المعتادين على هذا الحر لا يعرضون أجسامهم الى شمس الظهيرة أطلاقا , أما أنت فقد فعلت العكس كيف ستدافعين عن جنونك وكبرئاؤك وأستقلاليتك البريطانية؟ هل تعديني بأن تكوني أكثر حذرا وتعقلا في المستقبل؟".
كان جواب فلورا بالنسبة أليه ذا أهمية كبيرة, ويبدو أنه قرر البقاء مكانه حتى يتأكد من أنها ستفعل ما طلبه منها.
" نعم, أنني أعدك".
وللحظة غاصت الغرفة في صمت عميق ولم يقم ألان بأية مبادرة ليكسره , وكانت فلورا تعي أكثر فأكثر هذا الجسد النحيف والقوي , القريب جدا منها , تركت يديها ترتاحان على غطاء السرير الحريري , وحركة أصابعها المتوترة جعلت يداها تلتصقان بيدي ألان, ورأدت أبعادها , لكن أحست بقبضة ألان تشد عليهما , فأرتعبت من الذهول الذي أجتاحها , أنها المرة الأولى التي يتم فيها تقارب حقيقي بينهما , منذ ليلة عرسهما , عندما أثار الغضب والأحتقار الشغف عند ألان الذي فقد كل مراقبة على تصرفاته , لكن هذه المرة لم يلعب الغضب أي دور , وفي هذه اللحظة القصيرة , شعرت فلورا أن في داخل ألان عاطفة عميقة , عاطفة يعمل على أخفائها بتصرفاته وحبه للسيطرة.
أتصال أصابعهما ألهب جميع أنحاء جسمها , وأسرع نبضات قلبها ألى درجة أنها شعرت بالدم ينبض في أذنيها , حاولت مرة أخرى سحب يدها, لكنه شد على قبضتها مرة أخرى.
قالت في نبرة توسلية:
" أني ... أني أشعر بتحسن كبير , ويمكنني النهوض حالا , ربما حان وقت الأساعداد للعشاء".
أجابها بهدوء:
" لا داعي للعجلة , مضى زمن طويل لم نتبادل فيه الحديث , لماذا لا نستفيد من هذه الفرصة المناسبة الآن؟".
قطبت وجهها وهي تتذكر ما دار في المحادثة الأخيرة معه , وحاولت الأسترخاء , لكن , عندما راحت يد ألان تداعب خدها , شعرت وكأن كل حواسها أستنفرت وصارت في حالة تأهب مفاجئة.
همس ألان:
" جلدتك بنعومة المخمل , هل تحمرين خجلا ؟ أن خدك يلتهب تحت أصابعي".
كان يلامسها بحنان غريب حتى أنها لم تعد لديها قدرة على الأبتعاد عنه , كانت مداعبته ناعمة, ليس فقط على خدها الحار, لكن أيضا في قلبها المضطرب , وللمرة الأولى منذ أسابيع , بدأت تشعر بسلام داخلي.
همست فلورا:
" يمكنك أن تظهر تفهما , عندما تريد ذلك, يا ألان".
فوجىء , أذ جمدت أصابعه للحظة قبل أن تلمس كتفها وقال:
" أحترسي يا فلورا, لست مراهقا يمكن أزعاجه قبل أن نقول له أن يخرج للعب".
كلماته تؤكد اللامبالاة التي ما زالت مستمرة فيه , وقلب فلورا ينبض بألم, ملاحظة بسيطة تكفي لتحطيم توازنه العابر وأدخاله من جديد في قوقعته , وببطء , همست والدموع تبلل عينيها:
" أنني زوجتك , يا ألان".
شد ألان على كتفها بأصابعه في عنف قوي وفضّلت أحتمال الألم من أن تفسد هذه اللحظة المذهلة.
أفلت أسمها من بين شفتي ألان بالرغم منه , كان على وشك أن يشدها نحوه عندما سمع طرقة على الباب , وصوت الكونتيسة يمزق نسيج أنفعالاتها الدقيق.
" يا أبنتي العزيزة, كيف تشعرين الآن؟".
راحت عيناها اللامعتان تتنقلان من وجه فلورا الى وجه ألان , كان قد نهض لدى دخول والدته ووقف على بعد خطوات قليلة من السرير , لم تكن ملامحه سوى قناع لا يتحرك , كانت الكونتيسة تخطط بأستمرار لأنجاح خطتها , وبنظرة معبرة موجهة الى فلورا قالت:
" هل يمكن للويس أن يدخل , أنه قلق منذ أخبرته عن مرضك وهو يلوم نفسه لأنه لم يعتن بك كما يجب, ولن يرتاح ألا أذا تأكد بنفسه أنك تحسنت!".
تجهم وجه ألان لدى سماعه اسم لويس على لسان أمه, وبأسى أسقطت فلورا رأسها على الوسادة , وبرغم نواياها الجيدة , فأن تدخل الكونتيسة دمّر خيط التفاهم الدقيق , بذلت جهدا للتغلب على محنتها وأجابت:
" لا مانع لدي , أرجوك دعيه يدخل".
وأغمضت عينيها حتى لا ترى ألان وهو يخرج من الغرفة في خطى واسعة.
هدأت فلورا ظاهريا وراحت تستعد للسهرة , أن خزانتها الواسعة لم تعد فارغة كما كانت, منذ أيام قليلة وصلت الملابس التي وعد بها ألان , وأمامها الآن أختيار واسع من الفساتين لمختلف المناسبات , لكن أمتلاكها لهذه الثياب كما بالنسبة الى المجوهرات , لم يكن يدخل الفرح الى قلبها.
وقفت أمام الملابس العديدة وراحت تتساءل أي فستان تختار , وأخيرا تناولت فستانا مصنوعا من النسيج الحريري الثقيل , لونه يشبه لون الزهرة التي تكاد تتفتح , وضعته على السرير , لترتديه بعد تزيين وجهها , أقتربت من المرآة وراحت تسرح شعرها اللماع , ثم لفته في مؤخرة رأسها بشكل كعكة , ليصبح شعرها بعد ذلك وكأنه تاج ملكي على رأسها , سوّدت رموش عينيها , ووضعت على شفتيها حمرة باهتة.
وصل الى مسامعها صوت التفتة الرنان وهي ترفع الفستان , أرتدته وأقفلت السحابة , مع كل خطوة تخطوها كان حفيف الفستان يزداد , مما جعلها تتخيل أن ثمة شبحا غاضبا يائسا يلحق بها بأستمرار , عندما كانت ما تزال في أنكلترا , قال لها ألان أنه يحبها أن ترتدي الثياب المصنوعة من قماش التفتة , وهكذا يمكنه على الأقل أن يسمعها عندما تتحرك , وليش غريبا أنه أختار معظم ثياب السهرة من نفس نوع القماش.
نظرت فلورا في المرآة ودهشت لأناقتها , عضت على شفتيها وقطبت حاجبيها , ما زال الأرتجاف حول فمها , عليها أن تخفيه , الكآبة السوداء في أعماق عينيها ستثير أستغراب الناس الذين ينتظرون التعرف الى عروس متألقة مبتهجة.
سمعت طرقا على الباب , وتقلصت من دون وعي , كانت ردة فعلها أن أزاحت من درب ألان حذاء ربما تعثر به, أقترب ألان , ثم توقف وأحنى رأسه جانبا , فهمت أنه سمع حفيف ثوبها.
قال وهو يلتفت يمينا ويسارا:
" فلورا؟".
أنتظر ردها لتؤكد له مكان وجودها , فقالت:
" أنا هنا".
كانت تتأمله برصانة , وتتعجب من ضبط نفسه الذي يساعده على السيطرة على الغضب الذي ما زال كامنا في أعماقه , وبعد تردد قصير , قدم لها ما كان يمسك في يده وأمرها:
" آمل منك أن تضعي هذا العطر , في المساء , أنه أختراعي الأخير , هو الذي جعلني منهمكا منذ وصولي , آمل أن يعجبك ".
فوجئت فلورا وتناولت الزجاجة الصغيرة التي تضم العطر الذي كانت سولانج تحلم به , لماذا يقدمه الآن لها هي؟ ووجدت جوابا على سؤالها عندما أضاف يقول في لهجة باردة:
" أن معظم المدعوين الليلة هم أصدقاء وفي نفس الوقت منافسون , ولا شك أن الجميع سمعوا بالعطر الجديد , وفكرت أنها المناسبة الوحيدة لأقدم لهم أختراعي الجديد وزوجتي التي هي الكونتيسة الجديدة".
أجابت فلورا:
" أني أفهم تماما".
وبطريقة آلية أبعدت عنها الأمل المؤقت الذي أخذ يراودها , لا , لم يخترها عمدا ليقدم أختراعه الجديد , على الكونت تريفيل أن يحافظ على مركزه , وأن يحترم الشرف العائلي , وبعد أن تنتهي المجاملات واللياقة , يعود العطر الى صاحبته الشرعية أي ألى سولانج!
أنتفضت بعنف عندما أقترب منها وقال:
" سأضع العطر بنفسي ".
كان صوته باردا كأن الحنان الذي عبّر عنه منذ ساعة تقريبا كان حلما وليس حقيقة , كانت ترغب في الرفض , لكنه أخذ منها الزجاجة وفتحها وأخذ يضع من العطر على معصميها ويقول:
" من هنا يجب البدء بوضع العطر , ثم في تجويف الكوع...".
كانت تشعر كأن أصابعه تحرق جلدها.
" وبعد ذلك, العنق...".
نبض شريان نقها بسرعة جنونية , بتأثير الأتصال وقامت بجهد يائس لتتوقف عن الأرتجاف .
أضاف يقول بصوت أقل وطأة :
" لمسة هنا , ولمسة أخرى على الشفة العليا , وننتهي".
تركها ورجع خطوة ألى الوراء , هادىء الأعصاب , كانت فلورا تشعر وكأنها تحلق فوق سحابة من العطر الساحر.
سألها بتهذيب كما لو أن جوابها ليس له أهمية كبيرة:
" هل يعجبك؟".
" نعم , كثيرا".
أستدارت حول نفسها فأمتدت التموجات العطرة حولها .
" أشعر وكأنني في قريتي من جديد, في الحديقة , بعد المطر, عندما يكون الهواء منعشا وكل شيء ذا رائحة طيبة , نعم , أنه هذا حقا".
ومن دون الأنتباه الى نشوتها قال:
" لا تضعي أبدا عطرا خلف الأذن أو على الرقبة , فالرائحة سوف تختفي وراءك , لكن وعندما يستعمل العطر كما يجب , يمكن أن يحدث معجزات , ليس هناك طريقة للتعبير أكثر براءة أو دقة من تعبير العطر , يمكنه أن يعبر عن روح المرأة وعن طبيعتها , أنه ملجأ لكل أمرأة تتمنى أن تبدو أكثر جاذبية وأكثر أنوثة".

كانت تر شقه بنظراتها من غير أن تفهم , أذا كان العطر شخصيا الى هذا الحد بنظره , كيف يقبل أن تضعه أمرأة غير التي صممه خصيصا لها , وخاصة أذا كانت تختلف عنها أختلافا كبيرا ؟ شعرت للحظة أنها لا يمكن أحتمال هذا , أن أنفعالاتها المعقدة وضعف جسدها, ينذرانها بأنهيار عصبي بالغ الأهمية , لو كان أمامها الوقت الكافي , لتوجهت مسرعة الى الحمام وغسلت كل جسمها من العطر الذي صنع خصيصا لغيرها , شعرت بالأحساس نفسه الذي تشعر به لو أنها أضطرت الى أرتداء ثياب أمرأة أخرى, ونفرت لهذه الفكرة, صوتها عبّر بوضوح عن هذا الأشمئزاز عندما أجابت:
" من يسمعك الآن , يعتقد أنك تتكلم عن أكسير المحبة المخصص لأيقاع الرجل في المصيدة , وما تقوله يدل على وجود علاقة أساسية بين العطر والشخصية, وأذا كان ما تقوله صحيحا , يا ألان , عليك أن تعمّق معلوماتك النفسية , بالنسبة الى فنك فلست مستعدة أن أحمل عطرا هدفه أيقاظ بعض الأنفعالات لدى الرجال , وسأكون شاكرة لك أذا أعطيت ما تبقى من هذا العطر للمرأة التي صنعته من أجلها , أما بالنسبة ألي, فلن أستعمله ابدا".
قطّب حاجبيه السوداوين ورفع ذقنه بأعتزاز وأجابها في كبرياء:
"كما تريدين! كوني حاضرة خلال خمس دقائق لأستقبال الزوار".
عندما غادر ألان الغرفة , طلت فلورا للحظة مترددة , ساعدها حزنها العميق في التغلب على ترددها , ترك ألان الزجاجة العطر على الطاولة بجوارها , فحملتها بسرعة وخرجت الى الممشى , كانت غرفة سولانج قريبة من غرفتها , ولما وصلت أمام الباب , دخلت من دون أن تطرقه , قبل أن تخونها شجاعتها , كانت قد قررت أعادة العطر الى صاحبته , صحيح أنه يتوجب عليها أن تمثل دورا في هذه المسرحية الهزلية التي فرضت عليها , لكن يجب أقناع سولانج , أن هذه المسرحية ستنتهي هذه الليلة .
كانت الغرفة فارغة , لا شك أن سولانج غادرتها لتوها, أغراضها مشتتة في كل مكان من الغرفة, ولم يتح للخادم الوقت لترتيبها , وفي أشمئزاز وقرف , راحت فلورا توسع خطاها فوق الملابس الملقاة أرضا , حتى وصلت الى منضدة الزينة حيث محارم الورق وسدائد القطن , ودبابيس الشعر , تفضح الأهمال الكبير لسولانج , وبنشاط أزاحت الأغراض ووضعت الزجاجة, وبعدها خرجت بسرعة من الغرفة ونزلت تلحق بألان والكونتيسة.
بدأ وصول المدعوين في الوقت الذي وصلت فلورا قرب ألان, وخلال الساعة التالية كانت فلورا منهمكة في حفظ أسماء ووجوه الناس الذين يمرون أمامها, النساء الأنيقات , والرجال المتميزون , الجميع يعبرون عن فضول طبيعي وعن لطف عفوي أمام خجل فلورا, لرجال خاصة لم يتوانوا عن أظهار أعجابهم بها, وشيئا فشيئا , غابت عن ملامح ألان البرودة واللامبالاة , وعندما جلس الجميع الى مائدة الطعام , كان تصرف ألان حيال زوجته طبيعيا الى درجة كبيرة, هي تعرف جيدا , أن أهتمامه بها ليس الا لخداع أصحابه , وبرغم ذلك, كانت فلورا شديدة السعادة, أذ شعّت البهجة في وجهها وبرقت عيناها وأرتسمت على شفتيها أبتسامة ناعمة.
ولخيبة أمل سولانج كانت تجلس بعيدة جدا عن ألان بحيث أصبح صعبا عليها التحدث اليه , لكنها كانت تكتفي بألقاء نظرات كره نحو فلورا, أما لويس فكان يجلس مواجها لفلورا , لكن, بعد العشاء, عندما بدأ المدعوون يتنقلون ويجلسون جماعات جماعات في غرفة الأستقبال , تمكنت فلورا من الأسراع نحو ألان.
كان يثرثر مع بعض رجال الأعمال الذين راحوا يمدحون العطر الجديد, فلورا تتسلى بمراقبة هؤلاء الأشخاص الفضوليين , وكانت تغرق في الضحك عندما أخذ السيد دوفيرو , وهو أحد المنافسين لزوجها , يد فلورا وراح يشم العطر.
" آه".
راح يفكر مليا ثم قال:
" أنها علامة غالية ومنعشة وناعمة".
وفي تحد, أضاف:
" تفاح البرغموت , زهر البرتقال, حامض , فيرفين , ليمون أفندي!".
" ماذا أيضا؟".
وأمام هذا اللغز المحير , بدا السيد دوفيرو وكأنه معرض لنوبة قلبية, وراح السيد دي أسارت , وهو مدعو آخر يشرح لفلورا التي كانت مستغربة:
" السيد دوفيرو يتباهى بأنه ذو بصيرة يا كونتيسة, يرفض الأعتراف بعجزه أمام تقدير المحتويات التي أستعملها زوجك لعطره الجديد , أن على الأختصاصي أن يكون قادرا على تحديد كل الفوارق الدقيقة لخلاصة الزهر , ومعرفة ما أذا كانت طبيعية أو أصطناعية , لكن الخليط الذي يمزجه ألان لا يمكن تحقيقه لأنه بالغ النفقات".
وفرحت فلورا لمعرفتها أن ألان ما زال يحافظ على مهارته التي أعطته شهرة واسعة , كانت على وشك تقديم الشكر الى السيد دي أسارت عندما تدخل صوت سولانج في الحديث:
" هل وجدت أسما لهذا العطر , يا ألان؟".
كان السؤال تحديا , لكن ألان لم ينزعج أبدا, فأجابها:
" نعم, سأدعوه : زهرة الحب".
وفي غمرة التهاني , كانت فلورا وحدها التي لاحظت الغيظ الذي أرتسم على وجه سولانج , هي أيضا فوجئت مما قاله زوجها ولم تستطع منع نفسها من التحديق بالفتاة كي تفهمها أن ألان ليس في نيته أن يجرح شعورها , أن العطر ملك سولانج فقد أخترعه لها , وليس الأسم الذي أختاره ألان سوى لخداع أصدقائه, كانت فلورا متأكدة من هذا لدرجة أنها أنتفضت عندما سمعت دي أسارت يقول من جديد:
"آه, زهرة الحب! أسم يليق بصاحبته يا صديقي , أن أختراعك الأخير يرمز تماما الى جمال زوجتك وشخصيتها , ويستحق أن يدعى بأسمها!".
أنتفض قلب فلورا من هذا الكلام, وسمعت السيد دوفيرو يعترف قائلا:
" نعم, هذا صحيح , لم تفقد شيئا من موهبتك يا ألان".
ثم أنحنى أمام فلورا وأضاف:
" لا يمكن لأحد الشك في أن الكونتيسة زوجتك هي التي أوحت لك به... زهرة الحب! أن هذا المزيج الدقيق يعبر تماما عن شخصيتها".
كان عليها أن تسأل مهما كلفها الأمر, فقالت في صوت مبحوح:
" أنني أشكركم جميعا على مديحكم هذا , لكن هل العطر الجديد لا يصلح أيضا لبقية النساء , لسولانج مثلا؟".
واجهها المدعوون بأحتجاجات جماعية مما جعل فلورا تتراجع عن موقفها , لا شك أنها أساءت فهم نيات ألان, وتطوع دي أسارت لأن يقدم لها البرهان وراح يشرح لفلورا التي كانت تسمعه وهي في أضطراب متصاعد:
" أنت على حق يا كونتيسة, أن بعض النساء اللواتي يتمتعن بجمالك وشخيتك , يمكنهن أستعمال هذا العطر؟ لكن سولانج لا يمكن أبدا, أن نوع جمالها يتطلب عطرا شرقيا , مثلا مزيج من الياسمين والبتولي التي تستعمله الليلة".
لم تجرؤ فلورا على التطلع بألان, أنها مقتنعة تماما أن ملامحه تعبر عن شعور سيء , لا شك أنها جرحت شعوره برفضها العطر! حتى ولو أن ذلك يعني بالنسبة اليه دفعة من الدين الذي يعتبره واجبا عليه أتجاهها, فهو يستحق أن يرى أستقبالا أكثر لياقة لكرمه هذا, وهي أعطت عطره ألى أمرأة أخرى! شعرت بالندم وراحت تبحث عن طريقة لتكفر عن خطأها هذا, وبلحظة البرق , أستعادت الى ذاكرتها غرفة سولانج لا شك أن العطر لا زال مكانه! وللحال ألتفتت نحو سولانج , التي كانت تهز كتفيها في أستخفاف وتحول نظرها عن هؤلاء الرجال الذين لا يقدمون لها الأهتمام بالقدر المطلوب.
أعتذرت فلورا وأبتعدت عن هذه المجموعة الصغيرة ولم ينتبه أحد لغيابها , بسبب أنصرافهم الى الأحاديث المتبادلة , توجهت نحو الباب وهي تبتسم وتهز رأسها لمن يحييها , لكنها لم تدع أحدا يؤخرها أو يلهيها , كانت يدها على مسكة الباب عندما سمعت صوت لويس يقول وهو يضحك:
" ألى أين أنت ذاهبة في هذه العجلة؟".
تلعثمت وأحمرت وجنتاها:
" نسيت شيئا في غرفتي .... منديلي , وكنت ذاهبة لأحضاره".
قال من دون أن يبعد عينيه عنها:
" سأرسل أحدى الخادمات لأحضاره".
أجابت في توتر:
" لا تتصرف كالأحمق . أنت تعرف جيدا , يا لويس, أنني لم أتعود اللجوء الى الخدم , لأقل شيء , لا مجال لأن أكلف أحدا بشيء يمكنني القيام به".
قطب جبينه وأنحنى لينظر اليها وجها لوجه, وقال ملاحظا:
" لست أنت نفسك , هذا المساء, لاحظت ذلك خلال العشاء من دون معرفة السبب , في البداية أعتقدت أن السبب هو فستانك , لكن على ما يبدو , أن سبب تغيرك ليس ماديا , لاحظت أرتجاف شفتيك , يداك كانتا ترتجفان كلما رفعت كأسك , ومرة أو أكثر , عندما كلمتك كنت تنتفضين كأنني أقتلعتك من حلم, ماذا يجري يا فلورا؟ ما هذا التوتر الذي يجعلك تنظرين الى العالم بعينين مليئتين حنانا وأسرارا مؤلمة".
راحت تتساءل ما أذا كان رأي الناس الموجودين يتطابق مع رأي لويس , لكنها أطمأنت لأنها تعرف أن لويس بشكل خاص رجل ثاقب النظر , مثل ألان وحتى أكثر , لأنه يرى , قامت بجهد لضبط هلعها وأطلقت ضحكة خفيفة وقالت:
" أنك تتمتع بمخيلة واسعة , يا لويس! لماذا لا تهتم أكثر بالمدعوات الشابات وتمارس خيالك عليهن , أني متأكدة من أنهن سيسعدن بالتحدث معك".
ومن دون أن تنتظر جوابا, كانت قد فتحت الباب وتسلقت السلم بسرعة وتوجهت نحو غرفة سولانج.
الغرفة لا زالت كما هي, وعلى رؤوس أصابعها مشت فلورا نحو منضدة الزينة وأقفلت يدها على زجاجة العطر , حين سمع صوتا يرتفع في الغرفة الصامتة :
" هل يمكنك أن تشرحي لي ماذا تفعلين هنا؟".
ألتفتت فلورا الى الوراء لتصبح وجها لوجه , مع سولانج , التي كانت تحدق فيها في غيظ بأنتظار جواب فلورا التي قالت:
" أرجو أن تعذيني لكن, نسيت شيئا يخصني وجئت لآخذه".
" شيء يخصك؟ هنا في غرفتي؟".
أقتربت سولانج من منضدة الزينة وشحب وجهها وهي تنظر الى زجاجة العطر , فسألتها بلهجة حاسمة:
" من جاء بهذه الزجاجة الى هنا؟".
فهمت فلورا أنه لا فائدة من المواربة فأعترفت تقول:
" جئت بها قبل العشاء , لقد أخطأت عندما أعتقدت أن ألان صمم هذا العطر لك , كنت أعرف أنه يتحتم علي وضع شيء منه الليلة , بسبب أصدقائه, لكنني كنت مصرة أن تحصلي على الباقي".
تنفست عميقا وأغمضت عينيها لفترة ثم أضافت:
" لكنني ما سمعته منذ قليل , أفهمني أنني أرتكبت غلطة كبيرة , أن العطر صنع من أجلي , ولذا جئت أستعيده".
زفرت سولانج بقوة, وظهر الغضب على وجهها الجميل وقالت:
" من الصعب أن أسامح ألان , لقد جعلني أظن أن هذا العطر خاص بي , وأنتظر مناسبة كهذه ليقوم بحيلته الجهنمية!".
سألتها فلورا وهي تتراجع أمام لهجة صوتها العدائية:
" تريدين القول أن ألان تصرف عمدا , من أجل أن يجرح شعورك؟".
" هل هناك شيء غير ذلك, فهمت أن لديه شيئا سريا عندما أراد التخلي عن خدماتي والأستعانة بالآخرين , لكنني لم أكن أصدق أنه يريد خداعي هكذا ! خلال الأسابيع الماضية , كدت أموت من الضجر في المعمل, وكيف كان جزائي ؟ أهانة من كونت لا يرحم , ولا تستكين أهانته ألا بعد أن يفرغ كل ما في جعبته من شتائم".
أستشفت فلورا بريق أمل , فسألت في صوت متردد:
" هل تريدين القول أنك , خلال الأسابيع التي أمضيتها في المعمل لم تكوني معه الا نادرا؟".
أرتسمت على شفتي سولانج علامات الأشمئزاز وقالت:
" بالطبع , يا عزيزتي , أنها جزء من العقاب , أراد الأنتقام من أخطاء خيالية! لكن لا تظني أن كل شيء أنتهى بيننا , لا تتوهمي , أنظري الى الحقيقة بلا خوف! لماذا يعتبر هذا الأنتقام ضروريا ؟ رجل لا يشعر أتجاه المرأة الا باللامبالاة هل يقوم بكل هذا المجهود ليعذبها؟".
أبتسمت سولانج وتأكدت من أنها توصلت الى تحقيق هدفها وأضافت:
" ألان وأنا , متفاهمان كما يجب, أن علاقتنا من نوع الحقد العاطفي , هذا شيء يختلف تمام الأختلاف عن الأنفعال التافه الذي تسمونه أنتم الأنكليز , الحب, وأذكر أنه سيعود اليّ عندما أريد ذلك , ومهما فعلت الكونتيسة الأم لتذكره بواجباته أتجاهك , فأن العلاقة التي تربطنا هي أقوى بكثير من روابط الزواج , وهو يعرف ذلك والكونتيسة أيضا, والآن جاء دورك لتعرفي".
هزت فلورا رأسها , الأقناع بكلمات سولانج بهرها , وخدّرها العذاب الى درجة لم تعد تطيق الأستمرار في سماع كلماتها , كيف يمكنها دحض هذه التصريحات وهي تعرف مسبقا أنها حقيقة؟ أن طبيعة ألان المعقدة تجعله يشعر باللذة , وهو يعذب حتى أقرب المقربين أليه , تجربتها في أنكلترا أكبر دليل على ذلك, لأسابيع كانت هي وحدها تحمل نتائج مزاجه المتقلب , ألم ترك منذ البداية أن هناك علاقة حميمة بين سولانج وألان أشد عمقا مما كان يبدو للوهلة الأولى؟
أنتصبت فلورا وأستعدت للخروج , كانت سولانج تراقبها وأبتسامة رشيقة ترتسم على شفتيها , ولما وصلت فلورا الى الباب سألتها سولانج في سخرية:
" وعطرك؟ أليس هذا ما جئت من أجله؟".
وأستعانت فلورا بما تبقى لها من كرامة لترد عليها في هدوء:
" أشكرك , لكنني أحب أن أقدمه أليك , وأرجوك أن تقبليه فلا أنوي أستعماله أبدا".
وبعد أنصراف فلورا , أختفت الأبتسامة من وجه سولانج, المدعوون بدأوا بالأنصراف , فقررت سولانجألا تنزل من جديد , كان نظرها على الزجاجة الصغيرة , أخذتها بيدها وتأملتها مطولا , ثم دخلت الحمام.
فلورا, هي أيضا , شاهدت أنصراف المدعووين , دون الأشتراك في مراسيم الوداع , وعرفت أنها ستجد أعذارا تقدمها لتغيبها , فأتجهت توا الى غرفتها وأقفلت الباب شاعرة بأرتياح وأنفراج , لم تعد في حاجة الى التظاهر بأن الأمور بينها وبين ألان , فالجهد اللازم لتمثيل دور الزوجة والزوج المحبين كان صعبا ومرهقا أكثر مما كانت تتصور بكثير.
راحت تستعد للنوم , لكن وقتا طويلا مر وهي في أنتظار أن يتغلب عليها النعاس وتنام , لكن من دون جدوى.
حاولت بصعوبة ألا تفكر بالمقابلة التي جرت بينها وبين سولانج , عادت كلمات سولانج تقلقها, أن طبيعتها العادلة تتمرد أمام فكرة تصديق سولانج كليا, من دون أن تطلب من ألان تأكيد هذه التصريحات , أنه أنسان صادق وشريف ولا يمكنه أقامة علاقة مع سولانج وهو ما زال زوجها , صحيح أنه قبل الزواج أفهمها بوضوح أنه لا يطلب منها الحب وليس عنده ما يعطيه , غير أنها كانت مقتنعة تماما بأنه يحترمها , وهو مصمم على ألا يجعلها تندم على قبولها أن تصبح زوجته , كانت تتعلق بيأس بهذه القناعات , حتى تجد الشجاعة , هل تضع ألان أمام الأمر الواقع : عليه أن يؤكد كلمات سولانج أو ينفيها .
سمعته يمر أمام باب غرفتها متوجها نحو غرفته , كانت تفضل الذهاب اليه في الحال , لكن الوقت كان متأخرا والأسئلة التي تريد طرحها عليه يتقبلها أكثر في صباح الغد , حيث يمكنها , كما تأمل , أن تكون قادرة على التحكم في نفسها.
وفي هذه اللحظة بالذات سمعت طرقة خفيفة على الباب الذي يصل غرفتها بغرفة الحمام المشتركة بينها وبين ألان , أنتفضت , لكنها ظلت جامدة , عيناها على مصراع الباب , لم تسمع شيئا فأسترخت , لا شك أن الطرقة ليست حقيقية بل هي من صنع مخيلتها المشوشة , لكنها كانت قلقة في الوقت نفسه , نهضت من فراشها وأقتربت من الباب , وبعد تردد فتحت الباب ودخلت.
في الجهة الثانية من غرفة الحمام , شعاع نور خفيف يبدو من فتحة باب غرفة ألان , ومن فتحة الباب الضيقة , أكتشفت ما يدور داخل الغرفة : سولانج , الرائعة في مئزرها الأبيض, تقترب من ألان وتبقى لحظة بقربه من دون كلمة ثم تمد ذراعيها حول عنقه في حركة عفوية , في البداية بدا ألان وكأنه فوجىء بوجودها , كأنه لم ينتظر حدوث هذه الزيارة , لكن وجهه تغير فجأة تحت تأثير الفرح الكبير , وفهمت فلورا في هذه اللحظة بالذات أنها أمام عاشق ولهان.
وعندما وضع ألان ذراعيه حول سولانج , لم تعد فلورا قادرة على التحمل أكثر من ذلك , فتراجعت الى الوراء , لكنها سمعت صوت ألان يهمس في أنفعال قوي:
" آه يا حبيبتي لو تعرفين كم كنتمشتاقا أن آخذك بين ذراعي من جديد!
دخلت فلورا الى غرفتها في خطى مترنحة وقد أختل توازنها وألقت بنفسها على السرير , عيناها الحزينتان بقيتا تراقبان السقف فوق رأسها , كأنها تبحث عن حل للمشكلة , أصبحت فجأة مستعصية الحل.

 
 

 

عرض البوم صور مجهولة   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مارغريت روم, chateau of flowers, بين الوهم و الحقيقة, دار النحاس, دار الكتاب العربي, margaret rome, رومنسية, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير المكتوبة, زهرة الحب, عبير القديمة, قال الزهر آه
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:52 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية