كاتب الموضوع :
safsaf313
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
النظرات لا تقتل ..
كان يوم زاكاري سيئا فقد جافاه النوم معظم الليل . لكنه اعتاد ذلك . فهو غالبا ما يتجنب النوم مخافة ان تراوده الاحلام المزعجه مجددا . اذ ما انفك يسترجع حادثة الاصطدام مرارا وتكرار منذ حصولها . ويتذكر صدمته حين رأى السيارة الاخرى تنقض عليه لتصطدم بسيارته وتندلع النيران من حوله .
وتعمد استعادة ذكريات اخرى , كي يحول ذهنه , فاستلقى في سريره يفكر في الفتاه التي راها قبل الحادث , تلك الفتاه ذات الثوب الابيض في الحديقة عند الغروب , لم ينسها قط . وفي تلك الشهور الصعبة التي امضاها طريح الفراش .
كانت ذكراها تروح عنه في احلك الساعات , تمنى لو عثر عليها ولكن , منذ الحادث , اصبحت فكرة قيادة السيارة تملؤه رعبا , فاذا اراد الخروج طلب سيارة اجرة .
عندما يتغلب على مخاوفه سيخرج للبحث عنها . كان يعلم انه سيجدها يوما ما , كما كان يؤمن انها في انتظاره في مكان ما .
نهض باكرا في ذلك الصباح وحضر قهوته . شربها وهو يقف عند النافذه يتأمل شروق الشمس ويصغي الى صوت طيور النورس الحزين .
ثم قصد محترفه حيث كان البرد قارسا . اذ نسي تشغيل جهاز التدفئة المركزية . وراح ينظر الى القماشة التي ثبتها على المسند يوم عاد من المستشفى .
لم يكن عليها خط واحد لأنه لم يرسم منذ حصول الحادث . لكنه تظاهر بأنه استعاد قدرته على الرسم . وان الامور عادت الى نصابها , وان حياته عادت الى سابق عهدها .
اشاح بوجهه عن القماش العاري ثم اخذ يمزج الوانه بحركات بطيئة مدروسة .
التقط دفتر رسومه واخذ يتصفحه وكأنه يبحث عن منظر طبيعي ينقله الى القماش . كان بعض الرسوم قديما , وبعضها منته مليء بالتفاصيل , كرسمة عاصفة فوق البحر , وطيور النورس فوق حقل محروث والاشجار الجرداء والشمس تشرق من خلفها .
فيما كان البعض الاخر مجرد خطوط رسم بسرعه ومن ثم تركت.ولم ير ما يثير رغبته في الرسم .
التقط الفرشاة بغضب وقنوط وانكب على القماش ثائرا يغمسه باللون الاحمر حتى لم يعد يرى فيه بياضا.
ألقى بفرشاته لاهثا وسار الى النافذه بخطوات غير ثابته ثم فتحها ليتنشق هواء شهر كانون الاول البارد متأملا انفاسه التي استاحالت امامه ضبابا .
رأى عصفورا جاثما على غصن يراقبه فأخذ زاكاري يراقبه ايضا . اعتاد في ما مضى ان يأخذ دفتر ليرسم هذا المشهد , اما اليوم فاكتفى بالتحديق فيه , ثم اشاح بنظره عنه .
توجه الى المطبخ حيث حضركوبا اخر من القهوة فيما كان يرتشفه , رن جرس الهاتف فأجاب مكرها , بعد ان ساورته رغبته في تجاهله .
- نعم ؟
- هل ستحضر في الاسبوع القادم ام لا ؟
عرف هذا الصوت المتعجرف, صوت اخته فلورا . تعيش اخته الكبرى في فرنسا مع زوجها ايقز , وهو رجل صبور للغاية , حلو الحديث بحسب رأي زاكاري , والا لما احتمل الحياة مع فلورا المتسلطه منذ 10 سنوات .
واسرع زاكاري يقول:
- قلت لك ...
لكن فلورا لم تدعه ينهي حديثه كالعاده اذ اعتبرت ان فرق السن بينهما يسح لها بمقاطعته واعطائه النصائح والتدخل في حياته متى شاءت .
- لا يمكنك البقاء وحيدا ايام العيد ! فالبرد قارس في الكوخ . ولا اظنك تملك ما يكفي من الطعام في ذلك المكان . فالمتاجر تقفل ايام العطلات . ويفترض ان تمضي العيد مع اسرتك . فما معنى العيد من دون الاولاد ؟
فأجاب بكسل :
- هادئ مسالم .
- سأقطع لك تذكرة سفر الى مارسيليا. يمكنك ان تأخذها من مطار هيثرو في لندن . يفضل ان تأتي في الثالص والعشرون . اذا كنت ترغب في قضاء ليلة الميلاد معنا .
- لكنني لا ارغب في ذلك . لن اسافر يا فلورا . فلا تضعي نقودك على تذكرة سفر لن استعملها .
- والآن , اصغ اليّ , يا زاكا...
- لا يافلورا , لن اسافر .
اسكتهاصوته الغاضب لحظة فأكمل بصوت الطف :
- اسمعي اشكرك على دعوتك هذه , لكن مزاجي لا يسمح لي بأن ألعب دور الخال اللطيف اما سام وكلود ... سأفسد عليكم عيدكم وهذا ما لا اريده .عيدا سعيدا اذن , وبلغي تمنياتي الطيبه لزوجك واسرته وللطفلين وسأراكم ... .
قاطعته بسرعه قبل ان يقفل السماعه :
- ستمكث دانا مع ابويها , اخبرتها انك ستحضر . انها تتحق شوقا لرؤيتك من جديد , رغم قسوتك عندما حاولت ان تراك في الستشفى . انها فتاة طيبه. قالت انها تفهم السبب الذي جعلك لا تحتمل ان تراك حينذاك وهي مستعده لمنحك فرصة اخرى . لذا سأبدو غبية ان لم تحضر .
- فلورا , كفي عن التدخل في حياتي . هل لك ان تدعيني وشأني ؟
واقفل السماعه بعنف , ثم حمل فنجانه وسار الى محترفه ليطيل النظر مقطبا الى الصباغ الاحمر الذي لطخ به القماش . لقد عبر هذا اللون عن مزاجه افضل تعبير.
ها هي فلورا تحاول الجمع بينه وبين دانا مجددا . وتمنى لو تتوقف اخته عن التدخل في حياته . لكنها دأبت على هذا منذ مدة طويلة انها لم تفكر يوما في ما يريده هو . فهي تظن انها تعرف مصلحته , ولم تفهم بعد سبب قطع علاقته بدانا .
كانت شقراء خلابه مغنية ناجحه تكسب الكثير من المال . فأعجب الامر فلورا صاحبة التفكير العملي والتي ما فتأت تسأله :
لما قطعت علاقتك بها ؟
لكن زاكاري لم يجب قط فهو لا يطلع اخته على اموره .
اما الحقيقه فهي ان شجارا عنيفا نشب بينه وبين دانا حين علم بعلاقاتها مع رجل اخر . فقطع علاقته بها نهائيا . ورفض رؤيتها مجددا .
لكن فلورا صممت على التدخل وبعد ان اجريت له اولى عملياته التجميليلة اتصلت دانا فزارته هذه الاخيرة في المستشفى .
حاولت ان تحافظ على رباطة جأشها عندما رأته للمرة الاولى , لكن زاكاري لاحظ الصدمه والرعب في عينيها حتى وهي تحاول الابتسام .
منتديات ليلاس
قالت له بصوت شجي :
- كيف حالك ياعزيزي المسكين . لقد جئت من قبل لكن فلورا قالت انك لا تستطيع رؤية احد بعد . حالما اتصلت بي لتقول ان بأمكاني الحضور , اسرعت لرؤيتك .
|