كاتب الموضوع :
safsaf313
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
- أعرف.تصرفت بحماقة.
- كلا يا أبي،كنت قد وقعت في شباك الحب، ونويل رائعة الجمال.
فنظر إليها نظرة رضا:
- نعم، إنها كذلك.كما أنها ذكية.لديها أفكار لامعة بناءة في العمل...قالت إننا نتجه نحو الهاوية، وعلينا أن نغامر و إلا فقدنا كل شيء.و أظنها كانت على حق...لأني لم أعر العمل اهتماما منذ وفاة أمك.كان المصنع في حالى يرثى لها، كما لم نواكب تطورات العصر.ومنذ استلمت نويل الشركة، تغير الوضع.
- ولكن إن كان عليك أن تدفع لزاكاري ويست تعويضا ضخما فستثقل الديون كاهلك لسنوات عدة!
- بصراحة،لن أستطيع الدفع بوجود رهنين...إذ لا يمكنني استردادهما معا.و في سني هذا، لن أحصل إلا على قرض صغير المد، لمدة عشر سنوات، وبفائدة عالية.
اضطربت و هي تفكر بالفائدة المترتبة على مبلغ كهذا،
-ما قيمة المبلغ المتبقي من الدين؟
- لا زلنا في أول الطريق.و إن كان علي دفع مبلغ ضخم لزاكاري ويست، فسأخسر البيت...و ربما أعمالي.هذا وقف على قرار المحكمة و تقديرها للضرر الناتج عن الحادث، والمدة التي ستمنحني إياها لدفع المبلغ المطلوب.
حدقت لويزا فيه، والخوف باد على ملامحها:
- هل الأمر بهذا السوء؟ ولكن..شركتنا عريقة..لا بد أن المصرف سيمنحك قرضا كافيا لترتيب أمورك!
- هذا مستحيل، بعد رهنين.آه، لولا هذا الحادث،لسددت قيمة الرهنين من أرباح الشركة...كنا قد وسعنا أعمالنا..ووجهت نويل الشركة نحو مجالات جديدة جعلت الأرباح تتزايد.
ثم ألقى على لويزا نظرة متضرعة و أضاف:
- كانت على حق كما ترين!كنا بحاجة إلى حياة أفضل.لكن الحادث دمر كل ما بنيناه.
عندما رحل، جلست لويزا واجمة تحدق في الفراغ، وتسترجع الحديث الذي دار بينهما.لقد سبب ذلك الحادث دمارا يتعذر إصلاحه، والذنب ذنبها هي.
يأبى أبوها أن تعتبر الذنب ذنبها، لكنها تعلم أنها الحقيقة.لو لم تتصرف كطفلة مدللة!لو تستطيع أن تعوض عما تسببت به!ولكنها تفتقر إلى المال باستثناء مبلغ صغير وفرته من أجل إجازتها في السنة القادمة،مبلغ لن يغير الوضع.
و لم يكن زاكاري ويست كريما، أو متسامحا.و ارتجفت عندما تذكرت عينيه العدائيتين، ووجهه الذي شاهدته في تلك الصحيفة.إنه رجل صعب المراس،لكن إذا ما أدرك مدى الدمار الذي سيلحقه بحياة أبيها،هل سيقدم بعض التنازلات؟
لجأت إلى فراشها و قد تملكتها الكآبة.لكنها غطت في نوم عميق.وفي اليوم التالي، استفاقت باكرا و تناولت فطورها، ثم أخذت دليل الهاتف و بحثت عن رقم زاكاري ويست.
يمكنها أولا أن تتأكد من أن هناك زاكاري ويست واحدا فقط!وجدت عنوانه(كوخ الكابتن،طريق تيرتون.تيرتون).كانت تعرف القرية...فهي لا تبعد سوى نصف ساعة عن المدينة.لكنها رفعت سماعة الهاتف و طلبت رقم زاكاري من دون ان تمعن التفكير في الأمر.
استمر الرنين...و أوشكت لويزا أن تضع السماعة عندما سمعت صوت شخص ما يرد عليها بخشونة:
- نعم؟
فخق قلبها.إنه هو.لقد عرفن هذا الصوت العدائي.
أقفلت لويزا السماعة دون أن تجيب، بعد أن تأكدت من انه في الكوخ.
ارتدت سترة صوفية حمراء فوق كنزة بيضاء و بنطلون أسود.و خرجت إلى سيارتها التي اشترتها ذاك الصيف بدلا من قضائها الإجازة خارج البلاد.
بعد وقت قصير ،خلفت المدينة وراءها و سلكت طريقا ضيقا يحاذي البحر، وتمتد على الجهة الأخرى منه حقول لفها الضباب.
عبرت قرية "تيرتون" الهادئة في مل هذا الوقت من العام،و التي يرتادها السياح في الصيف.ووجدت كوخ زاكاري ويست بقرميده الأحمر،على بعد ميل تقريبا. كان الكوخ منفردا،تفصله عن الطريق حديقة مسيجة. و يقع على قمة تعلو خليج تتكسر عليه الأمواج.وعندما توقفت لويزا أمام البوابة تخيلت الرياح الهوجاء التي تضربه في الليالي العاصفة.ما من منازل أخرى في الجوار، إنما حقول خضراء شاسعة ،ترعى في بعض منها الأغنام. ولا يمكن للمرء أن يتصور مكانا أكثر عزلة.قد يراه معظم الناس موحشا،لكنه يتماشى مع ما تتذكره من شخصية زاكاري ويست.
عدما غادرت لويزا سيارتها، زعقت غربان كانت جاثمة فوق شجرة، وطارت مرفرة بأجنحتها و كأنها مناديل سوداء ممزقة...و كأن في طيرانها نوع من الإنذار، إذ سمعت وقع خطوات على الممر القدم المبلط و برز زاكاري ويست محدقا نحو البوابة.
كانت لويزا قد فتحتها لتوها، فجمدت في مكانها تنظر إليه.وبادرها يصوت خشن ، والعبوس يعلو وجهه:
-من أنت ؟ وماذا تريدين؟
كانت الريح قد شعتت شعره الأسود الذي بدا خشنا و طويلا فأضفى عليه طابعا متوحشا.و لاحظت أنه خضع لعمليات تجميل، لكن بعض آثار الحادث لا زال باديا على وجهه.فقد تحول لون الجروح إلى الزرقة و أحاط بياض ممتقع بالبقع المشوهة.يبدو أن عمليات تجميلية أخرى ستجرى له، إذ تعلم أن الجراح الجيد لا يكثر من العمليات بل يمنح الجسم بعض الوقت ليصبح قادرا على مواجهة عملية أخرى.
لاحظت لويزا حالته بعين الممرضة، فقد اعتادت رؤية مثل هذه الوجوه.لكنها كانت تعلم أن الشخص الذي لم يعتد رؤية هذه المناظر سترعبه.
ربما ظن زاكاري ويست أن سكوتها عكس الرعب الذي تملكها من منظره.رمقها كالذئب الكاسر وقال:
آه، ابتعدي من هنا!
و استدار مبتعدا عنها فتذكرت تلك الليلة التي زارته فيها في المستشفى و هي ترتدي ثوب السهرة.
تلك الليلة، ولسبب مجهول، تصاعدت الدموع إلى عينها حين طردها.أما اليوم، فجاءت ردة فعلها غريزية، غنما مختلفة.كان يعرف مظهره،و لهذا كره أن يراه الناس بهذا الشكل! أحست بألمه و كأنه ألمها هي،و تملكها العطف نحوه.فقالت بهدوء:
- ألا تتذكرني يا سيد ويست؟
استدار نحوها و اخذ يحدق فيها:
- وهل يفترض بي ذلك؟
كان السؤال مهينا و كذلك الطريقة التي تأملها بها ، لكنها لم تغضب أو يحمر وجهها.و اكتفت بالتحديق فيه بلطف و قد بانت الرصانة في عينيها الزرقاوين.
- أنا الممرضة جيبلي من "مستشفى وينبري".كنت ممرضتك لمدة أسبوع بعد الحادث.
ارتسمت القساوة على ملامحه، ثم هز كتفيه.و قال بصوت حازم:
- حقا؟ لا أتذكر الكثير عن تلك الفترة.
- كنت مريضا جدا.
- نعم، أتذكر ذلك.
كان صوته ساخرا متهكما، فتنهدت.لن يكون الحديث مع هذا الرجل سهلا.ما الذي جعلها تظن ذلك؟ما الذي أقنعها بأنه سيكون متسامحا و سيفهم وضع أبيها؟
عندئذ نظرت إلى عينيه، فرات كبرياءً غاضبة ترتسم فيهما مما جعلها تنسى قلقها للحظة.فقالت برقة:
لقد تحسنت كثيرا.
ضحك و قد مال لون عينيه الرماديتين إلى سواد، ورد بغضب و مرارة:
-حقاً؟
خطى نحوها خطوتين واسعتين،ووقف أمامها، تنبهت لطوله الفارع وبنيته القوية.و لفت نظرها الكتفين العريضتين و العضلات القوية الساقين الطويلتين.
لم تكن لويزا طويلة القامة فوصل رأسها إلى مستوى كتفه.شعرت أنها ترتجف أمام قوته المتوعدة.رفعت بصرها إليه و تراجعت خطوة إلى الوراء ، وقالت:
- نعم..لقد تحسنت...
فكشر عن أسنانه البيضاء بما يشبه الابتسامة:
- تجدينني وسيما أليس كذلك؟ لكن عندما رأيتني للمرة الأولى جحظت عيناك، وكنت تلهثين من الإثارة، ولم تستطيعي التلفظ بكلمة واحدة.لقد صعقك جمالي.
أمسك بذراعيها، وأصابعه تشد على لحمها، أنت لويزا من اللم:
- سيد ويست... أرجوك...
لكنه لم يتراجع، بل امسك ها بقسوة:
- لا حاجة بك للتوسل...فسأعطيك ما تريدين!
رفعت بصرها إلى أعلى و قد اتسعت عيناها ذهولا و ترقبا، فضحك بسخرية غاضبة:
- يبدو أن صبرك قد نفذ.
عما يتحدث؟ و حاولت لويزا التملص منه فاشتدت قبضته حول ذراعيها، ثم جذبها نحوه بعنف فتلامس جسداهما.صدرت عنها شهقة خافتة و أخذت ترتجف حين عاتقها بقوة و أحست أن العالم قد غاب من حولها في لحظة امتدت إلى ما لا نهاية.
لم تغمض عينيها...بل أبقتهما مفتوحتين، و أحست بانفعال غريب لقربه منها.و يا له من شعور لم تختبره من قبل!
أخذ قلبها يخفق بقوة بين ضلوعها، وتصبب العرق من جسدها، وراحت تتنفس و كأن الهواء انقطع فجأة.
لم تختبر هذا الشعور من قبل، و لم نصدق ما يحدث.عناق واحد و إذا بقلبها يصبو إليه شوق غريب عجيب.
نهايةالفصل الثالث
يتبعـ.....
|