والله لن تذهبوا... و اعتبروها ليلة اخرى خارج منزلكم... وانتم لن تخذلونني... والان هيا الى الداخل
فالساعة الواحدة ليلا... فادخلوا قبل ان نثير فضول الجيران....
فلم يجد كل من نضال ورانيا مجال للفرار من الامر الواقع ... وخصوصا بعدما شاهدوا عدة انوار اشعلت عند
بيوت الجيران...فنزل الاثنان من السيارة وتبعوا ام هاشم.... بصمت!!!
- لقد جهزت العديد من "السندويشات" كمقبلات... و طبخت "مقلوبة" ... فأرجو ان تكونوا جائعين...
قالت ام هاشم هذه الكلمات بحنان بالغ...و بحماس.... ولما رأى نضال ان رانيا لن ترد عليها ولن تجاملها...
وانها ملتزمة بصمتها... قال...
- انا جائع جدا...
ومشى بمحاذاة ام هاشم ... ومشت رانيا بالخلف مع فداء....
- شكرا لكل ما فعلتيه لأجلي...
قالت رانيا...
- لا شكر على واجب يا عزيزتي....
ووصلو الى المنزل... ثم الى غرفة الجلوس... حيث جلس نضال ورانيا... وذهبت ام هاشم وفداء لوضع
اللمسات النهائية على الغداء... او العشاء... او "الله اعلم" فالساعة الواحدة ليلا!!! اما هاشم فذهب لتبديل
ملابسه...ثم جاءت فداء لتدل كل من رانيا ونضال الى مكان الحمام... ليقوموا بغسل ايديهم ... ومن ثم للذهاب
الى المائدة...
فذهبوا الى المائدة ... وبدأوا بالاكل... ولاحظت رانيا ان نضال يأكل بشهية...ولكن ... كيف؟؟؟؟... وهو
سيتركها... وسوف لن يراها مرةاخرى... يا الهي... أكانت متوهمة عندما أحست بانه أزال عنه شكوكه فيها...
اذ انه يبدو فرحا لمغادرتها ... ولتركها... وكأنه يحصي الثواني لذلك...فانسدت نفسها عن الطعام ... وتحججت
بالتعب وبالنعس... و طلبت من فداء ان تدلها الى غرفتها... وألقت تحية المساء على الموجودين... وذهبت هي
و فداء الى الغرفة....
- شكرا يا عزيزتي... فقد أتعبتك كثيرا....
- لا تقلقي... فنحن معتادون... و نضال مثل اخي...
- اتعرفون نضال منذ زمن بعيد..؟؟؟
- نعم... فنضال كان صديق اخي سمير... رحمه الله.....
وترقرقت دمعة في مقلة فداء...واكملت..
- فقد استشهد سمير منذ سنتين... اذ كان في الحركة مع نضال.. بل كان مؤسسها معه...ولكنه
استشهد في احدى العمليات ... وحزن نضال عليه حزنا شديدا... وفي تلك الفترة كان هاشم يقدم امتحانات
الثانوية العامة .. وعاهد نفسه على ان ينتقم لسمير... ولكن نضال لم يسمح له... وجعله يتابع دراسته...
ووعده بان ينضم للحركة عند دخوله للجامعة... ولذلك هاشم يعتبر نضال... اخا وابا وصديق... انه متعلق به
بشدة....
وسكتت لهنيهة... ثم اكملت ضاحكة...
- أتعلمين... أراهن بحياتي على ان نضال يخضع الان للاستجواب من امي... اذ ان خبر زواجه قد
فاجئها... ولكنها سعيدة جدا... فنضال بمكانة سمير عندها... انا اتكلم كثيرا... اليس كذلك؟؟؟؟
- لا .. بالعكس....
- انا اعلم انك تعبة... سنتكلم بالصباح ان شاء الله.... تصبحين على خير يا حلوة...
- وانت من اهل الخير....
وخرجت فداء... واغلقت الباب خلفها... فجلست رانيا على حافة السرير... تفكر... وتحاول تصفية ذهنها....
وبدأت تستعد للنوم ... ولكنها ادركت بانها ونضال سيتشاركون هذه الغرفة... ولا مفر من عدم مشاركتها له
الغرفة اليوم كما في مقر الحركة...
فهناك...
نضال كان ينام مع الشباب.. و كان يترك لها الغرفة بأكملها... بحجة ان الكل بعيد عن منازلهم... وأولادهم ..
وزوجاتهم... فما يطبق عليهم يطبق عليه ايضا... واقتنع الشباب... ولكن اليوم... لا توجد اي حجة... فمهما
كانت قوية وخبيثة .... لن تقنع ام هاشم بالطبع...
فأخذت رانيا البطانيات الموجودة على السرير المزدوج الكبير ووضعتها على الارض... واخذت وسادة ...
ووضعتها هناك ايضا... وخلعت حذائها... واستلقت على السري........ الذي صنعته... فنضال له الحق بالمبيت
على السرير الكبير... اذ انها باليومين الماضيين قد امضت ليلتها على سرير... ... وهو ... على مرتبة حديدية...
ومرت الدقائق... خمس... عشر ... خمسة عشر.......... ودخل نضال الى الغرفة....بهدوء...
- رانيا !!!!
- نعم؟؟؟
- لماذا ... لماذا أنت على الارض!!!!
وكادت تقول... لأني أحبك....ولأني مستعدة حتى للنوم على الجمر لأجلك ... ولكنها لجمت لسانها باللحظة
الاخيرة...
- لانك لم تنم على سرير منذ يومين...
- ارجوك... أبدلي الاماكن....
- لا والله لن اقبل....
واعتدلت في جلستها...واكملت..
- فانا بالرغم من معاملتك لي ... احترمك لأجل ما تفعله من اجل الوطن... كما انني املك حس عال
بالعدالة... فاليوم.. ولأجل الظروف القاهرة ... لك السرير لتنام عليه....
فضحك... وكانت ضحكة جميلة... و من القلب...
فقد بلغ به التعب مبلغ كبير... ولذلك لم يكن مستعد للجدال.. فأجابها...
- حاضر يا
سيدتي العادلة... لك ما اردت...
وأطفأ الانوار... فغرقت الغرفة بالظلام الموشح باللون الفضي القادم من ضوء النجوم الاتي من النافذة....
- نضال....؟؟
- نعم...؟؟
- كنت اتساءل... الم يسأل عني احد بالمدرسة..؟؟؟
- لا....
- اهاااا...
تنهدت رانيا بخيبة امل... فأكمل نضال...
- يا رانيا .. لم يسأل احد لاني بعثت للمديرة برسالة تفسر انك مضطرة للغياب لأسباب مرضية...
- شكرا لك....
- لا شكر على واجب... فقد تكبدت عناء جسدي ونفسي في هذين اليومين... بسبب وطنيتك
ورحمتك... انا جد اسف يا رانيا..
يا الهي... نضال!! نضال يتأسف لها... لا .. لا تريد هذا الاسف.... فهذا الاسف يعني الوداع....
- لا داعي.. ..
قالت وهي تجاهد لحبس دموعها.. ولاخراج الكلمات من فمها بصورة طبيعية....
- تصبحين على خير.. يا رانيا...
- و انت من اهل الخير.....
وانتظرت ..... الى ان مرت عدة دقائق .....فسمعت صوت تنفسه المنتظم.... فعلمت ان الوقت قد
حان ....لاطلاقها لعنان دموعها الحبيسة........