الفصل الرابع
لم تسنح الفرصة لـ " تراسي " الأيام التالية لتفكر فى مشاعرها نحو " جرانت " .
كان البحر هادئا والصيد ممتازا . فاستغل أفراد الطاقم هذه الظروف الطيبة ليعملوا بجد وحماس .
وظنوا مبحرين على طول الجانب الشمالي لـ " استراليا " نحو الشرق واعمال الصيد مستمرة على الرغم . من حرارة الجو طوال اليوم ليلا ونهارا .منتديات ليلاس
وفى بداية الاسبوع الثانى . رأوا جزر " ويسل " فى الجنوب الشرقي , منتديات روايتى .اخيرا سينعمون ببعض الراحة بعد كل هذا التعب .
وفى الصباح وقبل التوجه الى الفراش , تماسكت " تراسي " حتى تبقى لملاحظة الصخور المتناثرة التى تمثل الإطار الأساسى لـ " جوجاري ريب " , وكانت هيئتها المهيبة تبدو وكأنها تهددهم عندما اقتربت الباخرة الصغيرة من هذه الصخور .العملاقة الضخمة التى تسيطر على الممر الضيق .
تاهت " تراسي " وسط تأملاتها حتى قفزت من مكانها عندما لحق بها " جرانت " . وهو يقول :
-قد نعتبر هؤلاء الكباتن مجرد اشخاص مصابين بالجنون لانهم يفكرون فى عبور هذا الممر ببواخرهم , أليس كذلك ؟
استدارت " تراسي " نحوه , وكان يتفحص الممر الضيق بعينيه الثاقبتين , كما لو كان يحاول تقدير مدى الخطورة واحتمالات النجاح , إن هذا الرجل يعشق المغامرة والمراهنات الصعبة وكم تشده المخاطر , فسألته :
-هل هي المرة الأولى ؟
انفجر " جرانت " ضاحكا :
-ألم تفكرى أبدا متى اكتسبت .هذه الشعيرات البيضاء ؟ هيا اطمئنى , سنتخذ طريقا اخر .
-ألم تخبرنى ان الصيادين يمرون من هنا فى كثير من الأحيان ؟
-كثير من الاحيان .إنها جملية كبيرة , نعم , انهم يمرون من هنا , وقد قلت لك من قبل إنهم مجانين !
-ومع ذلك كانت بواخرهم اكبر من باخرتنا .
-أكبر واقوى , ويجب علينا الوصول .الى المد والاستفادة من الرياح الطيبة كما يجب أن يكون لنا حظ رائع ...
كان " ديك فرنش " المسؤول عن الدفة يتخذ طريقة نحو الجزيرة الصغيرة " جو لوورو " .
-اليوم سنمر حول جزر " كاينجهام " .ثم نتجه جنوبا نحو " جوف " , إننا جميعا مرهقون بشدة . وبمجرد وصولنا إلى منطقة ذات مياه هادئة , يجب أن نستريح قليلا.
-لن يخالفك احد القول فى هذه المنطقة , لقد كان الصيد رائعا , اما الأن فلا يمكننا عمل أى شئ .
-نعم , إن الامر قاس جدا , اعترف بذلك , ولكنه كان على ما يرام اكثر مما كنت اتصور . فلقد قام جميع أفراد الطاقم بعملهم على خير وجه .
ذهلت " تراس " من هذا المديح لدرجة أعجزتها عن الرد , وكانت تشعر بالضيق من نظرات هذا الرجل التى كانت .كأنها تحتجزها فى شباك الصيد مثل الأسماك .
قال " جرانت " حتى يضع نهاية لهذا الصمت :
-لا تدهشى هكذا , ألم يوجه لك أحد مثل هذا المديح طوال حياتك ؟
-نعم , ولكننى لم اتوقع ذلك منك.
-أنا لا اعرف الفكرة التى كونتها عنى ! ولكننى أعترف بذكائك ..
ولكن نظراته إليها جعلتها تفهم أشياء اخرى .
وكان قادرا على النظر إليها بطريقة ما, ويصر دائما على الوقوف أمامها بجسده البرونزي الرائع ..
من المؤكد انه يعرف جيدا مدى تأثيره عليها .
إن " تراس " تتحرق شوقا لأن تمد يدها نحوه . وتلمس أصابع يديه الطويلة وبدلا من أن يساعدها فى ذلك , كان " جرانت " يتلذذ بهذه اللعبة وكأنه يريد أن يتذوق جمال تأثيره عليها !
-فى يوما ما , سنهتم بذلك جيدا ..
كان صوته هادئا وعميقا فى آن واحد ,على الرغم من صوت الامواج والمحرك .
وبدلا من أن تؤثر هذه الملاحظة على الفتاة , إلا انها شعرت بالغضب يعتريها , وبدا الأمر وكأنها هى وحدها التى تشعر بالرغبة فيه , وانه فى يوم ما سيساعدها على تجاوز هذه المحنة ,ابدا لم تكن " تراسى " من الفتيات اللاتى يمكن إذلالهن بهذه الطريقة .
-حسن , لنهتم بذلك فورا يا كابتن " مورجان " لم يعجب " جرانت " بمثل هذ التحدى , وخشيت " تراسي " لحظة واحدة أن يستغل " جرانت " الموقف , ولكنه اكتفى بأن يسألها فى ابتسامة :
-هل أنت موافقة ؟
-لا بالتأكيد ! وما معنى هذه اللعبة الصغيرة ؟
انفجر " جرانت " فى الضحك قائلا :
-لاشئ , لاشئ البتة يا أستاذة " بومون "
-إذن اغمد سيفك .وكف عن القيام بدور القراصنة !
كان يجب ان يخبروك بأن النساء . فى عصرنا هذا – ينعمن بالحرية ولا يمنحن قلوبهن الا لمن يردن .
قال " جرانت " والابتسامة فى عينيه :
-هذا أفضل ... هذا أفضل ...
كان واثقا من نفسه لدرجة أصابت " تراسي " باليأس , ولكنها على الأقل تشعر بأنها تحتفظ بكرامتها .
استدارت " تراسي " لتراقب مياه البحر الصافية , وكانت الأدوات الخاصة بالصيد ممتدة أمامها على الجسر وكان المنظر عاديا جدا بالنسبة لها , فلقد اعتادت عليه طوال النهار , كانت وجهة الباب .نحو الجنوب الغربي , ثم نحو الجنوب حتى يمروا بجزر " ويسل " ثم يتجهوا نحو المياه الهادئة لجزر المستعمرة الانجليزية نحو رأس " ويلبرفورس " .
كان الكابتن يتقدم بسرعة شديدة نحو وجهته وفى نفس الوقت كان الصيد يقل شيئا فشيئا حتى دخلت " برفيدى " بعد الظهيرة فى الخليج الصغير الرائع , وهنا أعلن " مورجان " :
-لنتناول عشاء مشويا اليوم على الشاطئ بعد حوالى ساعتين !
وعلى الأرض .كان من الضرورى الإسراع فى جمع الخشب قبل هبوط الليل الاستوائى المفاجىء .
وكان من عادة أفراد الطاقم تنظيم أنفسهم بسرعة .وفعلا بعد دقائق معدودة . كان كل شئ معدا , من مكان للإقامة الى الأسماك التى تم صيدها خلال فترة ما بعد الظهيرة . وأصبح الشئ الوحيد المتبقى هو عملية إنضاج السمك وهى مهمة " تراسي ".ولكن الجميع كانوا يحاولون تسهيل مهمتها عليها .
وقد سعد الجميع عندما عرض " مورجان " فكرة مراقبة أسماك القرش من اعلى الباخرة بينما يذهب الباقون للاستحمام .
وفعلا ألقى جميع أفراد الطاقم بانفسهم فى المياه الدافئة ذات اللون الزمردي . بينما كانت الأسماك الملونة تسبح بينهم .
سبحت " تراسي" قليلا , ثم جلست بعد ذلك على الجسر الممدود بين الباخرة والشاطئ , واخذت تنظف بكسل شعرها من الأسماك الصغيرة التى اختبأت فيه كما لو .كانت تختبئ وسط الحشائش البحرية .
وفى هذه اللحظة , كان " جرانت " موجودا على الجسر العلوى كانه قرصان يذهب ويجيء وعيناه مثبتتان على المياه الصافية لمراقبة أسماك القرش . ولم يكن ينقصه سوى عصابة سوداء على عينيه .
ثم القت الفتاة بنفسها فى المياه ثانية وكانت المياه هادئة جدا وصافية للغاية ولم يكن هناك سوى الاسماك الملونة التى تسبح حولهم .احمر , اصفر ... وفجأة قفزت سمكة صغيرة فوق أنفها ...
وعندما سبحت " تراسي " فوق سطح المياه , كانت وحدها , فقد صعد الجميع إلى الشاطئ ,فألقت نظرة قلقة حولها نحو الباخرة " برفيدي " لتتأكد من وجود " جرانت " لمراقبة أسماك القرش , وفعلا كان لايزال هناك بجسده الرائع , وفجأة القى " جرانت " بنفسه فى المياه على بعد أمتار قليلة من " تراسى " , ورأته يتجه نحوها كأنه سمكة ضخمة , ولكنه أمسك .بخصرها وصعد بها فجأة فوق سطح المياه وعيناه تلمعان بلون مياه الخليج بل بلون أكثر صفاء من لون الزمرد , ثم قال لها :
-يجب ألا تسبحى وحدك يا أنستى ! فأنت فريسة رائعة لأسماك القرش
-ولكن كان يجب عليك البقاء أعلى للمراقبة !
-كنت وحيدة , ورأيت ان من الافضل ان اقوم بحراستك على بعد أمتار قليلة منك !
-نعم ولكن ليس قريبا هكذا .
جاهدت " تراسي " حتى تفك قبضته حول خصرها , ولكن هيهات , فقد كان يضمها بشدة نحوه وهويضحك ويسبح بقدميه حتى يظلا معا فوق سطح الماء .
وبما أنه من المستحيل ان تبقى " تراسي " هكذا فى لا مبالاة عندما تلمس جسده ! فلهذا تحينت الفرصة أخيرا وتخلصت من قبضته وسبحت بعيدا عن متناول يديه .
-أنا اتساءل : ما الذى تريد رؤيته من هنا ؟
إنها خطورة شديدة وانت نفسك قلت من قبل لا تصح السباحة فى هذا المكان دون مراقبة , وكنت اعتقد انك اكثر طاعة من ذلك يا كابتن !
-إذن سبب ممتاز للعودة الى الشاطئ بسرعة !
كما اننى اتضور جوعا وانت المسؤولة عن اعداد الطعام . إذا كنت غير مخطئ .
-ولكنك اذا استمررت على هذا الحال , فلن تجد سوى الحشائش المشوية لتأكلها !
وهنا أمسك بها ثانية ولكنها ركلته بشدة مما حال دون السيطرة عليها . وهنا سعد " جرانت " بلمسة قدمها له , ترى ما اللعبة الجديدة التى ينوى القيام بها ؟ وفجأة تجمدت الابتسامة على وجهها وصرخت " تراسي " من الألم .
وكانت إحدى قدميها قد أصيبت بتشنج شديد . فلوت قدميها وانحنت لشدة الألم وهنا . فهم " جرانت " ما حدث لها .
وسألها على الفور :
-أى قدم ؟
-هذه .
وهنا لمس " جرانت " ساقها بيده ليتحسس هذه العضلة واخذ يتحسسها بهدوء حتى يهدأ تشنجها وهو يساعدها فى نفس الوقت لتطفو فوق سطح الماء محاولا الامساك بظهرها , وخلال دقيقة واحدة , هدأت الألام وبمجرد ان شعرت " ترايسي " بقدرتها على الحركة ابعدت " جرانت " عنها وسبحت نحو الشاطئ , والان هاى ذى تبدو بعيدة تماما !
وهنا قال لها " جرانت " محاولا الإمساك بها :
-توقفى ! لا تتصرفى بغباء هكذا !
وفعلا نجح فى الإمساك بها ليعيدها بنفسه إلى الشاطئ كانه منقذها .
وعلى الرغم من اعتراضاتها المستمرة , إلا انه لم يتركها لحظة واحدة حتى وصلا الى الشاطئ , وظل بعد ذلك يمسك بها ويحيط خصرها بذراعه.
بينما تعترض " تراسي " قائلة :
-اتركنى , فأنا استطيع السير وحدي وعندما ابتعدت عنه , كانت تتعثر فى سيرها , فأمسكت به ثانية وساعدها حتى وصلا الى الشاطئ بينما كانت تشعر بالضيق الشديد .
وعند وصولهما , نظر إليهما الجميع فى قلق , ولكن " جرانت " طمأنهم بسرعة قائلا : -لا شئ , مجرد تشنج , إن " تراسي " تتحدى قوانين الطبيعة , فهى لم تستطع الانتظار حتى تسبح ثانية عقب تناول الطعام ولكنها سبحت ساعة كاملة من قبل !
وهنا أسرعت " تراسي " لتتخلص من قبضته , وسارت وهى تعرج نحو الجانب الاخر من المخيم وهى تقول :
-إننى أتضور جوعا !
فقال " ديك فرتش " :
-كلنا نتضور جوعا , وإذا كنت تتفضلين عدم القيام بمهمة اعداد الطعام , فبإمكانى ان احل محلك .
-شكرا ولكننى احسن كثيرا الان .
كان الطعام شبه معد الان بعد ان تم قلى البطاطس ولم يتبق سوى قلى السمك واعداد السلطة , بينما كانت " تراسي " تقوم باعداد الصوص الخاصة بالسلطة .
وبعد حوالى ساعة , كان الجميع قد انتهوا من تناول الطعام , وتمددوا على الشاطئ وهم ممسكون باكواب العصير , وتوجه الجميع بالشكر للطباخة الماهرة , وذلك بعد ان تم تنظيف المكان ولم يعد هناك سوى النار المشتعلة امامهم .
كانت السماء صافية لدرجة تسمح برؤية اكبر عدد ممكن من النجوم الساطعة . فقال " جلين جيمس " :
-يا لها من جنة , لو استطيع لطلبت البقاء هنا حتى العودة !
فقال " جرانت " :
-إنه امر يروق كثيرا للتماسيح , وبذلك لن تقضى الاجازة كلها مستريحا . بل يجب عليك القيام ببعض التمارين الرياضية , بما ان هذه الحيوانات الصغيرة تستطيع الجرى بسرعة !
-انت تمزح . فنحن لم نر تمساحا واحدا منذ وصولنا !
-حاول ان تنام هنا على الشاطىء وسنتحدث عن ذلك فيما بعد ! ولكن افضل ان تؤجل ذلك الى نهاية الرحلة . فقد تحتاج عندئذ الى طعام جديد !
قال " ديرك فرنش " :
-هذا صحيح , فمنذ ان تم إنشاء هذه المحمية عام 1971 والتماسيح تتوافد على المنطقة , اننى حقا لا افضل النوم اسفل هذه النجوم الرائعة فى اى مكان على هذه الشواطئ المنطقة الشمالية قال " جلين " :
-ليس لهذه الدرجة واعتقد انهم لم ينشئوا هذه المحمية الا لأن التماسيح اصبحت فى طريقها الى الانقراض .
تدخل " جرانت مورجان " قائلا :
-هذا حقيقى , ولكنه ليس بالظبط , ووفقا لاحد البرامج التليفزيونيه التى رأيتها مؤخرا على الشاشة , هناك حوالى 30 ألف تمساح فى المنطقة الواحدة , وليسامحنى اصدقائى من الباحثين.عندما اقول اننا يجب ان نضاعف هذا لعدد لتقترب اكثر من الحقيقة , إذن حوالى 60 الفا او اكثر , واعتقد انه عدد لا بأس به !
لم يحاول احد السخرية من حديثه , ولكن "جلين جيمس " استمر فى طرح الاسئلة عليه قائلا : ان هذه الزواحف تشده كثيرا لانها تنتمى الى حيوانات ما قبل التاريخ .
-ولكن ,هل هى حيوانات خطيرة جدا ؟.
وعلى أية حال يعيش سكان المنطقة معها منذ قرورن طويلة ولم يتضرر احد من ذلك .
-لأنهم يفهمون كل شئ جيدا . كما ان بعض القبائل تعتقد فى عبادتها .
-ماذا.
نعم , وسترى فى " جوف " ان قبيلة " جومانج " تعتبرالتماسيح تميمة لها , وإذا سمح لنا الوقت فسأريكم الحيوان الضخم الذى يحتفظ به رؤساء القبيلة , انها قصة طويلة و ... وعندئذ لم يكتف مستعموه بهذا الجزء من القصة , واخذوا يلحون عليه بصيحاتهم المتكررة , فتابع حديثه قائلا :
-فى عام 1979 , تم التهام احد السياح اثناء رحلة صيد بحرية فى " رينبو كليف" , ونتيجة للخوف الشديد الذى اعترى الجميع , تم اعداد تمساح ضخم جدا وتم أسر تمساح اخر ونقله بعد ذلك الى حديقة الحيوان فى " داروين " , ولكنه مرض هناك ومات بعد ذلك . هاجت وتذمرت , حيث ان التمساح يعد إلها بالنسبة لها. ومن ثم اضطرت الحكومة إلى ان تعيد اليهم التمساح ثانية .
قال " بريان " :
-مصبرا ؟
-نعم , وكان امامهم حوالى خمسة أعوام حتى يعود فعلا اليهم .
تدخل " جلين " قائلا :
-والسكان الاصليون , ما رأيهم فى ذلك ؟
-لقد اكتفوا بهذا الحد , وكان ذلك بمثابة تصالح سياسي بينهم , وتم إقامة احتفال كبير تصافح فيه الجميع بالايدى-شئ من النفاق , أليس كذلك ؟
عملية علاقات عامة مثل الاخرين , وعلى العموم هذا أفضل من إرسال الاسلحة للقضاء على التماسيح التى لا تدفع الضرائب !
وهنا صفق الجميع , ونهض " جرانت " لتحيتهم , ثم مال نحو " تراسي " ليساعدها على النهوض .
-هيا الان , إن قدمك لا تزال متشنجة ويجب عليك السير قليلا .
كانت حركته هذه طبيعية جدا ولطيفة فى نفس الوقت .وهنا تبعته الفتاة دون تفكير .
وسارا معا مبتعدين عن النار بمحاذاة الشاطئ فى ضوء القمر الذى يرسل أشعته الفضية على الرمال .
-لا تقلقى . فلن نخاطر ابدا بلقاء احد التماسيح اسفل ضوء القمر , إلا إذا توجهنا نحو الادغال لمعاكسة انثى التمساح التى ترعى صغارها .
-إننى لا أخاف من التماسيح بقدر خوفى منك .
-يالك من فتاة جاحدة نحو منقذك ؟ ألا استحق مجرد شكر منك؟
-نعم , واعتقد ...
فقال مبتسما :
-هيا , إنه حقا حماس صادق !
واستمرا فى سيرهما دون كلمة واحدة , وكان يمسك بذراعها كأنه وضع طبيعى جدا , ولم يكن هناك أي تفكير إلا فى الاستمتاع بجمال هذه الليلة الرائعة والقمر يتلألأ فوق سطح الماء والرمال دافئة أسفل أقدامهما ...منتديات ليلاس
-كيف حال ساقك الأن ؟
-لقد انتهى كل شئ , إننى حقا لا اعرف ما الذى حدث لى .
-إن ذلك لا يحتاج إلى أية دهشة , ففى البحر يجب ان نتوقع أى اختلال فى التوازن , وذلك لأننا نحرك اقدامنا فى كل الاتجاهات , اما انت فقد نزلت الى الماء بعد قضاء عدة ايام على متن الباخرة , ولذلك تعرضت لهذا التشنج العضلى .
كانا فى هذه اللحظة . قد وصلا الى نهاية الخليج . وكان امامهما مجموعة ضخمة من الصخور , وعندئذ فوجئت " تراسي " بأنها تشعر براحة غريبة مع " جرانت " , ولكن كيف حدث هذا ؟ وفجأة شعرت بأن هذه الراحة وهذا الهدوء يخيفانها . ولكن فى هذه المرة لا يوجد أى تصرف غير طبيعى من قبل رفيقها , بل على العكس من ذلك كان لطيفا ويحاول حمايتها , وفجأة شعرت بذراعيه حولها معا جعلها تريح رأسها على كتفه ...
وكما لو كان يقرأ افكارها , فقد ترك " جرانت " ذراعها ولف ذراعيه حول خصرها ليضمها إليه , فوافقته فى هدوء شديد , وتركت جسدها يستمتع بحرارة دفء جسده , فغمرها شعور غريب بالسلام والأمان .
وهكذا سارا جنب إلى جنب , وهما ملتصقان ببعضهما فى خطى بطيئة نحو المخيم , وعندما اقتربا من المجموعة أبعد " جرانت " يده عنها , ولم تستطع " تراسي " فى هذه اللحظة مقاومة الشعور بالندم لأنها تبتعد عنه .
حان الان موعد العودة الى الباخرة واتخذ جميع افراد الطاقم أماكنهم فيما عدا " توم – بوس " و " جرانت " اللذين اهتما بالقيام بأخر استعداد للرحيل قبل صعودهما على متن الباخرة .
ربما تكون عودة " تراسي " والكابتن وهما يحتضنان بعضهما قد لوحظت , ولكن أحدا لم ينطق بكلمة واحدة , وفى اليوم التالى كان على الفتاة مواجهة " فيفيان " , وكانتا تقفان وحدهما على الجسر , اما بقية افراد الطاقم فقد استغلوا فرصة الراحة ليسبحوا قليلا , وكانت " فيفيان " قد عرضت عليهم فكرة مراقبة الماء , بينما لحقت بها " تراسي " بعد قليل , وظلتا معا تراقبان البحر , وفجأة قالت " فيفيان " دون مقدمة :
-هل تعرفين أنك تلعبين لعبة خطرة ؟ إنه قادر على تحطيم قلبك !
قفزت " تراسي " فى مكانها , لقد أكدت الفتاة الشقراء مخاوفها فعلا , ولكنها لا تريد فتح هذا الموضوع معها , وعلى أية حال فقد كان لملاحظتها تأثير سيئ حقا , فقد أخلدت " تراسي " الى النوم بالأمس وهى فى شدة السعادة بعد نزهتها مع " جرانت " على الشاطئ , نعم لقد نقشت هذه اللحظات فى ذاكرتها , ولكن الا يكون هناك أى شئ اخر بينها وبين الكابتن؟
على أية حال , لم تكن تتوقع أن يفسد عليها أحد هذه الذكرى .
-أنا ... أنا لا اعرف عن اى شئ تتحدثين ...
-لا تدعى البراءة هكذا .
دهشت " تراسي " عندما تحدثت إليها " فيفيان " بهذه الطريقة , وكانت تتحدث اليها وهى تركز عينيها على الماء ولكنها نظرت إليها نظرة لم تستطع " تراسي " خلالها تخمين مشاعرها .
من المؤكد ان الفتاة الشقراء تراقبها ولكنها تتحدث اليها بلطف الان وها هي ذى تقرأ الشفقة على وجهها .
تنهدت " فيفيان " وهى تقول :
-استمعى الى , أنا أعرف أن الامر لا يعنينى فى شئ , كما اننى لا أريد مفاجأتك بأى شئ , ولكننى احبك فعلا , ولم اكن اتوقع حدوث ذلك منك!
-آه ... اشكرك على اية حال , وحتى اكون صريحة معك , كنت فى البداية احترس منك , اما الان , فأنا احبك كثيرا .
ابتسمت الفتاتان وزال التوتر بينهما تماما.
فقالت " فيفيان ":
-حسن فى هذه الحالة , استمعى الى , حذار من الكابتن الوسيم , انا لااريد دس أنفى فى امور حياتك , ولكننى اسمع عنه كثيرا , كما انك بريئة جدا بالنسبة له , اما هو فخطير .
-ولكننى لن امنحه هذه الفرصة , كما انه لا يعجبنى .
اكتسى وجه " تراسي " بحمرة الخجل عندما نطقت بهذه الكذبة , كما انها منحته الفرصة من قبل , ولسوء الحظ دون ادنى تردد . وهى لا تفكر الا فى استعادة لحظات الليلة السابقة .
إن " فيفيان " غير مخطئة , فهزت الفتاة رأسها فى حزن , وقالت فى ندم :
-هذا ما تقولينه ولكننى لا أصدق كلمة واحدة من حديثك , ويمكنك ان تخبرينى بحكايات كثيرة ...
ولكن تذكرى اننا فى عرض البحر , مهما كنا مكلفين بمهمة عادية , إلا اننا منعزلون عن العالم , إنه عالم اخر خرافى وسرعان ما تموت الرومانسية على الشاطئ كما تولد بسرعة أيضا .
كان هذا الحديث غريبا , فقد تحدثت الفتاتان معا وهما تركزان نظرهما على الماء والامواج .
ثم استطردت " فيفيان " قائلة :
-كما يجب ألا تنسى " ميليسا " ... ولا تنخدعى بإهماله لها وبصوتها الطفولة , فأنا أؤكد لك انها اخطر من اكبر اسماك القرش .
-أنا لا أشك فى ذلك , ولكنه امر لا اهمية له , كما اننى لم ازج بنفسى فى هذا السباق , فلا تقلقى !
-لقد خدعت نفسى حقا , ويبدو واضحا انك لم تعتادى الكذب من قبل , كما انك لم تخدعى احدا . واخيرا انها حياتك ..وعلى اية حال اتمنى لك حظا سعيدا .
نعم , ان " تراسي " فى حاجة الى الحظ , واخيرا تنهدت الفتاة بعمق وتركت " فيفيان " للمراقبة . وذهبت لتتناول فطورها قبل عودة افراد الطاقم .
وبعد قليل , كان الجميع يتكدسون فى الحجرة الصغيرة ويطالبون بالطعام , لذلك لم تجد " تراسي " فرصة للتفكير فى حديثها مع " فيفيان ".
بدأت اعمال الصيد بعد الظهيرة وهم فى طريقهم الى رأس " ويلبرفورس " على خليج " ملقيل " وشبه جزيرة " جوق".
وبدأ الطاقم فعلا يعمل , يرمون الشباط ويرفعونها ويجاهدون فى الإمساك بأسماك القرش والاسلحة فى ايدى البعض , وها هم أولا ينتهون من اخذ البيانات عن احدى الاسماك , ثم يقذفون بها , ويحاولون الامساك بغيرها , وها هم اولاء يعملون بجد والمياه تغمر الجسر واشعة الشمس على عضلاتهم المرهقة ورائحة اليود .. الليل والشباك والعمل المتكرر والنوم الذى اصبح نادرا .
وبعد يومين , وصلوا – لحسن الحظ – إلى ميناء " جوق " . وهنا أعلن " جرانت " :
-يومان على الارض , واهتموا بأمركم جيدا فى انتظار تعليماتى !
وكان الدور على " بريان " فى المراقبة , وكان ذلك افضل له بدلا من النظر الى عينى الكابتن الباردتين .
وعندما كان " جرانت ينظر إلى " تراسي " كانت هى الاخرى لا تحتمل نظراته .
-إذا كنت تريدين . يمكننا الاهتمام بإعداد المؤن فورا , وإذا كنت تحتاجين إلى أى شئ , يمكننا تأجير سيارة لنذهب معا الى " نولونبوي "فيما بعد .
-نعم , لقد كسرنا إحدى الات الشباك ونحن فى حاجة إلى غيرها , كما أننا فى حاجة الى اقلام للكتابة . ولن تجد مثل هذه الاشياء على الميناء ويجب على البحث عنها فى المدينة .
وكان كل شئ يمكن شراؤه من الميناء سواء كانت الاشياء الخاصة بالصيد او الغوص , اما فيما عدا ذلك بما فيها الطعام , فلابد من الذهاب الى المدينة " نولونبوي " وهى المركز التجاري الوحيد والرئيسي لشبه جزيرة " جوق ".
وهى منطقة منعزلة جدا وتقع فى شمال أراضـي " ارنهم " كما أن عدد سكانها محدود , والجميع يعيشون على خيرات المناجم .
وكانت أرضـي " ارنهم " خاصة بسكان " استراليا " القدامى , وهى منطقة حافلة بالاساطير والحكايات .
وكانت اساطير السكان الجدد لاتزال فى مهدها . كما ان المنطقة لا تزال تحمل اسم قائد الطائرة الذى لقى حتفه خلال الحرب العالمية الثانية فوق أراضـى هذه الجزيرة .
والان , اصبح خليج " ملقيل " شهيرا جدا بمينائه الرائع ذى المياه العميقة .
كما أن السياحة تجد طريقها دائما قريبا من " داروين ".
وبعد الاستحمام , توجه الجميع الى المدينة , وكان " بريان روبرتس " و " توم – بوس " اول من استقلا شاحنة كبيرة , بينما عثر الباقون على سائق وتوافد الجميع نحو المدينة .
وعندئذ وجدت " تراسي " نفسها وحيدة فى الباخرة , كما اختفى " جرانت " فجأة دون ان يهتم بها , من المؤكد انه يهتم الان بشراء المؤن , كما انه يبدو انه غيرمحتاج الى مساعدتها .
ارتدت الفتاة " شورت " اخضر وقميصا خفيفا . ولم يعد امامها الان الا انتظار " جرانت "فى الظل , فجلست قريبة من كابينة القيادة حيث حرارة الجو معتدلة بعض الشئ .
واخيرا عاد ورأته يقترب منها وهويبتسم .
-لقد أعد كل شئ يا جميلتى , والان اخبرينى ما مشاريعك لقضاء اليومين التاللين فى هذه الجنة ؟
-لا شئ محدد . ولكننى انوى القيام بجولة فى المدينة لأزيل الصدأ قليلا عن ساقى .
-يوجد هناك مطعم صغير رائع وحديث ويساعدنا قليلا فى تغيير نكهة طعام المطبخ هنا .
-اذن هى دعوة لتناول العشاء ؟
-يمكننا ان نقول ذلك , وفى هذه الساعات القليلة انا مرتبط بموعد , ولكننى ساحاول ان اتفرغ لك خلال المساء .
كانت " تراسي " تشعر بأنها ممزقة بين رغبتها فى الذهاب معه وخوفها منه . ولكن الخوف كان اقوي منها . كما انها تخشى ان يراها احد بصحبته , وتخشى من تفكير افراد الطاقم عنهما كما حدث مع " فيفيان ".
ومن ناحية اخرى , تخشى البقاء معه وحدها , فقالت :
-كلا , ليس مهما ... لا تغيرمواعيدك .
-كرم منك , أم حذر
-لا هذا ولا ذاك , ولكننى لا اعرف ما اود عمله الى الان ... وربما لا اجد الوقت لذلك ..
انها تكذب كثيرا ولكنها تبدو غير مقتنعة , فغيرت خطتها قائلة :
-فى الحقيقة , انا لا اريد ان يرانى احد بصحبتك , فالمكان صغير – وربما يفكر افراد الطاقم فى اى شئ .
انفجر " جرانت " ضاحكا :
-كما تريدين , واوافق على حججك القوية .
والان – حسن , الى اللقاء , فسنرحل فجر يوم الثلاثاء ..
واستدار " جرانت " وتوجه نحو الكابينة الخاصة به دون ان يعير ندم الفتاة الواضح اى اهتمام .
وبعد ذلك , ذهبت الفتاة الى المدينة ولاحظت كم هى صغيرة وانه من المتسحيل ان تتجنب لقاء افراد الطاقم .
وتقابلت معه امام احد المحال , ولكنه لم يقف وتابع طريقه , وفيما بعد راته يتناول العصير فى مطعم اخر , ولكن كان بصحبته رجل نحيف يرتدي حلة بيضاء اللون , وتقابلت معه اكثر من ثلاث مرات فى شوارع المدينة بعد ذلك .
اعجبت الفتاة بالمدينة واعجبت بالمنطقة كلها ورأت انها رائعة , وكم ان سكانها يعيشون فى وداعة شديدة , ولولا انها تشعر دائما بسخرية " جرانت " لسعدت بنزهتها كثيرا .
وعند عودتها الى الباخرة فى الليل . رأت " ديك " وفيفيان " يستعدان للخروج , فقالا لها معا :
-هيا , غيرى ملابسك ونحن ننتظرك .
فقالت " تراسي " :
-أرى انكما تسعدان بقضاء الوقت هنا !
ولكننى لا أرغب فى ...
فقال " ديك " :
-هيا , لا داعى لذلك , هيا استمتعى بإجازتك .
وأضافت " فيفيان " :
-نعم , فما الذى تنوين عمله خلال المساء , هل تريدين قضاء الليل وحدك ؟ إلا إذا كنت تنتظرين احدا .
-كلا , مطلقا !
ولكنها لا تريد فعلا الذهاب معهما .كما أن قضاء الامسيات فى الاحتفالات هنا أشبه بالجنون وخاصة فى هذه المناطق النائية , ولكنها لا تريد البقاء وحدها حبيسة هذا المكان .
-اتفقنا , خمس دقائق واكون مستعدة .
وبدت الفتاة سعيدة , ولكنها تشعر بالحزن فى قرارة نفسها , ومع ذلك تطمئن نفسها بان كل شئ على ما يرام وان الامر انتهى تماما . ولكنها تخدع نفسها حقا ...