يا عيونى يا فراوله يا لذيذه التكمله لعيونك يا قمر
الفصل السادس
حاولت تراسي تهدئه نفسها خلال ساعه كامله فلاول مره في حياتها تتعرض لمثل هذا الهجوم
ومايزيد الامر تعقيدا انه من قبل سيده مثلها
كانت تراسي ممزقه بين الضحك والخوف حتى انها لم تستطيع فهم مغزي ماحدث وهي لاتزال تتذكر كلب مبلول
ترى هل راها جرانت مورجان بهذا الشكل ؟ مجنونة قلبها
لا بالتأكيد على اية حال كان من الواضح جدا ان ميليسا تكره تراسي بشده وعندئذ لاحظت تراسي انها لم تتناول
فطورها بعد وانها تتضور جوعا ولكن من المستحيل ان تذهب نحو قاعه تناول الطعام في الفندق فقد تجد ميليسا
هناك فقررت طلب فطورها في حجرتها عن طريق التليفون
وعندئذ ارسل اليها صينيه عليها بيضتان وقالب من الزبده وشرائح من التوست مع بعض الفواكه الاستوائيه
وقررت تراسي وهي تتناول طعامها الا تذكر ماحدث لـ جرانت مورجان . مجنونة قلبها
وعلى اية حال فليس هناك شاهد وقد تحافظ ميليسا ايضا على السر فلا داعي اذن لمثل هذه الاحاديث
كما وانها ليست فخورا بقدرتها على دفع ميليسا نحو حمام السباحه
وبعد ان تنهدت من تناول طعامها ذهبت تراسي لتستقل سيارة اجره بعد حوالي ربع الساعه ولانها تحمل امتعه معها
فقد استعدت للرحيل بسرعه .
وعندما وصلت السياره ذهبت تراسي لتدفع حسابها بسرعه
حتى لا تتأخر كثيرا في قاعة الاستقبال خوفا من لقاء ميليسا ومن يعرف ريما يكون جرانت مورجان بصحبتهاا
وعندما تخيلت تراسي ذلك عجزت ساقاها عن حملها ولكنها لحسن الحظ لم تقابل احد ووصلت بسرعه الى برفيدي .
وتوجهت مسرعه نحو حجرتها لتغير ملابسها فخلعت ثوبها وارتدت شورتا وبلوزه خفيفه
ثم صعدت ثانيه الى الجسر وجلست في الظل على احد الكراسي الشيزلونج وامسكت باحدى القصص بين يديها
التي لم تتمكن من الانتهاء منها طوال هذه المده فهي لم تجد الوقت الكافي لنفسها ابدا
في البدايه وجدت الفتاه صعوبه في التركيز فصورة ميليسا وجرانت تداعب مخيلتها دائما واخيرا تمكنت من التركيز في القراءه
واخيرا في الظهيره انتهت من قراءة القصه وللاسف لم تات بقصه اخرى معها
فقد علمتها التجربه انها لن تجد الوقت الكافي دائما للقراءه خلال هذه الرحلات
قد تذهب لتناول الغداء في المدينه
ولكن الفتاه زارت جميع انحاء نولونبوي ولم يعد هناك اي مكان تذهب اليه لذلك قررت اعداد طبق من السلطه لنفسها
ثم تدون بعد ذلك ملاحظتها
وبعد تناول طعامها وضعت تراسي لوحا من الخشب على كرسيين وجلست مستريحه وراء مكتبها هذا ثم استغرقت في عملها فلم يعد الان لديها الوقت الذي تكرسه للتفكير في جرانت او ميليسا
وكانت مستغرقه في علمها لدرجه انها لم تنتبه لعودة جرانت الى الباخره على الرغم من انها كانت تترقب مجيئه وعندما رفعت وجهها عن الاوراق لتزيخ خصله من شعرها بعيدا عن عينيها قفزت الفتاه من مكانها فقد كان هذا يقف وبراقبها
ترى منذ متى وهو هنا ؟ انها لا تعرف حقا
وكان يرتدي شورتا ابيض وتي شيرت خفيفا ويبدو في اوج صحته وقوته بجسده البرونزي وعندئذ قال لها
-يالها من طريقه غريبه للراحه
-لقد كتفيت بهذا القدر من السباحه والان واذا لم اهتم بترتيب كل شيء الان فلن اتمكن من التوفيق
-اراهن انك لم تفكري في شراء تذكارت من هنا
-هذا حقيقي واخشى انني لا استطيع ذلك الان
من المستحيل بالتأكيد ان تخبره ان افضل ذكره لها هنا هي اللحظات التى كانت فيها بين ذارعيه في حفله الرقص
ولكن ربما يكون غير متذكر هذه اللحظات
-اتمنى الا تكوني قد نسيت ارسال كروت المعايده ...
ماالذي يريد الوصول اليه بعد كل هذه الاسئله ؟
نظرت تراسي بثبات في عينيه وهي دهشه
فاستطرد قائلا
-الم ترسلي كروتا ؟ ولا حتى مجرد خطاب لصديق!
ولا صباح الخير لمدير العمل ؟
هذا مايريد معرفته اذن اذا كان لديها صديق ! ربما تنوي عدم طمائنته عليها اجابته كالتائهه
-ساكتب فيما بعد ....
-ولكنني احذرك انها الفرصه الاخيره لارسال الخطابات فلن يكون هناك مرسى ثان قبل وصولنا الى داروين لدى عودتنا
-ليس قبل خمسة عشر يوما اليس كذلك ؟
-هذا في حالة ما اذا قررت العوده مبكرا فانت رئيس الرحله رغم كل شيء
-لاشك في ذلك ! كما ان الاحصاءات خاصه بالاعداد الضخمه ونحتاج الى تجارب كثيره ثم انني لست متعجله للحياه في فصل الشتاء
-الشتاء ... هل تعرفين ااني افهمك بالكاد ؟
فانا لم ارى ثلوج الا في سينما
لم تستطع تراسي ان تمنع نفسها من الابتسام عندما تخيلت حال هذا الرجل الذي ولد في هذه الاماكن الاستوائيه
اذا توجه للاقامه في الجنوب وعاش ليالي الشتاء هناك ففي هذه الفتره في تاسماني تغطي الثلوج جبال والتجتون
وعندما لاحظ جرانت هدوءها استراح اكثر في مقعده حتى يستطيع مواصله حديثه في هدوء اكثر
-انا واثق انك تعشقين التزحلق على الجليد فقد رايت من قبل هؤلاء المجانين الذين يغمرون انفسهم بالثلوج حتى قمة رؤوسهم
-ماذا تقصد ؟ بالنسبه لي يمثل الشتاء الليالي الدافئه بجانب المدفأه وانا اتفق معك ان الجو يكون نقياً .. وهادئاً كما وانني
اجد الثلوج رائعه ولكن من بعيد !
-اذن انت تحبين الجو لدينا ؟
-كثيرا الحراره والزرع واتخيل موسم الامطار موسما رهيبا فانا لا احب الامطار ..
اما بالنسبه للثلوج فاعتقد انها اقل خطوره من الاعاصير ..
مجنونة قلبها
-اراضـي الشمال انها اجمل المناطق في العالم فلا يوجد مايشبهها ابدا انها كالخرافه
-نعم اراضـي الرواد ...
وطال حديثهما معا عن المقارنه بين الشمال والجنوب وبدت
تراسي سعيده بهذا الحديث كما بدا جرانت متشوقا للمواصله وربما يمكنها دفعه للحديث عن نفسه قليلا طالما في الازاء بهذه الصوره ولكنه كالعاده ظل كتوما بشأن حياته في داروين
كما وانه نجح باسلوبه المعتاد في تغيير مجرى الحديث حيث اراد
ثم اقترب منها ووضع احدى يديه على كومه الاوراق امامها وهو يقول
-انت محقه في اريك فلتفعلي مافي وسعك قبل الرحيل انها فرصه طيبه يبدو ان هناك شيئا ماغير مريح في الجو
وهنا ابتعد جرانت دون ان يضيف كلمه واحده فرفعت تراسي راسها نحو السماء انها زرقاء صافيه ولا يوجد بها سوى سحب قليله ورياح خفيفه ان الجو رائع كما وانها سمعت نشرة الارصاد عندما كانت في الفندق وتاكدت من ان الجو سيكون رائعا فما معنى
كلمات جرانت اذن ؟ اخذت تراسي تعمل بجديه حتى هبوط الليل وغربت الشمس بسرعه كالمعتاد في هذه الاماكن الاستوائيه
فجمعت الفتاه حاجاتها ولاداعي لان تتجه الى الداخل الان وبعد خروج جميع افراد الطاقم الى الخارج للعمل لقد انتهى الهدوء
ومن الفجر اتجه الجميع نحو الجسر وكانت الشمس قد بدأت تشرق وحان وقت الرحيل وبدا الجميع يعملون بهمه ونشاط
وبعد مرور الباخر من خليج ملقيل كانت السماء صافيه والبحر هادئا وبقي جرانت في كابينة القياده طوال الوقت تاركا
ديك فرنش وتوم بوس في مساعدة تراسي وبريان وفيفان وجلين واما الكابتن فقد بقي طوال الوقت على اتصال
مع جميع البواخر التي تعبر المنطقه
وأثناء الليل قاموا بالقاء الشباك وفي الصباح لاحظت تراسي ان جرانت غير وجهته دون ان يخبر احد بشيء
انزعجت الفتاه لهذه التصرفات الا انها لم تجرؤ على سؤاله عن السبب ولكنها استجمعت قواها
في اليوم التالي وسألته فاجابها دون ان يزعجه فضولها
-ان الجو لاينبئ بالخير انه مجرد شعور ..ولكني افضل الاحتياط
كانت السماء لاتزال زرقاء والرياح هادئه والاذاعه ايضا لم تعلن عن اي شيء ومع ذلك اصر الكابتن على رأيه
وظل في طريقه نحو المياه الهادئه لجزيرة انجليس حيث يمكنهم هناك الاحتماء في خليج ارنهم ويبدو ان الكابتن متأكد
من احتمال هبوب العاصفه
وكان الجميع يثقون فيه ثقه عمياء ولم يحاول ديك فرنش او توم بوس معارضته على الرغم من انهما بحاران مجربان
وكانت تراسي تلاحظ كثرة احاديثهما معا بصوت منخفض
وظل العمل مستمرا في انتظار ذلك وظلت الاسماك بجميع انواعها بما فيها سمك القرش تهاجم الشباك طوال اليوم
وفي الليل ازدادت سرعة الرياح وازداد العمل سرعه ايضا وتوالت الاسماك على الشباك وكان العمل يتم بسرعه
فيرفعون الشباك ويدونون ملاحظاتهم عن الاسماك ويضعون العلامات عليها وكل ذلك يتم بسرعه شديده وكان الجميع
يعملون بنشاط منقطع النظير
واستغلت تراسي فرصه الراحه الصغيره عندما كانوا يلقون بالشباك في البحر وتوجهت نحو جرانت لتتبادل معه كلمتين
-هذا شيء غير معقول فانا لم ار مثل ذلك من قبل
-نعم الاسماك تأتي بكثره وهذا شيء غير طبيعي وكأن من الطبيعي ان نجد كل هذه الكميه من الاسماك
عند رأس ويلبرفورس وليس هنا في المياه الهادئه
ربما كان ذلك اشاره الى هبوب العاصفه التي يخشاها هو ..
ولكن الشمس اشرقت في الصباح والرياح كانت لاتزال هادئه ونام الجميع نوما عميقا ولم يبق مستيقظا سوى جرانت
وفي الظهيره بدا افراد الطاقم يتحركون من جديد فاستيقظت تراسي وعندما فتحت عينيها كانت تتوقع رؤية مابؤكد مخاوف الربان
ولكن البحر كان هادئا والسماء صافيه
واثناء ذلك عهد جرانت بقيادة الباخره الى ديك فرنش وتوجه الى الكابينه ليستريح قليلا وعلى الرغم من ان ديك لم يكن
يتوقع هبوب العاصفه الا انه اخذ راي جرانت ماخذ الجد واستغلت تراسي الفرصه لتوجه اسئلتها التي تؤرقها
-هل تعتقد في احتمال هبوب عاصفه ؟
-اذا كان هو يشك في ذلك فعلينا الاخذ برايه فهو محنك جدا في هذه الامور ولكنني لااعرف من اين اتى بهذه الفكره
ولكن هذا الموسم لحسن الحظ ليس موسم اعاصير واما العواصف فمن المحتمل هبوبها فعلا الحقيقه
ان اكثر مايزعج الكابتن هو المحرك وهو قلق جدا بهذا الشأن منذ ان كنا في جوف
كيف ؟ هل هناك خلل في المحرك طوال هذه المده ؟
-لايمكننا ان نقول ان هناك خللا ولكن هناك شيء ماليس على مايرام
-انا لا ارى ان ..
-في الحقيقه لايمكننا ان نعرف الشيء الذي يستمر مدة ستة اشهر ثم يختفي فجأه وغدا ستتضح الامور
-شيء غريب ولم تفعل اي شي في جوف ؟
انزعجت تراسي من هذه الاخبار وتعجبت من هذا الموقف الذي لايتسم بالجديه في البدايه العاصفه والا هذا المحرك
الغامض انهم ليسوا بحارين هؤلاء يبحرون معها ولكنعم مجرد عرافين يحاولون التنبؤ
وفجأه دوى صوت جرانت وراءها فقد سمع سؤالها وعندئذ قال
-لايوجد مايستدعي الاصلاح ثم مالذي تريدين عمله ؟
استدرات تراسي وقالت في شجاعه
-لا اعرف كيف يمكن فك محرك .. ولكن من المنطقي ان نعرف هل هناك عطل ام لا ...
- لا بالتأكيد ! وهذا هو السبب الذي يجعلنا نسمي البواخر باسماء مؤنثه ...
وكانت السخريه تبدو واضحه في نبرات صوته
-كما واننا لانهمل المنطق في البواخر وكل مافي الامر ان هناك شيئا ماليس على مايرام ومع ذلك فلا وجود لعطل ويمكننا
عمل اي شيء
-اذن فنحن ننتظر انهيار كل شيء ونحن في عرض البحر ؟
-اننا على اهبة الاستعداد لمواجهة اية احتمالات فاطمئني كما اننا نحمل معا قطع الغيار اللازمه وكل شيء نحن في حاجه اليه للاعطال
-وفي حالة هبوب عاصفه ؟
-اننا الان في المياه الهادئه وعلى مقربه من الخلجان الصغيره المحميه والخطوره تكمن وسط الخليج واما هنا فلا خوف
من هبوب الرياح ولاداعي لانزعاجك واهتمي باسماك القرش التي تصطادينها فقط
ثم استدار وابتعد بينما كانت تراسي تنظر اليه في حيره
بدأت اعمال الصيد من جديد وكانت مثمره دائما حتى اضطرهم الارهاق الى التوقف قليلا وبعد ان تناولوا طعاما خفيفا استغرق الجميع في نوم عميق
بزغ الفجر بسرعه حتى ان تراسي شعرت انها لم تنم بما فيه الكفايه وعندما صعدت الى الجسر لاحظت ان الجو تغير بعض
الشيء فقد كانت السماء لاتزال صافيه والبحر هادئا ولكنه كان هادئا اكثر من اللازم هذه المره بينما كان الهواء ثقيلا
ويصعب التنفس من خلاله وكان من المعروف ان الجو في هذه المنطقه يكون دائما عبقا برائحة الازهار الطيبه
ولكن الرائحه في هذه اللحظه كانت منفره وغير مريحه
واثناء ذلك كان جرانت وديك يركزان نظرهما على المنطقه الشماليه الشرقيه وعلى الرغم من انهما لم يكونا
قلقين الا ان جسديهما كانا يعلنان عن توتر وارهاق غربين وكانا يجلسان في هدوء شديد ويحاولان تحليل
الاشارات الجديده التي تظهر امامهما ولم تشا تراسي ازعاجهما ولكنها فكرت انهما ربما يريدان تناول قليل من القهوه
فقالت وهي تقترب منهما
-انني اضع السخان في الماء هل تريدان تناول اي مشروب ساخن ؟
فوجئ الرجلان بوجودها فاستدرا نحوها وشكراها في هدوء وبعد قليل احضرت لهما الفتاه فناجنين من القهوه وكانت الاسئله
تحرق شفتيها ولكنها تماسكت واخيرا ضعفت وقالت
-ماذا يحدث ؟ هل هناك عاصفه ؟
واكتفى ديك بان رفع كتفيه وهو يأخذ القهوه منها واما جرانت فقد اكتفى بأن نظر اليها بثبات ولكنه لم ينطق بكلمه واحده
فأخذ منها فنجان القهوه ثم استدار ليركز نظره على الافق من جديد
وعندما توجها ثانية الى اعلى الباخره ولم يستطع احد من الافراد الطاقم فهم اي شيء منهما ولكن جرانت اشار
اليهم بأنه لاداعي للصيد الان
وانتبه الجميع محاولين معرفة من اي اتجاه سوف تهب الرياح ولكنهم حقا متاكدون من ان العاصفه ستكون رهيبه
فقد اصبحت حرارة الجو غير محتمله
واخيرا بدا جرانت يتحدث يتحدث مع مساعده فارهف الجميع السمع
-هناك خليج صغير على بعد نصف الساعه وهناك يمكننا البقاء في امان
-الشمال الشرقي هل انت متأكد من ذلك ؟
-اتمنى الا اكون مخطئا ....
وتوجه جرانت بعد ذلك نحو الدفه تاركا توم وديك يسويان حساباتهما الاخيره قبل التحرك
وارهفت تراسي السمع ولكنها لم تسمع اي شيء من حديثهما المزعج وبالنسبه لبقيه افراد الطاقم
فقد ازداد التوتر بينهم وكان من السهل عليهم التخمين بان هناك شيئا ليس على مايرام بعد ان اصبح الهواء ثقيلا الى هذه الدرجه
وقبل ان ينتهوا من تناول فطورهم كانو قد رسوا جميعا في خليج صغير رائع
-كم هو رائع هذا المكان
كان هذا تعليق فيفان بعد ان لحقت ببقيه افراد الطاقم وضحك الجميع على براءة تعليقها وكان شعرها مسترسلا
في جديه على ظهرها وجسدها رائعا كأنه قطعه من البسكويت وهي ترتدي لباس البحر الذي يبرز جماله والحق ان فيفان
كانت تبدو اكثر جاذبيه على الرغم من انها لاترتدي لباسا للبحر اجمل من لباس تراسي
ولكن تراسي قالت في نفسها انه على الرغم من انها تبدو اقل روعه من فيفان الا ان فيفيان قد نجحت في الا تخلق
لها اعداء على متن الباخره
وهنا اصرت فيفيان على تعليقها قائله
-انه خليج غايه في الروعه حقا واذا كنا لن نقوم باعمال الصيد هنا اذن فمن الممكن ان نسبح قليلا ومن سيتولى مهمة المراقبه ؟
عندئذ اجاب جرانت بصوت حازم
-لا احد كما انه لااحد سيسبح
وفوجئت فيفيان بهذا الرد فنظرت الى تراسي دهشه وعندئذ قالت تراسي
-بسبب العاصفه ؟
ولكن الفتاتين لم تحصلا على اجابه فركزتا نظريهما على جرانت ثم اقتربا نحو الحافه ونظرتا الى المياه وهنا قالت فيفيان
-هذا حقيقي اسرع الى الباخره ياديك
وكان ديك في الزورق الصغير وفي نفس الوقت كان هناك تمساح صخم يبدو على سطح الماء ولكن التمساح ابتعد
لحسن الحظ بينما صعد ديك على متن الباخره بهدوء ودون صعوبه
-ترى اين كان هذا التمساح عندما نزل ديك الى المياه في هذا الزورق ؟
وقال جرانت
-ان التمساح ليس كبيرا لهذه الدرجه ولكن المياه هي التي تبرز حجمه
فاعترضت تراسي قائله
-ولكن طوله حوالي ثلاث امتار !
-انت لاتخاطرين بأي شيء مادمت على متن الباخره كما وانه لن يفك ف مهاجمتنا !
هنا هدأت تراسي وكان جرانت قد حول عينيه عن التمساح الوحش وعاد فركز نظره على الافق من جديد
فمن هنا يأتي الخطر الحقيقي ....
وظلت الفتااه تنظر اليه انه حقا رائع ولكنها فجأه هبت من مكانها وصرخت وهي تشير نحو الافق
وعندئذ صرخ جرانت صرخه مدويه حتى جرى الجميع نحوه وكان المنظر رهيبا فهناك على البعد تختفي السماء تماما ؟ ترى ماهذا ؟
هل هي عاصفه ؟ ام اعصار ؟ والان في هذا الفصل شيء مستحيل ...
نعم انها ظاهره خاطفه مفاجئه لدرجه انها لم تعط لـ جرانت الفرصه للاحتياط ولكن آه لو كانوا في عرض البحر الان
فلم يكن من السهل عليهم ابدا اللجوء الى مكان مأمون
وصاح المساعد قائلا
-ليجتمع الكل فوق الجسر
واسرع الجميع باتباع نصائح ديك وفعلا تم رفع كل شيء بسرعه رهيبه وظل الجميع على الجسر بعد ذلك
فمن المستحيل ان يترك احد هذا المشهد الغريب وهو مشهد هبوب العاصفه
وعلى بعد لم يكن من السهل تمييز الافق بعيدا فوق الماء كانت تبدو كتلة خضراء تؤكد هبوب الرياح التي تسرع نحو الباخره
اما جرانت فكان قد لحق بهم على الجسر وهو عاري القدمين ويقول
-لم اتلق اي اشاره على اللاسلكي ولم ترسل الى اي باخره معلومات عن العاصفه ويبدو انها ستهب تنتهي من حيث اتت
ولكننا للاسف على الطريق هذه العاصفه
ولاحظت تراسي بريق عينيه انه الخوف من الخطر ولكنه لا يبدو خائفا بل مستمتعا ومع الوقت بدا لون البحر يتحول
من الاخضر الى الاصفرار بسرعه رهيبه كما بدات اشعه الشمس تتخذ اللون الاخضر وفجأه سادت ظلمه غريبه
انه الظلام الذي اصبح يحيط بالمكان كله وبدا البحر يهيج والامواج بدأت تتسارع تهز الباخره بعنف
وفجأه هطلت الامطار وزارت الرياح بشده وابتل الجميع لدرجة جعلتهم يتقوقعون على انفسهم
وامسك توم والمساعد في حافة المركب بينما وقف جرانت وكأنه في تحد مع العاصفه ووضع يديه في خصره وقد وجه وجهه
نحو الرياح بينما بدأت المياه تصفع الجميع وتدحرج الباحثون ولكنهم نجحوا في الامساك بحافة الباخره واخيرا طلب منهم جرانت
النزول الى اسفل مع توخي الحذر فقد يعصف بهم الهواء ويطيح بهم لعدم خبرتهم اما تراسي فقد ارادت البقاء وكانت فكرة الاختفاء
خوفا من الخطر تضايقها كثيرا
وهنا قال الكابتن لــ تراسي وهو يدفع بها نحو السلم ويصيح بصوت عال حتى تسمعه على الرغم من الرياح
-هيا الحقي الباقين وكما اننا نعرف مايجب عمله فلا تقلقي
-انا لااخشى شيئا ولكنني ....
-لايوجد لكن فانا لااريد احد يتابعني اثناء المناورات الصعبه
وما ان هبطت الفتاه الى اسفل حتى هبت المياه على الباخره ووقعت الفتاه على السلالم وسمعت صوت صرخه من اعلى
ولكنها صرخه مكتومه لم تستطع تمييزها وحتى لاتصطدم بشيء ارتمت الفتاه على الفراش الخاص بها
ورفعت يديها حول رأسها محاوله مقاومه الحركات العنيفه للباخره التي اصبحت تتخبط بطريقه جنونيه
ورفعت الامواج العنيفه برفيدي الى اعلى ثم تركتها تنحدر في الاعماق الرهيبه في اسفل وكان الباحثون يتخبطون هنا وهناك
حتى اصطدم رأس جلين بحافة الصوان اما بريان فكان وجه شاحبا وكان فعلا مريضا بالنسبه لـ فيفيان فقد امسكت هي
الاخرى بفراشها وكأنه زورق النجاه
ولعد حوالي عشر دقائق بدت كأنها ساعات طوال ظهر الضوء ثانية ومن فراشها رأت تراسي جرانت وهو يهبط السلالم
بسرعه وكان مبتلا تماما بالمياه ثم فتح الصوان وهو يستند على الجدارن الخشبيه واقتربت الفتاه لترى مايفعله
وكان جرانت قد امسك بانبوبتي اوكسجين وقناع وملابس غوص ولاحظ وجود تراسي فاعطاها الانبوبتين وكان وجودهاالى جانبه شيء طبيعي ثم قال لها بسرعه
-هيا ساعديني لاتردي هذا
-هل تنوي الغطس ؟ ولكنك لاترتدي الملابس الخاصه بالغطس كامله ؟
-لاوقت لذلك فالهلب يغوص نحو القاع واذا لم ننجح في السيطره عليه فقد نغرق جميعا هيا اسرعي
وفهمت تراسي من حديثه ان الوقت ضيق جدا وكانت الامواج تتلاطم في الخارج بعنف وبسرعه صعد جرانت الى الجسر
ودهشت عندما لاحظت انها لاتستطيع التحرك بسرعه وبمجرد ان صعدت الجسر تلقت صفعه من الماء على وجهها فتأرجحت
لشدة الدفعه وعندئذ شعرت بيد جرانت تمسك بها فاخذ من يديها ادوات الغوص ثم استند على حافة الجسر ليرتديها بسرعه
وكان يصيح بصوت عال بين الحين والاخر موجها تعليماته الى توم الذي كان يقف على مقربه منه
-قف على مقربه من الهلب وساعدني عندما احاول جذب الهلب وانتبه جيدا فهي فرصتنا الوحيده
ارتجفت تراسي في مكانها وكانت الامواج تتسارع نحو الباخره بشده والامطار تزداد فوق الجسر والحق ان تراسي لم تكن ترتجف
من لطمات الامواج ولكن من الخوف الذي اعتراها التمساح الهريب ... اسماك القرش هو ايضا عليه ان يتوخى الحذر
اقتربت تراسي من جرانت وهي تتأرجح وكان جرانت يستعد لوضع القناع على وجهه ثم صاحت بكل قوتها حتى يسمعها قائله
-الا توجد وسيله اخرى ؟
-ماذا تفعلين هنا ؟ هيا اهبطي الى اسفل فورا
-لاشك في ذلك ولكنك تخاطر بحايتك وانا اهب لاختبئ اسفل ؟ كلا !
-ولكن ذلك لن يفيدك في شيء هيا اهبطي
وكان صوته قويا ولكن عينيه صافيتان كل الصفاء واخيرا قال لها جمله لم تستطع الاستماع اليها ولكنها اصرت قائله
-والتماسيح واسماك القرش ؟
من المؤكد انه سمع كلماتها ولكن ابتسامته رددت عزمه وتصميمه ونفاذ صبره لمواجهة المخاطر ...
وجلس في مكانه ليرتدي بقية ادوات الغطس وعندما عصفت العاصفه والبرق من جديد ليضيء المكان ويبقى كل فرد
متجمدا في مكانه ظل توم ايضا في مكانه مستعدا لجذب الهلب اما ديك فكان عند المحرك مستعدا لتشغيله فورا في حالة الخطر
وبعد دقائق تحسس جرانت وجنتها ثم القى بنفسه سريعا في البحر وهو يضع يديه على القناع ليثبته في مكانه
وظلت تراسي تراقبه وهو بين الامواج يحاول فرد جسده وثنيه حتى اختفى تماما
اما توم فكان براقب المياه بكل دقه ولحقت به تراسي وهي تثبت عينيها على السلسله الضخمه المغموره في مياه البحر
الهائج مما يحول دون رؤية اي شيء من كان يعتقد في ذلك بينما كان الصباح صافيا لدرجه تسمح برؤية اعماق البحر ؟
وفجأه بدا توم يعمل وكأنه تلقى اشارة من الكابتن واخذ يبذل اقصى جهده محاولا جذب السلسله ثم توقف من جديد
وتحركت الباخره من مكانها بشده وبصوره خطيره كما لوكانت قد تحولت الى لعبة بين الامواج واصبح خطر الغرق قريبا
ومع ذلك كان على توم انتظار نجاح جرانت في امساك السلسله وبالهلب حتى يبدا هو عمله من جديد
وكان كل شيء يمر بسرعه شديده وكانت الباخره تتحرك بشده ولقد انتهى كل شيء وتم بنجاح وهاهو
ذا جرانت يظهر من جديد ويساعده توم في الصعود
وبسرعه البرق نزع جرانت ادوات الغطس واسرع ليساعد توم في اتمام مهمته ولكن هيهات هنا كان لابد من اللجوء الى ديك فقال جرانت وهو يتنهد
-ليس امامنا خيار لابد من تشغيل المحرك
وفعلا بدا المساعد يشغل المحرك هو متجهم الوجه وشعرت تراسي بأن المحرك بدا يعمل ولكنها لم تسمعه وتعلقت الفتاه
بما يحيط بها بشده مقاومه حركة الباخره وما ان بدأت تتنفس الصعداء حتى سمعت صوتا من جديد
وفجأه توقفت الاهتزازت تماما انه المحرك يتوقف عن العمل نهائيا
الفصل السابع
قال " جرانت " كأنه طفل صغير اكتشف أمره .
- لقد كنت محقا يا " تراسي " , كان لابد لنا من إصلاح العطل فى " جوف".
كانوا يجلسون على الجسر وسط قطع المحرك التى فكوها , والايدي ملطخة بالشحم والوجوه قذرة وكانوا يحاولوا اصلاح العطل قبل تركيب أجزاء المحرك من جديد .
ولحسن الحظ كان " ديك فرتش " قد قطع الغاز قبل أن تصبح الخسارة جسيمة وغير قابلة للإصلاح , والان سطعت الشمس من جديد .
لا داعى للندم . إن المحرك جيد ولا بأس به فقط استطاع الصمود امام هذه العاصفة القوية .
وكما توقع " جرانت " بالضبط , لم تستمر العاصفة اكثر من بضع ساعات , والان اصبح البحر هادئا وصافيا .
والحق ان " تراسى " لن تنسى ابدا التصرف البطولي للكابتن الذى انقذ حياتهم .
وعندما هدأ البحر اخيرا , قاموا جميعا بتنظيف الباخرة , فهنا وهناك توجد قاذورات كثيرة على الرغم من محافظتهم , ففى الارض , توجد قطع الاوانى المكسرة , والعلب المحفوظة , وهاهم أولاء يحاولون الانتهاء من ترميم المحرك ولكن الليل هبط دون ان يكملوا مهمتهم , وبعد ان استغرق الجميع فى النوم قليلا . استيقظوا فوجدوا انفسهم على الجسر واجسادهم مغطاة بالزيت الاسود بينما يسيطر عليهم الارهاق بشدة . قالت " فيفيان " :
- على الاقل فى " جوف " كان يمكننا الاستحمام . فأجاب " ديك " :
- هيا فالتماسيح لا تنتظر الا ذلك ! ويبدو انها لم تتناول فطورها بعد . منتديات ليلاس
انفجرت " فيفيان " ضاحكة ثم قالت :
- لو لم تتول انت كسر المحرك , لامكننا احتجاز اسماك القرش به لكي تنشغل عنا , وخلال هذا الوقت كان من الممكن ان نستحم !
كانت ضحكة " فيفيان " تعلو فى هذا الجو الحار , وكانت كلماتها المازحة مع المساعد تبعث السرور فى نفوس الجميع , وشيئا فشيئا , تلاشى التوتر والخوف وسط هذا الجو المرح .
واخيرا , تم اصلاح المحرك ومع اول تجربة له علا صوته وسط هتاف الجميع واعلن " جرانت " وهو سعيد انه يجب الاحتفال بهذه المناسبة , ثم ذهب الى الكابينة الخصة به واتى بزجاجة من العصير والاكواب , ثم قال بعد ان قام بخدمة الجميع بنفسه :
-غدا إجازة للجميع , وبالإضافة الى ذلك أعلن لكم انه يمكنكم السباحة كما تريدون .
هنا فرح الجميع وظلوا يهتفون ونظرت " تراسى " الى الكابتن دهشة وهى تفكر : ترى ماذا يحمل فى جعبته هذه المرة من مفاجأت ؟
انتهى الاحتفال مبكرا , فقد كان الجميع مرهقين , فذهبوا الى فراشهم بمجرد حلول الليل , اما " تراسى " فقد استغرقت فى النوم فور ان وضعت رأسها على الوسادة , ولكنها استيقظت بعد قليل عندما سمعت صوت المحرك يعمل من جديد , فانزعجت وارتدت ملابسها ثم صعدت الى الجسر .
كان المركب يتقدم ببطء أسفل السماء المرصعة بالنجوم والقمر البراق الذى لم تر جماله من قبل ومياه البحر أيضا كانت صافية كالمرآة .
لم يكن الضوء كافيا للرؤية ولكن " تراسى " استطاعت ان تلمح " جرانت مورجان " جالسا فى ضوء القمر , وعندما رأها رفع يده وأشار اليها لتلحق به , ولكنها ذهبت الى المطبخ اولا لتعد القهوة ثم عادت إليه وهي تحمل بين يديها صينية عليها كوبان من القهوة .
- يا لها من فكرة طيبة , إنه توارد أفكار , لقد كنت اتحرق شوقا الى تنناول أى مشروب ساخن .
- هل يمكننى ان اعرف ما الذى تفعله هنا فى الليل ؟ انه من الصعب جدا النوم مع سماع صوت المحرك ! لقد تخيلت نفسى فى إجازة .
ولم تستطع " تراسى " ان تمنع نفسها من الابتسام اليه بعد ان ابتسم لها ابتسامة رائعة مشرقة .
- كان من الضرورى الاسراع بالذهاب الى الجنة !
ولا داعى للانتظار حتى الغد لكي ترحل فيضيع نصف اليوم فى السفر . اما اذا بدأنا رحلتنا الأن . فإنه يمكننا الوصول مبكرين عند الاستيقاظ , أليست فكرة جيدة !
- ولكن متى تنام أنت ؟ فانت لم تسترح منذ بداية العاصفة .
- إننى على ما يرام , وانت فى حاجة الى انلوم الا اذا كان صوت المحرك يزعجك . اشكرك على القهوة . وعلى صحبتك هذه .
ثم استراح فى جلسته وهو ينظر الى " تراسى " تارة والى البحر الممتد امامه تارة اخرى أجابت الفتاة :
- لا داعى للشكر . وانت محق فانا لم انم بما فيه الكفاية هذه الليلة .
- هذا حقيقى . فاليومين الاخيران كانا مرهقين للغاية . ان هذه المغامرة ستكلفنى الكثير . خاصة فيما يتعلق بطاقمك .
- ولكنك لست المسؤول عن دفع رواتب طاقمة على ما اعتقد .
- بالنسبة لصيد اسماك القرش . لا , ولكن اصلاح المحرك ليس مذكورا فى العقد كما يبدو لى ! لا أعتقد ان يوم إجازة والسباحة يمكنهما منحك الراحة اللازمة .
- فى المياه الهادئة ؟ بعد أسبوع فى البحر ؟
أنت مخطئ ! إن " فيفيان " مستعدة لدفع روحها ثمنا لهذا اليوم والسباحة وانا ايضا ..
وفجأة شعرت " تراسى " ان عينيها حبيستا نظراته . كما لاحظت ضيق الكابينة وانه اذا مد يده نحوها , اذا حاول لمسها , فلن تستطيع الفكاك ولن تستطيع الرفض .
شعرت " تراسى " ان انفاسها تتلاحق تحت تأثير نظراته لها . ان له اسلوبا معينا يستطيع به التأثير عليها حتى دون ان يلمسها .
ألقى " جرانت " نظرة سريعة نحو البحر , ثم مد يده نحو الفتاة , من المستحيل مقاومته . وشيئا فشيئا جذبها نحوه واحتضنها بين ذراعيه وقبلها برقة متناهية , واستجابت الفتاة لقبلاته ولم تحاول مقاومته نهائيا .
وعندئذ لفت " تراسي" يديها حول رقبته وداعبت خصلات شعره وهي سعيدة بقربه منها وبدفء جسده ولمسات يديه .
إنه جنون وهي تعرف ذلك , جنون مؤكد عقب العاصفة وفي هذه الليلة المقمرة بعيدا عن الجميع وهنا همس " جرانت " فى أذنها :
- هناك وبعد قليل , سأريك شيئا لك وحدك , مكانا رائعا يصلح لي ولك...
لم تجب " تراسى " ولكنها استمرت فى تقبيله وهو يلتصق بها بشدة . ثم ابتعد عنها قائلا :
- حسن .. كدنا نفقد هذا المكان .
ثم أشار بيده نحو جزيرة صغيرة .
- من المستحيل القيادة وتقبيلك فى أن واحد !
كان صوته مملوءا بالاحساس والرقة , ثم وضع يده على يد " تراسى " وابتسم , بينما ظلت الفتاة صامتة ومتأكدة من عدم قدرتها على السيطرة على نفسها , إنها لن تمل قبلاته ولمساته ابدا .
نعم يجب أن تعترف بذلك , إنها تحب " جرانت " ولا يمكنها التراجع , إنه الجنون بعينه . فكرت الفتاة فى " ميلسيا " وتذكرت ما قيل عنهما فى هذا الصدد , انها مخطئة عندما تقع فى حب رجل يحاول اللعب بها لتضيع الملل الذى يسيطر على الرحلة !
وفجأة شعرت بانها عاجزة عن السيطرة على دموعها , فخفضت عينيها , وكم كانت تتمنى منحه ثقتها الكاملة .
نهضت " تراسى " من مكانها وتوجهة نحو فراشها , وعندئذ لاحظت نظرات " جرانت " الدهشة مصوبة نحوها , ولكنه لم يحاول اللحاق بها , كان الجميع مستغرقين فى النوم , ولم يلاحظ احد عودة " تراسي ".
من الصعب جدا ان تغمض عينيها وسط هذه المشاعر والاحاسيس , كما ان حرارة الجو تضايقها أيضا , وظلت " تراسى " تتحرك فى فراشها وذكرى " جرانت " ونظراته تلاحقها , ولم يستطع احد التأثير فيها بهذه الطريقة من قبل .
استيقظ افراد الطاقم الواحد تلو الاخر ولكنها تنتظر صعود الجميع الى الجسر حتى تلحق بهم .
شعرت الفتاة بالخجل وكان من السهل جدا قراءة تعبير وجهها , ومعرفة ما يلم بها . ولكن هذا الصباح مثله مثل أى يوم أخر . اما بالنسبة لها , فالوضع يختلف تماما .
وعندما توجهت الفتاة الى المطبخ لتعد فطورها , استقبلها " جرانت " بابتسامة ولكنه لا يسخر منها مثلما يحدث كل مرة وجاهدت " تراسي " كثيرا حتى تستطيع الابتسام .
وبعد الانتهاء من تناول الفطور , وصل الجميع الى هذه المنطقة من الارض فى الجزيرة الصغيرة .
انها أرض الاحلام ! الجزيرة وحولها الصخور السوداء العالية فى اشكال غريبة والرمال البيضاء من حولها , كما يوجد ثلاثة جداول من المياه تصب فى الخليج وكأنها ثعابين من الزمرد وسط الرمال .
تقدم " جرانت " المجموعة وهو يمسك ببندقية فى يده , واخيرا وصلوا إلى أعلى تل متوسط الارتفاع , ومن هذا المكان يستطيعون رؤية البحيرة الصافية , وعندئذ قال " جرانت " وهو يعطى البندقية الى " ديك " :
- لا توجد اسماك قرش هنا وربما لاتوجد تماسيح أيضا , اعتقد ان المياه هنا صافية جدا لدرجة لا تسمح بوجودها . ومع ذلك لابد من الانتباه جيدا , فلا احد يعرف شيئا .
وهنا ابتعد الكابتن ومساعده للاطمئنان على المكان قبل ان يعودا ويؤكدا للجميع سلامة المنطقة من المخاطر . وبمجرد إعلان ذلك أسرع الجميع نحو البحيرة .
يبدو ان اليوم سيكون رائعا , لقد أحضروا كل شئ معهم ليستمتعوا بالرحلة جيدا بعد هذا الاسبوع الطويل المرهق .
خرج " جرانت " من الماء بسرعة وانتحى بمساعده جانبا ليصدر إليه بعض التعليمات , ثم أشار بيده نحو " تراسي " , فدهشت الفتاة كثيرا ولكنها ارتدت ملابسها مسرعة دون أن تجفف جسدها , وعندئذ ابتعد " جرانت " متوجها نحو الصخور وما كان عليها إلا اللحاق به , وعندما وصلت اليه . قال لها بغموض شديد :
- إذا أطلعتك على سر ما . هل تحتفظين به ؟
- أى سر هذا ؟
- ألا تثقين بى ؟
نظرت إليه الفتاة فى حذر . فقال لها :
- لقد أخبرتك أننى سأريك شيئا اليوم ... اكتسى وجه الفتاة بحمرة الخجل ولم تستطع منع نفسها من الندم . كما ان ابتسامة " جرانت " لا تريحها فقال لها بصوت منخفض :
- ألا تتذكرين ؟
- نعم ..
- عدينى بأنك لن تخبرى احدا بذلك .. حتى ولا افراد الطاقم .
- ولكن ماذا تقصد ؟ هل تخفى كنز احد القراصنة هنا ؟. انت حقا قادر على ذلك !
- أفضل من ذلك بكثير . بالنسبة لى على أية حال , كم أتمنى أن اعرف فيما تفكرين .
- إننى أتساءل ماذا تدبر ؟!
- سترين .
ثم تقدما سيرا على الاقدام وسط جداول المياه الثلاثة . وكانت الصخور السوداء العالية أمامهما . إنه عالم اخر ساحر به كل الالوان أحمر . بنى وذهبى . ياله من مكان غامض حقا .
تقدم " جرانت " امامها وهو منتبه تماما للطريق بينما كان يضرب الارض بعصاه ليتأكد من عدم وجود ثعابين . وكانت " تراسى " تتبعه فى انتباه وهى ترفع رأسها بين كل خطوة واخرى لتلاحظ روعة المكان وسحره .
وعندئذ كان " جرانت " يبدو كأنه يبحث عن الثعابين واخيرا اقترب من ممر ضيق . فقال مبتسما :
- هنا من خلال هذا الممر يمكنك الوصول الى قلب الجزيرة . كنت اخشى دائما ان تسد المياه هذا الممر . ولكن كأنها معجزة فى كل مرة أجده خاليا من المياه . سنرى هذه المرة أيضا هذا الكهف . أتمنى ألا تخافى من الوطاويط ؟
- هل يوجد الكثير ؟
ضحك " جرانت " قائلا :
- إنها فى غقر دارها , ودون إضاءة لن تزعجها . فلا تخشى شيئا , أريد أن أنبهك أن النهر عميق فى هذا المكان , وقد نضطر الى السير فى الماء , اتبعينى عن كثب , ولا تخافى , والان قليلا من الصبر !
- ألا توجد تماسيح أو ثعابين هنا ؟
- تماسيح , لا , اما الثعابين فهى اكثر خوفا منا , على أية حال سأمر أمامك
- شئ ما لا يريحنى!
- هيا اتبعينى والا لن نستطيع العودة قبل موعد الغداء .
تقدما فى المياه والظلام , ولكن الضوء كان كافيا بعض الشئ لرؤية الطريق . لقد اضطرا الى العوم فى بعض الاحيان وكان المرور صعبا خاصة فى الظلام الدامس . وسمعت " تراسى " صوت الوطاويط قريبا منها وحركة اجنحتها فوق رأسها .
بالنسبة لـ " تراسى " كانت ثقتها فى الرجل الذى يقوم مقام دليلها ثقة عمياء لدرجة جعلتها تسير وراءه نحو مصير غامض ولكن التجربة مرعبة حقا.
واخيرا وصلا الى النور ورأت " تراسى " الروعة مجسدة أمامها لدرجة قطعت أنفاسها كان أمامها جزيرة صغيرة جدا كأنها محفورة وسط الصخور , وفى المنتصف توجد بحيرة ذات مياه مثلجة وقاع لونه أحمر وكان الصمت يخيم على المكان كله .
واخيرا استطاعت " تراسى " النطق , فقالت :
- انه رائع .. رائع لدرجة لم يرها إنسان من قبل .
- انتظرى قليلا .
ثم جذبها " جرانت " نحو الجهة الاخرى لترى صخرة سوداء كأنها صخرة الذكرى , نعم لقد حضر الكثيرون من قبلها الى هنا , ان هذا المكان يشبه الكاتدرائيه , وعلى الجدران , ترى تحت الذين رأوا المكان من قبل.
كما توجد رسومات أهالى المنطقة , إنها أشياء تستحق التأمل فعلا : حيوانات ضخمة , أسماك , ألوان مختلفة , حياة كاملة ومخلوقات كانها تتحرك على الصخور .
أمسكت " تراسي " بذراع " جرانت " حتى يسير ببطء قليلا وكانت تقف عند كل خطوة وتمعن النظر فيما ترى , إنه فن بدائى كأنه يأتى من زمن مختلف فيتغلغل فى الروح , فى هذا المكان ترى رسوما تعبر عن أسماك ضخمة ذات عيون سوداء , وهنا سمكة قرش سوداء ومعها سمكة أخرى تحاول اللحاق بها , وهناك أيد , أيد كثيرة تغطى المكان , فقالت الفتاة متنهدة :
- كيف أمكنهم الصعود الى أعلى ؟ فالسقف على ارتفاع عشرة أمتار على الأقل .
- ربما بواسطة الإسقالة , وربما كان المكان أقل ارتفاعا فيما مضى .
كان " جرانت " يتحدث بصوت منخفض خوفا من كسر هذا الصمت والغموض اللذين يسيطران على المكان .
وفى الجهة الاخرى , توجد رسومات من عهد حديث , فهناك رسومات مراكب وأشخاص ومسلحين ببنادق لهم ملامح أسيوية أو اوروبية , كما يوجد اشخاص محاربون يمسكون بالسهام فى أيديهم , وهم مزودون بالدروع .
تقدما قليلا , فأمسكت " تراسى " بذراع " جرانت " بقوة وهمست قائلة :
- نحن لسنا فى مكاننا هنا , هذا المكان ليس لنا ...
وفى مكان أخر , صرخت " تراسى " بشدة وحاول " جرانت " منعها من التقدم ولكن الوقت كان متأخرا , لقد رأت كل شئ , فقال لها :
- معذرة , لقد نسيت هذا المكان .
- كان الحائط مرسوم عليه صورة لاثنين من السكان يرقصان رقصة مرعبة دليل الرجولة ويمسكان بأسلحة فى ايديهما . وكان منظرهما مرعبا جدا كأن الحياة تدب فى أوصالهما .
الحق انه ما من امرأة رأت هذه الصورة من قبل ... وبسرعة شديدة استدارت الفتاة .
فخرجا معا من الكهف نحو الشمس .
وشعرت " تراسى " كأنها تعيش القرن الماضى والغامض لـ " استراليا"..
لم يكن أحدهما يريد التحدث الى الاخر . وشعر كل منهما أنه يعيش فى مكان منعزل . جلس الاثنان على حافة النهر يستريحان قليلا وبسرعة شديدة جادت ملابسهما .
حتى هنا , كانا يتحدثان بصوت منخفض وكأنهما تحت تاُثير شعور غريب يسيطر عليهما .
سألته " تراسى " بعد طول صمت :
- كيف اكتشفت هذا المكان ؟
- لقد ترعرعت وسط مجموعة نادرة من القبائل هنا , وعرفت من خلالهم هذا المكان , وانت أول انسان اصطحبه الى هنا .
- أشكرك , أشكرك .. ولكن ربما كان من الواجب أن ..
- كنت أريد معايشة هذا السر معك , فلا تخبرى احدا به . فمن الممكن تدمير هذا المكان إذا عرفه السياح .
- ولهذا السبب حاولت المجئ ليلا حتى لا يسألك احد عن شئ .
- نعم , هذا جزء من الحقيقة , ولكن البحارة يمكنهم زيارة هذه الجزيرة ومعرفة مكانها بسهولة إذا أرادوا , ولكن لا تقولى شيئا .. كما إنه إذا عرف " توم – بوس " سر هذه الجزيرة لم يكن ليوافق على الحضور هنا , فهو مكان مقدس .
- هل لأنه من السكان الأصليين للمنطقة ؟ ولكننى لا أصدق ذلك ..
- كلا إنه من " برووم " ولكنه يخشى الاماكن المقدسة كثيرا ..
- أفهمك جيدا .. أما نحن نتأثر بالمكان .. ومع ذلك فإنى لا أعتقد فى السحر .
إنه " جرانت " مختلف تماما عن هذا الذى عرفته من قبل , إنه رجل منحها هدية قيمة جدا , وأتى بها وحدها إلى هذا المكان الرائع أجابها " جرانت " :
- أنا أيضا لا أعتقد فى السحر , ولكن هذه الاعمال لها تأثير ما على الخيال بدرجة تجعلنا نحاول المحافظة عليها .
- هل تعتقد أنه لم يحضر أحد لزيارة هذا المكان مثلنا ؟
- لقد اختفى معظم سلالة هذه القبيلة , والحق أنا لا أعرف ماذا أفعل , فيما أننى أخفى هذا المكان ربما يختفى فى يوم ما , لكن تخيلى لو عرفه الجميع وأصبحوا يزورونه ..
إننى أخضر هنا منذ عشرين عاما , كأننى احج إلى مكان مقدس وخلال هذه الاعوام لم ألاحظ أثر لأى زائر , أعتقد أنه لم يأت أحد إلى هنا منذ أن رأيت هذا المكان أول مرة عندما كنت طفلا .
- ربما يهتم الزائرون بالمكان مثلك تماما ولا يتركون أثرا يدل على وجودهم أيضا .
- ربما , ولكنه احتمال ضعيف , فحتى فى أيام طفولتى كان الاشخاص المتبقون من القبيلة قليلين جدا , ومتقدمين فى السن , وكان والدى يأتى للصيد فى هذه الاماكن عندما كان من الممكن صيد التماسيح فيما مضى . وكان يحضرنى الى هنا ونزور بعض سكان المنطقة الاصليين ولكننى لم أقابل احد هنا بعد ذلك .
ظل " جرانت " و " تراسى " يتأملان أسفل أشعة الشمس ثم نهضا ليلحقا بالباقين على الشاطئ , كان الطريق طويلا وموعد الغداء يقترب , لقد تركا أفراد الطاقم منذ حوالى ثلاث ساعات .
تبعته " تراسى " وهى مضطربة وتفكر , هل ستنجح فى التكيف مع مزاج " جرانت " المتقلب ؟
فأحيانا يكون ساهما واحيانا يكون جذابا وأحيانا يكون فيلسوفا .. من الصعب جدا فهم شخصيته , فأثناء الليل كان حنونا وجذابا , واليوم لم يحاول الاقتراب منها نهائيا . ولكن أليست هذه المغامرة الغريبة دليل ثقته بها ؟
وعندها اقتربا من الشاطئ , لاحظا وجود نيران تأتى من الجهة الاخرى , وقد حال ذلك دون الرؤية , ودون تردد جرى " جرانت " نحو الشاطئ ووراءه " تراسى " وبمجرد أن اقتربا حتى سمعا انفجارا , ونظرا معا فرأيا جميع افراد الطاقم موجودين ولكنهم ليسوا وحدهم , كما توجد باخرة فاخرة تقف على مقربة منهم . وهى عبارة عن يخت رائع يقف على مقربة من " برفيدي " لدرجة جعلتها تبدو وكأنها مركب صيد قديم .
لم يجر " جرانت " مسرعا ., ولكنه سار بخطئ هادئة نحو الفتاة الشقراء التى تقف فى انتظاره .
لقد كانت " ميليسا ستيوارت " فى انتظاره بصحبة رجل مميز يبدو انه والدها ومعهما اثنان من البحارة الفصل الثامن
عندما وصلت تراسي إلي الشاطيء، ورأت "جرانت" يقف بعيداً مع "ميل ستيوارت" يتحدث معه، وكان الرجل يرتدي حلة بيضاء أنيقة جداً، ويبدو أن والد "مليسا" رجل دبلوماسي من الدرجة الأولي.
وشعرت "تراسي" أن "جرانت" يحاول كبح غضبه علي الرغم من أنها كانت تراه من ظهره.
فسر ديك" سبب النيران التي تنفجر أنه فجرها كنداء للكابتن وذلك وفقاً لأوامر والد "مليسا"
وحاولت الفتاة معرفة المزيد عن الموضوع ولكن دون نجاح، فلم يكن "ديك" يعرف شيئاً.
أما مليسا" فلم تحاول الأندماج وسط المجموعة، وظلت واثقة من نفسها، لقد وقعت أحداث كثيرة لتراسي" منذ واقعة حمام السباحة التي حاولت نسيانها لكنها تذكرت كل شيء بمجرد أن رأت "مليسا" ومع ذلك حاولت أن تبدو مهذبة في تصرفاتها تجاه الفتاة الشقراء التي لم تكلف نفسها حتى عناء النظر إليها.
وحاول "جلين جيمس" التقدم من الفتاة وفتح أي حديث معها ولكن "مليسا" سحقته بكبريائها. فآثر الصمت من جديد، وأخيراً أقترب الكابتن من الطاقم وقال دون مقدمات:
- إن الرحلة انتهت إلي هذا الحد وسنعود إلي داروين.
كانت المفاجأة شديدة جداً. ونظر الجميع إلي بعضهم.
- هل فهمتم سنعود: إنه أمر الوزير.
رددت "تراسي" دهشة:
- الوزير! هل هو الوزير؟ انا لا أعرفه!
- صه! إنه "ميل ستيوارت" يعمل في مكتب وزير الصيد، فهو يرسل إينا الأوامر العليا.
فأصرت الفتاة قائلة:
- زلكنما الذي يهمه في رحلتنا؟
- سنعرف ذلك فيما بعد... وفي داروين يمكنك الإتصال بالمعمل والتحدث معهم كما تريدين، أما الآن علينا تنفيذ الأوامر بالرحيل.
شعرت "تراسي" أن قرار "جرانت" لا رجعة فيه ولم تكن تريد طرح أي أسئلة علي "ميل ستيوارت".
ومن الصعب بالتأكيد التحدث إلي جرانت أمام الجميع، إذن من الأفضل أن تنتظر حتى تحدثه سراً. فربما يفسر لها الأمر بعد ذلك.
وهنا أقترب "ميل ستيوارت" وابنته من أفراد الطاقم، بينما كانت الإبتسامة المشوبة بالقسوة ترتسم علي شفتي مليسا.
ثم قال الرجل لجرانت:
- صديقي إنني أعهد ‘ليك بأبنتي، إنها تريد الترويح عن نفسها...
وهنا ساد الصمت المكان لكن أحداً لم يستطع أن الأعتراض فأجاب جرانت:
- إذن لتذهب وتأتِ بحاجاتها، سنرحل فوراً.
وهنا اعترضت فيفيان قائلة:
- لقد قضيت ساعات طويلة في اعداد طعام الغداء، ولا يمكننا بالتأكيد استكمال الرحلة ونحن جائعون.
ولم يستطع الكابتن الاعتراض علي هذه الحجة. فوافق علي التأخير، وهنا ابتعدت مليسا وقبل أن يصعد ميل إلي اليخت الخاص به، أمسك يد تراسي، فارتعشت الفتاة. ثم أمسك بيد فيفيان وظل ممسكاً بها طويلاً، ثم وجه كلامه إلي الفتاتين بينما ركز نظراته علي فيفيان قائلاً:
- إنني سعيد بمعرفتكما، وآسف لأننا لن نستطيع البقاء معا طويلاً! ولكن ربما أستطيع في داروين...
جذبت فيفيان يدها بطريقة لطيفة، فقد انزعجت من هذه المصافحة الطويلة.منتديات ليلاس
وأخيراً، اصطحب الرجل ابنته معه إلي اليخت لتناول الغداء.
انتهى الغدلء بسرعة، وظل بريان يطرح اسئلته الفضولية علي جرانت الذي أمره بالصمت في النهاية، فقد كان الكابتن معكر المزاج حقاً...
أما تراسي فكانت في قمة غضبها، لقد انتهت الرحلة العلمية دون الأخذ برأيها. ودون وضع هذه النهاية المفاجئة للرحلة. ومورجان لم يحاول تفسير الأمر لها.
وفي صمت قاتل ، توجه الجميع نحو برفيدي، وإذا كان البحر يسمح ، فسوف يتجهون إلي داروين خلال ثلاثة أيام وتنتهي الرحلة تماماً.
حضرت مليسا مع أحد البحارة ومعها أمتعتها، وها هي ذي تحمل عددا كبيرا من الحقائب لمجرد رحلة صغيرة إلي داروين.
وكانت حقائبها اكثر من حقائب الطاقم كله خلال شهر.
ودون أي تردد، أقامت مليسا في كابينة الكابتن جرانت مورجان قال بريان مغتاظاً:
- إنها تعرف ماذا تريد.
فأجابته فيفيان:
- هذا حقيقي، ولكنها غبية جدا في رأي، وتلعب حقاً بالنار!
كان هذا التلميح الوحيد للموقف، والحق أن الجميع كانوا يلاحظون شعور تراسي نحو الكابتن واختفائها معه في الجزيرة،
وتبادل أفراد الطاقم النظرات فيما بينهم عندما حاولت مليسا قطع الطريق عليهم بهذه الطريقة، والحق أن صمتهم كان يؤلم تراسي كثيرا.
واخيراً عثرت تراسي علي جرانت وحده وكأنه يحاول تجنبها، فصاح فيها قائلا:
- لا داعي للنقاش سنعود فوراً وانتهي الأمر.
- شيء غريب... أتوافق علي رأي هذا ال... ؟
ألم تر كيف تحدث معي ومع فيفيان؟ ألم تلاحظ كيف كان ينظر إليها؟ إنني لم أقابل شخصاً كريهاً مثله من قبل!
- هدئي من روعك، رأيك فيه شيء آخر. أما الأوامر فهي أوامر ويجب أن تنفذ.
- إذاص، ستنفذ ما قاله؟ حتى لو كان ما يقوله لا معنى له؟ إنك تستمع له دون أدنى تعليق، وهل ستوافق علي ما يقوله حت لوكان أمراً غير شريف؟...
صاح فيها جرانت..
- صه. إنك تهذين، يمكنك التحدث في ذلك مع مديرك. وفي ازنتظار ذلك أنا الكابتن ولا بد من الرحيل.
- مفهوم يا كابتن مورجان أنا أعرف ماذا يخيفك؟
مجرد قرار صغير! عندئذ استدارت الفتاة وغادرت المكان وهي في قمة غضبها وأغلقت الباب ورائها بعنف، وعندما خرجت وجدت فيفيان التي قالت لها عندما لاحظت غضبها:
- هل خيب الكابتن آمالك؟
- إنني لا أفهم شيئاً؛
- لمعلوماتك، غن ميل ستيوارت ليس مجرد رجل سياسي، ولكنه رجل أعمال كبير، وهنا في الشمال يحظي بسوة عظيمة، وله أعمال كثيرة، كما أن له أسماء مستعارة ورجالاً يحمونه لا يمكن مواجهتهم. إنه ثري جداً ولكن لا أحد يعرف كيف.
- كيف عرفت كل هذا؟
- إن لي صديقة صحفية قامت ببحث حول فضيحة مالية. وكانت تريد إدانته واشتراكه في هذه الفضيحة، ولكنها لم تستطع الحصول علي دليل واحد ضده.
- هذا لا يدهشني : إنه رجل غير جدير بالثقة، ولكن ما الذي يهمه في رحلتنا هذه؟ ولماذايستمع جرانت إليه دون أية اعتراضات؟
- أنا لا أعرف ذلك، ولكن لا تنسي أن مورجان لم يكن ليستطيع بناء هذه دون مقابل مثل هؤلاء الرجال،ربما...
- أنت تشكين في أنه شريك معه؟
- أنا أعرف أن ذلك أمر غريب، ولكن من الممكن الشك في هذا..
لم تستطع تراسي الأجابة. جرانت مورجان رجل غير شريف! لقد كونت عن هذا الكابتن صورة مختلفة تماماً! كلا: من المؤكد أن فيفيان مخطئة.. ولكن لا يمكن الاعتماد عليه في معرفة اي شيء منه! كما أنه لا يتحدث عن نفسه كثيراً.
وفجأة خطر علي بال تراسي فكرة ما،فحاولت التحدث فيها مع فيفيان:
- إنني أتسائل كيف عرف ستيوارت وابنته مكاننا؟! كنت أريد طرح هذا السؤال علي جرانت ولكنه لم يترك لي أية فرصة.
- بالتأكيد بواسطة اللاسلكي.
- هو الذي أعطاهما المعلومات عن مكاننا؟
- ولم لا؟ إن الأمر لم يكن سرياً علي ما أعتقد ..
- كلا .. أنت محقة في ذلك...
كانت هذه الأيام حافلة بالعمل وتدوين الملاحظات. وفيما بعد يتأتي لتراسي دراسة كل شيء في معمل هوبار، ويمكنها دراسة النماذج التي حصلت عليها، إنها حقا لا تفضل دراسة الأجزاء المجعدة من الأسماك ولكنها مضطرة.
أما بريان وجلين فقد ظلا دون عمل وحاولا مساعدة تراسي ولكنها منحتهما إجازة منذ ثلاثة أيام، والحق أنها تشك في مقدرتهما علي العمل، لذلك لم تحاول اشراكهما في شيء. وحاول بريان شغل نفسه بأي شيء، ولحق بتوم بوس ليساعده في صيد طعام العشاء، أما جلين فقد اكتشف مواهبه في الطبخ. وأعلن أن المطبخ أصبح من مهامه ولم يحاول أحد مجادلته في ذلك، وافقت تراسي علي مساعدة فيفيان لها. والحق أن فيفيان أسدت إليها معروفاً ضخماً بهذه المساعدة، فقد كان اممها عمل كثير ولم يعد يتبقي أمامها سوي ساعتين من العمل قبل الوصول، كما أن وجود فيفيان اللطيف بجانبهاسيساعدها كثيراً علي نسيان تصرفات جرانت الفظة.
مر اليوم الأول بسلام، وكانت مليسا تلاحق جرانت في كل خطوة من خطواته كأنها طفلة في العاشرة من عمرها. ولا تعرف كيف تلعب وحدها. وكان جرانت قد أخذها في زيارة للباخرة كلها، ولكن ذلك لم يكفها. واضطر الكابتن إلي أن يترك كل شيء حتى يتفرغ لصحبتها علي الحدسر العلوي بينما تأخذ هي حمامها أسفل أشعة الشمس الذهبية.
وهكذا يتولي المساعد مسئولية برفيدي أثناء النهار ويحل جرانت محله أثناء الليل.
كيف كان يعاملها بكل هذه الرقة ثم ينساها بعد ذلك تماماً بمجرد وصول الفتاة الشقراء؟
هي التي اعتقدت أنه منحها ثقته... ألم يذهب بها إلي ذلك هذا المكان المقدس الذي احتفظ به سراً لنفسه ولم يطلع أحداً غيرها علي وجوده؟
إن مرارة الخيانة من الصعب جدا تحملها.
ومنذ صباح اليوم الثاني، تخلت مليسا عن تحفظها نهائياً وبدأت تتعامل كطفلة مدللة، وهكذا أصبحت تشكوا من كل شيء،
فتقول:
- إن هذه البرتقالة كإنها كهل هرم؛ من المستحيل الحصول علي نقطة عصير منها، إنك تحتفظين بثلاجتين كبيرتين علي متن الباخرة، كان من الأفضل لك أن تأتي بعصير برتقال محفوظ!
وهنا أجابت تراسي بنفاذ صبر:
- إنها مملوئتان بالمواد العلمية الخاصة بنا، وقد كان معنا في البداية أطعمة محفوظة ولكنا أجهزنا عليه كلها لنفسح مكاناً للنماذج التي نحصل عليها.وعادة عند عودتنا من هذه الرحلات العلمية، نلجأ إلي صيد السمك ونأكله في التو واللحظة.
لم تكلف مليسا نفسها عناء الرد عليها، واكتفت برفع كتفيها، ثم واصلت شكواها، فالزبد دسم جداً والأسماك التي تم اصطيادها في الصباح لم تعجبها، كما إنها تريد خبزاً طازجاً..
وهكذا تركها جرانت تتحدث طويلاً،و لكنه ما إن قطب جبينه حتي كفت تماما عن كلماتها الناقدة .
وبعد قليل أرادت مليسا اللحاق بجلين وبريان علي الجسر، ولكن الرجلين ادعيا عدم رؤيتها وابتعدا بسرعة عنها. فقررت اللحاق بجرانت الذي كان يستريح في الكابينة بعد قضاء الليل ساهراً عند الدفة.
وبعد دقائق من دخول مليسا الحجرة وسماع صوت صياح مختنق، خرجت الفتاة وهي شاحبة الوجه وهي ترتجف.
- إنها حيوانة حقيقية...
وتظاهرت تراسي بعدم سماعها جملة فيفيان ، فقد كانت حزينة جداً ولا يمكن مواساتها حتى بتوتر مليسا وانزعاجها.
وطوال فترة الصباح، اعتكفت فيفيان وتراسي في المطبخ، ووضعتا كومة من الأوراق أمامهما. ظلتا تعملان طويلا دون أن يحاول أحد ازعاجهما.
وعندما دخلت عليهما مليسا وأخبرتهما أنها جائعة، أعطتها فيفيان السكين والبطاطا وطلبت منها تقشيرها، وهنا اختفت الفتاة بسرعة... . وفي الظهيرة، خرج جرانت من الكابينة وتولي مسئولية تسلية الفتاة، والحق أنه كان رائعاً، كما بدت مليسا مشرقة، وبالتالي نعم الطاقم بالهدوء.
ونظرت فيفيان إلي الجسر العلوي، وأخذت تراقب الكابتن وصديقته وتتحدث عنهما، ولكن تراسي لم تعلق بكلمة واحدة، والحق أنها لم توجه كلمة واحدة إلي جرانت منذ أن تشاجرا معا في كبينة القيادة، وظلت منزعجة وعيناها مملوءتان بالدموع وأصبحت لا تفكر إلا في شيء واحد:
وهو التماسك وعدم الأنهيار حتى عودتها إلي داروين.
وهناك يمكنها معرفة سبب قطع الرحلة المفاجئ وبالتالي يمكنها نسيان جرانت مورجان، وإلي أن يحدث ذلك عليها إغراق نفسها في العمل.
كانت تراسي لا تزال تعمل في المطبخ عندما لحق بهاجرانت نحو الساعة الحادية عشرة مساء.
ودون أن يتسبب في أي ضوضاء ، أعد لنفسه فنجاناً من القهوة بينما لم ترفع الفتاة عينيها عن الأوراق المكومة أمامها لحظة واحدة.
وفجأة قال لها:
- إنك تعملين كثيراً. ألا يمكن تأجيل ذلك قليلاً؟
فأجابته دون أن تنظر إليه وكان صوتها ينم عن غضب واضح:
- ولماذا؟
- لا أعرف ... ولكن استريحي واستفيدي من هذه الأيام في البحر، أفعلي مثل الباقين.... فأنت تستحقين الراحة بعد أن أرهقت نفسك كثيراً أثناء الرحلة.
- لم يفكر أحد في الراحة.. ففيفيان تأتي لمساعدتي ليلاً ونهاراً، وديك يعمل، وتوم بوس أيضا...
والكابتن أيضاً يمسك الدفة طوال الليل وإن كانت لم تذكر ذلك.
- استمعي إلي، لقد حدث كل شيء بسرعة مفاجئة، أنا أعرف أن الطريقة لم ترقك ولكن ...
- ولكن من الأفضل لي أن آخذ حماماً شمسياً لمدة ثلاثة أيام كإجازة لي؟ اليس كذلك؟ وعلي أية حال، ما الذي يزعجك؟ إنه عملي! وحتى إذا لم أصل إلي شيء ولم أحصل علي مستحقاتي، فلا يهمني شيء...
- لم أقصد ذلك... ولكن ما معني غرقك في العمل إلي هذا الحد؟ هل تريدين الوصول إلي داروين وأنت مريضة؟
- كما أنني لا أعرف سببا لبقائي متفرغة، علي الأقل أنا لا أضيع وقتي.
ثم استدارت لتستمر في عملها، ولاذ هو بالصمت. ولكنه بقي بجانبها يحتسي القهوة.
شعرت تراسي بنظراته مركزة عليها، وكان من المستحيل أن تستغرق في عملها هكذا؛
وهكذا ظلا طويلاً علي هذا الحال. وشيئاً فشيئاً بدا التوتر يتلاشي، وبدأت الفتاة تشعر علي الرغم من اضطرابها - أن نظرات جرانت إليها أصبحت أكثر حناناً وأكثردفئاً....
وعندما رفعت عينيها نحوه لتطلب منه أن يدعها تعمل في سلام، لاحظت أنه لا ينظر إليها، لكنه استراح في مقعده وأغمض عينيه. ربما يفكر، وربما يشعر بالأرهاق.
وعندئذ أخذت تراسي تراقبه خلسة وهي تحنو عليه، ولكنها سرعان ما تذكرت وجود مليسا، فأدارت وجهها بعيدا عنه وهي مقطبة الجبين، ولم تجد ملاذا لها أفضل من العمل.
وبعد فترة طويلة، نهض جرانت من مكانه، وغادر المطبخ، فتنهدت تراسي وحاولت الاستغراق في العمل من جديد حتى لا تفكر في شيء وعلي الرغم من ارهاقها إلا أنها ظلت تعمل حتى منتصف الليل، واخيراً قررت التوجه إلي الفراش. وفي اليوم التالي، كان العمل المتواصل في انتظارها أيضاً وكان أمامهم ليلتان أخريان علي الباخرة قبل وصولهم إلي داروين في صباح اليوم الرابع... فيا له من وقت طويل!
وفي الفجر، لم تستيقظ تراسي علي أشعة الشمس كما يحدث كل يوم، ولكنها استيقظت عندما شعرت بيد تهزها بقوة.
- استيقظي يا تراسي! لقد حدث شيء.
عندئذ هبت الفتاة من مكانها وفتحت عينيها فوجدت فيفيان أمامها، وكانت منزعجة جداً، وتتحدث بصوت مختنق وهي حريصة علي ألا توقظ بقية أفراد الطاقم.
- هيا ارتدي ملابسك ، شيء غريب...
- ماذا؟ ماذا حدث؟
ولكن فيفيان لم تخبرا بشيء. واكتفت بأن أعطتها ملابسها، فارتدتها تراسي بإعياء شديد حيث كانت مرهقة للغاية. ثم تبعت فيفيان نحو الجسر وكان الفجر قد بزغ منذ قليل. كانت تراسي تتعثر في خطواتها وراء فيفيان وهي تفرك عينيها وعاجزة عن التغلب علي النعاس، ودخلت فيفيان المطبخ وورائها تراسي التي كاد قلبها يتوقف من الخوف والدهشة. وأحيراً استيقظت تماماً!
كان كل شيء ملقي علي الأرض وكأن عاصفة اجتاحت المكان، فأوراق تراسي متناثرة علي الأرض... كل أوراقها في كل مكان مختلطة بالبصل والجزر والبرتقال. حتى طبق الدقيق قد وقع وأيضاً زجاجة عصير الطماطم وقعت فوق الأوراق فصرخت تراسي:
- ما هذا؟ هل هي عاصفة؟ لقد نمت نوماً عميقاً لدرجة أنني لم أشعر بشيء.
- عاصفة؟ كلا بالتأكيد! هيا لا تدعي البراءة فأنت تعرفين جيداً من الذي فعل ذلك؟
- ما الذي يحدث هنا؟
كان هذا صوت جرانت مورجان يتحدث وهو في شدة الارهاق، لكنه ما إن وقف بجانبهما حتى دهش تماماً من المنظر، وقال:
- ماذا فعلتما؟
فأجابته فيفيان:
- إننا لم نفعل شيئاً! أليست لديك فكرة أيها الكابتن؟ قد تكون ضيفتك؟
- مليسا؟
- نعم ، هي جذابة وبريئة... وما فعلته شيء رائع أليس كذلك؟
- فيفيان ! هل لديك أدلة؟
- أدلة؛ وهل هناك شخص آخر يمكنه أن يفعل ذلك؟
أجابها جرانت ببرود:
- يجب أن لا نتهم أحداً دون أدلة.
أقتربت منه فيفيان في قمة غضبها، فقد كان من المستحيل أن تتحمل تظاهر الكابتن بعدم المعرفة، ولكن تراسي امسكت بها وحاولت تهدئتها وهي تقول:
- هذا حقيقي. لا توجد أدلة، علي كل حال ، سأهتم بتنظيف كل شيء، ساعديني يا فيفيان حتى نقلل حجم الخسارة بقدر الإمكان.
فأسرعت فيفيان بمساعدتها ، وظل جرانت ينظر إليهما ، ثم لحق بهما وهو مذهول وغاضب.
- وما الذي يدفع مليسا لفعل هذا؟
صاحت فيفيان:
- لا تدعي البراءة.
- حقاً أنا لا أعرف...
- هل تريد رسماً؟ هذا ال...
امسسكت تراسي بذراع صديقتها لتضطرها إلي الصمت. وكانت مستعدة لعمل أي شيء حتى لا تذكر فيفيان أي شيء يدل علي الغيرة من مليسا حتى لا تشعر هي بالذل. ثم قالت:
- لا داعي لأي كلام، أنا لم أفقد سوي ورقة أو اثنتين، أما الباقي فمن الممكن قراءته.
ولكن فيفيان لم تكن مستعدة لأن تهدأ بسهولة. أما تراسي فقد حاولت تهدئتها من جديد.
- لا داعي لأن نتسبب في فضيحة، واؤكد لك أن الأمر بالنسبة لي سيان، لنحاول إنهاء هذه الرحلة علي خير. ولننس هذه التصرفات الصغيرة.
لم تشعر تراسي قط أنها سجينة في هذه الباخرة مثلما تشعر هذه المرة وكم تتحرق شوقاً للوصول إلي الميناء!
ولحسن الحظ لم يعد يتبقي سوى يوم واحد علي متن هذه الباخرة في هذا الجو الخانق، حتى فيفيان التي تتفاهم معها توده إليها أحياناً النظرات الغريبة، لقد أبح كل شيء غير محتمل، أما بالنسبة لفيفيان فكل ما كان يضايقها هو جبن تراسي.
واخيراً قالت فيفيان:
- حسن، أنت الرئيس، فافعلي ما تريدين!
- ولكنني أخجل من قبول هذا الوضع!
ثم خرجت مسرعة وهي تكاد تصطدم بجرانت في طريقها، وعلي عكس ما كانت تراسي تتمنى، لم يتركها الكابتن. وكان كل شيء قد أوشك أن يصبح مرتبا في المطبخ وكانت فيفيان قد كسرت بعض الزجاج، فوضعته تراسي في سلة المهملات. كما أعادت الخضروات إلي أماكنها. والآن ها هي ذي تحاول تنظيف أوراقها من الدقيق وإزالة بقع الطماطم التي ألمت بها
- تراسي.. أنا أعتذر، وغذا كان يمكنني عمل أي شيء مهما كان...
- انتهى الأمر ولا داعي للحديث فيه.
- هل أنت متأكدة من ذلك؟
كان صوته رقيقاً لدرجة جعلت تراسي تكاد تنهار باكية. ولاحظت مرة أخري كم أن مجرد وجوده بجانبها يؤثر فيها . فأعطته ظهرها حتى لا يري دموعها وتابعت عملها.
وبعد لحظات لم تنطق خلالها تراسي بكلم واحدة، آثر جرانت العودة إلي الجسر، وهنا عادت فيفيان إليها من جديد وسألته قائلة:
- ما الذي حدث لك؟ ألا يكفيك إقامة هذه الأفعي في كبينته الخاصة؟ هل ستتركينها تفوز عليك للمرة الثانية؟ إن الأمر يتعلق بعملك الأن!
صمتت تراسي ولم تجد إجابة لهذه الأسئلة، فكيف تخبر فيفيان بما حدث لها فجأة؟ يف تخبرها أن ما آلمها هو فقد جرانت السيطرة عليها تماما، فهي لا تهتم بعملها الأن! ومليسا فازت عليها، وكذا لم يعد شيء يهمها بعد ابتعاد جرانت. وبمجرد مغادرة هذه الباخرة عليها نسيان كل شيء وأخيراً أجابت:
- لقد حدث ما حدث ولا داعي لأي رد فعل، أما البقية، فلا أهمية لها...
- كيف يكون لا أهمية لها؟إنه يعاملك مثل...
- مثلما حذرتني في البداية، إذن ما الذي يدهشك في ذلك؟ أؤكد لك أنه لا أهمية لما تفعلين لأجلي الآن، وانهذه التصرفات لا معني لها...
هزت فيفيان رأسها في أسى:
- حسنز كما تريدين، لكن لوكان الأمر يتعلق بي، لكنت ألقيت بهذه المليسا في البحر ومعها الكابتن! شيء غريب أن جرانت لا يتصرف، وأنا التي كنت أقدره!
- خيبة أمل... خيبة امل، إذن انتهى الأمر، هل يمكنك إعداد قليل من القهوة بينما انا أرتب أوراقي؟فأنا معجلة لعادة كل شيء كما كان عليه وفي حاجة شديدة إلي تناول أي مشروب
وافقتها فيفيان ولكن تراسي ظلت تسمع همهمتها.
ىثرت مليسا عدم دخول المطبخ عليهما، وراتها تراسي وهي تتجه نحو الجسر العلوي لتأخذ حماما شمسيا، أم جرانت فكان قد أخبرها سرابحزنه لما فعلت.
انتهى تناول الفطور. وأصرت فيفيان علي خدمة الجميع وهي تحاول عبثاً السيطرة علي غضبها، وحاول جرانت طوال الوقت المزاح مع الجميع، بينما قدمت له فيفيان له فطوراً نيئاً وسيئاً للغاية. وجاهدت تراسي في التعامل بجدية، في حين أن الكابتن أظهر أنه لا يلاحظ شيئا.
وبعد قليل، انتحت تراسي بفيفيان جانباً وطلبت منها الهدوء ومحاولة اخفاء حقدها وأخبرتها أنها لن تستفيد شيئاً إن نجحت في غيظ جرانت.
فانفجرت فيفيان في ضحكة عالية، وعندئذ قالت لها تراسي:
-. أنت تعرفين أنه يستطيع ايذائك في عملك.
- هذا آخر شيء يشد اهتمامي! وفي انتظار ذلك سأتولي أنا اعداد الطعام حتى عودتنا إلي داروين!
وبعد انقضاء فترة الصباح المشحون باعمال كثيرة، هدات فيفيان بعض الشيء وتناول الجميع طعام الغداء والعشاء دون مشاحنات.
وزيادة في الطمأنينة ن وضعت تراسي اوراقها في خزانتها أثناء الليل، وفي الصباح كانوا قد وصلوا إلي داروين في سلام.
وقضوا وقتا طويلا في نقل حاجاتهم، وعلي الرغم من الأتصال التلفوني أكثر من مرة لم تستطع تراسي الوصول إلي مدير المعمل، وكان لا بد من الانتظار قليلا قبل سماع أي تفسير...
وكان من الطبيعي أن تنتهي مثل هذه الرحلة، بأن يتناول جميع أفراد الطاقم طعام وداع في أحد المطاعم، ولكن لم يرد أحد هذه المرة الاحتفال بأي شيء.
وهكذا تنفست تراسي الصعداء، فكل ما كان يهمها هو الابتعاد سريعاً عن داروين وعن الكابتن جرانت مورجان.
وبمجرد وصولهم غلي الميناء اختفي الكابتن مع مليسا.
وفي الظهيرة، انتهى كل شيء ولم يظهر جرانت ثانية وهكذا ودع أفراد الطاقم بعضهم بعضا علي شاطئ الميناء.
واحتضن ديك فرانش تراسي بين ذراعيه وقال لها مبتسماً:
- لا تقلقي، أنا أعرف السبب الذي من أجله أعادونا إلي هنا ولكن تأكدي ان الأمر لم يكن خطاك ولا لوم عليك.
- وعلي الرغم من العاصفة، هل تجد نفسك مستعدا لرحلة أخري معي للمرة الثانية؟
- بالتأكيد، إن هذه المزحة التي تحمل اسمك تذكرني بالمزحة التي تقول أن السيدات يحملن سوء الحظ معهن علي متن اي باخرة.
وهن ألقي ديك نظرة نحو فيفيان فهمت تراسي مغزاها، نعم كانت تراسي مشغولة جدا أثناء الرحلة ولكن ذلك لا يدهشها، فقد قضي ديك مع فيفيان وقتا طويلا جدا. ومن الواضح الآن أن عاطفة ما تربط بينهما وحقا كم سعدت تراسي بذلك، ثم ابتعد ديك فرنش بخطوات واسعة بصحبة توم بوس الذي صافحها بحرارة. اما بريان وجلين فقد حصل كل منهما علي إجازة من رئيس الرحلة.
وظلت تراسي مع فيفيان وحدهما، وكانت فيفيان تلح باسئلتها علي تراسي التي اكتفت بمجرد الابتسام. وظلتا كما هما طوال طريق عودتهما إلي المدينة.
وعرضت فيفيان علي تراسي قضاء الليل لديها انتظارا لعودتها إلي تاسماني. ولكن هناك مقعد شاغر علي متن الطائرة المتجهة إلي هوبار ومن المؤكد أن تراسي ستستغل هذه الفرصة.
وقبل كل شيء، ذهبت الفتاتان في زيارة قصيرة إلي ويل جاكوبز الذي غادر المستشفي.
وكان الكابتن الهرم قد استرد صحته بعض الشيء وكانت مقابلته لهما كفيلة بازالة الغيوم التي سيطرت عليهما في الفترة الأخيرة، وقال لهما:
- ساسافر بحرا من جديد بداية من الأسبوع القادم، لقد تماثلت للشفاء تماماً.
من الواضح أنه يبالغ ولكنه فعلا استرد بعض عافيته، وعلي الرغم من الارهاق لا يزال واضحا علي وجهه إلا أن الوهن الذي أصابه مؤخرا والذي شغل تراسي عليه منذ ثلاثة اسابيع قد اختفي تماماً
وقال الكابتن الهرم في فرح:
- في العام القادم، سأكون الربان معك.
- هذا أفضل أيها القرصان الهرم، لقد افتقدناك كثيراً.
وقالت تراسي لنفسها وهي في الطائرة التي ستقلها غلي مدينتها: إنهم حقاً سيفتقدونه كثيرا. إذ إنه لن يستطيع الابحار معهم ثانية لفترة طويلة، وحتى اذا نجح الكابتن الهرم في السفر معهم من جديد، فلللأسف هذه الرحلة الأخيرة لتراسي علي متن الباخرة برفيدي...
وحتى اللحظة الأخيرة، كانت تراسي تحاول الاتصال بمدير المعمل في هوبار ولكن دون جدوي، إنها حقا لا تفهم شيئاً. ولكن قلقها بدأ يتزايد، فمن المؤكد أن هناك سببا كبيرا اضطرهم إلي قطع الرحلة والعودة إلي المدينة. وفجأة بدأت تراسي تفكر في جرانت، لقد اختفي تماما بمجرد عودتهم إلي داروين، حتى انهم اضطوا إلي اخلاء الباخرة في عدم وجوده، تري ما الأمر الذي اضطره إلي مغادرة الميناء سريعا حتى دون كلمة وداع؟
من المؤكد أن مليسا تشغل حيزا كبيرا في حياته... ولكن لا أهمية لذلك، لقد انتهي الأمر بالنسبة لها تماماً.
وعندما رأت تراسي قمة جبل ولنجتون الناصعة البياض، شعرت بالهدوء وشعرت أخيراً أنها عادت إلي مطنها، وأنها أوشكت أن تعرف سر هذا اللغز، وسيكون من السهل بعد ذلك نسيان جرانت... وبعد خروج تراسي من المطار، توجهت فورا إلي منزلها، وبعد قضاء الليل مستريحة، توجهت إلي المعمل. وعلي الرغم من كل توقعاتها، لم تتخيل أبدا هذا اللقاء المخزي الذي استقبلوها به هناك!