كاتب الموضوع :
الشجرة الطيبة
المنتدى :
روايات غادة
الفصل الحادي عشر
-" موجو، كيف حالك؟ "
لسوف تفتقده. هناك شيء ما في أحاسيسه تشعر به، دون أن يصوغه في كلمات.
-" هل أعددت العدة للرحيل؟ "
-" نعم."
استدارت راشيل بعيداً حتى لا يري الألم في عينيها.
-" سابرينا سوف تفتقدك."
وابتلعت راشيل ريقها بصعوبة. أينما وقع بصرها، وقع علي شيء يخفق له قلبها. أما تلك المهرة البيضاء بلون الحليب، فإنها شيء خاص جداً.
-" هذا من أجلك."
استدارت لتتناول منه ذلك الشيء الملفوف في قطعة من القماش، يقدمه إليها. بداخلها كان سلسلة دقيقة من الفضة الخالصة، يزينها حجر أزرق أخاذ.
-" أشكرك."
لم تستطع أن تتصور كم كلفه ذلك. لم يكن موجو يهديها هدية. كان يعطيها قطعة من نفسه. استدارت راشيل بعيداً بينما انهمرت الدموع علي وجهها. إنها برحيلها، تحرم موجو من صديق يحتاج إليه بشدة. فهؤلاء الذين يعرفون الوحدة، يعودون إليها عندما تسوء بهم الأمور.
-" هل تتذكرين أول يوم، عندما تحدثت إلي؟"
كان يقيس نبرات صوته حتى لا تفضح أحاسيسه.
-" نعم."
ومسحت راشيل دموعها بظهر يدها. إن كان حديثه هذا سيعينه، فلابد أن موجو هذا سيدخل ضمن طابور المعذبين بذاكرتها.
-" لقد قلت أنني كنت جباناً."
-" فقط كي أجعلك تذهب إلي الطبيب."
-" إنك أنت الجبانة الحقيقية، أليس كذلك؟ "
استدارت راشيل تواجهه.
-" ماذا تعني؟ "
لقد أخبرته أن عليها أن تعود لعملها ولواجبها. ما الذي استطاع أن يخمنه أكثر من ذلك.؟
-" لقد كنت أخاف أن يقتلني الدواء."
كانت عيناه تعكس الأسى أكثر مما تعكس الغضب. وتعكس الحقيقة.
-" إنك تخشين من الوثوق في أحاسيسك."
كان قد ذهب قبل أن تسأله متى حصل علي شهادته في علم النفس. كل شيء تلاشي قبل الحقيقة. الأعذار، التبريرات، التعديلات. جلست ثانية علي البساط الأخضر، واقتلعت راشيل بعضا من نجيل الأرض فنثرته. عادت بذاكرتها إلي اليوم الأول في المحكمة، وذلك الضغط العصبي الرهيب الذي أصبح جزءاً منها.
عندما أحضرها لوك إلي هنا كانت عبارة عن مجموعة من الأعصاب المتوترة، عاجزة عن أي شيء علي المستوى الشخصي. لقد قطعت شوطاً طويلاً منذ هذا اليوم. لقد أخنفي شعورها بعدم الأمان، حل محله التقبل والثقة، علت روحها المعنوية حتى وصلت إلي عنان السماء. خفف الحب آلامها، أضاء لها ما كان يحيطها ويحيط ماضيها، أوضحه لها، وفسره. لقد منحت وقتاً للتفكير والتأمل، وقتاً لتبحث في أعماق نفسها عن الحقيقة، حقيقة هذا الماضي. قطرة قطرة، أخذت تتذكر تلك المشاهد مع أمها، في الأسبوع الأخير.
طفت تلك المشاهد علي السطح أخيراً، تخرج من الماضي السحيق المظلم، تتحرر، فتثبت لها أن ذلك الوهم الذي جثم علي أنفاس طفولتها قد ذهب بلا عودة. تذكرت أمها. تضحك معها، تستمع إلي صوت البحر ينبعث من الودع حين تضعه علي أذنها، تصفف شعرها، تضعها في فراشها، تودعها بقبلة المساء، حقيقة واحدة ، مؤكدة، طفت تلمع كحبة الكريستال. إن أمها كانت تحبها. وأيا ما كان سبب رحيلها عنهم، فإنه بالقطع لم يمس ذلك الحب الذي تكنه لأبنتها. علمت راشيل أنها لن تعذب نفسها بعد الآن بتلك الفكرة السخيفة، فكرة إنها السبب في افتراق والديها.
منتديات ليلاس
لقد أعطاها لوك هذا، منحه لها جلياً واضحاً. أخذت تسترجع ما فات، لا تستطيع أن تتذكر لحظة واحدة لم تحب فيها لوك، لكن في يوم رحلتهما الخلوية في تلك البقعة الخضراء، عندما أخذ يقبلها، كانت علي ثقة، لم تكن قدرتها علي الحب أبداً يمثل هذه الثقة، وهذا الوضوح. لقد أخبرها لوك أنها يوما ما ، ستتوقف عن الركض واللهاث. تري فيها الحقيقة. لقد أوقفتها كلمات موجو لها الآن، بما فيه الكفاية، لتنظر نظرة طويلة، تري فيها الحقيقة. إنها تريد أن تواجه تلك الحقيقة الآن، هنا، أن تعيد الحياة إلي كل حادثة صغيرة، ثم تدفن كل ذلك هنا، في هذه البقعة، التي أصبحت تعلم أن جزءا منها سيظل باقياً فيها إلي الأبد. كان لديها أمل. بداخل أعمق أعماقها، علمت راشيل أن هذا الأمل كان موجوداً طوال الوقت. إلي أن مات أبوها، لم يخفت بداخلها الأمل أبداً، أن يعيرها أية لمسة اهتمام أو رعاية. لقد كان الأمل هو الذي حفزها أن تقاضي لوك في المحكمة. الأمل في أن تحصل علي إنسان ينتمي إليها، لتحبه. إنسان يبادلها هذا الحب، وقد أتاها الحب من حيث لم تتوقع، لم يأتها الحب من الطفل فقط، ولكن من الرجل أيضا. ورفضته. أخذت راشيل تتساءل إن كانت غريزة الجبن هي أسوأ شيء في الوجود. كانت كلمات لوك تعلق برأسها كما تعلق التربة في العجلة وهي تدور. والإجابات تنبع من قلبها تزيل هذه التربة العالقة, توقفي عن الجري، وواجهي مخاوفك.
لقد دأبت علي القول أنها لا تريد أن تجرح أياً من لوك وجوردي، لكن هذه لم تكن الحقيقة، ما كانت تريده حقيقة ، هو أن تحمي نفسها من أن تصاب هي بجراح. عندما يحين الأوان، آمل أن تتعاملي مع نفسك جيداً.
لقد اختارت ألا تفعل شيئاً مطلقاً. لجأت إلي أسهل الحلول، أقنعت نفسها بأن الحب والأمل ليسا بكافيين. كان تعهداً يتطلب شجاعة. إن الحياة لا تأتي بأية ضمانات.... إنها فقط تتيح لنا الفرصة.
عليها أن تؤمن أنها ستستخدم هذه الفرصة وتنتهزها، ولا تدعها تفلت منها أبداً . لقد توقفن العجلة عن الدوران. ولم تبق لديها إلا حقيقة واحدة بسيطة وفي غاية الروعة. إن ما تحتاج إليه _ الآن _ هو الإيمان.
الإيمان، بنفسها، بلوك، بحبهما. إيمان بأنهما هي ولوك سيفعلان ما بوسعهما لإنجاح زيجتهما. إيمان بأن ذلك سيتحقق. غنه كل ما يملكه أي إنسان....... الإيمان.
" الإيمان" أخذت راشيل تكرر الكلمة حتى أكثر مما أخذت تفكر فيها. إنه آخر دواء في روشيتة سعادتها. حتى الآن.
* * *
|