كاتب الموضوع :
الشجرة الطيبة
المنتدى :
روايات غادة
الفصل الثامن
أعطي جوردي حماماً ، وألبسه ملابس النوم ، ثم عاد أدراجه إلي حجرة العمل، وأغلق الباب من خلفه لا يلوي علي شيء.
انتظرت راشيل نصف ساعة قبل أن تشرع في خطتها التي تعتمد علي الحركة . حملت الصينية التي أعدتها أعلي كتفها . كانت الغرفة غارقة في الظلام عندما دفعت بابها بقدميها ن كان شعاع الضوء الذي تسلل أليها من فتحة الباب هو البصيص الوحيد بداخلها للنور .كان مقعد لوك يواجه النافذة العريضة.
لم يحاول لوك أن يدير رأسه عندما أنزلت الصينية ووضعتها . ابتلعت راشيل ريقها واقتربت خلف كرسيه . إنها لا تقحم نفسها عليه ، هكذا أخبرت راشيل نفسها ، ليس عندما تحتاج آلامه إلي من يخففها عنه . ليس عندما يتلهف قلبها ليفعل ذلك. وبرقة . وضعت يديها علي كتفيه وبدأت تضغطهما وتدلكهما ، ثم ترنفع إلي عضلات رثبته . كانت عضلاته صلبة حقاً ، لا بد أن الصلب نفسه قابل للتشكيل أكثر من تلك العضلات .
- " حدثني عن روب ."
كانت الكلمات صعبة في البداية ، وببطء انتظم إيقاعها ، تكونت الجمل بسهولة مع الوقت . أخذ لوك يصف لها ذكرياته الواحدة تلو الأخري ، دهشا أن يجد نفسه ضاحكاً كلما ذكر فشلاً أو عقبة تواجههما عندما كانا صغيرين. ثم بعد ذلك أتي طور الفتيات والجامعة . وتلك المشاركة والتواصل العميق مما كام يثري حياة كليهما.
منتديات ليلاس
كان باستطاعتهما دائما مواصلة الحوار ، كل إلي الأخر ، والاعتماد ، كل علي الآخر. عندما توقف لوك عن الحديث ، قالت راشيل ببساطة :
-" الذكريات الحلوة تبقي دائماً حلوة لكونها ذكريات، أليس كذلك ؟"
وكان علي لوك أن يدرك ذلك عن الذكريات . كان يروي أنه يحس بوجود روب معه بالحجرة فكان كشعاع يمس شغاف قلبه. دافئ، مؤنس، مكتسح لكل ما عداه .
- " لو كنت أنت الذي قتل ، وليس روب وكريس " ، ثم اتجهت مباشرة للب حديثها ،
-" كيف كنت تحب أن تُذكر ؟ "
ركن إلي السكون حتى ظنت أنه لن يجيب . ثم أخذ لوك يتحدث برقة ، كما لو كان يزيح الستار عن أفكار معينة تعتمل برأسه لأول مرة :
-" كنت أحب أن أذكر بجب ، ببهجة . "
-" بنفس طريقتك عندما كنت تحيا ، وليس علي طريقة موتك هذه ؟ "
قالتها راشيل بصوت خفيض . ولم تزد قولاً لفترة طالت. لم تكن بحاجة إلي أن تزيد . كانت الساعة تشير إلي كل لحظة تمر ، تسمع تكاتها .
كان يمكنها أن تشعر بالتحول الذي أصاب لوك .
نظر لوك إلي الصينية . تري متى توقفت راشيل عن تدليك كتفيه والجلوس إلي المقعد ثم الاقتراب من مكتبه ؟ لقد حركت الطبق ، وضعته أمامه ، دفعت بسلة الشطائر في اتجاهه ، لكنها لم تقل شيئاً . وبعد أن أخذ كفايته من الغداء أثناء الحديث ، كان عليه أن يفي ذكري أخيه حقها .
راش كانت علي حق . فهناك الكثير من الجوانب السعيدة في ذكرياته عن روب ، الكثير مما يحق له احتضانه بسعادة واعتزاز .
ولسبب ما اختفي هذا الألم ، وأدرك لوك أنه ينبغي ألا يسمح لللآلم أن تغطي ذكرياته . ذلك الإدراك حرره من هذا الطوق الحديدي الذي صنعه بنفسه . شعر بالتخلص مما كان يعلق به ، شعر أنه قد انتعش ، اكتمل. امسك لوك بتلك اليد الممتدة للصينية ، لا يعني إلا الامتنان لها . لكن إحساسه بملمس معصمها أشعل ناراً بداخله . وبجذبة بسيطة كانت بين يديه.
كان يريدها بالقرب منه، فقط لبضع دقائق ، أخبر نفسه ، فقط ليتأكد من أن ملاكه هذا بشر له شحم ولحم . ذابت أحاسيسه عندما شعر بها بين ذراعيه . إنها تناسبه تماماً . لم تكن لتتمنع عليه . لم يتلق تحذيراً منها من أي نوع إنما انسلت تقترب منه ، تأوي إليه ، كما يفعل جوردي أحياناً. بضة ، شهية ، متلهفة، تركن إليه وتلجأ . رائحة الورود انبعثت تزلزل خياشيمه فأخذ يحاول كبح جماح رغبته .
-" لوك ؟ " . بدت الأثارة والاستحواذ علي وجهها فزادت رغباته استثارة . انفاسها حلوة ساخنة ، تضرب صفحة وجهه .
-" اشكرك ، لقد ساعدتني في إعادة الأمور إلي نصابها . "
كان صوته يتحشرج . لم يرد أن يخيفها بقوة أحاسيسه وما يشعر به . ربما تساعده الكلمات علي أن يهدأ .
- " لقد كان كل شيء علي ما يرام حتى اتصل والدي ذلك الصباح . "
بدا صوته حزيناً منهكاً . قال :
-" إن أكبر مصيبة يمكن أن تواجه رجلاً ، هي أن يعيش حتى موت أبنائه. تسلل شيء إلي في تلك اللحظة ، وكان علي أن اهرب بعيداً . "
-" فهمت . "
أخذت ترفع يدها عن وجهه ، لكن لجزء من الثانية تركت أناملها تتمسح بخده . الإنسان الأقوى دائماً ما يكون شعوره أشق وأصعب . لقد انشغل لوك بالانغماس ثانية في تسيير دفة الحياة من حوله ، فلم يدرك أنه يجور علي حقه في بعض الوقت للحزن ، للتأقلم .
رق لوك تحت وقع لمساتها. إنها أول مرة تلمسه راشيل بهذه الطريقة . أخذ ينظر إليها ، وفجأة أصبح يريد أن تقترب إليه أكثر وأكثر . أن يدخلها في أعماق أعماقه . فجذبها غليه ، بعد برهة أدرك لوك أن عليه مواعاة اعتبارات أخري عديدة . غنه يعلم ان عاطفته لم تخط هذا الحب الدافق .
لكن جزءا ما في عطائها كان مكبلاً ، كان ركناً مقفلاً محرماً ، لم توصله إليه بعد ، حتى لا تندم بعد ذلك . لكنه هو أحس بالندم .
هناك ما هو أكثر من هذا الشعور المؤقت بالالتصاق ن بالاندماج ، بالتوحد ، بالحاجة إلي ان يتوه المرء ويتوه في كل ذلك . إن راش لا تستحق إلا أن يحبها . وبنعومة لف يديه حول ذراعيها وضمها إليه . فلما صارت بين ذراعيه لم يعد يفكر في اي من ذكرياته أو أشجانه . . وضمها لوك إليه . عندما رأي هذا الارتباك الذي بدأ يصبغ صفحة وجهها ، طبع قبلة أخيرة ،
|