كاتب الموضوع :
الشجرة الطيبة
المنتدى :
روايات غادة
الفصل السابع
لم تذهب راشيل بعيداً. ابتعدت عن مرمي بصره، توقفت وأخذت تنظر حولها. من هنا تستطيع رؤية المحيط بكل وضوح، تستطيع حتى أن تري الأمواج وهي تضرب الصخور. إن أغلقت عينيها، فستشعر بهذا الإحساس ، أن تكون محمولة بين يدي لوك.
ذراعاه تأخذانها في أحضان قوته. لم تصور لها خيالاتها أن يتركها بعد ذلك وحيدة في فراشها. تمد يدها إليه، تتغير نظرة عينيه عندما ينظر إليها، إلي نظرة تعدها بالسعادة التي لم تسمح لنفسها أبداً أن تحلم بها.
فتحت راشيل عينيها، ثم وضعت يدها علي رأسها . لا بد أن الشراب الذي وضع بالكعكة أدار رأسها. هذا هو التفسير الوحيد لخيالاتها المحمومة.
وعندما عادت كان لوك غارقاً في نومه. تمددت بجواره دون أن تلامسه، أخبرت نفسها أنها سرعان ما ينتابها النعاس، وأغلقت عينيها.
منتديات ليلاس
أخذ جوردي يداعب خدها ويتمسح فيه بيده ، عندما كانت تعطيه زجاجة الرضعة، كان ينطق اسمها بنعومة ورقة. ارتعشت. لابد أن هناك شيئاً خطأ في حلمها هذا.
إن جوردي لا يستطيع بعد أن ينطق اسمها. فتحت عيناً واحدة، لتري وجه لوك يواجهها تماماً، وقد امتلأ رقة لا يمكن أن توصف. لم يكن هذا حلماً .
-" ابتعد." قالتها ولم تعنها. " لقد أكلت كثيراً، فحلمت حلماً مزعجا."
-" شكراً جزيلاً."
وقهقه لوك عالياً، " لقد أطلقت علي أسماء كثيرة، لم يكن من بينها أبداً [حلماً مزعجاً] ."
ظل يراقبها وهي نائمة، فأعاد مشهدها ذلك في ذاكرته ، ليلتها الأولي في دياموندبار كانت تلتصق بين ذراعيه تتلمس الدفء حينئذ. شوقه لأن يضمها ثانية كان يؤرقه ويعذبه . اعتدلت راشيل، أخذت تفرك عينيها. وأخيراً فتحتهما .
-" أكان ذلك حلماً؟ "
-" لا."
ولكي يثبت لها كلامه أخذ يميل عليها، يعتزم تقبيلها مرة أخري. منعه رد فعلها السريع. ثم استسلمت له تماماً.
لكنه أخذ يحاول أن يتحكم في نفسه. إن تمكن منها الآن، فقد يفقدها كلية. كانت عيناها لا تزالان مغلقتين، لم يستطع أن يعرف فيما هي تفكر الآنً. وجهها الثائر وشفتاها البضتان تغلبت علي صبره وقدرته.
أمسك لوك برأسها، أخذ يمرغ أنفه في شعرها الناعم. زلزل شعرها كيانه، أحس كأنما يستنشق عبير زهور الصيف.
-" راش...."
تكلم أخيراً كان صوته يرتعش بالانفعال.
-" لا ترحلي الآن."
سرعان ما عاودها التجمد والصلابة ، شعر بخطئه. خلصت نفسها من بين ذراعيه، وقفت، شبكت يديها علي صدرها، أعطته ظهرها.
-" راشيل. ألن نقطع تلك الشجرة؟ لسوف تظلم الدنيا بعد قليل."
عدلت قامتها ، أخذت تزيل ما علق بالجينز من تراب ، كانت نبرات صوتها هي الدليل الوحيد علي توترها. هذا هو الأمر إذن؟ لقد بلغ به أن أخبرها أنه يحبها وكل ما كانت تفكر فيه هو العودة؟ إنه لن يدعها تتجاهل تلك العاطفة الحقيقية الصادقة.
قام علي قدميه بحركة مفاجئة ، ووقف مواجهاً لها. دق قلب راشيل. إنه لن يدع الأمر يمر هكذا . متي وقعت في حب لوك ؟ في اليوم الأول في المحكمة؟
عندما حملها إلي الحمام؟ عندما رأت كيف يكون مع جوردي ؟ لم تعد تستطيع أن تفرق بين التعرف إليه، والإغراق في حبه.
-" أنا.... أنا لم أعرف ما الذي ينبغي أن أقوله."
-" جربي هذه الجملة: " أريد أن أبقي يا لوك" ، مقترحاً عليها.
أخذت راشيل تتخلص من أفكارها وذكرياتها بألم.
-" لن يجدي هذا . لم أنجح أبدا في العلاقات الشخصية. ولا أريد أن أكون سبباً في جرح أي منكما: أنت أو جوردي."
-" كيف تفعلين ذلك؟"
سألها بتعقل.
-" لا أعلم."
وهزت راشيل رأسها، شعرت بانعدام حيلتها، شعرت بوقوعها في الفخ. كيف يمكن لأي شخص كائنا من كان أن يترجم مخاوفها إلي كلمات.
تلك المخاوف من أنها لم تعرف مخلوقاً قط وقع في حبها. المخاوف من أنها لو تركت أي مخلوق يحبها قد تعاني الآلام بعد ذلك ، مرة أخري كان والدها أوضح إثباتا علي ذلك .
رحلت والدتها ذات يوم ، وكانت راشيل ما تزال في المدرسة، ولم تكن قد عادت بعد. في صباح هذا اليوم أخذت أمها تجهز لها كعكة شهية، أخذت تحدثها أنها ستصطحبها إلي حديقة الحيوان. لم تترك لها حتى أية رسالة. كل ما أخبرها به والدها، هو أن والدتها لن تعود إلي الدار أبداً.
ولم تعد الحياة كما كانت عليه. يوم خال موحش تلو الآخر، تغير حال أبيها، جمدها، أكد لها الاعتقاد بأن ما حدث لم يكن سوى بسببها.
أخذت راشيل تنفض ما علق بجانبيها من نجيل الأرض .
-" راش."
ارتعشت عندما وضع يده علي كتفها، إنها لم تر عينيه وقد أصبحتا داكنتين دكنة حجر الصغير.
-" لن أتعجلك . دعينا نحاول الاعتياد علي فكرة أن نصير صديقين، قبل أن يبث أي منا لواعج مشاعره للآخر ."
-" لا دخل لمشاعري بهذا."
بدت شفتاها وهي تمطهما كما لو صارتا ضعف حجمهما، كان افتعالها للكذب أقوي من أن تحتمله.
-" إني لآسفة يا لوك."
هذا هو الأمر إذن ؟ لقد قررت أن هذا لن يجدي، ولا شيء آخر يهم؟ تملكه الغضب، وبدأت تشوبه الانفعالات.
-" ما الأمر إذن؟"
وضع يديه علي كتفيها، لا يعبأ سوى باقتلاع الحقيقة منها، أو يقبلها، ويقبلها حتى تمتثل له. لكنه عدل عن ذلك لما رأي الدمع يندفع بالخوف إلي عينيها. ضمها إلي صدره، أخذ يهزها برفق دون أن يقول شيئاً.
اندفاعة الغضب التي كانت قد تملكته كادت تتحول بداخله إلي شيء بغيض، لم يكن يشبهه بأي حال. لم يفقد أي منهما سيطرته علي نفسه. أطلق لوك علي نفسه كل مسمي خطر له علي بال. ثم أعادا الكرة مرة أخري...
|