كاتب الموضوع :
الشجرة الطيبة
المنتدى :
روايات غادة
الفصل السابع
نظرت راشيل أمامها. كان الطريق ينحدر فجأة ثم يختفي عن ناظريها. فبللت شفتيها وتراجعت.
-" هل تخافين المرتفعات؟"
-" لا. ليس هذا هو السبب."
كانت خائفة لتوها، لفترة. خائفة مما تحس به وتشعر، من هذه الأحاسيس التي تهدم سيطرتها القوية علي نفسها، التي طالما اعتمدت عليها. إن الطريق الذي بدا أمامه يشبه ذلك المستقبل المجهول الذي ينتظرها، عندما تفقد تلك السيطرة القوية علي نفسها وفقدانها لتلك السيطرة، تعني أن تعيش بقية حياتها عرضة للآلام.
-" دعينا نواصل طريقنا إذن، وإلا فلن نعود قبل حلول الظلام."
وأبطأ لوك ينتظرها ، كان يتوقف من أن إلي آخر حتى تشاهد تلك المناظر التي تحيط بهما، وحتى تلتقط أنفاسها.
وعندما بلغا الوادي الأخضر المتسع ، رفعت راشيل ناظريها إلي الشمس.
-" الساعة الحادية عشرة، " أعلنت ثم أضافت: " لقد استغرق وصولنا هنا حوالي الساعة إلا الربع. لقد ظننت أننا سنستغرق أطول من ذلك."
نظر لوك إلي ساعته دهشاً ثم قال:
-" إنك علي حق. أين تعلمت معرفة الوقت بهذه الكيفية؟"
لطالما أخذ لوك ينظر إلي معصمها الدقيق، ولم يكن ذلك ليعرف إن كانت تقتني ساعة يد من عدمه.
-" في الخارج."
وابتسمت راشيل وهي تتذكر .
منتديات ليلاس
-" أحد الطباخين في المعسكر الرئيسي م.ر.ا. كان يجهز وجبته في الموعد بالضبط. وأخبرني كيف أعلم الوقت من موقع الشمس في السماء."
وأخذ لوك المفرش من يدها، ثم فرشه علي البساط الأخضر، جلست راشيل وهي تشبك قدميها، بينما عهد هو إلي إخراج ما بالسلة.
-" إنك حقاً تحبين عملك أليس كذلك؟"
ماإن تشرع في الحديث عن حياتها بالخارج حتى يكتسي وجهها بتلك النعومة المحببة.
-" نعم "، وأخذت عيناها مظهرا جاداً، كما لو كانت تشاهد صوراً شخصية لها، لا يجوز له الاضطلاع عليها. " للغاية".
-" وما الذي جعلك تقررين الذهاب إلي أماكن بعيدة كهذه؟ لقد كنت طفلة عندما شرعت بالرحيل ، ولا شك."
-" ثمانية عشر عاماً."
قالتها راشيل متفكرة، أخذت تلعب بلسانها ، كأنها تلوك شيئاً في فمها. لم تجب عن الجزء الأول من تساؤلاته.
-" لم ذهبت ، يا راش؟ "
أصر لوك بعد أن انتظر لبرهة.:
-" إن كل من في الثامنة عشرة يفكرون في الجامعة، الوظائف، المتعة، السيارات السريعة، التواعد، الملابس...."
لقد بلغت الثامنة من عمرها يوم وفاة أمها،
-" لقد ملت إلي هذه الوظيفة. أحسست أن هناك من هم بحاجة إلي ."
إذن هذا هو السبب، هذا هو ما بداخل القوقعة، لكنه كان يريد المزيد.
-" ألم تكن هناك معارضة من والديك؟ إني أتذكر أن كريس قالت أنك كنت الابنة الوحيدة لهما."
وكأن سحابة باردة أخذت تتحرك في تلك العيون الرمادية التي أخذت تتوغل في الماضي، وأحس لوك بشوق لمعرفة المزيد.
كان في استطاعته مما يراه عندما ينظر إليها، أن يعرف أن أسرتها هي السبب الذي من أجله قررت الرحيل.. تنحنحت، محاولة أن يبدو صوتها عادياً.
-" إن هذا ما أردت أن أقوم به."
استدار جهة السلة، والتقط لوك كعكة فواكه كانت قد أعدتها حنا، لم يفك عنها قطعة الشاش التي كانت قد لفت بها، انتظر حتى تنقشع تلك الذكريات المؤلمة التي لفت راشيل.
كانت تبدو أكثر حياة في هذا المكان، تضحك من أعماق قلبها كلما حكي لها عن رواياته ومغامراته الفاشلة التي مني بها في المزرعة عبر السنين.
أخذ يتنقل بتؤدة في سرد رواياته، دون أن يفض لفافات الطعام، محاولاً أن يبقي علي اعتدال مزاجها.
كانت هناك بعض شطائر الديك الرومي وبعض شطائر اللحم، كما كانت هناك سلطة جاهزة في أحد الأكياس البلاستيكية مع صلصة الجبن المفضلة لدي لوك. وقضمت راشيل من أحدي شطائر اللحم.
-" هم م م، أن هذا لشهي جداً."
-" تريزا تقوم بتجهيزها فقط عندما لا تكون حنا موجودة. إن حنا متحكمة للغاية فيمن يطعم عائلتها."
ولاحظ لوك أنها تبحث عن شطيرة أخري، فأحس بالسعادة أنه تمكن من اقتلاع ما كان يكدرها من متاعب الماضي التي عانتها. إنها بالفعل تبدو مختلفة عن تلك المرأة التي رآها خارج قاعة المحكمة. كانت لا تتناول طعامها تلك الأيام، أما الآن فقد اصطبغ وجهها بالصحة. ابتسمت بارتياح، ذهبت عنها حالة الفأرة المذعورة تنتظر عقاب النمر.
-" من الواضح أنك لا تحبين السلطة. أليس كذلك؟"
سألها وهو يقضم أوراق الخس الطازجة وشرائح الطماطم المغموسة في صلصة الجبن. توقفت راشيل وهي تحمل الشطيرة في طريقها إلي فمها:
-" ليس الأمر أني لا أحب السلطة. فالأمر هو أننا لم نعتد علي أكل الخضروات الطازجة بالخارج. لقد كنت لا آكل سوى الخضروات المطهوة ."
وما إن انتهت من شطيرة اللحم حتى أخذت شطيرة من الديك الرومي، أخذ لوك يتطلع إليها.
كانت عيناها مثبتتين علي كعكة الفواكه.
-" ليست هذه الكعكة من صنع حنا. أليس كذلك؟" سألته.
-" بل أنها من صنع يديها."
-" لقد أخبرتني حنا، أن هذه الكعكات السابقة التجهيز يجب أن تبقي ملفوفة بالشاش بالفريزر لمدة شهر قبل أن تؤكل. ألن تكون غاضبة؟"
-" نعم لن تكون غاضبة، إننا دائما ما نأخذ إحدى كعكاتها الملفوفة معنا، في رحلاتنا لقطع الأشجار."
ونظر إلي طبقه، كما لو كان قد فقد شهيته فجأة.
كانت راشيل تعلم أنه أخذ يتذكر عندما كان يأتي هو وعائلته إلي هنا في الماضي. في تلك الأيام السعيدة التي خلت.
-" ومتى تم زراعة تلك الأشجار ؟"
رغبتها في إزالة هم لوك ، خففت عنه آلامه، وهي تتحدث بحيائها هذا الذي أحبه.
-" منذ خمس سنوات. ونحن نقوم بزراعة منطقة جديدة كل عام. جدي الأكبر جاسبر أخبر ابنه جدي روبرت أن الأرض هبة من الله، لذا لزم الحفاظ عليها لأقرب ما يكون من حالتها
|