الفصل الثالث
أجاب وقد بدا وكأن حجمه يملأ غرفة الجلوس" ربما. هل أكلت؟"
أجابت: إنني لست جائعة يا كلاي, إنني متعبة فقط وكل ما أريده هو أخذ حمام سريع ثم أذهب إلى فراشي, فقل ما تريد أن تقوله الآن ثم أذهب"
قال بحزم: بل عليك أن تأكلي! اغتسلي ريثما أعود بالطعام"
ارتدت بسرعة سروالا بلون العاج وهي ترتجف, وفوقه كنزة من الصوف واسعة باهتة اللون كانت يوما لأبيها وكانت تشعر بالراحة عندما ترتديها وهي حزينة.
ما إن فتحت باب غرفة النوم حتى سمعت صوت المفتاح في الباب وبرز منها كلاي حاملا كيسا من البلاستيك وهو يقول: لقد أخذت معي مفتاحك, فأرجو ألا يكون هذا قد ساءك"
قالت محتجة: كنت أظنك ستحضر شيئا هنا, كان في استطاعتي صنع شيء من العجة أو ما شابه"
قال: لقد قلت إنك متعبة! هل عندك شوكة للقلي؟"
أجابت: كلا للأسف فأنا أستعمل سكين أو شوكة عادية" وبدت على شفتيها ابتسامة, فهز رأسه قائلا: هذا شيء تقليدي"
قالت بحدة: لقد اكتشفت مؤخرا أن تخطي الروابط التقليدية ليس جيدا بالنسبة لكرامتي!"
ابتسم قائلا: أعدك بأن أبذل جهدي لإصلاح ذلك"
ألقى مجموعة مجلات على الأرض وهو يقول بابتسامة جافة: مجلة المهندس الجديد حتى كأنني في منزلي!"
قالت: سأبحث لك عن عدد من مجلة فوغ النسائية إن كان هذا يريحك أكثر!" ولكنة تجاهل قولها ذاك وابتدأ يخرج عددا من أطباق الألمنيوم ويصفها على طاولة القهوة المغطاة بالزجاج وقال مقترحا: هل ينبغي وضع صحون؟"
قالت باستياء: هل أخبرك أحد بأن لك عقلا مدبرا يا كلاي تاكيراي؟"
أجاب: إن التدبير هو ما أحسن يا جوانا غرانت, فلأفضل أن تعتادي على ذلك!"
ردت بحدة: نعم يا سيدي!" ثم أحضرت صحنين وبعض الشوك والملاعق من المطبخ. ملأ أحدهما بالطعام ثم قدمه إليها, فنظرت إلى الطعام باشمئزاز قائلة: لا يمكنني أن آكل كل هذه الكمية"
قال وهو يشرع في الأكل: أقنعيني بأنك تناولت وجبة كاملة هذا النهار, وأنا سأسامحك بنصف هذه الكمية"
قالت: لا أظنك تضع في الاعتبار كعكة حلوى مقلية" فتوقف عن غرف الأرز في صحنه كي يناولها شوكة, ولم تعد هي إلى الاحتجاج إذ أن الأكل على الأقل يمنع الحديث.
عندما انتهت سألها: هل تريدين المزيد؟" هزت رأسها قائلة: كلا, شكرا" أرغمت نفسها على الابتسام وهي تتابع: كنت أكثر جوعا مما تصورت" ثم أخذت ترفع الأطباق إلى المطبخ ويبدو أنها وجدت من السهل عليها أن تسأله وهي منشغلة, فتابعت تقول: ربما في إمكانك الآن أن تخبرني عن سبب وجودك هنا"
ابتسمت لنفسها وهي تتابع: كلما تقدم الإنسان في السن تصبح الأمور أكثر صعوبة, إذا أنه يصبح أكثر تطلبا في الاختيار, ثم يأتي رجل يحوي كل المواصفات , رجل يملك من الخبرة ما يجعله مختلفا عن غيره"
أسبلت يدها إلى جانبها وهي تهز كتفيها دون اكتراث: "إنني آسفة إذ عقدت الأمور التي لا بد أنك كنت تعتبرها سهلة بسيطة"
قال بدهشة بالغة: ولكن لابد أنك قابلت الكثير من الرجال"
ابتسمت وقالت: أجل, لقد كان أصدقائي يعتقدون أنني اخترت دراسة الهندسة لأبقى قريبة من الرجال, ولكن الحقيقة أنني في الجامعة لم أجد وقتا لكي أتورط بمثل تلك العلاقات , كان ثمة الكثير مما يجب علي النجاح فيه!"
قال: وبعد تخرجك؟ هل بقي أمامك الكثير مما يجب عليك النجاح فيه؟"
أجابت: الغزل ممنوع أثناء العمل يا كلاي, خاصة إذا كان الجد مطلوبا من الإنسان, إن الأمر ليس بمثل هذه السهولة"
قال: ذلك يبدو سهلا جدا!" وتوقف حين رآها تبتعد عنه مسرعة إلى غرفة الجلوس حيث ألصقت وجنتها بزجاج النافذة البارد وهي تنظر إلى الخارج دون أن ترى شيئا. وقال: إنني آسف يا جو وقد كانت النتيجة خطأ ولكن المسألة كانت تبدو سهلة أليس كذلك؟ فهذا الشعور لم يكن من جانبك فقط, إذا إنني شعرت بالإعجاب نحوك منذ رأيتك"
نظرت إليه بارتباك وقالت: أنت تفاجئني يا كلاي, هل تعني ما تقول حقا؟"
أجاب: طبعا أعني ما أقول, ما رأيك في أن نمضي يوما كاملا معا؟ إن يوم الجمعة يناسبني تماما, وسيكون قد مر على تعارفنا أسبوعان, وهذا أدعى للاحترام, أظنني أستطيع أن أستغني عن يوم بكامله من أجل عرسنا!"
قالت وهي تظن أنها لم تسمعه جيدا" عرسنا؟"
"حسنا, هل تقبلين طلبي الزواج منك؟"
"أي طلب؟!".http://www.liilas.com/vb3
"هو هذا! تزوجي مني يا جوانا غرانت"
"إن هذا ليس طلب زواج يا كلاي, إنما هو أمر!"
سألها: ألا تفضلين الزواج؟"
أجابت" إنني لا أكاد أعرفك"
قال: ولكنك لم تكوني تعرفينني أيضا يوم الجمعة الماضية عندما قبلت دعوتي للغداء"
احمر وجهها غضبا وقالت: كان ذلك أمرا مختلفا"
قال: كلا, لم يكن الأمر مختلفا أبدا"
تنهدت قائلة: لا أدري في الحقيقة ماذا أقول"
قال: ليس ثمة ما يقال بعد الآن يا عزيزتي, لقد أجبتني وانتهى الأمر!"
قالت: ولماذا يا كلاي؟ إن الناس لا يتزوجون بدافع الإعجاب"
قال: أحقا؟ ولماذا يتزوجون إذا؟" ابتسم وتابع قائلا: إنني أريدك يا جو, وعندما رأيتك مع بيتر لويد أدركت مدى انجذابي نحوك"
قالت باحتجاج: ولكن هذه سخافة!"
قال: أهي كذلك؟ أقنعيني إذا؟" كانت عيناه قاتمتين من شدة العاطفة, ثم تنفس عميقا مرتجفا وهو يقول: الجمعة؟"
أومأت برأسها دون أن تستطيع الجواب, قال: سأمر عليك عند الساعة التاسعة والنصف صباحا لنختار الخاتم, لا تتأخري"
كان أسبوعا غير عادي, فقد اتصلت بمكان عملها لتسأل إن كان في إمكانها أن تأخذ بقية الأسبوع جزء من عطلتها السنوية, ولكنها لم تخبر أحدا عن السبب في ذلك, لأنها كانت دوما تحرص أن تجعل عملها بمعزل تام عن حياتها الشخصية, ولم تجد حاجة إلى تغيير عادتها تلك لا لشيء إلا لأنها كانت مقدمة على الزواج.
أما أسرتها فقد كانت مسألة أخرى, ولكن جو نجت من العاصفة التي أثارها عدم قبول أمها بهذا الزواج السريع, وهي تقول"هذا جنون يا جو!" ولم تكن أمها قط تدعوها باسمها جوانا, بالعكس من أبيها وأختها أحيانا, وتابعت: ماذا بالنسبة إلى مهنتك؟ طوحك؟"
ابتسمت شقيقتها ابتسامة ذات معنى وهي تقول: دعيها يا أماه, وإن كنت لا أختلف معك في وجهة نظرك بوجه عام"
وقالت لأختها: أتريدين أن أساعدك في اختيار ثوب الزفاف؟"
قبلت جو ذلك شاكرة. كانت شقيقتها هيثر التي تكبرها بعشرة أعوام والتي كانت تعمل في محل أزياء سابقا قد أنجبت توأميها ثم أصبحت مالكة لمتجر خاص بها. لقد بحثت في أزياء الزفاف المختزنة من العام الماضي, واختارت لجو ثلاثة أثواب أحضرتها صباح الأربعاء لأختها لتقيسها.
قالت هيثر عندما اختارت جو طقما عاجي اللون من الحرير: هذا رائع يا حبيبتي! فليس كل امرأة في استطاعتها أن ترتدي هذا الزي ولكنك تمتازين بخصر نحيل" ورفعت برقة ياقة الجاكتة العريضة لتحيط وجه جو وهي تقول: إنها ياقة رائعة ومن حسن الحظ أن قياسك سهل, فأنت حافظت على رشاقة قوامك مدة ثلاث سنوات, والتي عشت فيها وحدك, فكيف في الثلاثة أيام القادمة؟ هل ستلبسين قبعة؟ جربي هذه"
وضعت جو قبعة صغيرة لتعود فتخلعها قائلة: لا أظن ذلك, فإنني أرى القبعات لا تلائم شكل رأسي"
ضحكت هيثر وقالت: جربي هذه على كل حال, فربما تناسبك, والآن أغمضي عينيك!" وشدت القبعة على رأس جو بشريط حريري وقالت: والآن أنظري إلى نفسك!"
فتحت جو عينيها لتفاجأ بالفتاة الغريبة التي طالعتها في المرآة وقالت هيثر مبتسمة: إنها جميلة, أليس كذلك؟ يخفيك إخفاء لجمالك تحت قبعة أبيك القديمة التي تخفي شعرك طول النهار, ولا شك أن كلاي رجل ماهر إذ اكتشف جمالك المخفي هذا!"
"لقد خلعتها فعلا يا هيثر"
"هل أخبرك إلى أين ستذهبان في شهر العسل؟"
أجابت: لن يكون لنا سوى عطلة نهاية الأسبوع فقط, إذ أنه هنا في عمل"
"لعله عمل هام لكي يجعلكما تتخليان عن شهر العسل"
أجابت جو"هام جدا" وابتسمت تلقائيا, إذ أن الحقيقة هي أنها لم يكن عندها فكرة عن نوع ذلك العمل.
قال والد كلاي لجو بطريقة مفرحة: تبدين بالغة الروعة يا عزيزتي, إنني مسرور جدا إذ لم تجعليه ينتظر طويلا!"
قالت جو: إنني .. لقد كان مصمما جدا.." واحمر وجهها, فقال الرجل المسن وهو ينظر إلى ابنه بحنان: أحقا؟ أتمنى لكما السعادة, إنني أذكر عندما..."
قال كلاي: ليس ثمة ضرورة لذكريات الطفولة يا أبي, إذا لم يكن لديك مانع" وأخذ بيد جو مبتعدا بها عن تلك الجماعة الصغيرة من الأقرباء والأصدقاء الذين جاءوا لحضور الزفاف وهو يقول لها" لم أجد فرصة كي أخبرك كم تبدين رائعة!" وألقى نظرة على الضيوف ثم همس في أذنها: أليس ثمة طريقة نهرب فيها من الغداء؟"
قالت تغيظه: لم العجلة بينما أنت الذي كنت تصر على الانتظار؟" قال: حتى الآن لا أعرف السبب!" .http://www.liilas.com/vb3