كاتب الموضوع :
ذكرى المرجوحه
المنتدى :
الارشيف
1-التقينا وسط الدموع
- مستعده سيليا ؟
تنهدت سيليا وهي تتوجه الي الباب لتسمح لليندا كنغ بالدخول . وليندا هذه فتاه صغيره جميله في السابعه عشره من عمرها ذهبيه الشعر .
قالت سيليا للفتاه العابسه :
- الاتفضلان انت وجون حقا الذهاب وحدكما ؟ يمكنني الخروج لاتبضع بعد الظهر .. هناك اشياء كثيره استطيع ..
ردت ليندا تصرف النظر عما تقول :
- لاتكوني سخيفه .. أهذا ثوبك ؟
قالت ذلك وهي تلتقط ثوب سباحه ملون تاركه الثوب الاسود الاخر علي السرير .. فردت سيليا :
- بل الاسود ..
قاطعتها الفتاه الصغري تهز أنفها :
- قديم الطراز ؛
ثم لفت البيكيني بالمنشفه ووضعتها تحت أبطها متنهده :
- ان جون كما تعلمين يشعر بالراحه عندما تكونين قربه .
عقدت سيليا جبينها حينما فكرت في مريضها ، وقد ظهر التفكير جليا في عينيها الخضراوين .. انها اكبر من الفتاه الاخري بسبع سنوات مع انها لاتشعر بهذا الفرق خاصه حينما تلقي عليها ليندا الاوامر بهذه الطريقه ؛
وماكان يبدو عليها الكبر كذلك وشعرها الذهبي الاحمر يلتف حول وجهها المفعم صبا وعزما وهي مرتديه القميص الاسود الضيق ، والتنوره الخضراء والسوداء المنسدله حول خصرها الرشيق الذي بانت منه ساقاها النحيلتان . قالت بصوت منخفض :
- لا استسيغ هذا الوضع فسأرحل بعد يومين . فقد تعافي وما عاد يحتاج الي الاعتماد علي .
ضحكت ليندا بثقه ثم قالت مازحه :
- انه لا يعتمد عليك .. بل هو معجب بك ، شاكر جميلك . ان معظم الممرضات يتمسكن بفرصه قضاء الظهيره بكسل قرب بركه السباحه ...
وهذا صحيح .. فقضاء الظهيره دون فعل شئ عدا التشمس والسباحه هو ماتحتاجه بالضبط .
مع ذلك كانت متردده في قبول الدعوه :
- لكن .. ألن تفضلي وجون ان تكونا معا منفردين ؟
كان افراد عائله هاملتون من الام والاب الي الشقيقه الصغري لطيفين معها في الفتره التي امضتها معهم كممرضه خاصه لجون بعد خروجه من المستشفي ، وذلك قبل ثلاثه اشهر اثر حادثه سياره خطيره . لكن ، لابد ان هناك حدود للطف ، والتطفل علي موعود جون مع صديقته الحبيبه ليندا هو الحد علي ما تعتقد .
ولكن ليندا لم تفكر هكذا .. فقد قالت :
- كيف نكون وحدنا وثمه ثلاثون شخصا اخر .
اتسعت عينا سيليا :
- وهل سيكون هناك هذا العدد ؟
- تقريبا .
- اذن .. ربما يجب ان اذهب . فهذه المره الاولي التي يكون فيها جون بين الناس .. ولا ادري كيف سيتصرف حين يرون عرجه .
- سيكون علي افضل حال .. حسنا .. لن يستطيع لعب كره القدم في المنتخب القومي وهو اصلا لا يلعب .. ان عرجا بسيطا كهذا لن يؤثر في دراسه الهندسه المعماريه :
ردت سيليا ممازحه :
- ولن يؤثر فيك .
كانت تعلم ان الشابين سيعلنان خطوبتهما في عيد ميلاد ليندا الثامن عشر . ضحكت الفتاه :
- هذا مالايحتاج تعليق .
ضحكت سيليا ايضا :
- يالتواضعك؛
ثم تبعت ليندا الي السياره حيث كان جون يجلس بنفاذ الصبر منتظرا .
قال متأوها حين انطلق بالسياره الريفيه :
- كنت سأرسل فرقه للبحث عنكما . لن افهم ابدا كيف تجد النساء هذه الاحاديث التي تطول وتطول . تري عما يتحدثن ؟
ردت ليندا :
- عن الرجال حبيبي .
رد متصنعا الغيره :
- لعلك تعنين بكلامك هذا صيغه المفرد ؟
ردت بتكبر :
- لن ارضي غرورك ؛
جلست سيليا تنصت الي مزاحهما الخالي من الهم ، تبتسم لنفسها ... ستفتقد افراد هذه العائله واحدا واحدا ابتداء من كارين الساهمه ابدا الي جاك الممازح الدائم فالوسيم جون فالواثقه من نفسها ليندا وانتهاء بايزابيل الخجوله . كانت الثلاثه اشهر التي امضتها مع هذه العائله في منزلهم الكبير اطول مده تقضيها في تقارب مع اي كان ... ان افتقارها الي علاقه حميمه مع ذويها جعلها تقدر هذه العائله المحبه المحبوبه حق قدرها .
ولكن سرعان ما سينتهي هذا فخمسه ايام وترحل للاعتناء بمريض اخر : امرأه عجوز وقعت وكسرت ساقها ، او مريض اخر يحتاج الي عنايه خاصه ... ان التورط عاطفيا مصدر خطرفي مهنتها لم تستطع قط التغلب عليه .. وتشك في قدرتها علي التغلب عليه ابدا .
حين وصلوا الي منزل ال ريتشاردز كان في بركه السباحه عده مراهقين يهرجون ويمرحون ، وسرعان ما انخرطت سيليا مع هذه المجموعه الضحاكه رغم فارق العمر بينها وبين معظمهم .
شعرت بالسعاده لان جون لم يظهر اي ارتباك في ارتداء ثوب السباحه مع ان جرح ساقيه مازال يظهر للعيان بشكل سئ ، والعرج واضح علي احداهما ...ولكنه شاب قادر علي التكيف نفسيا ، فقد تعاطي مع عجزه عن الحركه في شهره الاول بهدوء وتقبل ، وان كان جزع احيانا حين كان يشك في قدرته علي السير ثانيه ... ولكن تقدمه الرائع من العجز الكاملالي السير دون مساعده احد كان سريعا بالنسبه الي سواء اصابته ... وهو الان يتعامل مع عرجهبنضوج كبير.
قطع صوت انثوي شاب علي سيليا افكارها :
- اترغبين في استعاره مرطب يحمي بشرتك من الشمس ؟
كانت سيليا بدأت تشعر فعلا بالشمس تحرق بشرتها الناعمه ، فجلست مبتسمه ترفع نظارتها الي مقدمه شعرها الاحمر .
- شكرا .
- سيليا ؛
نظرت سيليا بفضول الي الفتاه الشابه الجالسه علي الكرسي الطويل القابع جانبا .. لم تكن تبدو مألوفه لها .. شعرها الاسود الطويل معقود الي الخلف كذيل حصان ، وجهها صغير وجميل وعيناها المتسعتان دهشه رماديتان .. عينان رماديتان ؟
سرعان ما تعالي اهتمام سيليا وهي تمعن النظر في وجه الفتاه . فالذقن عنيد والفم شديد العزم ، ام هاتان العينان الرماديتان فأليفتان .
- كارول ... ؟
صاحت الفتاه بأثاره :
- اجل ... كيف حالك ؟ تبدين بصحه وعافيه .. ماذا تفعلين هذه الايام ؟ اوه .. جئت بصحبه جون ، مما يعني انك الممرضه التي يتحدث عنها بفخر .. هل قلت شيئا مضحكا ؟
كان ثغر سيليا قد أفتر عن ابتسامه ازدادت اتساعا وهي تسمع سؤال الفتاه :
- حسنا .. حتي الان اجبت عن جميع الاسئله .
لولا ضحكتها هذه لبكت ؛ كانت تظن ان عائله بادجر قد خرجت من حياتها ، فاذا رؤيه كارول ثانيه بعد هذا الزمن كله تذهلها وتفاجئها .
ابتسمت كارول ايضا :
- اسفه .. ولكنني فوجئت بك .
وهذا دون ريب اغرب تصريح سمعته هذا السنه .
- كيف كانت احوالك ؟ سألت سيليا
هزت الفتاه رأسها : بخير
- ووالدك ؟
نظرت كارول بلهفه الي التعبير الكليل علي وجه سيليا واجلبت :
-انه بخير ايضا ..يعمل جاهدا بدا التصلب علي وجه سيليا وهي تشيح صوره برودي عن رأسها :
- طالما عمل جاهدا .
لن تسمح لهذه الصدمه ان تربك تناغم حيانتها ..
وتناهي اليها صوت كارول سائلا : ألم تريه منذ ..
فقاطعتها بحده :
- لا .. لا . ذكرت شيئا عن مرطب للبشره ..
- اوه .. بالطبع . الا ترغبين في الحديث عن اي شئ ؟
لم ترفع سيليا بصرها عن المرطب الذي كانت تضع منه قطرات علي بشرتها ..
- وهل هناك ما يقال ؟
كانت تعرف انها تتوق الي معرفه اي شئ عن برودي ، ومن المؤكد ان ابنته تعرف الكثير ...
- كنت افكر انني لم اتوقع انفصالكما هكذا ، كنتما ...حسنا .. كان معجبا بك حقا ..
- انا واثقه من هذا ... لكن كانت هناك امك وكنت انت .
ابتسمت كارول :
اوه .. اجل .. امي .
دهشت سيليا من ردها فعبست :
- لم تشعري يوما بهذا الشعور تجاهها .
هزت الفتاه كتفيها :
- - الناس يتغيرون . كان هذا منذ ست سنوات .. يوم ذاك كنت في الثانيه عشره ، طفله حقا .
ولكن تلك الطفله هي من ساعدت علي توسيع الشق بينها وبين برودي .. كانت كارول ترفض اي انثي في حياه ابيها عدا امها .. مما جعل علاقه سيليا مع برودي مستحيله .. وكان ذلك قبل عوده دونا ؛
اضافت سيليا بضعف :
- لم اكن افهم الموقف حينذاك .
- بالطبع ما فهمته ولا اظنني انا ايضا ، فقد كنت في الثامنه عشره يومذاك .
- لكنك احببت ابي ؛
- ربما ظننت هذا ...
- بل احببته .
- ربما لفتره ما . ولكن رجلا مثل ابيك لن يتورط مع فتاه في الثامنه عشر ، علي اي حال ... فقد كان كبير الجراحين حينذاك .
هزت كارول رأسها :
- ومازال ، انما في مستشفي اكبر حجما .
لاشك في هذا .. وهو الان في التاسعه والثلاثين ، مازال يرتقي درجات المجد في مهنته .. وكأنه خلق من اجله .
- وماذا عن امك كيف حالها ؟
انتفضت كارول :
- امي ؟ ولكن ألم تعرفي ؟
- اعرف ماذا ؟
- امي ماتت منذ ثلاث سنوات .
- لم ... لم يكن لدي فكره .. اسفه .
دونا بادجر ميته منذ ثلاث سنوات ، وهي لا تعرف ذلك وهذا يعني ان برودي يعيش وحيد منذ ذاك الوقت .. ام تراها مخطئه في ظنها هذا ؟ برودي ليس ممن يؤثر الوحده طويلا ... الم يلتقيا اثناء فتره انفصاله المؤقت عن زوجته ؟ أولم يتخل عنها حالما حالما قررت دونا العوده ؟ انها واثقه من وجود امرأه في حياته .
- هل ن-تزوج والدك ثانيه ؟
- تزوج بعمله وسيبقي علي زواجه به دائما .
وقفت سيليا بحده :
- اجل .. اظنني سأتوجه للسباحه .. وداعا ...
عدت الي حافه البركه فنادت كارول :
- اوه .. ولكن ..
لم تنتظر سماع المزيد بل رمت نفسها في المياه الزرقاء الصافيه مرحبه ببرودتها مجتازه البركه عده مرات قبل ان ترفع رأسها .. كانت كارول قد تركت مكانها ووقفت تصغي دون اهتمام الي شاب كان يحادثها من طرف البركه الاخر . فسحبت سيليا نفسها الي حافه البركه قبل ان تسرع الي غرفه الملابس تجنبا لمحادثه ثانيه مع كارول .
التقت بليندا خارج غرفه الملابس:
- اه .. انت مستعده للرحيل .. لعلك لا تمانعين فجون اخذ حاجته من الحركه اليوم .
انصب اهتمام سيليا علي مريضها :
- كان يجب ان افكر في هذا ...
- بالطبع لست مضطره .. انه راشد نفسه .. ويجب ان يعرف متي عليه الذهاب ، وقد ادرك لحسن الحظ ذلك . اذا اردت البقاء اجد من يقلك حتي ...
- لا .. انا مستعده للذهاب .. فالشمس مرهقه .
- طبعا .. هل حاول احد اصدقائنا ازعاجك ؟ هناك بعض الشبان ...
- لا ..لا .. ليس الامر كما تتصورين . انه التعب ليس الا ...
- تبدين .. منزعجه من شئ ما ؟
اهي شفافه الي هذه الغايه ؟
ظنت انها قد بنت قوقعه واقيه حول نفسها ، ولكن محادثه قصيره مع كارول بادجر شتت افكاركها وارهقت اعصابها :
- انه التعب .
ثم تبعت الفتاه الاخري الي السياره .
اثناء الطريق نظر جون في المرأه من الخلف فسأل عابسا :
- انت بخير ؟
ردت ليندا :
- انها متعبه .
- لكنك كنت مستريحه حينما القيت عليك نظره وانت قرب البركه . تحدثت الي كارول فتره وجيزه .
رطبت سيليا شفتيها ، وسألت بصوت عادي .. عادي جدا :
- لم تزركم في منزلكم اثناء مرضك ..اليس كذلك ؟
- بل زارتني مره وذلك في يوم اجازتك .
ردت مازحه :
- اوه .. ذلك اليوم الفريد؛
ضحك لها : وقحه .
ردت ليندا :
- لم تبتعد عنك الا اياما قليله .
- ولكنها تمتعت بكل دقيقه قضتها معي .
ردت سيليا بحراره :
- اجل .. لقد تمتعت كثيرا .
ضحكت ليندا :
- لا تقولي هذا له .. والا اصابه الغرور .
تأوه:
- وانا حسبتك مغرمه بي .
ردت ليندا ببرود :
- احبك .. احيانا .
- شكرا
ضحكت سيليا :
- اظنك جلبت ذلك علي نفسك .
اه كم ستشتاق الي افراد هذه العائله المتكاتفه ولكنها اختارت مهنتها ، وتمتعت بها ، واذا كانت تحس احيانا بالوحده فهذه غلطتها .. فعروض الصداقه من الشبان كانت موجوده منذ سنوات طويلة . ولكن ما من رجل كان يقاس ببرودي .
برودي .. ألن تتخلص من التفكير فيه يوما ؟ يبدو أن هذا مستحيل ، فقد سمعت جون يذكر كمارول أمام أبيه .
-
- لقد عادت كارول من فرنسا .
سأله جاك :
- وماذا عن برودي ؟
- لقد عاد علي ما اظن ومعه جده كارول .
كريستبال .. كريستبال اير انها حماه برودي التي استقبلتها سيليا استقبالا باردا يوما .
سألت كارين : - اليستقر ام ليزور المنطقه فحسب ؟
رد ابنها :
- ليستقر .
رددت كارين بصوت منخفض :
- مسكين برودي ..لا اظن ان المجدي بقاء كريستبال في فرنسا بعد وفاه زوجها .
كريستبال اير ارمله الان .. ولكن سيليا لم تستطع تصور ان هذه المرأه المتكبره المتعاليه حزينه مصدومه بخسارتها ... لا هذا الدور لا يناسب هذه المرأه ابدا .
وجهت كارين حديثها الي سيليا مبتسمه :
- اسفه سيليا .. فمن الفظاظه التحدث امامك عن اناس لا تعرفينهم .
قالت ليندا :
لقد التقت كارول اليوم .
سألتها كارين :
- صحيح عزيزتي ؟ انها فتاه لطيفه .. اليس كذلك ؟
- هذا ما بدا لي .. ارجو عفوكم لدي تقارير اقرأها قبل الالتحاق بعملي المقبل .
هزت كارين رأسها متفهمه :
- طبعا عزيزتي .
وقفت سيليا قرب جون قليلا :
هل ستكون علي ما يرام ؟
ضحك :
- لماذا ؟ هل ستأتين فيما بعد لتدثريني ؟
صاحت صديقته مهدده :
- عليها الا تفعل .
رد ساخرا :
- ولم لا ؟ ألم تكن تقوم بذلك في الاشهر الماضيه .
نظرت ليندا اليها بفزع :
- سيليا ...
- انه يمزح .. كنت أسعاده علي الجلوس في السرير لا علي تدثيره ؛
تركت الغرفه وهي تسمع الدعابات والتعليقات الساخره الموجهه الي جون .. لقد نسوا علي الاقل موضوع كارول وبرودي ...
ولكنها لم تنس .. فالذكريات جميعها اندفعت اليها اندفاعا مع كل حبها وخيبه أملها والمها ...
كانت مهمتها الاولي هذه تقوم علي رعايه اطفالكانو معظمهم يعانون من امراض شديده الوطأه ولكنها رغم ذلك امضت وقتا ممتعا ولم يؤثر الموت فيها كثيرا .
اما مهمتها الثانيه فكانت شيئا مختلفا ...فقد كان عليها رعايه الاناث ابتداء من عمر الثانيه عشر . ولكن الصغيرات سرعان ما كنا يشفين اما العجائز فلم يكن شفاؤهن سهلا دائما.
تعلقت خلال هذه المده بالسيده دفيسون وهي امراه في السبعينات من عمرها .. كانت تقضي معها يوميا عده دقائق تختلسها من اوقات عملها الدؤوب لتصغي اليها وهي تتحدث عن زوجها بارني واولادها السته واحفادها العشرين واحفاد احفادها الاربعه .
كانت سيليا تحب هذه العجوز وتجد عندها الود والحب مالم تجده عند والديها .
في الواقع شاهدت سيليا بروي للمره الاولي في غرفه السيده ديفسون وذلك حين كانت تتحدث العجوز عن زياره زوجها المرتقبه وهي زياره احي علي قلبها من اي شئ اخر .. يومذاك نظرت جوانا الي الخاتم الذهبي والذي اصبح رقيقا بفعل الزمن وقالت بفخر :
- لم يخرج من يدي منذ وضعه بارني هنا .
وجدت سيليا ان الحب الذي مازال في قلب العجوزين
بعد خمسين سنه من الزواج رائعا . فخلال اوقات الزياره كان الزوج يمسك يد زوجته وكأنهما مراهقان ولم يبد عليهما يوم الغضب او الخصام .
تناهي اليها صوت رئيسه العنبر الاخت ان :
- الستائر ايتها الممرضه .
شعرت بالذنب فارتدت مسرعه ولكنها اصطدمت بالواقف وراءها مباشره ، فتمتمت معتذره ترفع عينيها المرتجفتين الي عينين رماديتين باردتين ، ليس فيهما اشفاق من الحرج الذي وقعت فيه.
تراجعت بسرعه فانضمت الي الممرضات اللواتي دخلن غرفه العياده مع احد الاطباء.
وقالت باني دوغلاس هامسه :
- اري انهم احضروا الرجل الكبير .
سألت سيليا بصوت هامس ايضا :
- من هو ؟
- برودي بادجر .. أليس ساحرا ؟
كان وسيما فعلا كما قيل عنه تماما . فالقال والقيل عن السيد بادجر الجذاب لم ينقطع يوما .. وهاهي تري ان التقولات لا تفيه حقه فهو اكثر من وسيم بل ان وسامته مدمره ... كان طويلا رمادي العينين ذا انف طويل مستقيم ، وفم صارم يعلو فك مربع الزاويه . وهو اشبه بمستشار منه بطبيب ، وكان يرتدي الزي الابيض المعتاد فوق بزه دكناء مؤلفه من ثلاث قطع تنسجم كل الانسجام مع جسده القوي الرشيق.
وهو الي ذلك يخطف الانفاس ، وقد ابدت السيده ديفسون اعجابها بطبيبها الشاب الوسيم .. مع ان برودي بادجر كان في بدايه الثلاثين وهو عمر صغير بالنسبة للعجوز أما بالنسبة لسيليا فهو عمر النضوج .
بعد ذلك اللقاء الاولي شاهدته سيليا عده مرات في المستشفي وذلك مع مستشارين اطباء . بدا لها رجلا منعزلا جعلته عزلته هدفا رئيسيا للشائعات ... مع ان العزله نفسها جعلت منالصعب علي احد معرفه الكثير عنه . وكانت سيليا تتوق الي معرفه المزيد عنه خاصه وانها بدأت تعاني من شغفها الاول برجل اكبر منها سنا .
بعد اسبوعين من لقائهما الاول ، تحدث اليها برودي يوما ... وليته لم يكلمها .
كانت السيده دفيسون تتطلع بلهفه الي باب العنبر المفتوح خلال ساعات الزياره حين دخل برودي بادجر منه فدنا من العجوز ووقف علي مقربه منها يشد الستائر حول السرير بنفسه ثم ظهر بعد عشر دقائق متجهم الوجه .
نادي سيليا التي كانت تجوب العنبر بقلق : ايتها الممرضه .. فنظرت اليه بعينيها الخضراوين .
- نعم؟ سيدي
- ابقي مع السيده دفيسون عده دقائق . فلا اريد ان تبقي وحيده ... احدي بناتها ستحضر حالا .
ذعرت:
- اوه .. طبعا .. ماذا ..
- لقد مات زوجها .
لم تنتظر سيليا سماع المزيد ، واسرعت تصرخ صرخه الم مكتومه .. كان النور قد اختفي من عين السيده العجوز التي كان كل ما فعلته الامساك بيد سيليا وكأنها لا تريد تركها والغريب انها لم تكن تبكي .
وبدا ان الوقت توقف جامدا بعد هذا .. كان يمر دون ان تحس اي منهما به .. لم يكن هناك حديث بل صمت كانت تستمد منه العجوز ومن وجود سيليا الي جانبها بعض الراحه . فجأه تمتمتالسيده دفيسون بصوت منخفض :
- كنا نقول اننا نريد الرحيل معا .
- سيده دفيسون ...
قاطعتها العجوز بحزن :
- لن احيا دون بارني .. يوما ما ستفهمين ما اعني . احببته طوال حياتي لذا لن اعيش بدونه .
- سيده ديفسون يجب الا تتحدثي هكذا ...
- انسه هالام .
رفعت سيليا رأسها فرأت برودي بادجر واقفا خارجالستائر المسدله حول الفراش ، فحررت يدها بلطف من يد العجوز ودنت منه تسأل بصوت منخفض :
- نعم سيدي ؟
- كيف حالها ؟
انه سؤال غريب يطرحه مستشار علي ممرضه صغيره . رطبت شفتيها بتوتر :
- انها مصدومه كثيرا .. سيدي . ولكنها بدأت تستعيد وعيها .. وتتحدثعن رغبتها في الموت .
- يالهي اسف انسه هالام . سأدخل لا اتحدث اليها بضع دقائق .. لقد تأخر اولادها .. فقد كانت صدمه لهم ايضا . ولكن الاخت ان قالت انك علي علاقه حميمه مع السيده دفيسون .
تعال الدم الي وجهها :
- اجل .. احب ان اعتقد هذا .
- اذن سأقدر جلوسك معها حين ارحل .
- اجل .. دكت .. او اسفه .. سيدي طبعا .
لم تتردد مع انهما كلاهما يعرف ان مهمتها انتهت منذ ساعات ... ام تراه لا يعرف ذلك ؟ ولكن الامر لا يهم علي ايه حال فهي لن تترك العجوز.
- اعدي لك فنجان شاي أو ما تأكلينه في الوقت الذي اكون فيه مع السيده دفيسون .. امامك عشر دقائق .
كان من حسن حظها ان الاخت ان اعدت لها وجبه ساخنه مع كوب شاي . وقالت لها :
- كان عليك الذهاب منذ ساعات . ولكن السيد بادجر اصر علي ان تلازمي السيده العجوز ... وانا اوافقه الراي في مثل هذه الظروف .
خرج المستشار من العنبر بعد عشر دقائق بالظبط غارقا في افكاره ، أما سيليا فأسرعت تتجاوزه قاصده العجوز التي تنهدت قائله :
- انه شاب لطيف . ولكنه لا يفهم الحب الذي بيني وبين بارني .
- أهو متزوج ؟ ...
- لقد قيل لي انه انفصل عن زوجته .. أنتم الشبان في هذه الايام لا تبالون كثيرا بقسم الزواج .
- انا لست متزوجه سيده دفيسون .
هزت المرأءه رأسها :
- ستتزوجين .. وسيكون زوجك رجلا محظوظا . انت طفله جميله سيليا ، فانتظري الرجل المناسب .. كما فعلت انا .
بعد وقت قصير نامت العجوز ولكن سيليا لازمتها ... كان الظلام قد هبط منذ ساعات حين اطل عليها برودي بادجر مجددا .
ولانها تعرف كثره الاعمال الملقاه علي عاتقه تأثرت وهي تري منهالاهتمام المنصب علي مريضته .
سحبت سيليا أصابعها من اصابع المرأه وخرجت لتكلمه :
- كيف حالها ؟
- نائمه .. اين عائلتها ؟
رد عابسا :
- ابنتها التي كانت ستأتي لتجلس معها انهارت امام مدخل المستشفي فأدخلت الي قسم الطواري .. وقد جئت الان لا اعين الام قبل السماح لا ابنتها برؤيتها .
ثم دخل متفقدا مريضته .
خرج بعد عده دقائق ، ويده علي صدغه قائلا بأيجاز :
- بامكانك الذهاب انسه هالام .. ماعدا أمامنا ما نفعله هنا .
دفعته سيليا غير عابئه بمن هو تنصب نظراتها المذعوره علي جسد السيده الجامد ، وقالت تجهش بالدموع :
- انا .. انت .. انها لم تمت .. لا يمكن .
امتدت يده لتعينها فقد ترنحت بشده حتي كادت تقع ارضا ..
- لقد ماتت.. منذ ساعه . تبدو وكأنها توقفت عن التنفس .
- لا
- انسه هالام ...
انتزعت نفسها من ذراعيه .
- دعني وشأني .
وراحت تعدو ودموعها تنساب دونما رادع .
خرجت من المبني الي الحدائق . تشق طريقها متعثره .. دون ان تعي ان احد يتبعها حتي اوقفتها ذراعان قويتان اداراتها فوجدت وجهها وقد دفن في صدر قوي .
تمتم برودي :
- تمت أسف.
وتركها تبكي عدة دقائق على قميصه الناصع البياض الذي تتصاعد منه عطر ما بعد الحلاقه . ثم هزها بلطف حينما عجزت عن إيقاف الدموع:
- كفى .. سليا.
رفعت وجهاا الطافح دمع إليه:
- هذا ليس عدلاً .. كانت .. لطيفه
أخرج منديلاً أبيض وبدأ يجفف به دموعها ويقول بلطف
- ؟أنت لا تنظرين إلى الأمر من وجهة نظرها .
- لا أفهم ...
أنها مع زوجها الأن, وهذا ما كانت ترغب به .
- أتصدق هذا فعلاٍ ؟
هز رأسه:
- طبعاً.. ليس الوقت وقت بكاء, فلم تكن ستشفى ثانيه سيليا .. فعلنا كل ما بوسعنا لها.. ولكن ما فعلناه لم يجدي .
عضَّت شفتيها :
- ورغم ذلك لا يبدو لي عدلاً.
أعطاها منديله:
الحياة نادراً ما تكون عادلة .. أنفخي أنفك . ستشعرين بتحسن.
- لديّ.. لديّ منديل
بعد مرور الصدمه الاولى أحست بأن هذا الوضع غير طبيعي ,
فيجب ألا يعرف برودي بادجر بوجودها أصلاً .. فما بالك بمواساتها هكذا!
- أنا .. أسفة . لم أقصد البكاء على قميصك!
-هذا لأنك لم تكوني قريبه من الموت هكذا من قبل.
كان صوته خشناً وهو يرفع كتفيه المرهقتين:
- صدقيني إن الأمر ليس سهلاً أبداً .
انتفضت سيليا وهي تنظر إليه بدهشة.. كان شاحباً جداً.. حول فمه توتر وعلى تعابير وجهه التهجم .قالت:
آسفه.... لم أكن أعرف.
-نادراً ما يعرف الناس أن للأطباء مشاعر !
لم يخطر ببالها البتة أن هذا الرجل الصلب قد يؤصر فيه الموت كما أثَّر فيها هي .
- أنا آسفة حقاً.
-ولكنك لم تقتنعي .. أليس كذلك؟
-أقتنع ؟
-إنني أشعر كما يشعر سائر الناس...
- أوه . . أنا .. ولكنني . . .
انقطعت كلماتها حين انحنى وجههه إليها . . برودي بادجر يعانقها إنها لا تصدق ذلك . ولكن كيف تنكر وجود هاتين الذراعين اللتين تحتويانها برقه . . عندما رفع وجهه لينظر إليها شهقت باستغراب:
- سيد بادحر.
- هل صدمت؟
تضرَّج وجهها حياء:
-حسناً .. لن اتمادى حتى أقول هذا.
ارتفع الحاجبان الأسودان فوق العينين الرماديتين:
- ألن تقولي هذا؟
-لا .
لقد أعجبتها طريقة عناقه, ولاكنها لاتصدق بل دهشت . . تعم الدهشهة أفضل كلمه لوصف ما أحست به .. فبرودي بادجر رجل خبير بالعواطف , وقد عانقها بنعومه جعلت قلبها يتوقف عن الخفقان ولكن ذلك لم يمنعها من الاستجابه له عفوياً.
-ولكنني أقول هذا لأن لدي إبنه تصغرك بست سنوات .
- ولدي أب يكبرك بخمسة عشرة سنة . لذا رجاء لا تظهر نفسك بمظهر الأب لي.
أضاء المرح حول عينيه , وقال:
- هذا يضني بحزم عند حدي . . شكراً سيليا .. أظنني بحاجه إلى من يذكرني أنني في الثالثة والثلاثين . والآن اذهبي , على أن تصدقي أن السيده دفيدسون هي الآن حيث كانت ترغب أن تكون مع زوجها
ردت سيليا دون وعي التحيات التي تلقتها وهي في طريقها إلى غرفتها .. كانت ما تزال حزينه على صاحبة الوجه البشوش والقلب العطوف , وقد انساها حزنها ذاك العناق الغير متوقع .
كان في ذاك الوقت قد بقي أنانها يوم واحد من العمل حتى تأخذ عطلتها التي ستمتد إلى أربعة ايام , وهي فترة تتيح لها الراحة . لكن اليوم المتبقي بدا لها طويلاً مملاً وخاصة ولأن السرير الفارغ وسط الغرفة يذكرها بشكل دؤوب بموت اليدة العجوز التي أتت ابتها لتجمع حاجيات امها , وهي في حالة حزن شديد على واللديها اللذين فقدتهما في يوم واحد.
كانت عطله سيليا مريحه بعد المحنه التي مرت بها .. مع انها كالعاده امضت الايام مع الممرضات لانها نادرا ما تقوم بزياره والديها .
في اليوم الثالث حضرت جنازه الزوجين دفيسون المشتركه احتراما لهما واضهارا لحبها .
لم ترتد الاسود لانها ليست فردا من العائله .. ولكنها عقدت شعرها الطويل بشريط اسود عقصته علي مؤخره رأسها .
كانت تقف خارج المستشفي تنتظر الباص للتوجه حيث تقام الجنازه حين سمعت احداهما يقول :
- أتودين ان اقلك سيليا ؟ عبست في وجه سائق السياره الفخمه :
- سيد بادجر .
مد يده ففتح الباب :
- اصعدي
-ولكن ..
- انا متوجه للمشاركه في العزاء . رجاء اصعدي قبل ان يزدحم السير .
صعدت الي الرولز رويس الحمراء التي كان هدير محركها لا يكاد يسمع .
فجأه كسر برودي بادجر الصمت المتوتر بينهما :
- تبدين مختلف دون بزه التمريض الرسميه .
- شكرا لك .. اظن هذا .
رأته للمره الاولي مبتسما ابتسامته اظهرت غمازتيه العميقتين واسنانه الشديده البياض امام بشرته السمراء كما اظهرت عينيه الرماديتين الدافئتين .
- قد تعتبرين قولي اطراء .. لكني اري ان الزي الرسمي رائع عليك .
توردت خجلا .. لم تكن منذ ثلاثه ايام قد شاهدته الا قليلا وكانت كلما لمحته تشعر بالحرج بسبب ما جري بينهما .
قال لها بعدما طال صمتها :
- نحن نقصد جنازه سيليا لا منزلي .
- اجل .. سيدي .
- اسمي برودي .
لا يمكن ان تكون علاقتها مع هذا الرجل المتسلط غير رسميه فبقيت صامته حتي اوقف السياره امام الكنيسه .
تفرس في وجهها الشاحب وهو يساعدها علي الخروج قال لها بصوت منخفض :
- لاباس عليكي سيليا . سأكون الي جانبك .. اذا اردت الخروج قولي لي وسنخرج حالا .
كانت مراسم الجنازه هادئه ومؤثره تأثيرا جعل الدموع تتدفق من عينها . حينما انسابت الدموع حاره وجدت منديلا ابيض امام عينيها ، فأخذته شاكره .. وسمعته يتمتم :
- ستصبح هذه عاده .. احتفظي به فقد تحتاجينه ...
وامسك ذراعها ليتوجها لتقديم التعازي وعندما تلقيا دعوه من الابنه الكبري للذهاب مع العائله رفض بأدب قائلا :
- اخشي ان اكون مظطرا وسيليا للعوده الان .
ابتسمت المراءه بوهن :
- اعرف انكما مشغولان .. ونحن شاكرون مؤساتكما لنا .
وكأنهما زوجان حقاً ! فما من أحد رأى في وجودهما معاً ما يدعو للغرابة ولكن الأمر غريب فعلاً وهي لا تكاد تصدقه . . فالأطباء المستشارون الكبار، لا يبدون مثل هذا الإهتمام بمن هم أصغر منهم سناً ورتبه . ولكن كيف لا تصدق ذلك ورائحة العطر الرجولي العابق في المنديل يؤكد لها أن ذلك أمر حقيقي.
-أثناء الطريق اقترح عليها :
- أتودين شري شاي ؟
-- .. لا . . شكراً لك . . علي العوده
- - ولماذا عليك العوده ؟ أليس اليوم يوم عطلتك ؟ أم لديك موعد آخر؟
- - وكيف عرفت أن اليوم عطلتي ؟
- ردًَّ ساخراً:
- - ألست هنا معي ؟
- جعلها غباؤها تتضرج خجلاً ولكن ذلك لم يمنعا من الرغبة في مشاطرته فنانجاً من الشاي أو معرفة الأسباب التي تدفعه إلة فسخ زواجه . إنما هل استطيع الاستفسار ؟ لا . . ذلك مستحيل . وهل تسنظيع قبول دعوته ؟ وقالت كاذبة ؟
- لدي موعد فعلاً . ربما في وقت آخر
- حسناً . . كما تشائين ، في وقت آخر
حين وصلت إلى غرفتها في مسكن الممرضات ، تذكرت أن منديله ما يزال معها . . وعليها الآن غسله وكويه . . ولكن لو كانت صادقه مع نفسها لاعترفت بانها مسروره بهذه الحجه التي ستتيح لها التحدث إليه من جديد .
أتتها هذه الفرصة في اليوم الأول بعد العطلة . وكان يومذاك برودي يقوم بجولته المعتادة مع ستة من تلاميذ الطب الملهوفين لسماع كلمة منه ، وكانت الأخت آن تتقدم بين يديه لتزوده ببطاقة المعلومات عن كل مريض حينما يحتاج إلى ذلك . وكان هو أول من غادرمكتب الأخت آن بعد الجولة فانتهزت سيليا الفرصة :
-سيد بادجر !
تناوله منها دون كلمة ، ثم وضعها في جيبه . .
-قالت له "شكراً " ويدها تلمس كمّ سترته . فنظر إلى يدها القابعة على كمه ، ثم نقل بصره إليها ببرود .
- أجل هل تسمحين الآن ؟
أخذت صده على ما هو عليه تماماً . . وأقسمت على عدم إزعاجه ثانية . فقد اتضح لها أنه ندم على صداقته التي أقامها معها يوم أمس لذلك لم تذكره بها أبداً .
ذلك المساء تلقت مخابرة ، كانت خطواتها بطيئه وهي تقصد غرفة الهاتف المشتركة لأنها تعرف من المتصل ، فهي أمها التي ستتجادل معا لأنها لا تزورهم إلا قليلاً. وضعت السماعة على أذنها :
-آلو . .
الصوت الذي رد عليها كان صوت رجل بكل تأكيد :
-سيليا ؟
علَت وجهها تقطيبة حائرة ، فليس المتصل والدها .
_نعم .
-أريد رؤيتك . . يجب أن أراك.
- من المتكلم؟
تمتم لنفسه :
- يا إلهي ! لقد جننت دون شك . . يؤسفني إزعاجك . . . أنا
فجأة عرفته :
-برودي أهذا أنت ؟
-أجل . . لقد واجهت مشكلة منذ برهة مع كارل . . .
-كارول؟
-ابنتي . . لا يهم . . ما كان يجد أن أتصل بك . أنا آسف لأنني أزعجتك .
ردت بالطف :
-أتريد التحدث عن الأمر ؟
ران صمت طويل قبل أن يتنهد
:
-أجل . يجد أن أتحدث إلى أحد . ولكنني أجد صعوبة في التحدث عنه هاتفياً . . . ولكنني لا أستطيع ترك كارول لأن مدبرة المنزل في إجازة.
- أين تقطن ؟
- أين . . ؟ سيليا . . . هل تقصدين أنك قادمه إلى منزلي ؟
-إن شئت ذلك .
-سيليا أمتأكدة من رغبتك في المجئ ؟
ردت بسرعة :
- كل التأكيد . . . ما هو العنوان ؟
لم يتردد ثانية ولا هي ترددت . إردت سترة خفيفة فوق قميصها الموضوع تحت الجينز المشدود على خصر نحيل ضيق . حين أعطته العنوان رفع سائق التاكسي حاجبيه وطلب أجراً مرتفعاً ،
فالعنوان يدل علي انها قادره علي الدفع ، فهو في حي فاخر من المدينه والمنزل في ساحه خاصه .
فتح برودي الباب قبل ان تدق الجرس فاذا به مختلف عن برودي بادجر الذي تعرفه في المستشفي .. كان يرتدي ملابس بسيطه كملابسها : سروالا اسود وقميصا رماديا غير مزرر عند الياقه .. قال هامسا ونظراته تجول عليها وعلي وجهها الخجول :
- سيليا
- اجل
تنهد بأسي وأدخلها الي المنزل قبل ان يضمها بجنون بين ذراعيه .
- يا الله سيليا
كان عناقه حار وعنيفا ليس فيه الا الرغبه القويه .
- سيليا سيليا سيليا
كانت صيحته الاخيره باسمها ممزوجه بضحكه انتصار وابتسامنه من ابتسامته النادره تضئ وجهه المتجهم .
- ياالهي .. ما اجملك
رطبت شفتيها وهي تعي تماما قوه مشاعرهما من خلال هذا العناق العنيف .
- وهل انا جميله حقا ؟
- اجل
وضع ذراعه علي خصرها ثم رافقها الي غرفه جلوس عضريه اثاثها متعه للنظر . فثمه بسط بيضاء فوق ارضيه لامعه ولوحات حديثه معلقه علي جدران بيضاء .
- زوجتي اختارت الديكور .. ولم تتح لي فرصه تغييره بعد .
طبعاً أنتما منفصلان .
- على طريق إتمام معاملات الطلاق . . وهذا بالتحديد ما جعلني أتجادل مع كارول .
- أوه . . أتظن أن من الحكمة مجادلتها في أمر كهذا ؟ إنها تحتاج إلى حبك وتفهمك ، لا إلى جدالك .
- حاولت أن أكون متفهماً ، ولكننيأخشاه أن التفاهم معدوم بيناا في الوقت الحاضر . فلديها فكرة سخيفة عن رغبتي في إحضار نساء إلى المنزل ، وهذا تصرف ليس من شيمي .
- أبي . .
وقف فتاة صغيرة في الباب ثائرة العينين اللتين ما إن وقعتا على سيليا حتى اشتعلتاه غضباً :
- لم تهدر وقتاً إذن . . أليس كذلك ؟ وأنا من أردت الاعتذار عما بدر مني !
- كارول . .
- دعني وشأني . . أمي على حق ، يجب ألا نثق بالرجال !
ثم خرجت من الغرفة كالصاعقة ، فتبع خروجها ذالك صمت هائل لكن سيليا استجمعت شتات نفسها فقالت :
- لم تكن فكرة مجيئي إلى المنزل صائية . . اعتقدت أنك حين تكلمني أستطيع مساعدتك ، ولكنني بدلاً من هذا . . .
- تعرضت لفظاظة إبنتي . . الأمر على حاله من افتراقي عن دونا وقد بدأت أفتقر إلى الحلول .
- أظن أن ما تحتاج أليه أبنتك هو الوقت وخروجي أنا كم هذا المنزل لتصعد لترضي خاطرها.
- وماذا ستفعلين ؟
- سأعود إللى بيت الممرضات لأدرس ، وهو ما أنا بحاجة إليه حقاً ! لا أدري كيف تتمكنون
من تذكر تلك الدروس كلها .
- بالممارسة . . أتريدين الذهاب حقاً ؟
- لا ..
- أملت أن يكون هذا ردك . . حين تكون مديرة المنزل موجودة ، تلازم كارول في غيابي ، فهل تشاركينني العشاء غداً؟
كانت سيليل مخدرو تقريباً بعمق عينيه الرماديتين ، فردت مخطوفة الأنفاس :
- أجل . . أجل. . سأحب ذلك .
وكانت تلك الأمسية إحدى عدة أمسيات قضياها معاً. ولم يكون في أي منها توتر كما كانت بالأمسية الأولى . كان بينهن شبه إتفاق لجعل صداقتهما غير معروفه في المستشفى . لذلك كانا باردين في تعاملهما حين يلتقيان ، علماً بأن صديقاتها كن يمازحنها بشأن صديقها الجديد ، ولكن لم تتوقع أي منهن أن يكون برودي بادجر هو الصديق . . . بل لم تكن تثق بأن أياً منهم ستصدقها وإن أخبرتها . .
رفضت كارول بادجر بشدة أن تقابلها ، نظراُ للظروف ، لم تستطع سيليا أن تلومها . فهم لم تكن تعلم الدور الذي تلعبه في حياة برودي ، فكل ما تعرفه أنه في الوقت الحاضر يحتاج إليها ، يحتاج إلى وجودها وهدوئها ، يحتاج إلى مزاجها حين يكون متهجماً .
في إحدى الليالي تغيرت علاقتهما بشكل عنيف . تلك الليلة اتصل بها برودي ليلغي موعدهما :
- وصلت حماتي لترى كارول . ولا يمكنني تجاهلها . . إنها جدتها .
ردت سيليا بهدوء :
- طبعاً أفهم هذا .
هل يخجل برودي من علاقتهما . . ألهذا كان مصمماً ألا يعرف أحد بها ؟
قال بعد صمت متوتر :
- تعالي وقابلي كرستبال وعندئذ تعرفين لماذا لا أريدك أن تريها .
وهذا ما فعلت . . كانت كرستبا لاتزال جميلة رغم بلوغها العقد السادس ، فجسدها نحيل وشعرها أسود تشوبه شعيرات بيضاء وهي على ذلك سليطة اللسان وقد عاملت سيليا وكأنها ليست أكبر من حفيدتها التي رضيت بالجلوس مع سيليا للعشاء لتتمتع بمعاملت جدتها السيئة للمرأة التي لا تحبها ولن تحاول أن تحبها .
كانت أمسية متوترة غير مريحة ،فقد عمدت العجوز إلى تحذيرها بكلمات ودود عن سعي الرجال المتوسطي العمر إلى إستعاددة شبابهم مع نساء أصغر منهم عمراً . وقد حدث أن وجدت سيليا نفسها وحيدة معها في غرفة الجلوس وذلك عندما صعد برودي ليتمنى لإبنته ليلة سعيدة ، فاستغلت كرستبال الفرصة لتحذيرها منه .
سألها برودي وهو يعيدها إلى المستشفى :
-حسناً . . ؟
- ما كان يجب أن أحضر . إن حماتك مؤمنه بعودتك في النهاية إلى زوجتك .
تجهمت أسارير وجهه :
- لم أكن من غادر المنزل بل هي من فعلت .
- وإذا طلبت العودة ؟
- لم تطلب هذا إطلاقاً .
- ولكن . .
- لا أريد مناقشة أمر زوجتي سيليا ، فلا علاقة لها بعلاقتنا ،ولكرستبال أن تعتقد ما تشاء ، فلا أتوقع منك أن تصدقيها .
ولكن ليتها تثق بمشاعره التي يكنها لها ! وصفت كرتستبال إهتمامه بها وكأنه حلم رجل في العبث مع فتاه صغيرة . وقالت أنه بحاجة إلى إمرأة أكثر حنكة ، وأنه سرعان ما سيضجر من طفلة مثلها . ولكن الإنذار الأخير كان أشدها تأثيراً، فقد قالت لها أن دونا بادجر قد أدركت غلطتها وإنها تريد العودة إلى زوجها وإبنتها .
وها هو بردي لا ينكر رغبته في عودة زوجته ، بل كان ما قاله أنها لم تطلب العودة .
- سيليا !
- آسفة . .
استيقظت من شرودها لتنظر إليه ، فإذا بنظرته مستقره عليها . .
فأردفت :
- حماتك لا تحبني .
- أجاب وقد رد بصره إلى الطريق:
- ليس من المفترض أن تحبك . . فأنا أحبك .
سألته بصود أجش :
- وهل تحبني ؟
تركت يده الموقد وأمسكت يدها:
- تعرفين هذا. .
- أنا . . أنت لم تظهر لي يوماً حبك . . كنت دائماً . . متحفظاً معي .
لم يرد عليها بل أرجع يده إلى الموقد محدقاً إلى الأمام بجفاء . . يالله! ماذا فعلت ؟
أوقت برودي السيارة على مسافة غير بعيدة عن المستشفى كما كان يفعل عادة ، ثم التفت إليها وكأنه يبحث عن الكلمات المناسبة :
- سيليا . . لولا . . أخشى حين أبدأ بمعانقتك أن أعجز عن ردع نفسي عنك . أتفهمين هذا ؟
اتسعت عيناها دهشة :
-لا.
تنهد :
- ما ظننتك أن تفهمي . . تعالي إلى هنا . .
وفتح ذراعيه لها ، فانسلت إليهما دون سؤال ، تشهق من شراسة عناقها لها ، تذيب نفسها عليه ، تتحسس سرعة خفقان قلبه. .
كان يتأوه وهو يقول لها :
- أحبك . . . أحبك سيليا .
ضاعت في متاهات عواطفه بعد أسابيع من الشوق . . أمسكت رأسه بحرارة تضمه إليها .
- عودي إلى منزلي سيليا . تعالي معي . . .
- أنا . . .
- سيليا مخابرة لك!
توقف شريط ذكرياتها فجأة . . فبدا لها كل ما مضى . . حياً . . حقيقياً وكأنه حدث بالأمس القريب لا منذ ست سنوات .
بعد طرقة خفيفة على الباب دخلت ليندا :
-سيليا !لك مخابرة .
جرت سيليا نفسها من الماضي بجهد ووقفت تدفع شعرها بعيداً عن وجهها وتسأل:
- أتعرفين من ؟
- كارول بادجر وهي تبدو في لهفة إلى مكالمتك .
تسمرت سيليا حالما سمعت الإسم . لماذا بحق الله تريد كارول بادجر مكالمتها ؟ بدت الفتاة مسرورة برؤيتها اليوم ، ولكنها لا تريد لهذا اللقاء أن يتفاعل وهذا ما ستوضحه لها .
- كارول . . أنا . .
- أشكر الله لأنك هنا ! إنه أبي ، حصل له اصطدام سيارة خطير . . لقد أصيب في رأسه . . سيليا . . ليسوا واثقين . . من أنه . . سيحيا!
|