7- تخيلات ام حقيقة ؟
ارتدت أوليفيا ثوبا من الحرير الاحمر في حفلة الميلاد . انها تتحاشى ارتداء اللون الاحمر في معظم الاحيان , رغم ان هذا اللون يناسبها , والآن انه الميلاد واللون الاحمر هو احد الالوان التقليدية في هذه المناسبة .منتديات ليلاس
كان ثوبها قصيرا دون اكمام و وهو معلق على كتفيها بشريطين على شكل لولبي تنورته مزينه بالخرز الاحمر مع ازهار صغيرة زرقا وصفرا في الوسط .
وبدا شعرها الاسود منسدلا على كتفيها ومرفوعا عن وجهها بمشطين صغيرين فيما بانت قدماها كأنهما عاريتان في الجو الحار و فقد ارتدت صندلا عالي الكعبين مع شرائط بلون فستانها .
في الماضي كانت تشعر بالفرح والسعاده عندما تتألق وترتدي ثيابا جميلة لأجل جايسون و حيث كان ينظر اليها بعينيه الزرقاوين مرسلا لها اشارات تجعل وجنتيها تحمران خجلا وتزيد من سرعه ضربات قلبها . والليلة سيكون جايسون في الحفلة طبعا ...
ازاحت أوليفيا الستائر جانبا ووقفت نافذه في الطابق العلوي تنظر الى الحديقة الخلفية ز بعد قليل سيبدأ وصول الزوار .
يبدو المكان رائعا والاضواء الصغيرة البيضا تلمع على الاشجار . ارتفعت شجرة الميلاد عشرين قدما عن الارض باتجاه السما المخملية السوداء الارجوانية .
حيث طغى القمر الليلة بضوئه النحاسي على ضوء النجوم وبدت الخيمات الـ3 جميلة بلونها الابيض وحافتها الخضراء.
وضعت في الخيمة الوسطى طاولات مستديرة ومقاعد مزينه بأقواس كبيرة من قماش التارتان الاحمر والاخضر والذهبي .
فيما وضعت اغطية ومناديل حمراء وخضرا على الطاولات . بدا كل شيء رائعا فشعرت أوليفيا بالراحة .
عند الساعه الـ9 بدت الحفلة في أوجها . امضت اوليفيا وقتا طويلا وهي تهتم بضيوفها فلم يبق لها وقت كاف للأكل .
انها ليست من الاشخاص الذين يأكلون كثيرا في الحفلات . ولم تدر السبب لذلك بل ارجعت الامر الى الاثارة والحماس . استمتعت كثيرا وتجولت بين الناس . جلست مع بعضهم وتحدثت معهم فهي تعرف كل العائلات وهم يعرفونها ايضا .
أما تالي و فقد بدت صغيرة وجميلة جدا .بدت وجنتاها حمراوان بسبب السعاده وشعرها الكثيف اللامع ينسدل شلالات من الجدائل وقد اخذت على عاتقها مهمة الاعتناء بالاطفال الصغار , لا سيما الصبي الذي يلاحقها كظلها , داني .
وصلت ريناتا باكرا . بدت ملفته للأنظار بعينيها السوداوين اللامعتين وخديها الحمراوين اللذين تعلوهما طبقة كثيفة من حمرة الخدود , ووجهها الذي قلت فيه التجعدات وشفتيها اللامعتين بحمرة قرمزية .
تحدثت أوليفيا معها لبضعة دقائق بعد وصولها وتلقت منها حضنات وقبلات واحر التحريات باللغة الايطالية السريعة المحببة , فكرت أوليفيا ان اللغة الايطالية هي اجمل لغة في العالم .
علقت ريتا بصوت عال كي يسمعها الجميع وهي تشير بيديها :
- اننا ندين بالكثير لآل لينفيلد , انت تبدين جميلة جدا اوليفيا . ثوبك ساحر ومثير , ارجو ان تكون سنة رائعه لك عزيزتي .
ثم انحنت نحوها وتابعت :
- سيختفي الألم من حياتك وتعودين سعيده كما كنت في الماضي . انا واثقة من ذلك ؟
لم تجبها أوليفيا وريناتا لم تتوقع ردا منها , لكن كليهما فهمتا ما المقصود من هذا الكلام .
سمعت صوتا مألوفا خلفها يكلمها قائلا: انا متأكدة تماما انك لم تأكلي شيئا.
بذلت أوليفيا جهدا كي تبقى على مسافة من جايسون كتدبير وقائي لكنها الآن مضطرة للاستدارة ومواجهته .
- انني لا اشعر بالجوع .
- الطعام رائع !
انتقلت عيناه الى الطاولات والكراسي التي وضعت في المكان . بدا الجميع مستمتعين بوقتهم كثيرا وقد بدأ بعض الاطفال يركضون بصخب.
هزت اوليفيا رأ سها واجابته:
- يمكنني رؤية ذلك وقد سمعت جميع انواع المديح . تستحق روبن مكافأة وسأتحقق من حصولها عليها لقد عملت بجهد هي ومساعديها .
تكور فم جايسون في ابتسامة وقال:
- انها سعيدة لأنها تقوم بعملها يا ليف وهو مدعاة لفخرها لقد عانت روبن من حياة قاسية لكنها سيدة شجاعة . وانا ارى ان هذه الامسية نجحت نجاحا كبيرا . لم لا تسمحين لي بجلب شيء لك لتأكليه ؟ ام انك تحافظين على وزنك ؟
بدا صوته متهكما لكنها فرصته ليسمح لعينيه بالتجول والنظر اليها . لقد نظر اليها كفاية من بعيد والآنهي قريبة منه,لكم يود ان يأخذها بين ذراعيه
لكن هذه ليست فكرة جيدة انه يعرف اوليفيا جيدا ويعلم انها تتخذ تدابير وقائية ضده فهي لم تقترب منه ولم تكلمه الا عندما حيته وقت وصوله .
وهو بدوره لم يتقدم نحوها ايضا بل انتظر الى ان انتهى الجز الاساسي من الحفلة . ان جمال اوليفيا يشعره بالسعاده الآن كما في الماضي .
- اذا ماذا تطلبين ؟
وقف قربها فبدا طويلا جدا ورغم ان اوليفيا اطول قامة من النسا العاديات لكنها تبدو صغيرة بالنسبة اليه .
- هل اجلب لك مأكولات بحرية؟ ما رأيك بالكركند وبعض السلطة؟ نظرت أوليفيا الى عينيه الزرقاوين اللتين بدتا كالياقوت الازرق .
لم يكن جايسون مرتديا سترة بسبب الحر بل ارتدى قميصا كحلي اللون مصنوع من اجود انواع القطن رفع كميها الى الاعلى كما ارتدى سروالا بلون الرمال حزامه الجلدي شعار مصمم مشهور فبدا كأنه عارض ازياء بهي الطلعة .
- لايمكنني ان آكل الآن جايسون رغم اني انتبه لنوعية طعامي لكنني لا اخضع لنظام غذائي معين. كل ما في الامر انني لست جائعه ربما لأن اعصابي متوترة قليلا اذ اريد ان تكون الحفلة ناجحة .
- اذ يمكنك ان ترتاحي . يبدو واضحا ان الجميع يمضون اوقاتا سعيده. سيعودون الى بيوتهم وهم يشعرون بالرضى لكثرة الطعام الرائع يجب على الاقل ان تشربي القهوة مع بعض الحلوى في نهاية الحفلة. ما رأيك بكوب من العصير؟
رفع جايسون يده واشار الى نادل شاب يجوب المكان , ثم قال:
- انه مناسب الآن ,
رفع جايسون كوبين عن الصينية وقدم واحدا لأوليفيا ثم هز رأسه للنادل وشكره , فابتسم الشاب له وانصرف .
- هناك طاولة فارغة . تعالي لنجلس .
مشت اوليفيا مع جايسون بضع خطوات وهي ترتشف العصير البارد . وبعد ان جلسا سألته :
- ماذا قصدت بقولك ان روبن امضت وقتا سيئا؟ هل تقصد زواجها ؟
صمت جايسون قليلا ثم اجابها :
- انا متاكد انها ستخبرك يوما ما , لا سيما انها احبتك .
- حسنا ! انني اتسال عن الندبة في خدها وارجو الا تكون نتيجة عنف معها . اخبرتني انها مطلقة وان ابنها الصغير ستيفن هنا الليلة.
هز جايسون رأسه وقال:
تالي تهتم به . ان فتاه السادسة لديها عاطفة امومة اكثر من امها .
- انها طفلة صغيرة رائعه .
قالت اوليفيا ذلك وابتسامة حنون تطل على شفتيها . ثم اضافت :
- انها لا تشبه ميغان ولا أي شخص من آل دافي .
- حسنا , كما اقول دائما , لا يمكن للمرء تجاهل عيني الزرقاوين .
- عيناها مختلفتان .
اجابته اوليفيا بذهن شارد وقد لاحظت ذلك منذ اليوم الاول . ثم سألته :
- هل روبن احدى نساءك ؟
لم تستطع اوليفيا قراءة تعابير وجهه حين سألها :
- بأي حق تطرحين هذا السؤال يا اوليفيا ؟
اعتذرت قائلة :
- ليس لدي حق ابدا . لكنك رجل خطير وربما ان روبن عانت من ماض تعيس وحزين ولا اريدك ان تؤذيها .
تراقص الغضب في عينيه اللامعتين وقال:
- متى تفهمين انني لا أؤذي النساء عن قصد ؟
- ان جهلك بما تفعل ليس دفاعا جيدا .
- لم اخطط كي اؤذيك اوليفيا . ربما كنت مخدرا يومها ! اصدرت حكمك عليّ واعتبرت ان جريمتي من الدرجة الاولى .
نظرت اوليفيا بعيدا شاعره بعدم القدرة على مقاومة جاذبيته . تمالكت نفسها قدر الامكان وقالت :
- دعنا لا نتحدث في هذا الموضوع لليلة . اصبح الامر من الماضي , لكنني اريد ان اوضح انه لا يحق لك ان تجذبني بيديك القويتين ثم تتوقع مني ان اصمت بينما تتابع مغامراتك منتصرا . انني احب روبن .
- هذا يسعدني , لأنها تحبك ايضا . ولأريح بالك اخبرك انني وروبن اصدقاء فقط .
- رائع ! لطف منك ان تساعدها وانا اعني ذلك . اريد ان اتأكد فقط انك لم تتوهم انا سنتغاضى عن الجروح القديمة ونبدأ معا ثانية . لست غبية واعلم انني صيد ثمين هذه الايام وذلك بفضل هاري .
رمقها جايسون بنظرة ملؤها التسلية وقال :
- انت صيد ثمين حتى لو كنت فقيرة , رغم انك لم تعودي تلك الفتاة الطيبة التي عرفتها في الماضي . اصبح لسانك حادا يا حبيبتي اوليفيا .... .
قاطعته : لست حبيبتك اوليفيا يا جايسون .
- هل انت متأكده من ذلك ؟ اعتقد ان الامر يعود الى ماضينا المشترك ,وانا لا اقصد واقع اننا كنا على وشك الزواج , بل اقصد طفولتنا ومراهتنا . ان الرباط بننا قوي جدا .
- هذه سبب آخر جعلني عندما خذلتني . لكنني اعتقد اننا اتفقنا على نسيان الامر .
ابتسم لها ابتسامة متشنجه وقال :
- سيبدأ الرقص قريبا. هل تغامرين بالرقص معي ؟
- بصراحه ... لا ! انا بخير هنا. انت رجل خطير يا جايسون وسيكون الامر مقلقا جدا .
- سوف يتوقف الناس عن الرقص ليتفرجوا علينا . حسنا ؟ هل تريدين ان احضر لك القهوة ؟
شرب ما تبقى في كوبه من العصير ووقف على قدميه . ادركت اوليفيا انها يجب ان تختلق عذرا ما , لكنها لم تستطع . بدت الانوار متدفقه من غرف المنزل مرسلة شعاعها الى الحديقة .
اما هما فكانا محاطين بالقمر النحاسي الذي يبحر في السماء فيما ينتشر حولهما عبير الازهار ورائحة الطعام الشهية . اما الضيوف فكانوا ينظرون اليهما وهما جالان معا وعينا جايسون الزرقاوين الجميلتان لا تفارقانها .
فالجميع يعرفون قصتهما وربما يفكرون ان لحفلات الميلاد سحرها الخاص .
- سيكون هذا لطفا منك .
ما ان مشى مبتعدا على العشب باتجاه الخيمة حتى تمنت في قرارة نفسها ( ارجوك يا الهي ! ليكن ما اقوم به صحيحا )
لقد دمر جايسون عالمها في الماضي ويمكنه ان يقوم بالامر ذاته الآن ....
لعب مدير المصنع سلفادور دي لوكا و وهو موظف قديم في مؤسسة لينفيلد و دور سانتا كلوز ببراعه . عندما كان سلفادور شابا , كان ذا جسم رشيق لكنه في اواخر الخمسينات الآن وقد اصبح مستديرا كالبرميل .
لهذا ناسبه الدور تماما بالاضافة الى صحته الكبيرة الطبية وروحه المرحة .
عانت اوليفيا كثيرا في اختبار الهدايا للأولاد وقد اوصلها محل الالعاب كبير الى البيت ملفوفة بعناية وترتيب . تسلم الاولاد هداياهم بالهتاف والضحكات السعيدة ,
وايقنت اوليفيا عندها ان لا داعي لخوفها من الا تكون هذه الحفلة ناجحة كما في ايام هاري . وبينما كان الزوار يغادرون المكان مع اولادهم المتحمسين اخبروها انهم امضوا وقتا رائعا .
تعلقت السيدة دي لوكا بذراع اوليفيا واخبرتها كم استمتعوا في الحفلة اما زوجها سلفادور الذي ما زال جذابا فقد شع وجهه الذي لوحته الشمس بفخر وهو يعرفها على الشاب والفتاة الذين وصلا ليقلاهما الى البيت .
- هذا ابني كارلو !
احاط بذراعه كتف الشاب الوسيم الذي ابتم لأوليفيا ومد يده مصافحا .
قالت اوليفيا ذلك بسرور وحدقت الى عيني كارلو دي لوكا الزرقاوين , ثم تابعت قائلة :
- مضت سنوات , اليس كذلك ؟ تبدو رائعا . اذكر انك كنت تدر الصيدلة.
- الطب ... انه طبيب !
تكلم الوالدان معا بفخر واضح . لقد عملا بجد ليؤمنا لابنهما وابنتهما ثقافة جيدة . قال سلفادور مازحا :
- انه الدكتور دي لوكا الآن , لذا علينا ان نحترمه . هذه لينا التي ستصبح فردا من عائلتنا قريبا ليان غرانت .
- انها خطيبتي .
وضع كارلوا ذراعه بتملك حول صبية جميلة ذات بنية جيده وعينين خضراوين وابتسامة واسعه وشعر بني ناعم طويل. قرب كارلو خطيبته اكثر الى الدارة واضاف :
- ليان هذه اوليفيا , اميرتنا المحلية .
- لا اصدق ان الجميع ما زالوا ينادونني الاميرة !
ابتمت اوليفيا ابتسامة ملتوية وسلمت على ليان ثم سألت :
- لاذا لم تأتيا الليلة ؟ كنا سنسر بوجودكما .
هز كارلو كتفيه قائلا:
- لديك ضيوفك لتهتمي بهم , ونحن لم نشأ ان نتطفل .
- اتمنى لو تتدبران ام زيارتي قبل ذهابكما . ما رأيكما بالعشاء ؟ سأدعو بعض الاصدقاء طبعا اصدقاء يعرفونك يا كارلوا , فأنا متأكده انهم سيفرحون بلقاء ليان .
ابتسمت ليان واجابتها :
- سأحب ذلك . لديك منزل رائع يا أوليفيا .
- يمكنك التفرج عليه عندما تزورينني .
تقدم كارلو وعانق اوليفيا قائلا :
- نحن نتطلع قدما الى ذلك . يمكنك ايجادنا في البيت اذ نقيم حاليا مع امي وابي. يجب ان اسلم على جايسون قبل ان اذهب . اين هو ؟
ادار كارلو رأسه فبان شعره الاسود كثيفا مثل جناح الغراب , وقد اختفت تجعداته الطفولية مع تسريحة عصرية .
- انه في مكان ما في الجوار .
ردت اوليفيا عليه وقد فوجئت بشعور من القل يداهمها . ورغم انها لم تتخلص من شعورها هذا فقد حافظت على ابتسامتها واضافت :
- جايسون يعمل مديرا لهافيلا. تلك وصية عمي , لكن جايسون رجل اعمال بارع .
سألها كارلو :
- ألم يعودا معا هو وميغان ؟ لا احب التدخل في اموره , لكن جايسون رجل عظيم وانا احترمه كثيرا واكره ان ازعجه بأية طريقة .
- تلك الفتاة , ميغان .. انا لم احبها ابدا . كانت تسعى خلف ابننا كارلو قبل ان تغرز مخالبها في جايسون المسكين .
قال سلفادور ذلك , لكنه تلقى لكزة من زوجته التي حاولت التغطية على كلام زوجها فقالت :
- تصبحين على خير يا اوليفيا . انها حفلة رائعه جدا , كان السيد لينفليد ليشعر بالفخر بك لو انه معنا .
لوحت ليان لها بيدها قائلة :
- سعدت بلقائك يا اوليفيا .
همست اوليفيا :
- سعدت بلقائك .
ولسبب ما وجدت صعوبة في ابتلاع ريقها . وقفت دون حراك للحظة قليلة كأنها مسمرة بالارض راقبت كارلو وخطيبته وهما يتوجهان نحو جايسون .
ظل شعورها بعدم الراحة يعصف في رأسها . وهو شعور بقلق لم تستطع تحديد سببه بدت مصدومة وكأن احدهم رمى عليها جمرا احمرا لاهبا .
ما المشكلة ؟ ما الذي يحير عقلها ؟ ضغطت راحتي يديها معا واغمضت عينيها في محاولة لتتخلص من افكارها . هل الامر يتعلق بشيء قاله سلفادور ؟ لقد شعرت طبعا بالحرج والانزعاج لكن مدير المصنع رجل لطيف وهو لم يقصد ايلامها .
ان ميغان لم تبق لنفسها اصدقاء بعد ان سرقت منها جايسون فمعظم الناس ادانوا تصرفاتها اكثر من جايسون اذ ان تلك المرأة مشهورة بالاغواء .
ضرب شعاع من الضو دماغ اوليفيا فتوقفت عن التنفس . ظهر لها سبب انزعاجها واضحا وصاعقا كأنه الرؤيا . شعرت بعقدة الذنب رهيبة , تالي لديها عينا كارلو دي لوكا !
ما الذي تفكر به ؟ لو كان الامر صحيحا فسوف تتدمر حياة الكثيرين حدثت نفسها قائلة :
- انت تتخيلين يا اوليفيا ؟.... انها محض صدفة ...فالعينان متشابهتان وهذا كل مافي الامر .
شعت امامها عينا تالي ثم عينا كارلو ... عينا كارلو تتناقضان مع بشرته وشعره الاسود , انهما لا تشبهان عينا جايسون المميزتين بلونهما الازرق العميق .... الم تقل هذه الملاحظة لجايسون عندما ارادت ان تحرمه من التبجح بهذا الشبه مع ابنته ؟
ان تالي ابنة جايسون! ما مشكلتها كي تأتي بتلك الافكار الغريبة ؟ انها لا تستطيع معالجة الامر الآن , كما لا تستطيع نسيانه ايضا . لم تر اوليفيا كارلو دي لوكا منذ 7 سنوات فقد ذهب الى سيدني ليبقى مع بعض اقاربه و ليتابع دراسة الطب ز لماذا ظهر الليلة بين كل الليالي الاخرى ؟
تمنت أوليفيا ان تحظي بليلة هانئة دون مشاكل , لكن الازمات جاءتها متنكرة في هيئة صديق قديم ... .
شعرت بقلق رهيب يتجمع في صدرها ز لقد رأت الشبه في الابتسامة وتجعدات الشعر الاسود, فلماذا لم يلاحظه الاخرون ؟ انها الصدفة ! هذا هو السبب , وقد تمسكت أوليفيا بذلك . يمكنها ان تتخيل الاشيا كما تريد
لكنها لا تستطيع ان تبوح بها لأي شخص . الشخص الوحيد الذي كان من الممكن ان تفضي اليه بمكنونات صدرها هو هاري , لكن هاري قد ذهب الى الابد . لكنها ليست تخيلات.. انها تعرف الحقيقة .!
بعد ان ذهب الجميع الى بيوتهم بوقت طويل وبعد ان ذهبت غرايس الى غرفتها متعبه وسعيده , جلست اوليفيا على ارجوحه الشرفة وبدأت تؤرجح نفسها بقدمها .
علمت انها لن تستطيع النوم اذ شعرت بجرح عميق مؤلم . انها تحتاج الى الهدوء والى وقت للتفكير . ورغم وجود شيء يؤكد شكها , الا انها بدت متأكده ان سبب التشابه بين تالي وكارلو دي لوكا هو صلة دم .
هل هي ابنته ؟ افضى لها سلفادور ان ميغان سعت خلف كارلو قبل ان تنشب مخالبها في جايسون . هل هذه حقيقة ام مجرد شيء تخيله سلفادور حينها ؟
ربما لاحظت بيلادي لوكا ذلك ايضا , وقد لكزت زوجها في ظهره لاسكاته كي لا يسبب احراجا لمضيفتهما التي تعرضت للاحراج سابقا عندما تركها خطيبها .
هذه المعرفة وضعت اوليفيا في مشكلة كبيرة . ماذا ستفعل ؟ انها معضلة اخلاقية . هل تحاول استخراج معلومات من كارلو دون اثارة ريبته ؟ ماذا ستقول ؟ هل تسأله مباشرة اذا كان قد اقام علاقة غرامية مع ميغان دافي ؟
تخيلت اوليفيا ان رده سيكون " وما علاقتك انت يا اوليفيا ؟ "
كانت على وشك الزواج من جايسون عندما جات ميغان دافي اليه واخبرته انها تحمل طفلة . لم تكن تحمل طفلة بل طفل رجل اخر ليس من السهل عليها الزواج به .
كان مصير كارلو قد تحدد من قبل عليه ان يصبح طبيبا ! عمل اهله بجهد كبير ليتمكن من تحقيق ذلك , ولم يكن ذلك مسموحا لأحد او لأي شيء ان يحول دون ذلك ؟
فكرت اوليفاي ان معاناتها وحياتها المهدمة لا تعطيها حقا في ابداء شكوكها , فهي بذلك تخاطر بجلب المشاكل للآخرين . فكرت بحقوق كارلو وبدأت تتساءل : اليس من حق كارلو ان يعرف بوجود طفلته ؟ الا يحق لاهله ان يتعرفوا على حفيدتهم التي لايعلمون بأمرها ؟ واذا نظرنا الى الامر بمنظار اقرب الا يجب ان يعرف جايسون ان تالي ليست ابنته ؟ وماذا عن تالي ؟ وريناتا ؟
نعم تسري في عروق تالي دماء ايطالية لكنها دماء دي لوكا . لكن لو كانت على حق في ظنونها واصبح الامر معروفا فسوف تنقلب الدنيا رأسها على عقب . فكرت اوليفيا بانزعاج ان ميغان هي الوحيده التي تعرف الحقيقة. ميغان الخبيثة التي لم تعرف هي وجايسون حقيقتها ....
لكن , هل تقع مسؤولية كشف الخداع عليها ؟ ان سعاده وهناء طفلة صغيرة على المحك . كيف لها ان تدمر العلاقة الرائعه بين جايسون وتالي وماذا سيفعل كارلو دي لوكا اذا علم ان تالي طفلته ؟
وبينما كانت تتأرجح الى الامام والخلف بانزعاج , قررت اوليفيا ان افضل ما تفعله هو الاحتفاظ بأفكارها لنفسها . هناك دائما امكانية ان يلاحظ جايسون الامر ذاته عندما يتحدث مع كارلو ,
فيدرك ان تالي ليست ابنته وان ميغان كذبت عليه .
بدا الامر وكأنها تنتظره ... ارتقى جايسون درجات الشرفة الامامية وتوقف في اعلاها مادا ذراعه ليستند على عمود تلتف حوله نبته كرمة .
- اعتقدت انك تتمنين الدخول الى البيت بعد هذه الليلة الطويلة .
- لا اشعر بالنعاس .
نظرت اوليفيا اليه ورأته يقف بهدوء ولا مبالاة , فيما تلألأت انوار الشرفة لتضيء عينيه الزرقاوين وتعكس لهيب شعره الكستنائي . بدا عليه الارتياح استنتجت اوليفيا انه لم ير شيئا مقلقا في مظهر كارلو .
ابتسم لها جايسون بسخرية وقال :
- هل تمانعين اذا انضممت اليك ؟
انها تتوق لانضمامه اليها لكنها لن تدعه يعرف ذلك .
- حسنا لكن لفترة قصيرة .
تنحت جانبا على المقعد فاسحه المجال له ليجلس . ان هذا المكان مفضل لديها . تذكرت كيف كانت تتأرجح معه في الماضي بهدوء الى الامام والى الخلف في الظلال العطرية حيث تفوح رائحة الغاردينيا حولها .
اسند ظهره الى الخلف واستراح في جلسته بينما لامست يده قماش فستانها الحريري . قال لها :
- انا احب هذا الفستان , انه يذكرني بحقل مليء بالازهار الحمراء . اللون الاحمر يبدو جميلا عليك .
- شكرا لك . وانت وسيم ايضا لقد اكتشفت ذلك منذ زمن بعيد .
- لا تسكبي وعاء الثلج على رأسي ز
ادارت اوليفيا رأسها لتنظر اليه ثم سألته :
- ما رأيك بكارلو وخطيبته ؟
- انها لطيفة وهي تناسب كارلو الذي نضج كثيرا , كان شقيا في ايام صباه.
دهشت اوليفيا وقالت :
- لا اذكر ذلك .
- ليف انت لم تكوني واحده من الذين يهتمون بهذه المسائل . كارلو حطم قلوبا كثيرة في الماضي .
اجابته بسخرية :
- ظننت انك انت من فعل ذلك .
هز رأسه واجاب :
- لا احب ان اوصف هكذا . لم اركض وراء كل فتاة في البلدة , لأنك كنت لي . كنت لي دائما , فلم ار احدا غيرك . ما اقوله هو ان كارلو مثل كثير من الشبان مر بمشاكل غرامية لكنني اظن انه استقر الآن . يبدو سعيدا مع خطيبته وقد اخبرني انك دعوتهما لزيارتك قبل سفرهما .
هزت رأسها وقالت :
- انها حفلة عشاء صغيرة سأطلب من روبن ان تهتم بالطعام . اعتقد انها ستسر بالنقود اذ تبدو حياتها صعبة .
هز جايسون كتفيه وقال :
- كما قلت لك سابقا , انها شجاعة هل انا مدعو ؟
- دعوتك ستكون غلطة كبرى .
- كيف ؟ يمكنني اقامة حوار لا تثق في حفلة العشاء . هل السبب هو انني موظف .
- آه لا تكن سخيفا !
شعرت بالانزعاج حقا . اكملت كلامها قائلة :
- السبب هو ان وجودك على طاولة العشاء سيحرك ذكريات كثيرة . ثم انني لا اشعر بالراحة عندما تكون قربي .
ابتعد عنها بمبالغة ثم قال :
- هل هذا افضل ؟
استند الى الخلف ومد رجليه الطويلتين فبدا وسيما ومليئا بالحيوية .
- لم اظن انك جبانه يا ليف .
- الا بؤمن بأن الحكم يجب ان يكون مناسبا للجريمة ؟ توقعت منك الحب والوفاء يا جايسون وقد حصلت عليهما مني . انا مازلت اهتم بك .
- لكننا لا نستطيع تجاهل علاقة حبنا العميق . لم اخطط لإغواء ميغان فهذا ليس اسلوبي . كل ما اذكره هو ألم حاد في رأسي استمر لأيام عديدة .
منتديات ليلاس
- لقد تقاسمتما فراشا واحدا بعد زواجكما .
قالت اوليفيا ذلك وهي تشعر بالألم من هذه الفكرة . لكنهما كانا متزوجين , اللعنة على ذلك ! تنهد جايسون بعمق ثم قال :
- لقد حاولت يا اوليفيا , كان علي ان احاول لكن المحاولة لم تنجح . ان العيش مع شخص لا تحبينه يعتبر مصدر للتعاسة . شعرت بالاسف تجاه ميغان , وما زلت فهي ذات روح معذبة .واسوأ الاوقات جاء بعد ولادة تالي. لم تشأ ببساطه ان تحمل مسؤولية طفلة اذ لم ترد شيئا يفيدها . حتى انها انزعجت من حبي للطفلة . لذلك بدل ان تركزي على اخطائي يا ليف حاولي ان تري خطأك . امرأة غيرك ستسامحني بالتأكيد .
- حتى في ظروف سيئة مثل ظروفنا ؟
ورفعت اليه يديها اللتين لا تحملان الخواتم .
- هذا عائد اليك , ليف .
استجمع جايسون نفسه ووقف بطوله الفارع ينظر اليها ثم تابع كلامه قائلا :
- سأتمنى لك ليلة سعيدة .
قال جملته بطريقة مثيرة دفعتها الى التخلي عن حذرها . اوقفها على قدميها بحركة واحده ناعمة وابقى جسدها قريبا منه .
ازاح شلال شعرها اللامع جانبا ممررا يده برفق فوق ظهرها وتمتم قائلا :
- لا استطيع ان امضي يوما اخر بدونك ليف . دعيني احبك كما اريد . لا تشعري بالحزن والمرارة , لقد عوقبت بما يكفي .
شعرت اوليفيا انها على شفير البكاء بسبب اضطراب مشاعرها .
- ماذا تريد يا جايسون ؟
بلعت ريقها ثم تابعت كلامها بقلق وعدم ثقة :
- هل تريدنا ان نبدأ علاقتنا من جديد ؟
- نعم .
جاء رده عاجلا ومن صميم قلبه . ثم تابع :
- ألم نعاني بما فيه الكفاية ؟ اريدك ان تعودي اليّ ياليف .
بدأ قلب ليف يدوي ليس من الاثارة فقط بل من الحيرة والاضطراب ايضا . ماذا يجدر بها ان تفعل ؟ ان توقها له في تزايد مستمر ...شعرت بالألم فجأة سوف تدمر آخر دفاع لها باستسلامها الى جايسون
وسيكون ذلك خطأ فادحا بعد ان عملت جهدها لتبتعد عنه . لقد عادت الآن الى محيطه المغناطيسي , وها هو جسدها يخونها مع كل لمسة منه .
تقوس جسدها وارتجف في محاولة منها للأنسحاب لقد انتهى زمن الاحلام وايام الصفاء والبراءة . لن تعود ثانية لأن ميغان دافي غيرت كل شيء بدخولها بينهما وجلب طفل الى الوجود .
خوفها من التعقيدات التي ستحصل جراء ذلك بالاضافة الى سلطة جايسون عليها دفعاها الى القول :
- هكذا ستحصل عليّ وعلى هافيلا كتحلية اتفاقية الزواج .
ثم ابتسمت له بغرابة واضافت :
- قد يسمي بعضهم ذلك بالترتيب المناسب .
الاحتقار البارد في صوته آلمها حين قال :
- هل هذا ما تظنين ؟
- لقد كبرت وصرت اكثر حكمة الآن يا جايسون .
- انا اعرف ما انت عليه .
صوته القاسي صغى على قسماته الوسيمة . تابع قائلا:
- ليس للحكمة دور في ذلك . انت امراة حقودة ومتعالية , وانت تستمتعين بلعب دور الحكم على الاخلاق يا اوليفيا . لا اعتقد انك قادره على اقامة علاقة مع أي شخص بمن فيهم انا .
شعرت بحرارة الاهانة تصل حتى جذور شعرها , فاندفعت تجيبه غاضبة :
- انت على حق تماما . لقد عشت من اجلك في الماضي يا جايسون وسوف استغرق وقتا اطول مما اعتقدت كي استطيع العيش بدونك .
- وهل تتوقعين مني اخذ كلامك على محمل الجد ؟
بدا صوته قاسيا وهو غاضب , غاضب جدا ... ثم عانقها
- يالك من منافقه تقولي كلاما لا تعنيه . بامكاني جعلك تتوسلين اليّ في دقيقة واحده . لكن اتعلمين ؟ انت لا تستحقين المحاولة . انت مغلفة باحداث الماضي . سأتركك وحدك .
راقبته اوليفيا بوهن وهو يبتعد عنها غاضبا ثم يصعد الى سيارته ويغلق الباب بعنف . شعرت بنفسها وكانها علقت في تيار مائي هادر , ويداها تضربان دون جدوى ورأسها بالكاد يرتفع فوق سطح الماء .
انها تفعل كل شيء ضمن مقدرتها لتدفع جايسون بعيدا عنها لكنها لا تستطيع تفسير تصرفاتها المتناقضة فذلك السر العميق الذي اكتشفته الليلة افقدها توازنها تماما .
كيف يمكنها ان تبدأ علاقتها مع جايسون في حين ان هناك اسئلة عديدة دون اجابة تحوم حوله ؟
بدأت تسير نحو البيت بخطى بطيئة على الرغم مما يقوله جايسون فكرت ان هناك امكانية كبيرة لعودة ميغان ثانية . بل انها تكاد ترى جسدها الصغير يتحرك بين الظلال .
ربما كرهتها ميغان دافي طوال حياتها وحسدتها فقد كان جايسون لها و والعم هاري الثرى اهتم بها , وعاشت في بيت جميل محبوبة ومحترمة من الجميع وهذه كلها اشياء تثير غيرة وحقد ميغان .
ستكون اوليفيا غبية اذا استبعدت قدرة ميغان على اثارة المشاكل اذا عرفت انها وجايسون قد عادا الى بعضهما . بدا واضحا ان آخر شيء ارادته ميغان هو رؤية جايسون واوليفيا سعيدين , اذ انها لاترحم احدا اذا تعلق الامر بشؤونها ومصالحها .
لقد ارادت جايسون بشدة لكنها قررت ابعاده عنها وهذا يجرح قلبها . لمعت الدموع في عينيها ... مازالت تشعر بلمساته وبرائحته . كل ما حلوها يثير حيرتها وألمها .
- احبك يا جايسون !
قالت ذلك بصوت عال. انها تشتاق اليه منذ سنوات لكنها ابعدته عنها . يالغرابة الحب ...!
اطلقت اوليفيا العنان لدموعها علها تجد فيها العزاء ....