لم يلبث مات أن تحرك ليذهب إلى مكتبه المجاور . وبنظرة مجردة إليها مد أندرو يده , فأعطته أوراق رسائل الهاتف التي سجلتها . سألته وهو يتفحصها :
ـ كيف كان يومك ؟
فرد باقتضاب :
ـ ليس جيداً ... ثمة صعوبة في استيراد بعض الآلات . وعلي أن أؤمنها بأي وسيلة كانت .
وراقبته بحذر وهو يراجع رسائله . إنه يبدو , رغم عمله المتعب هذا اليوم هادئاً رابط الجأش , كما هو دائماً . شعره الأسود المموج تخللته شعيرات رمادية , وبدا أطول من العادة , لعل السبب هو عمله الدؤوب الذي لم يتح له فرصة ليقصه . سألته بصوت منخفض :
ـ ثمة سبب للتأخير ؟
ـ لا ... تباً , لكن لابد أن هناك خطأً ما , وأنا مقتنع أن السبب هو بعض الشركات التي خافت المنافسة , ولم أجد المفتاح بعد , لكنني سأفعل .
أخذ من الرسائل بعضها , ثم رمى الأخرى على طاولتها , وتاب :
ـ بإمكانك الذهاب الآن بالارد , سأنظر في أمر هذه الرسائل غداً لكنني الآن سأجري اتصالاً .
أغلق باب مكتبه فابتسمت ماغي ... إيفا بانديث ... إنه لا يغلق الباب المشترك بين مكتبيهما أبداً ليجري مكالمة عمل .
أخرجت محفظة نقودها من تحت الآلة الطابعة وأمسكت سترتها ثم بدأت السير في الردهة الخارجية , وعندما مرت من أمام مكتب مات ماكلاود , رأته يقف عند الباب لينتظرها مبتسماً .
ـ لا أعلم شيئاً عن رغباتك , لكنني أشعر برغبة في تناول شراب بارد منعش , أتنضمين إلي ؟
ترددت , مع أنها عادة تسارع إلى الاعتذار , لكن الحر الشديد الخانق يدفعها إلى قبول هذه الفكرة , فالعصير البارد سيعينها على مواجهة المسافة الفاصلة بينها وبين منزلها , أثناء ركوب القطار . فرفع يديه ليظهر حسن نواياه :
ـ سأكتفي بالعصير في المطعم ... وأعدك أنني لن أحاول مغازلتك !
فضحكت :
ـ لا بأس إذن .
كانت قاعة الطعام الداخلية باردة ومعتمة , فلما جلسا إلى طاولة , بدأت ترتدي سترتها , فقال :
ـ لا ترتديها ... أرجوك ... فأنت تبدين رائعة دونها .
ـ رائعة ؟ من ؟ أنا ؟
وضعت السترة إلى جانبها ثم جلس مات في مواجهتها , وطلب الشراب , ثم نظر إليها مفكراً :
ـ أنت لا تحبينه كثيراً , أليس كذلك ؟
ـ من ؟ قائدا الذي لا يهاب ؟ لست أدري . أحب العمل معه , ولكن إكن إن كانت لديه صفات محبوبة فلابد أن يخفيها عني . مع أنني لا أعتقد أنه يحاول جاهداً , فهو لا يهتم إذا كنت أحبه أو لا ما دمت أقوم بعملي على أفضل وجه .
وصل شرابها فارتشفت ماغي من الكأس الطويل الليمون المثلج مع ماء الصودا , ثم نظرت إلى مات , وسألته :
ـ وأنت ... أيعجبك ؟
تراجع في مقعده ليفكر قليلاً . ثم قال ببطء :
ـ أظن أنه يعجبني . إنه رجل أعمال قدير , يعرف القانون جيداً . لكنني لا يمكنني أن أخيرك كم هو قاسٍ معي , وكم أن دروسه مؤلمة أحياناً !
ضحك ... فرفعت ماغي حاجبيها :
ـ أعرف ما تعني .. إنه يصبح قاسياً في بعض الأحيان .
قالت مقلدة طريقة أندرو في الكلام :
ـ ليس لدي اليوم كله ماكلاود .. أحضري لي ذلك الملف بالارد .
ضحك الاثنان معاً , وإذا بصوت مألوف يأتيهما :
ـ أتمرحان هنا أنتما الاثنان ؟
ماتت الضحكات على شفاههما , وارتفعت أعينهما معاً لتشاهد أندرو كروس يقف فوق الطاولة . أحست ماغي وكأنه ضبطها ويدها في علبة بسكويت تسرقها ... هل سمعها وهي تقلده ؟
قفز مات على قدميه , فوقع كأس الشراب عندما أبعد يده بسرعة .
قال أندرو بطريقة تعمدها مزعجة :
ـ أنظر ما فعلت الآن يا ماكلاود .
كبحت ماغي ضحكة . ثم قالت وهي تكاد لا تمسك نفسها :
ـ أوه ... لا بأس بهذا , إنهما تقريباً فارغان .
جاء رد أندرو ساخراً :
ـ أستطيع رؤية هذا .
وبدأت ماغي تنتفض بضحك مخفي , فنظر إليها نظر حادة :
ـ ما الذي يضحكك هكذا بالارد ؟
عندها فقط لاحظت السمراء الطويلة الأنيقة التي تقف وراءه ... إيفا بانديث ... فتماسكت على الفور , ثم قالت ببرود :
ـ لا شيء يضحكني .
أخذ أندرو ينقل نظره من ماغي إلى مات .
ـ ماذا تفعلان هنا على كل الأحوال ؟
بدأت ماغي تحس بالغضب خاصة عندما بدأت تحس بعيني إيفا بانديث الساخرتين تنصبان عليهما , وكأنها تستمتع بهذا المشهد السخيف . في هذه اللحظة قارنت بين مظهرها المتزمت ومظهر إيفا الأنيق . وكم رغبت في أن يتخلص مات من هذه النظرة البلهاء على وجهه وهو ينظر إلى إيفا الفاتنة , وردت ماغي على أندرو بعذوبة :
ـ كنا نتناول شراباً بارداً , فهل هذا مخالفاً للقانون ؟
تساءلت : لماذا يبدو عليه الغضب , فهما ليسا في المكتب الآن ؟ قال منتقداً :
ـ هذه جلسة حميمة لا تلثيق بامرأة متزوجة .
قال هذه الكلمات ثم نظر إلى يدها التي ما زالت على الطاولة منذ أن تركها مات ..
اتسعت عينا مات :
ـ لكن ماغي ليست ...
ظرـ إليه ماغي بسرعة وكأنها تحذره , فأقفل فمه بطريقة مضحكة . عنده سارعت بالقول لتغطي الموقف الحرج :
ـ كنا نشرب شراباً بارداً لي إلا .
فرد أندرو بنعومة :
ـ حسناً ... في هذه الحالة , لن تمانعا إذا انضممنا إليكما .
يتبع .. ان شاء الله قريب .. بس ابي اشوف ردووووووووود ..