سعيد
الفاضلي *
أيام مغلقة *
المعارف الجديدة ، الرباط ،
1999 (في ذكرى رحيله الخامسة)
قبل سنة من الآن، وفي ذكرى رحيله الرابعة، قمت برفع المجموعة القصصية الأولى للأديب القاص والمحقق المتخصص في أدب الرحلات، صديقي وأستاذي سعيد
الفاضلي رحمه الله. وكان عنوانها "إرم ذات العناد". وتجدونها على هذاالرابط:
سعيد الفاضلي , إرم ذات العناد
وفي ذكرى رحيله الخامسة، وكما وعدتكم سابقا أرفع ثاني مجموعاته القصصية "أيام مغلقة". ولن أعيد التعريف به والتذكير بظروف وفاته الغامضة وعبقريته الفذة، ولكن سأنقل لكم شهادة أحد أصدقائه المقربين أستاذي الشاعر والباحث المتخصص في مجال الفهرسة والإعلاميات "حسن الوزاني" (صدر له: "دليل الكتاب المغاربة أعضاء اتحاد كتاب المغرب"، 1993، "هدنـة ما: شعـر"، 1997، "الأدب المغربي* الحديث*: دراسة وبيبليوغرافيا"، 2002).
والشهادة نشرت في الصفحة الثقافية لجريدة الشرق الأوسط 3 يوليو 2004 وعنوانها "سعيد الفاضلي.. دهشة الرحيل":
برحيل سعيد
الفاضلي يكون المغرب الثقافي قد فقد أديبا وباحثا متميزا. ويبدو رحيل
الفاضلي حدثا تراجيديا بامتياز، لأن ذلك أولا حدث في خضم انطفاء أسماء إبداعية وثقافية كان آخرها الشاعر المغربي محمد الطوبي والكاتب محمد شكري والفنان التشكيلي محمد القاسمي. وثانيا لأن رحيل
الفاضلي كان غامضا، إذ أنه توفي وحيدا في غرفة بفندق عادي بمدينة الدارالبيضاء، بعيدا عن أسرته الصغيرة وأصدقائه.
يشير تقرير الشرطة إلى أن الراحل التحق بالفندق صبيحة الأحد الأول من شهر يونيو، ولازم غرفته طيلة اليوم إلى أن وجد متوفيا يوم الاثنين. ما الذي فعله
الفاضلي طيلة اليوم في غرفته؟ الشخص الذي يقرر الرحيل يحرص على قطع علاقته بالعالم الخارجي تجنبا لأي تأثير. لكنه لم يفعل ذلك، بل ترك هاتفه الجوال مفتوحا. هاتفته شخصيا مساء اليوم نفسه، ثم قطعت المكالمة، بعد رنتين، على أساس أن أعيد الاتصال به لاحقا، وذلك بعد أن سمعت دقات على باب بيتي ونسيت أن أعيد الاتصال به من جديد. في المساء نفسه، وفي الساعة الثامنة والنصف بالضبط، تلقى
الفاضلي مكالمة من صديق آخر، ولم تستمر المكالمة طويلا بحكم صخب أرجع
الفاضلي سببه الى وجوده مع أشخاص ما. وحوالي الحادية عشرة ليلا توصل بمكالمة أخرى من صديق آخر.
الفاضلي أخبره أنه يحاول أن ينام، والذي حدث بعد ذلك يعلمه الله..
لا يبدو سيناريو رحيل
الفاضلي مقنعا أمام طبيعة شخصيته الطموحة والتزامه بعدد من مشاريع البحث العلمي. وهو الأمر الذي يشكل استغراب الرأي العام الثقافي المغربي وتعاطفه وتأثره. وبسبب صدفة ما تحمل أكثر من دلالة، استقبل هاتف
الفاضلي يوم الاثنين أكثر من مهاتفة من كتاب تجمعهم به الصداقة وانشغالات البحث. ولم تثر الرسالة الأوتوماتيكية التي تشير الى غياب التغطية شكا ما في البداية. لكن الأمر سيأخذ مع بداية شيوع خبر رحيل
الفاضلي بعدا دراميا كشف عنه التأثر الخاص والعميق الذي أبداه أصدقاؤه. فقد قال الكاتب عبد الرحيم مودن «لم أصدق الخبر وحاولت الاتصال بالفاضلي أكثر من مرة، وكلما استمعت إلى لازمة الخروج عن التغطية أحسست بالخوف. الخوف من توقف هاتف
الفاضلي عند لحظة العدم والخوف لأن اللازمة تصدق على الحي والميت». بينما لم يجرؤ الباحث المغربي سليمان القرشي على حذف رقم هاتف الفاضلي، لأنه لا يصدق إلى حد الآن خبر وفاته، ويقول إنه يشعر كما لو أنه «فقد جناحيه» برحيل الفاضلي، اعتبارا لعمق العلاقة التي كانت تجمعهما، والتي بدأت بتتلمذ القرشي على يد الراحل لتتحول إلى صداقة علمية من امتداداتها اشتغالهما المشترك على تحقيق رحلة العياشي التي تتجاوز 1200 صفحة، في اطار مشروع ارتياد الآفاق. الروائي المغربي حسن رياض كتب «هل شعر سعيد
الفاضلي في لحظة ما وهو يسير باتجاه تجربة فريدة، إن لم أقل نحو نضج فني أرقى، أنه على موعد مع الموت تاركا حرقة البياض وسواد الأسئلة، ابتسامته المقتضبة، صمته البليغ وهدوءه النادر». ويضيف رياض «لا شك في أن هذا الاحساس قد ساور
الفاضلي مرارا، وربما حتى في اللحظات الأخيرة. ألم يشعر من قبله يحيى الطاهر عبد الله بالموت فاستقبله بقصة مدهشة.
تجاوز
الفاضلي قبل مدة الثالثة والأربعين من عمره. وبالرغم من كونه لم يكن مستعجلا فقد استطاع أن يحقق جزءا من مشاريعه، بينما كان الزمن القريب حافلا بمشاريعه الأخرى وبأوراشه العلمية التي بدأ بعضها وبرمج تحقيق بعضها الآخر بشكل مضبوط وممنهج. وكان الراحل قد بدأ قاصا، وأصدر مجموعته الأولى «إرم ذات العناد» عام 1997، ناسجاً فيها لنفسه مسارا سرديا خاصا، من علاماته بحثه عن لغة مغايرة وعن بنية حكائية تنبني على خلق المفاجأة وعلى معاكسة أفق انتظار القارئ وعلى حوار نصوصه مع مرجعيته الثقافية المتعددة. ويكشف العنوان الذي اختاره لمجموعته الأولى «إرم ذات العناد» عن لعبة لغوية سعى
الفاضلي الى تحقيقها وامتدت، بشكل أعمق، الى نصوص مجموعته الثانية «أيام مغلقة» الصادرة عام 1999، وإلى بقية نصوصه المنشورة في الصحف والمجلات المغربية، بينما حقق في نصوصه الأخيرة تحولا خاصا، حيث صارت نصوصه أقصر وأشبه بقصائد هايكو.
وإلى جانب كتاباته القصصية، استطاع
الفاضلي أن ينجز، خلال فترة وجيزة الملامح الكبرى لمشروع علمي حقيقي، وهو مشروع يرتكز أساسا على عودة عاشقة إلى عدد من النصوص المغربية عبر رحلة التحقيق. ومن علامات هذا المشروع تحقيقه لديوان الشاعر المغربي عبد المجيد الفاسي وكتاب وادي الجواهر لعلال الفاسي، الذي يضم قصائد عدد من الشعراء المغاربة، وتحقيق «أبيات الأبيات» للشاعر نفسه والذي أنجزه رفقة الباحث المغربي الراحل عبد الرحمان احريشي.
تحميل المجموعة القصصية