2-لقاء في مطعم الشيطان
غريغ مايسون وصل الى بيت بيدج في السابعة والنصف تماما من اليوم التالي, فتحت الباب وأرتاحت لأنه يرتدي ثيابا غير رسمية مثلها,كانت أحتارت ماذا تلبس, فستان سهرة طويلا أو فستانا عاديا؟ شيء في داخلها أبلغها أن غريغ سينزعج من أمرأة بالسروال على موعد عشاء.
وابتسمت لفكرة أنها ذاهبة في عشاء عمل وليس في موعد رومانسي , تبدو الرومانسية بعيدة جدا عن المزارع القاسي. في كل حال عنده الشقراء تملأ رغباته الحميمة.
منتديات ليلاس
تجولت عينا غريغ في فستان كوري الأخضر والصندل الأبيض وعادتا الى عينيها اللتين أزدادتا أخضرارا لأنعكاس الفستان , والى شعرها البني الطويل على طرفي وجهها وكتفيها , ابتسم قليلا وقال:
"تبدين جذابة جدا".
وتبعها الى غرفة الجلوس , نبرة صوته بدت وكأنها غير معتادة على كيل المديح للنساء , وكوري أستدركت في حسها أن الرجل يعتبر مديحا أن دعا فتاة الى العشاء , سألته:
" هل عندنا وقت لتناول الشراب قبل أن نذهب؟".
أجاب:
" لا بأس في تناوله بسرعة".
وحضر هاورد وزوجته دورين وتبادلوا السلام وقالت دورين:
" سررنا لرؤيتك ثانية يا سيد مايسون".
وبدت دورين سعيدة جدا , وقد فرحت عندما أخبرتها كوري على الفطور في الصباح أن المزارع الثري دعاها الى العشاء, ولكن خاب أملها قليلا عندما علمت أن الرجل يبحث عن معلمة وليس زوجة.
وتناول الأربعة الشراب وتبادل هاورد وغريغ بعض الحديث العام, ثم نظر الى كوري وقال:
" حجزت في مطعم الشيطان للعشاء في الثامنة".
فردت كوري:
" أنا جاهزة أن كنت جاهزا".
ونظرت اليه وهي تتساءل : ترى كيف سيقابل رفضها للعرض؟
قال لها:
" نسستطيع أن نذهب الآن".
ونظر الى ذراعيها العاريتين وقال:
" تحتاجين الى كنزة , الطقس بارد في الخارج".
فأجابت:
" طبعا, أني أحتطت للأمر وكنزتي قرب الباب".
وسارا معا حتى الباب, ونظرت كوري الى الوراء لتلقي تحية المساء على دورين وهاورد فوجدت في عيني شقيقتها نظرات ا؟لأعجاب في الزوجين اللذين يمكن أن تشكلهما هي وغريغ ,و حتى لو فكرت كوري بأمكان نشوء علاقة رومانسية مع الرجل الطويل الأسمر القاسي الملامح , فأنه أسقط كل الأحتمالات في ما سبق أن قاله لها وفي تصرفه العملي غير الحميم في وضع يده تحت ذراعها ليوصلها حتى سيارته.
وفتحت عينيها بدهشة وهي تنظر الى السيارة ( السبور) الفضية ذات المحرك السريع , وسألت:
" هل هذه سيارتك؟".
" ولماذا تسألين؟".
قال وهو يدير محرك السيارة وينطلق بها.
أجابت:
" ربما لأنني أعتقدت أنك قد تشتري سيارة تلائم طبعك المتحفظ التقليددي!".
ابتسم وقال:
" ربما أعتقادك في محله لو كنت أحتاج الى سيارة, ولكن لسوء الحظ في المزرعة لا أحتاج أليها , أذ ليس هناك طرقات للسيارات, وهذه السيارة أستأجرتها".
فوجئت كوري وسألته:
" وماذا تستعمل للأنتقال في المزرعة؟".
" ذوات الأرجل الأربع في أكثر الأحيان".
وبدا مسرورا للحوار, وأضاف:
" أما أذا أحتجنا للأنتقال الى العالم الخارجي , فهناك ساحة للطائرات الصغيرة الخاصة تفي بالمطلوب".
ومع توقف قليل أمام أشارة حمراء , قال لها:
" أنا مسرور جدا لأنك أخترت مطعما للمأكولات البحيرة, فأنا آكل منها ما أستطعت عندما أكون في فانكوفر , فذلك تغيير عن لحوم البق في المزرعة".
وأخذها التفكير بعيدا, هل يمكن أن تتحمل , حتى لبضعة أسابيع , العزلة الكاملة التي أوحى بها كلامه؟ ورفضت أن تقبل فكرة غياب سيارة من أي مكان يمكن أن يقودها المرء في أي وقت يشاء, وحدقت في يديه القاسيتين على المقود وفكرت أنه ربما يكون أيضا قائد الطائرة التي يستعملها للأنتقال من المزرعة ال الحضارة , وتساءلت : أليست هي بحاجة ماسة الى تغيير الأجواء والأنتقال الى مكان منعزل يساعدها على لعق جراحها؟ وفكرت أن مزرعة مايسون لن يكون فيها شيء يشغلها غير تعليم الأولاد ألأربعة عشر.
أمام المطعم أ وقف غريغ مايسون سيارته ودخل وكوري القاعة ليجلسا على طاولة مطلة على المحيط حيث بواخر ضخمة تملأ بضائعها للأبحار الى اليابان , وشعرت بالذنب لأنها أختارت مكانا كان لها ولروجر المطعم المفضل , وأنهما جلسا الى طاولة لا تبعد كثيرا عن تلك التي كانت تجلس اليها مع روجر.
" هل ترغبين في سمك معين , أم تقبلين صحنا من المأكولات البحرية المنوعة؟".
سألها وفي يده لائحة الطعام.
"آه , القليل من كل شيء".
أجابت من دون شديد أنتباه , وشعرت أنه طلب شرابا غالي الثمن , وفكرت في الأيام التي قضتها مع روجر الذي كان يطلب شرابا رخيصا ومع ذلك تجد في فقره كرما وجمالا.
" آسفة , ماذا قلت؟".
سألت وهي تسحب نظرها وفكرها من البحر الممتد أمامها عندما لاحظت أن غريغ قال شيئا لم تفهمه.
" سألتك أن قررت شيئا بالنسبة للعرض الذي قدمته لك؟".
وشعرت بالقليل من غياب الصبر في كلامه, وهمت أن تجيب ولكن الخادم في المطعم وصل ومعه الشراب المطلوب , وأنتظرت قليلا حتى أبتعد الخادم وقالت:
"نعم, سأقبل عرضك يا سيد مايسون , أعتقد أن الأبتعاد عن المدينة بضعة أسابيع سيلائمني كثيرا".
لم يكن لكلامها رد فعل مباشر عليه, وجدته صامتا ويحدق في الصحن الفارغ ويلعب بالشوكة أمامه, وأعتقدت لوهلة أنه لم يسمعها , ولكنه ما لبث أن نظر أليها وسألها:
" هل تقبلين البقاء في المزرعة لمدة أطول من الأسابيع الستة, وفي مهمة تختلف عن تلك التي عرضتها عليك؟".
حدقت فيه باستغراب غير الفاهم , وقالت:
" مدة أطول؟ مهمة مختلفة؟ كم أسبوعا تعني؟ وما هي المهمة؟".
" لمدة لا تزيد عن الستة أشهر".
وأضاف بهدوء:
" على أن تكوني خلال المدة زوجتي".
" لا بد أنك مجنون".
تمتمت كوري وهي تشعر بأضطراب في داخلها.
" نحن بالكاد نعرف بعضنا , وليس من عاطفة بيننا و...".
قاطعها قائلا ببرود:
" هذا أفضل لكلينا, أذ لا مضاعفات تنتج عندما تنتهي الأتفاقية".
" ولكن لماذا؟ أن كنت تحتاج الى زوجة بهذا الألحاح , لا بد أن هناك العشرات من النساء....".
وقاطعها أيضا:
" شكرا, ولكن ليس هناك الكثيرات مثلما تعتقدين , واللواتي أعرفهن سيجلبن التعقيدات والمضاعفات التي سبق أن ذكرتها , ولكن بيني وبينك لن تكون ثمة روابط عاطفية و...".
توقف عن متابعة حديثه عندما أقترب منهما الخادم وراح يصب المأكولات البحرية السخية بمختلف الأنواع الشهية الغالية , ولكن كوري لم تجذبها المأكولات اذ أبتعد فكرها الى ما يرغبه فعلا الرجل الذي أمامها , وما أن أبتعد الخادم حتى تابع الحديث:
" سيكون الأتفاق عمليا بحتا , سهلا ونقيا , أنا أريد أمرأة تلعب دور زوجتي لبضعة أشهر, وأنت تريدين تغيير الأجواء لتتغلبي على مشاكلك الشخصية".
" ولماذا تحتاج الى زوجة لبضعة أسابيع؟".
" لأن زوجة شقيقي تريد أن تتقدم بدعوى حضانة الصبي في أيلول المقبل بحجة أنني لا أستطيع أن أؤمن حياة عائلية طبيعية لأبن شقيقي".
" ولكنها أحق بالصبي , لأنها أمه ولأنها تستطيع أن تؤمن له...".
قاطعها بعصبية:
" لا تستطيع أن تؤمن له شيئا , هي تسافر حول العالم باستمرار , لا تستقر في مكان واحد أكثر من أسبوع , هل هذه حياة عائلية طبيعية لولد صغير؟".
" ولماذا تسافر كثيرا ؟ ألا تريد أن تؤمن بيتا لأبنها؟".
" ماريزا موهوبة جدا, أنها...".
قاطعته كوري بحماس :
" هل تكون ماريزا مايسون عازفة البيانو؟" وهي تتذكر أنها شاهدتها تعزف في فانكوفر الصيف الماضي.
" نعم, هل سمعتها تعزف؟".
" عدة مرات , أنا وروجر...".
وعضت شفتيها وتوقفت عن متابعة كلامها , وفكرت أنها اذا كانت تسعى أن تنسى روجر عليها أن تتوقف عن ذكر أسمه في أي موضوع , وهو تابع من دون أن يعلق على كلامها:
"أذن تفهمين لماذا لا تستطيع أن تؤمن بيتا مستقرا لأبنها , ولماذا لا أريد لأبن شقيقي أن يعيش حياة غير مستقرة ؟ أعتقد أن المحكمة ستأخذ بوجهة نظري أن كان عندي زوجة".
" زوجة لمدة ستة أشهر؟".
واذ به يجيب :
" أستطيع طبعا أن أربي بوبي من دون مساعدة زوجة , ولكن المحكمة هي التي تعتقد أن هناك حاجة الى لمسات أمرأة في تربية الصبي".
ونظر الى صحنه والمأكولات أمامه وقال:
"لننسى الموضوع قليلا ونأكل قبل أن يبرد الأكل".
واستغربت من قدرته على طرد الأفكار مهما كانت مقلقة من رأسه وتناول الطعام بشهية, هي شعرت أم كل لقمة تبلعها تنزل مثل حجر في حلقها, وراحت بها الأفكار بعيدا . الزواج؟ من رجل لم يمض على معرفتها به يومان؟ زواج مصلحة , والعلاقة التي يطلبها منها , ليست الا علاقة سخيفة.
مصلحة غريغ في أن تكون ستار زوجة تسهل له حضانة الصبي , ومصلحتها هي في الأبتعاد قدر الأمكان عن روجر , هل تريد ذلك فعلا؟ رفعت رأسها الى الرجل المنكب على صحنه , كلا, أن تذهب كمعلمة لبضعة أسابيع شيء مختلف تماما عن لعب دور الزوجة , روجر لن يصدق أن رجلا وأمرأة يمكن أن يعيشا معا من دون أن يعيشا معا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, هل هذا ما عناه غريغ؟ رفع عينيه نحوها فجأة , فأحمرت وجنتاها , وقالت:
" لن يكون الزواج حقيقيا أليس كذلك؟".
" لا تخافي, ستكونين نقية خلال أرتباطنا مثلما أنت الآن , أن هدفي واضح وانت تعرفينه ".
واذ بنظرها يشغله دخول شخصين ليسا غريبين عنها, روجر ترافقه آنجي, أختارا الطاولة التي كانت كوري تعتقد أنها تخصهما وحدهما, هي وروجر, وشعرت بألم الجرح في قلبها عندما لا حظت رأس روجر ينحني قريبا من رأس آنجي , أذن علاقتهما ليست شكلية , أنهما أعطيا الدليل الكافي لعلاقتهما الغرامية الوثيقة , أيديهما تلتحمان فوق شرشف الطاولة الأبيض.
حدقت كوري لغريغ وقالت بعينين قاسيتين :
" حسنا يا سيد مايسون, سأكون زوجتك المؤقتة".
ولم يبد على وجهه الأستغراب, بل قال بهدوء:
"حسنا, أعتقد أن علينا كزوج وزوجة أن نادي بعضنا بالأسم الأول من دون سيد مايسون وآنسة ديفيس أليس كذلك يا كوري؟".
وأبعدت كوري نظرها عن الذين يجذبانها في الطاولة المجاورة وقالت:
" ماذا؟ آه نعم , أعتقد ذلك , ولكن أعتقد أيضا أن الآخرين سيستغربون تسرعنا بالزواج ونحن بالكاد نعرف بعضنا".
هز كتفيه قليلا وقال:
" نستطيع أن نتأخر نحو الأسبوع قبل أن نخبر أحدا عن مشاريعنا".
" الكل يعرف أن لا وقت للمزارع في الرومانسية قبل الزواج".
" دورين سترى الأمر غريبا".
" ولكن في حوار بيننا شعرت أنها لا تعترض أطلاقا على أن أصبح صهرها".
أذا لقد قامت أختها بدور أصطياد زوج لها.
تابع كلامه قائلا:
"في كل حال , لكل خدمة ثمنها".
ورفع يده ينادي الخادم من أجل القهوة, وظلت هي تحدق فيه وقالت:
" المال لا يعني لي شيئا يا سيد مايسون, أنا...".
"غريغ" , قال لها مذكرا , وأضاف:
"أنا أصدقك , ولكن لا أعتقد أنه من الملائم أن تقدمي لي خدمة مقابل لا شيء, أنا ثري وأستطيع أن أدفع....".
" أرجو أن لا نتكلم عن هذا الجانب الآن يا سيد .... يا غريغ".
وفيما هما يشربان القهوة وغريغ يدخن سيكارا, راح يعرض لها خططه للأسبوع المقبل, ولكن كوري كانت تسمع القليل , وعيناها تنظران الى روجر يحيط بآنجي , وأخيرا وفيما هي وغريغ يقومان من طاولتهما ويمشيان معا للخروج , ناداها صوت كم كان حبيبا بالنسبة اليها:
" كوري".
ألتفتت ورأت روجر واقفا وفي عينيه بريق اللهفة, قالت بلا شديد أكتراث:
"آه , أهلا روجر , وأنت كذلك آنجي , لم ألاحظكما".
" أتصلت بك مرارا, هل بلغك ذلك؟".
تأبطت ذراع غريغ وقالت بادعاء:
"آه كلا كنت مشغولة جدا".
وقدمت غريغ الى روجر , وشعرت أنها سعيدة بتقديم غريغ لأنه من الأشخاص الذين تفتخر بمرافقتهم أي أمرأة , آنجي حملقت بعينيها السوداوين , واحتارت كوري أن كانت نظرة آنجي تعني تقديرا لها لأنها تمكنت من أستبدال روجر بسرعة أم أعجابا بغريغ.
وقال غريغ بهدوء وهو يحيط ظهرها بذراعيه:
لنذهب يا كوري , يبدو أننا نسد الطريق على آخرين يريدون أن يمروا".
ابتسمت كوري لروجر وآنجي وسارت لتخلي الطريق لخادم مع طبق مأكولات وما أن أبتعد قليلا حتى أمتلأت عينا كوري بالدموع.
وفي السيارة قال غريغ:
"هل كان ذلك خطيبك السابق والمرأة التي أستبدلك بها؟".
نظرت اليه بعينين تسبحان بالدموع وهزت رأسها بالأيجاب, أحاط ذراعه كتفيها وقال:
" وجدت في قولك لهما أنك لم تلاحظينهما شجاعة وقدرة على الخداع , لقد أعجبتني جدا , هكذا يمكنك أن تقومي بالدور الذي أطلبه منك تمثيله بشطارة أبعد مما كنت أعتقد".
" وكيف عرفت أنني كنت أكذب؟".
" من عينيك اللتين لم تخفيا تأثرهما, ومن عدم تركيزك على الكلام الذي كنت أقوله".
وخيم الصمت عليهما فيما راح غريغ يقود السيارة ويبتعد , وأخيرا قالت:
" آسفة لتصرفي , لم أتوقع أن ألتقيهما هناك الليلة".
"لم تتوقعي؟ أنا شعرت أنك جئت في الماضي الى المطعم والأرجح مع روجر, وأنك أخترته للقائنا الليلة على أمل أن تري روجر هناك أو أن تغرقي في الذكريات".