كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
إلى اللقاء يا سيدة كيلى . إلى الغد يا مارى .
كانت شارون برادى واقفة خلف السور الخشبى المحيط بالحديقة الصغيرة . كانت تحيي شابة تبتعد وهى تمسك بابنتها الصغيرة بيدها .
- أخيرا رحل الجميع .
قالت شارون وهى تزفر فى ارتياح
- نعم لقد تحملت حديقتنا الأطفال أسبوعا آخر .
سألتها كولين وهى تبتسم :
- هل تعتقدين أننا سنتحمل عيد ميلاد كورتنى آن لعد ظهر غد . لا تنسى أننا ننتظر رهطا من الأطفال .
- لقد وقعت الصغيرة فوق الجاتوه وسكبت الكوب .
ألقت شارون نظرة على البيت المجاور . وطفرت الدموع من عينيها وقالت بصوت مخنوق :
- من المحزن ألا تحضر العمة أوجيستا ؟ هل تذكرين كيف تمتعت فى العام الماضى فى عيد ميلاد كورتنى ؟
- على أية حال لن تفعل الصغيرة نفس الشئ هذا العام . لقد أصبحت كبيرة وسنها ثلاث سنوات .
فى تلك اللحظة استرعت انتباههما سيارة ضخمة رمادية تدخل الطريق الضيق المغطى بالغبار والحصى والمؤدى إلى المنزل . لم يكن هناك من منزل آخر سوى المسكينة السيدة رامزى .
سألت كولين فى دهشة :
- إننى أتساءل من يكون ؟ لقد رحل كل الأطفال . لم تكن السيارات تأتى إلا مصادفة من تلك الناحية ورؤية إحداها يعد حدثا مزعجا .
قالت مازحة :
- لابد أنه رجل مسكين وتعس ضل الطريق .
ما إن نطقت بتلك الكلمات حتى تجمدت فى مكانها . فقد تعرفت على السائق .
حاولت السيطرة على انفعالاتها ووجهت الحديث لأختها :
- هل يمكن أن تدخلى وتساعدى إيلين فى إعداد الأطفال للعشاء ؟ سأقوم بإرشاد هذا السيد وأعود حالا .
وافقتها أختها المراهقة فى مرح واتجهت نحو البيت دون أن تشغل نفسها بالسيارة ولا براكبها . لم تتعرف كولين على السائق وقد أسعد ذلك شارون ! لقد كان من الصعب عليها أن تواجه سليد رامزى فى وجود أختها وكلما اقتربت السيارة كانت شارون تزداد توترا .كان يسودها إحساس أن الدماء انسحبت من جسدها فجأة . ارتجفت رغما عنها ورغم الجو اللطيف فى أمسية سبتمبر .إن اسم سليد رامزى يدير رأسها . لقد ظنت أنها لن تراه أبدا وقد تقبلت هذه الفكرة من وقت بعيد . لم تكن تتمنى أن ترى الرجل الذى لم يجلب عليها سوى التعاسة واليأس . ويجب عليه أن يرحل فى الحال .
وقف سليد بالسيارة عند مكانها وهبط منها . تجمدت شارون مرة ثانية فى مكانها وتملكتها الرعشة .
لم يتغير الرجل على الإطلاق . ربما صارت كتفاه أعرض وجسده ازدادت عضلاته بروزا وبعض التجاعيد الخفيفة ظهرت حول عينيه . رغم أنه لم يمض سوى عامين وشهرين على فراقهما .
لم يكن مليحا مثل نجوم السينما . ولكن كانت تنبعث منه رجولة كانت تزعجها دائما . وظهرت مرة ثانية العواطف والأحاسيس التى حاولت كتمانها خلال عامين وشهرين وكان ظهورها أقوى .
نظرت شارون إلى وجهه مباشرة . نعم إنه جذاب بشعره الأسود المجعد وحاجبيه ورموشه الكثيفة التى تظهر جمال عينيه الصافيتين .
كانت شارون هى أول من تشجعت بالكلام :
- يومك سعيد يا سليد .
لقد أصبحت الآن تعرف كيف تسيطر على نفسها ولم تعد تلك التى عرفها سليد من قبل والتى هجرها بوحشية . فقد تغيرت تلك الشابة تماما .
- يومك سعيد يا شارون
لقد أصبحت أكثر جمالا مما راه فى أحلامه بشعرها الطويل الذهبى وعينيها الواسعتين المعبرتين . كانت الشابة ترتدى جينزا وتى شيرت يظهران أنوثتها .
قال :
- لقد مر وقت طويل .... لقد تخيلت هذا المنظر ألف مرة وفكرت فى ألف طريقة لتحيتك وهأنا أجد نفسى عاجزا إلا عن كلام عادى .
كانت الشابة تتأمله فى دهشة وتتساءل . ماذا يعنى هذا السلوك الجديد ؟ هل يريد أن يقنعها أنه تأثر برؤيتها ؟ إنها لن تقع فى الفخ .
سألته ببرود :
- ما الذى جئت لتفعله فى مورجان فيل ؟
دهش وأخذ يتأملها دون إجابة . لقد أثبتت أنها تسيطر تماما على نفسها بطريقة لم يرها من قبل معها . لقد تركت الفتاة الشابة العفوية مكانها لتحتله امرأة ناضجة .
استطاع أن يقول :
- أنا أجدك فاتنة يا شارون .
ود سليد أن يحطم هذا التحفظ . رسم إذن على شفتيه ابتسامة رامزى الشهيرة التى لا يستطيع أحد أن يقاومها رجل كان أو امرأة .
رفعت الشابة حاجبيها بطريقة ظاهرة وتعرفت على الابتسامة الخبيثة لرجل يبحث عن طريقة للوصول لهدفه .
أمسكت ببرودة أعصابها وسألته :
- افترض أنك تسلمت خطاب السيد دافيدسون بشأن وصية عمتك الكبرى . وكما تعلم فقد تركت لى العمة أوجيستا البيت وأغراضها الشخصية وكل محتوياته وساعة بندولية طراز لويس الخامس عشر ومجموعة من الأفيال من الصينى ذات القيمة العاطفية عند شقيقاتى وإن لم تكن تساوى شيئا ماديا .
لم يصدق سليد أذنيه إنها تتحدث بلا اكتراث وكأنهما غريبات تماما .
استطردت بنفس اللهجة :
- لقد عثرت على صور فوتوغرافية قد تهمك ووضعتها فى صندوق من أجلك ويمكنك طبعا أن تدخل عند عمتك – رحمها الله – وتأخذ ما تشاء .
رفع نظره إلى البيت الصغير المجاور وقال برقة :
- إننا سنشتاق إليها كثيرا . وأجد صعوبة فى تصديق أنها ليست فى المطبخ تعد الحلوى . لقد كانت نهمة كما تعلم .
- لا . لم أكن أعلم ذلك فى الحقيقة . كنت أجهل كل شئ عنها إلا أنها كانت غاضبة من جدى . وأنا لم أقم بزيارتها سوى مرة واحدة بينما كرست كل وقت إقامتى هنا من أجلك ... أجلنا .
احمر وجه شارون ولكنها قبلت التحدى وقالت ببرود :
- عندما أصيبت أوجيستا بالمرض من عدة شهور اقترحنا عليها أن نتصل بكم ولكنها عارضت ذلك بشدة . لم تكن ترغب فى رؤية أسرتها اطلاقا .
- إن خطاب دافيدسون لا يشير إلى سبب الوفاة بالأزمة القلبية . لقد كانت فى السابعة والثمانين وقال لنا الأطباء إن قلبها ورئتيها استنفدت . لم ترغب أوجيستا أن تنصت إلى نصيحتنا بنقلها إلى المستشفى . وقد توليت أنا وشقيقاتى العناية بها وظللنا حولها حتى النهاية .
- فهمت .
ساد صمت ثقيل قطعه الشاب :
- لم يسبق لى أن شاهدت قريبا لى يموت . لقد كنت صبيا صغيرا جدا عندما مات جدى ولا أستطيع أن أتصور موت شخص عزيز على وأنا معجب بك لأنك ساعدت العمة أوجيستا للنهاية .
تبادلا النظرات طويلا دون أن يهتز لهما رمش . ثم فجأة أحس بقلبه ينقبض . لقد كانت شارون صغيرة فى السن وكانت رقيقه معه ، وحيوية للغاية وساحرة والآن هى تنظر ببرودة تكاد تصل إلى درجة العداء .
كانت شارون أول من خفضت عينيها . هناك شئ ما فى عينى الرجل يسبب لها اضطرابا . إنه تعبير جديد لم تره من قبل خلال أشهر علاقتهما . ولكن ذكرى انفصالهما المؤسف . واليأس الذى أحسته وقتها جعلها تتجنب الوقوع فى الفخ .
- سأذهب لأحضر المفاتيح . انتظر هنا لأحضرها .
أدارت له ظهرها لتدخل البيت . عندما منعها صوت سليد من الاستمرار.
- هل يمكننى الدخول معك ؟
- أفضل ألا تدخل .
- يا لسخرية القدر . عندما كنت هنا فى آخر مرة . لم أرغب أبدا فى الحضور إلى بيتك ومقابلة شقيقاتك . والآن أحب أن تدعينى وأنت ترفضين ذلك .
- لا أريد أن أبدو عادية . وأكرر لك هكذا الحياة !
- شكرا لأنك لست عادية . واجب أن أقول لك إنه رغم إرادتى اعترف بأننى أجنى ما زرعته .
تذكر عندما كان يجلس فى السيارة انتظارا لحضورها ولم يكلف نفسه مشقة الذهاب حتى الباب للقائها . أو أبدى رغبة فى التعرف على أسرتها
اعترف قائلا :
- وقتها كنت غير مكترث . كنت نموذجا للغرور الرجولى . وكنت قد قررت ألا يعتبرنى الناس ضعيفا .
قالت له الشابة :
- لم يكن هناك أى خطر .
ومع ذلك تذكرت أفعالا تتعارض تماما مع ما كان يدعيه من قسوة مثلا عندما ساعد طفلا صغيرا فى سوبر ماركت فى العثور على أمه .
وعندما توقف بالسيارة فجأة حتى لا يدهم قطة حائرة وسط الطريق , وحملها فى حنان وأعادها إلى أصحابها بعد أن قرأ العنوان على الطوق المحيط بعنقها وغير ذلك . وقد جعلها ذلك تزداد له عشقا .
عادت الشابة بعد لحظات وناولته المفاتيح وقالت :
- ضعها فى صندوق الخطابات بعد أن تنتهى . هل من المفروض أنك ستقضى الليلة فى " مورجان فيل " ؟
أجابها وهو شارد الذهن :
- نعم لقد حجزت حجرة فى الفندق .
نظر إليها بطريقة غريبة وهو يطوح بالمفاتيح فى الهواء .
لم تستطع شارون أن تستشف أفكاره . لم تستطع أبدا أن تفهم " سليد رامزي " إنها هى وشقيقاتها لم يفهمن أبدا الرجال وظلوا بالنسبة لهن مخلوقات غريبة .
فجأة سطعت الانوار فى ذهنها وفهمت لماذا أتى " سليد رامزي " ليقابلها .
|