الكتاب: 'بين الهلال والصليب: وضع اليهود في القرون الوسطى'
مارك ر. كوهين
تق\يم : جلال صادق العظم
ترجمة: إسلام ديه ـ معز خلفاوي
لتحميل الكتاب اضغط هنا
بين الهلال والصليب: وضع اليهود في القرون الوسطى
رشيد بوطيب*
18/05/2009
كتب المفكر صادق جلال العظم في تصديره للترجمة العربية لكتاب مارك كوهين يقول:
'ينتمي كتاب 'بين الهلال والصليب: وضع اليهود في القرون الوسطى' إلى هذا النوع
من الدراسات التي تريد تعديل موازين إرادات القوة وما صنعته في (تواريخ) و(حقائق)
و(وقائع) وما اجترحته من إسقاطات (ملائمة) على الماضي والحاضر والمستقبل،
لصالح الحقيقة التاريخية، مهما كانت تقريبية لأنه يعرف، كما نعرف نحن أيضا أنها
وما زالت واحدة من أول ضحايا الصراع العربي الصهيوني، أي ضحايا هذا النزوع
شبه الطبيعي لإرادات القوة المنخرطة في النزاع إلى تحويل الحقيقة والماضي
والحاضر والمستقبل والتاريخ والدين والتراث والخطأ والصواب وكل ما يمكن أن
يخطر في البال إلى مجرد أدوات في خدمة المصلحة الآنية لإرادات القوة المتصارعة تلك'.
لقد وضع الكاتب نصب عينيه مهمة الإجابة عن الأسباب التي جعلت القرون
الوسيطة الإسلامية أكثر أمنا وسلاما بالنسبة لليهود مما كانت عليه حياتهم
في شمال أوروبا وغربها، متجاوزا القراءات التبسيطية أو الطوباوية التي
بدأت تنبت كالفطر بعد اشتعال الصراع بين العرب واليهود في الشرق الأوسط.
ورغم أن الكاتب يؤكد، كما تؤكد حقائق التاريخ بأن العنف تجاه الآخر مبدأ
متأصل في الديانات التوحيدية الثلاث، إلا أنه يريد التدليل على أن الاضطهاد
الإسلامي لليهود كان أقل بكثير من الاضطهاد المسيحي لهم. ويبدأ الكاتب
بفضح مشاريع صناعة الذاكرة وعمليات الاستغلال السياسي لفكرة التعايش
اليهودي ـ الإسلامي، سواء من طرف اليهود أنفسهم، الذين حاولوا إقناع
أوروبا المسيحية من أجل أن تكون أكثر تسامحا معهم أو من طرف العرب
في حملتهم الدعائية ضد الصهيونية، والتي كانت ترى بأن قيام دولة إسرائيل
هو الذي وضع حدا لهذا التاريخ الطويل من 'التسامح'. ويعرج الكاتب في
الفصل الثاني من كتابه على قراءة الموقف الثيولوجي للمسيحية والإسلام
من اليهودية، ويسجل اختلافا جوهريا في الموقفين. فالإسلام لم يأت كتحقيق
إلهي لليهودية،لأن الإسلام وفقا للرواية القرآنية دين ظهر قبل اليهودية
والمسيحية، إنه دين إبراهيم، إنه دين التوحيد الذي دنس. كما أن الإسلام
يلتقي في كثير من مبادئه وطقوسه مع اليهودية، إضافة إلى أنه، وكما يقول
كوهين:'تقع عادة الإشارة إلى اليهودية في المصادر الإسلامية بـ 'شريعة
اليهود'. هذا الأمر يختلف مع العبارات اللاتينية السلبية الشائعة التي تطلق
على اليهودية مثل 'قانون اليهود' والألقاب المنتقصة كـ 'خرافات اليهود'
و'خداع اليهود'، إذ في الوقت الذي يعكس فيه المعجم المسيحي بالنسبة
إلى اليهود واليهودية، العداء والحقد، فإن التعبير الإسلامي يحمل اعترافا
بمفاهيم وقيم دينية متبادلة.'(ص. 90) كما يشير كوهين إلى أن التوافق
المبدئي بين الإسلام واليهودية حول وحدة الطبيعة الإلهية، قد جنبهم عاملا
أساسيا للجدل الديني، الذي كان دائما حاضرا في المناظرات الإسلامية
المسيحية. ولم تتحقق هذه المناظرات في العصور الوسيطة إلا في ظل
الثقافة الإسلامية، وكانت تعتمد على العقل أكثر منها على النقل، في حين
أن العالم الإشكنازي لم يحظ بمثل هذه الفرصة في أوروبا الشمالية.
وحتى فيما يخص الجدل الديني فإن الرد الإسلامي على المسيحية كان
قاسيا في حين أنه تحلى بالاعتدال في رده على اليهودية. وهو ما تمكن
مقارنته أيضا بالرد العنيف لليهودية على المسيحية وردها المعتدل على
الإسلام. وحتى في لحظات الاضطهاد الكبرى التي تعرض لها اليهود في
ظل الحكم الإسلامي، لا يمكن الحديث عن قمع اختص به اليهود وحدهم،
ففي عهد المتوكل مثلا تم التنكيل أيضا بالمعتزلة، كما أن الحاكم بأمر الله
الفاطمي بذر الذعر في كل الشعب المصري ولم يضطهد اليهود فقط.
ويشير مارك كوهين في كتابه الى أن الذميين قد تمتعوا، وبفضل الشريعة
الإسلامية بنوع من المواطنة، وإن كانت مواطنة من درجة ثانية أو غير
متساوية، فقد منح التشريع الإسلامي غير المسلمين شعورا برسوخهم
في المجتمع وهو ما لم تشهد له مثيلا البلاد المسيحية اللاتينية، أما فيما
يخص المجال الاقتصادي، فقد تمتع اليهود المقيمون في بلاد الإسلام بنوع
من المساواة بنظرائهم المنتمين إلى أمة الإسلام، وليس فقط بالنظر إلى
المنزلة الرفيعة التي تمتع بها التاجر في الإسلام مقارنة بالمسيحية التي
كرهت في نسختها المبكرة اكتناز الأموال وخاصة تلك المتأتية من الأرباح
التجارية. ويرجع كوهين هذه النظرة إلى المجتمع اليوناني الوثني، فحتى
أفلاطون وأرسطو شجبا النزوع المفرط نحو الربح في المعاملات التجارية،
ولكنه يرجعها أيضا إلى أقوال المسيح التي تؤكد أولوية الروحي والمادي
وتمتدح الفقر. ولهذا ليس غريبا أن تتمتع الوظائف العلمية والزراعية
والصناعية في القرون الوسطى المسيحية بمرتبة أعلى من مرتبة التاجر.
وينهي كوهين كتابه بالقول بأن يهود المشرق قد اندمجوا بحرية أكثر من
إخوانهم الاشكناز في المجتمع الإسلامي ووصلوا إلى مناصب حكومية رفيعة،
بل وتمتعت النخبة اليهودية بوضع أرستقراطي وثقافي مماثل لوضع النخبة
المسلمة. ومجمل القول أن اليهود عانوا الأمرين في المجالين المسيحي
والإسلامي، شأنهم في ذلك شأن كل الأقليات الدينية، وهو ما يؤكد حقيقة
أن الأديان التوحيدية لم تستطع التعامل مع الآخر والمختلف إلا بشكل قمعي
وأن كل الخيارات السياسية المعاصرة التي تستند إلى هذه الأديان لا بد
وأن تواجه سؤالا مركزيا، كيف يجب التعامل مع الآخر واحترام خصوصيته،
وهو ما سيفرض لا ريب القيام بأنسنة للنصوص الدينية واجتراح تأويل
جديد يقبل بتعدد الحقائق وتعدد الأصول، وبلغة أخرى اجتراح نصوص جديدة.
صحافي مقيم في برلين*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: أ. د. محمد الهواري
أستاذ الفكر الديني اليهودي ومقارنة الأديان
كلية الآداب – جامعة عين شمس
مؤلف الكتاب هو البروفسور مارك كوهين، أستاذ التاريخ اليهودي في قسم
دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون، ولاية نيو جيرسي، بالولايات
المتحدة الأمريكية.
والكتاب الذي نقدم له هنا، عنوانه "بين الهلال والصليب، وضع اليهود في
القرون الوسطى"، دراسة مقارنة لمارك ر. كوهين قدم لها صادق جلال
العظم، ترجمة حديثة صدرت في كتابه عن منشورات "الجمل" قام بها
إسلام ديه ـ معز خلفاو،. ويتكون الكتاب من مقدمة وعشرة فصول وخاتمة
(عدد صفحات الكتاب 455 صفحة 21.3x 14 سم).
وهذا الكتاب ترجمة لكتاب ظهر بالإنجليزية سنة 1994م وعنوانه:
Under Crescent and Cross -The Jews in the Middle Ages,
Princeton University Press: Princeton, New Jersey, 1994
وقد تُرجم هذا الكتاب إلى اللغة التركية واللغة العبرية، وظهرت الترجمة
الألمانية في سنة 2005م، والكتاب الآن تحت الطبع باللغة الفرنسية.
يظهر الكتاب مدى سماحة الإسلام مع اليهود.. ويسلط الباحث الأميركي
مارك كوهين في كتابه الصادر حديثا الضوء على أوضاع اليهود في
المجتمعات الإسلامية والمسيحية في العصور الوسطى ويقدم تحليلا
لسبب الاختلاف في التعامل مع هذه الأقلية في أوربا والعالم الإسلامي.
ويقول مارك كوهين في صدر مقدمته (للترجمة العربية): "لقد أنفقتُ
جُلّ حياتي العلمية، كمؤرخ للقرون الوسطى، في دراسة التاريخ
الاجتماعي لليهود الذين أقاموا في البلاد الإسلامية. وقد سعيت في
هذا الكتاب الذي طُبِع أول مرة سنة 1994م، إلى فهم السبب الذي
جعل القرون الوسيطة الإسلامية (أي الفترة الممتدة ما بين ظهور
الإسلام وحكم المماليك) أكثر أمناً وسلامةً بالنسبة إلى اليهود مما
كانت عليه حياتهم في شمال أوروبا المسيحية وغربها، من دون أن
ألجأ إلى قراءات تبسيطية أو طوباوية. فقد زادت الأحداث التي تلت
سنة 1967م، ولا سيما الأحداث التي وقعت في العقد الأخير أي
الفترة التالية عن صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، زادت من
جذوة الصراع بين العرب واليهود وصاحبتها قراءة تبسيطية
للتاريخ. فأيّد بعضُهم الاعتقاد بأنّ الشرّ قيمةٌ طبيعيةٌ متأصلةٌ
في الإسلام. وذهب آخرون في ذلك مذهباً بعيداً فاعتبروا العنف
المنسوبَ إلى الإسلام اليومَ بمثابة امتداد لعنفه الماضي تجاه
اليهود والمسيحيين. هذه القراءة وأمثالها هي التي يسعى الكتاب
إلى نقضها" (ص 11- 12).
يقول مارك كوهين في مقدمة الكتاب (للنسخة الإنجليزية):
" إن الموضوعية تحتم علينا أن نحاول مقارنة عدم التسامح
المسيحي بنظيره الإسلامي لما لهما من أوجه شبه وأوجه
اختلاف. إن الإسلام، بغض النظر عن عديد من الاضطرابات،
قد أظهر من التسامح إزاء اليهود الذين عاشوا في بلاد
المسلمين أكثر مما أظهرته أوروبا" (ص 20- 21).
في الفصل التاسع من الكتاب، وعنوانه "الجدل بين الأديان"
يشير المؤلف إلى الكتابات اليهودية والإشارات الواردة إلى
السيد المسيح في المشنا والتلمود، التي طعنت في السيد
المسيح واستخفت به وانتقصت من شأن المسيح وأفعاله،
وهي أمور تُظهر مدى العداء والكراهية التي سيطرت على
تصرفات اليهود ضد المسيحية وضد السيد المسيح.
يقول المؤلف في هذا الصدد: "لإدراك شدة التحدي الذي
مثَّلته "دلائل" العهد القديم على صحة المسيحية بالنسبة
إلى اليهود (وكذلك الردود ضد اليهودية)، يحتاج المرء
فقط إلى أن ينظر في الردود اليهودية، فالتفاسير اليهودية
المبكرة تحتوي على عديد من الردود الضمنية على
المسيحية التي سعت إلى تدعيم ثقة اليهود بأنفسهم في
وجه تيار الاعتداء المسيحي. هذا بالإضافة إلى أن الأدبيات
المشنية والتلمودية تحتوي على إحالات تشيد بالمسيح
رغم أمها، بحلول عصر الطباعة، قد حذفت معظم هذه
الإشارات بسبب الرقابة الذاتية أو بسبب مراقبة المسيحية
كما وجدت أيضاً ترجمة لحياة عيسى بالعبرية في العصور
الوسيطة المبكرة، وهي استخفاف ساخر ينتقص من شأن
المسيح وأفعاله. أما المؤرخون اليهود في العصور الوسيطة
فإنّ تأريخهم لمعاناة اليهود على أيدي المسيحيين، وخاصة
خلال الحروب الصليبية، يبرز الاحتقار في شأن المسيح
والمسيحية. وقد لقّب عيسى بأسماء مثل "المصلوب، جسد
متعفن لا يمكنه أن يخلِّص ولا أن يفيد"، وأما المسيحية فقد
صُنِّفَت عادة، على الأقل في المستوى النظري، كديانة وثنية" (ص 318).
ويقول المؤلف في خاتمة الكتاب: "لقد حاولت أن أبرز
بوضوح من خلال المقارنة المعقودة في هذا الكتاب وضعية
اليهودي ككافر في العالم المسيحي الغربي، حيث كانت
وضعيته أقل التباساً ووجوده أكثر عرضةً للخطر مما كان
عليه وضع اليهود في الإسلام. فقد ضاعف النشاط
اليهودي في المجال الاقتصادي في الغرب اللاتيني، وخاصة
في القرون الوسطى العليا والمتأخرة، الشعور المسيحي
الدّفين بمعاداة اليهود. وتضاعفت الحواجز أمام التفاعل
الاجتماعي، فأصبح إمكان تجاوزها قليلاً. وأيضاً فإن
الكراهية الدينية الدفينة قد كان لها أثر سلبي على القانون
والسياسة التي نمت عبر الأزمنة (ص 444).
.