بعد الغياب
الجزء الأول
- أوووووف..البنات اليوم جننوني..
كانت هذه هي جملة الدكتورة جواهر اللي قالتها، وهي تطلق تنهيدة طويلة، وتحط شنطة لابتوبها على طاولة مكتبها بيد، وتخلع نقابها باليد الثانية، وتعلقه على الشماعة القريبة من مكتبها.
ردت عليها زميلتها وصديقتها المقربة الدكتورة نجلاء اللي قاعدة وراء مكتبها، وتقلب أوراق في يدها، وهي تبتسم بإرهاق: ليه عسى ماشر؟؟
لفت جواهر وجلست على كرسي المكتب، وهي تحرر شعرها الأسود الناعم والكثيف اللي يوصل طوله لتحت أكتافها بشويتين من الشيلة ومن الشباصة وتنثره على أكتافها ليرسم سواد شعرها الحريري المسترسل مع صفاء بشرتها المصقولة الشفافة لوحة مبهرة يعجز أعظم رسام عن رسمها لأنها من صنع الخالق، وسبحانه جل شانه ما أبدع ما صنع في هذه الأنثى الاستنائية.
(لا أميل مطلقا إلى فكرة البطلات الخارقات الحسن، وكأنه لا يوجد في عالم القصص عاديات الجمال، ولكن لجمال جواهر هنا ضرورة قصصية ملحة ستعرفونها لاحقا/ #أنفاس_قطر#)
وتقول جواهر وهي تعدل جلستها: محاضرتين ورا بعض والبنات كلهم يقولون: تكفين دكتورة الجو حلو ومغيم، خلينا نأخذ المحاضرة برا في الحديقة، أو طلعينا بدري، دخلوا في مخي، حنانات درجة أولى، الله يعين أهلهم عليهم.
ردت نجلاء وهي ترتب الأوراق وتدبسهم ببعض: هذا عشان أنتي معطتهم وجه، ومدلعتهم.
كشرت جواهر بابتسامة: إذا أنا مدلعتهم أنتي شنو؟؟ ، أنا أحترمهم وهم يحترموني، أمسك العصا من النص.عشان عمر التدريس الجامعي ماكان كبت وكسر لشخصية الطالب الجامعي، وفي نفس الوقت موب تسيب وفلتان.
نجلاء بصوت مرهق: خلاص عمتي جواهر فتحت موضوعها المفضل، من بيسكتها؟!
ابتسمت جواهر ابتسامة واسعة بينت أسنان رائعة في بياضها وتناسقها من خلف شفتين ناعمتين مكتنـزتين..ابتسامة ساحرة تجسد الفتنة الأنثوية في أوجها، الأنوثة الناضجة الممتزجة بملامح براءة غامضة تصنع سحرها الخاص بها هي فقط: يا قلبي يا نجلاء، التدريس الجامعي أنه إحنا نصنع شخصيات واثقة وملتزمة واستقلالية في ذات الوقت، أعرف إنها معادلة صعبة بس موب مستحيلة.
- واللي يخليج جيجي ماني ناقصتج اليوم. حمادة مسهرني البارح حرارته 40، واضطريت أنزل وأخليه عند عمتي عشان امتحان البنات اليوم، وجايه مواصلة بدون نوم.
- تدرين نجلاء إنج بايخة، وثقيلة دم، وماعندج سالفة.
- وليه كل هذا يا دكتورة؟.(قالتها نجلاء وهي تبطل عيونها بكسل)
- تطلعين وتخلين حمودي تعبان، عشان امتحان وأنا موجودة!! كان أرسلتيه مع السواق لي، وأنا برسم الخدمة: أحضر بدالج المحاضرة وأوزعه عليهم.
- فديت عمرج يا جواهر، بس إذا كان حبيبك عسل، ما أبي أثقل عليج، كفاية محاضراتي اللي حضرتيها بدالي الأسبوع اللي فات، مالي وجه، وجهي طاح، ياوجه استح.
- والله ثم والله تقومين تروحين لبيتج الحين، وإلا هذا أخر ما بيني وبينج، قومي طسي لبيتج، وهاتي الامتحان.
- بس يا جواهر......
- مافيه بس..هاتيه.. يعني أنا وش وراي أستعجل عليه...(وتنهدت جواهر بحسرة)
- كله منج، لو تبين كان تزوجتي من زمان، واليوم قبل بكرة، وبكرة قبل اللي بعده.. أخوي مخلي خطبته مفتوحة. وصحيح أخوي مافيه منه، بس ألف غيره يتمنونج.
ضحكت جواهر ضحكتها الصافية اللي تشبه رنين أجراس الكريستال الفاخر، واللي لو كان رجّال هو اللي سمع رنين ضحكتها كان تكهرب220 فولت وضربه زلزال بقوة 8 درجات على مقياس ريختر: عدااال.. اللي يسمعج تقولين خطاب، يقول بنية أم 18، أنا عجّزت ياقلبي، بعد كم شهر بيصير عمري 31، يالله حسن الخاتمة بس.
قالت نجلاء وهي تجمع أغراضها عن المكتب وتلبس عبايتها: أنتي والله اللي قليلة خاتمة، شنو 31، يعل 31 جاموسة تترفس في بطنج يمكن ترجع لج عقلج، أنتي قمر يا بنت، تعرفين شنو قمر، أنتي ماعندكم مرايا في بيتكم، وعادج في عز شبابج وأنوثتج...... الحين ماني متفرغة لج، بكرة نتفاهم، خذي الامتحان، وتراهم مجموعة 2 اللي محاضرتهم بعد ربع ساعة.
تنهدت جواهر: لا بكرة ولا بعده، روحي لحمودي، وانا بأمر عليج العصر، أتطمن عليه.
خذت جواهر الأوراق من نجلاء، ورجعت تجلس وراء مكتبها، وهي تراقب بهدوء ومودة نجلاء،
وهي تلبس عبايتها وتشد شيلتها على رأسها وتثبتها عدل..تدخل شعرة طايرة، وتلبس نظارتها الشمسية،
كانت ملامح نجلاء الهادئة الحنونة تذكرها بملامح أمها الله يرحمها، صدق إنها ملامح يمكن ما تلفت انتباهك ببساطتها وكونها تمر عليك كل يوم، لكن لما تعرف أصحابها ينقشون أنفسهم في القلب نقش، بحضورهم الإنساني المتسع اللي على قد امتداد الكرة الأرضية.
حست جواهر بنغزة جامدة في عمق قلبها، مو قادرة لحد الحين تتجاوز وفاة أمها رغم مرور أكثر من سنة. تكره الرجعة للبيت لأن كل زاوية من زواياه فيه ريحة أمها وذكراها وهمساتها، لولا وجود أخوها اللي أصغر منها عبدالعزيز في حياتها، كان يمكن جنّت بعد وفاة أمها مع الذكريات القديمة اللي مو راضية ترحم قلبها وكيانها، واللي كانت أمها تلهيها عنها شوي..
عبدالعزيز البلسم الشافي الحنون، بقلبه الطاهر، بروحه المرحة.. لاشعوريا ابتسمت وهي تتذكر تنكيت عبدالعزيز عليها: ما يسميها إلاَّ الزرافة، عشان طولها 173، بينما هو قصير شوي، طول طفولته كان يتمنى يكون طويل طويل مثل........ هزت رأسها بعنف وكأنها تحاول نفض ذكرى "الطويل" من رأسها.. لكن غصبا عنها ذكرى "الطويل" حضرت بعنف، مثلها مثل كل أحزانها اللي ما تغادرها ولا لحظة.
رجعت ذكراها لحوالي 18 سنة ورا، وبنات المدرسة يضحكون عليها ويقولون: صدق يقولون إنج بتاخذين واحد (مرت بباي).. ضحكت من مصطلح (مرت بباي).. لكن الضحكة الميتة الـمُنتزعة من خواء قلبها أعقبها شهقات وشهقات وبكاء عنيف. قامت جواهر تقفل بسرعة باب المكتب، لا يدخل عليها حد من زميلاتها أو الفرّاشة، استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، ومسحت وجهها بمناديل المكياج اللي معها بشنطتها، وقربت الزبالة منها ومسحت وجهها بماي بارد، بعدها طالعت في المرايه اللي بمكتبها وحطت ماسكرا على السريع على رموشها الطويلة الكثيفة، وحطت غلوس في محاولة أنها تخلي شكلها فريش وتخبي أثار البكاء، بعدها لبست شيلتها ونقابها، وخذت امتحان طالبات نجلاء وطلعت بعد ما قفلت باب مكتبها هي ونجلاء من برا.
**************
في بيت نجلاء، كانت عمتها (أم زوجها جاسم) جالسة في الصالة اللي تحت، وفي حضنها ولد ولدها، الولد مريض وحرارته مرتفعة، وينادي أمه، و وأم جاسم حاضنته بحب وتقرأ عليه آيات من القرآن، وتنفث على وجهه، وتمسحه بماي بارد، دخلت عليهم نجلاء مثل الصاروخ، دنقت على رأس عمتها وباسته، وشالت الولد من يدها، وهي تقول بقلق: أشلونه يمه؟
هزت أم جاسم رأسها: تعبان يمه، فديته ما نزلت حرارته كلش ويناديج، قومي وديه المستشفى.... إيه قبل أنسى ترا جاسم كلم ويقول بيتأخر كم يوم..
انتفضت نجلاء: عسى ما قلتي له شيء عن تعب حمودي، ما نبي نخرعه بدون سبب.
ردت أم جاسم بهدوء: لا ما قلت له شيء، بس هو خنت حيلي كأنه حاسس بشيء، كل شوي يقول أنه أنتي مو عوايدج تكلمينه باختصار ومستعجلة كذا.
- يوووه يمه، تدرين أنا ما أعرف ما أخبي، أكلمه بسرعة، أخاف يشدد في السؤال عن حمد أخورها، وأهل الأولي والتالي، ويزعل أنه صار له كم يوم تعبان وأنا ما قلت له. يالله أنا طالعة للمستشفى... ثم نادت نجلاء بصوت عالي ومستعجل:ماريا يالله نادي السواق وأمشي معاي نروح المستشفى. التفتت نجلاء تكلم عمتها: مسكينة ماريا توها جابتني من الجامعة، يمكن مالحقت تأكل شيء.
- ابتسمت عمتها ابتسامة مرهقة: يالبي قلبج يا نجلاء، مالوم جاسم في حبج، شايلة هم خلق الله.
- هذولاء في ذمتنا يمه ومسؤلين عنهم يوم الحساب. اللهم ثبتنا يارب وخلي لي وليدي وعافه يارب العالمين.
- آمين..أي مستشفى بتروحين يمه؟؟
- ما أدري يمه، يمكن عيادة الدوحة، وإلا طوارئ السد، بأشوف.
******************
في نفس اليوم في قاعة من قاعات جامعة قطر، البنات يدخلون القاعة باقي على المحاضرة دقايق، 3 بنات يمشون مع بعض ثنتين لابسين عباياتهم ونقاباتهم والثالثة بعباية وشيلة، دخلوا مع بعض للقاعة وهم يسولفون، وجلسوا في الصف الأول، خلعوا البنتين نقاباتهم ودخلوها في الشنط، وطلعوا المرايا يتأكدون من أشكالهم، وضبطوا الغلوس على شفايفهم.
سحبت فاطمة المراية من مها: عطيني أشوف شكلي.
رجعت مها مرايتها في الشنطة: وقالت: مهوب حولي، يا أنااا ياااو، تبين تشوفين شكلش، مفرعة 24 ساعة وكاشفة الخشة الشينة، وش اللي بيخرب شكلش.
ردت فاطمة عليها وهي تمد لسانها لها: محترة مني ومن خشتي الحلوة، ياالقردة.
ردت عليها مها: القردة جابتها أمش مع احترامي لخالتي أم صالح.
- أنا قردة يالسحلية.
- سحلية يالضب.
- شنو ضب هذا، صج بدوية.
قبل ما ترد مها اللي كانت تجهز الضربة القاضية، مسكت منيرة إيديهم: تايم آوت، الحكم وصل، عقب المحاضرة، نكمل الجولة، لا ألب كل وحدة منكم على علباها.
قالت فاطمة: إلا صج الحكم العود وينه، وين الدكتورة ما وصلت للحين؟؟
منيرة: إيه والله!! مهوب عوايد عين السيح.
مها: أنتي وعين السيح!! صايرة دواس على أخر الزمن، باقي مانع وخطر ونكمل مسلسل الحيالة.
منيرة: هذا حنا كملنا، مانع أنتي وخطر فاطمة.
فاطمة: بسم الله علي، مالقيتي إلا خطر.
ضحكت مها: ايه والله فيها منش لمحات، بس حرام.. أمش تكرم عن حكيمة.
ضحكت فاطمة: زين حشمتي أمي.
مها: أفا عليش كله ولا الكبير، أحطه على رأسي، بس أنتي وخويتش اللي وراش حثالة مجتمع، ماتستاهلون الاحترام.
منيرة: رجعت مها أم لسانين علي.. مو منس إلا من بلاوي الريجيم اللي تشربينها ياالدبة، أنتي وراس ما تحترمين عمتس منيرة؟
مها: عمت عينش، قولي آمين.... إلا صدق تأخرت دكتورة جواهر، نطلع وإلا نتناها؟؟
فاطمة: شنو نتناها هذي؟؟
منيرة: نتناها نتناها ؟؟سبع سنين مخاويتنا وماحفظتيها، خلينا نسوي ترجمة:أمممممممم يعني ننطرها..ياالمسبهه على قولتكم.
فاطمة:هاه ننطرها، مافيه داعي ننطرها لأنها كاهي وصلت، ومافيه مسبهه غيرج.
فاطمة ومها ومنيرة صديقات من أيام الأعدادية، وفي الجامعة دخلوا نفس التخصص، كانوا مثل روح توزعت في ثلاث أجساد، كل وحدة منهم تفهم الثانية بدون كلام، وكل وحدة منهم تكمل شيء ناقص في الثنتين الباقين، كانوا نموذج نادر للصداقة الفريدة.
دخلت جواهر القاعة بعد تأخير عشر دقايق، دخلت مستعجلة وهي تحط لابتوبها على الطاولة وتخلع نقابها، وتقول: السلام عليكم بنات، آسفة جدا على التأخير، طالبات دكتورة نجلاء تأخروا وهم يحلون الامتحان، وأنا ما حبيت أعجلهم، ودكتورتهم موب عندهم.
همست منيرة لفاطمة: يا لبا قلبها.. حنينة من يومها، يا جعلني فدا لسبدها وعيونها اللي تذبح.
مها همست لفاطمة اللي جالسة في النص: قولي للي جنبش تلايط وتسكر حلقها المخنـز، تدرين الدكتورة ما تحب الكلام الجانبي على قولتها.
فاطمة لمنيرة: تقولج مها تلايطي وسكري حلقج المخنـز، وماعلى الرسول الا البلاغ.
منيرة: زين شغلها عندي.رفعت منيرة صوتها: احم احم دكتورة دكتورة.
التفت عليها جواهر: نعم منيرة تبين شيء؟
ابتسمت منيرة بخبث: مو أنا اللي أبي، هذي مها تشرب على الريق شاي ريجيم، وشكله بدأ مفعوله، ومستحية تستأذن.
ضحكت جواهر ضحكة مكتومة وقالت: اطلعي مها لو تحبين.
مها مثل اللي صبوا على رأسها ماي بارد، وجهها صار إشارة مرور، مها على طولة لسانها مع صديقاتها، إلا أنها تستحي موت وخصوصا من اللي أكبر منها وخصوصا الدكاترة.
بصوت فيه البكية: لا دكتورة مافيه شيء. والله ما أبي أطلع.
ابتسمت جواهر لها برقة: خلاص براحتج، نبدأ درسنا.
شبكت جواهر اللابتوب بجهاز بروجكتر/الداتا شو ووجهته على الوايت بورد، في الوقت اللي كانت مها تخز منيرة وتتوعدها. وتأشر لها الاشارة الشهيرة وهي تمرر يدها على حلقها.
في نفس اليوم بالليل، وفي بيت من بيوت الدوحة، كانت الأضواء والكشافات تضيء الحديقة الواسعة المنسقة بذوق رفيع، وخلفها تظهر الواجهة الرخامية للفيلا المتوسطة الحجم والتي يظهر فيها هي أيضا ملامح الذوق الشديد الرقي والخصوصية.. في الحديقة على كرسي خيزران تجلس بهدوء ووداعة وعيونها مسكرة، وهي تضع شال صوف على أكتافها، ما حست فيه وهو يقترب بحذر، ويجلس على الكرسي المقابل لها.. يتأملها بهدوء، حاس بحزنها ويأسها مثل السكاكين اللي تنغزر بقلبه بدون رحمة، يحاول دائما أنه ينسيها حزنها، بس عارف إنها حتى لو مثلت عليه السعادة، أن حزنها أصبح جزء من تكوين شخصيتها. كانت العلاقة بينهم علاقة فريدة: كانوا أشبه بالتوأم حين، أب وبنته حين، أم وولدها حين ثالث، كان الفرق بينهم ست سنوات.
تنحنح بهدوء، وقال وهو يهز ذراعها بحنية: أم عبدالعزيز، أم عبدالعزيز.. قومي فديت قلبج أنا، الجو بارد عليج.
قامت جواهر وهي مفزوعة وتسمي بالرحمن: خرعتني الله يقطع أبليسك، وألف مرة قايلة لك لا تناديني أم عبدالعزيز. قالتها وهي تضربه ضربة خفيفة على كتفه.
تصنّع الحزن وقعد يمسح دموع وهمية: أفااااا.. ما تبين أقول لج أم عبدالعزيز، عيل من أمي؟؟
تنهدت جواهر: لا تفتح جروحي واللي يرحم والديك، أنت عارف أنا وش أقصد، إذا رجع عبدالعزيز، قول يا أم عبدالعزيز.
تنهد عبدالعزيز تنهيدة أطول، وهو يمسح لحيته المتوسطة الطول، اللي تزين وجه لطيف الملامح: ليه هو جروحك تسكرت عشان أفتحها. ما أدري أنتي متى بتنسين وتكملين حياتك طبيعي، لمتى وأنتي تنطرين عبدالعزيز وأخته؟؟
طالعته جواهر بحدة: ياه على هالموال اللي ما يخلص، ومن قال أني ما كملت حياتي طبيعي، هذا أنا كملت دراستي وعوضت فترة الانقطاع، ومو بس دراستي إلا خذت ماجستير ودكتوراه وفي زمن قياسي، وكاني أستاذة جامعة، يعني حياتي ما وقفت بعد اللي صار.
ابتسم عبدالعزيز بضعف: جواهر مو علي هالكلام، لو تخبين على الدنيا كلها أنا لا.. لمتى هالحزن؟؟ مو أنتي أول أم تفقد عيالها؟ الدنيا لازم تمشي، والبقاء لله، وأنتي إنسانه مؤمنة ومصلية. الموضوع صار له سنين طويلة، كل شيء في الدنيا ييدأ صغير ويكبر، إلاَّ الحزن يبدأ كبير ويصغر، وأنتي حزنج شاب بقلبج.
كانت جملة عبدالعزيز القشة اللي قصمت ظهر البعير، من بعد وفاة أمها -اللي كانت شاغلتها بمرضها وحاجتها للعناية الدائمة- وإحساسها بفقد عيالها متضاعف، وكانت تتجنب فتح حوار من هالنوع مع عبدالعزيز اللي كان طول عمره مرايتها، اللي تشوف نفسها فيها. انهارت جواهر فجأة على الأرض كأنها كانت تحمل جبل على كتفها ينتظر انهيارها، انتحبت بعنف: أبي عيالي يا عبدالعزيز، أبيهم، أبيهم،لو هم عند ربي أبي أموت أبي أشوفهم. ليه ياربي ما خذتني معهم، ليه ما خذتني مع أمي؟؟
نزل عبدالعزيز على ركبه وهو يحضنها بقوة ودموعها غرقت كتفه: جواهر ياقلبي استعيذي بالله من الشيطان، وش هالكلام؟؟ وأنا بتخليني لمن؟؟ يهون عليج حبيبج عزوز.
مسحت جواهر وجهها بظهر كفها: أنت بتتزوج قريب، وبيكون لك حياتك، بس أنا خلاص مالي حياة.
شدها عبدالعزيز من يدها وقومها وهو يدخلها للبيت: شنو مالج حياة،جامعتج وطالباتج وطموحاتج، وقبل كل شيء أنا وانتي.. بنظل طول العمر مع بعض، وإذا ما تبين تتزوجين خلاص بكفيج، أحسن، هذا الله يحبني، رزقني أنا ونورة (بيبي ستر) تربي عيالنا ببلاش،، لا وخوش بيبي ستر، مزيونة ومعاها دكتوراة، وين نحصلها ذي إلا في الأحلام. سوبر ناني جات برجولها.
ضحكت جواهر ضحكة قصيرة مبحوحة، ابتسم عبدالعزيز: جعلني ما خلا من هالضحكة، قولي أمين.
مسحت جواهر وجهها، وهي تجلس على الكنبة: ولا يحرمني منك، ومن شوفة عيالك، تعال تعال أجلس جنبي وأنا أمك. جلس عبدالعزيز جنبها وهو يحط غترته اللي بدون عقال على الكرسي.
حاولت جواهر بفشل أنها ترسم ابتسامة وهي تسأله: شأخبار شغلك؟؟
- يسرك الحال
- والعرس.. متى نويت إن شاء الله؟ ترانا طولنا على الناس. صار لكم متملكين سنة ونص، من يوم ألغي زواجكم بعد وفاة أمي ما حددنا موعد جديد.
- متى ما بغيتي أنتي؟
- خلاص خلني أشوف القاعات وحجوزاتها، وأشوف رأي خالي وأم فهد.
- أنتي خيطي وأنا ألبس، بس أنتي أكيد عارفة أني ماراح أدخل عند الحريم وهالسوالف التعبانة؟؟.
- أكيد أدري بدون ما تقول.
- بس الشيء الثاني أني ما أبي نورة تجلس قدام الحريم بعد.
- أنت وفهمناها، ونورة ليه بعد (قالتها جواهر وهي تخزه باستفهام)
- لأنه جلسة العروس قدام الناس ماهوب في الشرع، وأنتي عارفة.
- بس صار عادة، وأنا ما أحب أكسر بخاطر بنت خالي.
- أنا بعد ما أحب أنه ينكسر خاطرها، قولي لها هذي رغبتي، ولو هي تبي تجلس خلاص براحتها.
- ياقلبي عليك يالحنون، يا حليلك يا عزوز، والله أنك بتصير عريس الموسم.
- وليه يعني؟؟
- عريس لابس ثوب شانيل؟؟ وضحكت ضحكة ناعمة مازالت رنة البكاء واضحة فيها.
- شنو شانيله بعد؟؟
- خلاص عديها، الله يثبتك على طاعته.
- آآآآآآآآآآمين، وياج. هاه أشلون النفسية الحين؟
- خلني أنسى ياعبدالعزيز يومي قبل يومك.
- المشكلة أنه أنتي ما نسيتي، واللي أنا خايف منه أنه أنتي تكتمين بصدرج، فضفضي لي وانا أخوج، ليش كل شيء تكلميني فيه بارتياح، إلا لما نوصل لموضوع عيالج، 20 سنة وانتي صاكة عالموضوع في صدرج.
- 17 وشهرين يا عبالعزيز، 17 وشهرين يا خالهم. قالتها جواهر والغصة أكبر من أنها تبلعها، حاسة أنها بتختنق فيها، وكملت وعيونها هايمة بالسقف،" قبل شهرين كملوا 17 سنة"
حاول عبالعزيز أنه يفرفش الجو: (حد يقول أن هالغزال عنده عيال شباب) لكنها كانت محاولة فاشلة، وندم على الجملة اللي قالها.
لأن جواهر انخرطت في بكاء حاد وهي تشهق: أبيع شبابي المزعوم وعمري وعيوني، عشان أشوفهم مرة.. بس مرة، ليه ياربي قسيت علي كذا، والله ما أذنبت في شيء أستحق عليه هالعقاب؟؟
انتفض عبدالعزيز: استغفري ربك استغفري ربك.
انتفضت جواهر مثل اللي لدغتها حية: اللهم أني أستغفرك وأتوب إليك، آلهي لا تآخذني أنك تعلم بثي وحزني.... أنا أم موجوعة يا عبدالعزيز.. موجووووووووعة موجوووووعة، مو قادرة أنساهم أو أتناسهم، إلا مستحيل، ولا تقول ليه واشلون،والله أحس بريحتهم في الجو، ملمس بشرتهم الناعمة والله بعده بين أصابعي.
قاطعها عبدالعزيز بحدة: أكيد ماراح تنسين، وأنتي كل ليلة ما تنامين إلاَّ على ثيابهم مفروشة على سريرك.
تفاجأت جواهر: وأنت إشدراك؟؟
تنهد عبدالعزيز: يعني بتدسين علي هذي؟!!
تنهدت جواهر تنهيدة حارة منـزوعة من أعمق أعماق قلبها: تدري عبدالعزيز، أنا لو متأكدة أنهم صدق ربي خذ أمانته عنده، كان احتسبتهم عند رب العالمين، وأنت أكثر واحد عارف إيماني بالله، بس هذا التأرجح، الأمل والشك يقتلني، كل ليلة أنام وأنا أحلم أني يمكن يجي بكرة أتصبح بوجيههم. يمكن أضمهم لصدري وأشم ريحتهم..آه ياعبدالعزيز آه ..انحرمت من شوفتهم يكبرون قدامي، انحرمت اسمع أول كلمة، وأشوف أول خطوة، وأتحسس أول سن، وأكلهم أول وجبة أكل، انحرمت من كل متعة تنتظرها الأم بلهفة مع عيالها..انحرمت حتى من أبسط حق، أسمعهم يقولون لي ماما.. آآآآآآآآآه ياعبدالعزيز آآآآآآآآه..انحرمت من طفولتي ومراهقتي، وكان والله ثم والله إنه عندي عادي وأكثر من عادي عشان عيونهم اللي حسيت كأني ملكت الكون لما شفتها بعد ولادتهم، حسيت لحظتها وتيقنت أنهم هم طفولتي وشبابي وكل اللي باقي من حياتي، أنه ربي كأنه خلقني في الدنيا عشانهم،حسيت كأني أطير في السما والله أطير.. آآآآآه ياأخوي وسندي آآآآآآآه، انحرمت منهم ، ونزلت من السما لسابع أرض، الله ينتقم من اللي حرمني منهم، الله يأخذ حقي منه يوم نتقابل أمام وجهه الكريم. الله ينتقم منه.
- جواهر لا تدعين على.......
قاطعته جواهر بعنف بنبرة تنضح بالكراهية: لا تقول اسمه، لا تقول اسمه قدامي.
قال عبدالعزيز بلين: أنتي مثل اللي يمسك في القشور ويخلي اللب، ولو ما قلت اسمه، هو بشخصه حاضر، لأنك كل ما تذكرتي عيالك لازم تتذكرينه معهم.
ابتسمت جواهر ابتسامة خفيفة وهي خلاص تبي تنهي الموضوع اللي استهلك كل طاقتها وانفعالاتها: تعشيت يا قلبي؟؟
تفهّم عبالعزيز رغبتها في انهاء الموضوع مع أنه كان حاب أنهم يتكلمون عشان تفضفض عن اللي بداخلها، لأنه هذي من المرات القليلة اللي تكلمت عن عيالها، قال بحنية: تعشيت ياعلني ما خلا منك، طلعنا أنا والشباب من الدرس، وحلف علينا راشد نصلي في المسجد اللي عند بيته ثم نتعشى عنده، وتوني الحين جاي من عنده.
ابتسمت جواهر وهي تتذكر راشد أكبر شيطان في الفريج وهو صغير ما حد سلم من شره، كان مفلع كل عيال الفريج، بس هو كان بذرة طيبة الله يرحم أمه، ورغم أنه مو مطول اللحية ولا مقصر الثوب مثل عبدالعزيز، إلا أنه شديد التدين والتفقه في الدين مع أنه أصغر من عبدالعزيز ب3 سنين، نفضت الذكرى عنها وهي تقول لعبدالعزيز: يوه كنت بأنسى، بكرة الأثنين أكيد صايم؟؟
- إن شاء الله.
- خلاص بأحط لك سحور في حافظات في الصالة، عشان لا قمت تصلي التهجد تتسحر.
- يا جواهر ماله داعي، توني متعشي.
- إلا لازم.. ليل الشتاء طويل وبتجوع
**************
هذا اليوم كان يوم شبه اعتيادي من حياة بطلة روايتنا.. عجبتكم الرواية أكملها أو أنسحب بكرامتي أحسن؟؟؟
#أنفاس_قطر#
بعد الغياب/ الجزء الثاني/23/12/2008
في نفس اليوم بالليل.
جواهر بغرفتها، تأكدت أنها سكرت الباب بالمفتاح.
بأصابع مرتجفة، فتحت الدولاب، وطلعت صندوق خشب صغير فاخر جدا
أول مافتحته فاحت منه ريحة عود قوية وساحرة.
مسكت الصندوق وهي حاضنته
كأنها خايفة حد يأخذه منها.
جلست على السرير، وفتحت الصندوق بحنية كأنها تلمس مخلوق حي.
طلعت منه قطع ملابس مختلفة لمواليد صغار باللونين الأزرق والوردي.
طلعتهم بشويش وهي تتأكد من كل زاوية فيها أنها سليمة، ما فيها نتش أو قطع.
ظلت تمسح على الملابس وتشمهم
وتهمس لهم بكلمات غير مفهومة
كأنها تمسح على عيالها نفسهم وتكلمهم
بعدها حست أنها خلاص مو قادرة تستحمل الانفعال
حطتهم على السرير وحطت رأسها عليهم
وبدأت دموعها اللي ما تجف تسيل بهدوء، في تكرار لمسلسل ليلي لا توجد له حلقة أخيرة.
وهي على هذا الوضع، رن موبايلها.
انتفضت بعنف ورنين الموبايل ينتزعها من عالمها الخاص.
مسكت الموبايل تشوف من اللي يتصل هالوقت.
كانت نجلاء، حاولت جواهر أنها تتماسك وردت:
- ألو..
- هلا والله بصادقة الوعد.. (نجلاء بعيارة)
- أسفة والله نجلاء بس صار اجتماع في القسم وماطلعت من الجامعة الا المغرب، ودقيت عليج، لقيت موبايلج مسكر. (جواهر بصوت حاولت أنه يكون متماسك.
- ماصار إلا الخير.. إلا صوتج وش فيه؟
- فيه إنج مزعجة وصحيتني من النوم.
- نعنبو.. نايمة الساعة 10 يالدجاجة؟؟
- ليه فيه مانع نجلاء هانم؟؟
- فيه إنج وعديتني تمرين علي ما جيتني، أنا عادي وأدري مالي خاطر عندج، بس حمودي المسكين، أنا قلت له إنج بتجين، والمسكين قاعد متزهب.
- صج كلاكة كذابة، أبو سنة وقاعد يتزهب، لاصار عمره خمس سنين، بيجي يأخذني من البيت على سيارته اللي يسوقها بنفسه.
- أكيد!!! هذا حمد بن جاسم على سن ورمح.
- يا حليلج يانجلاء، زين ينفع أمرج الصبح، ما عندي محاضرات إلا الظهر.
- ينفع ونص، بس تعالي لي بدري، أبي أسولف معج شوي.
- الله يستر منج ومن سوالفج.
- أنتي بس تعالي ويصير خير، والحين تصبحين على خير.
- وأنتي من أهله.
سكرت جواهر من نجلاء ورجعت تسند رأسها على ملابس عيالها وتشمها بعمق
ماعاد فيها إلا ريحة العود اللي هي تبخرالثياب فيه على طول
بس حاسة أنه فيهم ريحتهم وملمس جلدهم
بتموت من الحنين والشوق واللهفة والوجع..
الوجع اللي يمشي في عروقها مجرى الدم، حتى امتلت كل مسامات جسدها فيه..
نبهت منبهها على الساعة 3 عشان صلاة التهجد، وحطت رأسها على ملابسهم، وهي تحاول تنام.
*********
ثاني يوم..الصبح الساعة 9..
في بيت نجلاء.. جواهر ونجلاء قاعدين بمجلس الحريم.
نجلاء بترحيب صادق: ياهلا والله بالشيخة جواهر.
- حياج الله وأبقاج.. هاه وينه حمودي.
- نايم
- وإذا هو نايم أنا جاية عشان من؟؟
- يمه منج، زين احترمي مشاعري الرقيقة شوي، جامليني، حرام كسر الخواطر.
- أنتي شبعانة منج في الجامعة.
- بس أنا ما شبعت منج، أنا الفضول بيقتلني، واليوم صدتج، في الجامعة ما أقدر أسالك براحتي، أخاف البنات يدخلون ، يقطعون السالفة وما ترضين تكملين لي عقب.. وعندي عمتي دايم موجودة بس هي اليوم عند بنتها... وعندج ما أزورج إلا بنات خالج ناطين لنا، اليوم ماراح يفكج مني شيء.
- وش هالموضوع المهم اللي بتموتين وتعرفينه؟؟
- أممممم بصراحة هم موضوعين مو واحد، الأول سالفة زواجج من طقطق للسلام عليكم، أنا بس أعرف إنج تزوجتي وعمرج 12 سنة في سنة الـ 90، بس حتى هذاك الوقت ماعاد الناس يزوجون بناتهم في هالسن الصغيرة، يعني ما كنا الستينات ولا الخمسينات........ الموضوع الثاني: دراستج، أنا أعرف إننج تركتي المدرسة 3 سنين بعد زواجج، أشلون قدرتي تكملين بهالسرعة، وتأخذين الدكتوراة وأنتي عمرج 27، يعني خلال فترة قياسية جدا.
جواهر بتوتر: أشرايج أحكي لج الموضوع الثاني وبلاها الموضوع الأول واللي يخلي لج حمودي.
نجلاء بإصرار: لا لا لا .. الموضوع الأول أهم من الثاني، يا حبيبتي يا جواهر، احنا صديقات وخوات، صح؟؟
جواهر بصدق: والله أكثر من خوات..
نجلاء بحنان: افتحي قلبج يا جواهر ..لازم تتكلمين عشان تتجاوزين حساسية هالموضوع، لو قعدتي مسكرة عليه بهالطريقة، عمرج ماراح تتجاوزين الموضوع..
جواهر بألم: بس الكلام عنه يجرح كل شيء فيني، أنوثتي، أمومتي، وحتى إنسانيتي..
نجلاء بصدمة: لهالدرجة؟؟
جواهر تفرك إيديها ووتتنهد: وأكثر يا نجلاء وأكثر، بس تدرين أنا خلاص بأحكي لج كل شيء، والسالفتين مع بعض زواجي ودراستي، لأنهم مرتبطين..
تنهدت جواهر ومرة ثانية، وخذت الكوشية من جنبها، حطتها بحضنها وتسندت عليها بتعب وهي تقول:
توفى أبوي الله يرحمه وأنا عمري 12 سنة ووقتها كنت مخلصة ثالث إعدادي وفي إجازة الصيف مو في أول إعدادي مثل ما كانوا البنات اللي بسني.
نجلاء باستغراب: أشلون؟؟
جواهر وعيونها تحاكي بحيرة من الألم: تذكرين أنه كان عندنا في قطر من زمان، وما أدري لو عاده موجود أو لا، نظام يتيح للطالب المتفوق أنه يدرس مواد سنة كاملة في الصيف، ويقدم اختبارات مع طلبة الدور الثاني، ولو نجح، يختصر سنة، وينتقل للسنة اللي بعدها.
- ايه صح أذكر..
- أنا كنت شاطرة كثير في المدرسة، ولما كنت في رابع، مدرستي الله يذكرها بالخير، هي اللي أصرت أني أقدم صف خامس في الصيف وأطلع على سادس، لأنها حست مستواي أعلى من مستوى باقي البنات، وفعلا سويتها بمساعدتها ونجحت، وبعدها عجبتني الحكاية، ورجعت سويتها لما خلصت أول إعدادي، ونجحت في ثاني إعدادي في الصيف، وطلعت لثالث، وتوفي أبوي الله يرحمه بعد يومين من اخر اختبار لي في ثالث إعدادي
- والله سالفتج سالفة، وعقب؟؟ نجلاء بتلهف وترقب.
- أبوي كان عنده ولد خالة اسمه محمد، كانوا مثل الأخوان، ومحمد كان مريض الله يرحمه بعد، فأصر على ولده اللي كان توه راجع متخرج من أمريكا، وعمره 23 أنه يتزوجني.
- تكلمين جد؟؟ نجلاء باستغراب
- والله جد.. (جواهر بألم أرجعته الذكرى لها) وكملت جواهر:
تخيلي فرق 11 سنة بيني وبينه، هو كان رجّال وأنا طفلة، بس أبوه أصر، لأنه ماكان لنا حد من القرايب، ومحمد كان خايف علينا، أنا بنت صغيرة وأمي وقتها بعدها بنص عمرها، وعبدالعزيز طفل عمره سبع سنين.
قاطعتها نجلاء: وخالج أبو فهد وينه؟؟ أدري انه اللي تكفل فيكم؟؟
جواهر: انطري علي جايتج في الحكي، خالي أبو فهد، جلا برا قطر وأنا عمري سنتين ، في قتل خطأ، وخاف من أهل القتيل يقتلونه، ولا حد كان يعرف طريقه.
نجلاء: صراحة فيلم هندي..
جواهر بابتسامة حزينة: بعدج ما سمعتي شيء
نجلاء بترقب: كملي بليز كملي.
جواهر: فولد خالة أبوي أصر على زوجي سابقا أنه يتزوجني، عشان يكون مصدر حماية
جعل أمحق حماية، شوفات وبزر على قولة ولد خالة أبوي.
نجلاء باستفهام: إلا صدق عمرج ما قلتي لي اسم زوجج، اقصد سابقا.
جواهر بحقد: ما أحب أقول اسمه، موب لازم. ولو تبين موب لازم أكمل خلاص..
نجلاء: لا لا واللي يرحم والديج ..كملي كملي بليز.
جواهر بتأمل وهي تعصر الكوشية بين يديها:
أمي اقتنعت مع ولد خالة أبوي إن هذا هو الحل الوحيد.. لأنه كنا محتاجين رجّال معانا..
المهم تزوجت بعد وفاة أبوي بشهر واحد،وطبعا بدون طقطقة ولا حتى معازيم،
لانه أمي كانت في الحداد، وكان إصرارهم على الزواج في هالوقت، عشان حد يقدر يدخل بيتنا ويجيب طلباتنا..
وأنا كنت مو مصدقة نفسي... طفلة، مبسوطة بالثوب الأبيض، وإنها صارت عروس...
جواهر رجعت ذاكرتها لـ18 سنة ليلة زواجها وهي تشرك نجلاء معاها في الذكرى كأنهم يشاهدونها معا:
جواهر جالسة في غرفة نومهم
وجهها ملطخ بمكياج ما يتناسب مع عمرها
وهو جالس في الزاوية البعيدة
وجهه مدفون بين إيديه، ظل على هالوضع لأكثر من ساعة، كأنه أسد حبيس، ينتظر إطلاقه من القفص
بعدها وقف فجأة
ارتعبت جواهر عمرها ما شافت حد بهالطول والنحافة
كان بالنسبة لها كأنه عمود نور، خافت وانكمشت على نفسها.
سمعت صوته بدون ما تشوف وجهه
كان صوت رجولي شديد العمق فيه بحة حزن واضحة:
لا تخافين جواهر، ماراح أذيج ولا أسوي لج شيء، أنا مثل اخوج الكبير، أو أبوج لو بغيتي.
بعدها التفت لجواهر بتثاقل
قدرت تشوف ملامحه بوضوح
كان وجهه نحيف..
بس ملامحه حادة مرسومة بإتقان مثل ملامح تمثال أغريقي..
دار في الغرفة عدة دورات
ورجع يجلس على كرسيه وهو يرجع يدفن وجهه بين ايديه..................
قطعت نجلاء سيل الذكريات وهي تقول:
يعني كان أخينا إياه مزيون والموت الحمر.. وبعدين شنو سالفة أخوج وإلا أبوج ذي ، والعيال منين جاو، من الهوا؟؟ ( نجلاء بعيارة وخبث)
جواهر بخجل ممزوج بالحزن: صج قليلة أدب، يعني هذا اللي هامج من الموضوع؟؟
نجلاء بابتسامة: تدرين عاد.. أنا دكتورة جامعة، ولازم كل شيء يمر بمنطقية قدامي عشان أقتنع.. اقنعيني والا مافيه شيء بيفكك من يدي....
قاطعتها جواهر: كل شيء جايج بالحكي، اليوم أنا أنفكت عقدتي الكلامية..
رجعت جواهر تتذكر، وهي تشرك نجلاء معها في ذكرياتها........
جواهر الصغيرة جالسة تشوف التلفزيون مع أمها بانتباه كانت أخبار اجتياح العراق للكويت معبية التلفزيون، وجواهر اللي كان عقلها أكبر من سنها، كانت مهتمة جدا بالاخبار..
دخل زوج جواهر عليهم، وهو شايل أكياس كثيرة، دخلها للمطبخ ونزلهم، ورجع دنق على رأس عمته بعد ماسلم عليهم.
أم جواهر: جهيّر.. قومي يمه رتبي الأغراض اللي جابها رجلج، يا علنا ما نخلا منه.
هو: ولا منج يمه..
قامت جواهر ترتب الأغراض، ولما تأكدت أمها إنها دخلت المطبخ وخلاص ما عادت تسمعهم، التفتت عليه، وهي تسأله باهتمام:
- يمه.. صار لي مدة أبي أسألك عن شيء.. بس مستحية..
رد عليها بجدية: أفا يمه تستحين مني أنا مثل ولدج..
أم جواهر: واغلى من ولدي والله عالم، ودي أسألك عن شيء وجاوبني بصراحة.
- تفضلي يمه..
- من يوم تزوجت جواهر وأنا شايفتك تنام بالمجلس، جواهر مزعلتك بشيء، لو مزعلتك قل لي، جواهر ياهل، وأنا بأعلمها لو هي مقصرة في حقك، مع أني ملزمة عليها ما تقصر فيك.
- كح (هو) متفاجيء من السؤال، وتنحنح: لا يمه جواهر ما سوت شيء، بس على قولتج جواهر ياهل، وأنا أحب أعطيها حريتها شوي، واخليها تتعود علي قبل..
ردت أمها بجدية وتفكيرها تفكير حريم أول: بس جواهر مره كاملة.. وأنت فاهم قصدي..
كح مرة ثانية، وهو يحس أنه بيموت من الإحراج، وحاول يغير الموضوع: إلا حبيبي عزوز وينه؟؟؟
مع إنهاءه لجملته، كان ظهور عزوز المزعج طوق النجاة له من أسئلة عمته المحرجة
نط عبدالعزيز على ظهره وهو يقول: كاني جيت، يالله قوم شيلني خلني ألمس المروحة..
(هو) بمرح: حاضرين كم عزوز بو تمبة عندنا..
عزوز بزعل طفولي: أنا موب بو تمبة، وإذا كبرت بأصير طويل مثلك، لا أطول منك بعد...
جواهر اللي دخلت في هالوقت: إيه إحلم إحلم أنك بس بتصير طويل.. قالتها وهي تمد لسانها له
عزوز وهو راكب على ظهر زوج أخته ويلمس المروحة بانتصار: إيه بأصير طويل مثل (....) وأنتي مو ربي، ربي بيخليني طويل إن شاء الله مو قصير مثلج.......................
رجعت نجلاء تقاطع سيل الذكريات وهي تقول باستغراب:
شنو حكاية قصيرة أنتي كنتي قصيرة يالزرافة..؟؟
ضحكت جواهر ضحكة مبحوحة: إيه والله كنت قصيرة وقصيرة وايد بعد.. أنا اصلا كنت توني بلغت قبل زواجي بثلاث شهور، وما طلت هالطول كله إلا بعد ما جبت عيالي...
نجلاء باندهاش شديد: يعني زوجج الطويل ما عرفج الا وانتي قصيرة؟؟
جواهر بابتسامة حزينة: إيه والله، تصدقين كنت يا دوب يوصل طولي نص صدره، تقريبا يمكن كنت 150 او 155 سانتي..
نجلاء بتمعن: تدرين جواهر سالفتج كل مالها تصير مثيرة أكثر... بليز كملي لي.. وأهم شيء العيال منين جاو يوم إنه الأخ متكي في المجلس؟؟..كملت نجلاء بخبث
رجعت جواهر تتذكر.. وتكمل لنجلاء..
#أنفاس_قطر#