كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الخامس :
راقبت (شارلوت) (باري) عبر المائدة وكتمت رغبتها في التثاؤب .
لم يكن قد مضى من الأمسية سوى نصفها إلا وأصبحت مثالاً للملل .
نظرت بتلصص في ساعتها وتساءلت عن أقرب موعد تستأذن منه بالرحيل
دون أن تثير الضيق .
فكرت ماذا يفعل (راينر) ؟ لقد كانت غاضبة منه عندما تركته ولم تتمكن
من أن تخبره أنه عندما تتعارض واجباته مع وقت تناول الطعام
فله حرية الحصول على ما يأكله وأن يضيف الحساب عليها .
ابتسمت لنفسها فقد يكون من الأفضل أنها لم تقل له ذلك وإلا لحجز
لنفسه مائدة بجوار مائدتها . منتديات ليلاس
نظرت في ساعتها مرة ثانية ثم نظرت لـ ( باري) وغمغمت :
- إن الوقت متأخر وأريد أن أعود إلى المنزل .
- لا تكوني بلهاء يا(شارلي) إن الليل مازال في أوله لقد فكرت أن تذهب
إلى مكان ما ونرقص ، هناك ناد جديد في (سانت توباز) .
- متأسفة يا(باري) ، أفضل ألا نفعل . إنني متعبة للغاية
ولا يمكن أن تذهب كل تلك المسافة .
- لن تقودي السيارة ياحبيبة القلب بل أنا ، ذكرته قائلة :
- لدي سيارتي وسائقي هنا.
- إرسليه إلى المنزل ، وأنا قادر على القيادة .
- لا لست بقادر ، لأنك سكران .
ظهر الألم على (باري) وقال :
- لم أشرب سوى زجاجة نبيذ فقط ، وأستطيع أن أتناول ضعف هذه
الكمية ولا أتأثر ، لقد تعودت على ذلك .
قالت له بجفاء :
- هل أنت فخور بذلك ؟
أشار بإصبعه نحوها :
- حسناً ، لست خجلان .. وعلى أية حال ماذا عنك ؟
إنك تتصرفين كزوجة مشاكسة ..يالها من فكرة عظيمة ،
لماذا لا تجعل الأمر حقيقة ؟
ستجعلينني أسعد فتى في العالم إذا قلت نعم .
اغتصبت ابتسامة لتهدئته .
- أخشى ألا أوافق ، أنني مغرمة بك يا(باري) ولكن ليس لدرجة
أن أتزوجك .
- هل تفكرين أنني أجري وراء مالك؟
ثم أخذ صوته في الإرتفاع حتى أن رئيس السقاة أخذ يقترب بهدوء .
- قد لا أمتلك الكثير مثلك . . ومن لديه مثلك ؟
ولكن لدي ما يكفيني كي لا أحتاج إليك .
أخذت تسترضيه :
- أعلم ذلك ، وليس لهذا السبب رفضت ولكن لأنني أحبك .
سألها بعدوانية بسبب الكحول :
- لم لا ؟ العديد من الفتيات يفعلن ذلك ولكنك أنت فقط التي تصعبين الأمور للفوز بها .
- لست أناور .. إنه من الصعب الفوز بي ، بل من المستحيل إذا كان الامر يخصك .
دفعت مقعدها للخلف ونهضت ثم استدارت وأومأت بلا أهتمام
لكبير السقاة الذي خطأ ليفصل بينها وبين (باري) عندما حاول تتبعها وقال به بهدوء :
- إنك لم تدفع الحساب يا سيدي !
- أنت تعرف من أنا . أرسل الحساب إلى اليخت .
- أسف يا سيدي .
هربت (شارلوت) دون أن تنتظر لتسمع المزيد .
وخرجت من المطعم ولم تفكر فيما ستفعله إذا لم تجد سيارتها بالخارج .
ولكن في هذه اللحظة كان (راينر) بجوارها .
- هل هناك خطأ يا آنسة (بوفيل) ؟
- نعم ..لا .. أريد فقط أن أرحل . أحاط بها لحمايتها كما سبق وأن فعل ثم
اصطحبها حتى السيارة الفيراري دون أن يسألها فتح الباب الأمامي
وانتظر حتى دخلت وجلست على المقعد المجاور له .
استغرقت في أفكارها وكلها مركزة على (باري) وعما إذا كانت قاسية وحادة معه .
لم تتكلم (شارلوت) إلى أن أحسا بأنهما يغليان من الحر على طول طريق الشاطئ :
- شكراً لله أنك كنت في إنتظاري يا (راينر) ، كنت سأواجه مأزقاً كبيراُ فيما لو خرج (باري) ولحق بي .
- لقد منت بالخارج طوال الأمسية .
- وماذا عن طعامك ؟
- لقد تعودت أن أظل ساعات طويلة دون طعام .
- ستسبب لنفسك زائدة دودية كما يقول لي والدي دوماً .
دعنا نتوقف ونأخذ لك سندوتشا .
- لا داعي لذلك ، إنني متأكد أنني أسطيع أن أستمر حتى المنزل دون أن أنهار.
ضايقتها رنة السرور في صوته ، لقد كانت في هذه اللحظة للظروف
وها هو ذا يلهو بها ثانية .
- حسناً ! إذا لم تكن أنت جوعان فأنا جوعانة ، بدت عليه الدهشة .
- ألم تتناولي عشاءك وتتمتعي به ؟
- ليس كثيراً لقد شرب السيد ( دافينبورت) كثيراً وشعرت بالملل وفقدت شهيتي .
- فهمت .
ساد الصمت وأحسن (شارلوت) أنه يصارع نفسه كي يقول ما يريد قوله .
- هيا يا (راينر) ، ماذا يدور في ذهنك ؟
تجهم في وجهها وقال :
- مادمت قادرة على قراءة أفكاري . فأخبريني ما هي ؟
ابتسمت وقالت :
- إن قوة استنتاجي تذهب فقط إلى بعيد ..هيا ..بح بها .
-إنني أتعجب وأتساءل هل أنت دائماً تحسين الملل في كل مواعيدك ؟
اعترفت قائلة :
- غالباً .
- هل فكرت في توسيع دائرة أصدقائك ؟
- كثيراً . ولكن الأمر ليس ببسيط إذا ما ولدت وترتبيت وسط زمرة فريدة
مالت إلى الخلف في مقعدها وأسندت رأسها على جلد المقعد الناعم الطري الأبيض اللون .
- كيف للمرء أن يكسر تلك الدائرة ؟
- ألم تفكري في القيام بوظيفة ؟ إنك حاصلة على درجة جامعية في الفن .
-تعودت تماما على إصدار الأوامر لا تلقيها .
-أفكر في أن تفتحي معرضك الخاص وتحولي هوايتك إلى عمل .
-فكرة جيدة من الناحية النظرية ولكن من الناحية العملية فإن الناس الذين
أشرف عليهم وأتعامل معهم هم الناس الذين أود التخلص منهم .
لا يستطيع المرء أن يهرب من عائلته ، وعائلتي هي أموال (بوفيل) .
إنني ملتصقه بهم .
مستندة برأسها على مسند المقعد وأخذت تتفحص الرجل أمام عجلة القيادة ،
كان قد خلع سترته وقد بدت عضلاته البارزة قوية تحت قميصه .
ومن أنها أدركت تماما قوته الجسمية أكثر مما رأته عندما كان نصف عار في حمام السباحة .
استمرت في الكلام :
هكذا كان والدي قلقاً بشأن الرجل الذي أواعده .
كان يأمل أن أتزوج رجلاً قادراً على متابعة خطواته .
- من الصعب تحقيق ذلك .
- أنت على حق . .لا يوجد أحد منهم يساوي عشر مقدرته .
-أنك مازلت في الثانية والثلاثين يا (آنسة بوفيل) وأمامك وقت طويل لمقابلة الرجل المناسب .
- المشكلة أنه قد يقيم حريته مثلك يا (راينر) ألم تقل لنفسك يوماً إنك لن تتزوج أبداً امرأة من أجل مالها ؟
- الرجل الصحيح لن يتزوجك من أجل مالك بل بعيدا عن مالك.
اعادت قوله :
- آه ، الرجل الصحيح ..ولكن أين هو ؟
حرك (راينر) ذراعه :
في مكان ما خارج هذه المنطقة ..استمري في البحث عنه .
تلآلآت أنوار (الانتيب) أمامها واعتدلت (شارلوت) في جلستها .
- دعنا نتوقف في المدينة لتناول أكلة خفيفة ، إن ميدان (ديجول ) يكون
غير مزدحم في هذا الوقت ويمكننا أن نركن السيارة ونتمشى .
كانت إجابة (راينر) أن زاد من السرعة ولم يهدئ منها إلا بعد
تجاوزا ميدان (ديجول ) بمسافة كبيرة ، جلست (شارلوت) مستقيمة ..
(اللعنة على هذا الرجل أعطيه بوصة فيأخذ مني ميلا).
ً قالت :
- قف يا (راينر)
- سأكون أكثر سعادة لو ذهبنا إلى مكان آخر يا آنسة بوفيل.
- لماذا ؟
- إن (الانتيب) هادئ جداً بالليل وأفضل (جوان ليبان) .
فكرت في كازينو (جوان( وصخبه وهياجه ليس هذا ما تحبه .
وساءها أن يكون هذا ما يحبه . شرح لها الأمر :
- إنه أكثر أمناً أن نجد أنفسنا بين الناس .
- لقد قلت العكس عندما كان علينا أن نلتقي بـ( باري) بعيداً عن الميناء.
ماهو الفرق؟
- وجود الطرق البديلة للهرب .
لقد أصبحت موسوساً مثل أبي ، هناك العديد من المراقبات خلفي .
وهذا الأمتداد من شاطئ البحر مزدحم بالأميرتا العربيات ونجوم السينما والمليونيرات .
لماذا بحق السماء يرغبون في إختطافي؟
- لأنه من المعروف والمنشور أن والدك يعبدك وأنه على استعداد لدفع
أي مبلغ لاستعادتك .
- هو ليس فريدا في هذا ، فأي أب أو زوج في هذا الموقف يمكن أن يفعل
نفس الشيء .
وضعت يدها على عصا السرعة .
عد ثانية إلى (الانتيب) يا (راينر) إن (جوان) فظيعة في موسم التصييف .
- هل (جوان) أم الفيلا؟
صرخت :
- إذن الفيلا .. وأكثر من هذا يمكنك أن تحزم أمتعتك وترحل في الصباح .
هدأت السيارة من سرعتها وحملق راينر فيها :
-إنني مهتم فقط بسلامتك يا(آنسة بوفيل) وسيسعدني لو اعتبرت سلوكي بعيداً عن الحفلة .
- هل أنت تعتذر ؟
رأت أصابعه تضغط بشدة على عجلة القيادة . أخذت تنتظر وهي تتوقع إجابته .
- نعم .
- إذن سنذهب إلى (جوان ) ، هناك مكان مسل عند الركن بالقرب من الكازينو
حيث يصنعون سندوتشات رائعه .
تنهد بارتياح :
- لم أقابل في حياتي شخصاً يغير مزاجه بسرعه مثلك .
- إنها خصلة ورثتها من أمي لأنها أيرلندية .
- هذا يفسر الكثير .
- ماذا تعني ؟
- إنك تضايقين وتؤلمين . وحتى تثيري الغضب . ولكنك
أبداً لا تثيرين في النفس الملل .
أحست (شارلوت) بالدفء من السرور . من الغريب أن نصف مدح
من رجلها يعيطها رضاً كاملاً أكثر مما يمنحها الأخرون .
- يبدو أنك تمتدحي يا (راينر) .
- هل يدهشك ذلك ؟
- حسناً . إنك لا تتصدق بهذا عليّ .
- وهذا ليس مكاني .
- وليس مكانك أن تعارض أوامري وع ذلك لا تكف .
ولديّ إحساس أنك تستخدم المجاملة عندما تناسبك .
- كلنا نفعل ما يناسبك .
قال هذا عن قصد . عندما اقتربا من مفترق ، نظر في المرآة المعاكسة
كما تعود أن يفعل طوال الطريق ، نظرت (شارلوت) أيضاً حولها
ولكن لم تكن هناك سيارة على مدى البصر .
لم يستمر هذا طويلاً حيث ظهر (جوان) مزدحما .
كان ركن السيارة مستحيلا . وأخيراً استطاعا أن يجدا مكانا للسيارة عندما
منحت منادي السيارة (حلوانا كبيراً) فضلاً عن أنه كان يعرفها .
قالت بسرعة :
- ليس هناك حاجة لأن ترتدي الكاب والسترة .
- أخشى أن السترة ضرورية .
قال هذا وهو يخرج من السيارة ولمست يده جراب المسدس الذي لا يكاد يظهر .
كانت تعلم أنه يحمل مسدساً حاولت ألا تفكر في الأمر .
وأستمرت في السير بجواره إلى المقهى الواسع المضاء إضاء ساطعة في وسط المدينة الصغيرة.
كان الشارع مزدحما بالسائحين من جميع الجنسيات ورغم أن الساعة تجاوزت العاشرة
إلا أن الأرصفه أمام المطاعم كانت تحتشد بالقادمين لتناول وجبات أخر الليل من المحار.
وسلاطة الثوم ، وحساء السمك وبلح البحر ، والجمبري ، إلى جانب الأطباق المصنوعة
من الخشب والممتلئة بالسلاطة الخضراء .
استنشقت (شارلوت) رائحة الطعام وتمتعت بالجو المرح الذي
يظهر جو الحرية في أن تصبح مثل أي شخص هناك .
لم تكن تماما مثل أي شخص عادي طالما كان (راينر) بجوارها
يقظا مشدود الأعصاب ويحاول أن يسرع بها إلى المقهى .
وصلا إلى المقهى ساطع الضوء حيث كانت كل مائدة بالداخل أو بالخارج
تبدو مشغولة وبعد تبادل قليل من الكلمات مع أحد السقاه حيث درس(راينر)
في يده ورقة من فئة الخمسين فرنكا عاد إليها وقال:
علينا أن ننتظر بضع ثوان .
- لست على عجل ولم يكن من الضروري ضياع نقودك كبقشيش للساقي.
قال لها ببرود :
- لا تشغلي بالك بالأمر ..يمنحني أبوك حساباً إضافياً للمصروفات.
كتمت أنفاسها . ياله من خنزير مغرور . ألقت عليه من تحت أهدابها نظرة متفحصة
طويلة كم كان جذاباً . الملعون أصبح بالتدريج من الصعب التفكير فيه
كمجرد حارس ، ومع ذلك عليهاأن تفعل ذلك ، إن إرتباطها بعلاقة معه
قد يكون عملا غبيا وخطيرا .
قطعت لمسة يده بلطف على كوعها أفكارها وقال لها :
- لقد أصبحت مائدتها معدة ألقت شعرها إلى الخلف وتبعت الساقي
إلى إحدى الموائد بجوار النافذة وعندما جلست أحست بانزلاق وشاحها الكشمير عن كتفيها .
غمغم (راينر) وهو يجلس على المقعد المواجه لها ويشير إلى المروحه الكهربائية الموضوعة فوقهما:
- قد تصابين بالبرد .
- شكراً .ثم أخذت تفحص قائمة الطعام وقالت :
- ماذا تود أن تتناول ؟
- قدح قهوة كبير . وفطيرة (كروك موسسه) صحح (مارك) الطلب عندما سجل الساقي .
- اجعله اثنين . إنني جوعان أكثر مما كنت أظن . وماذا عنك يا آنسة (بوفيل)؟
ثم لمعت عيناه متفكهاً وأضاف :
- سأقدم لك عشاء كاملاً .
- ياله من أمر كريم منك . هل أنت متأكد من قدرتك على الدفع؟
- بشرط ألا تطلبي (كافيار).
- لا تخش شيئاً . سأطلب مثل ما طلبت .
كانت ابتسامته لها دافئة بدرجة غير متوقعه وأنتظرا الطعام في صمت تسوده
الصداقة والألفه وهما يحملقان في الأرصفة المزدحمة عبر النافذة .
وينصتان لأطراف الأحاديث حولهما .
وعندما وصل طلبهما أخيراً أخذا يلتهمان سندوتشات الجبن والمربى بنهم واستمتاع .
سألها بين قضمتين :
- لماذا حتى هذه الأشياء البسيطة طعمها أفضل عندما يضنعها الفرنسيون ؟
عندما استعدت (شارلوت) للإجابة أخذت سيارة رياضية حمراء تقف في الخارج.
وقد انطلقت منها ضحكان صاخبة ، سقط قلبها في قدميها عندما لوحت لها فتاة
سوداء الشعر ثم أخذت تمر بصعوبة بين الموائد متجهة ناحيتهما
وأخذت عيناها البنيتان اللامعتان تنتقل بينهما :
- هاي (شارلي) . لقد ظننت أنك تتناولين طعام العشاء مع (باري).
- لقد فعلت .
كانت لهجو (شارلوت) مقتضبة ، أنهت الموضوع وأخذت نظرات الفتاة تتركز
لحظات على (راينر) .
- ألن تقدميني إلى صديقك؟
تملكت (شارلوت) الرغبة في الأذى . ولكن ماذا تقول عن صديقها الجديد ؟
فكبتت تعبيرها البارد وقالت :
- هذا (راينر) سائقي الجديد .
قالت الفتاة بصوت خرج من زورها :
-أرجو أن تخبريني عندما يصبح غير صالح لك..
إنني أبحث عن سائق لي أيضاً .
نظرت (شارلوت) إلى (راينر) نظرة جانبية لترى ما إذا كان قد
شعر بالضيق لحديثهما عنه وهما متجاهلتان لوجوده ولكن تعبيره كان عادياً .
مدت الفتاة يدها قائلة :
- من الأفضل أن أقدم نفسي بنفسي مادامت (شارلوت) تبدو مترددة ،
أنا (ليلا برجدورف)!
- كيف حالك يا آنسة ؟
لم يكن (راينر) يرتدي الكاب كي يرفعه تحية لها .
ولكن الفتاة أحست بالضيق من محاولته أن يبدو عبدا .
تدخلت (شارلوت) في الحديث وقالت ببرود :
- لقد ظننت أنك أتيت لرؤيتي ولم أفكر أن سائقي هو الذي
يهمك أمره.
تجاهلت (ليلا) التعلق ووجهت ابتسامة واسعة له .
- من أين أنت ؟
- انجلترا .
- إنها البلد المفضل عندي بعد الولايات المتحدة الأمريكية .
لقد عشت في لندن عندما كان والدي يعمل بالسفارة .
تدخلت (شارلوت) قائلة :
- أن أصدقاءك في إنتظارك .
- أتحاولين التخلص مني؟
- يالك من ذكية أن فهمت !
- لم أفهم أن هذا لقاء خاص . انجنت الفتاة عن عمد ناحية السائق وتعمدت
أن تلامسه ولكنه نهض بإحترام وانتظر رحيلها .
لم تشعر الفتاة بأي حرج وفردت جسدها وقالت بمكر :
- سأراك فيما بعد .
كانت الكلمات موجهة مباشرة إليه ومع ذلك كانت الفتاة
تنظر إلى (شارلوت) التي انتظرت - بنفاد صبر- عودة الفتاة
ذات الشعر الأسود إلى أصدقائها .
جلس (راينر) وقال :
- قدح آخر من القهوة يا آنسة .
- لا ، شكراً.
لقد ذهب عنها كل السرور الذي كانت تحسه بداية السهرة التي رغبت بعدها
(شارلوت) أن تنتهي ، لقد أحست بعدم الراحة لإكتشاف مكنها هنا مع (راينر) .
كانت (ليلا) امرأة شائعات فظيعة .
وستقول لكل الناس تليفونياُ عن الأمر في الصباح .
دفعت شعرها إلى الخلف بحركة غريبة وسقط وشاحها إلى الأرض
وعندما انحنيا لإلتقاطه تلامست أصابعهما .
أحست فس ثوان أن تياراً كهربائياً سرى في ذراعها فسحبته بحدة
وأسرعت خارج المقهى .
لم تتكلم إلا بعد أن أخذا الطريق إلى الفيلا .
- إن الأنسة (برجدورف) من أكلة لحوم البشر يا (راينر) ،
وأعتقد أنه من العدل أن أحذرك منها .
- أشكرك يا آنسة ، لقد لاحظت ذلك .
- من المحتمل أن تطلب الخروج معك . إذا قبلت فلك مطلق الحرية في أن تفعل .
- لماذا هذا التغيير . في الليلة الماضية حذرتني من مطاردة
الفتيات صديقاتك ؟
- لأنهم في منزلي ولكن ليس يعنيني أن أقرر كيف ومع من تمضي وقتك الحر .
فغر الرجل فمه وقال :
- ليست لدي النية أن أقضي وقت فراغي مع الأنسة (برجدورف).
لدي أمور أفضل من مطاردة فتيات صغيرات وغنيات ومملات .
- هل تفعل ذلك معي ؟
- أنت سبب رزقي . فأغفري لي وقاحتي .
لوت رأسها بحدة :
- هأنت قد أصبحت مستحيلا مرة ثانية ما إن أعاملك كصديق إلا وتصبح وقحاً .
- ألا تعنين أنه ما إن أقول شيئاً لا تحبينه . ترغبين أن أعرف حدودي .
قال هذا . ثم رفع قدمه عن دواسة البنزين حتى كادت السيارة أن تقف.
- أنت تريدين الأمور على وجهين.
- إنني مدركة كذلك ولكن .
كيف لها أن تشرح الواطف التي أثارها لديها بدرجة محيرة وهي
نفسها لا تستطيع فهمها ؟
قالت بحدة :
- نعم ، دعنا ننسى الأمر .
- لا أظن باستطاعتنا ذلك يا آنسة (بوفيل) فقد يحدث الأمر ثانية .
- إذن سيكون من الأفضل لو تركت العمل ، عند هذا الحد .
وقف السيارة كلية ، ثم جذب فرملة اليد ووقف موتور السيارة وقال لها بحدة :
- لقد انجذبت إلي ، ولهذا تريدين مني أن أرحل .
- كيف تجرؤ؟
- أجرؤ لأن وظيفتي تتعرض للخطر وهي وظيفة عالية الأجر لا أرغب في فقدها .
قذفت الكلمات في وجهه :
- سأدفع لك تعويضاً .
- لا أقبل مالاً عن عمل لم أؤده .
صمت فترة ثم أكمل :
- ولم أقم علاقة حب مع صاحبة العمل ..ولكن إذا كنت تصرين فسأفعل ذلك
كاستثناء في حالتك.
افترضت أنه كان يتفكه إلى أن أحست بالاستهزاء يبدو على وجهه .
إنه يعني ما يقول ، أحست للحظة ماذا يمكن أن تفعل فيما لو قبلها وداعبها وجرى بكفيه فوق جسدها .
ومع ذلك لو سمحت له بذلك فإنها ستحتقر نفسها في اليوم التالي .
كانت في قرارة نفسها تعتقد تماماً أن أي علاقة جسدية بحتة قد ترضيها .
- إذا لم تستقري على رأي يا آنسة (بوفيل) فقد يساعدك هذا .
ثم انزلق عبر المقعد وضغط بشفتيه على شفتيها بوحشية .
لم يكن هناك أي حنان في حركته وإنما فقط نية السيطرة عليها .
أخذت تضربة ولكنه كان قوياًُ للغاية عنها . ودفعها عند باب السيارة مما جعل من المستحيل عليها أن تتحرك.
أخذت تقاومة بشدة ولكنه كان أقوى منها .
حاول العديد من الرجال أن يقبلوها بنفس الطريقة ولكنها لم تحس مع أحدهم
نفس ما أحست به مع (مارك) الذي كان يرتجف وهمس وهو يبحث عن شفتيها :
- كم أنت لطيفة للغاية.
انتابتها أحاسيس متضاربة وكادا ينزلقان إلى ما لاتحمد عقباه.
عندما فكرت في هذه المعلومة تجمدت كل أحاسيسها وحل محلها شعور بالخزي .
لأنها سمحت له أن يتمادى إلى هذا الحد.
صاحت وهي تضربه بعنف :
- دعني أذهب .
تركها في الحال وهو يقول :
- لا تخافي فليس لدي نية أن أفرض نفسي عليك بالقوة.
أذهلها ثبات نبرة صوته.
كيف له أن يتحكم في نفسه إلى هذه الدرجة .
بينما كان من لحظات يريد أن يغتصبها ؟
آه لو كان باستطاعتها أن تتحكم في عواطفها بسهولة مثله ؟كان لا تزال ترتعد من لماساته .
وجلدها أصابه التنميل من إحساسها بفمه وكفيه .
عدلت من ثوبها بغضب وأحست ببرودة ظهرها الدافئ وصاحت :
- كيف تجرؤ على أن تلمسني ؟ هل تظن أنه لا يمكن مقاومتك .
وأن أنسى من تكون؟
أحست بالوهن من القوة التي مارسها ضدها وأرادت أن تذله :
- أنت لا شيء ..أنت بلا قيمة . لو كانت قد طمعت في رد فعل على إهانتها له
لكانت مخطئة حيث بدت عيناه ذواتا اللون الرمادي الفضي غامضتين غموض
ضباب الجبال . علق بجفاء :
- بدا أنك أعطيت الأمر تفكيرا جدياً .
- لم أستطع أن أهرب منك .
- لم تحاولي بجدية إلى لحظة مضت .
هيا انسي الأمر يا عزيزتي (شارلي).
- لماذا ..أنت ..
هجمت عليه ولكنه أمسك يديها بقبضة من حديد ووضعهما بسهولة
إلى جانبها .
صرخ :
- ألا تهتمين بالحقيقة ؟ من اللحظة الأولى وأنت تحاولين اصطيادي ..
ماذا إذن تتوقعين مني أن أفعل ؟
أن أخضع لك في الوقت الذي يجب عليك أن تخضعي لي ؟
كان على حق دون شك ولكنها تفضل أن تموت قبل أن تعترف بذلك .
- ألا تعرف متى يمكن خداعك يا (راينر) ؟ أين روح الدعابة عندك ؟
- أنت خداعه بالفعل يا آنسة (بوفيل) أما بالنسبة لروح الدعابة فهي تهرب
مني عندما تتعرض وظيفتي للخطر ، أم أنك تتمتعين بأن تمتلكي
رجلاً يتسول من أجل معيشته ؟
قاطعته :
- إن هذا ضرب تحت الحزام ؟
- هذا تشبيه مضبوط إنه الجزء الوحيد مني الذي يهمك .
ضحك عندما لاحظ عدم ارتياحها .
- آسف بالنسبة لمضايقتي الثقيلة الفجه .
ولكن الأمر يتطلب منك مجهوداً مضنيناً لترديها إليّ .
- إنك مغرور وواثق للغاية لا يستطيع أي شخص أن يخدعك.
قالت ذلك وهي في قمة الثورة وأضافت :
- إنك تظن أنك تعرف كل شيء عني .
جاء صوته كالسوط :
- نعم ، وبصراحة ليس لديك الكثير مما أحبه .
أدار المحرك بحركة مفاجئة وضغطت قدمه بقوة على بدال السرعة حتى قفزت السيارة للأمام
وأحدثت الإطارات أزيزاً عالياً واتجه ناحية الكاب .
|