حدقت فى وجهه بعينان متسعتان جزعتان وتساقطت على مقعدها وهى تهتف
بصوت مبحوح:
-م..ماذا ؟؟ الحريق ليس حادثا عرضيا!! من من مصلحته اذن ان يفتعل الحريق؟
هز الضابط كتفيه وهو يقول بلهجة حانية:
-حتى الان الموقف معتم يا مدام دنيا..
صاحت بضيق :
-لا تقل ان الحادث سيقيد ضد مجهول
ربت على يديها وهو يقول مطمئنا اياها:
-لا تقلقى يا مدام دنيا.. تحرياتنا مازالت ببدايتها .. والتحقيق يجرى بشكل واسع
لقد استدعينا تقريبا كل عمال مصنعك المحتمل فى ارتكابهم لتلك الجريمة
لا تقلقى..سنبذل قصارى جهدنا لنجد الحقيقة ونعرف من هو الجانى
انتزعت باسنانها أظافرها من فرط التوتر ..وهتفت بحنق:
-وكم سيستغرق هذا التحقيق يا ترى ؟ بعد كم سنة سنعثر على الجانى؟؟
هذا يعنى اننى لن اتمكن من استلام مبلغ التأمين لانكم لم تجدوا الجانى بعد
-اخشى ان هذا صحيح
هزت رأسها بعنف وارتجفت شفتاها وهى تصيح:
-اذن فهذا صحيح..سأفلس حقا وسيضيع كل شىء
خاصة بعدما يطالب العملاء بشروط الجزاء المهولة المكتوبة بالعقود
مط الضابط شفتيه وهو يتطلع الى حالتها السيئة
فقد تسللت دموعها من وراء ستار عينيها المتحجرة واستطاعت النفاذ
والهروب من اسرها، وتخللت يداها خصلات شعرها تبعثرهم يمينا ويسارا
ثم رفعت بصرها فجأة اليه وتساءلت بلهفة:
-وماذا عن عينات الحمض النووى بالمصنع..الا تجدى فى معرفة الجانى؟؟
ابتسم على الرغم منه من محاولتها المستميتة لحل المعضلة القائمة وقال
بأسف:
-المكان محترق على آخره يا مدام دنيا وحتى ان عثرنا على تلك العينات
فهذا مصنع ..اى سنجد عينات الحمض النووى من كل شكل ولون
لجميع العمال ..تحليل الحمض النووى لن يجدى نفعا بتلك الحالة
دقت بيديها بعنف على مسندى المقعد وهى تهب من مكانها صارخة:
-اذن لا حل...ماذا ينبغى ان افعل اذن..
-لم اقل ذلك يا مدام دنيا..فقط امهلينا بعض الوقت وباذن الله نصل للجانى
وينال عقابه
جذبت حقيبتها وفتحت باب مكتبه عنوة وهى تهتف بحرقة:
-حسبى الله ونعم الوكيل..حسبى الله ونعم الوكيل
********************
انعقد حاجباها الرفيعان بشدة وهى تهتف بدهشة:
-ماذا تعنى ؟؟ ماذا تعنى ؟؟
لماذا لم يقابل تلك المرأة التى اتفق على مقابلتها ؟؟ لماذا عاد بسيارته
ما الذى يعنيه هذا ؟؟ الن يتم القبض عليه متلبسا بجرمه
صمتت قليلا ثم هتفت بحنق:
-ما الذى يعنيه هذا يا عمرو
اتاها صوته متوترا :
-لا ادرى يا مى..نحن جميعا عاجزون عن الفهم
لا ندرى ما حدث..ربما تم تغيير ميعاد الاستلام لانه اتخذ بسيارته جانب الطريق وغرق فى حديث
مطول بهاتفه المحمول وفجأة ادار محرك سيارته واتخذ الطريق الذى آتى منه
لا ندرى الى اين وصل الان..لكن اطمئنى الاخبار تصلنا من المراقبين اولا بأول
هزت رأسها وقالت بضيق:
-حسنا يا عمرو..اخبرن.......
سقط الهاتف من يديها عندما تلاقت نظراتهما
عندما تلاقت عينان حمراوتان كالدم متسعتان على آخرهما بعينان مندهشتان
عندما تلاقت ملامح وجهه الثابتة الحادة بملامح وجهها المتساءلة الذعرة
عندما تلاقت شفتيه الصارمتين بشفتيها المرتجفتين
عندما تلاقت قبضتيه الغاضبتين بكفيها المتعرقين المهزوزين
وعندما قطع الصمت همسه المثير للخوف :
-اذن فانتى شقيقته !!
سرت الرعشة بجسدها وهى تتأمل ملامح وجهه الحادة وخرج منها صوت مبحوح:
-من !!
بلل شفتيه بلسانه الجاف وصرخ وهو يقترب منها:
-شقيقك ايتها الحقيرة..كنت تخدعينى وتوشين بى الى الشرطة
من اجل شقيقك.. لقد كشفت لعبتك الحقيرة .. كشفت وهم الحب الذى كاد يخيل على ّ
كشفت كل شىء
**********************
هتف عمرو بجذع:
-ماذا تفعل..اسرع ..هيا بنا ننجدها
-انتظر ..انتظر
تطلع عمرو بدهشة وحيرة
الى الرائد مصطفى الذى انشغل باحدى الاجهزة بسيارة الشرطة التى ضمتهم
فى صندوقها الخلفى حيث المعدات المختلفة لعمل مكافحة المخدرات
وهتف بغير تصديق:
-ماذا تفعل ؟؟ ماذا تفعل؟؟
تناقلت اصابع الرائد مصطفى بين بعض الازرار باحد الاجهزة
القابعة امامه التى اوصلها بهاتفه المحمول الذى مازال ينبعث
من اسلاكه صراخ حسام وقال بصوت مشتعل بالحماس:
-اصمت قليلا..القضية تطورت للغاية ، ويبدو اننا سنلقى القبض
عليه ان جرى بهم الحديث ووصل الى حيث يعترف باتجاره بالمخدرات
هز رأسه وصرخ فيه حانقا:
-وماذا عنها ؟ انها بخطر.. لقد اكتشف مخططها
انها بين يديه الان بدون ادنى امان ..ماذا سنفعل ؟؟
هل سنتركه يفرغ غضبه فيها .. ولا ندرى ما قد يفعل بها
امسك الرائد مصطفى يديه وهو يقول بتوسل:
-ارجوك انتظر قليلا حتى يبوح بسره حتى نستطيع القبض عليه
انها قضية الموسم وقد تدفع ترقيتى الى الامام
حدق بوجهه باستياء وهتف وهو يغادر العربة:
-يا لك من وغد !! تهتم فقط بعملك ولا تهمك ارواح الناس
صاح الرائد مصطفى:
-فتحى..فتحى..امنعه من الذهاب.. انه بذلك سيفسد كل شىء
حاول فتحى الحول بين عمرو وبين الذهاب الا ان عمرو كال له لكمة آلمت يده
لكنها وفرت له الوقت ليعدو على درج الفندق هاتفا بحنق:
-اعلم اننى سأدفع الثمن لكنها..لكنها مى
************************
امتدت يد دنيا تلتقط كارتا ورديا من وسط زهور صفراء زاهية
وهتفت بتعجب ما ان قرأت سطوره القليلة:
-انه من هولندا
اعتدلت غادة فى فراشها وهتفت بجذع:
-هل هو من على؟ هل عاد الى هولندا!!
نظرت اليها دنيا بخبث وقالت:
-وهل ستشعرين بالضيق ان كان كذلك؟؟
هزت غادة كتفيها فى لامبالاة وقالت بهدوء:
-لا..سيكون هذا افضل ..صدقينى ابتعاده عن حياتى
هو الحل الافضل
اقتربت منها وهى تقول:
-عموما انه ليس من على ..انه من فتاة اسمها نور..كتبت تقول
(ادعو لكى بالشفاء العاجل..تقبلى تعازىّ الحارة ..قلبك امانة عليكى
فلا تخونى الامانة وتواصلى جرحه.. ارسلت لكى زهورا صفراء تعبيرا عن غيرتى الشديدة
من المرأة التى خطفت قلب فارس العرب)
ضحكت غادة فى تهكم وقالت:
-ومن يكون فارس العرب !! على ! من تلك الفتاة ؟
جلست دنيا بجوارها على الفراش وقالت وهى تبتسم:
-من الواضح انها فتاة احبت على لكنه صارحها بحبه لكى
اطلقت غادة زفرة حارة وهى تغمغم:
-فلتهنىء به ..لقد فات الاوان
مطت دنيا شفتيها قائلة:
-ربما لم يفت بعد يا غادة..مادام يحبك ..امنحيه فرصة ثانية ليثبت حبه لكى
-صدقتى
التفتت كلا من دنيا وغادة الى مصدر الصوت لتبتسم غادة وينعقد حاجبى دنيا فى دهشة
مفعمة بالضيق وتهتف:
-ماذا آتى بك الى هنا ؟؟
اقترب ادهم من غادة مصافحا اياها قائلا وعيناه مثبتتان على دنيا:
-الف سلامة عليكى يا غادة ..البقاء لله
غمغمت غادة وهى تنقل انظارها بينهما فى حيرة:
-البقية فى حياتك..شكرا لمجيئك
خيم صمت مهيب على المكان قطعته دنيا بهتافها الحانق:
-الم تؤدى الواجب الذى اتيت من اجله ؟ ما الذى يبقيك بعد؟؟
اقترب منها فاسرعت بالابتعاد عنه لكنه اصر على ان تظل المسافة بينهم قصيرة
فواصل اقترابه منها وهو يقول:
-بقى واجب لم اؤديه.. واجبى كزوجك
اطلقت دنيا ضحة سخرية وهى تقول بتهكم:
-حقا!!
احتواها بين عينيه الحانيتين وقال بحب:
-واجبى كزوجك يا دنيا ان اقف بجوارك فى محنتك هذه وان اثبت اننى
اذوب فى حبك.. اننى اسير هواكى ..انكى دنيتى وحياتى.. واننى لابذل المستحيل
من اجلك.. وافعل ما لا يخطر على بال بشر حتى تغفرين لى وتسامحينى على جرمى الكبير
سأظل بجوارك حتى لو لم تقبلى.. سأكون لكى خير العون وان لم ترحبى
***************
ادركت انه كشف كل شىء وان لعبتها التى اعتقدت انها لعبتها بمهارة كشفت بآخر لحظة
وضاع الامل فى القبض عليه واظهار براءة اخيها
وبدموع حبيسة وانفاس مرتجفة كالدجاجة التى وقعت فى فخ السكين وحان وقت ذبحها
هتفت مى بثبات وان خانتها كلماتها المخنوقة :
-اذن اصبحت الان انا الحقيرة .. اصبح هدفى السامى بالقاء مجرم حقير مثلك خلف القضبان
لعبة حقيرة ..اليس كذلك!!
وماذا عنك انت ؟ ماذا عن لعبتك الحقيرة التى بموجبها ارسلت بريئا للعذاب وحكمت
عليه بقضاء خمسة وعشرون عاما فى سجن مظلم حقير..ماذا عن غشك وخداعك
للناس وتلاعبك باموالهم وسقوط مبناك الذى دفع فيه الغلابة كل ما يملكون؟؟
ماذا عن اتجارك بالمخدرات وكونك سببا رئيسيا فى ضياع شباب بلدك؟؟
ماذا عن تدميرك لمستقبل اخى وابعاده عن حبيبته؟؟ ماذا عن كونك
مدمر اسرتى والسبب فى وفاة ابى
اليس كل هذا لعبة حقيرة تستحق ان تدان من اجلها وان يتأرجح عنقك
فى حبل المشنقة عقابا لما اقترفته طوال سنوات حياتك القذرة !!
وقف امامها مبهوتا وقد تكسر قلبه الى اشلاء تفرقت بكل اتجاه
اذن فكل شىء صحيح.. وسوزى كانت على حق
كان لديه امل ضعيف ان تكون خاطئة او كاذبة ..
كان لديه امل ان تنكر مى .. لكن امله تحطم وانزاحت الغمة من على عيناه
وغزا النور عينيه التى ابصرتا على كل الحقيقة
هز رأسه بعنف وقال بتهالك:
-لقد احببتك
هتفت بمقت:
-وانا لم اكره فى حياتى احدا كما كرهتك.. اكره انفاسك ..كلماتك..وجهك
وجودك نفسه على قيد الحياة
التمعت عيناه بالشرار بينما واصلت مى بغضب :
-اكرهك..اكرهك..انت عار على البشرية باكملها
كم اتمنى ان اراك تتعفن فى الجحيم
هجم عليها صارخا وهو يوزع لطماته على انحاء جسدها:
-كفى ايتها الحقيرة.. لا اريد ان اسمع انفاسك
لقد افسدتى كل شىء ودمرتى مستقبلى ..بسببك انت ولعبتك الحقيرة
خسرت صفقة بملايين الجنهيات..لقد اوقفوا التعامل معى
وسيؤؤل نصيبى من صفقاتهم الى موزعين آخرين
صاحت من بين دموعها وآلامها واهانتها:
-توقف ايها الحقير..كل ما يهمك انك لن تظل سببا فى تدمير شباب بلدك
بتوزيعك للمخدرات ..كل ما تهتم له انك ستخسر مال لست بحاجة له
الا تهتم بكونك ملعونا لانك تهلك ارواح الشباب بمخدراتك تلك
الا تهتم بكونك مدمر اسرتى..الا تهتم بكونى اكرهك
احكم قبضتيه حول عنقها وهو يصرخ:
-لا..لا اهتم لان قلبى الاحمق خفق لفتاة مثلك كادت تودى بىّ وترسلنى للهلاك
كل ما اهتم به اننى سأمحيكى من الوجود واتربع على عرش موزعى المخدرات من جديد
لن اسمح لحشرة مثلك ان تكون سبب سقوطى..
وصاح بعروق تكاد تنفر من شدة الانفعال:
لن اسقط من اجلك
اما هى فقد شحب وجهها واختنق صوتها وهى تلوح بيديها بحاجة ماسة الى
الهواء الذى انقطع عنها وهتفت بحروف مبعثرة لم يفهم ايا منها
ولم يهتم فقد ضغط اكثر واكثر واكثر
وهى تنازع وتنازع وتنازع
وبدا ان ملك الموت جاء ليستقبل ضحية جديدة يضمها الى عالمه الاسود
*********************