سطعت الاضواء فجأة لتغشى عينا غادة التى اسرعت والدتها نحوها تعدل من وضعها على الفراش وتناولها كوبا من الماء الا انها ابعدته عنها وهى ترتمى فى احضانها وتصرخ من بين دموعها :
- انا السبب..انا السبب..انا قتلته .
همست منال وهى تربت على ظهرها :
- غادة يا حبيبتى ..لا تحملين نفسك اكثر من طاقتها ..قلت لكى مرارا هذا قضاء وقدر ..أمر الله وقد نفذ
التفتت انظارهما الى الرجل حاد القسمات الذى استند الى باب الغرفة قائلا بضيق وهو يلوك السيجارة فى فمه :
- أهو هذا الكابوس ثانية ! ألن نفرغ من أمره ابدا ؟
تطلعت اليه غادة بضيق وهو يضيف بحزم :
- لقد فكرت فى أمرك كثيرا وارتأيت ان تواصلين دراستك الجامعية هنا بجامعة الاسكندرية .. عليك ان تلقى وراء ظهرك رغبتك تلك بالانضمام لكلية الاعلام.
هتفت بتوسل :
- لا ارجوك ..لا تهدم حلمى .. لقد اخبرتكم منذ زمن ان هذه هى رغبتى الوحيدة واخطرت عمى سعيد وقد رحب باستقباله لى للمكوث بمنزله بالقاهرة اثناء فترة الدراسة..ارجوكم انه حلمى الوحيد
تطلعت منال بأمل الى زوجها الذى هتف فى حنق:
- ولم هذا التشتت بين البلدين !!
قالت منال بلهجة ملحة :
- لا ضير يا جلال .. انه عمها وسينتبه اليها جيدا .. دعها تدرس ما تشاء
زفر بحنق وقال موجها حديثه لغادة :
- حسنا و لكن يجب ان تفهمين اننى اسعى وراء مصلحتك واستقرارك
ابتسمت منال وهى تقول :
- بالطبع يا جلال وغادة تتفهم هذا جيدا..اليس كذلك يا غادة ؟
تجاهلت غادة الجواب وهى تهمس :
- دعيه يرتدى منامته.. لا يصح ان يقف امامى هكذا بملابسه الداخليه
ربتت منال على كتفها وهى تهمس بتأنيب :
- اخلدى الى النوم الان يا غادة
الا انها لم تفعل وهبت من فراشها وراء والدتها التى غادرت الغرفة خوفا من ان تبقى معه وحدها لكنه لم يعتقها والتصق بها اثناء مرورها امامه فابعدته عنها بعنف وهى تصيح بضيق واشمئزاز :
- ابتعد عنى.
ولم يفتها ان تلحظ نظراته البذيئة التى تطلع بها اليها فهتفت فى اعماقها :
- يارب خلصنى منه على خير يارب .
*******
خرجت شابة -تعقص شعرها وتخفى ملامحها الجميلة خلف نظارة شمسية كبيرة التهمت النصف الاعلى من وجهها الذى بدت عليه العصبية- من مبنى حديث الطراز واتجهت كالصاروخ الى السيارة السوداء اللامعة التى وقف سائقها فى استقبالها فحمل حقيبتها عنها وفتح لها بابها فدلفت اليها بعصبية أشد لم تغب عن عينى السائق الذى اخذ مكانه خلف مقود السيارة وقال وهو ينظر اليها من المرآة الامامية :
-ماذا بكى يا آنسة دنيا ؟
هتفت :
- ماذا بى ؟
-تبدين متوترة
خففت من حدتها عندما لاحظت خفوت صوته والحرج الذى انتابه بعدما صاحت فيه :
- لا تقلق يا محمود .. انه فقط هذا الوقت الذى نسلم فيه الطلبيات للعملاء وانت خير من يعلم ما اكابده وحدى فى الشركة بعد وفاة ابى يرحمه الله
قال محمود وقد رق قلبه لحالها:
- لن يخذلك الله يا آنسة دنيا وثقى انه يقف بجوارك ويعينك على الشدائد
- اشكرك يا محمود
تطلعت حولها بحيرة عندما فوجئت بالسيارة تقتحم حديقة فيلتها
وهتفت بتعجب :
- هل وصلنا بهذه السرعة ؟
- لا تنسين ان اليوم عطلة يا آنسة دنيا لذا فالطرق خاليه
ثم هزكتفيه وهو يوقف السيارة امام الباب الامامى للفيلا ويتساءل :
- لا ادرى ما الذى جاء بكى اليوم الى الشركة يا آنسةدنيا
لم تجب على سؤاله وهى تترجل من السيارة وتقترب بخطوات سريعة من الفيلا التى ما ان خطت اعتابها حتى صاحت بقوة :
-.. انتصار..انتصار
ظهرت سيدةسمراء يبدو عليها كبر السن وطيبة القلب تبعتها شابة قالت فى سرعة :
- هل تأمرين بشىء يا آنسة دنيا
- كوب من القهوة سريعا يا انتصار
ارتقت الدرج الداخلى للفيلا وهى تخلع حذائها وتطوح به وما ان وصلت غرفتها حتى ارتمت على فراشها وظلت لدقائق تحدق فى الحائط حتى وضعت انتصار القهوة على الكومود المجاور للفراش وقالت وهى تستعد لمغادرة الحجرة :
- هل تأمرين بشىء آخر يا آنسة دنيا
هزت دنيا رأسها وهى تغلق الباب خلفها متمتمة :
- شكرا
وعادت تستلقى على فراشها وترتشف رشفات قصيرة من كوب القهوة الذى حملته بين يديها وهى تعود بذاكرتها الى أول مرة